رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٩

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(١٠٩)

قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناده ، قال ابن عباس : «لما نزل قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] قالت اليهود : كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فنزلت هذه الآية» (١).

والبحر : اسم جنس ، والمداد : ما تمدّ به الدواة من الحبر ، وأصله : الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء (٢) ، ومنه : المداد للزيت الذي يوقد به السراج ، ومنه : المدد.

(لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : «قبل أن ينفد» بالياء (٣).

قال أبو علي (٤) : التأنيث أحسن ؛ لأن المسند إليه الفعل مؤنث ، والتذكير حسن ؛ لأن التأنيث ليس بحقيقي.

(وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) أي : بمثل البحر (مَدَداً) لنفد أيضا.

وإنما لم تنفد كلمات الله ؛ لأن كلامه صفة من صفاته فلا يتطرّق إليها نفاد.

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٥٥ ح ٢٣٠٩).

(٢) انظر : اللسان (مادة : مدد).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ١١٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٦) ، والكشف (٢ / ٨١ ـ ٨٢) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٦) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٠٢).

(٤) الحجة (٣ / ١١٠).

٣٨١

وقرأ جماعة منهم ابن عباس ومجاهد وقتادة في آخرين : «ولو جئنا بمثله مدادا» (١) ، وهما بمعنى واحد.

والقراءة المشهورة أحسن ؛ لاتفاق المقاطع عند أواخر الآي.

قال أبو الفتح (٢) : «مدادا» منصوب على التمييز ، أي : بمثله من المداد ، فهو كقولك : لي مثله عبدا ، أي من العبيد ، وعلى التمرة مثلها زبدا.

وأما «مددا» فمنصوب على الحال ، كقولك : جئتك بزيد عونا لك ويدا معك.

وإن شئت نصبته على المصدر بفعل مضمر (٣) ، يدل عليه قوله : (جِئْنا بِمِثْلِهِ) ، كأنه قال : [أمددناه](٤) به إمدادا ، ثم وضع (مَدَداً) موضع [إمداد](٥) ، ولهذا نظائر كثيرة.

وقال الزجاج (٦) : «مددا» نصب على التمييز ، تقول : لي ملء هذا عسلا ، ومثل هذا ذهبا.

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(١١٠)

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) قال ابن عباس : علّم الله رسوله التواضع ؛ لئلا يزهي

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٥ / ٢٠٢).

(٢) المحتسب (٢ / ٣٥).

(٣) الدر المصون (٤ / ٤٨٧).

(٤) في الأصل : أمددنا. والمثبت من المحتسب (٢ / ٣٥).

(٥) في الأصل : المداد. والمثبت من المحتسب ، الموضع السابق.

(٦) معاني الزجاج (٣ / ٣١٦).

٣٨٢

على خلقه ، فأمره أن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره ، إلا أنه أكرم بالوحي ، وهو قوله : (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١).

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) قال ابن عباس : قال جندب بن زهير العامري لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أعمل العمل فإذا اطّلع عليه سرّني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله طيّب لا يقبل إلا الطيب ، ولا يقبل ما روئي فيه ، ونزلت هذه الآية» (٢).

قال ابن قتيبة (٣) : المعنى : فمن كان يخاف لقاء ربه.

وقال الزجاج (٤) : يأمل لقاء ربه.

قال غيره : والرجاء يستعمل في الخوف والأمل. قال الشاعر :

فلا كل ما ترجو من الخير كائن

ولا كل ما ترجو من الشر واقع (٥)

(فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) خالصا لوجه الله ، (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) قال سعيد بن جبير : لا يرائي (٦).

أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

__________________

(١) الوسيط (٣ / ١٧٢) ، وزاد المسير (٥ / ٢٠٢).

(٢) تفسير الماوردي (٣ / ٣٥٠) عن الكلبي ومقاتل ، وزاد المسير (٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣) ، وأسباب النزول للواحدي (ص : ٣٠٧).

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٧١).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٣١٦).

(٥) انظر البيت في : البغوي (٣ / ١٨٧).

(٦) أخرجه البيهقي في الشعب (٥ / ٣٤١ ح ٦٨٥٥) ، وهناد في الزهد (٢ / ٤٣٥) ، والطبري (١٦ / ٤٠) عن سفيان ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٥). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٦٩) وعزاه لهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.

