مصنّفات ميرداماد

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]

مصنّفات ميرداماد

المؤلف:

مير محمّد باقر بن محمّد حسين الاسترابادي [ ميرداماد ]


المحقق: عبدالله نوراني
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-528-006-0
الصفحات: ٥٢٧
الجزء ١ الجزء ٢

جواز التّذوّت والتّجوهر والتّأيّس دائما دواما زمانيّا ، أى فى جميع الأزمنة ، وإن كانت باطلة الذّوات فى الأعيان أولا فى وعاء الدّهر وفى أنفسها أبدا فى لحاظ العقل ، لكان جاعلها ومذوتها ومؤيّسها قد جعلها وذوّتها وأيّسها ، لكنّها ليست تستحقّ التّذوّت والتّأيّس ما لم يتمّ استعداد موادّها لها. بتغيّرات تعرضها شيئا بعد شيء ما. ثمّ تمّت قوّتها على استحقاق التّذوّت والتّأيّس ، فجاد الجاعل الجواد الحقّ بالتّذويت والتّأييس.

ثمّ لو هو شيء مع المستنكرين ، وقيل : علّة التّعلّق بالجاعل كون المجعول مسبوقا بالبطلان ، على ما ظنّوه ، فهذا المعنى لا تنسلخ عنه الذّات ما دامت فى عالم التّقرّر ، فلم أنكروا تعلّقها بالجاعل ما دامت متقرّرة.

<٢٠> تنبيه تلخيصيّ

فإذ قد دريت أنّ الذّات المستفادة من الغير ؛ فإنّ كونها متعلّقة بالغير مقوّم لها ، كما أنّ الاستغناء عن الغير مقوّم لواجب الذّات والوجود بذاته ، والمقوّم للشّيء لا يجوز أن يفارقه. فالذّات إمّا من تلقاء الغير فتكون حاجته إلى الغير مقوّمة له ، وإمّا لا من لا تلقاء شيء فيكون استغناؤه عن كلّ شيء مقوّما له. وأعنى بالمقوّم هاهنا ما بحسب نفس ذات الشّيء ، فلا يصحّ أن يستمرّ الذّات المحتاجة غير محتاجة. كما أنّه لا يجوز أن يتسرمد المستغنى عن كلّ شيء محتاجا ، وإلاّ فقد تبدّلت الذّات والحقائق.

فإذن ، الذّات كما تستند إلى جاعل يذوتها ، أى : يفعل نفسها حين الحدوث فكذلك تستند إليه فى الحين المتأخّر ، وفى الحين الأوّل أصل التقرّر وفى الثانى بقاؤه. فهى فى ابتداء تقرّرها وفى استمرارها تتعلّق بالجاعل الّذي يفعلها ويذوّتها. وحاجتها إليه فى فيضانها وبقائها أخيرا كحاجتها إليه فى بدئها أوّلا.

فلو فرض انصرام فيضان نور الفيض من الجاعل الصّانع على عالم التّقرّر فى آن ، لم تبق ذات ذاتا ولا أيس أيسا ولا العالم عالما.

٢٤١

ويعينك على تعقّل ذلك اعتبارك بما استضاء بمقابلة الشّمس ؛ فإنّه كلّما حجب عنها زال ضوؤه. فنفس الذّات هنا بمثابة الضّوء الواقع على الشّيء المستضيء هناك. لكنّ النّور الحقّ القائم بذاته لا يجوز أن يقاس بغيره ؛ إذ الأنوار المفارقة العقليّة ظلمة صرفة صريحة بالقياس إليه ، كالسّواد الحقّ بالنّسبة إلى البياض الصّرف إذا كان غير متناهى البياضيّة فضلا عن النّور الحسّىّ القائم بجرم الشّمس.

فإذن ، إفاضة المفيض الحقّ نفس الذّات المتقرّرة وأيسها مستمرّة متّصلة آنا فآنا ، بحيث لو أمسك عنها آنا رجعت الذّات إلى بطلانها الأزلىّ.

فسبحان الّذي يفعل الذّات ويفيض الوجود ويذوّت المفهوم والماهيّة التّقديريّة ذاتا حقيقيّة ، ثمّ يمسك الذّات ذاتا والوجود وجودا والاتّصاف اتّصافا بقوّته الّتي تمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وتمسك السّماوات والأرض أن تزولا. وَلَئِنْ زٰالَتٰا إِنْ أَمْسَكَهُمٰا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (فاطر/ ٣٥).

وكنّا قد نبّهناك من قبل : أنّ اتّصال الإفاضة آنا فآنا ، إنّما نعنى به : أنّه ـ عزّ مجده ـ يفعل الذّات مرّة واحدة فى الزّمان الشّخصىّ الّذي هو وعاء تقرّرها. فإذا حلّله العقل إلى أزمنة واحد منها آنات صارت تلك الإفاضة الواحدة بعينها مستمرّة فى جميع تلك الأحيان مختلفة بحسب النّسبة إليها. فإذن ، هى بما هى بالنّسبة إليه واحدة وبحسب أفق الزّمان عند التّحليل مستمرّة الذّوات متكثّرة الإضافات إلى الأحيان المتكثّرة عند الوهم.

<٢١> تمويه سفسطيّ وتفضيح فحصيّ

من الغاغة من خاف لومة العقلاء اللاّئمين بقوّة ظنّه الخسيس بأنّ بقاء الذّات مع بطلان العلّة ليس يستوجب استغناء الطباع الفاقر (١٠٦) ، إذ الممكن وإن لم يستغن عن العلّة حال كونه باقيا إلاّ أنّ تلك العلّة لا يجب أن تكون معه فى زمان واحد ، لجواز أن يكون حال بقائه معلّلا بعلّة كانت قبل ، وهى باطلة فى الحال ، فتكون هى أو كانت أوجبت المعلول بعد انفصالها إمّا بذاتها وإمّا بأن أعطته قوّة يبقى بها ، كما فى

٢٤٢

القاسر بالقياس إلى طبيعة المقسور فى الحركة القسريّة. فإذن ، هى فى الزّمان الأوّل رجّحت المعلول فى الزّمان الثانى.

ويفضّحه : ما قد كنّا أوضحنا لك أنّ تأثير العلّة فى المعلول إنّما يكون حال تقرّر المعلول بذلك التّأثير. وذلك لأنّ اتّصافها بالمؤثريّة ليس يجوز أن يكون حال بطلانها ، فالباطل كيف يكون علّة مستقلّة للمتقرّر ، وهل استحالته إلاّ من أوائل الفطريّات ، ولا أن يكون حال تقرّرها. فتأثيرها فى المعلول حينئذ إمّا حال بطلانه فى نفس الأمر ، فيلزم الجمع بين تقرّر الشيء الواحد وبطلانه (١) ، أو ، لا حال تقرّره ولا حال بطلانه ، فيلزم الواسطة فى نفس الأمر ، أو حال تقرّره بنفس ذلك التأثير ، وهو المتعيّن بالتّصديق ، فيجتمع تقرر العلّة وتقرّر المعلول ، فيلزم خرق الفرض. فإذن ، هذا التّجويز مثار الفساد ، وليس يتصوّر إلاّ تأثير العلّة المتقرّرة فى المعلول المتقرّر حين ما هو متقرّر بذلك التأثير.

