رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٩

فخرج منها آمنا من المشركين ، ودخلها ظاهرا عليهم يوم الفتح (١).

وقيل : هو عام في كل ما يلابسه ويدخل فيه.

قال الواحدي (٢) : المدخل والمخرج بمعنى المصدر ، وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما ، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح ، نحو قوله : (قَدَمَ صِدْقٍ) [يونس : ٢] و (مَقْعَدِ صِدْقٍ) [القمر : ٥٥].

(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أي : من عندك (سُلْطاناً) قال الحسن : ملكا قويا تنصرني به على من ناوأني ، وعزّا ظاهرا أقيم به دينك ، قال : [فوعده](٣) الله عزوجل لينز عن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له (٤).

وقال مجاهد وغيره : حجّة ظاهرة بيّنة تنصرني بها على من خالفني (٥).

قال ابن الأنباري (٦) : (نَصِيراً) يجوز أن يكون بمعنى : منصورا ، ويصلح أن يكون تأويله : ناصرا.

قال العلماء بالتفسير : فأجيبت دعوته بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، وبقوله : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [المائدة : ٥٦] ، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٥ / ١٥٠). وذكره الماوردي (٣ / ٢٦٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٧٧).

(٢) الوسيط (٣ / ١٢٢).

(٣) في الأصل : فعده. وانظر : الطبري (١٥ / ١٥٠).

(٤) أخرجه الطبري (١٥ / ١٥٠).

(٥) أخرجه الطبري (١٥ / ١٥١) ، ومجاهد (ص : ٣٦٨) باختصار. وانظر : الوسيط (٣ / ١٢٢) ، والماوردي (٣ / ٢٦٧) ، وزاد المسير (٥ / ٧٨).

(٦) زاد المسير (٥ / ٧٨).

٢٢١

الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ، (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)(١) [النور : ٥٥].

قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) وهو الإسلام ، (وَزَهَقَ الْباطِلُ) اضمحل الشرك وبطل وهلك.

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال : «دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً»)(٢). والمعنى : أن الباطل كان مضمحلا غير ثابت.

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً)(٨٢)

قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) «من» لبيان الجنس ، كقوله : (مِنَ الْأَوْثانِ) ، والمراد : ما هو شفاء للمؤمنين من مرض الشرك والشك ، فموقعه منهم موقع الشفاء من المرضى.

(وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) نعمة لهم يفضي بهم إلى السعادة الأبدية ، وهي الجنة ، (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) يعني : المشركين (إِلَّا خَساراً) نقصانا لتكذيبهم وكفرهم.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)(٨٤)

قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) يريد : الكفار.

__________________

(١) تفسير أبي السعود (٥ / ١٩٠).

(٢) أخرجه البخاري (٢ / ٨٧٦ ح ٢٣٤٦) ، ومسلم (٣ / ١٤٠٨ ح ١٧٨١).

٢٢٢

قال المفسرون : هو الوليد بن المغيرة (١) أنعمنا عليه بسعة الرزق وصحة البدن وكثرة البنين (أَعْرَضَ) عن ذكر الله كأنه مستغن عنه ، (وَنَأى بِجانِبِهِ) تأكيد لمعنى الإعراض ، أو يكون مجازا عن الاستكبار.

وقرأ ابن ذكوان : «وناء» (٢) على وزن باع.

قال الثعلبي (٣) : لها وجهان ؛ أحدهما : أنها منقلبة عن ياء ، كما يقال : رأى وراء. والثاني : أنهما من النّوء ، وهو النهوض (٤).

وقرأ الكسائي وحمزة في رواية العبسي والعجلي : «ونإي» بإمالة النون والهمزة ، وأمال الهمزة وحدها حمزة في رواية خلاد (٥) ، وكذلك خلفهم في التي في السجدة.

(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) قال ابن عباس : أصابه مرض أو فقر (٦).

(كانَ يَؤُساً) آيسا من رحمة الله وروحه. وعدل به إلى بناء فعول للمبالغة.

قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : مذهبه وطريقته التي تشاكل

__________________

(١) الوسيط (٣ / ١٢٤) ، وزاد المسير (٥ / ٨٠).

