رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٩

وقيل : اللعب (١). رويت عن ابن عباس.

قال الزجاج (٢) : المعنى : لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو يلهى به.

(لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) قال ابن جريج : لاتخذنا نساء وولدا من أهل السماء لا من أهل الأرض (٣) ، (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) ذلك ، ف" إن" شرطية (٤). والمنصوص عن ابن عباس أنّ" إن" بمعنى : " ما" ، وهو قول المفسرين (٥) ، تقديره : ما كنا فاعلين.

قال الفراء (٦) : هو كقوله : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٣] ، (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) [الملك : ٢٠].

وهذه الآية رد لقول كفار العرب : الملائكة بنات الله ، ولقول النصارى : المسيح ابن الله.

قال الواحدي (٧) : وقد أحسن ابن قتيبة في تفسير هذه الآية فقال (٨) : المرأة والولد في اللهو متقاربان ؛ لأن امرأة الرّجل لهوه ، وولده لهوه ، وأصل اللهو :

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٤٨). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٢٠) وعزاه لابن المنذر.

(٢) معاني الزجاج (٣ / ٣٨٦).

(٣) أخرج نحوه الطبري (١٧ / ١٠). وذكره الماوردي (٣ / ٤٤٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٤).

(٤) وهو قول النحويين.

(٥) أخرجه الطبري (١٧ / ١٠) عن قتادة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٤) ، والسيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٢٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.

(٦) معاني الفراء (٢ / ٢٠٠).

(٧) الوسيط (٣ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣).

(٨) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ص : ١٦٣).

٦٠١

الجماع ، كنّي عنه باللهو كما كنّي عنه بالسّرّ. ثم قيل للمرأة لهو ؛ لأنها تجامع. قال امرؤ القيس :

ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني

كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي (١)

أي : النكاح.

وتأويل الآية : أن النصارى لما قالت في المسيح وأمه ما قالت ، قال الله : لو أردنا أن نتخذ صاحبة وولدا كما يقولون ، لاتخذنا ذلك من لدنا ، أي : من عندنا ولم نتخذه من عندكم ؛ لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجه يكونان عنده لا عند غيره.

(بَلْ) إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لنفسه منه (نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) أي : نسلطه عليه (فَيَدْمَغُهُ) قال الزجاج (٢) : يذهبه ذهاب الصّغار والإذلال. وذلك أن أصله : إصابة الدماغ بالضرب ، وهو مقتل.

(فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ذاهب زائل.

ثم توعّدهم على كذبهم ووصفهم ربّهم بما لا يجوز عليه فقال : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا ، (وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني : الملائكة ، وخصّهم بالذّكر ؛ لامتيازهم بفضيلة القرب منه.

وقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ) مبتدأ وخبر. ويجوز أن يكون" ومن عنده"

__________________

(١) البيت لامرئ القيس من قصيدة يتغزل ويصف مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد. انظر : ديوانه (ص : ٢٨) ، واللسان ، مادة : (لها) ، والقرطبي (٣ / ١٩١ ، ٦ / ٢٤٨ ، ١١ / ٢٧٦) ، وزاد المسير (١ / ٢٧٧) ، وروح المعاني (١٧ / ١٩).

(٢) معاني الزجاج (٣ / ٣٨٧).

٦٠٢

معطوفا على" من في السموات" ، فيكون قوله : " لا يستكبرون" في موضع الحال (١) ، أي : غير مستكبرين. وكذلك : (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ).

قال مجاهد : لا ينقطعون عن العبادة (٢).

قال ابن قتيبة (٣) : لا يعيون. والحسير : المنقطع [به](٤) الواقف إعياء وكلالا.

(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) قال الزجاج (٥) : يجري التسبيح منهم كمجرى النّفس منّا.

(لا يَفْتُرُونَ) قال قتادة : لا يسأمون (٦).

وسئل كعب : أما يشغلهم شأن؟ أما تشغلهم حاجة؟ فقال للسائل : يا ابن أخي! جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النّفس ، ألست تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفّس؟ فكذلك جعل لهم التسبيح (٧).

