معاني القرآن

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]

معاني القرآن

المؤلف:

أبي الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي البصري [ الأخفش الأوسط ]


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3518-X
الصفحات: ٣٦٠

١١٤ ـ وجفنة كإزاء الحوض مترعة

ترى جوانبها بالشّحم مفتونا (١)

فيكون على أنه حمله على المعنى أي : ترى كلّ جانب منها ، أو جعل صفة الجميع واحدا كنحو ما جاء في الكلام. وقوله «يأطر متنه» : يثنى متنه. وكذلك (الحمد لله ربّ العلمين) (٢) [الفاتحة : الآية ٢] ثم قال (إيّاك نعبد) [الفاتحة : الآية ٥] لأن الذي أخبر عنه هو الذي خاطب. قال رؤبة (٢) : [الرجز]

١١٥ ـ الحمد لله الأعزّ الأجلل

أنت مليك الناس ربّا فاقبل (٣)

وقال زهير (٤) : [الوافر]

١١٦ ـ فإنّي لو ألاقيك اجتهدنا

وكان لكلّ منكرة كفاء (٥)

فأبرىء موضحات الرأس منه

وقد يشفي من الجرب الهناء

__________________

(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٢) رؤبة : هو أبو العجاج رؤبة بن عبد الله بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر من بني مالك بن سعد بن زيد مناة ، راجز من الفصحاء المشهورين ، أخذ عنه أعيان أهل اللغة ، يحتجون بشعره ، ويعترفون بإمامته في اللغة. لم تعرف سنة ولادته ، عمّر طويلا ، ومات في البادية سنة ١٤٥ ه‍ ، فقيل : دفنّا الشعر واللغة والفصاحة. (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ١٥٠).

(٣) يروى الرجز بلفظ :

الحمد لله العليّ الأجلل

أعطى فلم يبخل ولم يبخّل

والرجز لأبي النجم في خزانة الأدب ٢ / ٣٩٠ ، ولسان العرب (جلل) ، والدرر ٦ / ١٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٧٤٤٩ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩٥ ، وجمهرة اللغة ص ٤٧١ ، وتاج العروس (جزل) ، (جلل) ، (خول) ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٨٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٠٨ ، ٨٩٣ ، والمقتضب ١ / ١٤٢ ، ٢٥٣ ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٣٩ ، والمنصف ١ / ٣٣٩ ، ونوادر أبي زيد ص ٤٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

(٤) هو زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن رباح بن قرط بن الحارث بن مازن ، من قبيلة مزينة من مضر ، أبوه كان شاعرا وكذلك خال أبيه بشامة بن الغدير ، وزوج أمه أوس بن حجر ، وأخته سلمى ، وابناه كعب ، وبجير ، وحفيده عقبة بن كعب المعروف بالمضرّب بن كعب.

شهد زهير الحرب المشهورة التي جرت بن القبيلتين عبس وذبيان فدار معظم شعره حول هذه الحرب ـ حرب داحس والغبراء ـ فوصف ويلاتها ، ومدح هرم بن سنان ، والحارث بن عود اللذين أصلحا ذات البين.

عرف زهير بصاحب «الحوليات» لأنه كان ينظم قصيدته بمدة حول كامل فيراجعها ويعرضها على ذوي المعرفة ، وهو من أصحاب المعلقات ، وعدّه ابن سلّام في الطبقة الأولى من الجاهليين (معجم الشعراء الجاهليين ص ١٥٤ ـ ١٥٥).

(٥) البيتان في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٨١.

١٠١

وقال الله تبارك وتعالى (ذوقوا فتنتكم هذا الّذى كنتم به تستعجلون) (١٤) [الذّاريات : الآية ١٤] فذكّر بعد التأنيث كأنه أراد : هذا الأمر الذي كنتم به تستعجلون. ومثله (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت) [الأنعام : ٧٨] فيكون هذا على : الذي أرى ربّي أي : هذا الشيء ربي. وهذا يشبه قول المفسرين (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) [البقرة : ١٨٧] قال : إنّما دخلت «إلى» لأن معنى «الرفث» و «الإفضاء» واحد ، فكأنه قال : «الإفضاء إلى نسائكم» ، وإنما يقال : «رفث بامرأته» ولا يقال : «إلى امرأته» وذا عندي كنحو ما يجوز من «الباء» في مكان «إلى» في قوله تعالى : (وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السّجن) [يوسف : الآية ١٠٠] وإنما هو «أحسن إليّ» فلم «إلى» ووضع «الباء» مكانها] وفي مكان «على» في قوله (فأثبكم غمّا بغمّ) [آل عمران : الآية ١٥٣] إنما هو «غمّا على غمّ» وقوله (ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار) [آل عمران : الآية ٧٥] أي : «على قنطار» كما تقول : «مررت به» و «مررت عليه» كما قال الشاعر : ـ وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب : [الوافر]

إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها (١)

يريد : «عنى». وذا يشبه (وإذا خلوا إلى شيطينهم) [البقرة : الآية ١٤] لأنك تقول : «خلوت إليه وصنعنا كذا وكذا» و «خلوت به». وإن شئت جعلتها في معنى قوله (من أنصارى إلى الله) [آل عمران : الآية ٥٢] أي : «مع الله» ، وكما قال (ونصرنه من القوم) [الأنبياء : الآية ٧٧] أي : «على القوم».

وقال (ثمّ أنتم هؤلاء) [الآية ٨٥] وفي بموضع آخر (هأنتم هؤلاء) [آل عمران : الآية ٦٦] كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. وردّد التنبيه توكيدا. وتقول : «ها أنا هذا» و «ها أنت هذا فتجعل «هذا» للذي يخاطب ، وتقول : «هذا أنت». وقد جاء أشد من ذا ، قال الله عزوجل (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) [القصص : ٧٦] والعصبة هي تنوء بالمفاتيح. قال : [مجزوء الوافر]

١١٧ ـ تنوء بها فتثقلها

عجيزتها ......... (٢)

يريد : «تنوء بعجيزتها» ، أي : «لا تقوم إلا جهدا بعد جهد». قال الشاعر : [البسيط]

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٢٤.

(٢) الشطر لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

١٠٢

١١٨ ـ مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر (١)

وهو يريد أن السوآت بلغت هجرا ، و «هجر» رفع لأنّ القصيدة مرفوعة ومثل ذا قول الشاعر : [الطويل]

١١٩ ـ وتلحق خيل لا هوادة بينها

وتشقى الرّماح بالضياطرة الحمر (٢)

والضياطرة هم يشقون بالرماح. و «الضياطرة» هم العظام وواحدهم «ضيطار» مثل «بيطار» ومثل قول الشاعر : [الطويل]

١٢٠ ـ لقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي

على وعل بذي الفقارة عاقل (٣)

يريد : حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي.