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٦٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٠٨) ، والكشف (٢ / ٥٠) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣٠٨) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٨٦) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٨٤).

(٣) تفسير الثعلبي (٦ / ١٢٩).

(٤) انظر : اللسان (مادة : نوأ).

(٥) الحجة للفارسي (٣ / ٦٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٠٩) ، والكشف (١ / ١٨٨ ـ ١٨٩) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣٠٨) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٨٦) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٨٤).

(٦) الوسيط (٣ / ١٢٤) ، وزاد المسير (٥ / ٨٠).

٢٢٣

أخلاقه من الهدى أو الضلال ، والصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والإعراض عند النعمة ، واليأس عند الشدة.

(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أمثل طريقة وأسدّ مذهبا.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)(٨٥)

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن البغداديان قالا : أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب ، أخبرنا أبو الحسن الداودي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا حدثنا عمر بن حفص بن غياث (١) ، حدثنا أبي (٢) ، حدثنا الأعمش ، حدثني إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : «بينا أنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب (٣) إذ مرّ اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح؟ فقال : ما رابكم إليه ، وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه ، فقالوا : سلوه ، فسألوه عن الروح ، فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم

__________________

(١) عمر بن حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي ، أبو حفص الكوفي ، ثقة صدوق وربما وهم ، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨١ ، والتقريب ص : ٤١١).

(٢) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة النخعي ، أبو عمر الكوفي ، ثقة فقيه ، تغير حفظه قليل في الآخر ، ولّاه الرشيد قضاء الشرقية ببغداد ، ثم عزله وولاه قضاء الكوفة ، مات في عشر ذي الحجة سنة أربع أو خمس أو ست وتسعين ، وقد قارب الثمانين (تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، والتقريب ص : ١٧٣).

(٣) العسيب : جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه (اللسان ، مادة : عسب).

٢٢٤

يردّ عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(١).

وأخرجه أيضا مسلم عن عمر بن حفص.

قال ابن عباس : قالت اليهود لقريش : سلوا محمدا عن ثلاث ، فإن أخبركم باثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي ، سلوه عن فتية فقدوا ، وسلوه عن ذي القرنين ، وسلوه عن الرّوح ، فسألوه عنها ، ففسّر لهم أمر الفتية في الكهف ، وفسّر لهم قصة ذي القرنين ، وأمسك عن قصة الروح ، وذلك أنه ليس في التوراة قصته ، ونزلت هذه الآية (٢).

فعلى هذا ؛ المراد بالروح : ما تقوم به حياة الحيوان.

وروي عن علي ... (٣).

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣)

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٧٤٩ ح ٤٤٤٤) ، ومسلم (٤ / ٢١٥٢ ح ٢٧٩٤).

(٢) أخرجه الطبري (١٥ / ١٥٥) عن قتادة. وانظر : الوسيط (٣ / ١٢٥) ، وزاد المسير (٥ / ٨١) ، وأسباب النزول للواحدي (ص : ٣٠٠).

(٣) سقط من مصورة الأصل قدر لوحة.

٢٢٥

وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً)(١٠٤)

... (١) ابن عباس : السنون ونقص من الثمرات (٢).

وقال في رواية أخرى : البحر والجبل الذي نتق فوقهم (٣).

وقال سعيد بن جبير : الحجر والبحر (٤).

وقال محمد بن كعب : فلق البحر والطمسة (٥).

وقد أخرج أبو داود من حديث صفوان بن عسال : «أن يهوديا قال لصاحبه : تعال حتى نسأل هذا النبي ، فقال الآخر : لا تقل إنه نبي ، فإنه لو سمع ذلك صارت له أربعة أعين ، فأتياه فسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا بالبريء إلى السلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تقذفوا المحصنات ، ولا تفرّوا من الزحف ، وعليكم خاصة [يا معشر](٦) اليهود أن لا تعدوا في السبت ، قال :

__________________

(١) الكلام هنا على آيات موسى التسع عند قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ) ، وقد اتفق المفسرون على سبع منها ، والآيتان الباقيتان اختلفوا فيها على أقوال.

