مصنّفات ميرداماد

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-528-006-0
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

لست أقول : إنّ له وجودين : أحدهما تدريجىّ والآخر بمعزل عن التّدريج والدّفعة الزّمانيّة ، ولكنّى أقول : إنّ ذلك الوجود بعينه له اعتباران يترتّب عليهما الحكمان. وكذلك الشّيء المادّىّ الّذي هو حادث زمانىّ يوجد ويكون وجوده بحيث إذا لوحظ من حيث تخصّص هويّته بالوقوع فى حدّ مخصوص من حدود افق التّغيّر كان حصوله لا محالة بعد أن كان قد حصل وجود المادّة بعديّة يتخلّف بحسبها وقوع البعد عن وقوع القبل فى افق الزّمان.

وإذا لوحظ من حيث هو حصول فى وعاء الدّهر وتحقّق حضور عند المبدع الحقّ لم تكن فعليّته بعد وجود المادّة بالفعل بعديّة زمانيّة أو دهريّة ، بل إنّما ذو المادّة والمادّة يكون بذلك الاعتبار وجودهما بالفعل معا معيّة دهريّة وإن كان فى ذلك الاعتبار أيضا وجود ذى المادّة متوقّفا على وجود المادّة ومتأخّرا عنه تأخّرا بالطبع ، لتعلّقه بالمادّة ، لا تأخّرا بالزّمان أو بالدّهر ؛ لكونهما معا فى وعاء الدّهر من غير تخلّف أحدهما عن الآخر فى الكون الدّهرىّ وفى الحصول الحضورىّ عند من هو بكلّ شيء محيط ؛ فإنّ قاطبة الجائزات من المادّيّات والمفارقات والزّمانيّات والموجودات الغير الزّمانيّة موجودة معا بحسب وعاء الدّهر وبحسب التّحقّق الحضورىّ عند جاعلها الحقّ.

فإذن ، قد اعتبر المستقبل من الموجود التّدريجىّ فى الآباد بحسب الوقوع فى وعاء الدّهر ، وبحسب ما يبصر حصوله البصير الحقّ اختير أنّه غير متناه بالفعل وليس ينفذ حكم البرهان على امتناع اللاّنهاية ؛ لعدم التّرتّب والتّعقّب فى ذلك الحصول ، بل إنّ جميع الموجودات والمتكثّرات بحسب ذلك الوجود وباعتبار ذلك الحضور فى حكمه موجود واحد قارّ الوجود بتمامه ، كما قال ـ جلّ من قائل ـ فى القرآن الكريم : مٰا خَلْقُكُمْ وَلاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (لقمان ، ٢٨).

وإن اعتبر ذلك بحسب وقوعه التّدريجىّ فى افق التّقضّى والتّجدّد وبحسب ما فى قوّة الأبصار الزّمانيّة أنّ نشاهد حصوله بالفعل ؛ قيل : إنّه متناه ، لا عند نهاية أخيرة لا يتعداها. فحكم البرهان على وجوب تناهى الكميّة إنّما يجرى فيما حواه الوجود

٤٤١

بالفعل فى افق التّغيّر والتّعقّب ، ولو كان لا معا ، بل على جهة التّدريج ، سواء كان ذلك فى جانب الأزل أو فى جانب الأبد. فإذن ، الماضى والمستقبل فى افق الزّمان متساويان فى امتناع اللاّنهاية بحسب الكميّة.

ويشبه أن يكون نسبة الوجود بحسب كونه كونا دهريّا ، أى : حصولا فى وعاء الدّهر وحضورا عند البصير الحقّ ، إلى نفسه بحسب كونه كونا متقدّرا ، أى : حصولا فى افق الزّمان ووقوعا بالقياس إلى ما يقع فى قطر التّقضّى والتّجدّد من وجه ؛ كنسبة القضاء إلى القدر ، وكنسبة العلم البسيط الإجمالىّ إلى العلوم المتكثّرة التّفصيليّة ، وكنسبة القسمة الفرضيّة العقليّة الكليّة إلى القسمة الوهميّة الجزئيّة وإن كانت من وجه آخر مباينة لتلك النّسبة من حيث إنّ الموجودات فى وعاء الدهر وفى الحضور عند البصير الحقّ متحقّقة على ما هى عليه بوجود هما المتكثّرة التّفصيليّة ، ولكن لا على الترتّب التّدريجىّ ، بل بالمعيّة الدهريّة.

بخلاف المعلومات فى العلم البسيط الإجمالىّ ؛ فإنّها حاصلة فيه بصورة وحدانيّة مجملة تصلح أن تنبسط وتتعرّف منها التّفاصيل ، وبخلاف الأجزاء الغير المتناهية الممكنة الانفراض فى مقدار المهد الواحد ؛ فإنّها حاصلة بالفعل فى القسمة العقليّة الكليّة بوجه إجماليّ ، لا بوجوه تفصيليّة ، لقصور العقل عن الإحاطة بما لا يتناهى على التّفصيل وانبتات التّفصيل بانبتات لحاظ العقل.

فإذن ، الوجود العينيّ بما هو تحقّق فعليّ فى وعاء الدّهر وحصول تصوّريّ عند البصير الحقّ «قضاء» ، وبما هو كون بالفعل فى افق الزّمان ووقوع زمانىّ فى قطر التّقضّى والتّجدّد «قدر» ، وهذان قضاء وقدر بحسب الوجود فى الأعيان.

وهذا القضاء وإن كان فيه تفصيل فهو مجمل بالنّسبة إلى هذا القدر ، لكون جملة الموجودات الجوازيّة بحبسه فى مرتبة واحدة من غير تسابق ، بل فى حكم موجود واحد. وهى بحسب «القدر» كثرات مترتّبة متسابقة ، فهو تفصيل «القضاء» الّذي هو مجمل إضافىّ بالنّسبة إليه وإن كان مفصّلا فى نفسه.

ولكلّ من القضاء والقدر معنيان آخران لا يتجاوزهما إطلاقات جمهور

٤٤٢

الفلاسفة على المشهور عند مشّائيّة الإسلام ، وليس يؤخذ بحسبها فى القضاء إلاّ الوجود العلمىّ دون الوجود العينىّ الّذي هو بعينه صورة علميّة حضوريّة. فمرّة يقال : القضاء علم الموجود الحقّ بمعلوماته علما كماليّا إجماليّا ، والقدر تفصيل ذلك الإجمال. واخرى يوضع: إنّ القضاء : عبارة عن وجود جميع الموجودات فى العالم العقلىّ مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع. والقدر : عبارة عن وجودها فى موادّها الخارجيّة (١٦٦) بعد حصول شرائطها مفصّلة ، واحدا بعد واحد ، كما جاء فى التّنزيل فى قوله ـ عزّ من قائل ـ : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ وَمٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر ، ٢١).

وليس أنّهم من هذا القول والوضع لم يولّوا وجوههم شطر الحقّ ، بل إنّما انصرفوا عن السّبيل بالاقتصار على ذلك. ولو تحقّق المسألة كنه التّحقّق لم يراوغهم احتباس الأمر فيه.