وقال (فقليلا مّا يؤمنون) [الآية ٨٨] وتفسيره : فقليلا يؤمنون. و «ما» زائدة ، كما قال (فبما رحمة مّن الله لنت لهم) [آل عمران : الآية ١٥٩] يقول : «فبرحمة من الله» وقال (إنّه لحقّ مّثل ما أنّكم تنطقون) [الذّاريات : الآية ٢٣] أي : لحقّ مثل أنّكم تنطقون ، وزيادة «ما» في القرآن والكلام نحو ذا كثير. قال : [المنسرح]

١٢١ ـ لو بأبانين جاء يخطبها

خضّب ما أنف خاطب بدم (٤)

أي : خضّب بدم أنف خاطب.

__________________

(١) البيت للأخطل في ديوانه ص ١٧٨ ، وتخليص الشواهد ص ٢٤٧ ، والدرر ٣ / ٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٢ ، ولسان العرب (نجر) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٧ ، وأمالي المرتضى ١ / ٤٦٦ ، ورصف المباني ص ٣٩٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٦ ، والمحتسب ٢ / ١١٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٩٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٥.

(٢) البيت لخداش بن زهير في الأضداد ص ١٥٣ ، وأمالي المرتضى ١ / ٤٦٦ ، ولسان العرب (ضطر) ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٢٣ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٠٣.

(٣) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٤٤ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٠٢ ، ومعجم ما استعجم ص ١٠٢٦ ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ٢١٦ ، والإنصاف ١ / ٣٧٢ ، ولسان العرب (خوف) ، ومجالس ثعلب ص ٦١٨ ، والمقتضب ٣ / ٢٣١.

(٤) البيت للمهلهل في شعراء النصرانية ص ١٧٩ ، والأغاني ٥ / ٤٣ ، والدرر ٦ / ٢٥٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٢٤ ، ٧٢٥ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٠٥ ، ولسان العرب (خرج) ، (ابن) ، ومعجم البلدان (أبانان) ، ومغني اللبيب ١ / ٣١٢ ، ولعصم بن النعمان في معجم الشعراء ص ٢٧٥ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٠٢٨ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٦٢ ، وشرح المفصل ١ / ٤٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٨.

١٠٣

وقال (ولمّا جاءهم كتب من عند الله مصدّق لّما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم مّا عرفوا كفروا به) [الآية ٨٩] فإن قيل فأين جواب (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدّق لما معهم) قلت : «جوابه في القرآن كثير ، واستغني عنه في هذا الموضع إذ عرف معناه. كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به نحو قول الله عزوجل (ولو أنّ قرءانا سيّرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل لّلّه الأمر جميعا) [الرّعد : الآية ٣١] فيذكرون أن تفسيره : «لو سيّرت الجبال بقرآن غير هذا لكان هذا القرآن ستسيّر به الجبال» فاستغني عن اللّفظ بالجواب إذ عرف المعنى. وقال (ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) [آل عمران : ١٨٨] ولم يجىء ل «تحسبنّ» الأول بجواب وترك للاستغناء بما في القرآن من الأجوبة. وقال (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بماءاتاهم الله من فضله هو خيرا لّهم) [آل عمران : الآية ١٨٠] معناه «لا يحسبنّه خيرا لهم» وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى. ومثله (وإذا قيل لهم اتّقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلّكم ترحمون) [يس : ٤٥] ثم قال (وما تأتيهم مّنءاية) [يس : الآية ٤٦] من قبل أن يجيء بقوله «فعلوا كذا وكذا» لأن ذلك في القرآن كثير ، استغني به. وكان في قوله (وما تأتيهم مّنءاية مّنءايت ربّهم إلّا كانوا عنها معرضين) (٤) [الأنعام : الآية ٤] دليل على أنّهم أعرضوا فاستغني بهذا وكذلك جميع ما جاز فيه نحو هذا.

وقال (فإذا جاء وعد الأخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليتبّروا ما علوا تتبيرا) [الإسراء : الآية ٧] وقال (ليتبروا) على معنى : «خلّيناهم وإيّاكم لم نمنعكم منهم بذنوبكم». وقال (ليسئوا وجوهكم) [الإسراء : الآية ٧] ولم يذكر أنه خلاهم وإياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما أسلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم. وقال (ولو ترى إذ الظّلمون فى غمرت الموت) [الأنعام : الآية ٩٣] فليس لهذا جواب. وقال (ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب) [البقرة : الآية ١٦٥] فجواب هذا إنما هو في المعنى ، وهذا كثير. وسنفسر كل ما مررنا به إن شاء الله. وزعموا أن هذا البيت ليس له جواب : [الطويل]

١٢٢ ـ ودوّيّة قفر تمشّى نعامها

كمشي النّصارى في خفاف الأرندج (١)

__________________

(١) البيت للشماخ في ديوانه ص ٨٣ ، والدرر ٤ / ١٣٠ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٦٤٩ ، والكتاب ٣ / ١٠٤ ، ولسان العرب (ردج) ، (دوا) ، (مشى) ، والمعاني الكبير ١ / ٣٤٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٨.

١٠٤

يريد : «وربّ دوّيّة» ثم لم يأت له بجواب. وقال : [البسيط]

١٢٣ ـ حتّى إذا أسلكوه في قتائدة

شلّا كما تطرد الجمالة الشردا (١)

فهذا ليس له جواب إلا في المعنى. وزعم بعضهم أنّ هذا البيت : [الكامل]

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن

إلّا كلمّة حالم بخيال (٢)

قالوا : الواو فيه ليست بزائدة ولكن الخبر مضمر.

وقال (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزّل الله من فضله) [الآية ٩٠] ف (ما) وحدها اسم ، و (أن يكفروا) [الآية ٩٠] تفسير له نحو : «نعم رجلا زيد» و (أن ينزّل) [الآية ٩٠] بدل من (بما أنزل الله) [الآية ٩٠].

وقال (وهو الحقّ مصدّقا لّما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله) [الآية ٩١] فنصب (مصدّقا) لأنه خبر معرفة. و (تقتلون) في معنى «قتلتم». كما قال الشاعر : [الكامل]

١٢٤ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (٣)

_________________

(١) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي في الأزهية ص ٢٠٣ ، ٢٥٠ ، والإنصاف ٢ / ٤٦١ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٤ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٩ ، ٤١ ، ٤٦ ، ٧١ ، والدرر ٣ / ١٠٤ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٦٧٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٣١ ، ولسان العرب (شرد) ، (قتد) ، (سلك) ، (إذا) ، ومراتب النحويين ص ٨٥ ، ولابن أحمر في ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، ولسان العرب (حمر) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٤٣٤ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥ ، وأمالي المرتضى ١ / ٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣٩٠ ، ٤٩١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٣٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٧.

(٢) تقدم البيت مع تخريجه برقم ١٠٥.

(٣) البيت لرجل من سلول في الدرر ١ / ٧٨. وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٠ ، والكتاب ٣ / ٢٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨ ، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦ ، ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص ١٧١ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٩٠ ، والأضداد ص ١٣٢ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٦٣١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٠٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٠٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٥٧ ، والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، والدرر ٦ / ١٥٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٧٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٩ ، ولسان العرب (ثمم) ، (مني) ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٢ ، ٢ / ٤٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٩ ، ٢ / ١٤٠.

