تفسير النسفي - ج ٣

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦)

فيهم من العقول فيما نريهم من الآيات ونقيم عليهم من الدلالات ، أو لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله.

٦٤ ـ (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أي وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون ، وفيه إزدراء بالدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا يصغّرها وهي لا تزن عنده جناح بعوضة ، واللهو ما يتلذّذ به الإنسان فيلهيه ساعة ثم ينقضي (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي الحياة ، أي ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة لا موت فيها ، فكأنها في ذاتها حياة ، والحيوان مصدر حيّ ، وقياسه حييان ، فقلبت الياء الثانية واوا ، ولم يقل لهي الحياة لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب ، والحياة حركة والموت سكون فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة ، ويوقف على الحيوان لأنّ التقدير (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي ، ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقا بشرط علمهم ذلك وليس كذلك.

٦٥ ـ (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) هو متصل بمحذوف دلّ عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم ، معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون إلّا الله ولا يدعون معه إلها آخر (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) وأمنوا (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) عادوا إلى حال الشرك.

٦٦ ـ (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعمة ، قيل هي لام كي ، وكذا في (وَلِيَتَمَتَّعُوا) فيمن قرأها بالكسر ، أي لكي يكفروا وكي يتمتعوا ، والمعنى يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتّع بها والتلذّذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة ، فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التمتع والتلذذ (١) ، وعلى هذا لا وقف على يشركون ، ومن جعله لام الأمر مثبتا بقراءة ابن كثير وحمزة وعليّ

__________________

(١) في (ظ) و (ز) التلذذ والتمتع.

٣٨١

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩)

وليتمتعوا بسكون اللام على وجه التهديد كقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١) وتحقيقه في أصول الفقه يقف عليه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء تدبيرهم عند تدميرهم.

٦٧ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أهل مكة (أَنَّا جَعَلْنا) بلدهم (حَرَماً) ممنوعا مصونا (آمِناً) يأمن داخلوه (٢) (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) يستلبون قتلا وسبيا (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي بالشيطان والأصنام (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) أي بمحمد عليه‌السلام والإسلام.

٦٨ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن جعل له شريكا (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) بنبوة محمد عليه‌السلام والكتاب (لَمَّا جاءَهُ) أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) هذا تقرير لثوائهم في جهنم ، لأن همزة الإنكار إذا دخلت (٣) على النفي صار إيجابا ، يعني ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذّبوا بالحقّ (٤) هذا التكذيب ، أو ألم يصح عندهم أنّ في جهنم مثوى للكافرين حين اجترؤا مثل هذه الجراءة ، وذكر المثوى في مقابلة لنبوّئنّهم يؤيد قراءة الثاء (٥).

٦٩ ـ (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كلّ ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين (فِينا) في حقّنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) سبلنا أبو عمرو ، أي لنزيدينّهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقا ، وعن الداراني (٦) : والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا ، فقد قيل : من عمل بما علم وفّق لما لا يعلم. وقيل : إنّ الذي نرى من جهلنا بما لا

__________________

(١) الكهف ، ١٨ / ٢٩.

(٢) في (ز) داخله.

(٣) في (ز) أدخلت.

(٤) في (ز) بالحق مثل هذا.

(٥) في (ز) الثاني.

(٦) الداراني : هو عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي المذحجي ، أبو سليمان ، زاهد مشهور من أهل داريا بغوطة دمشق ، كان من كبار المتصوفة له أخبار في الزهد (الأعلام ٣ / ٢٩٣).

٣٨٢

نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم. وعن فضيل : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينّهم سبل العمل به. وعن سهل : والذين جاهدوا في إقامة السّنّة لنهدينّهم سبل الجنة. وعن ابن عطاء : جاهدوا في رضانا لنهدينّهم الوصول إلى محلّ الرضوان ، وعن ابن عباس : جاهدوا في طاعتنا لنهدينّهم سبل ثوابنا ، وعن الجنيد : جاهدوا في التوبة لنهدينّهم سبل الإخلاص ، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحنّ عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا ، أو جاهدوا في طلبنا تحرّيا لرضانا لنهدينّهم سبل الوصول إلينا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنصرة والمعونة في الدنيا وبالثواب والمغفرة في العقبى.