وقولهم : «لمّا كان للموادّ فى العالم العقلىّ صور متباينة استحال أن تفيض دفعة على الموادّ ، وإلاّ اجتمعت المتباينات ، والمادّة غير متأتية لقبول صورتين معا ، فضلا عن تلك الكثرة أو لا تقبض أصلا. وإنّه حطّ للمادّة عن درجة الوجود ، إذ لا وجود لها إلاّ بالصّورة.

وكان الجود الإلهيّ مقتضيا لتكميل المادّة بإبداع تلك الصّور فيها وإخراج ما فيها بالقوّة من قبول تلك الصّور ، إلى الفعل. فلذلك قدّره بلطيف حكمته زمانا غير منقطع فى الطرفين يخرج فيه تلك الامور من القوّة إلى الفعل ، واحدا بعد واحد ، فتصير الصّور فى جميع ذلك الزّمان موجودة فى موادّها ، والمادّة كاملة بها. وخلق فلكا غير منقطع الحركة يختلف أحوال المادّة واستعداداتها بحسب اختلاف حركة فترة صورة على المادّة بحسب استعداد استعداد. وهذا هو القدر ، أى وجود الموجودات فى الخارج بحسب الاستعدادات المختلفة ، وهو تفصيل ما كان مجمل الوجود فى الأزل».

قول صادق. ولكن فى الدّفعة الزّمانيّة وبحسب افق الزّمان. فالتّصادم بين

٤٤٣

الصّور فى ذلك الافق لا فى المعيّة الدّهريّة ؛ إذ لا تصادم بينها بحسب وعاء الدّهر. وسيعاد عليك ذكر القضاء والقدر بمترقب القول فى «الرّبوبيّات» إن شاء اللّه تعالى.

فالآن ، قد أسمعناك معانى اللّفظين ، وأنّ القضاء علميّ وعينيّ. فهو على ضربين مختلفين ؛ وكما يصحّ أن يعنى به ظهور بالعلم ويتمثّل فى العالم العقلىّ ، فكذلك يصحّ أن يعنى به وجود فى الأعيان. وعلّمناك أنّه يمتنع اللاّنهاية بالفعل فى القدر ، لا فى القضاء.

فربّ القضاء والقدر وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى ، ولا يضيق عن الإحاطة بجملة ما لا نهاية له ، مجملة ومفصّلة. وهو واسع عليم ، وأنّ ما يوجد فى الزّمان فى وعاء الدّهر ويتمّ وجوده التّدريجىّ بالفعل فى افق التّغيّر ويبقى تحققه بتمامه فى وعاء الدّهر بقاء دهريّا ، لا زمانيّا ؛ فإنّه يجب أن يكون متناهى الكميّة ، سواء كان فى الآزال أو فى الآباد ، وأنّ المادّيّات ليست فى القضاء ، أعنى بحسب الوجود العينىّ فى وعاء الدّهر والحضور الوجودىّ عند ربّ القضاء والقدر ، متأخّرة عن حصول موادّها ، بل هى وموادّها بحسب ذلك فى درجة واحدة.

فلو سمعتنا نقول : إنّ المادّيات إنّما هى مادّيّة فى القدر وفى افق الزّمان ، لا فى القضاء الوجودىّ فى وعاء الدّهر وفى الحصول الحضورىّ عند العليم الحقّ ؛ فافقه : أنّا نعنى بذلك سلب سبق المادّة فى ذلك النّحو من الوجود ، لا مفارقة المادّة والانسلاخ عنها هناك حتى يصير المادّىّ مجرّدا باعتبار آخر.

وأحقّ ما تسمّى به الموجودات الزّمانيّة بحسب وقوعها فى القضاء العينىّ ، أى : تحقّقها فى وعاء الدّهر المثل الغيبيّة أو القضائيّة والصّور الوجوديّة أو الدّهريّة ، وبحسب وقوعها فى القدر ، أى : حصولها فى افق الزّمان والأعيان. والكونيّة ، أى : الكائنات القدريّة. فهذا سرّ مرموز كلمتنا ، ونحن ـ زمرة الحكماء ومعشر أهل التّحصيل ـ لا نروم بكلماتنا إلاّ إيّاه.

وإنّى لست أظنّ بإمام اليونانيّين ، أفلاطن الإلهيّ أنّه قد كان يقصد فى أمر الصّور والمثل المعلّقة ، لا فى مادّة غير هذا السّرّ ، إلاّ أنّ أتباع معلّم المشّائيّة أساءوا

٤٤٤

به الظنّ واستاموا ما سوّلته لهم أو هامهم وقصّروا فى الفحص ووفّروا على وقيقتهم فى المثل الأفلاطونية وعدّ مساويها ، فلم يكن اعتمالهم إلاّ لانطفاء نور الحكمة وتفاشى ديجور الظّلمة.

وممّا يجب أن يعلم أنّ ما فى كتب المشّائين يبيّن أنّ الجواهر العقليّة وما معها موجودة فى القضاء والقدر مرّة واحدة باعتبارين ، والجسمانيّة وما معها موجودة فيهما مرّتين ، وأنّ كلّ شيء يوجده الأوّل الحقّ بوسط أو بغير وسط يتأدّى قدره الّذي هو تفصيل قضائه الأوّل إلى ذلك الشّيء بعينه تأدّيا على سبيل الوجوب ، كلمة حقّة ، سواء ، اخذت بحسب القضاء العلمىّ أو بحسب القضاء الوجودىّ العينىّ.

أمّا فى القضاء العلمىّ ، فلأنّ وجود المفارقات فى العلم هو بعينه وجودها فى العين بالذّات ، والاختلاف بالاعتبار ، فلا وجود لها إلاّ على نحو واحد ، لكن باعتبار الإجمال والتّفصيل ، ويستوى فى ذلك لحاظ فى جهة الأزل أو فى جهة ما لا يزال. فهى موجودة فى القضاء والقدر مرّة واحدة بخلاف الصّور والأعراض الجسمانيّة. إذ لها وجود فى العلم قبل وجودها فى العين. وللعلم لها مراتب سابقة على وجودها فى الأعيان. فهى موجودة فى القضاء والقدر ، مرّتين ، مرّة فى الأزل مجملة ومرّة فيما لا يزال مفصّلة.

وأمّا فى القضاء العينىّ ، فلأنّ الجواهر المفارقة ليس لها وجود زمانىّ ، وإنّما وجودها دهرىّ من كلّ وجه واقع فى وعاء الدّهر فقط. فوقوعها فى القضاء والقدر واحد. والعقل يحصّل اعتبارين بالإجمال والتّفصيل فى نحو واحد من الوجود فى وعاء واحد ، بخلاف المادّيّات ؛ فإنّها موجودات زمانيّة. فوجودها يعتبر مرّة بحسب كونها متحققة الذّوات فى وعاء الدّهر ؛ ومرّة بحسب كونها الزّمانىّ الّذي لها فى افق الزّمان. فلا جرم يكون وقوعها فى القضاء والقدر مرّتين. والقضاء العينىّ بحسب التّحقّق فى وعاء الدّهر ، والقدر الّذي بإزائه بحسب الكون الزّمانىّ.