١٠٥

يريد : «لقد مررت» بقوله «أمرّ».

وقوله (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر) [الآية ٩٦] فهو نحو «ما زيد بمزحزحه أن يعمّر» و «ما زيد بضارّه أن يقوم» ف «أن يعمّر» في موضع رفع وقد حسنت الباء كما تقول : «ما عبد الله بملازمه زيد».

وقوله (من كان عدوّا لّجبريل) [الآية ٩٧] ومن العرب من يقول (لجبرئيل) فيهمزون ولا يهمزون ، وكذلك (إسرءيل) [البقرة : الآية ٤٠] منهم من يهمز ومنهم من لا يهمز ، ويقولون (ميكائيل) فيهمزون ولا يهمزون ، ويقولون (ميكال) كما قالوا (جبريل). وقال بعضهم (جبرعل) ولا أعلم وجهه إلا أني قد سمعت (إسرائل) وقال بعضهم (إسرييل) فأمال الراء. قال أبو الحسن (١) : «في «جبريل» ست لغات : جبراييل وجبرئيل وجبرئل.

جبراعيل جبرعيل جبرعل.

وجبريل وجبريل.

فعليل فعليل.

وجبرائل.

جبراعل».

وقال (من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوّ لّلكفرين) [الآية ٩٨] فأظهر الاسم وقد ذكره في أوّل الكلام. قال الشاعر : [الكامل]

١٢٥ ـ ليت الغراب غداة ينعب دائبا

كان الغراب مقطّع الأوداج (٢)

وقال (أو كلّما عهدوا عهدا) [الآية ١٠٠] فهذه واو تجعل مع حرف الاستفهام وهي مثل الفاء التي في قوله (أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم) [البقرة : الآية ٨٧] فهذا في القرآن والكلام كثير ، وهما زائدتان في هذا الوجه. وهي مثل الفاء التي في قولك : «أفا الله لتصنعنّ كذا وكذا» وقولك للرجل : «أفلا تقوم».

__________________

(١) أبو الحسن : هو المؤلف سعيد بن مسعدة الأخفش.

(٢) البيت بلا نسبة في الأمالي الشجرية ١ / ٢٤٣.

١٠٦

وإن شئت جعلت الفاء والواو ها هنا حرف عطف.

وقوله (وما أنزل على الملكين ببابل هروت ومروت) [الآية ١٠٢] معطوفان على (الملكين) ، أو بدل منهما ، ولكنهما أعجميان فلا ينصرفان وموضعهما جر. و (بابل) لم ينصرف لتأنيثه ، وذلك أن اسم كل مؤنث على حرفين أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن فهو ينصرف ، وما كان سوى ذلك من المؤنث فهو لا ينصرف ما دام اسما للمؤنث.

وقال (حتّى يقولا إنّما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلّمون منهما) [الآية ١٠٢] فليس قوله (فيتعلّمون) [الآية ١٠٢] جوابا لقوله (فلا تكفر) [الآية ١٠٢] إنما هو مبتدأ ثم عطف عليه فقال (ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم) [الآية ١٠٢]. وقال (يفرّقون به بين المرء وزوجه) [البقرة : الآية ١٠٢] (١٠٢) لأنّ كلّ واحد منهما زوج ، فالمرأة زوج والرجل زوج. قال (وخلق منها زوجها) [النساء : ١] وقال (من كلّ زوجين اثنين) [هود : الآية ٤٠]. وقد يقال أيضا «هما زوج» للاثنين كما تقول : «هما سواء» و: «هما سيّان». والزوج أيضا : النمط يطرح على الهودج. قال الشاعر : [الكامل]

١٢٦ ـ من كلّ محفوف يظلّ عصيّه

زوج عليه كلّة وقرامها (١)

وقد قالوا : «الزوجة». قال الشاعر : [البسيط]

١٢٧ ـ زوجة أشمط مرهوب بوادره

قد صار في رأسه التخويص والنزع (٢)

وقال (ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الأخرة من خلق) [الآية ١٠٢] فهذه لام الابتداء تدخل بعد العلم وما أشبهه ويبتدأ بعدها ، تقول : «لقد علمت لزيد خير منك» قال (لّمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم) [الأعراف : الآية ١٨] وقال (ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا) [يوسف : الآية ٨].

وقال (ولو أنّهمءامنوا واتّقوا لمثوبة مّن عند الله خير) [الآية ١٠٣] فليس لقوله (ولو أنّهمءامنوا واتّقوا) [الآية ١٠٣] جواب في اللفظ ولكنه في المعنى يريد

__________________

(١) البيت للبيد في ديوانه ص ٣٠٠ ، ولسان العرب (زوج) ، (قرم) ، وتهذيب اللغة ٩ / ١٤١ ، ٤٤٩ ، ١١ / ١٥٣ ، وجمهرة اللغة ص ٤٧٣ ، ٧٩٢ ، وتاج العروس (زوج) ، (قرم) ، ومقاييس اللغة ٣ / ٣٥ ، ومجمل اللغة ٣ / ٣١ ، وكتاب الجيم ٢ / ٧٢ ، وبلا نسبة في لسان العرب (كلل).

(٢) البيت للأخطل في ديوانه ص ١١١ ، ولسان العرب (خوص) ، وجمهرة اللغة ص ٦٠٦ ، وتهذيب اللغة ٧ / ٤٧٥ ، وبلا نسبة في المخصص ٤ / ٢٦.

١٠٧

«لأثيبوا» فقوله (لمثوبة) [الآية ١٠٣] يدل على «لأثيبوا» فاستغني به عن الجواب. وقوله (لمثوبة) [الآية ١٠٣] هذه اللام للابتداء كما فسرت لك.

وقال (ولقد علموا لمن اشتراه) [الآية ١٠٢] ثم قال (لو كانوا يعلمون) [الآية ١٠٢] يعني بالأولين الشياطين لأنهم قد علموا (ولو كانوا يعلمون) يعني الأنس. وكان في قوله (لمثوبة) [الآية ١٠٣] دليل على «أثيبوا» فاستغني به عن الجواب.

وقال (مّا يودّ الّذين كفروا من أهل الكتب ولا المشركين) [الآية ١٠٥] أي : «ولا من المشركين» لا يودّون (أن ينزّل عليكم) [الآية ١٠٥].

وقال (ما ننسخ منءاية أو ننسها نأت بخير مّنها أو مثلها) [الآية ١٠٦] وقال بعضهم (ننسأها) أي نؤخّرها ، وهو مثل (إنّما النّسىء زيادة فى الكفر) [التّوبة : الآية ٣٧] لأنّه تأخير. و «النسيئة» و «النسيء» أصله واحد من «أنسأت» إلّا أنّك تقول : «أنسأت الشيء» أي : أخّرته ومصدره : النسيء. و: «أنسأتك الدين» أي : جعلتك تؤخّره. كأنه قال : «أنسأتك» ف «نسأت» و «النسيء» أنّهم كانوا يدخلون الشهر في الشهر. وقال بعضهم (أو ننسها) [الآية ١٠٦] كل ذلك صواب. وجزمه بالمجازاة. والنسيء في الشهر : التأخير.

