غريب القرآن وتفسيره

أبي عبدالرحمن عبدالله بن يحيى بن المبارك اليزيدي

غريب القرآن وتفسيره

المؤلف:

أبي عبدالرحمن عبدالله بن يحيى بن المبارك اليزيدي


المحقق: محمّد سليم الحاج
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين ، سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم آمين.

وبعد ، فإن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد تكفل الله تعالى بحفظه على مدى الدهور والأزمان ، ودعا الناس إلى تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، وقد أخبر الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه المخرج من كل فتنة والمنجي من كل بلاء ، ووصفه قائلا : «فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الردّ ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ،) من قال به صدّق ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.»

لذا كثرت التصانيف قديما وحديثا حول العلوم القرآنية وتنوعت بتنوع الموضوعات ، فمنها ما اهتم بالتفسير ، ومنها ما اهتم بالإعراب ومنها ما تناول الناسخ والمنسوخ ، ومنها ما تحدث عن الوقف والإبتداء ، ومنها ما بحث وجوه الإعجاز ، ومنها ما شرح اللفظ الغريب ...

١

والكتاب الذي بين أيدينا ، والذي نقدمه للقارىء الكريم ، هو أحد مصنفات علم الغريب الكثيرة ، إذ حظي هذا العلم بكثير من الإهتمام ، وهذه المصنفات منها ما درس وحقق ونشر ، ومنها ما زال محفوظا في مكتبات عربية وأجنبية ، وبحاجة إلى من ينفض عنه غبار السنين.

وتكمن قيمة هذا الكتاب في كونه نهج منهجا وسطا بين أمثاله ، فالشرح فيه ليس بالكثير الممل ولا بالقليل المخل ، أضف إلى ذلك أن مؤلفه هو الإمام عبد الله بن يحيى اليزيدي ، أحد الأعلام الكبار ، وأحد تلاميذ كبار أئمة اللغة والنحو والقرآن ؛ أبي عمرو بن العلاء ويحيى اليزيدي والفراء.

وتزداد قيمة هذا الكتاب وأهميته إذا ما علمنا أنه ألف قبل كثير من الكتب المشهورة التي ألفت في هذا الموضوع ككتاب ابن قتيبة ، وكتاب المفردات للراغب الأصفهاني مثلا. كما أن للكتاب قيمته التاريخية إذ أن مؤلفه توفي سنة ٢٣٧ ه‍.

وأخيرا أرفع أكف الدعاء إلى الله تعالى راجيا أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يجعل هذا الكتاب من العلم الذي ينتفع به ومن العمل الذي لا ينقطع. إن ربي سميع الدعاء.

محمد سليم الحاج

٢
٣
٤

مقدمة التحقيق

علم غريب القرآن.

نسبة الكتاب.

رواة الكتاب.

المؤلف.

قيمة الكتاب.

مواصفات النسخة المخطوطة.

٥
٦

علم غريب القرآن

معنى الغريب :

تدل مادة «غرب» في اللغة على معنى البعد والغموض والخفاء (١) قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي : (٢) «الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم ، كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل ، والغريب من الكلام يقال به على وجهين : أحدهما أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر ، والوجه الآخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب ، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها» وهذا المعنى الأخير

__________________

(١) قال الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط : الإغراب الإتيان بالغريب وغرب غاب وبعد ، وغرب غمض وخفي. وقال الفيّومي في المصباح المنير : غربت الشمس تغرب غروبا بعدت وتوارت في مغيبها ، وغرب الشخص غرابة بعد عن وطنه فهو غريب ، وأغرب جاء بشيء غريب ، وكلام غريب بعيد من الفهم. وقال الزمخشري في أساس البلاغة : تكلّم فأغرب إذا جاء بغرائب الكلام ونوادره ، تقول : فلان يعرب كلامه ويغرب فيه وفي كلامه غرابة ، وقد غربت هذه الكلمة أي غمضت وخفيت فهي غريبة ومنه : مصنف الغريب.

(٢) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٣.

٧

هو المقصود بالقول «غريب القرآن» وليس المراد بالغريب الوحشي المخلّ بالفصاحة لتنزه القرآن الكريم عن ذلك ، فهو أفصح كتاب وأسمى بيان.