<٤١> ختام فصوليّ

إذا نوّرت جوّ سرّك بما استنار لك تبيانه واطمأنّ إليه قلبك ، فاعلم أنّ معلّم المشّائين لم يهمل ذكر الحقّ ولم يتعدّ طور الصّواب. وناهيك من بيان وتنبيه منبّه

٤٤٥

ما له فى كتاب اثولوجيا. ألم تر إلى ما فى الميمر الخامس منه ؛ وقد نقلناه فى الفصل الماضى. فالآن نكرّر عليك. إنّه قال :

«بل ينبغى أن يتوهّم المتوهّم أنّ أفعال الفاعل الأوّل هى قائمة عنده ، وليس شيء عنده أخيرا ، بل الشّيء الّذي عنده أوّلا ، هو هاهنا أخيرا. وإنّما يكون الشّيء أخيرا ؛ لأنّه زمانىّ ، والشّيء الزّمانىّ لا يكون إلاّ فى الزّمان الّذي وافق أن يكون فيه. فأمّا عند الفاعل على الأوّل فقد كان لأنّه ليس هناك زمان. فإن كان الشّيء الملاقى فى الزّمان المستقبل هو قائم هناك ، فلا محالة إنّه إنّما يكون هناك موجودا قائما ، كما أنّه سيكون فى المستقبل. فإن كان هذا هكذا ، فالشّيء ، إذن ، الكائن فى المستقبل هو هناك موجود قائم لا يحتاج فى تمامه وكماله هناك إلى أحد الأشياء البتّة.

فالأشياء ، إذن ، عند البارى ـ جلّ ذكره ـ كاملة تامّة ، زمانيّة كانت أم غير زمانيّة ، وهى عنده دائما ؛ وكذلك كانت عنده أوّلا ، كما يكون عنده أخيرا.

فالأشياء الزّمانيّة إنّما يكون بعضها من أجل بعض ، وذلك أنّ الأشياء إذا هى امتدّت وانبسطت وبانت عن البارئ الأوّل كان بعضها علّة كون بعض. وإذا كانت كلّها معا ولم تمتدّ ولم تنبسط ولم تبن عن البارئ الأوّل لم يكن بعضها علّة كون بعض ، بل يكون البارئ الأوّل علّة كونها كلّها» (١). فهذه ألفاظه.

وله فى هذا الكتاب تنصيصات على المثل العينيّة والصّور الدّهريّة الرّوحانيّة ، أعنى الموجودات الزّمانيّة ، بحسب الوقوع فى وعاء الدّهر وعند البارئ الأوّل تعالى (١٦٧).

وبعض من حمل عرش تعليم الفلسفة فى الإسلام ما عطّل استقصاء النّظر ولا ضيّع حقّ الإنصاف ، فقال فى مقالته الّتي فى الجمع بين الرّأيين قولا مستقصى. ومن ذلك أيضا الصّور والمثل الّتي تنسب إلى أفلاطن من أنّه يثبتها ، وأنّ أرسطو

__________________

(١). اثولوجيا ، ص ٦٨. مطبوع فى «أفلوطين عند العرب». حققه وقدّم له عبد الرحمن بدوى ، القاهرة ، ١٩٦٦.

٤٤٦

طاليس على خلاف رأيه فيها.

وذلك أنّ أفلاطن فى كثير من أقاويله يؤمى إلى أنّ للموجودات صورا مجرّدة فى عالم الإله ، وربما يسمّيها «المثل الإلهيّة» ، وأنّها لا تدثر ولا تفسد ، ولكنّها باقية ، وأنّ الّتي تدثر وتفسد إنّما هى هذه الموجودات التى هى كيانيّة. ولأرسطو طاليس فى حروفه فى ما بعد الطبيعة كلام فيه يشنّع على القائلين بالمثل والصّور الّتي يقال إنّها موجودة قائمة فى عالم الإله غير فاسدة ، ويبيّن ما يلزمها من الشّناعات ؛ مثل أنّه يجب أن يكون هناك خطوطا وسطوحا وأجساما وأفلاكا ، ثمّ توجد حركات تلك الأدوار والأفلاك وأن يوجد هناك علوم ، مثل علم النّجوم وعلى اللّحون والأصوات مؤتلفة وأصوات غير مؤتلفة وطبّ وهندسة ومقادير مستقيمة واخر معوجّة وأشياء حارّة وأشياء باردة. وبالجملة ، كيفيّة فاعلة ومنفعلة وكليّات وجزئيّات وموادّ وصور ، وشناعات اخر تنطق بها تلك الأقاويل ، ممّا يطول بذكرها هذا القول.

وقد استغنينا بشهرتها عن الإعادة ، مثل ما فعلنا سائر الأقاويل ، حيث أومأنا إليها وإلى أماكنها وخلّينا ذكرها للحكيمين لمن يلتمسها من مواضعها ؛ فإنّ الغرض المقصود من مقالتنا هذه إيضاح الطرق الّتي إذا سلكها طالب الحقّ لم يضلّ فيها وأمكنه الوقوف على حقيقة الموادّ بأقاويل هذين الحكيمين من غير أن ينحرف عن سواء السّبيل إلى ما يخيّله الألفاظ المشكّكة.

وقد تجد أنّ أرسطوطاليس فى كتابه فى الرّبوبيّة المعروف ب‍ أثولوجيا يثبت الصّور الرّوحانيّة ويصرّح بأنّها موجودة فى عالم الرّبوبيّة.

فلا يخلو هذه الأقاويل إذا اخذت على ظواهرها من إحدى ثلاث حالات : إمّا أن تكون متناقضة ، وإمّا أن يكون بعضها لأرسطو طاليس وبعضها ليس له ، وإمّا أن يكون لها معان وتأويلات تتفق بواطنها وإن اختلفت ظواهرها ، فتطابق عند ذلك وتتفق.

فإمّا أن يظنّ بأرسطو طاليس ، مع براعته وشدّة تيقّظه وجلاله هذه المعانى عنده ، أعنى الصّور الرّوحانيّة ، أنّه يناقض نفسه فى علم واحد ، وهو العلم الرّبوبىّ ، فبعيد

٤٤٧

ومستنكر جدّا ؛ وإمّا أنّ بعضه لأرسطو طاليس وبعضه ليس له ، فهو أبعد جدّا ؛ إذ الكتب النّاطقة بتلك الأقاويل أشهر من أن يظنّ ببعضها أنّه منحول. فقد بقى أن يكون لها تأويلات ومعان إذا كشف عنها ارتفع الشكّ والحيرة.

فنقول : إنّه لمّا كان البارئ ـ جلّ جلاله ـ بإنيّته وذاته مبائنا لجميع ما سواه. وذلك له بمعنى أشرف وأفضل وأعلى بحيث لا يناسبه فى إنيّته شيء ولا يشاكلها كلّه ، ولا يشبهه حقيقة ولا مجازا.

