رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٩

الذي قتله الخضر طبع كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا» (١).

(فَخَشِينا) اختلفوا في القائل «فخشينا» فقال قوم : هو الخضر عليه‌السلام ، ودلّوا عليه بقوله : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما).

وقال قوم : القائل لذلك : الله تعالى ، ويدل عليه قراءة أبيّ بن كعب : «فخاف ربك» (٢).

قال ابن عقيل : [فعملنا](٣) فعل الخاشي (٤).

وقال الأخفش والزجاج (٥) : «فخشينا» : فكرهنا.

(أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) سبق تفسيره آنفا.

قال الربيع بن أنس : كان الغلام على الطريق لا يمر به أحد إلا قتله أو غصبه ، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه (٦).

وقال ابن السائب : كان لصا ، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل (٧).

قال قتادة : فرحا به حين ولد ، وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما ، فرضي امرؤ بقضاء الله ، فإن قضاء الله [للمؤمن](٨) فيما يكره خير له من

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٥٠ ح ٢٦٦١).

(٢) البحر المحيط (٦ / ١٤٦).

(٣) في الأصل وب : فعلمنا. والصواب ما أثبتناه.

(٤) انظر : زاد المسير (٥ / ١٧٩).

(٥) معاني الأخفش (ص : ٢٤٤) ، ومعاني الزجاج (٣ / ٣٠٥).

(٦) زاد المسير (٥ / ١٧٩).

(٧) الماوردي في تفسيره (٣ / ٣٣٣) ، وزاد المسير (٥ / ١٧٩).

(٨) في الأصل : للمؤمنين. والتصويب من ب ، والمراجع الآتية.

٣٤١

قضائه فيما يجب (١).

(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما) قرأ نافع وأبو عمرو : «يبدّلهما» بالتشديد ، ومثله في التحريم ، ونون والقلم ، وخفّف ذلك كله الباقون (٢). وهما لغتان بمعنى واحد ، بدّل وأبدل. وأكثر ما جاء في القرآن مشددا ، نحو قوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ٥٩] ، (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [إبراهيم : ٢٨] ، (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) [سبأ : ١٦] ، (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) [البقرة : ٢١١] ، (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [الأنعام : ١١٥] ، (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [يونس : ٦٤].

قوله تعالى : (خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) قال ابن عباس : خيرا منه دينا (٣).

والمعنى : خيرا منه صلاحا وطهارة من الذنوب والرذائل.

قال ابن عباس : أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا (٤).

وقال ابن جريج : ولدت غلاما مسلما (٥).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٨٠). وانظر : تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٣) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٠). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٢٩) وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب.

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٩٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٢٧) ، والكشف (٢ / ٧٢) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٤) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٩٧).

(٣) الوسيط (٣ / ١٦١) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٠) عن سعيد بن جبير وقتادة.

(٤) زاد المسير (٥ / ١٨١).

(٥) أخرجه الطبري (١٦ / ٤) عن الحجاج. وانظر : تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٤) ، وزاد المسير (٥ / ١٨١).

٣٤٢

(وَأَقْرَبَ رُحْماً) وقرأ ابن عامر : «رحما» بضم الحاء (١).

وفي قراءة ابن عباس : «رحما» [بفتح](٢) الراء وكسر الحاء (٣).

وكلّ ذلك بمعنى الرحمة والعطف.

قال الزجاج (٤) : المعنى : أقرب عطفا وأمسّ بالقرابة.

(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٨٢)

قوله تعالى : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) قال مقاتل (٥) : اسمهما : أصرم وصريم.

والمدينة هي المذكورة في قوله : (أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ).

(وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) روى الحاكم في صحيحه ، والترمذي في جامعه ، من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) قال : «كان

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٩٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٢٧) ، والكشف (٢ / ٧٢) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٢١٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٩٧).

(٢) في الأصل : وفتح. والتصويب من ب ، وزاد المسير (٥ / ١٨٠).

(٣) انظر : زاد المسير (٥ / ١٨٠).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٣٠٥).