نشأة علم الغريب :

أنزل الله تعالى القرآن الكريم على الرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلسان عربي مبين. قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١) وقد نزل القرآن في عصر ازدهرت فيه اللغة العربية ، ولم يكن قد داخل الألسنة شيء ممّا داخلها بعد ذلك حين اختلط العرب بغيرهم من أبناء البلاد التي اعتنقت الإسلام. ولكنهم لم يكونوا سواء في الفهم والذكاء ، كما أنهم لم يكونوا سواء في قربهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بعدهم عنه ، لذلك كانوا إذا ما أشكل عليهم أمر سألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأزال الإشكال ووضّح وبيّن ، وقصة عدي بن حاتم ذائعة مشهورة ، قال : «قلت يا رسول الله : ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ، ثم قال : بل هو سواد الليل وبياض النهار» (٢).

وروى أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود قال : «لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شقّ ذلك على الناس فقالوا : يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ قال : إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) إنما هو الشرك (٣).

وانتقل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وظل الصحابة الكرام يتوقفون عند كلمات لم يعرفوا معناها ، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، عند ما سئل عن قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) قال : أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني إن

__________________

(١) يوسف ١٢ / آية ٢.

(٢) القرطبي ـ الجامع ٢ / ٣٢٠.

(٣) الذهبي ـ التفسير والمفسرون ١ / ٤٥ ـ ٤٦.

٨

أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» وابن عباس ترجمان القرآن قال «كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : «أنا فطرتها» والآخر «أنا ابتدأتها» (١).

وتوالت السنون واختلط العرب بغيرهم من الأمم نتيجة الفتوحات ، وامتزجت الألسن فبدأت العجمة تتسرب إلى اللسان العربي ، وكانت الحاجة إلى تفسير ألفاظ القرآن تزداد إلحاحا كلّما ابتعد العرب عن عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأطل القرن الثاني للهجرة فنشطت الحركة العلمية أيما نشاط فتنوعت المعارف ونشأت علوم كثيرة تمحورت حول القرآن الكريم منها : علم نقط القرآن وشكله ، علم الوقف والإبتداء ، علم الغريب ، علم لغات القرآن ، علم أحكام القرآن ، علم الناسخ والمنسوخ ... وهكذا استقل علم الغريب وألف فيه الكثير من الأئمة والعلماء. قال ابن الأثير : (٢) «واستمر عصره إلى حين وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل ، فلما فتحت الأمصار وخالطت العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب وتركوا ما عداه ، وتمادت الأيام إلى أن انقرض عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم ، فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا ، فلما أعضل الداء ألهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أهل المعارف أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف».

التأليف في غريب القرآن :

إن أقدم ما وصل إلينا عن تفسير غريب القرآن ما نسب إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرتبا على السور ، الكلمة بإزاء الكلمة ، وقد ذكره

__________________

(١) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٤٩.

(٢) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٣.

٩

السيوطي بكامله فقال : «قلت : وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه ، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة. وها أنا أسوق ما ورد من ذلك عن ابن عباس عن طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه ، وعليها اعتمد البخاري في صحيحه ، مرتبا على السور» (١).

وليس غريبا أن يردنا أول ما يردنا ما ذكره ابن عباس ، فقد نشأ في بيت النبوة ولازم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولازم صحابته بعد وفاته ، وكان ذا ذهن وقّاد وذكاء لامع ، ويكفي أن نذكر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دعا له فقال : «اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل» وابن عباس هو «الحبر البحر» قال في شأنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «ذاكم فتى الكهول ، إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا» وقال فيه ابن مسعود رضي الله عنه «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» وحدث ابن عمر فقال : «ابن عباس أعلم أمّة محمد بما نزل على محمد» وأثنى عليّ كرم الله وجهه على تفسيره فقال : «كأنّما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق» (٢).

ولا بد من ذكر مسائل نافع ابن الأزرق التي كان ابن عباس يجيب عنها مدللا على صحتها بأبيات من الشعر. فقد ذكر السيوطي هذه المسائل (٣) فقال : «بينا ابن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن ، قال نافع ابن الأزرق لأحد جلسائه : «قم بنا إلى هذا الذي يجترىء على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصادقه من كلام العرب ، فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، فقال ابن عباس : سلاني عما بدا

__________________

(١) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٥٠.

(٢) الذهبي ـ التفسير والمفسرون ١ / ٦٥ ـ ٦٧.

(٣) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٥٨ ـ ١٧٢.