٣٨٣

«إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء. يقول الله عزوجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟» (١).

وأخرج الإمام أيضا في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل أنه قال : «أنا خير الشركاء ، فمن عمل عملا فأشرك فيه غيري فأنا بريء منه ، وهو للذي أشرك» (٢).

وأخرج الترمذي من حديث أبي سعد بن أبي فضالة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا جمع الله الناس ليوم لا ريب فيه ، نادى مناد : من كان يشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه منه ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» (٣).

وقال أبو العالية : قال لي أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم : لا تعمل لغير الله فيكلك الله إلى من عملت له (٤).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٥ / ٤٢٨ ح ٢٣٦٨٠).

وفي هامش الأصل بخط مغاير : وأسند البزار : «كان عبد الرحمن بن غنم في نفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم معاذ فقال عبد الرحمن : يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي. فقال معاذ : اللهم غفرا. فقال : يا معاذ! أما سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من صام رياء فقد أشرك ، ومن تصدق رياء فقد أشرك ، ومن صلى رياء فقد أشرك؟ فقال : بلى ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية فشق ذلك عليهم واشتد ، فقال : ألا أفرجها عنكم؟ قالوا : بلى فرج الله عنك الهم والأذى ، قال : هي مثل الآية التي في الروم : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ..). الآية [٣٩] من عمل عملا رياء لم يكتب لا له ولا عليه». (مسند البزار : ٧ / ١٠٦ ـ ١٠٧).

(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٨٩ ح ٢٩٨٥) ، وأحمد (٢ / ٣٠١ ح ٧٩٨٦).

(٣) أخرجه الترمذي في (٥ / ٣١٤ ح ٣١٥٤).

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٢٠٧ ح ٣٥٣٨٤) ، وأحمد في الزهد (ص : ٥٦). وذكره السيوطي في الدر ـ

٣٨٤

وقال عمرو بن قيس الكندي : «سمعت معاوية رضي الله عنه على المنبر تلا هذه الآية : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ..). الآيةفقال : إنها آخر آية نزلت من القرآن» (١).

__________________

ـ (٥ / ٤٧٥) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد في الزهد.

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٠). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٧٥) وعزاه لابن جرير وابن مردويه.

قال الحافظ ابن كثير (٣ / ١١١) : وهذا أثر مشكل ، فإن هذه الآية آخر سورة الكهف ، والكهف كلها مكية ، ولعل معاوية أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها ، بل هي مثبتة محكمة ، فاشتبه ذلك على بعض الرواة فروى بالمعنى على ما فهمه ، والله أعلم.

وقال الآلوسي (١٦ / ٥٥) على أثر معاوية : وفيه كلام ، والحق خلافه ، والله تعالى أعلم.

٣٨٥

سورة مريم عليها السّلام

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثمان وتسعون آية ، وهي مكية بإجماعهم.

واستثنى مقاتل سجدتها فقال (١) : هي مدنية.

وقيل : هي مكية إلا آيتين وهما : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) والتي تليها.

(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٤)

قال الله تعالى : (كهيعص) قرأ أبو بكر والكسائي بإمالة الهاء والياء. وقرأ أبو عمرو بإمالة الهاء وحدها. وقرأ ابن عامر وحمزة بإمالة الياء وحدها. وقرأ نافع بين اللفظين فيهما. وقرأ ابن كثير وحفص بالتفخيم فيهما. وقطع الحروف أبو جعفر على أصله مع التفخيم فيهما ، وأظهر الدال من هجاء صاد عند الذال من (ذِكْرُ) نافع وابن كثير وعاصم (٢).

قال أبو علي وغيره (٣) : علة من أمال أن هذه الحروف ليست بحروف معان ،

__________________

(١) تفسير مقاتل (٢ / ٣٠٦).

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ١١١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٧) ، والكشف (١ / ٦٦) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٠٦).

(٣) الحجة (٣ / ١١١).

٣٨٦

وإنما هي أسماء لهذه الأصوات.

قال سيبويه : قالوا : با ، تا ، لأنها أسماء ما يتهجّى به ، فلما كانت أسماء غير حروف جازت فيها الإمالة كما جازت في الأسماء ، والدليل على أنها أسماء : أنك إذا أخبرت عنها أعربتها ، وإن كنت لا تعربها قبل ذلك.