وكان العباس بن الفضل يقف على" الليل" ، ويبتدئ : " والنهار لا يفترون" فنصب" النهار" ب" لا يفترون" لا بقوله : " يسبحون".

__________________

(١) التبيان (٢ / ١٣١) ، والدر المصون (٥ / ٧٦).

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٤٨) عن السدي. وذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٣) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٦٢١) وعزاه لابن أبي حاتم عن السدي.

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٨٥).

(٤) زيادة من تفسير غريب القرآن ، الموضع السابق.

(٥) معاني الزجاج (٣ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨).

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٥).

(٧) أخرجه الطبري (١٧ / ١٣) ، وابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٤٩). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٢١) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب.

٦٠٣

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(٢٣)

قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) قال الزمخشري (١) : هذه" أم" المنقطعة الكائنة بمعنى : بل ، والهمزة قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها. والمنكر : هو اتخاذهم آلهة من الأرض ينشرون الموتى. ولعمري إنّ من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات.

فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدّعون ذلك لآلهتهم؟

قلت : الأمر كما ذكرت ، لكنهم بادّعائهم لها الإلهية ، يلزمهم أن يدّعو لها الإنشار ؛ لأنه لا يستحقّ هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات.

ومعنى نسبته آلهتهم إلى الأرض : أنها تتخذ من الأرض أيّ جنس كانت.

ومعنى : " ينشرون" يحيون الموتى.

قال : أنشر ... (٢).

وقرأ الحسن : " ينشرون" بفتح الياء وضم الشين (٣).

ومضمون الآية : توبيخهم على عبادتهم جمادا لا يقدر على شيء.

__________________

(١) الكشاف (٣ / ١٠٩).

(٢) بياض قدر نصف سطر في ب.

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٠٩).

٦٠٤

ثم برهن سبحانه وتعالى على الوحدانية فقال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) قال الزجاج (١) : أي : لو كان في السماء والأرض آلهة غير الله.

قال الزمخشري (٢) : وصفت آلهة ب" إلا" كما توصف ب" غير".

قال الواحدي (٣) : هذا قول جميع النحويين.

فإن قلت : ما [منعك](٤) من الرفع على البدل؟

قلت : لأن" لو" بمنزلة" إن" في أنّ الكلام معه موجب ، والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب.

ومعنى الآية : لو كان يتولاهما ويدبّر أمرهما آلهة شتى [غير الواحد الذي هو فاطرهما](٥) لفسدتا ؛ لوجود التمانع وطلب التغالب.

قال عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد بن الأشدق : كان والله أعزّ عليّ من دم ناظري ، ولكن لا يجتمع فحلان في شول (٦).

وفيها دلالة على أمرين :

أحدهما : وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحدا.

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ٣٨٨).

(٢) الكشاف (٣ / ١١٠ ـ ١١١).

(٣) الوسيط (٣ / ٢٣٣).

(٤) في الأصل : يبعد. والمثبت من الكشاف (٣ / ١١١).

(٥) زيادة من الكشاف (٣ / ١١١).

(٦) انظر : تهذيب التهذيب (٨ / ٣٤) ، وتهذيب الكمال (٢٢ / ٣٨) في ترجمة عمرو بن سعيد الأشدق.

والشّول : بقية الماء في السّقاء والدّلو. وقيل : هو الماء القليل يكون في أسفل القربة والمزادة (اللسان ، مادة : شول).

٦٠٥

والثاني : أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده ؛ لقوله : (إِلَّا اللهُ).

ثم نزّه نفسه عما يقولون فقال : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) خصّ العرش بالذّكر ؛ لأنه أعظم المخلوقات.

(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) أي : عمّا يحكم في عباده من هدى وإضلال ، وعزّ وإذلال ، وسعادة وشقاء وغير ذلك ؛ لأنه الرب المالك للخليقة على الحقيقة ، (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنهم عبيد يجب عليهم الامتثال ، ويتطرّق عليهم الخطأ في الأقوال والأفعال.

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)(٢٩)

قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) توبيخ وإنكار ، (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على ما تقولون من جواز اتخاذ إله سوى الله.