وقال (أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) [الآية ١٠٨] ومن خفف قال «سيل» فإن قيل : «كيف جعلتها بين بين وهي تكون بين الياء الساكنة وبين الهمزة. والياء الساكنة لا تكون بعد ضمة ، والسين مضمومة؟» قلت : «أمّا في «فعل» فقد تكون الياء الساكنة بعد الضمة لأنهم قد قالوا «قيل» و «بيع» وقد تكون الياء في بعض «فعل» واوا خالصة لانضمام ما قبلها وهي معه في حرف واحد» ، كما تقول : «لم توطؤ الدابّة» وكما تقول : «قد رؤس فلان».

وقال (لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصرى) [الآية ١١١] فزعموا أن «الهود» : جماعة «الهائد». و «الهائد» : التائب الراجع الى الحق. وقال في مكان آخر (وقالوا كونوا هودا) [البقرة : الآية ١٣٥] أي : كونوا راجعين إلى الحق ، ويقال : «هائد» و «هوّد» مثل «ناقه» و «نقّه» ، و «عائد» و «عوّد» ، و «حائل» و «حوّل» ، و «بازل» و «بزّل». وجعل (من كان) واحدا لأنّ لفظ (مّن) واحد وجمع في قوله (هودا أو نصرى) [الآية ١١١]. وفي هذا الوجه تقول : «من كان صاحبك».

وقال (ومن أظلم ممّن مّنع مسجد الله أن يذكر فيها اسمه) [الآية ١١٤] إنما هو

١٠٨

«من أن يذكر فيها اسمه» ولكن حروف الجرّ تحذف مع «أن» كثيرا ويعمل ما قبلها فيها حتى تكون في موضع نصب ، أو تكون (أن يذكر) [الآية ١١٤] بدلا من «المساجد» يريدون : «من أظلم ممّن منع أن يذكر».

وقال (وسعى فى خرابها) [الآية ١١٤] فهذا على «منع» و «سعى» ثم قال (اولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) [الآية ١١٤] فجعله جميعا لأنّ (من) تكون في معنى الجماعة.

وقال (فأينما تولّوا فثمّ وجه الله) [الآية ١١٥] لأنّ (أين ما) [الآية ١٤٨] من حروف الجزم من المجازاة والجواب في الفاء.

وقال (وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون) [الآية ١١٧] فرفعه على العطف كأنه إنما يريد أن يقول : «إنّما يقول كن فيكون» وقد يكون أيضا رفعه على الابتداء. وقال (إذا أردنه أن نّقول له كن فيكون) [النّحل : الآية ٤٠] فإن جعلت (يكون) [الآية ١٥٠] ها هنا معطوفة نصبت لأنّ (أن نّقول) [النّحل : الآية ٤٠] نصب ب «أن» كأنه يريد : (أن نّقول) [النّحل : الآية ٤٠] (فيكون). فإن قال : «كيف والفاء ليست في هذا المعنى»؟ فإن الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما ، وإن لم يكن في معناه نحو «ما أنت وزيدا» ، وإنما يريد «لم تضرب زيدا» وترفعه على «ما أنت وما زيد» وليس ذلك معناه. ومثل قولك : «إيّاك والأسد». والرفع في قوله (فيكون) على الابتداء نحو قوله (لّنبيّن لكم ونقرّ فى الأرحام ما نشآء) [الحجّ : الآية ٥] وقال (ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا) [لقمان : ٦]. وقد يكون النصب في قوله (ويتّخذها) [لقمان : الآية ٦] وفي (نقر في الأرحام) أيضا على أوّل الكلام. قال الشاعر فرفع على الابتداء : [الوافر]

١٢٨ ـ يعالج عاقرا أعيت عليه

ليلقحها فينتجها حوارا (١)

وقال الشاعر أيضا : [الطويل]

١٢٩ ـ وما هو إلّا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب (٢)

__________________

(١) البيت لابن أحمر في ديوانه ص ٧٣ ، وشرح المفصل ٧ / ٣٦ ، ٣٨ ، والكتاب ٣ / ٥٤ ، والمعاني الكبير ص ٨٤٦ ، ١١٣٤.

(٢) البيت لكثير عزّة في ديوانه ص ٥٢٢ ، والحماسة الشجرية ١ / ٥٢٨ ، وسمط اللآلي ص ٤٠٠ ، وللمجنون في ديوانه ص ٤٩ ، وللأحوص في ملحق ديوانه ص ٢١٣ ، والأغاني ٤ / ٢٥٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٧ ، ولعروة بن حزام في خزانة الأدب ٨ / ٥٦٠ ، ٥٦١ ، وشرح المفصل ٧ / ٣٨ ، والشعر والشعراء ص ٦٢٦ ، وهو لبعض الحجازيين في الكتاب ٣ / ٥٤.

١٠٩

والنصب في قوله «فأبهت» على العطف والرفع على الابتداء.

وقال (إنّا أرسلنك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحب الجحيم) (١١٩) [الآية ١١٩] وقد قرئت (ولا تسأل) وكلّ هذا رفع لأنه ليس بنهي وإنّما هو حال كأنه قال «أرسلناك بشيرا ونذيرا وغير سائل أو غير مسؤول» وقد قرئتا جزما جميعا على النهي.

وقال (يتلونه حقّ تلاوته) [الآية ١٢١] كما يقولون : «هذا حقّ عالم» وهو مثل «هذا عالم كلّ عالم».

وقال (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) [الآية ١٢٤] أي : اختبره. و (إبرهم) [الآية ١٢٤] هو المبتلى فلذلك انتصب.

وقال (لا ينال عهدى الظّلمين) [الآية ١٢٤] لأنّ العهد هو الذي لا ينالهم ، وقال بعضهم (لا ينال عهدي الظالمون) والكتاب بالياء. وإنما قالوا (الظّلمون) لأنهم جعلوهم الذين لا ينالون.

وقال (وإذ جعلنا البيت مثابة لّلنّاس وأمنا) [الآية ١٢٥] على (اذكروا نعمتى الّتى أنعمت عليكم) [الآية ١٢٢] (وإذ جعلنا البيت مثابة لّلنّاس) [الآية ١٢٥] وألحقت الهاء في «المثابة» لما كثر من يثوب إليه كما تقول : «نسّابة» و «سيّارة» لمن يكثر ذلك منه.

وقال (واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلّى) [الآية ١٢٥] يريد (واتّخذوا) [الآية ١٢٥] كأنّه يقول «واذكروا نعمتي وإذ اتّخذوا مصلى من مقام إبراهيم» و (اتّخذوا) بالكسر وبها نقرأ لأنّها تدلّ على الغرض.

وقال (والرّكّع السّجود) [الآية ١٢٥] ف (السّجود) جماعة «السّاجد» كما تقول : «قوم قعود» و «جلوس».