ومن فخّم فهو الأصل ، ومن أدغم الدال في الذال فلتقارب مخرجيهما ، ومن أظهر فلتغاير حيزيهما. وقد سبق الكلام على الحروف المقطّعة في أول البقرة.

قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : الكاف من كريم ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق (١).

وقال في رواية عطاء : كاف لخلقه ، هاد لعباده ، ويده فوق أيديهم ، عالم ببريته ، صادق في وعده (٢).

وروي عن علي : أنه اسم من أسماء الله ، وأنه كان يقول : يا كهيعص اغفر لي (٣).

وقال ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة : هو اسم من أسماء الله ، أقسم الله تعالى به(٤).

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٠٣ ح ٣٤٠٥) ، والطبري (١٦ / ٤٢ ـ ٤٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٦). وذكره الماوردي في تفسيره (٣ / ٣٥٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٥) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٤٧٨) وعزاه لعبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وعثمان بن سعيد الدارمي في التوحيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٥).

(٣) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٤). وذكره الماوردي (٣ / ٣٥٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٥).

(٤) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٦). وذكره ابن الجوزي في وزاد المسير (٥ / ٢٠٥) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٤٧٨) وعزاه لابن أبي حاتم.

٣٨٧

قال الزجاج (١) : القسم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد ؛ لأن الداعي إذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات الله فدعا بها ، فكأنه قال : يا كافي ، يا هادي ، يا عالم ، يا صادق ، وإذا أقسم به فكأنه قال : والكافي والهادي [والعالم والصادق](٢).

وقال الحسن : هو اسم للسورة (٣).

وقال قتادة : اسم للقرآن (٤).

قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) قال الزجاج (٥) : «ذكر» مرتفع بالمضمر. المعنى : هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك.

(عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) يعني : إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد.

قال الفراء (٦) : في الكلام تقديم وتأخير. المعنى : ذكر ربك عبده زكريا بالرحمة.

(إِذْ نادى رَبَّهُ) أي : دعاه (نِداءً خَفِيًّا) خافيا ، والجهر والإخفات سواء بالنسبة إلى الله تعالى ، وكأن الإخفاء أولى ؛ لأنه أبعد من الرياء ، وأقعد في الإخلاص.

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ٣١٨).

(٢) في ب : العالم الصادق. والتصويب من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٣) ذكره الماوردي (٣ / ٣٥٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٦).

(٤) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٧٨) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد.

(٥) معاني الزجاج (٣ / ٣١٨).

(٦) معاني الفراء (٢ / ١٦١).

٣٨٨

قال ابن جريج : أخفى دعاه ليبعد من الرياء (١).

وقال مقاتل (٢) : لئلا يقول الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر.

وقال أبو سليمان الدمشقي : لئلا يعاديه بنو عمه فيظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده(٣).

(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) قال الفراء (٤) : يقال : وهن بفتح الهاء وكسرها ، يهن بكسر الهاء في المضارع فيهما.

وقرأ معاذ القارئ والضحاك : «وهن» بضم الهاء (٥). والمعنى : ضعف العظم مني.

وخصّ العظم ؛ لأنه أصل التركيب وعماد البدن ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن.

وقال قتادة : شكا ذهاب أضراسه (٦).

(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) استعارة بليغة في انتشار الشيب وبياضه ، حيث شبّهه بشعاع النار وانتشارها.

قال لبيد :

__________________

(١) أخرج نحوه الطبري (١٦ / ٤٥) وذكر نحوه السيوطي في الدر (٥ / ٤٧٩) وعزاه لابن المنذر.

(٢) تفسير مقاتل (٢ / ٣٠٦).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٦).

(٤) لم أقف عليه في معاني الفراء. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٧).

(٥) انظر : زاد المسير (٥ / ٢٠٧).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٧).

٣٨٩

إن ترى رأسي أمسى واضحا

سلّط الشيب عليه فاشتعل (١)

وقال آخر :

قالت الخنساء لما جئتها

شاب بعدي رأس هذا واشتعل (٢)

و «شيبا» نصب على التمييز (٣).