(٥) تفسير مقاتل (٢ / ٢٩٩).

٣٤٣

ذهبا وفضة» (١).

وروى عطاء عن ابن عباس : «كان لوحا من ذهب فيه مكتوب : عجبا لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، عجبا لمن أيقن بالنار ثم يضحك ، عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ عجبا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب؟ عجبا لمن يوقن بالحساب كيف يغفل؟ عجبا لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ أنا الله لا إله إلا أنا ، محمد عبدي ورسولي. وفي الشق الآخر : أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، خلقت الجن والإنس ، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه ، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه» (٢).

وقد روي هذا مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث أنس (٣).

وروى العوفي عن ابن عباس : أنه كنز علم (٤). وهذا هو القول الذي قبله.

قال الزجاج (٥) : المعروف في اللغة : أن الكنز إذا أفرد فمعناه : المال المدفون

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٣١٣ ح ٣١٥٢) ، والحاكم (٢ / ٤٠١ ح ٣٣٩٧).

(٢) روى نحوه ابن مردويه من حديث علي مرفوعا كما في الدر (٥ / ٤٢١) ، ونحوه من حديث أبي ذر مرفوعا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار كما في الدر (٥ / ٤٢١) ، كما ورد نحوه موقوفا من قول ابن عباس ، أخرجه الخرائطي في قمع الحرص ، وابن عساكر كما في الدر (٥ / ٤٢١). وأخرج نحوه البيهقي في الشعب (١ / ٢٢٣) من حديث علي بن أبي طالب. وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٢١) وعزاه للشيرازي في الألقاب.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٦٢) ، والماوردي في تفسيره (٣ / ٣٣٦).

قال الحافظ في الكاف الشاف : رواه الواحدي من رواية محمد بن مروان السدي الصغير عن أبان عن أنس مرفوعا ، وأبان والسدي الصغير متروكان.

(٤) أخرجه الطبري (١٦ / ٥). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ١٨١).

(٥) معاني الزجاج (٣ / ٣٠٧).

٣٤٤

المدّخر ، فإذا لم يكن المال ، قيل : عنده كنز علم ، وله كنز فهم ، والكنز هاهنا بالمال أشبه. قال : وجائز أن يكون الكنز كان مالا ، مكتوب فيه علم ، [على ما روي](١) ، فهو مال وعلم عظيم.

قوله تعالى : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) قال ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاحا (٢).

قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء (٣).

وقال محمد بن المنكدر : إن الله عزوجل ليصلح بصلاح العبد ولده ، وولد ولده ، وأهل دويرته ، وأهل دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم (٤).

وكان سعيد بن المسيب إذا رأى ابنه قال : أي بنيّ! لأزيدنّ صلاتي من أجلك ؛ رجاء أن أحفظ فيك ، ويتلو هذه الآية (٥).

وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن يحيى بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل (٦)

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الطبري (١٦ / ٧) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٤٠٠) ، وابن المبارك في الزهد (١ / ١١٢).

وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٢٢) وعزاه لابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.

(٣) أخرجه الطبري (١٦ / ٥ ـ ٦). وانظر : الوسيط (٣ / ١٦٣) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٢).

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٢١٠) ، وابن المبارك في الزهد (١ / ١١١ ـ ١١٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٢٢) وعزاه لابن المبارك وابن أبي شيبة.

(٥) ذكره ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص : ١٨٧).

(٦) في الأصل : إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل. ولم أجد أحدا بهذا الاسم ، والذي ـ