١٠

لكما : فقال نافع : أخبرني عن قول الله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ)(١) قال : العزون : حلق الرفاق. قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :

فجاؤوا يهرعون إليه حتى

يكونوا حول منبره عزينا. أ. ه ،

الإتقان ، ويستمر نافع في أسئلته وابن عباس يجيب حتى بلغ مجموع ما أجاب عن معانيه حوالي مائتي كلمة من القرآن الكريم.

وإذا تجاوزنا تفسير ابن عباس نجد أن أول من صنّف في معنى الغريب هو أبان بن تغلب بن رباح المتوفى سنة ١٤١ ه‍ / ٧٥٨ م (٢) وقيل ان أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى سنة ٢١٠ ه‍ / ٨٢٥ م. وقد بقي التأليف لفترة قليلا «لأن كل مبتدىء بشيء لم يسبق إليه يكون مقلا ثم يكثر ، ولأن الناس كان فيهم يومئذ بقية وعندهم معرفة فلم يكن الجهل قد عمّ» (٣).

ثم تتابعت التصانيف مع الزمن وغزرت حتى قال السيوطي : «أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون» (٤) منهم : (٥)

١ ـ أبان بن تغلب بن رباح أبي سعيد البكري المتوفى سنة ١٤١ ه‍ / ٧٥٨ م.

٢ ـ مؤرج بن عمرو النحوي السدوسي البصري المتوفى سنة ١٧٤ ه‍ / ٧٩٠ م.

__________________

(١) سورة المعارج الآية ٣٧.

(٢) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٧.

(٣) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٣.

(٤) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٤٩.

(٥) حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢ / ١٢٠٣ ـ ١٢٠٨.

١١

٣ ـ أبو فيد مرثد بن الحارث بن ثور بن علقمة بن عمرو بن سدوس المتوفى سنة ١٩٥ ه‍ / ٨١٠ م.

٤ ـ النضر بن شميل البصري المتوفى سنة ٢٠٣ ه‍ / ٨١٨ م.

٥ ـ أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى سنة ٢١٠ ه‍ / ٨٢٥ م.

٦ ـ أبو الحسن ، سعيد بن مسعدة ، الأخفش الأوسط المتوفى سنة ٢١٢ ه‍ / ٨٣٥ م.

٧ ـ أبو عبيد القاسم بن سلام الحريري الكوفي المتوفى سنة ٢٢٤ ه‍ / ٧٣٨ م.

٨ ـ أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة ٢٦٦ ه‍ / ٨٧٩ م.

٩ ـ أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن دريد اللغوي المتوفى سنة ٣٢١ ه‍ / ٩٣٣ م ولم يكمله.

١٠ ـ محمد بن عزيز السجستاني المتوفى سنة ٣٣٠ ه‍ / ٩٤١ م ، وسماه «نزهة القلوب».

١١ ـ أبو بكر أحمد بن كامل المتوفى سنة ٣٥٠ ه‍ / ٩٦١ م.

١٢ ـ كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي أحمد بن محمد المتوفى سنة ٤٠٤ ه‍ / ١٠١٣ م.

١٣ ـ أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني المتوفى سنة ٥٠٢ ه‍ / ١١٠٨ م وسماه «المفردات في غريب القرآن» ، وهو من أحسن ما ألف في هذا الموضوع حسب ما ذكر السيوطي (١).

__________________

(١) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٤٩.

١٢

١٤ ـ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكفرطالي المتوفى سنة ٥٠٣ ه‍ / ١١٠٩ م.

١٥ ـ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد المنعم الخزرجي المتوفى سنة ٥٦٤ ه‍ / ١١٦٨ م.

١٦ ـ أبو المعالي أحمد بن علي البغدادي الحلبي ، المعروف بابن السمين المتوفى سنة ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩ م وسماه «مفردات القرآن».

١٧ ـ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م سماه «الأريب بما في القرآن من الغريب».

١٨ ـ الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي وقد ضم فيه شيئا من الإعراب والمعاني ، وفرغ من تعليقه سنة ٦٦٨ ه‍ / ١٢٦٩ م.

١٩ ـ علاء الدين علي بن عثمان التركماني المارديني المتوفى سنة ٧٠٥ ه‍ / ١٣٤٩ م.

٢٠ ـ نظم الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة ٨٠٦ ه‍ / ١٤٠٣ م.