قوله تعالى : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي : بدعائي إياك ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، والفاعل محذوف ، وهذا كقوله : (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) [فصلت : ٤٩] ، و (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) [ص : ٢٤].

قال ابن عباس : المعنى : لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك ، يقال : شقي فلان بكذا ؛ إذا تعب بسببه ولم يحصل مطلوبه ، يقول : لم أكن أتعب بالدعاء ثم أخيّب (٤).

(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(٦)

قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) يعني : الذين يلونه في النسب ، وهم ورثته من بني عمه وعصبته.

قال ابن عباس : خاف أن يرثوه (٥).

__________________

(١) انظر البيت في : الغريب للخطابي (٢ / ١٠٣).

(٢) البيت لامرئ القيس الكندي. انظر : العقد الثمين في دواوين الشعراء الثلاثة الجاهلين (ص : ١١٢). وهو في : اللسان (مادة : شهب).

(٣) التبيان (٢ / ١١٠) ، والدر المصون (٤ / ٤٩١).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٥).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢٠٧).

٣٩٠

فإن قيل : أين هذا من قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» (١)؟

قلت : محال أن يظن بنبي الله زكرياء عليه الصلاة والسّلام أنه سأل ربه عزوجل الولد حرصا على وصول مال لو كان له إليه ، وبخلا به على غيره من عصبته وبني عمه ونفاسة عليهم بعرض من الدنيا الفانية يصل إليهم ، فإن هذا من الأخلاق المذمومة البعيدة عن أخلاق العقلاء ذوي الحنكة والتجربة ، البصيرين بعيوب الدنيا الناظرين إليها بعين الفناء ، فكيف بمن اصطفاه الله لنبوته واجتباه لرسالته واختصه بولايته وأكرمه بسفارته ، وإنما خاف ضياع الدين والعلم لما كان يشاهد من بني إسرائيل من قتل الأنبياء وتضييع حدود الله تعالى وانتهاك محارمه ، فسأل ربه ولدا من سنخه (٢) يرثه حكمته وعلمه ، ويحسن الخلافة من بعده في قومه.

فمعنى قول ابن عباس «خاف أن يرثوه» : أي : خاف أن يرثوه فيسيؤوا خلافته فيما يرثونه منه من القيام بأمور الدين وحقوق الموحدين.

وقرأت للكسائي من طريق ابن أبي سريج عنه : «وإني خفّت الموالي» بفتح الخاء وتشديد الفاء وفتحها وكسر التاء لالتقاء الساكنين ، وسكون الياء من «الموالي» (٣) ، وهي قراءة عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله عنهم ، على معنى : قلّت الموالي من ورائي. فكأنه خاف على علمه وحكمته ألا يكون لها وارث من شجرة نسبه.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٤٦٣ ح ٩٩٧٣).

(٢) السّنخ : الأصل من كل شيء (اللسان ، مادة : سنخ).

(٣) انظر : زاد المسير (٥ / ٢٠٨).

٣٩١

قرأ ابن كثير : «ورائي» بفتح الياء على الأصل ، وسكّنها الباقون ؛ طلبا للخفة (١).

(وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) عقيما لا تلد ، (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) من عندك (وَلِيًّا) ابنا صالحا يتولاني.

(يَرِثُنِي وَيَرِثُ) جزمهما أبو عمرو والكسائي على الشرط والجزاء ، ورفعهما الباقون على معنى الصفة (٢) ، تقديره : هب لي وليا وارثا يرثني.

قال ابن عباس والحسن وقتادة : يرث نبوتي وعلمي (٣).

(وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ذلك أيضا فيكون (نَبِيًّا) داعيا إليك دالّا عليك كآبائه الأنبياء ، (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي : مرضيّا في أفعاله وأقواله وأحواله.

(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(٧)

فأجاب الله دعاءه ، فذلك قوله : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أي : لم نسمّ أحدا قبله يحيى.

وفي هذا تنبيه على فضله ، حيث تولى الله سبحانه وتعالى تسميته بنفسه ولم

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ١١٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٨) ، والكشف (٢ / ٩٤) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٠٧).

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ١١٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٨) ، والكشف (٢ / ٨٤) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٠٧).

(٣) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٨) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٧). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن.

٣٩٢

يكلها إلى أبويه ، وسمّاه باسم لم يسبق إليه.

