رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٣

بأشياء :

منها : أن لام كي يصح إظهار «أن» بعدها ، تقول : جئت لتكرمني ، وجئت لأن تكرمني ، وهذه لا يصح إظهار «أن» معها ، لا تقول : ما كنت لأن أفعل.

ومنها : أن المصدر الواقع موقعه أو مع الفعل يصح اللفظ به ، تقول : جئت للإكرام.

ومنها : أن اللام يصح حذفها والإتيان ب «أن» مكانها ، تقول : جئت أن تكرمني ، ولا يجوز ذلك في لام الجحود.

والواو في : «وأهلها» حالية (١).

والمعنى : ما كان ربك ليهلك أهل القرى ظالما لهم وأهلها قوم مصلحون مؤمنون مطيعون. وهذا معنى قول ابن عباس (٢).

وقيل : الظلم : [الشرك](٣). فالمعنى : ما كان ليهلكها بسبب الشرك وأهلها مصلحون يتناصفون ويتعاطون الحق فيما بينهم ، ولا يضمون إلى شركهم العتو والتمرد والعثو كما فعل قوم لوط. وهذا معنى قول ابن جرير وأبي سليمان الدمشقي (٤).

__________________

(١) الدر المصون (٤ / ١٤٨).

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره (٩ / ١١٤).

(٣) في الأصل : والشرك. والصواب ما أثبتناه.

(٤) انظر : تفسير ابن جرير الطبري (١٢ / ١٤٠) ، والوسيط (٢ / ٥٩٧) ، وزاد المسير (٤ / ١٧١).

٢٦١

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١٩)

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) لاضطرهم إلى الإيمان ، (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ما بين يهودي ونصراني ، ومجوسي ووثني ، وسني وبدعي.

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي : إلا أناسا رحمهم ربك فهداهم إلى الحق ووفّقهم لسلوك سبيله وجمع كلمتهم عليه ، وهم المتمسكون بالعروة الوثقى المتمسكون بشرائع المرسلين ، والمشار إليه بقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) الرحمة ، أو الاختلاف ، أو كلاهما.

والأول قول مجاهد وقتادة وابن عباس في رواية عكرمة (١).

والثاني قول الحسن (٢).

والثالث اختيار الفراء والزجاج (٣) وابن عباس في رواية عطاء (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٣ ـ ١٤٤) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٩٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩١ ـ ٤٩٢) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لابن جرير وأبي الشيخ. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٣) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٩٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٣) معاني الفراء (٢ / ٣١) ، ومعاني الزجاج (٣ / ٨٣).

(٤) أخرج نحوه الطبري (١٢ / ١٤٣) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٩٥). وانظر : الوسيط (٢ / ٥٩٧) ، وزاد المسير (٤ / ١٧٢). وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

٢٦٢

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وهي قوله للملائكة : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) يريد : كفار الفريقين.

(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠)

قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُ) التنوين عوض من المضاف إليه ، تقديره : وكل نبأ نقصّ ، (عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) بيان ل «كلّا».

و (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) بدل من «كلّا» ، و «كلّا» منصوب ب «نقصّ» ، والتقدير : نقصّ عليك ما نثبت.

قال ابن عباس : لنزيدك يقينا ويقوي قلبك (١) ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا سمعها كان تقوية لقلبه على الصبر على أذى قومه بسبب تعاضد الدلائل والتأسي بإخوانه المرسلين.

(وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السورة (٢). وقيل : في هذه الأقاصيص المذكورة (٣). وقيل :

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٩٨).

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٥ ـ ١٤٧) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٩٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩٣) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن أبي موسى الأشعري ، وعزاه لابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه. ومن طريق آخر عن سعيد بن جبير ، وعزاه لأبي الشيخ وابن جرير.

(٣) الماوردي (٢ / ٥١٢) ، وزاد المسير (٤ / ١٧٣).

٢٦٣

في هذه الدنيا (١). والأول قول ابن عباس والأكثرون من المفسرين.

فعلى هذا المعنى : جاءك في هذه السورة البيان الواضح بما اشتملت عليه من أخبار الأمم الخالية.