٣٤٥

قال : «كانت لي أخت أسنّ مني ، فاختلطت وذهب عقلها وتوحشت ، فكانت في غرفة في أقصى سطوحنا ، فلبثت بذلك بضع عشرة سنة ، وكانت (١) مع ذهاب عقلها تحرص على الصلوات والطهور. فبينا [أنا نائم](٢) ذات ليلة وإذا (٣) باب بيتي يدقّ نصف الليل ، فقلت : من هذا؟ فقال : بخّة ، فقلت : أختي ، قالت : أختك. فقلت : لبيك ، وقمت ففتحت الباب ، فدخلت ولا عهد لها بالبيت منذ أكثر من عشرين سنة. فقلت لها : يا أخيّة! خير؟ قالت : خير ، أتيت الليلة في منامي فقيل لي : السّلام عليك يا بخّة ، فقلت : وعليكم السّلام ، فقيل : إن الله قد حفظ أباك إسماعيل بن سلمة بن كهيل بسلمة جدّك ، وحفظك لأبيك إسماعيل ، وإن شئت دعوت [الله](٤) فأذهب ما بك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ، فإن أبا بكر وعمر عليهما‌السلام قد شفعا لك لحبّ أبيك وجدك إياهما. فقلت : إن [الله](٥) لا يتعاظمه شيء ، إن يشأ أن يجمعهما لي فعل ، [قالت](٦) : فقيل : قد جمعهما الله لك [ورضي](٧) عن أبيك وجدك بحبهما أبا بكر وعمر ، قومي فانزلي ، فأذهب الله ما

__________________

ـ وجدته : إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، أخرج حديثه الترمذي ، قال الدارقطني : متروك ، كما في تهذيب الكمال (٣ / ٢١٢).

(١) في ب : فكانت.

(٢) في الأصل : أنائم. والمثبت من ب ، وتفسير الثعلبي (٦ / ١٨٩) ، وصفة الصفوة (٣ / ١٩٧).

(٣) في ب : إذا.

(٤) زيادة من ب ، وتفسير الثعلبي (٦ / ١٨٩) ، وصفة الصفوة (٣ / ١٩٧).

(٥) زيادة من ب ، والثعلبي ، الموضع السابق.

(٦) زيادة من ب ، ومصادر التخريج.

(٧) في الأصل : رضي الله. والمثبت من ب ، ومصادر التخريج.

٣٤٦

كان بها» (١).

قوله تعالى : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) قال ابن الأنباري (٢) : إنما قال : «فأردت ، فأردنا ، فأراد ربك» ؛ لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني ؛ لأنه أعذب على الألسن وأحسن موقعا في الأسماع ، فتقول للرجل : قال لي فلان كذا ، وأنبأني فلان كذا ، وأنبأني بما كان ، وخبرني بما قال.

«أن يبلغا أشدهما» قال ابن عباس : يكبرا ويعقلا (٣).

(وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال الزمخشري (٤) : «رحمة» مفعول له ، أو مصدر منصوب ب «أراد ربك» ؛ لأنه في معنى رحمهما.

(وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي : ما فعلت ما رأيت عن أمري ، أي : عن اجتهادي ورأيي ، إنما فعلته بأمر الله.

(ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) يقال : استطاع واسطاع (٥) بمعنى واحد.

فصل

في (٦) هذه القصة مستدل على ما إذا قال : والله لا أسكن هذه الدار ، ثم أخذ في النّقلة لم يكن ليحنث ؛ لأنه لما عزم على فراقه أخذ يقص عليه جميع ما سأل عنه ، وما

__________________

(١) أخرجه الثعلبي (٦ / ١٨٩). وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧).

(٢) انظر : زاد المسير (٥ / ١٨٢).

(٣) الوسيط (٣ / ١٦٣).

(٤) الكشاف (٢ / ٦٩٣).

(٥) في ب : اسطاع واستطاع.

(٦) في ب : وفي.

٣٤٧

عنه ، وما عدّ ذلك القدر من الاجتماع في ذلك الزمان وصلا (١) ، وقريب منه قول الأحوص :

وإني أخوك الدائم العهد لم أحل

إن أنزاك (٢) خصم أو نبا بك منزل

وكنت إذا ما صاحب رام ظنّتي

وبدّل سوءا بالذي كنت أفعل

قلبت له ظهر المجنّ فلم أدم

على ذاك إلا ريثما أتحوّل

فاستثنى قدر النقلة عن الزمان الداخل تحت قوله : لم أدم على ذاك.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)(٨٤)

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) سبق ذكر سبب نزولها عند قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [الإسراء : ٨٥].

