رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٣

علم ، فضلّوا وأضلّوا» (١). هذا حديث متفق على صحته ، وأخرجه مسلم عن قتيبة عن جرير عن هشام.

(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٤٣)

قوله تعالى : (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني : كفار الأمم الخالية مكروا بأنبيائهم كما مكرت قريش بك يا محمد.

ثم أخبر أن المكر كله لله سبحانه وتعالى ، فقال : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) فلا يقدر أحد على شيء منه إلا بإرادته وإقداره عليه.

ثم فسر فقال : (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير وشر ، ونفع وضر ، ومن علم ذلك فله المكر كله.

(وَسَيَعْلَمُ) الكافرقال الزجاج (٢) : هو اسم جنس.

وعن ابن عباس : أنه أبو جهل (٣).

وقرأ أهل الكوفة وابن عامر : «وسيعلم الكفار» على الجمع (٤).

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٥٠ ح ١٠٠) ، ومسلم (٤ / ٢٠٥٨ ح ٢٦٧٣).

(٢) معاني الزجاج (٣ / ١٥١).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٣٤١).

(٤) الحجة للفارسي (٣ / ١٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٧٥) ، والكشف (٢ / ٢٣) ، والنشر لابن الجزري (٢ / ٢٩٨) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٧٠) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٥٩).

قال ابن جرير الطبري (١٣ / ١٧٥) : والصواب من القراءة في ذلك القراءة على الجمع ، لأن الخبر ـ

٥٠١

(لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) أي : لمن آخر الأمر ولمن الجنة.

قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم اليهود والنصارى ، في قول أكثر المفسرين (١).

وقيل : كفار قريش.

(لَسْتَ مُرْسَلاً) إلينا بالنبوة. (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بما أنار من دلالاتي وأبان من آياتي.

(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) «من» [في](٢) موضع جر عطفا على اسم الله.

ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفا على موضع الجار والمجرور (٣) ، كقراءة من قرأ في : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] ، وقراءة من قرأ : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩].

وقوله : (عِلْمُ الْكِتابِ) مرتفع بالظرف على المذهبين ؛ لأن الظرف جرى صلة لمن (٤) ، «ومن» هاهنا بمعنى الذي.

والتقدير : من ثبت عنده علم الكتاب.

قال جمهور المفسرين : الذي عنده علم الكتاب ؛ عبد الله بن سلام (٥).

__________________

ـ جرى قبل ذلك عن جماعتهم وأتبع بعده الخبر عنهم ، وذلك قوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) وبعده قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً).

(١) زاد المسير (٤ / ٣٤١).

(٢) زيادة على الأصل.

(٣) التبيان (٢ / ٦٥) ، والدر المصون (٤ / ٢٤٨).

(٤) التبيان (٢ / ٦٥) ، والدر المصون (٤ / ٢٤٨).

(٥) أخرجه الطبري (١٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧) ، ومجاهد (ص : ٣٣١). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٦٨) ـ

٥٠٢

قال قتادة : عبد الله بن سلام ، وسلمان ، وتميم الداري (١). وهذا يجيء على القول الأول أن المراد بالذين كفروا : أهل الكتاب.

وقال الحسن ومجاهد : الذي عنده علم الكتاب ؛ هو الله عزوجل (٢).

واختاره الزجاج (٣) معللا أن الله تعالى لا يستشهد على خلقه غيره.

وهو تعليل فاسد. قال الله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١]. وقال تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) ... الآية [النور : ٢٤] ، وفي القرآن والحديث من هذا كثير ، فيكون المراد بالكتاب على هذا القول : اللوح المحفوظ.

وقال سعيد بن جبير : هو جبريل عليه‌السلام (٥).

وقال ابن الحنفية : هو علي عليه‌السلام (٦).

وقيل : المعنى من عنده علم القرآن ، وهم الراسخون في العلم المدركون في بلاغة القرآن وفصاحته وافتنان أساليب خطابه.