ومن الكتب التي ذكرها النديم.

١ ـ غريب القرآن لمحمد بن سلام الجمحي المتوفى سنة ٢٣١ ه‍ / ٨٤٥ م.

٢ ـ غريب القرآن لأبي الحسن العروضي ، كان حيا سنة ٣٣٦ ه‍ / ٩٤٧ م.

__________________

(١) النديم ـ الفهرست ٣٧

١٣

٣ ـ غريب القرآن لأبي عبد الرحمن اليزيدي المتوفى سنة ٢٣٧ ه‍ / ٨٥١ م وهذا الكتاب هو موضوع دراستنا.

٤ ـ غريب المصاحف لأبي بكر الوراق المتوفى سنة ٢٤٩ ه‍ / ٨٦٣ م.

٥ ـ غريب القرآن لمحمد بن دينار الأحول المتوفى سنة ٢٥٩ ه‍ / ٨٧٢ م.

٦ ـ غريب القرآن لأبي زيد البلخي المتوفى سنة ٣٢٢ ه‍ / ٩٣٣ م.

والجدير ذكره أن هذه المؤلفات لم تأت كلها تحت عنوان «غريب القرآن» بل تعددت تسمياتها ، فقد أتى بعضها باسم «معاني القرآن» ككتاب الفراء وبعضها الآخر باسم «مجاز القرآن» ككتاب أبي عبيدة وبعضها الثالث باسم «لغات القرآن» ككتاب أبي حيان الأندلسي ؛ والمسمى أيضا «تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب».

فالمعنى القائم بعرف هؤلاء ، وان تعددت التسميات ، يرجع إلى مسمّى واحد وهو شرح اللفظ القرآني والإستدلال عليه. قال ابن الصلاح : (١) «وحيث رأيت في كتب التفسير ، «قال أهل المعاني» فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج ومن قبله».

وبعض هذه الكتب جاء على ترتيب حروف المعجم ككتاب المفردات للراغب الأصفهاني وتحفة الأريب لأبي حيان الأندلسي ، والبعض الآخر جاء على ترتيب سور القرآن الكريم ككتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة وغريب القرآن وتفسيره لليزيدي. ومهما تعددت التسميات والأساليب فقد أسدى هؤلاء المؤلفون خدمة لا تقدر لكتاب الله العزيز ولسالكي درب المعرفة والإطلاع.

__________________

(١) الزركشي ـ البرهان ١ / ٢٩١.

١٤

أهميته والحث على الاعتناء به :

إن معرفة معاني الغريب ضرورية للمفسر ولقارىء القرآن ، لأن ذلك يسهل فهم المراد من كلام الله سبحانه وتعالى. قال القرطبي : (١) «ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب فذلك مما يسهل عليه [القارىء] معرفة ما يقرأ ويزيل عنه الشك فيما يتلو» وقد حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على معرفة إعراب القرآن مرغبا بالثواب الكبير والأجر الجزيل ، فقد أخرج البيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» (٢) و «من قرأ القرآن فأعربه كان له بكل حرف عشرون حسنة ومن قرأه بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات» والمراد بإعرابه معرفة معاني ألفاظه وليس المراد الإعراب المصطلح عند النحاة وهو ما يقابل اللحن (٣).

وقد جعل الكثير من المسلمين معرفة معاني ألفاظ القرآن الكريم أساسا لابد منه لمعرفة القرآن. قال فضيل بن عياض لجماعة «لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه من متشابهه وناسخه من منسوخه» (٤) وتتجلى أهمية معرفة ألفاظ كتاب الله العزيز إذا ما علمنا أن كثيرا من كبار الصحابة توقفوا عند كلمات فلم يقولوا فيها شيئا كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم ، ولذا قال صاحب التبيان (٥) «ويحرم تفسيره بغير علم والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها .... وتفسير الألفاظ اللغوية لا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله».

__________________

(١) القرطبي ـ الجامع ١ / ٢١.

(٢) القرطبي ـ الجامع ١ / ٢٧.

(٣) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٤٩.

(٤) القرطبي ـ الجامع ١ / ٢٢.

(٥) النووي ـ التبيان في آداب حملة القرآن ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

١٥

الاحتجاج على غريب القرآن الكريم بالشعر :

أثر عن الصحابة الكرام والتابعين رضي الله عنهم أنهم كانوا يستشهدون على الكلمة الغريبة من القرآن الكريم بالشعر. قال أبو بكر الأنباري «قد جاء عن الصحابة والتابعين كثير من الإحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر» (١).