وقال (وارزق أهله من الثّمرات منءامن منهم) [الآية ١٢٦] ف (منءامن) يدل على التبيان كما تقول : «أخذت المال نصفه» و «رأيت القوم ناسا منهم». ومثل ذلك (يسئلونك عن الشّهر الحرام قتال فيه) [البقرة : الآية ٢١٧] يريد : عن قتال فيه. وجعله بدلا. ومثله (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران : ٩٧] ومثله (قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم) [الأعراف : ٧٥] شبيه هذا أيضا إلّا أنه قدر فيه حرف الجرّ.

وقال (ومن كفر فأمتعه قليلا) [الآية ١٢٦] على الأمر (ثم اضطره) فجزم

١١٠

(فأمتعه) [الآية ١٢٦] على الأمر وجعل الفاء جواب المجازاة. وقال بعضهم (فأمتعه) وبها نقرأ رفع على الخبر وجواب المجازاة الفاء.

وقال (وإذ يرفع إبرهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربّنا تقبّل منّا) [الآية ١٢٧] أي كان إسماعيل الذي قال : (ربّنا تقبّل منّا) [البقرة : الآية ١٢٧].

وقال (وأرنا مناسكنا) [الآية ١٢٨] وقال بعضهم (وأرنا) أسكن الراء كما تقول : «قد علم ذلك» وبالكسر نقرأ. وواحد «المناسك» : «منسك» مثل «مسجد» ويقال أيضا : «منسك» ،

وقال (إلّا من سفه نفسه) [الآية ١٣٠] فزعم أهل التأويل أنه في معنى : «سفّه نفسه» وقال يونس : «أراها لغة». ويجوز في هذا القول : «سفهت زيدا» ، وهو يشبه «غبن رأيه» و «خسر نفسه» إلا أن هذا كثير ، ولهذا معنى ليس لذاك. تقول : «غبن في رأيه» و «خسر في أهله» و «خسر في بيعه». وقد جاء لهذا نظير ، قال : «ضرب عبد الله الظهر والبطن» ومعناه : «على الظهر والبطن» كما قالوا : «دخلت البيت» وإنما هو «دخلت في البيت». وقوله : «توجّه مكّة والكوفة» وإنما هو : «إلى مكّة والكوفة». ومما يشبه هذا قول الشاعر : [الوافر]

نغالي اللّحم للأضياف نيئا

ونبذله إذا نضج القدور (١)

يريد : «نغالي باللحم». ومثل هذا (وإن أردتّم أن تسترضعوا أولدكم) [البقرة : الآية ٢٣٣] يقول : «لأولادكم» و (ولا تعزموا عقدة النّكاح) [البقرة : الآية ٢٣٥] أي : على عقدة النكاح. وأحسن من ذلك أن تقول : «إنّ سفه نفسه» جرت مجرى «سفه» إذ كان الفعل غير متعد ، وإنما عداه إلى «نفسه» و «رأيه» وأشباه ذا ممّا هو في المعنى نحو «سفه» إذا لم يتعد. وأما «غبن» و «خسر» فقد يتعدى إلى غيره تقول : «غبن خمسين» و «خسر خمسين».

وقال (ووصّى بها إبرهم بنيه ويعقوب يبنىّ) [الآية ١٣٢] فهو ـ والله أعلم ـ «وقال يعقوب يا بنيّ» لأنه حين قال (ووصّى بها) [الآية ١٣٢] قد أخبر أنه قال لهم شيئا فأجرى الأخير على معنى الأول ، وإن شئت قلت (ويعقوب) [الآية ١٣٢] معطوف كأنك قلت : «ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب» ثم فسر ما قال يعقوب ، قال : «يا بني».

__________________

(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٥٦.

١١١

وقال (أم كنتم شهدآء) [الآية ١٣٣] استفهام مستأنف.

وقال (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه) [الآية ١٣٣] فأبدل «إذ» الآخرة من الأولى.

وقال (إلهك وإلهءابائك إبرهم وإسمعيل وإسحق) [الآية ١٣٣] على البدل وهو في موضع جر إلا أنها أعجمية فلا تنصرف.

وقوله (إلها واحدا) [الآية ١٣٣] على الحال.

وقال (تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت) [الآية ١٣٤] يقول : «قد مضت» ثم استأنف فقال : (لها ما كسبت) [الآية ١٣٤].

وقال (بل ملّة إبرهم) [الآية ١٣٥] بالنصب.

وقال (صبغة الله) [الآية ١٣٨] بالنصب. لأنهم حين قالوا لهم (كونوا هودا) [الآية ١٣٥] كأنه قيل لهم : «اتّخذوا هذه الملّة» فقالوا : «لا (بل ملّة إبرهم) [الآية ١٣٥]» أي : نتّبع ملّة إبراهيم ، ثم أبدل «الصّبغة» من «الملّة» فقال (صبغة الله) [الآية ١٣٨] بالنصب. أو يكون أراد : «كونوا أصحاب ملّة» ثم حذف «أصحاب» كما قال : (ولكنّ البرّ منءامن بالله) [البقرة : الآية ١٧٧] يريد : برّ من آمن بالله». والصّبغة : هي الدين.

وقال (أتحاجّونّا) [الآية ١٣٩] مثقلة لأنهما حرفان مثلان فأدغم أحدهما في الآخر ، واحتمل الساكن قبلهما إذ كان من حروف اللين ، وحروف اللين الياء والواو والألف إذا كن سواكن. وقال بعضهم (أتحاجّوننا) [الآية ١٣٩] فلم يدغم ولكن أخفى فجعل حركة الأولى خفيفة وهي متحركة في الوزن ، وهي في لغة الذين يقولون : «هذه مئة دّرهم» يشمون شيئا من الرفع ولا يبينون وذلك الاخفاء. وقد قرىء هذا الحرف على ذلك (ما لك لا تأمنّا على يوسف) [يوسف : الآية ١١] بين الإدغام والإظهار. ومثل ذلك (إنّى ليحزننى أن تذهبوا به) [يوسف : الآية ١٣] وأشباه هذا كثير وإدغامه أحسن حتى يسكن الأول.

وقال (أم يقولون إن إبراهيم) [الآية ١٤٠] قال بعضهم (أم تقولون) على (قل أتحاجّوننا) [الآية ١٣٩] و (أم تقولون). ومن قال (أم يقولون) [يونس : الآية ٣٨] جعله استفهاما مستأنفا كما تقول : «إنّها لإبل» ثم تقول : «أم شاء».

وقال (وإن كانت لكبيرة) [الآية ١٤٣] يعني «القبلة» ولذلك أنث.

١١٢

وقال (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) [الآية ١٤٥] لأن معنى قوله (ولئن أتيت) [الآية ١٤٥] : ولو أتيت. ألا ترى أنك تقول : «لئن جئتني ما ضربتك» على معنى «لو» كما قال (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرّا لّظلّوا) [الرّوم : الآية ٥١] يقول : «ولو أرسلنا ريحا» لأن معنى «لئن» مثل معنى «لو» لأنّ «لو» لم تقع وكذلك «لئن» كذا يفسره المفسرون. وهو في الإعراب على أنّ آخره معتمد لليمين كأنه قال «والله ما تبعوا» أي : ما هم بمتّبعين.