وعلى القول الثاني : المراد بالحق : الصدق في القصص والأنباء.

وعلى القول الثالث : يكون المعنى : وجاءك في هذه الدنيا النبوة.

(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٢٣)

قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) وعيد وتهديد.

وقول من قال أنها منسوخة ليس بصحيح (٢) ؛ لما ذكرناه من قبل.

(وَانْتَظِرُوا) مواعيد الشيطان (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ما وعدنا ربنا من ظهور الإيمان واستفحال أمر الإسلام.

وقيل : المعنى : وانتظروا الدوائر بنا ، إنا منتظرون أن يفعل بكم نحو ما فعل بأشياعكم وأشباهكم في الكفر من الدين ، اقتص الله تعالى أخبارهم وأراكم

__________________

(١) وهو قول الحسن وقتادة. أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٧) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٩٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩٣) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة. ومن طريق آخر عن الحسن ، وعزاه لأبي الشيخ.

(٢) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٠٦) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٤١) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٣٧٦).

٢٦٤

آثارهم.

وزعم بعضهم أن هذا أيضا منسوخ بآية السيف (١).

والصحيح : أنه تهديد ، فلا نسخ.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : علم ما غاب عن العباد فيهما. وقيل : المعنى : لا يخفى عليه ما جرى فيهما ، وهو مطلع على أعمالكم ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) وقرأ نافع وحفص : «يرجع» بضم الياء وفتح الجيم (٢) ، وقد سبق الكلام على معناه في البقرة.

(فَاعْبُدْهُ) وحّده ، (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ثق به وفوّض أمرك إليه ، فهو ينتقم لك من أعدائك.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قرأ نافع وابن عامر وحفص : «تعملون» بالتاء ، على معنى : أنت وهم ، على تغليب المخاطبة. وقرأ الباقون بالياء (٣) ، وكذلك اختلافهم في آخر سورة النمل.

والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) انظر : المصادر السابقة.

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٤٢٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٥٣) ، والكشف (١ / ٥٣٨) ، والنشر (٢ / ٢٠٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦١) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٤٠).

(٣) الحجة للفارسي (٢ / ٤٢٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٥٣) ، والكشف (١ / ٥٣٨) ، والنشر (٢ / ٢٦٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦١) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٤٠).

٢٦٥

سورة يوسف عليه‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهي مائة وإحدى عشرة آية مكية.

وكان السبب في نزولها : ما روي عن سعد بن أبي وقاص قال : «أنزل القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله! لو قصصت علينا ، فأنزل الله تعالى : (الر) ـ إلى قوله ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)(١).

وقال ابن عباس : سألت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أمر يعقوب وولده وشأن يوسف ، فأنزل الله تعالى : (الر)(٢).

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (٣)

وقد سبق في أول البقرة وأول يونس تفسير : (الر).

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) قال ابن الأنباري (٣) : لما لحق أصحاب رسول الله

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٣٧٦) ، والطبري (١٢ / ١٥٠) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٠٩٩ ـ ٢١٠٠). وذكره الواحدي في أسباب النزول (ص : ٢٧٥) ، والسيوطي في الدر (٤ / ٤٩٦) وعزاه لإسحاق بن راهويه والبزار وأبي يعلى وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبي الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه.

(٢) زاد المسير (٤ / ١٧٧).

(٣) انظر : زاد المسير (٤ / ١٧٧).

٢٦٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملل وسآمة ، قالوا : حدثنا ما يزيل عنا هذا الملل ، فقال : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) ، أي : تلك الأحاديث التي تقدرون الانتفاع [بها](١) وزوال الملل هي آيات الكتاب.

ومعنى (الْمُبِينِ) : المظهر للحق من الباطل ، والحلال من الحرام. هذا قول ابن عباس ومجاهد (٢).

وقال معاذ بن جبل : المبين للحروف التي تسقط عن ألسن الأعاجم (٣).

وقيل : المبين لما سألت عنه اليهود من قصة يوسف ويعقوب وأولاده وانتقالهم إلى مصر.

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعني : الكتاب المشتمل على قصة يوسف ، (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حالان من الضمير المنصوب في أنزلناه (٤).