وقرأت للكسائي من رواية ابن أبي سريج : «ومن عنده» بكسر الميم والدال.

__________________

ـ وعزاه لابن سعد وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد.

(١) أخرجه الطبري (١٣ / ١٧٧). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٦٨) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري (١٣ / ١٧٧). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٦٩) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) معاني الزجاج (٣ / ١٥٢).

(٤) زاد المسير (٤ / ٣٤٢). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٦٩) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٥) زاد المسير (٤ / ٣٤٢).

٥٠٣

«علم» على البناء للمفعول. «الكتاب» بالرفع ، وهي قراءة ابن السميفع وابن أبي عبلة(١).

وقرأ الحسن : «ومن عنده» (٢) ، كابن أبي سريج «علم الكتاب» كالباقين ، يجعلها جملة مستأنفة لا ارتباط لها بما قبلها.

__________________

(١) زاد المسير (٤ / ٣٤٢) ، والدر المصون (٤ / ٢٤٨).

(٢) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٧٠).

٥٠٤

سورة إبراهيم عليه‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهي أربع وخمسون آية في المدني ، واثنتان في الكوفي ، وهي مكية.

واستثنى ابن عباس : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) والتي [بعدها](١).

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٢)

قوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) «كتاب» خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا كتاب ، والجملة التي هي أنزلناه في موضع الرفع صفة للنكرة (٢).

(لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) قال ابن عباس : من الشرك إلى الإيمان (٣).

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بلطفه وتوفيقه إياهم. وقال الزجاج (٤) : بما أذن لك من تعليمهم.

__________________

(١) في الأصل : قبلها. والمثبت من زاد المسير (٤ / ٣٤٣).

(٢) التبيان (٢ / ٦٥) ، والدر المصون (٤ / ٢٤٩) ، وإعراب القرآن للنحاس (٢ / ٣٦٣).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٣٤٣).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ١٥٣).

٥٠٥

(إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بدل من «النور» بتكرير العامل (١) ، كقوله : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥].

وقال الزجاج (٢) : ثم بيّن ما النور فقال : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

قال ابن الأنباري (٣) : وهذا مثل قول العرب : جلست إلى زيد إلى العاقل الفاضل. وإنما تعاد «إلى» لمعنى التعظيم للأمر. قال الشاعر (٤) :

إذا خدرت رجلي تذكرت من لها

فناديت لبنى باسمها ودعوت

دعوت التي لو أن نفسي تطيعني

لألقيتها في حبها وقضيت

فأعاد «دعوت» لتفخيم الأمر.

قوله تعالى : (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) قرأ نافع وابن عامر : «الله» بالرفع ، وقرأت به لأبي عمرو من رواية عبد الوارث ، ولعاصم من رواية أبان ، ورواية المفضل. وقرأ الباقون : «الله» بالجر (٥). فمن رفع فعلى الابتداء وما بعده الخبر ، أو على معنى : هو الله. ومن جر جعله عطف بيان لل «عزيز الحميد» ؛ لأن اسم الله تعالى جرى مجرى أسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود ، كما غلب للنجم الثريا أو هو بدل (٦).

__________________

(١) التبيان (٢ / ٦٥) ، والدر المصون (٤ / ٢٤٩).

(٢) معاني الزجاج (٣ / ١٥٣).

(٣) انظر : زاد المسير (٤ / ٣٤٤).

(٤) البيتان لقيس بن ذريح ، وهما في : الأغاني (٩ / ٢٢٥) ، وزاد المسير (٤ / ٣٤٤).

(٥) الحجة للفارسي (٢ / ١٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٧٦) ، والكشف (٢ / ٢٥) ، والنشر (٢ / ٢٩٨) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٧١) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٦٢).

(٦) التبيان (٢ / ٦٥) ، والدر المصون (٤ / ٢٥٠) ، وإعراب القرآن للنحاس (٢ / ٣٦٣).

٥٠٦

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤)

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) مبتدأ ، خبره : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(١).

ويجوز أن يكون في موضع الجر وصفا للكافرين (٢).