(هذا) يعني : القرآن (ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) على ديني بما لهم من الثواب وعليهم من العقاب ، (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي : وهذا ذكر من قبلي ، إشارة إلى الكتب المتقدمة. المعنى : فانظروا هل تجدون في شيء من هذه الكتب أنّ الله أمر باتخاذ إله سواه؟

٦٠٦

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) قال ابن عباس : القرآن (١).

وقال مقاتل (٢) : التوحيد.

(فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عما يجب عليهم الإقبال عليه والمصير إليه.

وقال الزجاج (٣) : المعنى : هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله ، فهل في ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله.

يدل على صحة هذا المعنى : قوله بعد هذا : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).

قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) نزلت في خزاعة ، حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، (سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ) أي : بل هم عباد ، يعني : الملائكة (مُكْرَمُونَ) أكرمهم واصطفاهم.

(لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) أي : لا يتكلمون قبل أن يأذن لهم في الكلام ، (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) أخبر الله عنهم في معرض الثناء عليهم وإثبات العبودية لهم ، أن أقوالهم وأعمالهم منوطة بإذن الله تعالى ، وأنهم لا يستبدّون بأمر.

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي : ما قدّموا من الأعمال وما يعملون ، وقد سبق تفسيره.

(وَلا يَشْفَعُونَ) يوم القيامة (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أي : رضيه الله.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٦).

(٢) تفسير مقاتل (٢ / ٣٥٥).

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٣٨٩).

٦٠٧

قال ابن عباس : هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله (١).

وقيل : لا يشفعون في الدنيا ، أي : لا يستغفرون إلا لمن ارتضى.

(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) أي : من خشيتهم الله ، فأضاف المصدر إلى المفعول (مُشْفِقُونَ) خائفون لا يأمنون مكره.

(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) أي : من الملائكة مع قرب منزلتهم مني ومكانتهم عندي (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) مبتدأ وخبر.

والإشارة إلى" من" في قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) قال الضحاك وغيره : هذه خاصة لإبليس ، لم يدع أحد من الملائكة إلى عبادة نفسه سواه (٢).

ومن قال : لم يكن إبليس من الملائكة ؛ فالكلام يكون على معنى الفرض والتهديد ... (٣) عنهم ما كانوا يعلمون.

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٧ / ١٦) ، وابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٤٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٢٤) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥٠) عن الضحاك ، والطبري (١٧ / ١٧) عن ابن جريج وقتادة.

وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٢٥) وعزاه لابن أبي حاتم عن الضحاك.

(٣) بياض في ب قدر عدة كلمات.

٦٠٨

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣٣)

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقرأ ابن كثير : " ألم ير" بغير واو (١).

(أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) أي : مرتوقتين.

وقال الزجاج (٢) : كانتا ذواتي رتق ، فجعلناهما ذواتي فتق.

وقال غيره : لم يقل رتقين ؛ لأنه مصدر.

ومعنى الرّتق : السّدّ ، يقال : رتقت الشيء فارتتق (٣).

فإن قيل : متى رأوهما رتقا حتى قرّرهم بذلك؟

قلت : قد روي عن ابن عباس ، أن معناه : كانت السماء رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتقنا هذه بالمطر ، وهذه بالنبات (٤). وهذا قول عطاء وعكرمة والضحاك ومجاهد في رواية عنه (٥). وهذا مما رأوه وشاهدوه.

فإن قيل : فما نصنع بما روي عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة :

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ١٥٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٦٧) ، والكشف (٢ / ١١٠) ، والنشر (٢ / ٣٢٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٣١٠) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٢٨).

(٢) معاني الزجاج (٣ / ٣٩٠).

(٣) انظر : اللسان (مادة : رتق).

(٤) وهو اختيار ابن جرير الطبري.

(٥) أخرجه الطبري (١٧ / ١٩) عن عطية العوفي وعكرمة وابن زيد ، وابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥٠).