واختلف في اسمه ؛ فقال علي عليه‌السلام : عبد الله (٣).

وقال ابن عباس : عبد الله بن الضحاك (٤).

وقال وهب : الاسكندر (٥).

واختلفوا في علة تسميته بذي القرنين ؛ فقال علي عليه‌السلام : سمّي لأنه دعا

__________________

(١) في ب : وصالا.

(٢) في هامش ب : أنزاك ونزّاك : أي : أعابك.

(٣) زاد المسير (٥ / ١٨٣).

(٤) تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٧) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٣).

(٥) زاد المسير (٥ / ١٨٣).

٣٤٨

قومه إلى الله فضربوه على قرنه فهلك ، ثم بعثه الله فدعاهم إليه فضربوه على قرنه الآخر فهلك ، ثم بعثه الله (١).

وقال ابن عباس : سمّي ذا القرنين ؛ لأنه بلغ مطلع الشمس ومغربها (٢).

قال وهب بن منبه : رأى في المنام كأنه امتد إلى السماء حتى أخذ بقرني الشمس ، فقصّ رؤياه على قومه ، فسمّوه ذا القرنين (٣).

وكان تأويل رؤياه أنه طاف المشرق والمغرب.

وروي عن وهب أيضا : أنه سمّي بذلك ؛ لأنه ملك فارس والروم (٤).

وروي عنه أيضا : أنه سمّي بذلك ؛ لأنه كان في رأسه شبه القرنين (٥). وقال : كانت صفحتا رأسه من نحاس (٦).

وقال الحسن البصري : سمّي بذلك ؛ لغديرتين (٧) كانتا له (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ٩). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٤٧) وعزاه لابن إسحاق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) زاد المسير (٥ / ١٨٣).

(٣) تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٧) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٣).

(٤) أخرجه الطبري (١٦ / ٩) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٤٤٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩) وعزاه لأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة.

(٥) أخرجه الطبري (١٦ / ٩) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٤٤٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩) وعزاه لأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة.

(٦) أخرجه الطبري (١٦ / ٩) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٤٥١). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٣٩) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب وأبي الشيخ.

(٧) الغديرتان : الذؤابتان اللتان تسقطان على الصدر ، وجمعها : غدائر (اللسان ، مادة : غدر).

(٨) تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٧) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٣٩) وعزاه ـ

٣٤٩

قال ابن الأنباري (١) : والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين وقرنين.

وقيل : لسلوكه الظلمة والنور.

وقيل : لأنه كان كريم الطرفين ، من بيت ذوي شرف من قبل أبيه وأمه.

وقيل : لأنه انقرض في زمنه قرنان من الناس.

واختلفوا : هل كان نبيا أو عبدا صالحا ؛ فقال علي عليه‌السلام : كان عبدا صالحا ، أحبّ الله تعالى فأحبّه ، وناصح الله تعالى فناصحه ، ولم يكن نبيا ولا ملكا (٢).

وقال عبد الله بن عمرو : كان نبيا (٣).

واختلف في زمانه ؛ فقال الحسن : كان بعد ثمود (٤).

قال علي عليه‌السلام : كان من القرون الأول من ولد يافث بن نوح (٥).

وقيل (٦) : عمّر ألفا وستمائة سنة.

قال محمد بن إسحاق : هو رجل من أهل مصر ، اسمه : مرزبان (٧) بن مرزبة

__________________

ـ لابن عبد الحكم عن يونس بن عبيد.

(١) انظر : زاد المسير (٥ / ١٨٤).

(٢) أخرجه الطبري (١٦ / ٩). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٤٧) وعزاه لابن إسحاق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) زاد المسير (٥ / ١٨٤).

(٤) مثل السابق.

(٥) مثل السابق.

(٦) في ب : ويقال.

(٧) في (ب) والطبري : مرزبا بن مردبة. وفي الدر المنثور : مرزيا بن مرزية.

٣٥٠

اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح (١).

وقال وهب : كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما (٢).

(قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ) أي : من حديثه (ذِكْراً) خبرا يتضمن ذكره.

(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) سهلنا عليه كل ما يحتاج إليه. قال علي عليه‌السلام : سخّر الله تعالى له السحاب فحمله عليها ، ومدّ له في الأسباب ، وبسط له النور ، فكان الليل والنهار عليه سواء (٣).

(وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه (سَبَباً) طريقا موصلا من علم أو قدرة أو آلة ، فأراد بلوغ المغرب.

(فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً)(٨٨)

(فَأَتْبَعَ سَبَباً) وقرأ أهل الكوفة وابن عامر : «فاتبع» بقطع الهمزة وسكون التاء

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ١٧) وانظر : تفسير الماوردي (٣ / ٣٣٧) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٤٣٩) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) زاد المسير (٥ / ١٨٤).

(٣) الوسيط (٣ / ١٦٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٤٧) وعزاه لابن إسحاق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق.

٣٥١

وتخفيفها (١).

ومثله : (ثُمَّ أَتْبَعَ) ثم أتبع ، فمن وصل فهو على معنى : سلك سببا ، فهو يتعدى إلى مفعول واحد ، ومن قطع الهمزة تعدى إلى مفعولين ، فهو على معنى : أتبع أمره وما هو عليه سببا ، فحذف أحد المفعولين.

قال قتادة : مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلا من آمن (٢).

(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) قرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا حفصا : «حامية» (٣).

قال الزجاج (٤) : من قرأ : «حمئة» أراد في عين ذات حمأة ، يقال : حمأت البئر إذا أخرجت حمأتها ، وأحمأتها إذا ألقيت فيها الحمأة ، وحمئت فهي حمئة (٥). ومن قرأ : «حامية» من غير (٦) همز أراد : حارّة ، وقد تكون حارّة ذات حمأة.

قال الحسن : وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القدور (٧).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ١٠٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٢٨) ، والكشف (٢ / ٧٢) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٤) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٩٨).

(٢) زاد المسير (٥ / ١٨٧).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ١٠١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٢٨) ، والكشف (٢ / ٧٣) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٤) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٩٨).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٣٠٨).

(٥) انظر : اللسان (مادة : حمأ).

(٦) في ب : بغير.

(٧) زاد المسير (٥ / ١٨٥ ـ ١٨٦).

٣٥٢

(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) لباسهم جلود السباع ، وليس لهم طعام [إلا](١) ما أحرقت الشمس من الدواب إذا غربت في بحرها ، وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت فيها الشمس.

أخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه ، أخبرنا عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري ، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري ، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصرباذي (٢) ، أخبرنا محمد بن أحمد بن حامد العطار ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدثنا محمد بن عباد ، حدثنا سفيان ، عن زياد بن سعد (٣) ، سمع ابن حاضر (٤) يقول : اختلف ابن عباس وعمرو بن العاص عند معاوية ، فقال ابن عباس : «في عين حمئة» ، وقال عمرو : «في عين حامئة» ، فسألوا كعبا فقال : إني أجدها في كتاب الله تغرب في طينة سوداء. فقال رجل لابن عباس : ألا أعينك؟ قال : بلى ، قال : قال تبّع :

قد كان ذو القرنين عمّر مسلما

ملكا تدين له الملوك وتسجد

بلغ المشارق والمغارب يبتغي

أسباب أمر من حكيم مرشد

__________________

(١) زيادة من ب ، وزاد المسير (٥ / ١٨٦).

(٢) في ب : النصراباذي.

(٣) زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني ، أبو عبد الرحمن ، ثقة ثبت ، من أهل خراسان ، سكن مكة ، ثم تحول إلى اليمن ، وله هيئة وصلاح ، وكان من الحفاظ المتقنين (تهذيب التهذيب ٣ / ٣١٨ ، والتقريب ص : ٢١٩).

(٤) عثمان بن حاضر الحميري ، ويقال : الأزدي ، أبو حاضر القاص ، صدوق (تهذيب التهذيب ٧ / ١٠١ ، والتقريب ص : ٣٨٢).