ومعنى «يستحبون» : يحبون ويؤثرون ، يقال : أحبّ واستحبّ ، مثل : أجاب واستجاب ، وأوقد واستوقد.

قال ابن عباس : يأخذون ما تعجل لهم منها تهاونا بأمر الآخرة واستبعادا لها ، كقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ)(٣) [الإنسان : ٢٧].

وما بعده سبق تفسيره إلى قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي : بلغتهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فيفقهوا عنه ما بعث به ، فإذا ظهر واشتهر وقويت شوكته بهم بث دعاته يترجمون للأمم بألسنتهم.

وقد روي عن الضحاك : أن الضمير في «قومه» لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الكتب كلها نزلت بالعربية ، ثم أداها كل نبي بلسان قومه. وليس هذا شيء ، لأن قوله : (لِيُبَيِّنَ

__________________

(١) الدر المصون (٤ / ٢٥١).

(٢) التبيان (٢ / ٦٦) ، والدر المصون (٤ / ٢٥١).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٣٤٥).

٥٠٧

لَهُمْ) يفسده.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥)

وما بعده سبق تفسيره إلى قوله : (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).

قال الزجاج (١) : المعنى : أرسلناه بأن يخرج قومه.

ويجوز أن تكون مفسرة. المعنى : أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج ، كأن المعنى قلنا له : أخرج قومك ، ومثله : (أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] أي : قالوا لهم امشوا واصبروا على آلهتكم.

(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) قال مجاهد وقتادة وابن قتيبة (٢) : بنعم الله (٣). يشيرون إلى ما خصّهم به من التظليل بالغمام ، وإنزال المن والسلوى عليهم ، وإهلاك عدوهم ، وفلق البحر لهم.

أخبرنا المؤيد بن محمد بن علي في كتابه ، أبنا عبد الجبار بن محمد الخواري ، أبنا علي بن أحمد النيسابوري ، ثنا عبد القاهر بن طاهر ، أبنا محمد بن الحسن بن أحمد السراج ، أبنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الحميد بن صالح ، ثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله :

__________________

(١) معاني الزجاج (٣ / ١٥٥).

(٢) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٣٠).

(٣) أخرجه الطبري (١٣ / ١٨٣ ـ ١٨٤) ، ومجاهد (ص : ٣٣٣). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦) وعزاه للطبري عن مجاهد.

٥٠٨

(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) قال : «أيامه : نعمه» (١).

فإن صح الحديث فهو التفسير لا غير.

ومحمد بن أبان ضعيف عند أهل النقل. قال ابن معين : ضعيف الحديث لا يكتب حديثه (٢).

وقال البخاري : محمد بن أبان يتكلمون في حفظه ، حديثه ليس بالقوي (٣).

وقال جماعة ؛ منهم ابن زيد وابن السائب ومقاتل (٤) : (ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) : بوقائعه في الأمم (٥).

وقال الزجاج (٦) : ذكرهم بأيام الله التي [انتقم](٧) فيها من قوم نوح وعاد وثمود. أي : ذكّرهم بالأيام التي سلفت لمن كفر وما نزل بهم فيها ، وذكرهم بنعم الله.

وهذا قول شديد ؛ لأن المراد : ذكّرهم مرغّبا ومرهّبا بما كان في أيام الله من النّعم

__________________

(١) أخرجه أحمد (٥ / ١٢٢) ، والطبري (١٣ / ١٨٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٢٣٥). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٦) وعزاه للنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب.

(٢) الجرح والتعديل (٧ / ١٩٩).

(٣) ميزان الاعتدال (٦ / ٤١).

(٤) تفسير مقاتل (٢ / ١٨٣).

(٥) أخرجه الطبري (١٣ / ١٨٤) عن ابن زيد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٣٤٦) ، والسيوطي في الدر (٥ / ٦) وعزاه لابن أبي حاتم عن الربيع.

(٦) معاني الزجاج (٣ / ١٥٥).