وأخرج نحوه أبو نعيم في الحلية (١ / ٣٢٠). وذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٦) عن ابن عباس. وذكر نحوه السيوطي في الدر (٥ / ٦٢٥) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية.

٦٠٩

أن المعنى : كانتا رتقا ملتصقتين ففتقهما الله عزوجل (١).

وروى السدي عن أشياخه قالوا : فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا ، ومن السماء ست سماوات فصارت سبعا (٢).

وهذا شيء لم يروه ، فما وجه تقريرهم به؟

قلت : الرؤية هاهنا بمعنى : العلم.

فإن قيل : من أين علموا ذلك؟

قلت : بما قصّ عليهم في القرآن الذي هو معجز في نفسه. وجائز أن يكون العلم بذلك مما تناقلوه وبقي في أيديهم من الشريعة الحنيفية ، أو مما سمعوه ووعوه من أهل الكتاب.

(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي : جعلناه سببا لحياة كل حي. و" من" على هذا مثل قوله : «ما أنا من دد ولا الدّد مني» (٣).

وقال أبو العالية : يريد بالماء هاهنا : النطفة (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٧ / ١٨) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٢٥) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري (١٧ / ١٨) ، وأبو الشيخ في العظمة (٣ / ١٠٢٦) كلاهما عن مجاهد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٨) عن السدي ، والسيوطي في الدر (٥ / ٦٢٦) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة عن مجاهد.

(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (١ / ١٣٢) من حديث أنس ، والبيهقي في الكبرى (١٠ / ٢١٧).

وفيه : قال علي بن المديني : سألت أبا عبيدة صاحب العربية عن معنى هذا الحديث ، فقال : يقول : لست من الباطل ولا الباطل مني.

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥١). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٢٦) وعزاه لعبد بن ـ

٦١٠

وقرأ معاذ القارئ : " حيا" (١).

قال الزمخشري (٢) : هو المفعول الثاني ل" جعلنا" ، والظرف لغو.

(أَفَلا يُؤْمِنُونَ) بعد هذا البيان.

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) مفسر في النحل (٣). وقد سبق إعرابه أيضا ، وأنّ المعنى : كراهية أن تميد بهم ، أو لئلا تميد بهم.

(وَجَعَلْنا فِيها) أي : في الرواسي (فِجاجاً) قال الزجاج (٤) : الفجاج : جمع فجّ ، وهو كل منخرق بين جبلين (٥).

قال ابن عباس : جعلنا من الجبال طرقا حتى يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار (٦).

فإن قيل : فهل تضمّن قوله : " سبلا" معنى ليس في الفجاج؟

قلت : نعم ، وهو كونها فجاجا نافذة مسلوكة ، فإن بعض الفجاج لا تنفذ.

قال صاحب الكشاف (٧) : إن قلت : في الفجاج معنى الوصف ، فما لها قدّمت

__________________

ـ حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات.

(١) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣١٠).

(٢) الكشاف (٣ / ١١٥).

(٣) آية رقم : ١٥.

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٣٩٠).

(٥) انظر : اللسان (مادة : فجج).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٤٩).

(٧) الكشاف (٣ / ١١٥ ـ ١١٦).

٦١١

على السّبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) [نوح : ٢٠]؟

قلت : لم تقدّم وهي صفة ، ولكن جعلت حالا ، كقوله :

لعزّة موحشا طلل قديم

 ................ (١)

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) لما كانت السماء كالسقف للأرض سمّيت سقفا. قال الله تعالى : (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) [الطور : ٥].

والمعنى : جعلنا السماء سقفا محفوظا بالنجوم من الشياطين ، أو محفوظا أن يقع على الأرض إلا بإذن الله.

(وَهُمْ عَنْ آياتِها) شمسها وقمرها ونجومها ، وما لازمها من الطلوع والغروب على الحساب القويم ، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة.

(مُعْرِضُونَ) لا يتفكرون ولا يعتبرون.

قوله : (كُلٌ) التنوين فيه عوض من المضاف إليه المحذوف ، تقديره : كل الطوالع (فِي فَلَكٍ) يخصه ، وهو كقولهم : كساهم الأمير حلة وقلّدهم سيفا.