ثمّ قد تحقّقت أنّ التّأثير ، سواء كان فى الذّات الحادثة أو المستمرّة ، إنّما هو فى نفس الذّات ، والوصف مطلقا لازم الذّات ، خارج عمّا فيه التّأثير. أمّا وصف الحدوث فلازم جوهر الذّات بما هى الذّات ، وأمّا وصف البقاء فلازم ملحق الذّات من جهة استمرار التّأثير فى نفس الذّات. فالتّأثير الاستمرارىّ فى نفس الذّات يستتبع وصف البقاء ، لا أنّه يدخل فيما فيه التّأثير الاستمراريّ.

فإذن ، كيف يعقل أن يؤثّر العلّة المتقرّرة فى الزّمان الأوّل فقط فى تقرّر المعلول فى زمان ثان هى باطلة الذّات فيه ؛ والإضافة إلى الزّمان الأوّل تبطل ببطلان ذلك الزّمان ، فيبطل ببطلانها الترجيح المفروض بحسبها. والباطل لا يرجّح البتّة.

وأمّا توهّم إعطاء القوّة ففاسد ؛ لأنّ تلك القوّة لها أيضا طبيعة إمكانيّة ، فتكون مفتقرة إلى علّة موجبة. والكلام فى بقائها مع بطلان علّتها الموجبة كالكلام فيما عرضت له. ومن قاس العلّة الموجبة بما يجرى مجرى المعدّات فليس طباعه على سنّة البشريّة وشاكلة الإنسانيّة.

__________________

(١). بناء على وجود علّته التّامّة وامتناع تخلف المعلول عنها ، سمع.

٢٤٣

<٢٢> بسط

فقد تبيّن أنّ الفاعل ليس هو فاعل الحدوث ، بل هو فاعل الذّات والوجود ؛ وسبق البطلان صفة للمجعول ذاتيّة. والذّاتىّ لا سبب له ولا يفارق ما هو ذاتىّ له. فلو أراد الفاعل أن يفعل الحادث الزّمانىّ من غير سبق البطلان لما تصوّر ذلك ، فضلا عن أن يتصوّر تحقّقه ، على أنّه لو أمكن أن يفعله من غير سبق البطلان لتمّ ما ريم بيانه ؛ وهو انتساب ما ليس بحادث زمانىّ إلى الفاعل.

فإن لجّ لاجّ وقال : طباع الجعل أن لا يكون إلاّ بعد سبق البطلان ، وقد سبق أنّ سبق البطلان ليس من الجاعل ؛ بل الذّات الّتي منه فى آن ما ، فليكن ذلك الآن متصلا سيّالا فى جملة الزّمان.

فإن أزاغه عن هذا قوله : «إنّ المجعول لا يجعله جاعل» ، فليعلم أنّ المغالطة وقعت فى لفظ «يجعله» ، فإن عنى : أنّ المجعول لا يستأنف له تقرّر مبتدأ فصحيح. وكيف يقال : إنّ المجعول قد استونف له مجعوليّة ، وإن عنى أنّه بما هو هو لا يكون حين المجعوليّة بحيث ماهيّته لا يقتضي التقرّر ، بل شيء آخر هو الّذي منه هذه الذّات المتقرّرة ، فهو ما فيه الخطأ : فإنّه : إمّا أن يجعله الجاعل فى البطلان أو فى حال التّذوّت أو فى الحالين جميعا. ومعلوم أنّه فى حال البطلان ليس مجعولا. ويبطل أيضا بهذا أن يكون مجعولا فى الحالين جميعا. فيبقى أنّه يجعله حين إذ هو مجعول بذلك الجعل ، فيكون المجعول يوصف بأنّه مجعول شيء. وعسى أنّ لفظ «يجعل» يوهم جعلا مستقلاّ ليس فى الحال.

فإن أزيل هذا الإيهام ، صحّ أنّ المجعول يجعل ، أى يوصف : بأنّه مجعول. فكما يقال: إنّه فى حال ما هو مجعول يوصف بالمجعوليّة ، ولا نعنى ب‍ «يوصف» : أنّه فى الاستقبال يوصف ، كذلك لفظة «يجعل». فلسنا نقول : المجعول يستأنف بجعل آخر ، بل إنّه محتاج إلى مستبق ومستحفظ هو جاعله بنفس ذلك الجعل.

٢٤٤

ثمّ كما استوقن ذلك فى جانب المجعول فليستيقن فى جانب الجاعل ، وليحصل أنّه ليس من شرط الجاعل بما هو جاعل أن يكون جعله ذات مجعولة مبتدأة فى زمان ما بعد اللاّجعل فى زمان منقض متقدّم ، بل كلّما كان التّأثير أقدم زمانا وأبقى استمرارا كان الفاعل أفعل وأدوم فعلا.

فكما بيّن أنّ المجعوليّة شيء وصيرورة المجعوليّة شيئا ابتداء ، فى زمان ما بعد زمان سابق شيء آخر ، وليست المجعوليّة تستلزم ذلك ، بل ربما استوعبت جميع الأزمنة ؛ فكذلك الجاعليّة ، أعنى : تذويت الذّات وإفادة الوجود شيء ، وصيرورة الجاعل جاعلا ، أى ابتداءه بالجعل فى زمان ما بعد أزمنة منقضية شيء آخر. وليس من حقّ الجعل ذلك ، بل ربما كان هو إفادة الذّات والوجود فى جميع الأزمنة. وكما الذّات غير حدوث الذّات فكذلك الجعل غير ابتداء الجعل. (١٠٧)

وكلّ ذات هى من الغير فإنّ ذلك الغير جاعلها ، سواء كان فى زمان ما أو فى جملة امتداد الزّمان. فمفهوم الوجوب بالغير بما هو وجوب بالغير لا يمنع الدّوام الزّمانىّ ولا اللاّدوام الزّمانىّ ، بل الواجب بالغير فى جملة الزّمان أحقّ بالوجوب بالغير والتّعلّق به من الواجب بالغير على التّوقيت بشرط خاصّ من الزّمان.

وعند الجمهور من المتشبّهين بأهل النّظر أنّ العلّيّة هى أوّل صيرورة العلّة علّة ، والعلّة هى ما يصير علّة بعد أن لم يكن علّة ، بعديّة زمانيّة. فهم يعتبرون بالإحداث الزّمانىّ فى مفهوم الفعل. والفعل عند الفلاسفة المتهوّسين بقدم المعلولات أعمّ من الإحداث والإبداع ، وبالجملة من جميع ضروب التّأثير ؛

وعند من يحمل عرش نضج الحكمة ، وهو مقنّن الحكمة الحقّة اليمانيّة : الجعل ـ وهو الفعل ـ أعمّ من الإحداث الزّمانىّ والإبداع ، وهو يساوق (١) الإحداث الدّهرىّ ؛ إذ كلّ مجعول ومفعول فهو حادث دهرىّ ، كما أنّه حادث ذاتىّ وإن لم يكن هو معتبرا فى أصل مفهومه. وليس وصف الحدوث الدّهرىّ من تلقاء الجاعل ، بل هو

__________________

(١). أى : بحسب التحقّق ، خلافا للفلاسفة ، لا بحسب المفهوم أيضا ، سمع.