(٧) في الأصل : أنقذهم. والتصويب من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

٥٠٩

والنّقم ، فاجتزأ عنها بذكر الأيام ؛ لاشتمالها عليها ، ومبادرة الأفهام إليها.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) التذكير (لَآياتٍ) لعبرا ودلالات (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على البلاء (شَكُورٍ) للنعماء.

وإنما خص الصبّار الشّكور بالذّكر ؛ لموضع انتفاعه بالتذكير ، وتنبيهه على ما يجب عليه من الصبر والشكر ، وإلا ففيه آيات لكل فاهم شكور أو كفور جزوع أو صبور.

وقيل : أراد لكل مؤمن ؛ لأن الصبر والشكر من سجايا المؤمنين.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٨)

وما بعده مفسر في البقرة والأعراف إلى قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

فإن قيل : ما موضع قوله : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) من الإعراب؟

قلت : هو من جملة ما قاله موسى لقومه ، بدليل قوله فيما بعده : (وَقالَ مُوسى) فإذا ثبت ذلك فموضعه النصب عطفا على قوله : (نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ).

واذكروا حين تأذن ربكم فقال : لئن شكرتم لأزيدنكم ، وأجرى «تأذن» مجرى قال ؛ لأنه ضرب من القول.

٥١٠

وفي قراءة ابن مسعود : «وإذ قال ربكم» (١).

والمعنى : لئن شكرتم يا بني إسرائيل ما خولت لكم من نعمة الإنجاء وغيرها بالتوحيد والطاعة لأزيدنكم من النعم.

وقال سفيان بن عيينة : لأزيدنكم من طاعتي التي تقود إلى جنتي (٢).

وفي هذا إيذان أن الشكر والحمد مثبت لدوام النعمة وزيادتها.

قرأت على ابن بهروز ، أخبركم أبو الوقت ، أبنا أبو الحسن الداودي ، أبنا ابن حمويه ، أبنا أبو إسحاق إبراهيم بن خريم الشاشي ، أبنا عبد بن حميد ، أبنا محمد بن الفضل ، أبنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير ، عن سالم بن عبد الله [بن](٣) عمر عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من رأى عبدا به بلاء فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان» (٤).

(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) عصيتم نعمتي وجحدتموها بالكفر والمعصية ، (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) لمن كفر نعمتي.

(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن طاعتكم لم يأمركم بها لحاجة به إليها ، فإنه منزّه عن النفع والضر ، وإنما نفع الطاعة

__________________

(١) البحر المحيط (٥ / ٣٩٦).

(٢) أخرجه الطبري (١٣ / ١٨٦). وانظر : الوسيط (٣ / ٢٤) من قول ابن عباس ، وزاد المسير (٤ / ٣٤٧) من قول الحسن.

(٣) في الأصل : عن. والتصويب من مسند عبد بن حميد (١ / ٤٣).

(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٩٣ ح ٣٤٣١) ، وابن ماجه (٢ / ١٢٨١ ح ٣٨٩٢) ، ومسند عبد بن حميد (١ / ٤٣ ح ٣٨).

٥١١

راجع إليكم ، ووبال المعصية عائد إليكم ، (حَمِيدٌ) مستوجب للحمد ؛ لكثرة خيره وإحسانه إلى خلقه.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (٩)

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) اعتراض ، والمعنى : أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله.

وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسّابون (١).

وقال ابن الأنباري (٢) : إن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها ، فانقطعت أخبارهم وعفت آثارهم ، فليس يعرفهم أحد إلا الله تعالى.

قال ابن عباس : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون (٣).

(جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) قال ابن مسعود : عضّوا أصابعهم غيظا وحنقا على الرسل (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٣ / ١٨٧) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٢٣٦). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) انظر : الوسيط (٣ / ٢٤) ، وزاد المسير (٤ / ٣٤٨).

(٣) ذكره السيوطي في الدر (٥ / ١٠) وعزاه لأبي عبيد وابن المنذر. وذكره المناوي في فيض القدير (٣ / ٣٧) ، وأبو السعود في تفسيره (٥ / ٣٦).