قال أبو عبيدة (٥) : من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظم على الله تعالى القول.

وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في آخرين : أن فيه من غير لسان العرب ، مثل : سجّيل ، والمشكاة ، واليمّ ، والطور ، وأباريق ، وإستبرق ، وغير ذلك (٦).

__________________

(١) قوله : «بها» ذكرت بعد قوله : الملل. وانظر : زاد المسير (٤ / ١٧٧).

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٩) عن مجاهد. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ١٧٧) ، والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩٥) وعزاه لابن جرير.

(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ١٤٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ١٧٧).

(٤) التبيان (٢ / ٤٨) ، والدر المصون (٤ / ١٥٠).

(٥) مجاز القرآن (١ / ١٧).

(٦) زاد المسير (٤ / ١٧٨).

٢٦٧

قال أبو عبيد (١) : وهؤلاء أعلم من أبي عبيدة ، وجمع بين المذهبين فقال : هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل ، فقال : أولئك على الأصل ، ثم لفظت به العرب [بألسنتها](٢) ، فعرّبته فصار عربيا بتعريبها إياه ، فهي عربية في هذه الحال ، أعجمية في الأصل.

(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أراد أن تفهموه.

وقال ابن عباس : لكي تفهموا (٣).

قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قال الزجاج (٤) : المعنى : نحن نبين لك أحسن البيان.

قال صاحب الكشاف (٥) : والقصص : مصدر ، بمعنى : الاقتصاص. تقول : قصّ الحديث يقصّه قصصا ، مثل : شلّه يشلّه شللا.

ويجوز أن يكون فعلا بمعنى مفعول ؛ كالحسب ، ونحوه الخبر في معنى المخبر به.

ويجوز أن يكون من تسمية المفعول بالمصدر ؛ كالخلق والصيد.

فإن أريد المصدر ؛ فمعناه : نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص بإيحائنا إليك هذا القرآن ، على أن يكون «أحسن» منصوبا نصب المصدر ؛ لإضافته إليه ، ويكون

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ١٧٨).

(٢) زيادة من زاد المسير ، الموضع السابق.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٩٩).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٨٨).

(٥) الكشاف (٢ / ٤١٥ ـ ٤١٦).

٢٦٨

المقصوص محذوفا ؛ لأن قوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) مغن عنه.

وإن أريد بالقصص : المقصوص ؛ فمعناه : نحن نقصّ عليك أحسن ما نقصّ من الأحاديث ، وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والحكم والعجائب.

والظاهر : أنه أحسن ما نقصّ في بابه ، كما يقال في الرجل : هو أعلم الناس وأفضلهم. يراد : في فنّه.

فإن قلت : مما اشتق القصص؟

قلت : من قصّ أثره ؛ إذا اتبعه ؛ لأن الذي [يقص](١) الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا ، كما يقال : تلا القرآن ؛ إذا قرأه ، لأنه يتلو ، أي : يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.

(وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) هذه : إن المخففة من الثقيلة ، واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية. والضمير في «قبله» راجع إلى قوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ).

والمعنى : وإن الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه ، أي : من الجاهلين به ، ما كنت تعلمه ولا طرق سمعك.

(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤)

قوله تعالى : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) بدل من (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وهو من بدل

__________________

(١) في الأصل : يقتص. والتصويب من الكشاف (٢ / ٤١٦).

٢٦٩

الاشتمال ؛ لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص (١) ، فإذا قصّ وقته فقد قصّه ، أو بإضمار «اذكر».

(يُوسُفُ) اسم عبراني. وقيل : عربي. وليس بصحيح ؛ لأنه لو كان عربيا لانصرف ؛ لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف.

فإن قلت : فما تقول فيمن قرأ : «يوسف» بكسر السين ، أو «يوسف» بفتحها ، هل يجوز على قراءته أن يقال : هو عربي ؛ لأنه على وزن المضارع المبني للفاعل والمفعول من آسف ، وإنما منع الصرف من التعريف ووزن الفعل؟

قلت : لا ؛ لأن القراءة المشهورة قامت بالشهادة على أن الكلمة أعجمية ، فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى ، ونحو يوسف : يونس ، رويت فيه اللغات الثلاث ، ولا يقال : هو عربي ؛ لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس.