٢٤٥

من تلقاء ذوات المجعولات فهى من تلقاء الجاعل. ثمّ هى بأنفسها موصوفة بالحدوث الدّهرىّ، كما فى الحدوث الذّاتىّ والحدوث الزّمانىّ.

<٢٣> توفية

إنّك قد ميّزت بين ما يدخل فى مفهوم المجعول والمفعول والمصنوع بالذّات وبين ما يقع فى ذلك المفهوم بالعرض ؛ فينبغى أن تجتهد فتحذف عن الفعل كلّ ما يزاد ممّا لا مدخل له فى جوهر المفهوم. وإنّما يجب أن يصدّق به فى مادّة مادّة بأنظار فحصيّة ، بعد العلم بتحقّق أصل مفهوم ، ككون الفعل بعد بطلان المفعول بعديّة بالزّمان ، أو أنّ الفاعل فعل بحركة أو بغير حركة بمباشرة أو لا بمباشرة ، وبآلة أو لا بآلة ، وبطبع أو بتولّد أو بقصد اختيارىّ ، وبإرادة زائدة على ذات الفاعل أو بإرادة هى عين ذات الفاعل. فكلّ ذلك خارج عن حدّ مفهوم اللّفظ.

فلو أورد شيء من ذلك لم ينقض كون الفعل فعلا أو يتضمّن تكريرا فى المفهوم. أمّا النّقض فلو كان مفهوم الفعل يمنع شيئا من تلك الامور. وأمّا التّكرير فلو كان يدخل فيه شيء منها ، فإذن لا يعلم شيء من هذه الامور إلاّ بالنّظر فيما هو وراء مفهوم اللفظ. ومن استوفى مناولة لغة العرب صادف استعمالات للفظة الفعل فى كلّ من هذه الأصناف. على أنّ تفرط النّظر العقلىّ بالبحث عن الأوضاع اللغويّة ليس من سنن الحكماء المتألهين.

وأيضا ، كلّ من اصطلح على ما شاء فلا مشاحّة فيه ، ولا سيّما إذا لم يوجب استضرارا فى الأغراض العلميّة ، وقد استقصينا تداولات أئمّة اللّسان ، فربّما وجدنا الفعل كأنّه أوّل على ذلك المعنى المرسل أو المجرّد. وكلّ من الإيجاد والصّنع كأنّه أشمل لاعتبار شيء آخر. ثمّ إنّ ما حمل أبناء دعوى التّمييز منهم على هذه الظنون المستهجنة لمن سواقط الأوهام المغالطيّة.

أمّا حديث البناء والبنّاء والمنىّ والممنى وسائر ما من ذلك السّبيل فمن باب الأغلاط من جهة أخذ ما بالعرض مكان ما بالذّات. والّتي تظنّ عللا فهى ليست عللا

٢٤٦

بالحقيقة. وسيأتيك جليّة : أنّ علّة كلّ جسم أمر عقلىّ بالضّرورة.

فالبنّاء ليس هو علّة للبيت ، بل هو سبب لتحريك أجزاء البيت إلى أوضاع مختلفة تحصل منها صورة البيت ، وانتهاء تلك الحركة علّة لاجتماع تلك الأجزاء ، والاجتماع علّة لشكل ما ، وحافظ تلك الأجزاء على ذلك الشّكل طبائعها الّتي تحفظ بها تلك الأجزاء أمكنتها. وأيضا ، الموانع الّتي تمنع الأجزاء عن الحركة إلى أماكنها الطبيعيّة ، كالأعمدة والأساطين والحيطان الممسكة للسّقوف.

فإذن ، كلّ علّة مع معلولها ؛ لأنّ البنّاء علّة للحركة. فإذا فقد البنّاء من حيث هو بنّاء ومحرّك فقدت الحركة ، وفقدان الحركة نفس انتهائها ، وانتهاؤها علّة لاجتماع الأجزاء ، واجتماعها على وضع ما علّة لأن يحفظ طائفة من الأجزاء أماكنها الطبيعيّة ، وطائفة تكفّ عن طائفة الزّوال عن أماكنها الاتفاقيّة ، كاللّبن الأوّل فى مكانه الطبيعىّ ، فإنّه يمنع اللّبن الآخر أن يزول عن موضعه الّذي قد اتفق فيه. فإذن ، يتعاون الكلّ على الثّبات ، والبنّاء علّة بالعرض.

وكذلك الأب الممنى علّة بالعرض للابن ؛ إذ هو علّة لتحريك المنىّ إلى القرار ، ثمّ يتحفّظ فى القرار بطبعه أو بمانع يمنعه عن السّيلان ، وهو انضمام فم الرّحم ، ثمّ قبوله للصّورة الإنسانيّة لذاته. وأمّا مفيد الصّوره فهو واهب الصّور.

وكذلك النّار علّة بالعرض لتسخين عنصر ما ، كالماء ، فإنّها ليست تفيد السّخونة ، بل إنّها تبطل البرودة الّتي كانت مانعة من حصول السّخونة فى الماء من تلقاء واهب الصّور ، ثمّ حدوث السّخونة واستحالة الماء إلى النّار فبالعلّة الّتي تكسر العناصر صورها. وأمّا العلل السّابقة فهى معدّات ومعينات على القبول ، وبالجملة علل بالعرض.

ثمّ إنّه ليتلى عليك من ذى عوض ـ إن شاء اللّه تعالى ـ أنّ جاعل الكلّ إبداعا وإحداثا وحفظا وإبقاء هو القيّوم الواجب بالذّات ـ تعالى كبرياؤه ـ وما سواه لا يحلّ أن يعدّ إلاّ من الشّروط والمعدّات والمصحّحات للمجعوليّة. فإذن قد جبّ عرق الغلط من اسّ منبته فى سائر الموادّ على الإطلاق.

٢٤٧

وأمّا قولهم : «تأثير الجاعل فى المجعول الباقى (١٠٨) : إمّا بأن يكون الأثر فى البقاء نفس الذّات المجعولة والوجود المفاد ، فيلزم تحصيل الحاصل وجعل المجعول ، أو أمرا جديدا ، فيكون التّأثير فى ذلك الأمر الجديد ، لا فى الذّات الباقية» ؛ فلقد كرّر عليك اسلوب فساده. فالأثر نفس الذّات والوجود بنفس الجعل الواحد المستمرّ وتحصيل الحاصل بنفس التّحصيل الأوّل ، لا استحالته فيه ، بل هو من الامور الثّابتة بالضّرورة البيّنة.