ثمّ مع ذلك لا بدّ من وصفه وإطلاق لفظ فيه من هذه الألفاظ المتواطية عليه ، فإنّه من الواجب الضّرورىّ أن يعلم أنّ مع كلّ لفظة نقولها فى شيء من أوصافه معنى بذاته بعيد من المعنى الّذي نتصوّره من تلك اللّفظة. وذلك ، كما قلنا ، بمعنى أشرف وأعلى ، حتى إذا قلنا : «إنّه موجود» علمنا مع ذلك أنّ وجوده لا كوجود سائر ما دونه. وإذا قلنا : إنّه حيّ علمنا أنّه بمعنى أشرف ممّا نعلمه من الحىّ الّذي هو دونه. وكذلك الأمر فى سائرها.

ومعها استحكم هذا المعنى ، وتمكّن من ذهن المتعلم للفلسفة الّتي بعد الطبيعة ، سهل عليه تصوّر ما يقوله أفلاطن وأرسطو طاليس ومن سلك سبيلهما. فلنرجع الآن إلى حيث فارقناه ونقول :

لمّا كان اللّه ـ تعالى ـ حيّا مريدا مبدعا لهذا العالم بجميع ما فيه ، فواجب أن يكون عنده ما صور ما يريد إيجاده فى ذاته ـ جلّ اللّه عن الأشباه ـ وأيضا ، فإنّ ذاته لمّا كان باقيا لا يجوز عليه التبدّل والتّغيّر فما هو من خبره أيضا كذلك باق غير داثر ولا متغيّر. فعلى هذا المعنى ينبغى أن يعرف ويتصوّر أقاويل أولئك الحكماء فيما أثبتوه من الصّور الإلهيّة ، لا على أنّها أشباح قائمة فى أماكن اخر خارجة عن هذا العالم ؛ فإنّها متى تصوّرت على هذا السّبيل يلزم القول بوجود عوالم غير متناهية كلّها كأمثال هذا العالم. وقد بيّن الحكيم أرسطو طاليس ما يلزم القائلين بوجود العوالم الكثيرة فى كتبه الطبيعيّة ، وشرح المفسّرون أقاويله بغاية الإيضاح.

وينبغى أن يتدبّر هذا الطريق الّذي ذكرناه مرارا كثيرة فى الأقاويل الإلهيّة ؛

٤٤٨

فإنّه عظيم النّفع وعليه المعوّل فى جميع ذلك ، وفى إهماله شديد الضّرر ؛ وأن يعلم أنّ الضّرورة تدعو إلى إطلاق الألفاظ الطبيعيّة والمنطقيّة المتواطية على تلك المعانى اللّطيفة الشّريفة العالية عن جميع الأوصاف المتبانية عن جميع الامور الكيانيّة الموجودة بالوجود الطبيعىّ ؛ فإنّه إن قصد إلى اختراع ألفاظ اخر واستيناف وضع لغات سوى ما هى مستعملة لما كان يوجد السّبيل إلى ألفاظ يتصوّر منها غير ما باشرته الحواسّ.

فلمّا كانت الضّرورة تمنع وتحول بيننا وبين ذلك اقتصرنا على ما يوجد من الألفاظ وأوجبنا على أنفسنا الإخطار بالبال أنّ المعانى الإلهيّة الّتي عنها يعبّر بهذه الألفاظ هى بنوع أشرف وأعلى غير ما نتخيّله ونتصوّره.

هذا ما قاله معلّم أتباع أرسطاطاليس من الإسلاميّين ، أبو نصر الفارابىّ. وإنّما التزمنا إيراده بألفاظه ، لما كان يتضمّن من جزيل النّفع وجليل الجدوى. فهذا الرّجل المبرّز قد أوفى النّظر حقّه ولم يخلّ بما كان يجب عليه من الاجتهاد إلاّ أنّ فيما لم نورده من ألفاظه ما يوهم أنّه يظنّ : أنّ للموجودات صورا وآثارا فى ذات البارى الأوّل على سبيل التّمثّل فيه ـ تعالى عن ذلك غلوّا كبيرا ـ وإنّما ذلك شأن الأذهان المعلوليّة الممكنيّة.

ولا ينبغى أن يتوّهم متوهّم أنّه قد نحى نحو ما ينساق إليه ظاهر اللّفظ ؛ فإنّه إنّما رام بذلك أنّ الموجودات بحسب كونها فى وعاء الدّهر غير عازبة عن بصره ـ تعالى ـ ولا داثرة ولا متغيّرة فى ذلك الوعاء أصلا ، كالصّور المتمثّلة فى ذات الجوهر العاقل. فنسبة المثل العينيّة والصّور الدّهريّة إلى ربّ الزّمان والدّهر نسبة الصّور المرتسمة فى ذوات الجواهر العقليّة من المفارقات المحضة إليها ، وأمرها كأمرها فى عدم الدّثور والتّغيّر هناك. فلذلك أطلق عليها أنّها متمثّلة فى ذات البارى الأوّل ، تعالى ، ولم يرم ما لم يؤذن به الظاهر وإن لم يكن يتهيّأ له أن يكشف باطن المسألة حقّ الكشف وينقّح القول فيها كنه التّنقيح.

فحاله أرفع من أن يساء به الظنّ إساءة إلى تلك الغاية ، ولغة العقل أجلّ من أن

٤٤٩

يحتبس فى لغة اللّسان. والحقيقة فوق أن تقتنص من الإطلاقات العرفيّة ولا سيّما التى ليس للعقول إلى اكتناهها من سبيل ؛ وإنّا أسقطنا من قوله تلك الألفاظ ، وطوينا كشح النّقل عن إيرادها ورأيناها حقيقة بأن نتركها فى موضعها إيذانا بأنّها لا يكاد يسوغ أن تذكر إلاّ مع التّأويل.

وأمّا رئيس أتباع أرسطاطاليس من مشّائيّة الإسلام أبو عليّ بن سينا ، فمع شدّة تثوّر القريحة وتوقّد الغريزة والتّوغّل فى تعريف أوعية الكون وتمييز الأكوان الثّلاثة الزّمانيّة والدّهريّة والسّرمديّة ، بعضها عن بعض ، وإطناب القول (١٦٨) فى أنّ الزّمانيّات والمادّيّات من أعيان الموجودات ليست زمانيّة ومادّيّة بحسب انكشافها وحضورها عند البارئ الأوّل ـ تعالى ذكره ـ لم يسارع إلى أن يتحدّس أنّ المثل الأفلاطونيّة هى الّتي نحن سمّيناها المثل العينيّة والصّور الذّهنيّة ؛ بل كان أشدّ المعاندين لأفلاطن فى أمر المثل ، وألدّ الخصام.

وجملة ما اتّكل عليه فى إلهيات الشفاء أنّه به أفسد على أفلاطن مقالته فى المثل الّتي لا تدثر والصّور الّتي لا تتغيّر ، يدور على ظنه بأفلاطن أنّه يضع أنّ تلك المثل والصّور ليست بمادّيّة على معنى أنّها من مفارقات المادّة ، فشنّع عليه أنّه كيف يكون للمادّيّات نحو وجود فى الأعيان تكون هى بحسبه غير قائمة بالمادّة ، بل مفارقة إيّاها.