قال ابن قتيبة (٢) : الفلك : مدار النجوم الذي يضمّها ، سمّي فلكا ؛ لاستدارته ، ومنه : فلكة المغزل ، وقد فلّك ثدي المرأة (٣).

قال الحسن البصري : الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل ، يريد : أنه مستدير

__________________

(١) لم أجد هذا البيت بهذه الصيغة إلا عند الزمخشري في الكشاف (٣ / ١١٥). وقد تقدم (ج ٣ / ٦) بلفظ : (لميّة موحشا ...).

(٢) انظر : زاد المسير (٥ / ٣٤٩).

(٣) انظر : اللسان (مادة : فلك).

٦١٢

كاستدارة الطاحونة (١).

ومعنى : (يَسْبَحُونَ) يجرون بسرعة.

قال الفراء (٢) : لما كانت السباحة من فعل الآدميين ذكرت بالنون ؛ كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤].

(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ)(٣٥)

قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) وهو البقاء الدائم ، (أَفَإِنْ مِتَ) يا محمد (فَهُمُ الْخالِدُونَ) يعني : مشركي مكة ، فإنهم كانوا يقولون : .... (٣) فأذكرهم الله تعالى أنّ ما يرتقبون الشماتة به ويتربصونه لنبيه وصف مشترك بينهم وبينه ، لا ينبغي لعاقل أن يفرح به فإنه بسبيل منه.

وهذا المعنى أراد عبد الملك بن مروان بإنشاد هذا البيت عند موته :

وما من خالد إمّا هلكنا

وهل بالموت يا للنّاس عار (٤)

ومن هذا قول الآخر :

فقل للشّامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشّامتون كما لقينا (٥)

__________________

(١) ذكره الطبري (١٧ / ٢٣) ، والواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٦).

(٢) معاني الفراء (٢ / ٢٠١).

(٣) بياض في ب قدر عدة كلمات.

(٤) البيت لعدي بن زيد. وهو في : الدر (١ / ١٠٢) ، والاستيعاب وفيهما : " فهل من خالد".

(٥) البيت لذي الأصبع العدواني. انظر : القرطبي (٧ / ٢٩١) ، والكشاف (٣ / ١١٧) ، والبحر المحيط (٦ / ٢٨٩) ، وروح المعاني (١٧ / ٤٥).

٦١٣

وقد ذكرنا فيما مضى أن العرب تسقط همزة الاستفهام ، وتلونا في ذلك آيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، وأبياتا من أشعار العرب.

فصل

احتج سيبويه (١) بهذه الآية على أن همزة الاستفهام إذا دخلت على" إن" الشرطية لا تبطل عملها. تقول : إن تأتني آتك ، كما لو لم تدخل الهمزة عليه.

وزعم يونس أن التقدير : آتيك إن تأتني ، و" آتيك" معتمد الهمزة ، وهو في نية التقديم ، ولو كان قوله : " آتيك" في نية التقديم ، لكان التقدير في الآية : أفهم الخالدون فإن مت. ولا يقال : أنت ظالم فإن فعلت ، وإنما يقال : أنت ظالم إن فعلت.

فإن قيل : الفاء هاهنا زائدة ، وهي نظيرة" ثمّ" في قوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) [يونس : ٥١] ، فكما لا يجوز تقدير زيادة ثم ، فكذا لا يجوز تقدير زيادة الفاء ، ونحوه ما قاله الأخفش في قوله : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨] ، قال : ثم هنا زائدة ، والتقدير : حتى إذا ضاقت تاب عليهم.

قلنا : الزيادة على خلاف الأصل ، فلا يصار إليها إلا بدليل ، ثم المواضع التي استشهدوا بها تارة تمنع الزيادة فيها على الوجه المذكور في مواضعها ، وتارة نسلم ونقول : لا يلزم من القول بالزيادة في موضع قام الدليل على صحته القول بها هاهنا.

قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) من تمام ما نفاه الله على مشركي مكة من

__________________

(١) انظر : الكتاب (٣ / ٨٣).