فإن لوحظت وحدة الذّات المجعولة المستمرّة فى الأزمنة المتكثّرة فى الوهم كان الجعل أيضا واحدا مستمرّ الاتصال ؛ وإن لوحظت كثرة ما فى الذّات المجعولة إضافيّة بحسب الإضافة إلى تلك الأزمنة يكون تكثّر الإضافات إلى تلك الأزمنة قد لحق ذلك الجعل الواحد أيضا. وهناك أيضا أثر جديد وراء نفس الذّات والوجود ، وهو البقاء ؛ فإنّ الجاعل بعد الإحداث يحفظ الذّات ويديمها بإدامة الجعل ، فيفيد الذّات بتلك الإدامة معنى ما هو البقاء ، وهو يعرض الذّات المدامة بدوام الجعل ، وهو المعنىّ بإبقاء الذّات وإدامتها. وعروض ذلك المعنى للذّات يتبع بإدامة الذّات ، أى دوام الجعل ، ولا تنسلخ عنه الذّات ما دامت مستفادة مستحفظة.

وأمّا أنّه إذا كان المتعلق بالجاعل نفس الذّات والوجود ، لا من جهة المسبوقيّة بالبطلان ، يسرى ذلك إلى الفاعل ، بل إلى جاعل الكلّ ـ تعالى عن ذلك ـ فظلم واضح ، أليس مناط التّعلّق بالجاعل كون الذّات غير ضروريّة التّقرّر نفسها ، وكون الوجود وجود الماهيّة ، لا وجود نفسه.

<٢٤> مشاجرات وحكومة

الفلاسفة المتهوّسون بقدم المعلولات لمّا تعطّلت عقولهم عن مسلوك السّلوك الرّوعىّ إلى تعرّف معنى الحدوث الدّهرىّ وتميّزه (١) عن الحدوث الزّمانىّ جعلوا

__________________

(١). أى : بحسب التحقّق لا بحسب المفهوم ، فإنّهم يميّزون بينهما بحسب المفهوم. لكنّهم يقولون : إنّ كلّ حادث دهرىّ فهو حادث زمانىّ أيضا. منه ، قدّس سرّه.

٢٤٨

طائفة من المعلولات وأئمّة الذّوات فى الأعيان وإن كانت حوادث ذاتيّة فى لحاظ العقل ، وحكموا باستنادها إلى جاعل الكلّ ـ عزّ مجده ـ استنادا أزليّا أبديّا (١).

والمتكلمون حيث كانوا أحطّ درجة فى إدراك المعقول وأخسّ نصابا من تعرّف الحقيقة وأشدّ بعادا عن سبل عالم الملكوت جعلوا الأنوار الحادقة أيضا زمانيّات ، وحدوثها حدوثا زمانيّا ، وقاطبة ذوات الممكنات متّصفات بالحدوث الزّمانىّ وأصرّوا فى استنكار استناد الشّيء الدّائم دواما زمانيّا إلى علّة.

ثمّ من فضائح جهالات فئة منهم ، تلقّب بالأشعريّة ، إثباتهم مع القيّوم الواجب بالذّات قدماء ثمانية سمّوها صفات المبدأ الأوّل ـ جلّ ذكره ـ فهم بين أن يجعلوا الواجب لذاته تسعة وبين أن يجعلوها معلولات لذات واجبة هى علّتها. وهذا شيء إن احترزوا عن التّصريح به لفظا فلا محيص لهم من ذلك معنى ، فيكشف أنّهم كاذبون فى دعواهم التّواطؤ على نفى العليّة والمعلوليّة لو اتفق أن كان المعلول أزليّا.

ومعلّم الحكمة اليمانيّة ـ إذ حاول أن يحمل عرش نضج الحكمة فهداه ربّه سواء السّبيل وأراه رواء التّحصيل وجعله من الأمّة الوسط الحاكمة بقسطاس التّعديل ومن الّذين هم قادة القول إلى شرعة صقع الحقّ وطرفة عالم القدس بإراءة الطريق وإقامة الدّليل ـ تعرّف وعرّف أنّ الطبائع الإمكانيّة والهويّات الجوازيّة بأسرها حوادث ذاتيّة وحوادث دهريّة. فطائفة منها مقتصرة على الحدوثين وطائفة أخرى صارت مع ذلك حوادث زمانيّة أيضا. والجميع مخلوقات البارى الفاطر ومفطوراته ، جلّ ذكره.

فإذن ، الفلاسفة إنّما حادوا عن الحقّ وانصرفوا عن حقيقة الحكمة إلى شبح الفلسفة فى جعلهم الطبائع المعلوليّة والحقائق الجوازيّة دائمة الذّوات فى الأعيان ، غير مسبوقة بالبطلان فى الخارج أصلا ، لا فى إسنادهم المستوعبات بجميع الأزمنة ـ وهى الذّوات الزّمانيّة الموصوفات بالدّوام الزّمانىّ ـ إلى تأثير الجاعل السّرمديّ ، تعالى مجده.

__________________

(١). سواء كان ازليّا زمانيّا ، كحركات الأفلاك ، أو أزليّا دهريّا سرمديّا ، كالمفارقات المحضة عندهم. منه ، طاب ثراه.

٢٤٩

والمتكلّمون إنّما استشمّوا رائحة الحقّ فى إثبات سبق البطلان على ذوات المعلولات قاطبة ، لا فى تحصيل أنّ ذكر السّبق من أىّ الأنواع ، ولا فى قصرهم الإمكان على الحقائق الزّمانيّة ولا فى نفيهم معلوليّة ما لا يكون حادثا زمانيّا ، ومنعهم إسناد الدّائم بالدّوام الزّمانىّ الّذي ليس هو دواما فى وعاء الدّهر ، بل هو عدم اختصاص الحدوث فى الأعيان بزمان بعينه إلى العلّة الجاعلة.

ثمّ إنّ أكثر المتكلّمين لمّا لم يحصّلوا مذهب الفلاسفة ظنّوا بهم أنّهم لم يثبتوا قدرة اختياريّة للقيّوم الواجب بالذّات ، بل قدرة على سبيل الإيجاب ، وتوهّموا أنّ منشأ الخلاف فى قدم العالم وحدوثه إنّما هو الخلاف فى الإيجاب والاختيار ، والمعلول الأزلىّ يصحّ إسناده إلى الفاعل الموجب دون المختار ، لوجوب تقدّم القصد الاختيارى على تحقق الأثر المعلول قطعا.

وليس لهذه الظّنون والأوهام مبدأ فى كلام الفلاسفة ، ولا مناط فى أصول العلم وقوانين الحكمة بوجه من الوجوه أصلا. ولا خلاف هناك فى صفة الاختيار ، بل ليس يعقل. وإنّما الخلاف فى قدم العالم وحدوثه فقط. ولو فرض الخلافان فليس بينهما تعلّق لزومىّ ؛ إذ يمكن إسناد المعلول الأزلىّ إلى الفاعل الموجب وإلى المختار ، كما يمكن إسناد الحادث إليهما ، وتقدّم الاختيار يجوز أن يكون بالذّات كما يكون بالزّمان. فسبق الإيجاد قصدا كسبق الإيجاد إيجابا فى جواز كونهما بالذّات دون الزّمان وفى جواز كون أثرها قديما.

والفلاسفة لم يذهبوا (١) إلى أنّ الأزلىّ يستحيل أن يكون فعلا لفاعل مختار ، بل ذهبوا إلى أنّ الفعل الأزلىّ يستحيل أن يصدر إلاّ عن فاعل أزليّ تامّ فى الفاعليّة وأنّ الفاعل الأزلىّ التّامّ فى الفاعليّة يستحيل أن يكون فعله غير أزليّ.