٣٥٣

فرأى مآب الشمس عند مغيبها

من عين ذي خلب وثاط حرمد (١)

قيل : الخلب : الطين ، والثّاط : الحمأة ، والحرمد : الأسود.

قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه‌الله في كتاب زاد المسير في علم التفسير (٢) : ربما توهم متوهم أن هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء ، وليس كذلك ، فإنها أكبر من الدنيا مرارا فكيف تسعها عين [ماء](٣)؟ وإنما وجدها تغرب في العين كما يرى [راكب البحر](٤) الذي يرى طرفه أن الشمس تغرب (٥) في الماء ، وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عينا حمئة ليس بعدها أحد.

واختلف العلماء في مقدار الشمس ؛ فقال بعضهم : هي كقدر (٦) الدنيا مائة وخمسون مرة.

وقال بعضهم : مائة وعشرون مرة ، والقمر بمقدار الدنيا ثمانون مرة (٧).

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ١٦٤) ، وابن كثير في تفسيره (٣ / ١٠٣). وانظر الأبيات في : القرطبي (١١ / ٤٩) ، والتهذيب (٥ / ٢٣٠ ، ١٤ / ٥ ، ٧ / ٤١٨) ، وتفسير الماوردي (٣ / ٣٣٩) ، واللسان (مادة : أوب ، خلب ، حرمد ، ثأط) ونسبه إلى أمية بن أبي الصلت ، والدر المصون (٤ / ٤٨٠) ، والكشاف (٢ / ٦٩٤) ، وروح المعاني (١٦ / ٢٧ ، ٣٢).

(٢) زاد المسير (٥ / ١٨٦).

(٣) زيادة من زاد المسير ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : الراكب في البحر. والمثبت من ب ، وزاد المسير ، الموضع السابق.

(٥) في (ب) وزاد المسير : تغيب.

(٦) في ب : بقدر.

(٧) الشمس : تبعد في المتوسط حوالي ٤٣٠٠٤٠٠٠ ميل عن الأرض ، وهي المسافة المسماة بالوحدة الفلكية ، ويبلغ قطر الشمس ٨٦٥٤٠٠ ميل تقريبا ، وحجمها حوالي ١٣٠٠٠٠٠ ضعف حجم ـ

٣٥٤

(قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) من قال : إنه نبي ؛ فالمعنى : قلنا له بطريق الوحي أو التكليم ، ومن قال : عبد صالح ؛ فالمعنى : قلنا له بطريق الإلهام ، أو بطريق الإرسال إليه.

(إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) أي (١) : تقتل من لم يجب دعوتك ويتبع دينك ، (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أي : أمرا ذا حسن ، على حذف الموصوف والمضاف ، كما في قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) [النساء : ٩٢] ، أي : قتلا ذا خطأ.

والمعنى : وإما أن تتخذ فيهم حسنا بأن [تأسرهم](٢) فتبصّرهم وتوضح لهم منار الهدى.

واعلم أنّ «أن» مع الفعل بتأويل المصدر في موضع النصب بفعل مضمر ، كما في قوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤].

ويجوز أن تكون «أن» مع الفعل في موضع المبتدأ ، والخبر مضمر. أي : إما العذاب واقع منك فيهم ، وإما اتخاذ أمر ذي حسن واقع فيهم ، فحذف الخبر لطول الكلام بالصلة.

قال قتادة : فقضى فيهم بقضاء الله ، وكان عالما بالسياسة (٣) ، فقال : (أَمَّا مَنْ

__________________

ـ الأرض (الموسوعة العربية الميسرة ص : ١٠٩٤).

أما القمر فيبعد حوالي ٣٨٦٩٥٢ كم عن الأرض ، ويبلغ قطره ٣٤٠٠ كم ـ أكبر قليلا من ربع قطر الأرض ـ والقمر جسم مظلم كروي ، ولكن تضيء أشعة الشمس نصفه المقابل لها (الموسوعة العربية الميسرة ص : ١٣٩٤).