(٢) أخرجه الطبري (١٥ / ١٧٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٣) وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) زاد المسير (٥ / ٩٢).

(٤) مثل السابق.

(٥) مثل السابق.

(٦) زيادة من الترمذي (٥ / ٣٠٥).

٢٢٦

فقبّلا يده وقالا : نشهد أنك نبي» (١).

وأخرج الإمام أحمد في المسند وزاد فيه : «فقبّلا يده ورجليه ، وقالا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكما أن تتبعاني؟ قالا : إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود» (٢).

(فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال ابن عباس : يريد المؤمنين من قريظة والنضير (٣).

المعنى : اسألهم عن الآيات ليزدادوا طمأنينة ويقينا ، وليظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما أتيت به ، فيكون حجّة عليهم.

وقوله : (إِذْ جاءَهُمْ) متعلق ب «آتينا» ، أو بإضمار اذكر ، على معنى : «إذ جاءهم».

وقيل : المعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقلنا له : اسأل بني إسرائيل ، أي : سلهم من فرعون ليرسلهم معك ، [واسألهم](٤) عن إيمانهم وحال دينهم ، وهل هم على ما كان عليه آباؤهم الكرام من دين التوحيد ، أو غيّرهم الأمة الباغية والدولة الطاغية. أو يكون المعنى : سل بني إسرائيل المعاضدة والمناصرة.

فعلى هذا يكون قوله : «إذ جاءهم» متعلقا بالقول المحذوف.

وقرأ ابن عباس : «فسال» على صيغة الماضي من غير همز ، وهي قراءة مروية

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٠٥ ح ٣١٤٤).

(٢) أخرجه أحمد (٤ / ٢٣٩).

(٣) الوسيط (٣ / ١٣١).

(٤) في الأصل : وسألهم.

٢٢٧

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ، على معنى : فسأل موسى بني إسرائيل إذ جاءهم أن يكونوا معه يدا واحدة على إظهار أمر الله تعالى. أو يكون المعنى : فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه ، فيكون «إذ جاءهم» متعلقا ب «سأل».

(فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) سحرت فخولط عقلك حتى تهجمت عليّ ، مع عزّ سلطاني وكثرة أعواني ، وأنت وحيد ضعيف مهين ، تسألني سؤال متسلط قاهر ظاهر.

وقال أبو عبيدة والفراء (٢) : المسحور بمعنى الساحر ؛ كالمشؤوم والميمون.

ثم قال يعني موسى لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ) وقرأ الكسائي : «علمت» بضم التاء (٣) ، وهي قراءة علي رضي الله عنه ، واختيار ثعلب (٤).

قال علي عليه‌السلام : والله ما علم عدو الله ، ولكن موسى هو الذي علم ، فبلغ ذلك ابن عباس فاحتج بقوله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(٥) [النحل : ١٤].

__________________

(١) انظر : الطبري (١٥ / ١٧٣) ، وزاد المسير (٥ / ٩٤) ولم يجز الطبري هذه القراءة ؛ لإجماع الحجة من القراء على القراءة بلفظ الأمر في هذه الكلمة.

(٢) لم أقف عليه في مجاز القرآن ومعاني الفراء. وانظر : الوسيط (٣ / ١٣١).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٧٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤١١) ، والكشف (٢ / ٥٢) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣٠٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٨٧) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٨٥).

(٤) ولم يجز ابن جرير خلاف القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ؛ لأن القراءة بها مجمع عليها (تفسير الطبري ١٥ / ١٧٤).

(٥) أخرجه الطبري (١٥ / ١٧٤). وانظر : الوسيط (٣ / ١٣١) ، وزاد المسير (٥ / ٩٤).

٢٢٨

واحتجوا لقراءة علي عليه‌السلام أنه لما نسبه فرعون إلى فساد العقل بقوله : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) أعلمه موسى بصحة عقله فقال : (لَقَدْ عَلِمْتَ).

قال الزجاج (١) : الأجود في القراءة فتح التاء ؛ لأن علم فرعون بأنها أنزلت من عند الله أوكد في الحجة ، فموسى عليه‌السلام يحتج بما علم هو ، لا بما علم [فرعون](٢).