(٤) أخرجه الحاكم (٢ / ٣٨١) ، والطبراني في الكبير (٩ / ٢٢٩) ، والطبري (١٣ / ١٨٨) ، وابن أبي ـ

٥١٢

وقال الحسن : وضعوا أيديهم على أفواه الرسل ردا لقولهم وتسكيتا لهم (١).

وقيل : «ردوا (أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) : أومأوا [إليهم](٢) بأن اسكتوا. وهذا مروي عن ابن عباس وغيره (٣).

(وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي : على زعمكم ؛ لأنهم لم يكونوا يقرّون برسالاتهم.

(وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) الريب : الشك ، تقول : رابني هذا الأمر ؛ إذا أدخل عليك شكّا وخوفا ، وأراب الرجل : صار ذا ريبة ، وأرابه غيره : أوقعه في الريبة (٤). فقوله : «مريب» يجوز أن يكون معناه : موقع للريبة ، ويجوز أن يكون معناه : ذي ريبة.

(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ

__________________

ـ حاتم (٧ / ٢٢٣٧). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ١٠) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وأبي عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(١) الطبري (١٣ / ١٨٩) بلا نسبة ، وزاد المسير (٤ / ٣٤٩).

(٢) في الأصل : إلي. والصواب ما أثبتناه.

(٣) زاد المسير (٤ / ٣٤٨).

(٤) انظر : اللسان (مادة : ريب).

٥١٣

وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢)

(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) استفهام في معنى الإنكار. والمعنى : أفي وحدانية الله الواضحة والدلائل شكّ؟.

(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بيان لوحدانيته ، (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ) أي : يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قال أبو عبيدة (١) : «من» زائدة ؛ كقوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٧] قال أبو [ذؤيب](٢) :

جزيتك ضعف الحبّ لما شكوته

وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلي (٣)

وقال الزمخشري (٤) : إن قلت : ما معنى التبعيض في قوله : (مِنْ ذُنُوبِكُمْ)؟

قلت : ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين ، كقوله : (وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ* يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [نوح : ٣ ـ ٤] ، (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [الأحقاف : ٣١]. وقال في خطاب المؤمنين : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) إلى قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصف : ١٠ ـ ١٢] وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء وكان ذلك بين الخطابين ، ولئلا يسوّي بين

__________________

(١) مجاز القرآن (١ / ٣٣٦).

(٢) في الأصل : ذئب. والتصويب من مجاز القرآن ، الموضع السابق.

(٣) انظر البيت في : زاد المسير (٤ / ٣٥٠) ، وروح المعاني (٨ / ١١٦) ، واللسان (مادة : ضعف ، وفيه «الود» بدل : «الحب» ، و «استبنته» بدل «شكوته»).

(٤) الكشاف (٢ / ٥١٠).

٥١٤

الفريقين في الميعاد.

(وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت قد سمّاه وبيّن مقداره ، وهو الموت. والمعنى : يدعوكم ليغفر لكم ويمتعكم بالحياة ، آمنين من العذاب إلى وقت انقضاء أجلكم بالموت ، (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ) أي : ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) لا فضل لكم علينا [فلماذا](١) خصكم بالنبوة دوننا؟.

(تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) مفسر فيما مضى.

ولعمري إن الله تعالى لم يبعث رسولا إلا مؤيّدا بسلطان دالّ على رسالته ، ولكن سألوهم الإتيان بآيات اقترحوها تعنتا عليهم ولجاجا في كفرهم ، فاعترفت لهم رسلهم بمساواتهم إياهم في وصف البشرية ، فقالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بالنبوة من غير اكتساب ولا سعي.

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي ، أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أبنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، وثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي (٢) قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي

__________________

(١) في الأصل : فما ذا. والصواب ما أثبتناه.

(٢) عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد ، أبو الفرج التميمي ، كان له في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ولد في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، ومات في ليلة الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وأربعمائة عند قبر الإمام أحمد بن حنبل (تاريخ بغداد ١١ / ٣٢).