(١) في ب : يعني.

(٢) في الأصل : تستأسرهم. والتصويب من ب.

(٣) الوسيط (٣ / ١٦٥).

٣٥٥

ظَلَمَ) بالإقامة على الشرك (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) قال الحسن : كان يطبخهم في القدور (١).

(ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) يوم القيامة (فَيُعَذِّبُهُ) في النار (عَذاباً نُكْراً) فظيعا منكرا.

(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) قال الفراء (٢) : الحسنى : الجنة ، وأضيف الجزاء إليها ، وهي الجزاء ؛ كقوله : (لَحَقُّ الْيَقِينِ) [الحاقة : ٥١] ، و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] ، (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) [النحل : ٣٠].

وقال أبو علي (٣) : المعنى : فله جزاء الخلال الحسنى ؛ لأن الإيمان والعمل الصالح خلال.

وقال غيره في معناه : الجزاء مضاف إلى الحسنى ، و «الحسنى» صفة موصوف محذوف ، والتقدير : فله جزاء الحالة الحسنى ؛ كقوله :

فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا

ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (٤)

وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر : «فله جزاء» بالنصب والتنوين (٥).

قال الزجاج (٦) : هو مصدر منصوب على الحال ، التقدير : فله الحسنى مجزيا بها

__________________

(١) زاد المسير (٥ / ١٨٦).

(٢) معاني الفراء (٢ / ١٥٩).

(٣) الحجة (٣ / ١٠٢).

(٤) البيت لامرئ القيس. انظر : ديوانه (ص : ٣٢) ، وزاد المسير (١ / ٣٧٨ ، ٤ / ٢٣).

(٥) الحجة للفارسي (٣ / ١٠٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٤٣٠) ، والكشف (٢ / ٧٤) ، والنشر في القراءات العشر (٢ / ٣١٥) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٩٨ ـ ٣٩٩).

(٦) معاني الزجاج (٣ / ٣٠٩).

٣٥٦

جزاء.

وقال غيره : «الحسنى» مبتدأ ، و «له» خبره (١) ، والتقدير : فله الحسنى ، «جزاء» أي : مجزيا ، مصدر في موضع الحال (٢) ، والعامل فيه : له جازية (٣) ، أي : ثبتت الحسنى له جزاء.

(وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي : أمرا ذا يسر ، كالذي قبله. والمعنى : وسنقول له من أمرنا قولا جميلا ونوليه معروفا.

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً)(٩١)

قوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي : طريقا يوصله إلى الشرق.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) وقرأ الحسن : «مطلع» بفتح اللام (٤) ، وكلاهما بمعنى واحد.

قال ابن الأنباري (٥) : لا خلاف بين أهل العربية في أن المطلع والمطلع كلاهما يعني بهما المكان الذي تطلع منه الشمس ، ويقولون : [ما](٦) كان على فعل يفعل ، فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المفعل ، كقولهم المدخل للدخول ، وللموضع

__________________

(١) التبيان (٢ / ١٠٨) ، والدر المصون (٤ / ٤٨٠).

(٢) مثل السابق.

(٣) ساقط من ب.

(٤) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٩٤).

(٥) انظر : زاد المسير (٥ / ١٨٧ ـ ١٨٨).

(٦) زيادة من زاد المسير (٥ / ١٨٧).

٣٥٧

الذي يدخل منه ، إلا أحد عشر حرفا جاءت مكسورة إذا أريد بها المواضع ، وهي : المطلع ، والمسكن ، والمنسك ، والمشرق ، والمغرب ، والمسجد ، والمنبت ، والمجزر ، والمفرق ، والمسقط ، والمهبل ؛ الموضع الذي تضع فيه الناقة ، وخمسة من هؤلاء الأحد عشر [حرفا](١) سمع فيهن الكسر والفتح : المطلع والمطلع ، والمنسك والمنسك ، والمجزر والمجزر ، والمسكن والمسكن ، والمنبت والمنبت.