ونحن قد نبّهناك على أنّه ينبغى أن يعنى بذلك سبق سلب المادّة ونفي خواصّ المادّيّات من الدّثور والتّغيّر والتّأخّر فى الحصول عن حصول المادّة على ما كرّره هو ، إذ قد رام أنّ يحقّق بيان علم الأوّل الحقّ ـ تعالى ـ فى أكثر كتبه ، ولا سيّما الشفاء والتعليقات ؛ ولا يصحّ أن يعنى به إثبات التّجرّد عن المادّة وسلب القيام بها. فإذن ، قد انفصم ما استمسك فى التّشنيع.

وبالجملة ، إنّ الأفلاطونيّين والأرسطاطاليسيّين لو وكدوا وكد الحقّ وتحرّوا سبيل الإنصاف لاستقامت امورهم بما قدّمناه واستنامت قلوبهم إلى ما ألممناه ، فكان الأمر قد أوفيناه حقّه ، والمصير إلى اللّه ، والحمد للّه ربّ العالمين.

٤٥٠

فصل رابع

< أقسام التّقدّم والتأخّر على طريق الحكمة الحقّة >

فيه يتبيّن أقسام التقدّم والتّأخّر على الحكمة النّضيجة التحقيقيّة فى اسلوب

دقيق من الفحص ، وثيق النّظام ، قويم السّبيل ، ويحقّق القول فى خواصّها وأحكامها

على نصاب كامل من التّفصيل وقسط فاضل من التّحصيل.

<فى الفصل الرابع ثمانية عشرة عنوانا >

<١>إخاذة

وإذ قد أيّدنا اللّه بفضله ، فأبلغنا القول فى أوعية الوجود وأحكامها ولواحقها مبلغه من نصاب كنه التّحقيق ، فجدير بنا أن ننتقل الآن إلى ما يلتصق بذلك ، من تقاسيم التقرّر والوجود ، أى : المتقدّم والمتأخّر والمع ؛ فنوضح سبيل العلم ونعلّم ما فات من سبقنا من الرّؤساء والمعلّمين ، فضلا عن الأتباع والمقلّدين.

فاعلم أنّ لمعرفة القبل والبعد والمع مسلكا مشهوريّا ، فى فنّ قاطيغورياس ، من فنون حكمة الميزان بحسب ما يليق بمداخل التّعليم ومسلكا تحقيقيّا فى الحكمة الّتي هى فوق الطبيعة بحسب توفيتها حقّ الاستقصاء فيها.

وإذ قد حان حين ذلك فينبغى أن لا يقتصر على مألوفات الأسماع العاميّة ، بل يتأمّل تأمّلا أدقّ من المشهور. فإذن نقول : التقدّم على سبعة أضرب ، هى معان

٤٥١

مختلفة محصّلة عند العقل : (١) التّقدّم الزّمانىّ ، وهو الّذي يكون بالزّمان. (٢) والتّقدّم الدّهرىّ والسّرمديّ ، وهو الّذي يكون فى الدّهر والسّرمد. (٣) والتّقدّم بالطبع ، وهو الّذي يكون فى الطبع بحسب الوجود. (٤) والتّقدّم العلىّ ، وهو الّذي بالذّات والعلّيّة ويكون فى وجوب الوجود واستحقاقه. (٥) والتّقدّم بالماهيّة ، وهو الّذي يكون فى تجوهر سنخ الماهيّة وتقرّرها. (٦) والتّقدّم الرّتبىّ ، وهو الّذي يكون فى المرتبة بحسب النّسبة إلى شيء ما يؤخذ مبدءا ومنسوبا إليه. ومن حيّزه التقدّم فى المكان. (٧) والتّقدّم الشّرفىّ ، وهو الّذي يكون فى الفضل والشّرف.

وقد يجتمع هذه الأنحاء أكثرها فى متقدّم واحد. والمتأخّر ومعا يجريان مجرى المتقدّم فى معانيه السّبعة. والأخرى بل الواجب ، على ما أسلفنا ، عقد الاصطلاح عليه أن يسمّى التقدّم فى الدّهر والسّرمد تقدّما سرمديّا ، والتّأخّر الّذي بإزائه تأخّرا دهريّا. وكذلك المعيّة الّتي بإزائها معيّة دهريّة ؛ إذ الجائزات لا حظّ لها من عرش السّرمد. بل القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ كبرياؤه ـ قد استأثر بالسّرمديّة ، ولا يجتمع التّقدّم والتّأخّر فى شيء واحد باعتبار واحد ، ويجوز ذلك باعتبارين.

فهذه الأقسام قد يكون فيها تداخل باختلاف الاعتبارات. وإذا اتفق أن تحشد عدّة تقدّمات فى موضوع واحد باعتبارات مختلفة حشدت لا محالة تأخّرات توازيها فى موضوع واحد توازيه باعتبارات مختلفة توازي تلك الاعتبارات ، وضروب معا أيضا قد تحتشد عدّة منها فى أشياء معيّنة ، لكن لا باعتبار واحد ، بل باعتبار شتّى.

<٢> تثبيت

التّقدّم الزّمانىّ هو ما بحسبه يمتنع أن يجتمع الشّيء الّذي هو متقدّم والشّيء الّذي هو متأخّر فى الحصول الزّمانىّ الّذي لهما فى قطر افق التغيّر ، ولا محالة يتصوّر امتداد ما مارّا بهما وزمان ما أو آن ما ، متخلّلا بينهما ، ولا يكون ذلك من جهة علّيّة

٤٥٢

ومعلوليّة بينهما بحسب تخلّف الأخير عن الأوّل فى الحصول فى افق الزّمان مع عزل النّظر عن أيّة حيثيّة كانت لهما غير هذه الحيثيّة.

فهذا التّقدّم والتّأخّر من الأعراض الأوّليّة للأجزاء المفروضة فى الزّمان المتصل ، لا على أنّهما من العوارض اللاّحقة لها ، بل على معنى أنّ هويّات الأجزاء هى القبليّات والبعديّات من حيث هى بخصوصيّات ذواتها مصداق حمل القبل والبعد عليها ، لا من تلقاء شيء آخر غير أنفسها ، ولا من جهة عارض يلحق ذواتها ، فيصحّ حمل القبل والبعد عليها. فكلّ منها بنفس ذاته قبل وقبليّة أو بعد وبعديّة باعتبارين. وأمّا عروضهما لسائر الامور غير الزّمان فلا يكون بالذّات على أن تكون هى المعروض حقيقة ، بل بالعرض من حيث التّخصّص بالمقارنة لجزءين من أجزاء الزّمان هما بذاتهما العقل والبعد.