(يا أَبَتِ) قرأ ابن عامر : «يا أبت» بفتح التاء في جميع القرآن ووقف بالهاء ، ووافقه ابن كثير في الوقف. وقرأ الباقون بكسر التاء في جميع القرآن ، ولم يبدلوها في الوقف هاء (٢).

والتقدير : يا أبتي ، فاجتزأ بالكسرة عن الياء ، وهذه التاء تاء التأنيث ، وهي عوض عن ياء الإضافة ، إذ لا يقال : يا أبتي ، وإنما يقال : يا أبي أو يا أبت ، وساغ بعوضها منها ؛ لأنهما يتناسبان في كون كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره.

__________________

(١) الدر المصون (٤ / ١٥١).

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٤٢٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٥٣ ـ ٣٥٤) ، والكشف (٢ / ٣) ، والنشر (٢ / ٢٩٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٢) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٤٤).

٢٧٠

ومن قال : «يا أبت» بفتح التاء ؛ فلأن أبا عثمان حمله على أن أصله «يا أبتي» فأبدلت من الكسرة فتحة ، ومن الياء ألف ، فصار «يا أبتا» ، ثم حذفت الألف فصار «يا أبت».

وقال الفراء (١) : التاء في «يا أبت» هاء ، أصل دخولها للسكت ، وهو قولهم : «يا أباه» ، ثم سقطت الألف لدلالة فتحة الباء عليها ، [وانصرفت](٢) الهاء إلى لفظ التاء ؛ لكثرة الاستعمال ، تشبيها بتاء التأنيث ، وكسرت تقديرا أن بعدها ياء الإضافة ، ولم تستعمل في غير النداء ؛ لأن هاء السكت مع الألف لا يدخلان إلا في النداء والاختيار ، كسر التاء على معنى : «يا أبتي» ، ثم حذفت الياء لأن ياء الإضافة تحذف في النداء. ومن فتح التاء أبدل [الياء بالألف](٣) ، فقال : «يا أبتا» ثم حذف الألف وأبقى الفتحة دليلا عليها ، كقول الأعشى :

يا أبتا لم ترم عندنا

فإنّا بخير إذا لم ترم (٤)

وقيل : فتحت التاء كما أقحموا تيما في قوله :

يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

لا يلقينّكم في سوأة عمر (٥)

__________________

(١) انظر : معاني الفراء (٢ / ٣٢) ، والوسيط (٢ / ٦٠٠).

(٢) في الأصل : وانصرف. والتصويب من الوسيط ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : التاء الألف. والتصويب من الوسيط ، الموضع السابق.

(٤) البيت للأعشى. انظر : ديوانه (ص : ٧٧) ، والوسيط (٢ / ٦٠٠) ، والدر المصون (٤ / ١٥١) ، والحجة للفارسي (٢ / ٤٢٧). ورواية الديوان والمصادر :

ويا أبتا لا تزل عندنا

فإنا نخاف بأن تخترم

(٥) البيت لجرير وهو في : اللسان ، مادة : (أبي).

٢٧١

وقرأ ابن أبي عبلة : «يا أبت» بضم التاء (١). ومثله ما قرأته على شيخنا أبي البقاء : «يا قوم» بضم الميم حيث وقع ، وهي لغة يضم فيها الحرف الأخير بعد حذف ياء المتكلم.

قال بعض حذاق النحاة : أعضل مثل هذا العلماء بهذه الصناعة كما يعضل المريض الأطباء بعلته.

وقال الزجاج (٢) : لا يجوز الرفع إلا على ضعف ؛ لأن الهاء جعلت بدلا من ياء الإضافة.

وقال الزمخشري (٣) : أما من ضم ؛ فقد رأى اسما في آخره تاء تأنيث ، فأجراه مجرى الأسماء المؤنثة ، فقال : «يا أبت» ، كما يقال : «يا ثبة» من غير اعتبار بكونها عوضا من ياء الإضافة.