وكان ابن عباس رضي الله عنهما أكثر الصحابة إلماما بهذه الطريقة ، فقد كان يسأل عن الشيء من القرآن الكريم فينشد فيه الشعر ، وأهم ما روي عنه من ذلك مسائل نافع ابن الأزرق واجوبته عليها ، وهذه المسائل تدل على تعمقه في معرفة لغات العرب إلى حدّ لم يصل إليه غيره حتى قيل عنه «هو الذي أبدع الطريقة اللغوية لتفسير القرآن» (٢).

وقد نهج عكرمة رضي الله عنه المنهج نفسه ، فقد سئل مرّة عن الزنيم فقال : هو ولد الزنى ، وتمثل ببيت من الشعر :

زنيم ليس يعرف من أبوه

بغيّ الأم ذو حسب لئيم (٣)

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يأمر بالعودة إلى الشعر الجاهلي لفهم غريب القرآن ، فقد أخرج أبو عبيدة عن أنس أن «عمر بن الخطاب كان على المنبر فقرأ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) ثم سأل عن معنى التخوف ، فيقوم له شيخ من هذيل فيقول له : هذه لغتنا ، التخوف عندنا التنقص فيقول له عمر «وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ فيقول له نعم ، ويروي قول الشاعر :

__________________

(١) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٥٧.

(٢) الذهبي ـ التفسير والمفسرون ١ / ٧٥.

(٣) القرطبي ـ الجامع ١ / ٢٥.

١٦

تخوّف الرحل منها تامكا قردا

كما تخوّف عود النبتة السّفن (١)

فيقول عمر رضي الله عنه لأصحابه «عليكم بديوانكم لا تضلّوا» قالوا وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهلية ، فإنّ فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم» (٢).

وكان مالك بن أنس رضي الله عنه يحذر غير العالم بلغات العرب أن يجترىء على تفسير كتاب الله فيقول «لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلّا جعلته نكالا» (٣).

وقد أنكر جماعة على النحويين هذه الطريقة من الإستشهاد على شرح غريب القرآن بالشعر زاعمين أنهم بفعلتهم هذه يجعلون الشعر أصلا للقرآن ، فيرد عليهم هؤلاء : «ليس الأمر أنا جعلنا الشعر أصلا للقرآن ، بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر ، وذلك انه سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين فقد روي عن ابن عباس «الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه» (٤).

__________________

(١) التاملء : السنام ، والقرد الذي تجعد شعره فكان كأنه وقاية للسنام ، والنبعة شجر القسيّ والرماح ، والسفن ما ينحت به غيره.

(٢) الذهبي ـ التفسير والمفسرون ١ / ٧٤.

(٣) الزركشي ـ البرهان ١ / ٢٩٢.

(٤) السيوطي ـ الإتقان ١ / ١٥٧.

١٧

نسبة الكتاب

لم يذكر اسم المؤلف في المخطوط ، ولكن ذكر لقبه وهو «اليزيدي» واليزيديون عائلة كبيرة برعت في القرآن والحديث والأدب واللغة والشعر. ورأس هذه الأسرة هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي ، أبو محمد وهو منسوب إلى يزيد بن المنصور بن عبد الله بن يزيد الحميري خال المهدي العباسي ، وكان يحيى منقطعا إليه مؤدبا لأولاده فنسب إليه. وقد أنجب يحيى ستّة من الذكور هم : محمد وابراهيم واسماعيل وعبد الله ويعقوب واسحاق ، كما أنجب هؤلاء أولادا عديدين برع أكثرهم في علوم كثيرة ، ويكفي أن نذكر أن محمدا بن يحيى أنجب اثني عشر ولدا برع منهم أحمد والعباس وجعفر والحسن والفضل وسليمان وعبيد الله (١) وقد انسحب لقب «اليزيدي» على هؤلاء جميعا. فمن هو إذا هذا «اليزيدي» مؤلف الكتاب الذي هو موضوع دراستنا؟

المعلومات التي سنوردها تشير إلى أن صاحب الكتاب هو أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي.

__________________

(١) النديم ـ الفهرست ٥٦.