وقال (الحقّ من رّبّك) [الآية ١٤٧] على ضمير الاسم ولكن استغني عنه لما ذكره كأنه قال : «هو الحقّ من ربّك».

وقال (ولكلّ وجهة هو مولّيها) [الآية ١٤٨] على : «ولكل أمّة وجهة» وقد قال قوم (ولكلّ وجهة) فلم ينونوا «كلّ». وهذا لا يكون لأنك لا تقول : «لكلّ رجل هو ضاربه» ولكن تقول : «لكلّ رجل ضارب» فلو كان «هو مولّ» كان كلاما. فأما «مولّيها» على وجه ما قرأ فليس بجائز.

وقال (لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا) [الآية ١٥٠] فهذا معنى «لكنّ». وزعم يونس (١) أنه سمع أعرابيا فصيحا يقول : «ما أشتكي شيئا إلّا خيرا» وذلك أنه قيل له : «كيف تجدك». وتكون «إلّا» بمنزلة الواو نحو قول الشاعر : [الكامل]

١٣٠ ـ وأرى لها دارا بأغدرة الس

يدان لم يدرس لها رسم (٢)

إلّا رمادا هامدا دفعت

عنه الرياح خوالد سحم

أراد : أرى لها دارا ورمادا. وقال بعض أهل العلم : إن الذين ظلموا ها هنا هم ناس من العرب كانوا يهودا أو نصارى ، فكانوا يحتجون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأما سائر العرب فلم يكن لهم حجة وكانت حجة من يحتج منكسرة. إلا أنك تقول لمن تنكسر حجته «إن لك علي الحجة ولكنها منكسرة وإنك تحتج بلا حجة وحجتك ضعيفة».

وقال (ولأتمّ نعمتي عليكم) [الآية ١٥٠] يقول : «لأن لا يكون للناس

__________________

(١) يونس : هو يونس بن حبيب ، تقدمت ترجمته.

(٢) البيتان للمخبل السعدي في ديوانه ص ٣١٢ ، ولسان العرب (إلا) ، وبلا نسبة في لسان العرب (خلد) ، وتاج العروس (خلد).

١١٣

عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم» عطف على الكلام الأول.

وقوله (كما أرسلنا فيكم رسولا مّنكم يتلوا عليكمءايتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتب والحكمة) [الآية ١٥١] (فاذكرونى أذكركم) [الآية ١٥٢] أي : كما فعلت هذا فاذكروني.

وقال (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) [الآية ١٥٤] على : ولا تقولوا هم أموات. وقال (ولا تحسبنّ الّذين قتلوا فى سبيل الله أموتا) [آل عمران : الآية ١٦٩] نصب على «تحسب» ، ثم قال (بل أحياء) [الآية ١٥٤] أي : بل هم أحياء. ولا يكون أن تجعله على الفعل ؛ لأنه لو قال : «بل احسبوهم أحياء» كان قد أمرهم بالشك.

وقال (فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما) [الآية ١٥٨] «اطّوّف» «يطّوّف» ؛ وهي من «تطوّف». فأدغم التاء في الطاء ، فلما سكنت جعل قبلها ألفا حتى يقدر على الابتداء بها. وإنما قال (لا جناح عليه) لأن ذلك كان مكروها في الجاهلية فأخبر أنه ليس بمكروه عنده.

وقال (أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والنّاس أجمعين) [الآية ١٦١] لأنه أضاف اللعنة ثم قال (خلدين فيها) [الآية ١٦٢] نصب على الحال.

وقال (ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة لله جميعا) [الآية ١٦٥] ف «إنّ» مكسورة على الابتداء إذ قال (ولو ترى) [الأنعام : الآية ٢٧]. وقال بعضهم (ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة لله جميعا) [الآية ١٦٥] يقول : «ولو يرون أنّ القوّة لله» أي : «لو يعلمون» لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعانون من العذاب ، وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإذا قال (ولو ترى) فإنما يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو كسر «إنّ» إذا قال (ولو يرى الّذين ظلموا) [الآية ١٦٥] على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم. وقد تكون في معنى لا يحتاج معها إلى شيء ؛ تقول للرجل : «أما والله لو تعلم» و «لو يعلم». قال الشاعر : [الخفيف]

١٣١ ـ إن يكن طبّك الدّلال فلو في

سالف الدّهر والسنين الخوالي (١)

فهذا ليس له جواب إلّا في المعنى. وقال : [الخفيف]

__________________

(١) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦١ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٤٩.

١١٤

١٣٢ ـ فبحظّ مما تعيش ولا تذ

هب بك التّرهات في الأهوال (١)

فأضمر «فعيشي». وقال بعضهم (ولو ترى) وفتح (أن) على (ترى) وليس ذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعلم ، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال (أم يقولون افتراه) [يونس : الآية ٣٨] ليخبر الناس عن جهلهم ، وكما قال (ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض) [البقرة : ١٠٧ والمائدة : ٤٠].

وقال (إنّما حرّم عليكم الميتة) [الآية ١٧٣] وإنما هي «الميّتة» خففت ، وكذلك قوله (بلدة مّيتا) [الفرقان : الآية ٤٩] يريد به «ميّتا» ولكن يخففون الياء كما يقولون في «هيّن» و «ليّن» : «هين» و «لين» خفيفة. قال الشاعر : [الخفيف]

١٣٣ ـ ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء (٢)

فثقل وخفف في معنى واحد. فأما «الميتة» فهي الموت.

وقال (فما أصبرهم على النّار) [الآية ١٧٥] فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال (قتل الإنسان ما أكفره) [عبس : ١٧] تعجبا من كفره. وقال بعضهم (فما أصبرهم) [الآية ١٧٥] أي : ما أصبرهم ، و: ما الذي أصبرهم.

وقال (ذلك بأنّ الله نزّل الكتب بالحق) [الآية ١٧٦] فالخبر مضمر كأنه يقول : «ذلك معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب» لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم فالكتاب حق.

وقال (ولكنّ البرّ منءامن بالله واليوم الأخر والملئكة والكتب والنّبيّن) [الآية ١٧٧] ثم قال (وءاتى المال على حبّه) [الآية ١٧٧] (وأقام الصّلوة وءاتى الزّكوة) [الآية ١٧٧] فهو على أول الكلام «ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله وأقام الصلاة وآتى الزكاة» ثم قال (والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصّبرين) [الآية ١٧٧] ف (الموفون) رفع على «ولكنّ الموفين» يريد «برّ الموفين» فلما لم يذكر «البرّ» أقام (الموفون) مقام البرّ كما قال (وسئل القرية) [يوسف : الآية ٨٢] فنصبها على (اسأل) وهو يريد «أهل القرية» ، ثم نصب (الصّبرين) على فعل مضمر كما قال (لّكن الرّسخون فى العلم منهم والمؤمنون) [النّساء : الآية ١٦٢] ثم قال (والمقيمين) [النّساء : الآية ١٦٢] فنصب على

__________________

(١) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١٤.