ولمّا كان العالم عندهم فعلا أزليّا أسندوه إلى فاعل أزليّ تامّ فى الفاعليّة ، وذلك فى علومهم الطبيعيّة. وأيضا لمّا كان المبدأ الأوّل عندهم أزليّا تامّا فى

__________________

(١). دفع لما نسبوه إلى الفلاسفة ، من أنّ الأزلىّ لا يستند إلى المختار ، سمع.

٢٥٠

الفاعليّة حكموا بكون العالم الّذي هو فعله أزليّا (١٠٩) ، وذلك فى علومهم الإلهيّة. ولم يذهبوا أيضا إلى أنّه ، تعالى ليس بقادر مختار ـ حاشاهم عن ذلك الظنّ القبيح والقول الفضيح والكفر الصّريح ـ بل إنّما ذهبوا إلى أنّ قدرته واختياره لا يوجبان كثرة فى ذاته الواحد الأحد الحقّ ، وأنّ فاعليّته ليست كفاعليّة المختارين من الحيوانات ، فضلا عن كونها كفاعليّة المجبورين من ذوى الطّبائع الجسمانيّة.

وقد بلغوا فى وصفهم وحدة البارئ الأوّل وقدرته وإرادته المبلغ الأقصى والدّرجة القصوى ، لكنّهم زاغوا عن الحقّ فى إشراكهم بربّهم بعض مصنوعاته فى القدم السّرمديّ ولم يجعلوا فى إزائه الحدوث الدّهرىّ ولم يميّزوا الأزليّة السّرمديّة عن الأزليّة الزّمانيّة ، ولم يتحققوا أنّ طباع الإمكان يأبى إلاّ الحدوث الدّهرىّ.

فلذلك كانت الحقائق الجوازيّة والذّوات الإمكانيّة مسبوقة بالبطلان فى وعاء الدّهر ، مع أنّ فاعلها أزليّ سرمدىّ تامّ فى الفاعليّة. فالقصور من جوهر القابل ، لا من تلقاء الفاعل. والنّقص طباع الإمكان والكمال ذاتيّ الوجوب. فهناك يمتحق ما تمثّلوا به ، فقالوا : ليس الشّعاع من الشّمس وليس الشّمس من الشّعاع ، وإن دام بدوامها.

فلا تتعجّب من كون الحقّ قائما بالقسط ، وما يضرّ الشّمس دوام شعاعها وبقاء ذرّات فى نورها؟ وهذه الحقائق مضمون عنها بالتّبيان من قبلنا فى مستقبل القول إن شاء اللّه تعالى.

<٢٥> ذيل

للاغترار بتلك الظنون الفاسدة أقدم مثير فتنة التّشكيك على أنّ التّحقيق أنّ الخلاف هاهنا بين الفلاسفة والمتكلمين لفظيّ ، لأنّ المتكلّمين جوّزوا أن يكون العالم على تقدير كونه أزليّا معلولا لعلّة أزليّة ؛ لكنّهم نفوا القول بالعلّة والمعلول ، لا بهذا الدّليل ، بل بما دلّ على وجوب كون المؤثّر فى وجود العالم قادرا. وأمّا الفلاسفة فقد اتفقوا على أنّ الأزلىّ يستحيل أن يكون فعلا لفاعل مختار. فإذن ، حصل الاتّفاق على أن كون الشيء أزليّا ينافى افتقاره إلى القادر المختار ولا ينافى

٢٥١

افتقاره إلى العلّة الموجبة. فقد ظهر أنّه لا خلاف فى هذه المسألة.

ففضّحه بعض من يحمل عرش التّحقيق والتّحصيل : بأنّ هذا صلح من غير تراضى الخصمين. وذلك لأنّ المتكلمين بأسرهم صدّروا كتبهم بالاستدلال على وجوب كون العالم محدثا من غير تعرّض لفاعله ، فضلا عن أن يكون فاعله مختارا أو غير مختارا. ثمّ ذكروا بعد إثبات حدوثه أنّه محتاج إلى محدث وأنّ محدثه يجب أن يكون مختارا ، لأنّه لو كان موجبا لكان العالم قديما. وهو باطل بما ذكروا أوّلا.

فظهر أنّهم ما بنوا حدوث العالم على القول بالاختيار ، بل بنوا الاختيار على الحدوث، وأمّا القول بنفى العلّة والمعلول فليس بمتّفق عليه عندهم ؛ لأنّ مثبتى الأحوال من المعتزلة قائلون بذلك صريحا. وأصحاب هذا الرّجل ـ أعنى الأشاعرة ـ يلتزمون ، فى القدماء الثّمانية الّتي يثبتونها مع المبدأ الأوّل ، بالمعنى وإن لم ينصّوا عليه باللفظ. فقد ظهر أنّهم غير متّفقين على القول بنفى العلّة والمعلول مع اتّفاقهم على القول بالحدوث.

وأمّا الفلاسفة ، نقد أثبتوا للمبدإ الأوّل القدرة والاختيار على أكمل الوجوه ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّ الفاعل المختار الأزلىّ إذا كان تامّا فى الفاعليّة فإنّ فعله يكون أزليّا.

ويفضّحه أيضا : أنّه كيف لا يكون هاهنا خلاف ، وبين الخلاف فى علّة الحاجة أهى الإمكان أو الحدوث وبين هذا الخلاف تلازم متكرّر من الطرفين. والأوّل ثابت عند هذا الرّجل.

<٢٦> مصباح إضائيّ

إذ قد تحققت : أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه إلاّ بعلّة مرجّحة من خارج ، والأولويّة بالنّظر إلى الذّات مستحيلة الجواز ، ككفّتى الميزان المتساويتين لا يمكن أن يترجّح إحداهما على الاخرى من غير أن ينضاف إليها شيء آخر ؛ فالآن تعرّف أنّ تلك العلّة لا بدّ أن توجب الطرف الرّاجح الّذي هو معلولها. فالأولويّة الخارجيّة الغير البالغة مبلغ الوجوب غير مجدية ، كما ظنّه قبائل من العامّة المتسمّية

٢٥٢

بالمتكلمين ، بل إنّ مناط الفعليّة هو الوجوب ، والممكن يجب أن يجب بالعلّة وبالقياس إليها ، وإلاّ لم يصحّ أن يتقرّر ، وعليّته يجب أن تجب بالقياس إليه فقط ، ويمتنع أن تجب به.

أليس إذا لم يكن واجبا عند وجود العلّة بها وبالقياس إليها ، بل كان أولى ، فحسب ، كان فى حدّ الإمكان عنه بعد ، إذ لا وجه للامتناع عنه ، فكان مع تلك الأولويّة وبحسبها يجوز أن يتقرّر وأن لا يتقرّر غير متعيّن التّخصّص بأحدهما. فيعود طلب سبب التّرجيح جذعا (١) ، إذ الأولويّة مشتركة بين الطّرفين ومتحفظة فى الصّورتين ، فإذن هى مستوية النّسبة إلى الأمرين مع انحفاظ تحقّق العلّة واستمرار ذاتها.