وقال أبو عمرو (٢) : المطلع ـ بالكسر ـ : الموضع الذي تطلع فيه ، والمطلع ـ بالفتح ـ : الطلوع.

(وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قال الحسن : لم يكن بينهم وبين الشمس سترا (٣) ؛ لأنهم [كانوا](٤) في مكان لا يثبت عليه البناء (٥).

وقال الكلبي : كانوا حفاة عراة ، يفرش أحدهم أذنه ويلبس الأخرى (٦).

وقيل : المعنى : لم نجعل لهم من دونها سترا كما جعلنا لكم من الجبال والحصون والأكنان من كل جنس ، والثياب من كل صنف.

قال قتادة : أصاب قوما في أسراب عراة ، ليس لهم طعام إلا ما أحرقت

__________________

(١) زيادة من ب ، وزاد المسير (٥ / ١٨٨).

(٢) انظر : زاد المسير (٥ / ١٨٨).

(٣) في ب : ستر.

(٤) زيادة من ب.

(٥) أخرجه الطبري (١٦ / ١٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٨٦) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٤٧١).

وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٥٤) وعزاه للطيالسي والبزار في أماليه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٦) الوسيط (٣ / ١٦٥).

٣٥٨

الشمس إذا طلعت ، فإذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس (١).

وبلغنا : أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان ، فيقال : إنهم الزنج (٢).

وقال الحسن : كانوا إذا غربت الشمس خرجوا يتراعون كما يتراعى الوحش ، وإذا طلعت عليهم الشمس تهوّروا في الماء (٣).

وقال ابن جريج : جاءهم جيش مرة ، فقال لهم أهلها : لا تطلع عليكم الشمس وأنتم بها ، فقالوا : لا نبرح حتى تطلع علينا الشمس ، قالوا : ما هذه العظام؟ قالوا : جيف جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا ، فذهبوا هاربين في الأرض (٤).

قال ابن السائب : وحدثني عمرو بن مالك بن أمية قال : وجدت رجلا بسمرقند يحدّث الناس وهم مجتمعون حوله ، فسألت بعض من حدثه ، فأخبرني أنه حدّثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس ، قال : خرجت حتى جاوزت الصين ، ثم سألت عنهم فقالوا (٥) : إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فاستأجرت رجلا فسرت بقية عشيتي وليلتي حتى صبّحتهم ، فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى ، وكان صاحبي يحسن لسانهم ، فسألهم فقال : جئنا لننظر كيف تطلع الشمس ، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة ، فغشي عليّ ، فأفقت وهم

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٦ / ١٤). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٥٤) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٢) الطبري (١٦ / ١٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٣٨٧) ، وزاد المسير (٥ / ١٨٧).

(٣) أخرجه الطبري (١٦ / ١٤) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٤٧١ ـ ١٤٧٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٤٥٤) وعزاه للطيالسي والبزار في أماليه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) أخرجه الطبري (١٦ / ١٤).

(٥) في ب : فقيل لي.

٣٥٩

يمسحونني بالدهن ، فلما طلعت الشمس على الماء فإذا (١) هي كهيئة الزيت ، وإذا طرف الماء كهيئة الفسطاط ، فلما ارتفعت أدخلوني سربا لهم أنا وصاحبي ، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك فيطرحونه في الشمس فينضج (٢).

قوله تعالى : (كَذلِكَ) أي : كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها.

وقيل : المعنى اتّبع سببا كما اتّبع سببا.

وقيل : المعنى : كما حكم في أولئك الذين وجدهم عند مغرب الشمس كذلك حكم في الذين وجدهم عند مطلعها (٣).

وقيل : المعنى : أمر ذي القرنين كذلك ، أي : كما قصصناه عليك ، وكما وصفناه ، على مذهب التعظيم لأمره والتفخيم لشأنه.

قوله تعالى : (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) يعني : من الأموال والآلات والأسباب والجيوش والعدد والعدد (خُبْراً).

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ

__________________

(١) في ب : إذا.

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره (١١ / ٥٤).

(٣) وهذا أولى الأقوال.

٣٦٠