وكأنّك كنت قد تثبت على تحصيل الأمر ممّا سلف. فالأكبر سنّا إنّما هو أقدم من الأحدث يكون زمان حصوله قبل زمان حضر فيه الأحرف. وبالجملة ، لا يكون أصلا لشيئين من الأشياء غير الزّمان هذا النّحو من التّقدّم والآخر ، إلاّ بحسب وقوعهما فى زمانين أو آنين والزّمانان لهما بذاتهما ذلك. والسّؤال عن هذا التّقدّم «بلم» لا ينفرض بالوقوف إلاّ إذا انتهى الجواب إلى قطعتين من الزّمان ، فقيل : كان التّقدّم لذاك على ذا على هذا النّحو ، لوقوع ذا فى هذه القطعة وذاك فى تلك ، كاليوم والأمس ، أو زمان موسى وزمان نوح ، على نبيّنا وعليهما السّلام.

وما يتوهّم : «أنّ انفراض السّؤال ، لأنّ التقدّم على اليوم مأخوذ فى مفهوم لفظة أمس ، كما أنّ المتأخّر عن اليوم مأخوذ فى مفهوم لفظ الغد. فلو قيل : لما ذا تقدّم الأمس على اليوم كان كما لو قيل : لما ذا تقدم الزّمان القبل على الزّمان البعد. وكذلك زمان نوح عليه السّلام معلوم التّقدّم على زمان موسى عليه السّلام. ولذلك إذا عبّر عنهما بزمانين غير معلوم التّقدّم والتأخّر ، كالصّيف والشّتاء ، لم ينقطع السّؤال». من الأوهام السّخيفة السّاقطة.

فمن الفطريّات الأوائل : أنّ كلّ زمانين فإنّ أحدهما متقدّم الحصول فى افق

٤٥٣

التّقضّى والتّجدّد ، والآخر متأخّر الحصول فيه بالذّات ، والأمران الحاصلان فيهما متقدّم ومتأخّر بسبب الحصول فيهما ، والشكّ إنّما يطرأ فى تعيين المتقدّم بخصوصه أو المتأخّر بعينه بسبب الجهل بالوقوع فى الزّمان المتقدّم أو الزّمان المتأخّر. فتعيين اللّفظ الموضوع للزّمان القبل أو الزّمان البعد إنّما يشترط فى تعيين المتقدّم أو المتأخّر بخصوصه ، لا فى العلم بتحقّق هذا النّحو من التقدّم والتأخّر.

فإذا علم وقوع أمرين فى زمانين حكم عليهما بالتّقدّم والتّأخّر بالضّرورة الفطريّة (١٦٨). والعلم بوضع لفظى الأمس واليوم ، مثلا ، للزّمانين القبل والبعد ، إنّما يفيد تمييز المتقدّم عن المتأخّر ، لا أنّه مناط الحكم بالتّقدّم والتّأخّر.

وكذلك توهّم : «أنّ انفراض السّؤال به «لم» لا يعطى إلاّ نفي الوسط فى الإثبات دون نفى الوسط فى الثّبوت» من سواقط الأوهام. أليس السّؤال ب‍ «لم» يشمل طلب البرهان اللمىّ والدّليل الإنّي ، فقد يسأل عن سبب الثّبوت ، كأن يقال : لم كان كذا. ويجرى ذلك فى المقتنصات والحدسيّات والفطريّات أيضا. وقد يسأل عن سبب إثبات الثّبوت ، كان يقال : لم حكمت أنّه كذا ، وذلك يكون فى الاقتناصيّات ويقف بالانفراض إذا انتهى إلى الفطرىّ ؛ فإنّ انفراض السّؤال مطلقا يدلّ على الثّبوت وعلى إثبات الثّبوت معا ويبقى الوسط فى الثّبوت والوسط فى الإثبات جميعا ؛ إذ لو كان هناك وسط فى الثّبوت لصحّ السّؤال ب‍ «لم» وإن كان فطرىّ الثّبوت ففطريّته لا تقطع السّؤال عن لميّته.

ولعلّ ذا غريزة الإنسانيّة لا يريب فى انفراض مطلق السّؤال عند الانتهاء إلى أجزاء الزّمان. فكما ليس يتوجّه أن يقال : لم كان أمس متقدّما على اليوم ، فكذلك ليس يتوجّه أن يقال : لم حكم أنّ الأمس قبل اليوم ، كما أنّه ليس يتوجّه أن يقال : كان الواحد نصف الاثنين ، ولا أن يقال : لم قيل : الواحد نصف الاثنين.

وأمّا ما يورد : «أنّه لو كان السّبق الزّمانىّ حقيقته ما ذكر ، لوجب أن يكون سبق العلّة المعدّة على معلولها أيضا سبقا زمانيّا ؛ لأنّ سبقها أيضا بحيث لا يجامع معه السّابق المسبوق فى افق الزّمان».

٤٥٤

فالغلط فيه نشأ من إهمال اعتبار الحيثيّة ، واللاّزم أن يكون للعلّة المعدّة سبق زمانىّ على معلولها ، وهو حقّ ، لا أن ينحصر سبقها عليه فى ذلك السّبق أو يكون سبقها بالطبع سبقا زمانيّا ، وذلك باطل.

فالعلّة المعدّة ، من حيث إنّها لا تجامع المعلول فى افق الزّمان ، سابقة عليه سبقا زمانيّا؛ ومن حيث يحتاج إليها المعلول فى الوجود وهى غير محتاجة إليه ، سابقة عليه سبقا بالطبع. وذلك ليس يخلّ بتغاير السّبقين ، فقد تحتشد عدّة من أنحاء السّبق فى موضوع واحد بحيثيّات متغايرة ، كالسّبق بالطبع والسّبق الشّرفىّ والسّبق الزّمانىّ والسّبق الرّتبىّ فى الفلك بالنّسبة إلى الحوادث العنصريّة ، وكالسّبق الزّمانىّ والسّبق الرّتبىّ والسّبق بالطبع فى أجزاء الزّمان ، بعضها بالنّسبة إلى بعض. وكما أنّ القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ متقدّم على معلوله الأوّل تقدّما سرمديّا وتقدّما علّيّا وبالذّات وتقدّما بالماهيّة وتقدّما بالرّتبة وتقدّما بالشّرف.

وبالجملة ، الحادث الزّمانىّ يتوقف على وجود علّته المعدّة وعلى انبتات وجودها فى افق التّغيّر. فهى بما هى كذلك ـ أى من جهة ما هى ممّا يتوقف عليه المعلول ، لا من حيث هى فى الحصول لا معه أو معه ـ متقدّمة عليه تقدّما بالطبع ؛ وبما هى غير مجامعة إيّاه فى افق التّغيّر ، لا من حيث يحتاج هو إليها أو يستغنى عنها ، متقدّمة عليه تقدّما بالزّمان. فإذن ، المتقدم الزّمانىّ تقدّمه أنّ له وجودا فى افق استمرار التّغيّر مع عدم شيء آخر لم يكن موجودا فى ذلك الافق ، ثمّ هو موجود فيه.