فيكون الممكن المعلول مع تلك الأولويّة يحتاج من رأس إلى حصول شيء ثالث ، يتعيّن له به التّقرّر عن البطلان أو البطلان عن التّقرّر عند حصول العلّة. ثمّ هو أيضا غير مفيد الوجود ، بل إنّما بحسبه الجواز ، فلا يقف الطلب ويتمادى الأمر إلى نهاية. وإذن فى كلّ مرتبة لا يكون ما فرض سببا بسبب ، ويلزم خرق الفرض متماديا إلى لا نهاية أيضا.

وإذا تمادى إلى لا نهاية لا يكون مع ذلك فضل تعيّن للتغيّر أو للاّتقرّر ؛ إذ كلّ من المراتب الغير المتناهية ، كالمرتبة المبتدأة فى استواء النّسبة الأولويّة فيها مع فرض حصول ما فرض سببا إلى طرفى الفعليّة واللاّفعليّة ، فيكون ـ مع حصول تلك الأسباب المتمادية إلى لا نهاية بأسرها مجتمعة ـ استواء تلك النّسبة باقيا على شأنه ، فإذن ، ذلك التّمادى (١١٠) ليس يفيد تعيّنا لأحد الأمرين بالضّرورة.

فإذن تبيّن أنّ هذا محال ، لا من جهة أنّه ذاهب إلى لا نهاية فى العلل ؛ لأنّ ذلك فى هذا الموضع ، بعد ، مشكوك فى إحالته إلى أن يحين حين أن نبرهن استحالته ، بل من جهة أنّه مع ذلك لم يحصل ، بعد ، ما به يتخصّص ما قد فرض متخصّصا بأحد الأمرين.

[وبالجملة ، الوجوب يبتّ النّسبة الجوازيّة إلى العقليّة واللاّفعليّة ويعيّن أحد

__________________

(١). فلان فى هذا الأمر جذع ، أى : أخذ فيه حديثا.

٢٥٣

الأمرين] ويقطع الطّلب ويكفى لتحقق وجوب الوجوب ، ووجوب وجوب الوجوب وهكذا إلى حيث يلحظ العقل دون الأولويّة وأولويّة الأولويّة ، وهكذا جملة الأولويّات اللاّمتناهية ، لانحفاظ كلّ واحدة منها والجملة جميعا مع كلّ من الفعليّة واللاّفعليّة لبقاء جملة الأولويّات الغير المتناهية على حالها فى كلّ من الصّورتين لفرض جواز كلّ منهما مع تلك جميعا ، وإلاّ كان يلزم من الجوازيّات الصّرفة نسبة وجوبيّة بتيّة. وذلك خرق الفرض ، مع أنّه بعينه رجوع عن الباطل المأمول للمستنكر إلى الحقّ المقصود للمستثبت.

فقد صحّ إذن أنّ كلّ ما هو ممكن التّقرّر لا يتقرّر ولا يوجد ما لم يجب تقرّره ووجوده بعلّته وبالقياس إلى علّته ، فإذن لا يتصوّر إلاّ أن يكون ترجيح العلّة للمعلول إيجابا ورجحان المعلول عنها وجوبا ، وما لم يكن كذلك لم تكن العلّة علّة ولا المعلول معلولا.

فإذن ، تحدّس من ذلك أنّ كلّ علّة يجب أن تكون واجبة فى عليّتها ، إذ لو كانت ممكنة العليّة لم يكن تقوى بما هى علّة بالجواز على أن تصير مبدءا للإيجاب والوجوب.

فإذن ، العلّة الاولى كما يجب أن تكون واجبة لذاتها كذلك يجب أن تكون واجبة فى عليّتها ، فهذا سبيل آخر إلى تعرّف أن المبدأ الأوّل ـ تعالى ذكره ـ بذاته واجب العليّة. كما أنّه بذاته واجب التقرّر والوجود ، إذ مطلق العليّة يجب أن يكون بالوجوب ، ولا وجوب هناك من غير الذّات ، وعسى أن يعوزك أن تستجدى هذا السّرّ فى عدّة مسائل ربوبيّات.

<٢٧> استضاءة

هل قرع سمعك قولنا : «كلّ ممكن محفوف بوجوبين سابق ولاحق». فما حقّقناه الآن هو الوجوب السّابق الآتى من تلقاء الجاعل أوّلا ثمّ الذّات والوجود ،

٢٥٤

وبإزائه الامتناع السّابق النّاشى من اقتضاء العلّة. ويلزم من إيجاب العلّة الجاعلة الطرف المقابل والذّات المتقرّرة بحسب تقرّرها فى زمان التقرّر ووجودها فى زمان الوجود على اللّحاظ التّحيّثىّ ، وهو الوجوب اللاّحق يلحق بعد التّقرّر والوجود ، ويسمّى الضّرورة بحسب المحمول. وفى إزائه الامتناع اللاّحق بشرط المحمول.

فإذا أخذ الممكن بالنّسبة إلى جاعله المستجمع لمنتظرات المجعول ومصحّحات المجعوليّة كان له منه وجوب التقرّر وبحسبه امتناع البطلان ما دام هو على الاستجماع. ويستتبع ذلك وجوب الوجود وامتناع العدم. والجاعل يعطى هذا الوجوب أوّلا ويفعل الذّات والوجود ، وعدم العلّة التّامّة يقتضي وجوب البطلان ووجوب العدم أوّلا ، ثمّ البطلان والعدم.

وإذا أخذ من حيث إنّه متقرّر ما دام متقرّرا كان لحقه وجوب التقرّر والوجود وامتناع البطلان والعدم ، أو من حيث إنّه باطل ما دام باطلا كان فى اعتبار العقل يلحقه وجوب البطلان والعدم وامتناع التقرّر والوجود.

فكلّ ممكن ، سواء كان متجوهر الذّات أو باطل الذّات ، فإنّه محفوف فى لحاظ العقل بوجوبين وامتناعين. وليس يمكن الخلوّ عنهما بحسب نفس الأمر أصلا ، لا باعتبار التقرّر ولا باعتبار البطلان وإن كان ذات الممكن بما هو على طباع الإمكان ليس لذاته من حيث هو هو شيء من ذلك.

أمّا عدم الخلوّ عن الوجوب السّابق تقرّرا وبطلانا وكذلك الامتناع السّابق المساوق له فكأنّه قد تمّ عندك بيانا. وأمّا الوجوب اللاّحق وكذلك الامتناع اللاّحق المساوق له فلأنّ التقرّر والبطلان والوجود والعدم فيكون منافيا لإمكان البطلان فى زمان التقرّر وإمكان العدم فى زمان الوجود. فهل ذلك إلاّ اقتران النّقيضين ، وهو ممتنع.

فإذن كان البطلان فى زمان التقرّر والعدم فى زمان الوجود ممتنعا على المتقرّر الموجود ، فيكون التقرّر فى زمان التقرّر واجبا والوجود فى زمان الوجود بالضّرورة. وكذلك البطلان فى زمان البطلان والعدم فى زمان العدم.