٦١٤

الشماتة بما عساهم يظفرون به من إماتة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويروى عن عائشة : «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنهما استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم مات وقد سجّي عليه بثوب ، فكشف عن وجهه ووضع فمه بين عينيه ، ووضع يده على صدغيه وقال : وا نبيّاه وا خليلاه وا صفيّاه ، صدق الله ورسوله ، (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم خرج إلى الناس فخطب» (١).

قوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) قال ابن زيد : نبلوكم بما تحبون وما تكرهون لننظر كيف شكركم وكيف صبركم (٢).

(فِتْنَةً) مصدر ل" نبلوكم" من غير لفظه.

(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)(٤٠)

__________________

(١) أخرجه أحمد (٦ / ٣١ ح ٢٤٠٧٥) إلى قوله : وا صفيّاه. وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٢٩) وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

(٢) أخرجه الطبري (١٧ / ٢٥). وذكره الماوردي (٣ / ٤٤٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٠).

٦١٥

قوله : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال ابن عباس : نزلت في المستهزئين (١).

قال السدي : نزلت في أبي جهل ، مرّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك وقال : هذا نبي بني عبد مناف (٢).

(إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) أي : ما يتخذونك (إِلَّا هُزُواً) مهزوءا به ، (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) على إضمار القول ، تقديره : يقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم ، والذّكر يكون بالخير وبالشر ، فإذا دلّت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيّد.

قال الزجاج (٣) : المعنى : أهذا الذي يعيب آلهتكم. يقال : فلان يذكر الناس ، أي : يغتابهم ويذكرهم بالعيوب. ويقال : فلان يذكر الله ، أي : يصفه بالعظمة ويثني عليه ويوحّده ، وإنما يحذف مع الذّكر ما عقل معناه. قال الشاعر :

لا تذكري فرسي وما أطعمته

فيكون لونك مثل لون الأجرب (٤)

أي : لا تذكري فرسي وإحساني إليه فتعيبيني بإيثاري إياه عليك.

قوله : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) لأنهم قالوا : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة.

قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) الظاهر أنه اسم جنس ، فإن الآية

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٠).

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦٣٠) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٣٩٢).

(٤) البيت لعنترة يخاطب زوجه ـ ونسب أيضا لخزر بن لوذان السدوسي ـ ، وكانت تلومه على عنايته بفرسه ، وكان يسقيها لبن الإبل ، ومثل جلد الأجرب كناية عن تهديدها بالضرب حتى يتغير جلدها ، أو عن مفارقتها وتحاشيها كما يتحاشى الأجرب. انظر البيت في : معاني الفراء (٢ / ٢٠٣) ، واللسان ، مادة : (عتق ، نعم ، ذكر) ، والطبري (١٧ / ٢٥) ، والقرطبي (١١ / ٢٨٨).

٦١٦

نزلت في ... (١) كان المراد به آدم ففي قوله : " من عجل" ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : خلق عجولا فأورث أولاده العجلة.

قال عكرمة : لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح صار في رأسه ، فذهب لينهض قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه فوقع ، فقيل : خلق الإنسان من عجل. وهذا قول سعيد بن جبير والسدي والكلبي (٢).

الثاني : أن المعنى : استعجل بخلق آدم قبل غروب الشمس من يوم الجمعة (٣). وهذا قول مجاهد (٤).

الثالث : أن العجل : الطين ، بلغة حمير ، وأنشدوا :

النّبع في الصّخرة الصّمّاء منبته

والنّخل ينبت بين الماء والعجل (٥)

__________________

(١) بياض في ب قدر سطر.

(٢) أخرجه الطبري (١٧ / ٢٦) عن سعيد والسدي. وأخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٢٧٢) عن سعيد بن جبير. وذكره الماوردي (٣ / ٤٤٧) من قول الكلبي ، والواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٧) من قول عكرمة ، والسيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٣٠) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة. ومن طريق آخر عن سعيد بن جبير ، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٣) وهذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري (١٧ / ٢٧) ، قال : وإنما قلنا ذلك ؛ لدلالة قوله : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) على ذلك.