<٣> سياقة اثباتيّة

كأنّك ، بما كرّر عليك من قبل ، لست الآن ممّن يلتاث عقله فى مهاجرة إقليم المحسوس ومجاورة عالم المعقول. فإذن ، ما أيسر لك أن تتفرّغ لتعرف الحقّ وتنقاد لحكم البرهان وتتوخّى كنه الحكمة ولا تتعدّى سبيل الإيمان ، فتتلقى بسمعك وتؤمن بقلبك : أنّ التّقدّم الدّهرىّ السّرمديّ فى وعاء الدّهر باعتبار عرش

٤٥٥

السّرمد هو الّذي يجب بحسبه أن لا يقارن الشّيء المتأخّر الشّيء المتقدّم فى التّحقّق فى الواقع والوجود فى وعاء الدّهر ، لا فى آن ولا فى زمان ما ، ولا فى جميع الأزمنة ، بل فى سنخ الأيس بما هو أيس وفى أصل الوجود بما هو وجود. فلا جرم يستحيل بحسب ذلك أن يتصوّر امتداد ما مارّا بذينك الشّيئين ويمتنع أن يتوهّم زمان ما أو آن ما متخلّلا بينهما ، ولا يكون ذلك من تلقاء حيثيّة العليّة والمعلوليّة بينهما ، بل إنّما بحسب تخلّف الأخير عن الأوّل فى الحصول فى وعاء الدّهر ، لا فى افق الزّمان. فالمتقدّم السّرمديّ تقدّمه أن له وجودا حقيقيّا فى الواقع لا فى افق التّغيّر ، بل محيطا به مع عدم شيء آخر لم يكن موجودا فى وعاء الدّهر ، ثمّ هو موجود فيه.

أما بزع فيما أظهرناه سابقا أنّ الوجود بما هو وجود لا يوصف بالامتداد وما بإزائه ولا بالاستمرار السّيّالىّ وما فى مقابلته ، بل إنّما يكون ذلك له لا بالذّات ، بل بحسب الوقوع فى افق التّغيّر والتّخصّص بمقارنة زمان أو آن أو فى جميع الأزمنة والآنات ، وأنّ المتقدّس عن وسمة التّغيّر مطلقا يستحيل أن يكون له وقوع فى افق استمرار التّغيّر والتّبدّل وأنّ مبدع الأزمنة والأمكنة يمتنع أن يشمله الزّمان والمكان ويتخصص وجوده بهما ، وهما متأخّران عنه بمراتب كثيرة ومرّات شتّى.

فإذن ، قد تبيّن أنّ الوجود بما هو وجود ليس يلزمه أن يكون فى زمان أو آن أو فى جميع الأزمنة. فقد حصل بحسبه عند العقل نحو آخر به من التّقدّم ، فيجب لا محالة أن يدخل فى الصّحّة العقليّة ، فإنّه يمكن أن يكون شيئان يحصل لأحدهما بعينه سنخ الوجود بما هو وجود ، لا بما هو فى زمان أو آن أو فى جميع الأزمنة ، وليس هو حاصلا للآخر فى الواقع وفى وعاء الدّهر ، ولا يحصل هو للآخر إلاّ وقد حصل له أوّلا ، حيث لم يكن الآخر حاصلا فى الواقع.

وإذ قد تبرهن أنّ من الوجود فى الواقع وجودا حقيقيّا متعاليا عن الواقع فى زمان أو آن أو فى جميع الأزمنة ، إذ موجد الزّمان لا يجوز أن يكون زمانيّا

٤٥٦

بالضّرورة ؛ فقد انصرح أنّ هذا القسم الّذي قد احتملته القسمة العقليّة أوّلا أوجب الفحص وقضى البرهان أخيرا أنّ له تحقّقا فى نفس الأمر بتّة ؛ لأنّ الموجود الّذي يتعالى عن افق الزّمان يستحيل أن يتصف بالتّقدّم الزّمانىّ ؛ إذ لم يكن يصحّ أن يوصف به إلاّ أجزاء الزّمان بالذّات ومقارنات الأزمنة بالعرض.

فإذا تقدّم ذلك الموجود على شيء ما فى الوجود تعيّن أن يكون تقدّمه هو هذا التّقدّم السّرمديّ الّذي هو بحسب الوجود فى وعاء الدّهر والسّرمد ، فبلحاظ ما قد تبيّن يتمّ الحكم بأنّ هذا القسم ممّا تحتمله القسمة بحسب اعتبار العقل ، سواء كان له تحقّق فى موضوع من الموضوعات الموجودة أولا ، وبلحاظ ما قد يتبرهن ينصرح أنّه من التّقدّمات المتحقّقة لموجود حقيقىّ بتّة.

ألست إذا كنت ذا قريحة ملبونة بلبان الحكمة ، ثمّ رأيتك قد نضوت الوهم ومقوت الذّهن ، لم تكن من الممترين فى أنّ القيّوم الواجب بالذّات ـ عزّ مجده ـ متقدّم فى الوجود على الحادث اليومىّ ، مثلا ، بعد ما لم يكن بحسبه ، يمكن أن يجتمع الحادث اليومىّ معه ـ جلّ ذكره ـ فى الوجود البتة. وكيف لا يكون لموجود عن موجود تخلّف فى حصول الوجود ، ثمّ يصحّ أن يقال : إنّ أحدهما قديم الوجود والآخر حادث الموجوديّة. فمن الفطريّات الأوائل : أنّ الحادث الزّمانىّ اليومىّ ، مثلا ، لم يكن له وجود عينىّ فى افق الزّمان.

ثمّ إنّه حدث وجوده فى الأعيان متخصصا بالوقوع فى ذلك الزّمان بخصوصه ؛ وكذلك لم يكن له وجود عينىّ فى الواقع الّذي هو وعاء الدّهر ؛ ثمّ إنّه حدث وجوده فيه واقعا فى زمان الحدوث لا غير. ولو كان له وجود فى وعاء الدّهر قبل وجوده المفروض الحدوث كان ذلك الوجود فى زمان ما قبل زمان الحدوث (١٦٩) البتة ؛ فإنّ الشّيء الزّمانىّ لا يكون له إلاّ الوجود الزّمانىّ وأنّه لا يكون بين وجوده فى افق الزّمان ووجوده فى وعاء الدّهر اختلاف بالعدد ، بل إنّما بالاعتبار فقط. فوجوده فى افق الزّمان هو بعينه وجود فى وعاء الدّهر باعتبار آخر.

وإذا كان كذلك فيلزم أن يكون للحادث الزّمانىّ وجود عينىّ فى افق الزّمان قبل

٤٥٧

زمان الحدوث. وذلك فسخ الفرض وخرق الضّرورة الفطريّة.

فإذن ، قد تحقق أنّه ـ جلّ ذكره ـ كان موجودا مع عدم هذا الحادث فى الأعيان مطلقا؛ ثمّ الحادث وجد فى وعاء الدّهر وفى افق الزّمان وصار موجودا معه ـ تعالى مجده ـ فى الواقع الّذي هو وعاء الدّهر ، لا فى افق الزّمان ؛ إذ هو ـ جلّ جنابه ـ متعال عن الزّمان والمكان ؛ فكان له ـ تعالى ـ تقدّم ، وله عنه ـ تعالى ـ تأخّر قد انقلب إلى المعيّة.