١٨

١ ـ إذا استعرضنا مؤلفات اليزيديين (١) نجد أن أحدا منهم لم يؤلف في غريب القرآن سوى عبد الله المذكور. فصاحب الفهرست يذكر أثناء تعداده للكتب المؤلفة في غريب القرآن كتاب «غريب القرآن لأبي عبد الرحمن اليزيدي» (٢) ويذكر في موضع آخر من الكتاب نفسه (٣) «والذي ألفه عبد الله ابن أبي محمد ، ويكنى أبا عبد الرحمن كتاب «غريب القرآن».

٢ ـ في كتاب «إنباه الرواة» (٤) إشارة واضحة تدل على أن صاحب الكتاب هو أبو عبد الرحمن ، فأثناء حديثه عنه يقول «وصنّف كتابا في غريب القرآن حسنا في بابه ، وقد كتب عليه أبو سيف القزويني المعتزلي شيئا بخطه ، أخطأ فيه ، وذلك أنه نسبه إلى أبي محمد أبيه.

٣ ـ ولعل لشهادة ثعلب أثرها المهم في تأكيد نسبة الكتاب إلى عبد الله. يقول ثعلب : «ما رأيت في أصحاب الفراء أعلم من عبد الله بن أبي محمد اليزيدي ، وهو أبو عبد الرحمن ، وخاصة في القرآن ومسائله (٥).

٤ ـ ومما يدل دلالة قاطعة على أن المؤلف هو عبد الله ورود عبارات في كتاب «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي ، ينسبها المؤلف إلى اليزيدي تارة وإلى أبي عبد الرحمن اليزيدي تارة أخرى ، وهذه العبارات وردت بنصها الحرفي في المخطوط ، مما يؤكد أن «اليزيدي» الذي نسب الكتاب ، إليه ، هو أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي نفسه. ومن هذه العبارات (٦).

١ ـ (رَفَثَ) [البقرة ١٩٧] «إنه اللغو من الكلام» قاله أبو عبد

__________________

(١) النديم ـ الفهرست ٥٦.

(٢) النديم ـ الفهرست ٣٧.

(٣) النديم ـ الفهرست ٥٦.

(٤) القفطي ـ انباه الرواة ٢ / ١٥١.

(٥) السمعاني ـ الأنساب ٦٠٠.

(٦) قارن هذه العبارات مع العبارات الواردة في المخطوط.

١٩

الرحمن اليزيدي. (١).

٢ ـ (الْمَسِيحُ) [آل عمران ٤٥] «الصديق» ذكره اليزيدي (٢).

٣ ـ (الْأَكْمَهَ) [آل عمران ٤٩] «الذي يولد أعمى» قاله اليزيدي (٣).

٤ ـ (الْحَوارِيُّونَ) [آل عمران ٥٢] قال اليزيدي : «ويقال للقصارين الحواريون لأنهم يبيضون الثياب» (٤).

٥ ـ (بِبَكَّةَ) [آل عمران ٩٦] «ويقال بككت الرجل أي وضعت منه ورددت نخوته» قاله أبو عبد الرحمن اليزيدي (٥).

٦ (يَكْبِتَهُمْ) [آل عمران ١٢٧] «يصرعهم» قاله اليزيدي (٦).

٧ ـ (رِبِّيُّونَ) [آل عمران ١٤٦] «العلماء» اختاره اليزيدي (٧).

٨ ـ (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) واتبعه [الأعراف ١٧٥] وقال اليزيدي : «اتبعه واتبعه لغتان ، وكأن أتبعه خفيفة قفاه ، واتّبعه مشدّدة حذا حذوه ، ولا يجوز أن تقول : اتبعناك وأنت تريد اتّبعناك لأن معناها اقتدينا بك (٨).

٩ ـ (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) [الأعراف ١٨٢] قال اليزيدي «الإستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم» (٩).

__________________

(١) ابن الجوزي ـ زاد المسير ١ / ٢١١.

(٢) المصدر نفسه ١ / ٣٨٩.

(٣) المصدر نفسه ١ / ٣٩٢.

(٤) ابن الجوزي ـ زاد المسير ١ / ٣٩٤.

(٥) المصدر نفسه ١ / ٤٢٥.

(٦) المصدر نفسه ١ / ٤٥٤.

(٧) المصدر نفسه ١ / ٤٧٢.

(٨) المصدر نفسه ٣ / ١٧٧.

(٩) المصدر نفسه ٣ / ٢٩٥.

٢٠