د ـ الحرية
عند ما يكون المرء قد عرف الشّريعة ، وعمل بإرادة ، وعلى بصيرة من الأمر فليس معنى ذلك أنّه يكون قد جمع كلّ شروط المسئولية. فأنا أعرف جيدا أنّ هذا العمل محرم عليّ ، ولست أخطيء طبيعته المادية ، أو طبيعته الأخلاقية ، وحين يتحتم على إرادتي أن تتدخل فإنّها تتناوله من نفس الجانب الّذي صار به محرما. فهو إذن عمل شعوري منبعث عن نبة مزدوجة. بيد أنّه إذا لم تكن إرادتي وحدها هي الّتي تحدثه ، وإذا لم يكن مجال إختياري الحرّ خاليا. كصفحة بيضاء ، وكان مشغولا بقوى أخرى هي الّتي حددت إختياري في اتجاه معين دون أي اتجاه آخر ، وإذا لم يكن لإرادتي ـ وهي تواجه هذا التّداخل ـ غير أن تتبع تيارا سبق أن خطّ لها ـ فكيف أنسب إلى نفسي عملا كهذا ، لم تسهم فيه شخصيتي إلّا في جانب معين؟.
ألا يجب علينا ـ بالإضافة إلى ما قررناه من أهمية ملكات «المعرفة» و«الإرادة» ، أن نبحث أهمية «قدرتنا» وأن نقرر «أنّ فاعلية جهدنا» أي «حريتنا» ، شرط «رابع» في المسئولية؟ ...
إنّ مبدأ التّناسب بين المسئولية والحرية تمتد جذوره بعمق في الضّمير الإنساني ، بحيث لا يمكن تجاهله دون أن يبدو في موقفنا شيء من الإجحاف فإلى أي حد إذن ـ إذا أخذنا الإنسان كما هو ـ ، يمكن أن نتحدث عن مسئولية مشروعة؟ ..
إنّا لنعلم أنّ مشكلة الحرية قد أثارت منذ الأزل نظريتين متعارضتين إلى أقصى حدّ ، على الصّعيد المجرد على الأقل : الحتمية ، واللاحتمية.