قال صاحب الكشاف (١) : وهذا شاهد على أن الأسامي الشّنع جديرة بالأثرة ، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنوه [وأنزه](٢) عن النّبز ، حتى قال قائل في مدح قوم :

شنع الأسامي مسبلي أزر

حمر تمسّ الأرض بالهدب (٣)

وقال ابن عباس في رواية عطاء في معنى قوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) : لم يكن له في سابق علمي نظير ولا شبيه (٤) ، يريد والله أعلم : لم يكن له شبيه في كونه لم يعص ولم يهمّ بمعصية.

وقال في رواية الوالبي : لم تلد العواقر مثله ولدا (٥).

(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)(٩)

(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) سبق تفسيره في آل عمران إلى قوله : (عِتِيًّا) وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام.

__________________

(١) الكشاف (٣ / ٧).

(٢) في الأصل : وأمره. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) انظر البيت في : القرطبي (١١ / ٨٣) ، والبحر (٦ / ١٦٦) ، وروح المعاني (١٦ / ٦٥).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٦).

(٥) أخرجه الطبري (١٦ / ٤٩) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨١) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

٣٩٣

قال ابن عباس : العتيّ : اليبوس من الكبر (١).

قال مجاهد : هو نحول العظم (٢).

قال الزجاج (٣) : كل شيء انتهى فقد عتا يعتو عتيّا وعتوّا وعسيّا وعسوّا.

وفي قراءة ابن عباس ومجاهد : «عسيّا» بالسين (٤).

قرأ الأكثرون : «عتيا وجثيا وبكيا وصليا» بضم أوائلها ، وقرأها حمزة والكسائي بكسر أوائلها ، وافقهما حفص إلا في «بكيا» (٥).

(قالَ كَذلِكَ) الكاف في موضع رفع ، أي : الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر.

ثم ابتدأ فقال : (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي : إيجاد الولد منك وأنت شيخ فان ، ومن زوجتك وهي عاقر ، عليّ سهل لا يتعاظمني.

(وَقَدْ خَلَقْتُكَ) وقرأ حمزة والكسائي : «خلقناك» (٦).

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٠٤). وذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٧) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٤٨٢) وعزاه لابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم.

(٢) أخرجه الطبري (١٦ / ٥١) ، ومجاهد (ص : ٣٨٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٣٢٠).

(٤) انظر : زاد المسير (٥ / ٢١١).

(٥) الحجة للفارسي (٣ / ١١٥ ـ ١١٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٩) ، والكشف (٢ / ٨٤) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٤٠٧).

(٦) الحجة للفارسي (٣ / ١١٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٩) ، والكشف (٢ / ٨٥) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٨) ، والسبعة في القراءات ـ

٣٩٤

(مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) فأوجدتك بقدرتي وأخرجتك من العدم إلى الوجود.

(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(١١)

(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) مفسّر في آل عمران (١).

و «سويّا» منصوب على الحال (٢). والمعنى : علامتك ألا تقدر على كلامهم ثلاث ليال ، وحالك أنك سوي سليم من آفة الخرس.

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) قال المفسرون : خرج عليهم في صبيحة الليلة التي حملت امرأته من مصلاه (٣).

(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) أشار إليهم برأسه ويديه.

وقيل : كتب لهم في كتاب.

وقال ابن عباس : خطّ لهم على وجه الأرض.

(أَنْ سَبِّحُوا) صلّوا ، وقيل : هو على ظاهره ، و «أن» هي المفسرة بمعنى : أي.

ويجوز أن يكون التقدير : أنه سبحوا ، فخفف وأضمر الاسم ولم يعوّض من المضمر شيئا.

(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا

__________________

ـ (ص : ٤٠٨).

(١) آية رقم : ٣٩.

(٢) التبيان (٢ / ١١١) ، والدر المصون (٤ / ٤٩٤).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٢).

٣٩٥

وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(١٥)

قوله تعالى : (يا يَحْيى) فيه إضمار تقديره : فوهبنا له يحيى ، ثم قلنا له : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) يعني : التوراة ، وكان هو وغيره من أنبياء بني إسرائيل متعبّدين بالأخذ بها والاعتصام بأحكامها.