وإذ لا يكون تقدّم زمانىّ أو معيّة زمانيّة إلاّ للزمانيّات ، فيكون تقدّمه ـ تعالى ـ على ذلك الحادث لا محالة تقدّما سرمديّا ، وتأخّر الحادث عنه ـ تعالى ـ تأخّرا دهريّا ، والمعيّة الّتي بينه ـ تعالى ـ وبين الحادث الموجود معيّة دهريّة.

فإذا عرفت ذلك من طريق العقل وصدّقت به من سبيل البرهان ؛ فإن يأبى وهمك أن يتوهّمه ، فعليك أن لا تقدح فى الحكم العقلىّ بسبب امتناع الوهم عن قبول ما ليس من شأنه أن يتحقّقه.

فالأوهام لمّا آنست بالتّجدّدات الكونيّة والتّقدّمات الزّمانيّة ولا زالت تدرك تعاقبات الزّمانيّات وتسابقات المتغيّرات وتتوارد عليها تدرّجات الكونيّات وتجدّدات المتكوّنات ، لم تسع قوّتها إدراك وعاء الدّهر ولم يكن لها مقدرة على إسقاط افق الزّمان عن لحاظ الوجود والعدم والتّقدّم والتّأخّر والمعيّة ؛ كما أنّها لمّا لم تأنس إلاّ بإدراك المادّيّات يعسر عليها إلاّ أن تنكر وجود الجوهر المجرّد وتحكم بأنّ كلّ موجود فهو البتة محسوس وفى حيّز ما ، وأنّ ما يتقدس عن الجهة والمكان بالكليّة يمتنع وجوده.

ولمّا اعتادت بملاحظة الامتدادات الحسّيّة الجسمانيّة لا تستطيع أن تدرك انبتات الأبعاد والامتدادات على الإطلاق وتستيقن أنّه ليس وراء الفلك الأقصى خلأ ولا ملأ ، بل تحسب أنّ وراءه فضاء إلى لا نهاية ، والأحكام

٤٥٨

الوهميّة الفاسدة لا تحصى كثرة وفسادا. فلذلك يرجع إلى العقل ولا يقتدى بالوهم إلاّ جدلا ولدادا.

وبالجملة ، التّقدّم السّرمديّ هو سبق القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ثناؤه ـ على مخلوقاته فى الوجود فى الأعيان ، وكلّ ما يثبت له ـ سبحانه ـ فهو وراء ما تكتنفه العقول ، فضلا عمّا تكتنفه الأوهام.

فكما لا يدرك كنه ذاته ووجوده ، بل إنّما يعلم بالبرهان أنّه وجود حقّ ، هو جاعل الماهيّات وفعّال الوجودات ، فكذلك لا يدرك كنه تقدّمه فى الوجود على سائر الموجودات ، بل إنّما يعرف بالبرهان أنّه متقدّم على جملة الأشياء تقدّما سرمديّا ، بضدّ المتأخّر عن الاجتماع مع المتقدّم فى الموجوديّة ، ويستحيل بحسبه أن يقع بينهما زمان أو آن.

ولا يصحّ للوهم إذا تصوّر وجود المتقدّم مع عدم المتأخّر ؛ ثم مع وجوده الّذي هو ببطلان عدمه فى وعاء الدّهر ؛ أن يتوهّم من ذلك امتدادا موجودا أو موهوما ، يكون فيه وقوع المتأخّر بحسب الوجود بعد العدم واستمرار وجود المتقدّم مع عدم المتأخّر ومع وجوده بعد العدم.

ألم يتل عليك فيما سلف : أنّ ذلك سبيل البعديّة الزّمانيّة ، وحيث يكون الأمر على ذلك السّبيل لا يكون حصول الوجود فى جزء من أجزائه ذلك الامتداد ببطلان العدم فى الواقع وارتفاعه عن وعاء الدّهر ، بل يكون بارتفاعه عن ذلك الجزء الّذي هو ظرف الوجود فقط. وإن صدق وقوعه فى جزء آخر هو ظرف العدم. وإنّما سبيل البعديّة الدّهريّة أنّ حصول الوجود بعد العدم تلك البعديّة ليس يتصوّر إلاّ ببطلان العدم وارتفاعه عن الواقع الّذي هو وعاء الدّهر بالمرّة.

فالواقع غير منقسم ، ولا يتصوّر فيه اجتماع تحقّق الوجود والعدم ، والافق الامتدادىّ لقبوله الانقسام يحتمل وقوع العدم فى شطر أو حدّ منه وقوع الوجود فى شطر أو حدّ آخر.

٤٥٩

<٤> استفصال برهانيّ

ألست إذا حاولت الفحص وجدت البرهان يفصل التّقدّم الزّمانىّ عن التّقدّم السّرمديّ فى أحكام شتّى :

(١) فمنها : أنّ التّقدّم الزّمانىّ يتكثّر بموضوعات متكثّرة على التّعاقب ، فيكون تقدّمات زمانيّة متسابقة ، وكذلك تأخّرات متعاقبة ؛ لتسابق أجزاء الزّمان الّتي هى بذاتها قبليّات متعاقبة وبعديّات متسابقة ، ويستحيل ذلك فى التّقدّم السّرمديّ ، فلا يتصوّر أن يتسابق تقدّمان سرمديّان ويتعاقب تأخّران دهريّان ، فضلا عن تقدّمات سرمديّة متسابقة وتأخّرات دهريّة متلاحقة لامتناع الامتداد والانقسام فى وعاء الدّهر والسّرمد واستحالة أن يكون فى ذلك الوعاء طرفان وواسطة.

ثمّ مهما حوول الفحص المستقصى واستوفى حقّ النّظر المستصفى ظهر أنّه يمتنع أن يثبت التّقدّم السّرمديّ لأكثر من موضوع واحد. فالواحد الحقّ الّذي هو جاعل الماهيّات والإنيّات هو الموجود الّذي يصحّ أن يقال : إنّ له تقدّما سرمديّا. وبإزاء تقدّمه السّرمديّ تأخّر دهرىّ تشترك فيه قاطبة الجائزات المجعولة والموجودات المعلولة مرّة واحدة دهريّة ، لا مرّة واحدة زمانيّة فى مرتبة واحدة زمانيّة.

فجميع الممكنات بحسب التّأخّر الدّهرىّ فى حكم متأخّر واحد ، والمتقدّم بالدّهر والسّرمد هو الموجود الواحد الحقّ لا غير ، والمع بالدّهر جملة المفارقات الممتنع اتّصافها بالمعيّة الزّمانيّة ، لا الواحد الحقّ بخصوصه ، لا غير.

(٢) ومنها : أنّ التّقدّم الزّمانىّ لا يتخصص بالوجود أو العدم ، بل إنّه يعرضهما جميعا فقد يكون عدم الشّيء متقدّما على وجوده بالزّمان ، ثمّ وجوده المتأخّر عن عدمه بالزّمان يتقدم على عدمه بعد وجوده تقدّما بالزّمان أيضا ، كما فى الحادث الزّمانىّ المنبتّ الوجود فى افق الزّمان.

وأمّا التّقدّم بالدّهر فإنّه لا يعرض الوجود بالقياس إلى العدم أصلا. إذ لا يمكن

٤٦٠