(٤) أخرجه الطبري (١٧ / ٢٦) ، وابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥٣) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٢٦٤) ، ومجاهد (ص : ٤١٠) ، وأبو الشيخ في العظمة (٥ / ١٥٥٢ ـ ١٥٥٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٣٠) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة.

(٥) البيت لم أعرف قائله. وهو في : اللسان ، مادة : (عجل) ، والبحر المحيط (٦ / ٢٩١) ، والدر المصون (٥ / ٨٦) ، والقرطبي (١١ / ٢٨٩) ، والماوردي (٣ / ٤٤٨) ، وروح المعاني (١٧ / ٤٩).

٦١٧

وإن كان المراد به : النضر بن الحارث ؛ فمعنى كونه خلق من عجل : استعجاله بالعذاب وقوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢].

قال الزجاج (١) : خوطبت العرب بما تعقل ، وهم يقولون للذي يكثر منه الشيء : خلق منه ، كما تقول : أنت من لعب ، وخلقت من لعب ، تريد المبالغة في وصفه بذلك.

(سَأُرِيكُمْ آياتِي) قال المفسرون : هو ما أصابهم من القتل والأسر يوم بدر (٢).

قال ابن السائب : المعنى : إنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين (٣).

(وَيَقُولُونَ) تكذيبا واستهزاء (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يريدون يوم القيامة إن كنتم صادقين في الإخبار به.

(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) جوابه محذوف ، تقديره : لو يعلمون ما يشتمل عليه ذلك اليوم من الأهوال والشدائد ما استعجلوا به.

وقوله : (حِينَ لا يَكُفُّونَ) منصوب بمضمر ، التقدير : حين لا يكفّون (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) يعلمون بطلان ما كانوا عليه.

قال ابن عباس : يريد : ساعة يدخلون النار لا يدفعون عن وجوههم النار (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) ؛ لإحاطتها بهم ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يمنعون ما نزل بهم (٤).

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ٣٩٢).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٢).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٢).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٢).

٦١٨

(بَلْ تَأْتِيهِمْ) يعني : الساعة ، أو النار ، أو الحين ، كأنه في مضي الساعة ... (١) ، وأنّث نظرا إلى أنهم وعدوا بالنار أو بالساعة.

(بَغْتَةً) فجأة ، (فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) صرفها عنهم ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يمهلون لتوبة أو معذرة.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ)(٤٣)

ثم عزّى الله رسوله بقوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي : أحاط بالذين سخروا من الرسل (ما كانُوا) أي : الذي كانوا (بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو العذاب الذي طلبوه استهزاء وتكذيبا.

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) أي : قل يا محمد للمستهزين من يحفظكم ويمنعكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي : من عذابه إن أراد أن يعذبكم. وهذا استفهام إنكار ، أي : لا أحد يفعل ذلك. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ) وهو القرآن (مُعْرِضُونَ).

(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) قال الزمخشري (٢) : أضرب عن ذلك بما في" أم" من معنى" بل" ، وقال : " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا". وفيه تقديم وتأخير تقديره : أم

__________________

(١) كلام غير ظاهر في ب.

(٢) الكشاف (٣ / ١٢٠).

٦١٩

لهم آلهة من دوننا تمنعهم ، وهاهنا تم الكلام.

ثم وصف آلهتهم بالضّعف فقال : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) قال قتادة : المعنى : ولا هم منا يصحبون بخير (١).

المعنى : إذا لم تنصر نفسها ولم تصحب بخير ، فكيف تنصر غيرها أو تصحبه خيرا؟

وقال ابن عباس : الضمير في قوله : " ولا هم" للكفار (٢).

(بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٤٧)

قوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي : أمهلناهم ومكنّاهم فاغتروا بذلك وظنوا أنهم لا يسلبون ثوب عزّهم.

(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أرض كفرهم ودار حربهم (نَنْقُصُها مِنْ

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٧ / ٣٠) ، وابن أبي حاتم (٨ / ٢٤٥٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٦٣٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الطبري (١٧ / ٣١) ، والواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٣٥٣).

٦٢٠