والمعنى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ ..). [الآيات](٣).

(إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) عبرا ودلالات ، ولكنك معاند مكابر.

(وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ) لفرط عتوّك وتمردك واغترارك (مَثْبُوراً) هالكا.

وقال ابن عباس : ملعونا (٤).

وفي رواية عنه : ناقص العقل (٥).

قال الفراء (٦) : المثبور : الملعون والمحبوس عن الخير. تقول العرب : ما ثبرك عن هذا؟ أي : ما منعك فيه وما صرفك.

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ٢٦٣).

(٢) في الأصل : موسى. ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٣) في الأصل : الآت. والمثبت من زاد المسير (٥ / ٩٤).

(٤) أخرجه الطبري (١٥ / ١٧٥). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) زاد المسير (٥ / ٩٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٥) وعزاه للشيرازي في الألقاب وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس.

(٦) معاني الفراء (٢ / ١٣٢).

٢٢٩

وقال أبو عبيدة (١) : المعروف في الثبور : الهلاك. والملعون : الهالك.

قال أكثر المفسرين : الظن هاهنا بمعنى : العلم ، على خلاف ظن فرعون في موسى ، وسوّى بعضهم بين الظنين فقال : هما بمعنى العلم (٢).

والذي يظهر لي : أنهما سواء في المعنى : إني لأحسبك. أما الأول فظاهر. وأما الثاني فإن موسى عليه‌السلام حال تلبسه بمخاطبة فرعون ودعائه إلى عبادة الله وتوحيده لم يكن متيقنا عالما بهلاك فرعون ، وإنما كان ظانا هلاكه ، بسبب إصراره وجحوده ، مع تجويزه رجوعه إلى الحق.

قوله تعالى : (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : أراد فرعون أن يزعج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر.

قال الزجاج (٣) : جائز أن يكون استفزازهم ؛ إخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية.

وقال ابن قتيبة (٤) : أراد أن يستخفّهم حتى يخرجوا.

والأظهر عندي : أنه أراد استفزازهم باستئصال شأفتهم وقتلهم لا بإخراجهم ؛ لأن مضمون رسالة موسى إليه أن يرسل بني إسرائيل معه.

ولأنه لو كان مقصود فرعون إخراج موسى وبني إسرائيل من مصر لم يتبعهم

__________________

(١) مجاز القرآن (١ / ٣٩٢).

(٢) زاد المسير (٥ / ٩٤).

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٢٦٣).

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٦٢).

٢٣٠

حين خرج بهم موسى عليه‌السلام (١).

(فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ) من القبط (جَمِيعاً) ، وقد ذكرنا قصة إغراقهم في سورة البقرة.

(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد إهلاكه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التي أراد فرعون أن يستفزكم منها.

وقال ابن عباس : أرض فلسطين والأردن (٢).

وقال غيره : أرض مصر والشام.

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني : القيامة (جِئْنا بِكُمْ) من القبور إلى المحشر (لَفِيفاً) جميعا مختلطين أنتم وهم ، ثم يحكم بينكم فيميّز بين السعداء والأشقياء.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً)(١٠٦)

قوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) يعني : القرآن (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) المعنى : وما أنزلناه إلا ملتبسا بالحق مشتملا عليه نازلا به.

وقيل : المعنى وما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائكة ، وما نزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين.

__________________

(١) فائدة : قال ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٩٥) : قال العلماء : وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه لما خرج موسى فطلبه فرعون هلك فرعون ، وكذلك أظهر الله نبيه بعد خروجه من مكة حتى رجع إليها ظاهرا عليها.

(٢) زاد المسير (٥ / ٩٥).

٢٣١

وقيل : الإشارة بقوله : «وبالحق أنزلناه» إلى ما تضمن من الأمر والنواهي ، والوعد والوعيد ، و «بالحق نزل» أي : وعلى الحق ، يعني : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل.

وقيل : المعنى : وبوحينا نزل.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) بالجنة لمن أطاع (وَنَذِيراً) بالنار لمن عصى.

قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) انتصب «قرآنا» بفعل مضمر يفسره ما بعده.