(٢) البيت لعدي بن الرعلاء في تاج العروس (موت) ، ولسان العرب (موت) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٤ / ٣٤٣ ، وتاج العروس (حيي) ، والتنبيه والأيضاح ١ / ١٧٣.

١١٥

فعل مضمر ثم قال (والمؤتون الزّكوة) [النّساء : الآية ١٦٢] فيكون رفعا على الابتداء أو بعطفه على «الراسخين». قال الشاعر : [الكامل]

لا يبعدن قومي الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر (١)

النازلين بكلّ معترك

والطّيّبون معاقد الأزر

ومنهم من يقول «النازلون» و «الطيبين». ومنهم من يرفعهما جميعا وينصبهما جميعا كما فسرت لك. ويكون (الصّبرين) معطوفا على (ذوى القربى) [الآية ١٧٧] (وآتى الصابرين).

وقال (فى البأسآء والضّرّآء) [الآية ١٧٧] فبناه على «فعلاء» وليس له «أفعل» لأنه اسم ، كما قد جاء «أفعل» في الأسماء ليس معه «فعلاء» نحو «أحمد». وقد قالوا «أفعل» في الصفة ولم يجىء له «فعلاء» ، قالوا : «أنت من ذاك أوجل» و «أوجر» ولم يقولوا : «وجلاء» ولا «وجراء» وهما من الخوف. ومنه «رجل أوجل» و «أوجر».

وقال (فاتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان) [الآية ١٧٨] أي : «فعليه اتباع بالمعروف أو أداء إليه بإحسان» على الذي يطلب.

وقال (إن ترك خيرا الوصيّة للولدين والأقربين) [الآية ١٨٠] ف (الوصيّة) [الآية ١٨٠] على الاستئناف ، كأنه ـ والله أعلم ـ (ان ترك خيرا) فالوصية (للولدين والأقربين بالمعروف حقّا) [الآية ١٨٠].

وقال (كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم) [الآية ١٨٣].

ثم قال (أيّاما) [الآية ١٨٤] أي : كتب الصّيام أياما. لأنّك شغلت الفعل بالصيام حتى صار هو يقوم مقام الفاعل ، وصارت الأيّام كأنك قد ذكرت من فعل بها.

وقال (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [الآية ١٨٤] يقول «فعليه عدّة» رفع ، وإن شئت نصبت «العدّة» على «فليصم عدّة» إلّا أنّه لم يقرأ.

(ولتكملوا العدّة) [الآية ١٨٥] وهو معطوف على ما قبله كأنه قال «ويريد

__________________

(١) تقدم البيت الثاني مع تخريجه برقم ٦٧.

١١٦

لتكملوا العدّة» (ولتكبّروا الله) [الآية ١٨٥]. وأما قوله (يريد الله ليبيّن لكم) [النّساء : الآية ٢٦] فإنما معناه : يريد هذا ليبين لكم. قال الشاعر : [الطويل]

١٣٤ ـ أريد لأنسى ذكرها فكأنما

تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل (١)

فمعناه : أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها «أو يكون أضمر» «أن» بعد اللام وأوصل الفعل إليها بحرف الجر. قال (فهدى الله الّذينءامنوا لما اختلفوا فيه) [الآية ٢١٣] فعدّى الفعل بحرف الجر ، والمعنى : «عرّفهم الاختلاف حتى تركوه».

وقال (وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [الآية ١٨٤] وقد قرئت (فدية طعام مسكين) وهذا ليس بالجيد ، إنما الطعام تفسير للفدية ، وليست الفدية بمضافة إلى الطعام. وقال (يطيقونه) [الآية ١٨٤] يعني الصيام. وقال بعضهم (يطوّقونه) أي يتكلّفون الصيام. ومن قال (مساكين) فهو يعني جماعة الشهر لأن لكل يوم مسكينا. ومن قال (مسكين) [الآية ١٨٤] فإنما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد.

وقال (وأن تصوموا خير لّكم) [الآية ١٨٤] لأن «أن» الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال : «والصيام خير لكم».

ثم قال (شهر رمضان) [الآية ١٨٥] على تفسير الأيام ، كأنه حين قال (أيّاما مّعدودات) [الآية ١٨٤] فسرها فقال : «هي شهر رمضان». وقد نصب بعضهم (شهر رمضان) [الآية ١٨٥] وذلك جائز على الأمر ، كأنه قال : «شهر رمضان فصوموا» ، أو جعله ظرفا على (كتب عليكم الصّيام) [الآية ١٨٣] (شهر رمضان) [الآية ١٨٥] أي : «في شهر رمضان» و «رمضان» في موضع جر لأن الشهر أضيف إليه ولكنه لا ينصرف.

وقال (الّذى أنزل فيه القرءان هدى لّلنّاس وبيّنات مّن الهدى) [الآية ١٨٥] فموضع (هدى) و (بيّنات) نصب لأنه قد شغل الفعل ب (القرءان) [الآية ١٨٥] وهو كقولك : «وجد عبد الله ظريفا».

__________________

(١) البيت لكثير عزّة في ديوانه ص ١٠٨ ، والأغاني ٤ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٩ / ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، وأمالي القالي ٢ / ٦٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٢٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٣٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٦٥ ، ٢ / ٥٨٠ ، ولسان العرب (رود) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٤٩ ، ٣ / ٤٠٣ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٢١ ، ورصف المباني ص ٢٤٦ ، واللامات ص ١٣٨ ، والمحتسب ٢ / ٣٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٦.

١١٧

وأما قوله (والفرقان) [الآية ١٨٥] فجرّ على «وبينات من الفرقان».

وقوله (يرشدون) [الآية ١٨٦] لأنها من : «رشد» «يرشد» ولغة العرب «رشد» «يرشد» وقد قرئت (يرشدون).

وقال (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل وتدلوا بها إلى الحكّام) [الآية ١٨٨] جزم على العطف ونصب إذ جعله جوابا بالواو.

وقال (هى موقيت للنّاس والحجّ) [الآية ١٨٩] فجر (الحج) لأنه عطفه على «الناس» فانجر باللام.

وقال (ولكنّ البرّ من اتّقى) [الآية ١٨٩] يريد «برّ من اتّقى».

وقال (ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة) [الآية ١٩٥] يقول : «إلى الهلكة». والباء زائدة نحو زيادتها في قوله (تنبت بالدّهن) [المؤمنون : الآية ٢٠] وإنما هي : تنبت الدهن. قال الشاعر : [الطويل]

١٣٥ ـ كثيرا بما يتركن في كلّ حفرة

زفير القواضي نحبها وسعالها (١)

يقول : «كثيرا يتركن» وجعل الباء و «ما» زائدتين.