قوله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) قرأ جمهور القراء : «أحد عشر» بفتح العين ، وقرأت لأبي جعفر بسكون العين (٤) ، ومثله : تسعة عشر ، ويجوز في بقية العدد من أحد عشر إلى تسعة عشر تسكين العين.

قال أبو الفتح ابن جني (٥) : إلا اثنا عشر واثني عشر ؛ لسكون ما قبلها.

وقد قرأت على شيخنا أبي البقاء لأبي جعفر يزيد بن القعقاع : «اثنا عشر شهرا»

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٤ / ١٥٢).

(٢) معاني الزجاج (٣ / ٩٠).

(٣) الكشاف (٢ / ٤١٧).

(٤) النشر (٢ / ٢٧٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٢ ، ٢٦٢).

(٥) المحتسب (١ / ٣٣٢).

٢٧٢

بسكون العين (١).

وقرأت له من طريق النهرواني : «اثنعشر» بحذف الألف ، تحرزا من التقاء الساكنين. والعلة في ذلك كله : طلب الخفة لتوالي الحركات فيما هو في حكم اسم واحد.

«كوكبا» نصب على التمييز.

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) قال بعضهم : كرر «رأيتهم» لطول الكلام.

وقال بعض المحققين : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) كلام مستأنف ، وقع جوابا لسؤال مقدّر ، كأن يعقوب قال له : كيف رأيتها؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين.

وإنما كنّى عن الكواكب والشمس والقمر بما يكني به عن العقلاء ، وجمعها جمعهم بقوله : «ساجدين» ؛ لأنه لما وصفها بالسجود ـ والسجود من أفعال العقلاء ـ استجاز الكناية عنها بكناية العقلاء.

فإن قيل : لم عدل عن الأصل؟

قلت : ليوافق الفواصل ، وهو أسلوب مرعي في اللغة القدمى واللسان الفصيح.

قال المفسرون : كانت الكواكب في عبارة الرؤيا : إخوته ، والشمس : أمه ـ وقيل : خالته ، وهو قول من قال أن أمه كانت ماتت ـ والقمر : أباه (٢).

__________________

(١) النشر (٢ / ٢٧٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٤٢).

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٥٢) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠١). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٩٩) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وابن ـ

٢٧٣

وقال السدي : الشمس : أبوه ، والقمر : خالته (١).

واختلفوا في [مقدار](٢) سنّه يوم رآها ؛ فقال وهب بن منبه : كان ابن سبع سنين(٣).

وقيل : اثنا عشر سنة. وقيل : سبع عشرة.

(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥)

(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) قرأ أبو جعفر : «روياك» والرويا ويائه بتخفيف الهمز وإدغام الواو في الياء ، فتصير ياء مشددة. وخفف الهمزة من غير إدغام ورش وأبو عمرو في حال ترك الهمز ، وأماله وما تصرف منه حيث كان الكسائي (٤).

وإنما نهاه عن قصص رؤياه على إخوته ؛ لأنه عليه‌السلام عرف ما دلّت عليه الرؤيا من شرف يوسف وعلوّ مكانه وعظيم شأنه ، وعرف أن إخوته من ذوي المهارة في العبارة ، فخاف عليه أن يحملهم الحسد على اغتياله ، فنهاه عن إعلامهم برؤياه ، محذرا له من كيدهم ، وهو قوله : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) أي : فيحتالوا في

__________________

ـ جرير وأبي الشيخ.

(١) زاد المسير (٤ / ١٨٠).

(٢) في الأصل : مقار.

(٣) زاد المسير (٤ / ١٨٠).

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٤٣١) ، والنشر (١ / ٣٩١) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٢) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٤٤).

٢٧٤

هلاكك ويبغوك الغوائل.

(إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فتحمله عداوته على إهلاكهم وإهلاكك ، فيحتالوا لك في كل شر فيهلكوك ، ويتورطوا في معصية الله ، وقطع الرحم ، وعقوق الوالد.

(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦)

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي : ومثل ذلك الاجتباء ، يعني : كما اجتباك ربك لمثل هذه الرؤيا الدالة على ارتفاع مكانك وكبرياء شأنك ، كذلك يجتبيك ويصطفيك لأمور عظام.

(وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) قال ابن عباس : تعبير الرؤيا (١).

والرؤيا إما أن تكون حديث النفس ، أو الملك ، أو الشيطان. وتأويلها : تفسيرها وعبارتها.

وقيل : معاني كتب الله وحكم الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام.

(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة ، واستحكام الملك في الدنيا ، وارتفاع المنازل في الجنة.

(وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أولاده وأهله المختصين بالنبوة ، (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٦ / ١٨٣) ، والطبري (١٢ / ١٥٣) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠٣) كلهم من طريق مجاهد. وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٩٩) وعزاه لأبي الشيخ عن مجاهد.

٢٧٥

قَبْلُ إِبْراهِيمَ) بالنبوة والخلة والإنجاء من النار (وَإِسْحاقَ) بالنبوة أيضا ، وبأن جعل الأنبياء من نسله ، (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بمن يصلح للنبوة والاصطفاء (حَكِيمٌ) في تصاريف الأشياء.

(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٠)

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) قرأ ابن كثير : «آية». وقرأ الباقون «آيات» على الجمع (١).

والمعنى : لقد كان في خبر يوسف وإخوته عبر وعجائب للسائلين عن قصتهم ، فقصّها عليهم أحسن القصص من غير قراءة كتاب ولا سابقة اشتغال بعلم.

(إِذْ قالُوا) يعني : الإخوة فيما بينهم (لَيُوسُفُ) هذه لام الابتداء ، وهي متضمنة معنى التوكيد ، (وَأَخُوهُ) بنيامين ، وكان أخاه من أبويه ، والباقون لأبيه ، (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) وذلك أن يعقوب صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يؤثره بزيادة المحبة ، لصغره وفرط حسنه ، وما يظهر عنه ويلوح من المخايل الدالة على نجابته واصطفائه ، وتأهله

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٤٣٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٥٥) ، والكشف (٢ / ٥) ، والنشر (٢ / ٢٩٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٢).

٢٧٦

لمنصبي الرسالة والسياسة ، (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) هذه واو الحال.

قال الفراء (١) : العصبة : عشرة فما زاد.

قال قتادة : ما بين العشرة إلى الأربعين (٢).

وقال الزجاج (٣) وابن قتيبة : هم الجماعة الذين أمرهم واحد ، يتعصب بعضهم لبعض.

والمعنى : ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ، وهما اثنان صغيران لا يقومان بأمره ، ونحن جماعة رجال كفاة ، نقوم بمرافقه وننهض بأعبائه ، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما.

(إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ) أي : ذهاب عن الصواب ، ووجوب التعديل بيننا في المحبة (مُبِينٍ) ظاهر.

قال الزجاج (٤) : لو أرادوا لفي ضلال في الدين لكانوا كفارا.

وقرئ شاذا : «ونحن عصبة» بالنصب على المدح والافتخار.

قال :

أنا شيخ العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السّناما (٥)

(اقْتُلُوا يُوسُفَ) قيل : إنهم أطبقوا على ذلك إلا الذي نهاهم. وقيل : قائل

__________________

(١) معاني الفراء (٢ / ٣٦).

(٢) زاد المسير (٤ / ١٨٣).

(٣) معاني الزجاج (٣ / ٩٣).

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٩٣).

(٥) انظر : اللسان ، مادة : (أنن) ، والقرطبي (٣ / ٢٨٧) ، والطبري (١٥ / ٢٤٧) ، وزاد المسير (٥ / ١٤٤).

٢٧٧

ذلك : شمعون ، ورضي الباقون به ، فنسب إليهم.

(أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) يريد : أرضا مجهولة بعيدة من العمارة.

قال الزمخشري (١) : وهو معنى [تنكيرها](٢) وإخلائها من الوصف ، ولإبهامها من هذا الوجه [نصبت](٣) نصب الظروف المبهمة.

وقال الزجاج (٤) : «أرضا» منصوبة على إسقاط «في» ، وإفضاء الفعل إليها ؛ لأن «أرضا» ليست من الظروف المبهمة.

(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) يتفرغ لكم ويقبل بكلّيته عليكم ، فلا يلتفت إلى غيركم.

(وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد كفايته بالقتل أو التغريب. أو يرجع الضمير إلى مصدر «اقتلوا» أو «اطرحوا».

(قَوْماً صالِحِينَ) تائبين إلى الله تعالى من جنايتكم. هذا معنى قول ابن عباس (٥).

وقال مقاتل (٦) : يصلح حالكم عند أبيكم.

__________________

(١) الكشاف (٢ / ٤٢١).

(٢) في الأصل : تنكرها. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : نصب. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٤) معاني الزجاج (٣ / ٩٣).

(٥) أخرج نحوه الطبري (١٢ / ١٥٥) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠٥) كلاهما من طريق السدي. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ١٨٤).

(٦) تفسير مقاتل (٢ / ١٣٩).

٢٧٨

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) وهو يهوذا في قول ابن عباس (١). وشمعون في قول مجاهد (٢) ، وروبيل في قول قتادة (٣).

(لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) قرأ نافع : «غيابات» على الجمع ، وقرأ الباقون : «غيابة» (٤).

والجبّ : الرّكيّة التي لم تطو بعد ، فإذا طويت فهي بئر ، وسمّي بذلك ؛ لأنه يوجب جبا ، أي : يقطع ، وغيابته : غوره وما غاب منه فأظلم من أسفله.

قال الحسن : في قعره (٥).

ومن قرأ على الجمع ، جعل كل ناحية من نواحيه غيابة.

قال الزجاج (٦) : الغيابة : كل ما غاب عنك أو غيّب شيئا عنك. قال المنخل :

فإن [أنا](٧) يوما غيّبتني غيابتي

فسيروا بسيري في العشيرة والأهل (٨)

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠٦) عن السدي. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ١٨٤).

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٥٦) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠٦).

(٣) انظر : المصادر السابقة.

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٤٣١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٥٥) ، والكشف (٢ / ٥) ، والنشر (٢ / ٢٩٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٢) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٤٥).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٦٠٢).

(٦) معاني الزجاج (٣ / ٩٣ ـ ٩٤).

(٧) في الأصل : أتا. والتصويب من المصادر التالية.

(٨) البيت للمنخل ، وهو : ابن سبيع بن معاوية ، روى له الآمدي في (المؤتلف) أبياتا قالها في أخويه حين هاجرا من حلّته. (انظر : المؤتلف ص : ٢٧١ ـ ٢٧٢). وانظر البيت في : مجاز القرآن (١ / ٣٠٢) ، والقرطبي (٩ / ١٣٢) ، وزاد المسير (٤ / ١٨٥) ، والبحر المحيط (٥ / ٢٨٥).

٢٧٩

واختلفوا في موضع الجبّ ؛ فقال وهب : هو بأرض الأردن (١).

وقال قتادة : ببيت المقدس (٢).

وقال [مقاتل](٣) : هو ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه‌السلام (٤).

(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) يعني : المارّة.

وقرأ الحسن : «تلتقطه» بالتاء ، حملا على المعنى (٥) ؛ لأن بعض السيّارة سيّارة ، وأنشدوا :

وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم (٦)

(إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ما يحصل به غرضكم ، فهذا هو الرأي.

(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٢)

ثم أخذوا في الاحتيال لذلك فقالوا ليوسف : أما تشتاق إلى الخروج معنا فنلعب ونتصيد؟ قال : بلى ، قالوا : فسل أباك أن يرسلك معنا ، فقال : أفعل. فدخلوا

__________________

(١) زاد المسير (٤ / ١٨٥).

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٥٦) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٠٧). وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٠٩) وعزاه لعبد الرزاق وأبي الشيخ.

(٣) في الأصل : قتادة. والمثبت من زاد المسير (٤ / ١٨٥). وانظر : تفسير مقاتل (٢ / ١٤٠).

(٤) زاد المسير (٤ / ١٨٥).

(٥) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٢).

(٦) البيت للأعشى. وهو في : اللسان (مادة : شرق) ، والقرطبي (٩ / ١٣٣) ، والطبري (٢١ / ٧١) ، وزاد المسير (٤ / ١٨٦).

٢٨٠