قال ابن عباس : بينّا حلاله وحرامه (١).

وقال الحسن : فرقنا فيه بين الحق والباطل (٢).

وقال الفراء (٣) : أحكمناه وفصّلناه.

وقرأ جماعة منهم علي وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس في آخرين : «فرّقناه» بالتشديد (٤) ، وبها قرأت لأبان عن عاصم ، أي : أنزلناه متفرقا منجّما.

(لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) وقرأ أنس بن مالك وقتادة : «على مكث» بفتح الميم (٥). وبها قرأت لأبان عن عاصم على الشيخين أبي البقاء وأبي عمرو الياسري.

أي : على تؤدة ومهل ، ليتدبروه ويفهموه.

__________________

(١) زاد المسير (٥ / ٩٦).

(٢) أخرجه الطبري (١٥ / ١٧٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٩٦).

(٣) معاني الفراء (٢ / ١٣٣).

(٤) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٨٧) ولم يجز هذه القراءة ابن جرير الطبري (١٥ / ١٧٨) ؛ لأن القراءة بتخفيف الراء هي القراءة التي عليها الحجة مجمعة.

(٥) زاد المسير (٥ / ٩٧).

٢٣٢

والجارّ في موضع الحال ، أي : مترفقا متمهلا غير مستعجل ولا مسرع.

(وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) على حسب الوقائع.

(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)(١٠٩)

(قُلْ) لهم يا محمد معرضا عنهم ، مزدريا بشأنهم ، مظهرا لاحتقارهم ، غير مكترث بهم ، استغناء بالله واكتفاء بأصحابك المؤمنين : (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) صدّقوا بالقرآن أو لا تصدّقوا ، (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي : من قبل إنزال القرآن ، وقيل : من قبل إرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعلموا الشرائع ، وكانوا يوقنون بالنبي العربي الذي نطقت بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكتب السالفة ، وشهدت برسالته معجزاته المستأنفة ؛ مثل أبي ذر ، وسلمان ، وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو.

وقيل : هم أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقيل : ناس من اليهود.

(إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) قال الزجاج (١) : الذّقن : مجتمع اللّحيين ، وهو عضو من أعضاء الوجه ، فإذا ابتدأ يخرّ فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذّقن.

قال ابن عباس : «يخرّون للأذقان» : للوجوه (٢). واللام بمعنى على ، كقول

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ٢٦٤).

(٢) أخرجه الطبري (١٥ / ١٨٠). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

٢٣٣

الشاعر :

ضممت إليه بالقناة ثيابه

فخرّ صريعا لليدين وللفم (١)

(وَيَقُولُونَ) في سجودهم (سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا) بإنزال القرآن وإرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَمَفْعُولاً) و «إن» بمعنى : إنه ، وجاءت مؤكدة للفعل ، كما أن «إن» تؤكد الاسم ، وكما أكدت «إن» باللام في نحو قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات : ١٥٨] أكدت «إن» الخفيفة باللام في قوله : (لَمَفْعُولاً).

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) كرر سبحانه الإخبار عنهم بالخرور ؛ لتكرير الفعل منهم ، وأنهم خرّوا ساجدين وخرّوا باكين.

(وَيَزِيدُهُمْ) يعني : البكاء والخرور على الذّقن ، ففاعل «يزيدهم» ضمير المصدر الذي دل عليه الفعل.

وقيل : يزيد بهم القرآن خضوعا وتواضعا.

قال عبد الأعلى التيمي : إن من [أوتي](٢) من العلم ما لا يبكيه ، لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه ؛ لأن الله تعالى نعت العلماء فقال : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) إلى قوله تعالى : (يَبْكُونَ)(٣).

__________________

(١) انظر البيت في : الاستيعاب (٣ / ١٣٧٢) ، ويروى البيت : هتكت له بالرمح جيب قميصه ... وانظر هذا البيت بهذا اللفظ في : الطبقات الكبرى (٥ / ٥٤) ، وتاريخ الطبري (٣ / ٥١).

(٢) في الأصل : أتي. وكذا وردت في الموضع التالي. وانظر : المصادر التالية.