وأما قوله (فاعتدوا عليه) [الآية ١٩٤] فإن الله لم يأمر بالعدوان ، وإنما يقول : «إيتوا إليهم الذي كان يسمى بالاعتداء» أي : افعلوا بهم كما فعلوا بكم ، كما تقول : «إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك» والثاني ليس بظالم. قال عمرو بن شأس (٢) : [الطويل]

١٣٦ ـ جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله

قصاصا سواء حذوك النّعل بالنّعل (٣)

وأما قوله (فإن انتهوا فإنّ الله غفور رّحيم) (١٩٢) [الآية ١٩٢] يريد : فإن الله لهم.

وقوله (فلا عدوان إلا على الظالمين) [الآية ١٩٣] لأنه يجوز أن يقول (إن

__________________

(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٢) عمرو بن شأس : هو أبو عرار عمرو بن شأس بن أبي بليّ واسمه عبيد بن ثعلبة بن وبرة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. شاعر كثير الشعر مقدّم. أسلم في صدر الإسلام وشهد القادسية ، توفي نحو سنة ٢٠ ه‍ (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ٣٢٨).

(٣) البيت ليس في ديوان عمرو بن شأس ، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

١١٨

انتهوا) وهو قد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم فكأنه قال : «إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم» فأضمر. كما قال (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر) [الآية ١٩٦] أي : فعليه ما استيسر كما تقول «زيدا أكرمت» وأنت تريد «أكرمته» وكما تقول «إلى من تقصد أقصد» تريد «إليه».

وأما قوله (فإن أحصرتم) [الآية ١٩٦] فلأنك تقول : «أحصرني بولي» و «أحصرني مرضي» أي : جعلني أحصر نفسي. وتقول : «حصرت الرجل» أي : حبسته ، فهو «محصور». وزعم يونس (١) عن أبي عمرو (٢) أنه يقول : «حصرته إذا منعته عن كلّ وجه» وإذا منعته من التقدم خاصة فقد «أحصرته» ، ويقول بعض العرب في المرض وما أشبهه من الإعياء والكلال : «أحصرته».

وقال (ففدية مّن صيام) [الآية ١٩٦] أي : فعليه فدية.

وقال (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) [الآية ١٩٦] فإنما قال (عشرة كاملة) [الآية ١٩٦] وقد ذكر سبعة وثلاثة ليخبر أنها مجزية ، وليس ليخبر عن عدتها ، ألا ترى أن قوله (كاملة) [البقرة : الآية ١٩٦] إنما هي «وافية».

وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعود (٣) : (تسع وتسعون نعجة أنثى) وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه كما قال (فسجد الملئكة كلّهم أجمعون) (٣٠) [الحجر : الآية ٣٠]. وقد يستغنى بأحدهما ، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب. ألا ترى أنك تقول : «رأيت أخويك كليهما» ولو قلت : «رأيت أخويك» استغنيت فتجيء ب «كليهما» توكيدا. وقال بعضهم في قول ابن مسعود «أنثى» أنه إنما أراد «مؤنّثة» يصفها بذلك لأن ذلك قد يستحب من النساء.

__________________

(١) يونس : هو يونس بن حبيب ، تقدمت ترجمته.

(٢) أبو عمرو : هو أبو عمرو بن العلاء ، زبان بن العلاء بن عمار بن الريان المازني البصري ، أكثر القراء السبعة شيوخا ، أخذ القراءة عن أنس بن مالك ، وحميد بن قيس الأعرج ، وسعيد بن جبير ، وشيبة بن نصاح ، وأبي العالية ، وعاصم بن أبي النجود ، وعبد الله بن كثير المكي ، وعطاء ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وغيرهم. وروى عنه كثير ، منهم : عبد الله بن المبارك ، ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهما ، ولد بمكة سنة ٦٨ ه‍ ، وتوفي سنة ١٥٤ ه‍. (شذرات الذهب ١ / ٢٣٧ ، غاية النهاية ١ / ٢٨٨).

(٣) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود ، تقدمت ترجمته.

١١٩

وقال (ذلك لمن لّم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) [الآية ١٩٦] وإذا وقفت قلت : «حاضري» لأن الياء إنما ذهبت في الوصل لسكون اللام من «المسجد» ، وكذلك (غير محلّى الصّيد) [المائدة : الآية ١] وقوله (عمّ يتساءلون) (١) [النّبإ : الآية ١] و (فيم أنت من ذكراها) (٤٣) [النّازعات : الآية ٤٣] وأشباه هذا مما ليس هو حرف إعراب. وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع والنصب والجر ونحو «هو» و «هي» ، فإذا وقفت عليه فأنت فيه بالخيار إن شئت ألحقت الهاء وإن شئت لم تلحق.

وقد قالت العرب في نون الجميع ونون الاثنين في الوقف بالهاء فقالوا : «هما رجلانه» و «مسلمونه» و «قد قمته» إذا أرادوا : «قد قمت» وكذلك ما لم يكن حرف إعراب إلا أن بعضه أحسن من بعض ، وهو في المفتوح أكثر. فأما «مررت بأحمر» و «يعمر» فلا يكون الوقف في هذا بالهاء لأن هذا قد ينصرف عن هذا الوجه. وكذلك ما لم يكن حرف إعراب ثم كان يتغير عن حاله فإنه لا تلحق فيه الهاء إذا سكت عليه.

وأما قوله (إني أريد أن تبوء بإثمي واثمك) [المائدة : ٢٩] فإذا وقفت قلت «تبوء» لأنها «أن تفعل» فإذا وقفت على «تفعل» لم تحرّك. قال (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا) [يونس : ٨٧] إذا وقفت عليه لأنه «أن تفعّلا» وأنت تعني فعل الاثنين فهكذا الوقف عليه قال (ولقد بوّأنا بنى إسراءيل مبوّأ صدق) [يونس : الآية ٩٣] فإذا وقفت قلت : «مبوّأ» ولا تقول «مبوّءا» لأنه مضاف ، فإذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الألف لقلت في وقف (غير محلّى الصّيد) [المائدة : الآية ١] : «محلين» ولكنه مثل «رأيت غلامي زيد» فإذا وقفت قلت : «غلامي».

وقال (فلمّا ترءا الجمعان) [الشّعراء : الآية ٦١] فإذا وقفت قلت : «تراءى» ولم تقل : «تراءيا» لأنك قد رفعت الجمعين بذا الفعل ، ولو قلت : «تراءيا» كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل وهو الألف ويكون قولك «الجمعان» ليس بكلام إلا على وجه آخر.

وقال (فإذا أفضتم مّن عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام) [الآية ١٩٨] فصرف «عرفات» لأنها تلك الجماعة التي كانت تتصرف ، وإنما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في «مسلمين» و «مسلمون» لأنه تذكيره ، وصارت التنوين في نحو «عرفات» و «مسلمات» بمنزلة النون. فلما سمي به ترك على حاله كما يترك «مسلمون» إذا سمي به على حاله

١٢٠