وقال ابن الأنباري (١) : «خذ الكتاب» أي : اقبل كتب الله كلها إيمانا بها واستعمالا لحكمها وأحكامها.

(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) وهو الحكمة والفقه في الدين. وقيل : العقل.

(صَبِيًّا) حال من الضمير المنصوب في «آتيناه» (٢).

قال معمر : جاء الصبيان إلى يحيى بن زكرياء فقالوا له : اخرج بنا نلعب؟ فقال : ما للّعب خلقنا (٣).

قال ابن عباس : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا (٤).

واختلف في سنّه يوم أوتي الحكم ؛ فقال ابن عباس : كان ابن سبع سنين ، ورواه

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٥ / ٢١٢ ـ ٢١٣).

(٢) الدر المصون (٤ / ٤٩٤).

(٣) أخرجه الطبري (١٦ / ٥٥) ، وابن أبي عاصم في الزهد (ص : ٧٦) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٤٠٠).

وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥) وعزاه لأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي وابن عساكر.

(٤) أخرجه البيهقي في الشعب (٢ / ٣٣٠ ح ١٩٤٩) مرفوعا. وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨٥) وعزاه لابن مردويه والبيهقي شعب الإيمان.

٣٩٦

مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال قتادة : ثلاث سنين (٢).

(وَحَناناً) قال ابن الأنباري : المعنى : وجعلناه حنانا لأهل زمانه (٣).

وقال الزجاج (٤) : أي : وآتيناه حنانا.

قال ابن عباس وأكثر المفسرين واللغويين : الحنان : الرحمة (٥). وأنشد أبو عبيدة (٦) قول الحطيئة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

تحنّن عليّ هداك المليك

فإنّ لكلّ مقام مقالا (٧)

قال (٨) : وأكثر ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين.

قال طرفة :

__________________

(١) ذكره الديلمي في الفردوس (٤ / ٤٠٢) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٤٨٤) وعزاه لأبي نعيم وابن مردويه والديلمي.

(٢) ذكره الماوردي (٣ / ٣٦٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٣) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٤٨٤) وعزاه لعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم.

(٣) انظر : زاد المسير (٥ / ٢١٣).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٣٢٢).

(٥) أخرجه الطبري (١٦ / ٥٥) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٤٠١). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٨٥) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٦) مجاز القرآن (٢ / ٣).

(٧) البيت للحطيئة ، انظر : ديوانه (ص : ٨٢) ، واللسان (مادة : حنن ، قول) ، والدر المصون (٤ / ٤٩٥) ، والبحر المحيط (٦ / ١٦٨) ، والطبري (١٦ / ٥٧) ، والقرطبي (١١ / ٨٨) ، وزاد المسير (٥ / ٢١٣).

(٨) أي : أبي عبيدة في مجازه.

٣٩٧

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض (١)

قال ابن قتيبة (٢) : ومنه يقال : تحنّن عليّ ، أصله من حنين الناقة على ولدها.

قال صاحب الكشاف (٣) : المعنى : أوحي إليه حنانا رحمة لأبويه وغيرهما ، وتعطّفا وشفقة ، أنشد سيبويه (٤) :

[وقالت](٥) حنان ما أتى بك هاهنا؟

أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف (٦)

وحنّ : في معنى : ارتاح واشتاق ، ثم استعمل في العطف والرأفة (٧).

وقيل لله : «حنّان» ، كما قيل : «رحيم» ، على سبيل الاستعارة.

__________________

(١) البيت لطرفة ، انظر : ديوانه (ص : ٦٦) ، واللسان (مادة : حنن) ، والكتاب (١ / ٣٤٨) ، والمقتضب (٣ / ٢٢٤) ، وشرح المفصل (١ / ١١٨) ، والهمع (١ / ١٩٠) ، والدر المصون (٤ / ٤٩٥) ، والبحر (٦ / ١٦٨) ، والطبري (١٦ / ٥٦) ، والقرطبي (٤ / ٩٦ ، ١١ / ٨٧) ، وروح المعاني (١٦ / ٧٢) ، وتفسير الماوردي (٣ / ٣٦٠) ، وزاد المسير (٥ / ٢١٤).

(٢) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٧٣).

(٣) الكشاف (٣ / ١٠).

(٤) انظر : الكتاب (١ / ٣٢٠).