(٣) أخرجه الطبري (١٥ / ١٨١ ـ ١٨٢) ، وابن المبارك في الزهد (١ / ٤١). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٧) وعزاه لابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٣٤

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)(١١١)

قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أي : سمّوا الله بأيّ الاسمين شئتم ، فإنهما اسمان لمسمى واحد.

و (أَيًّا) منصوب ب (تَدْعُوا) ، والتنوين فيها عوض من المضاف إليه ، و (ما) صلة. والمعنى : أيّ هذين الاسمين سميتم فهو حسن ، وناب عن هذا المحذوف قوله : (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) والضمير في «فله» لا يعود إلى أحد الاسمين ، وإنما يعود إلى المسمى ، وهو ذات الله عزوجل.

قال ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة وهو ساجد : «يا الله يا رحمن! فسمعه أبو جهل ، وهم لا يعرفون الرحمن ، فقال : إن محمدا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر مع الله ، وما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، يعنون مسيلمة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية» (١).

وقال الضحاك : قال أهل الكتاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك لتقل ذكر الرحمن في القرآن وقد أكثر الله تعالى في التوراة هذا الاسم ، فنزلت هذه الآية (٢).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٥ / ١٨٢). وانظر : أسباب النزول للواحدي (ص : ٣٠٢) ، وزاد المسير (٥ / ٩٨). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٣٤٨) وعزاه لابن جرير وابن مردويه.

(٢) زاد المسير (٥ / ٩٩).

٢٣٥

قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) أخرجا في الصحيحين من حديث ابن عباس قال : «أنزلت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوار بمكة ، فكان إذا رفع صوته سمعه المشركون فسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله عزوجل : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي : بقراءتك حتى يسمعها المشركون (وَلا تُخافِتْ بِها) عن أصحابك فلا تسمعهم» (١).

(وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) طريقا عدلا بين الجهر والإخفات.

وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : «أنزل الله هذا في الدعاء : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)(٢).

التقدير : لا تجهر بقراءة صلاتك ، على حذف المضاف ، ولا تخافت بها ، والمخافتة : الإخفاء ، يقال : خفت صوته يخفت خفوتا ؛ إذا ضعف ، وصوت خفيت (٣).

وروى علي عليه‌السلام قال : «كان أبو بكر رضي الله عنه يخافت إذا قرأ ، وكان عمر رضي الله عنه يجهر بقراءته ، وكان عمارا يأخذ من هذه السورة ومن هذه ، فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لأبي بكر : لم تخافت؟ قال : أسمع من أناجي ، وقال لعمر : لم تجهر؟ فقال : أفزع ... (٤) [الشيطان وأوقظ الوسنان (٥). وقال لعمار : لم

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٧٤٩ ح ٤٤٤٥) ، ومسلم (١ / ٣٢٩ ح ٤٤٦).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٧٥٠ ح ٤٤٤٦) ، ومسلم (١ / ٣٢٩ ح ٤٤٧).

(٣) انظر : اللسان (مادة : خفت).

(٤) بياض في مصورة الأصل قدر نصف لوحة ، وهي تكملة تفسير سورة الإسراء. وقد أكملت الحديث من المسند.

(٥) الوسنان : النائم الذي ليس بمستغرق في نومه (اللسان ، مادة : وسن).

٢٣٦

تأخذ من هذه السورة وهذه؟ قال : أتسمعني أخلط به ما ليس منه؟ قال : لا ، قال : فكله طيب](١)» (٢).

__________________

(١) زيادة من المسند (١ / ١٠٩).

(٢) أخرجه أحمد في مسنده (١ / ١٠٩ ح ٨٦٥).

٢٣٧

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

رب يسر وأعن بمنّك وكرمك (١).

سورة الكهف

وهي مائة آية وإحدى عشرة آية مكية ، واستثنى ابن عباس : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ)(٢).

وقال مقاتل (٣) : من أولها إلى (صَعِيداً جُرُزاً) ، ومن : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلى آخر الآيتين مدني (٤).