وكما السّابقان وجوب بالغير وامتناع بالغير فكذلك اللاّحقان أيضا وجوب بالغير

٢٥٥

وامتناع بالغير. ولسنا نعنى بشرط التقرّر والوجود فى اللاّحقين أنّ معروض الوجوب اللاّحق هو الذّات المتقرّرة مع تكرار التقرّر والموجودة مع تكرار الوجود ويرجع إلى الذّات مع حيثيّة ما هى من الاعتبارات العقليّة ، أى مجموع الذّات ومفهوم التقرّر أو مفهوم الوجود أو الذّات المحيّثة على سبيل التّقييد البحت دون دخول القيد.

فالماهيّات الاعتباريّة وراء الذّوات المتأصّلة المعروضة للوجوب والامتناع ، بل إنّا إنّما نعنى أنّ (١١١) نفس الذّات المتقرّرة معروض الوجوب السّابق واللاّحق جميعا. لكنّ الذّات المتقرّرة بعينها متأخّرة بالذّات عن وجوبها السّابق ومتقدّمة على وجوبها اللاّحق ، والوجوب اللاّحق ليس يمكن أن يخلو عند عقد ما فعلىّ أبدا ؛ لكنّه لا ينسلخ عن مقارنة جواز الارتفاع بالنّظر إلى الذّات ، واسم الوجوب يقع عليهما لا بالتّساوى.

وسبيل إسباغ القول على ما أدّت إليه الحكمة الميزانيّة اليمانيّة أن يقال : الضّرورة فى العقود إمّا ضرورة مطلقة ، وهى الذّاتيّة الأزليّة السّرمديّة ، كقولنا : «اللّه تعالى موجود بالضّرورة أو عالم بالضّرورة» ، أو ضرورة غير مطلقة.

وهى إمّا معلّقة بوصف على أنّها مع ذلك الوصف لا بسببه. وهى الذّات المقيّدة مع الوصف. كقولنا : العقل جوهر مفارق ، أو الإنسان حيوان. فإنّا لا نعنى بذلك : أنّ العقل سرمدا جوهر مفارق ، أو الإنسان لم يزل ولا يزال حيوانا ؛ بل نعنى : أنّ العقل ما دام متقرر الذّات فى وعاء الدّهر. وذلك لا يكون إلاّ بعد إفاضة الجاعل البتة ، فإنّه يصدق عليه الحكم الإيجابيّ بأنّه جوهر مفارق. وكذلك الإنسان ما دام متقرّر الذّات من تلقاء الجاعل ، فإنّه حيوان.

وإمّا معلّقة بشرط على سبيل الاستناد إليه ، لا تعليقا على سبيل مجرّد المعيّة. وهى الّتي يقال لها المشروطة. والشّرط إمّا داخل العقد وإمّا خارج عنه. والدّاخل إمّا متعلق بالموضوع وإمّا متعلق بالمحمول. والمتعلق بالموضوع إمّا ذاته وإمّا صفته الموضوعة معه. والمتعلق بالمحمول واحد ، لأنّه إمّا وصف وليس له ذات تباين ذات الموضوع. والخارج إمّا بحسب وقت بعينه أو لا بعينه.

فجميع أقسام الضّرورة سبعة : واحدة مطلقة ذاتيّة سرمديّة ، وواحدة ذاتيّة غير

٢٥٦

أزليّة ولا مطلقة ؛ بل مع الوصف ، وخمسة مشروطة.

واعتبار هذه الأقسام فى جانبىّ الإيجاب والسّلب واحد غير مختلف إلاّ فى شرط المحمول ؛ فإنّك إذا قلت : زيد ليس بكاتب ما دام كاتبا لم يصحّ ، بل إنّما يصحّ إذا قلت : ما دام ليس بكاتب. وحينئذ صيّرت السّلب جزءا من المحمول ، فعادت القضيّة موجبة لا سالبة. والضّرورة بشرط المحمول لا يخلو عنها قضيّة فعليّة أبدا. فإذا صحّ ج ب ، فإنّه يكون بالضّرورة بحال كونه ب ، وهى ضرورة متأخّرة عن الوجود لا حقة به. وسائر الضّرورات متقدّمة على الوجود موجبة إيّاه. ونعنى بحال التقرّر والوجود ما يعمّ وعاء الدّهر والأحيان الزّمانيّة. وهناك شكوك أخلدت بالأذهان فى هذه الأحكام ، فحريّ بنا أن نحلّها حلاّ ونقلع بنيانها عن المقام قلعا.

<٢٨> تشكّك وفحص

لقد وعيت ما أوعيناه سمعك ، من أنّه إذا وقع أحد طرفى الممكن وقتا مّا : فإن قيس طرفه الآخر إلى ذاته من حيث هو كان ممكنا له ، فى ذلك الوقت البتة ، وإن قيس إلى ذاته من حيث له فعلّيّة ذلك الطرف كان ممتنعا عليه ، لا بحسب الذّات ، بل بحسب تقييده بما ينافيه ، فهو امتناع لا حقّ بالغير ، وبإزائه للطرف الواقع وجوب بالغير لاحق.

فإن وقع إليك تشكّك بعض المشككين فيه : بأنّ ذات الممكن مأخوذا مع أحدهما يمتنع له الآخر امتناعا ذاتيّا نظرا إلى المجموع. وكيف لا ، واجتماع النّقيضين محال لذاته. وليس ذلك ينافى إمكانه للذّات من حيث هى وحده ، فيكون ما بإزائه لا محالة وجوبا ذاتيّا لا بالغير.

فقد أوضح لنا الفحص : أنّ الطرفين هناك مقيسان إلى نفس الذّات بما هى نفس الذّات ، لا إلى الذّات بما هى على فعليّة أحدهما ، فلا امتناع هناك إلاّ بالغير ، واجتماع النّقيضين وإن كان مستحيلا لذاته لكن صدق أحدهما فى زمان صدق

٢٥٧

الآخر ممتنع لا لذاته ، بل لصدق الآخر. ولولاه لم يستلزم اجتماع النّقيضين. فإذن ، الممكن المطابق للواقع يمكن نقيضه بالذّات ويستحيل بالغير. فالإمكان الذّاتىّ مقابل الامتناع الذّاتىّ ، والإمكان الوقوعىّ بحسب نفس الأمر مقابل الامتناع مطلقا ؛ فإنّ صدق المطلقة الوقتيّة يستحيل لصدق الدّائمة. وما يقال : إنّ دوام الإيجاب ينافى إمكان السّلب ، فينبغى أن يعنى فيه إمكان السّلب بالنّظر إلى الذّات ، لا بحسب الوقوع فى نفس الأمر.

ثمّ إن قيس الطرفان إلى الذّات من حيث الفعليّة كان امتناع الطرف الآخر بحسب تلك الحيثيّة الّتي هى كالجزء ، فلم يلزم أيضا أن يكون الامتناع ذاتيّا ، بل إنّما هو بالنّظر إلى المقيس إليه بحسب ما جرى مجرى جزء ما منه.