٥١٥

يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقد سئل عن الحنان المنان فقال : «الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال» (١).

قال الخطيب (٢) : بين أبي الفرج عبد الوهاب وبين علي تسعة آباء آخرهم أكينة ، وهو السامع عليا عليه‌السلام.

(وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) أي : بحجة من الحجج اللواتي يقترحون علينا الإتيان بها (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أمر من الرسل للمؤمنين كافة بالتوكل على الله.

(وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي : أيّ عذر لنا في أن لا نتوكل على الله ، (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) أي : بيّن لنا طريق الوصول إليه ومذهب التوكل عليه.

وفي قولهم : (لَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) إيذان بانتظار الفرج من الله ، فإن النصر مع الصبر.

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) قال صاحب الكشاف (٣) : الأمر الأول لاستحداث التوكل. وقوله : (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) معناه : فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم.

قال المفسرون : وإنما قصّ الله تعالى هذا وأمثاله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليقتدي بهم

__________________

(١) ذكره القرطبي (١٦ / ٩٣ ـ ٩٤) ، والخطيب في تاريخ بغداد (١١ / ٣٢).

(٢) تاريخ بغداد (١١ / ٣٢).

(٣) الكشاف (٢ / ٥١١).

٥١٦

في الصبر على الأذى ويهتدي بهم (١).

قرأت على القاضي أبي الفرج يحيى بن سعد الله بن أبي تمام التكريتي بها في سنة عشر وستمائة ، أخبركم أبو المكارم بن محمد بن معمر البادرائي (٢) فأقرّ به.

وقرأت على أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد الفقيه الحنبلي بدمشق ، أخبرتكم شهدة بنت أحمد بن الفرج الكاتبة فأقرّ به قالا : أخبرنا أبو الخطاب نصر بن البطر ، أبنا أبو الحسين علي بن بشران المعدل ، ثنا أبو علي الحسين بن صفوان ، ثنا ابن أبي الدنيا ، ثنا محمد بن إدريس ، ثنا موسى بن أيوب ، ثنا بقية ، عن زرعة بن عبد الله بن كريز قال : كتب عامل إفريقية إلى عمر بن عبد العزيز يشكو الهوامّ والعقارب ، فكتب إليه : وما على أحدكم إذا أمسى وأصبح أن يقول : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) ... الآية (٣).

قال زرعة : وهي [تنفع](٤) من البراغيث.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦)

__________________

(١) زاد المسير (٤ / ٣٥٠).

(٢) المبارك بن محمد بن المعمر ، أبو المكارم البادرائي ، توفي في تاسع عشر جمادى الآخرة ، ودفن يوم الخميس من سنة سبع وستين وخمسمائة (تكملة الإكمال ١ / ٣٤٤).

(٣) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٤٧٣).

(٤) في الأصل : تنفرع. وانظر : كشف الخفاء ، الموضع السابق.

٥١٧

يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧)

وما بعده سبق تفسيره في قصة شعيب في الأعراف إلى قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) أو لأن في الإيحاء معنى القول.

(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ) يعني : أرض الظالمين (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد هلاكهم (ذلِكَ) إشارة إلى إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين (لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) قال ابن عباس : خاف مقامه بين يديّ (١) ، وهذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

قال الفراء (٢) : العرب قد تضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عليه ، فيقولون : قد ندمت على ضربي إياك ، وندمت على ضربك ، فهذا من ذاك ، ومثله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) [الواقعة : ٨٢] أي : رزقي إياكم.

وقال بعضهم : (خافَ مَقامِي) أي : موقفي ، وهو موقف الحساب.

وقيل : خاف قيامي عليه وحفظي لأعماله.

(وَخافَ وَعِيدِ) بالعذاب ، وأثبت الياء في الحالين يعقوب ، تابعه ورش في الوصل ، وحذفها الباقون (٣). وقد نبّهنا على علّة ذلك فيما مضى.

قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا) يعني : الرسل عليهم الصلاة والسّلام ، استنصروا

__________________

(١) الطبري (١٣ / ١٩٢) ، والوسيط (٣ / ٢٦) ، وزاد المسير (٤ / ٣٥٠).

(٢) معاني الفراء (٢ / ٧١).

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٧١).

٥١٨

الله على أعدائهم.

وقيل : «استفتحوا» : استحكموا لله تعالى وسألوه القضاء بينهم ؛ كقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٨٩].

وقد ذكرنا فيما مضى أن أهل عمان يسمون القاضي فاتحا وفتاحا. وأنشدني بعض الفضلاء من أهل العربية :

خوفني اليمين فارتعت منها

عند باب الفتاح أيّ ارتياع

ثم أرسلتها كما انحدر السيل

تهادى من المكان اليفاع (١)

وقيل : الضمير في قوله : «واستفتحوا» يعود إلى الكفار ، كقولهم : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، وقولهم : (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) [ص : ١٦] أي : نصيبنا من العذاب.

وقوله : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي : خسر حظه من الآخرة.

وقد سبق معنى الجبار والعنيد في هود (٢).

قرأت على الشيخ أبي بكر بن مسعود ، أخبركم عبد الأول فأقرّ به ، أخبرنا عبد الرحمن ، أبنا عبد الله ، أبنا إبراهيم ، ثنا عبد بن حميد ، ثنا عبيد الله بن موسى ، أبنا ابن أبي ليلى ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يخرج عنق من النار يوم القيامة فيقول : إني وكلت اليوم بكل جبار عنيد ، [ومن](٣) جعل مع الله إلها آخر. قال : فينطوي عليهم فيطرحهم في غمرات

__________________

(١) اليفاع : ما ارتفع من الأرض (اللسان ، مادة : يفع).

(٢) ص : ١٧٧.

(٣) في الأصل : من. والتصويب من مسند عبد بن حميد (١ / ٢٨٢).

٥١٩

جهنم» (١).

قوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) قال ابن عباس والمفسرون : يريد : أمامه جهنم (٢).

وقال أبو عبيدة (٣) : تقول : الموت وراءك ، أي : قدّامك. وأنشدوا :

عسى الهمّ الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب (٤)

وأصرح من هذا في الدلالة قول ابن أبي عروبة (٥) :

إني وإن كان ابن عمي غائبا

لمزاحم من خلفه وورائه

ومفيده نصري وإن كان امرءا

متزحزحا في أرضه وسمائه

وقيل : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي : من بعده جهنم.

قال الزجاج (٦) : الوراء يكون بمعنى الخلف والقدّام ؛ لأن ما بين يديك وما [قدامك](٧) إذا توارى عنك فقد صار وراءك. قال الشاعر :

__________________

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٤٠ ح ١١٣٧٢) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٥١ ح ٣٤١٤١) ، وعبد بن حميد في مسنده (١ / ٢٨٢ ح ٨٩٦).

(٢) الطبري (١٣ / ١٩٥) ، والوسيط (٣ / ٢٦) ، وزاد المسير (٤ / ٣٥١).

(٣) مجاز القرآن (١ / ٣٣٧).

(٤) البيت لهدبة بن الخشرم راوية الحطيئة. انظر البيت في : الكتاب (٣ / ١٥٩) ، والمقتضب (٣ / ٧٠) ، وأمالي القالي (١ / ٧١ ، ٧٢) ، وابن يعيش (٧ / ١١٧ ، ٢١٢) ، وأوضح المسالك (١ / ١٤٣) ، والدر المصون (٤ / ٢٥٧).

(٥) انظر البيتان في : الأغاني (١٦ / ٢٢٨).

(٦) معاني الزجاج (٣ / ١٥٦). وانظر : زاد المسير (٤ / ٣٥٢).

(٧) في الأصل : خلفك. والمثبت من زاد المسير ، الموضع السابق.

٥٢٠