قرأت على أبي المجد القزويني ، أخبركم أبو منصور المعروف بحفدة فأقرّ به ، قال : حدثنا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا سالم بن أبي

__________________

(١) من هنا يبدأ الموجود من نسخة مكتبة جامعة توبنجن بألمانيا الغربية ، وقد رمزنا لهذه النسخة (ب) ، وقد أثبتنا الفروق بين هذه النسخة ونسخة الأصل.

وقوله : «بمنك وكرمك» ليست في ب.

(٢) انظر : الإتقان (١ / ٥٠).

(٣) تفسير مقاتل (٢ / ٢٧٨).

(٤) انظر : الإتقان (١ / ٥٠).

٢٣٨

الجعد الغطفاني (١) ، عن معدان بن أبي طلحة (٢) ، عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حفظ عشر آيات من أوائل (٣) سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» (٤). هذا حديث صحيح ، أخرجه مسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن معاذ بن هشام (٥) ، عن أبيه (٦) ، عن قتادة.

وبهذا الإسناد قال : حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو الأسود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن [زبان](٧) ، عن سهل هو ابن معاذ (٨) ، عن أبيه (٩) ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) سالم بن أبي الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي ، ثقة ، وكان يرسل كثيرا ، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين ، وقيل : مائة ، وقيل : بعد ذلك ، ولم يثبت أنه جاوز المائة (تهذيب التهذيب ٣ / ٣٧٣ ، والتقريب ص : ٢٢٦).

(٢) معدان بن أبي طلحة ، ويقال : بن طلحة الكناني اليعمري الشامي ، ثقة (تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٠٥ ، والتقريب ص : ٥٣٩).

(٣) في ب : أول.

(٤) أخرجه مسلم (١ / ٥٥٥ ح ٨٠٩) ، والبغوي في التفسير (٣ / ١٨٧).

(٥) معاذ بن هشام بن أبي عبد الله واسمه سنبر الدستوائي البصري ، صدوق ربما وهم ، سكن اليمن ثم البصرة ، مات في ربيع الآخر سنة مائتين (تهذيب التهذيب ١٠ / ١٧٧ ، والتقريب ص : ٥٣٦).

(٦) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، أبو بكر البصري ، واسم أبيه : سنبر الربعي ، ثقة ثبت ، وقد رمي بالقدر ، كان يبيع الثياب التي تجلب من دستواء فنسب إليها ، وربما قيل له : الدستوائي ، مات سنة أربع وخمسين ومائة (تهذيب التهذيب ١١ / ٤١ ، والتقريب ص : ٥٣٦).

(٧) في الأصل : أبان. والتصويب من مسند أحمد (٣ / ٤٣٩) ، والمعجم الكبير (٢٠ / ١٩٧). وانظر ترجمته في : تهذيب التهذيب (٣ / ٢٦٥) ، والتقريب (ص : ٢١٣).

(٨) سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، شامي نزل مصر ، لا بأس به إلا في روايات زبان عنه (تهذيب التهذيب ٤ / ٢٢٧ ، والتقريب ص : ٢٥٨).

(٩) معاذ بن أنس الجهني الأنصاري ، صحابي نزل مصر ، وبقي إلى خلافة عبد الملك (تهذيب التهذيب ـ

٢٣٩

قال (١) : «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه ، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء» (٢).

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً)(٥)

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) هذا تعليم للعباد كيف يثنون على المنعم عليهم بالإسلام ، وإرسال محمد عليه الصلاة والسّلام ، وإنزال القرآن الذي هو سبب الفوز والسعادة الأبدية.

(وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) حال (٣) ، على معنى : غير مجعول له عوجا ، وقد ذكرنا الفرق بين العوج والعوج في آل عمران (٤).

والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان.

المعنى : لم يجعل له ميلا وزيغا عن الإصابة. والحكمة تشير إلى سلامته عن

__________________

ـ ١٠ / ١٨٦ ، والتقريب ص : ٥٣٥).

(١) بياض في ب قدر ربع صفحة.

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٤٣٩) ، والمعجم الكبير للطبراني (٢٠ / ١٩٧) ، والبغوي في التفسير (٣ / ١٨٧).

(٣) الدر المصون (٤ / ٤٣٠).

(٤) آية رقم : ٩٩.

٢٤٠