فإن أوهم ذلك : أنّ المقيس إليه يرجع إلى أن يكون من الامور الاعتباريّة ، إذ الملحوظ هو الذّات المتقرّرة ما دامت متقرّرة على تكرير التقرّر وتقييد الذّات بهذه الحيثيّة الّتي هى صنعة العقل. فإذا مجموع الذّات مع القيد أو الذّات المعتبرة على سنّة التّقييد لا يكون إلاّ من الاعتباريّات العقليّة فكيف (١١٢) يكون معروض الوجوب.

قيل : نحن لا نروم أنّ مفهوم هذا الملحوظ له الوجوب اللاّحق ، بل إنّما نحن رائمون أنّ ما هو مبدأ هذا اللّحاظ فى نفس الأمر ، وهو الذّات المتقرّرة فى زمان تقرّرها ، أعنى ما لو حاول العقل أن يعبّر عنه كرّر التقرّر وحيّث الذّات ، وليس فى نفس الأمر إلاّ مصداق هذا التّحيّث ، ومصحاح هذا التّعيين هو ما يجب تقرّره فى ذلك الحين وجوبا لاحقا ويمتنع سلخ ذلك التقرّر عنه بحسب نفس الأمر امتناعا ، كذلك.

وبالجملة ، العقل يشهد أنّ الوجوب اللاّحق يعرض الذّات المتقرّرة حين لا يلحقها فى نفس الأمر. وإن شئت ساغ لك أن تجعل المعروض نفس الذّات بما هى الذّات من حيث هى ، والعارض وجوب التقرّر حال التقرّر على أن يقع التّحيّث فى حيّز متعلق العارض دون المعروض بأن يضاف الوجوب أوّلا إلى تقرّر الذّات حال تقرّرها ؛ ثمّ يلحظ عروض هذا المضاف للذّات بما هى هى ، ويلحق عروض الذّات من حيث هى بعد التقرّر لا محالة.

٢٥٨

فإذا تقوّى ذلك لديك ، فما أسهل أن يظهر لك سخافة ظنّ بعض متأخّرة المقلّدين: إنّ قياس الطّرف الآخر إلى الممكن له اعتبارات.

أحدها : أن يقاس إلى ذات الممكن من حيث هى مع عزل النّظر عن الواقع فيها. وبهذا الاعتبار يكون ممكنا لها فى ذلك الوقت ، بل فى جميع الأوقات.

وثانيها أن يقاس إليها بحسب تقيّدها بالطرف الواقع على أن يكون قيد الآخر. وحينئذ إن اعتبر ثبوت الطرف الآخر لنفس الذّات المقيّدة بذلك الطرف من حيث هى من غير أن يكون للتقيّد دخل فيها ثبت له الطرف الآخر يكون ممكنا لها دائما وممتنعا لها بالغير فى ذلك الوقت. وإن اعتبر ثبوته لها لا من حيث هى تقيّدها بذلك الطرف فقد يكون الطرف الآخر ممكنا ، بل واقعا. وقد يكون ممتنعا بالذّات ، مثلا ، إذا اعتبر الممكن الموجود من حيث إنّه موجود بحيث يكون للتقييد بالوجود دخل فيما ثبت له الطرف الآخر ، فالعدم ممكن بل واجب. ولا يلزم من هذا اجتماع النّقيضين ؛ لأنّ الموصوف بأحدهما الذّات من حيث هى وبالآخر الذات من حيث التقيّد. وإذا اعتبر الممكن المعدوم من حيث هو معدوم كذلك فالوجود ممتنع له بالذّات.

وثالثها : أن يقاس إليها مع تقيّدها بحيث يكون المقارن جزءا لما ثبت له الطرف الآخر. ويتأتى فيه أيضا التّقسيمان المذكوران فى الثّاني. وتوهّم لزوم اجتماع النّقيضين هنا أبعد.

فقد حصل من ذلك أنّ ما وقع هذه الاعتبارات بالقياس إليه فى الاعتبارين الأوّلين ممكن بالذّات وفى الأخيرين ممتنع بالذّات.

<٢٩> شكّ وحلّ

ولعلّك تقول : ألست تحكم أنّ البطلان فى زمان التقرّر بالنّظر إلى الذّات من حيث هى هى. فكيف حكمت أنّ ذلك وجوب بالغير لا بالذّات ، وأنّه لا ينسلخ عن مقارنة جواز العدم بالنظر إلى الذّات قطعا.

٢٥٩

فيقال لك : أمّا فظنّك مسلف البيان ومسلف القول فيما يستأهل هذا النّمط أنّه ريثما يمتنع البطلان حين التقرّر على الذّات بما هى هى يجب أن يجب للذّات اللاّبطلان حين التقرّر ، وهو أعمّ من التقرّر حين التقرّر ومن البطلان رأسا فى الآزال والآباد. فلا يلزم من وجوب هذا الأعمّ وجوب ذلك ، بل يمكن بالنظر إلى الذّات بما هى هى ارتفاع التقرّر حين التقرر عنها فى ضمن البطلان فى الآباد والآزال رأسا.

فإذن ، وجوب التقرّر حين التقرّر إنّما يلحق الذّات بعد فرض التقرّر. فإذا تقرّرت وجب اتّصافها بالآباد إذا لم يكن للتقرّر وقوع أبدا ، فلم يكن التقرّر حين التقرّر إلاّ مجرّد مفهوم ليس هو عنوانا لشيء ممّا تقرّر فى نفس الأمر أصلا. فإذن ، لحوق هذا الوجوب متوقف على وقوع التقرّر على كلّ ما يتوقف عليه ذلك التقرّر. فإذن ، هو لا محالة وجوب بالغير ويمكن الانسلاب عن ذات الممكن بذاته البتّة.

<٣٠> وفاء شكّين ووقاء فحص

كأنّ متحيّن وقت التّشكيك يقول : أليس قد سبق أنّه لا يتصوّر لذات واحدة بعينها إمكانان أو وجوبان وإمكانا وجود أو وجوبا وجود. وكيف يتصوّر ذات بعينها ولا ضرورة لها ، وضرورة الوجود بالقياس إلى ذات بعينها أو لا ضرورته؟

فإذن ، ما خطبكم تقسمون الوجوب إلى وجوب سابق ووجوب لاحق لتقرّر الذّات الواحدة وللوجود بالقياس إليها. وأ ليس قولكم سالفا : الواجب بالذّات لا يكون واجبا بالغير ، إذ الوجوب بالغير لا يعرض إلاّ الممكن بالذّات ؛ وقولكم فى هذا الموضع : الوجوب اللاّحق وجوب بالغير ، ولا يخلو عنه عقد ما فعلىّ أبدا من الأقوال المتناقضة والأحكام المتصادمة.

فقولنا : «القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ متقرّر وموجود» ؛ عقد فعليّ. فإذا لزمه الوجوب (١١٣) اللاّحق ، كان يلزم أن يكون الواجب بالذّات واجبا بالغير ، تعالى عنه. فيقال له : صحّ امتناع أن يتكرّر الإمكان أو الوجوب بالقياس إلى شيء واحد ، والوجود بأنّ السّابق واللاّحق ليسا بالقياس إلى شيء واحد بالحقيقة.

٢٦٠