(٥) في ب : وقال. والتصويب من الكشاف (٣ / ١٠) ، ومصادر البيت.

(٦) البيت للمنذر بن درهم الكلبي. انظر : الكتاب (١ / ٣٢٠) ، والمقتضب (٣ / ٢٢٥) ، وشرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٨) ، والصاحبي (ص : ٤٢٨) ، والهمع (١ / ١٨٩) ، والتصريح (١ / ١٧٧) ، واللسان (مادة : حنن) ، والقرطبي (١١ / ٨٧ ، ٨٨) ، وروح المعاني (١٦ / ٧٢) ، والدر المصون (٤ / ٤٩٥).

والشاهد في البيت : رفع «حنان» بتقدير مبتدأ ، أي : أمرنا حنان ، وهو نائب عن المصدر الواقع بدلا من الفعل.

(٧) انظر : اللسان (مادة : حنن).

٣٩٨

(وَزَكاةً) أي : وآتيناه زكاة. قال ابن عباس : يعني بالزكاة : الطاعة والإخلاص (١).

وقال ابن السائب : «وزكاة» : صدقة على أبويه (٢).

وقال الزجاج (٣) : تطهيرا من لدنا ، على معنى : وجعلناه تطهيرا للعباد بواسطة رسالته إليهم وحكمته.

وقال ابن الأنباري (٤) : الزكاة : الزيادة ، فالمعنى : وآتيناه زيادة في الخير على ما وصف وذكر.

(وَكانَ تَقِيًّا) قال ابن عباس : جعلته يتّقيني ولا يعدل بي غيري (٥).

(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) أي : وجعلناه بارا لطيفا بأبويه محسنا إليهما ، (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) أي : عاصيا. وقد سبق معنى الجبار في هود (٦).

(وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) قال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن : يوم ولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم يره ، فخصّ الله يحيى بالكرامة والسّلام في هذه المواطن الثلاثة (٧).

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٨).

(٢) ذكره الماوردي (٣ / ٣٦١) من قول ابن قتيبة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٤).

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٣٢٢).

(٤) انظر : زاد المسير (٥ / ٢١٤).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٤).

(٦) آية رقم : ٥٩.

(٧) أخرجه الطبري (١٦ / ٥٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٥).

٣٩٩

قال الحسن البصري : التقى يحيى وعيسى ، فقال يحيى لعيسى : أنت خير مني ، فقال عيسى ليحيى : بل أنت خير مني ، سلّم الله عليك ، وأنا سلّمت على نفسي (١).

فصل : يتضمن نبذة من حال يحيى عليه‌السلام

قال عبد الله بن عمرو بن العاص : دخل يحيى بن زكرياء عليهما‌السلام بيت المقدس وهو ابن ثماني حجج ، فنظر إلى عبّاد بيت المقدس قد لبسوا مدارع الشعر وبرانس الصوف ، ونظر إلى متهجّديهم ـ أو قال : مجتهديهم ـ قد خرقوا التراقي ، وسلكوا فيها السلاسل وشدّوها إلى جدار بيت المقدس ، فهاله ذلك ، ورجع إلى أبويه فمرّ بصبيان يلعبون فقالوا : يا يحيى هلمّ نلعب! فقال : إني لم أخلق للّعب ، فذلك قول الله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ، فأتى أبويه فسألهما أن يدرّعاه الشّعر ، ففعلا ، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدم نهاره ويأوي فيه ليلا ، حتى أتت له خمس عشرة حجة ، فوافاه الخوف فخرج سائحا ، وأمّ أطراف الجبال وغيران الشعاب ، وخرج أبواه في طلبه ، فوجداه على بحيرة الأردن وقد قعد على شفير البحيرة وقد كاد العطش يذبحه وهو يقول : وعزتك لا أذوق برد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك؟ فسأله أبواه أن يأكل قرصا كان معهما من شعير ويشرب من الماء ، فقبل وكفّر عن يمينه ، فمدح بالبرّ ، قال الله : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ٥٩) ، وابن أبي عاصم في الزهد (ص : ٧٦). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٢١٥).

قال القرطبي (١١ / ٨٩) : انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال : إدلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله تعالى التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه. قال ابن عطية : ولكل وجه.

٤٠٠