يقع فريسة وهم عضال ، فيعتقد أنّه يماثل إرادته بالشرع ، هذا الرّجل يحق له ـ إستنادا إلى هذا المنطق ـ أن يحظى بنفس التّقدير الّذي يستحقه في نظرنا أكثر النّاس حكمة ، وأعظمهم إستنارة.
بيد أنّ «كانت» لم يدخل في إعتباره كلّ هذه الصّعوبات ، لأنّه ـ على وجه التّحديد ـ يلتزم بسلم مجرد ، تصبح فيه الفكرة العامة للواجب وحدة دون تنوع ، وهو لا يريد أن يكلف نفسه عنت تصور الضّمير في واقعة المتعدد ، والمحسوس. أي : أنّ «كانت» لا يأخذ من العنصر الثّلاثي للضمير الأخلاقي ، وهو : «المعرفة» ، و«الإرادة» ، و«العمل» ـ سوى جانب واحد هو : الإرادة.
ونحن متفقون تماما مع «كانت» فيما يقرره من أنّ أكثر الأعمال نفعا ، وكذلك أكثرها نزاهة ، ليست له قيمة أخلاقية إذا لم تصحبه ، بل إذا لم تحدده إرادة الخضوع للقانون ، وأنّ أسوأ الأعمال لا يستتبع مسئولية إذا لم يكن قد خالف القانون عن عمد. ولكن شتان بين هذا وبين أن نقول في حالة العكس : إنّ أكثر الأعمال ضلالا مع النّيّة الحسنة يسترد كلّ قيمته ، ويصبح قدوة للسلوك الأخلاقي. فإذا كانت النّيّة الطّيبة تعذر صاحبها ، فإنّ ذلك لا يستتبع أن تنزل منزلة مبدأ مطلق للقيمة الأخلاقية وعلى سبيل الإيجاز ، ولكي نعطي لتفكيرنا شكلا أكثر وضوحا وتحديدا ، نقول : أنّ النّيّة شرط ضروري للأخلاقية ، وهي على ذلك شرط للمسئولية ، ولكنها ليست بأي حال شرطا كافيا لهذه أو تلك.
وهذه هي رؤيتنا لدور النّيّة في الأخلاق الإسلامية ، والنّص المشهور الّذي يجعل منها محكا للأخلاقية لا يتيح لها أن تستوعب ، وتمتص قيمة العمل كلّها ، بل يجعلها شرطا لصحة هذا العمل.