فإذا أصغينا إلى ما يقوله بعض المفكرين فلن يكون مجال مطلقا لإرادة إنسانية حرّة ، بالمعنى الصّحيح ، ولقد كتب شوبن هور [Schopenhouer] ، يقول : «هناك أناس طيبون ، وآخرون خبثاء ، وذلك مثلما يوجد حملان ، ونمور. فالأولون يولدون بمشاعر إنسانية ، والآخرون يولدون بمشاعر أنانية ، وعلم الأخلاق يصف أخلاق النّاس ، مثلما يصف التّأريخ الطّبيعي خصائص الحيوانات».
ويذهب سبينوزا [Spinoza] ، إلى حدّ القول بأنّ الأعمال الإنسانية ، شأن جميع ظواهر الكون ، تنتج ، وتستنبط بنفس الضّرورة المنطقية الّتي يستنتج بها من جوهر المثلث أنّ زواياه الثّلاث تساوي قائمتين.
وهذا «كانت» ، بطل الحرية ، الّذي جعل منها المسلمة الأساسية للحاسة الأخلاقية ، يعلمنا نوعا من الحتمية الإنسانية ، الّتي لا يحول طابعها المطلق والميتافيزيقي ، من أن تتعلق بالصرامة العلمية ، إذ يؤكد أننا لو كنّا نعرف جميع الظّروف ، والسّوابق ، فإنّ أعمال الإنسان يمكن التّنبؤ بها بنفس الدّقة الّتي يحدد بها كسوف الشّمس. وقد كان عليه ، لكي ينقذ الحرية ، ومعها المسئولية ـ أن يخرجهما كلّية من مجال التّجربة ، ومن عالم الظّواهر ، ليحبسهما في عالم مجهول ، يراه غير قابل للمعرفة ، وهو ما يتساوى عمليا مع إنكار واقعهما الرّاهن ، حتّى لا يبقى منه سوى تذكار دارس ، وأمل ملتبس.
ولم يتردد هوم [Hume] في أن يقول هذا بألفاظ مباشرة «إنّ شعورنا بالحرية ليس إلّا وهما».
بيد أنّ مسئوليتنا عن كلّ عمل مقصود ـ على ما يعتقد أنصار الإختيار الحرّ ـ