٣٨٣

سورة الروم

مكية وهي ستون أو تسع وخمسون آية والاختلاف

(فِي بِضْعِ سِنِينَ)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (٤)

٢ ـ ١ ـ (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ) أي غلبت فارس الروم.

٣ ـ (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي في أقرب أرض للعرب ، لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم ، والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم ، وهي أطراف الشام ، أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه ، أي في أدنى أرضهم إلى عدوّهم (وَهُمْ) أي الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أي غلبة فارس إياهم ، وقرىء بسكون اللام فالغلب والغلب مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول (سَيَغْلِبُونَ) فارس ، ولا وقف عليه لتعلق :

٤ ـ (فِي بِضْعِ سِنِينَ) به ، وهو ما بين الثلاث إلى العشرة ، قيل احتربت فارس والروم بين أذرعات (١) وبصرى (٢) ، فغلبت فارس الروم ، والملك بفارس يومئذ كسرى أبرويز ، فبلغ الخبر مكة فشقّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، لأن فارس

__________________

(١) أذرعات : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمّان (معجم البلدان ١ / ١٥٨).

(٢) بصرى : وهي قصبة كورة حوران من أعمال دمشق (معجم البلدان ١ / ٥٢٢).

٣٨٤

(بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦)

مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب ، وفرح المشركون وشمتوا ، وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميّون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرنّ نحن عليكم فنزلت ، فقال لهم أبو بكر : والله ليظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين ، فقال له أبيّ بن خلف : كذبت ، فناحبه (١) على عشر قلائص (٢) من كلّ واحد منهما ، وجعل الأجل ثلاث سنين ، فأخبر أبو بكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عليه‌السلام : (زد في الخطر وأبعد في الأجل) فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ، ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر ، فأخذ أبو بكر ، الخطر (٣) من ذرية أبيّ ، فقال عليه‌السلام : (تصدق به) (٤) وهذه آية بينة على صحة نبوته ، وأنّ القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب ، وكان ذلك قبل تحريم القمار ، عن قتادة. ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أنّ العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار ، وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي من قبل كلّ شيء ومن بعد كلّ شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون ، كأنه قيل من قبل كونهم غالبين ، وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين ، وهو وقت كونهم غالبين ، يعني أنّ كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله وقضائه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (٥) (وَيَوْمَئِذٍ) ويوم تغلب الروم على فارس ويحلّ ما وعد الله من غلبتهم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).

٥ ـ (بِنَصْرِ اللهِ) وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له ، وغيظ من شمت بهم من كفار مكة ، وقيل نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم ، والباء يتصل بيفرح فيوقف على الله لا على المؤمنين (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أعدائه (الرَّحِيمُ) العاطف على أوليائه.

٦ ـ (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لأنّ قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من الله

__________________

(١) ناحبه : النحب المراهنة (القاموس ١ / ١٣٠).

(٢) قلائص : جمع قلوص وهي الشابة من الإبل خاص بالإناث (القاموس ٢ / ٣١٤).

(٣) الخطر : الرهان (القاموس ٢ / ٢٢).

(٤) الترمذي عن أبي سعيد وابن جرير عن عكرمة.

(٥) آل عمران ، ٣ / ١٤٠).

٣٨٥

(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨)

للمؤمنين ، فقوله وعد الله بمنزلة وعد الله المؤمنين وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بنصر الروم على فارس (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

٧ ـ (يَعْلَمُونَ) بدل من لا يعلمون ، وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا وقوله : (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يفيد أنّ للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهّال من التمتّع بزخارفها ، وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة وبالأعمال الصالحة ، وتنكير الظاهر يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) هم الثانية مبتدأ وغافلون خبره ، والجملة خبر هم الأولى ، وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها.

٨ ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) يحتمل أن يكون ظرفا ، كأنه قيل أولم يثبتوا التفكّر في أنفسهم ، أي في قلوبهم الفارغة من الفكر ، والتفكّر لا يكون إلّا في القلوب ، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين ، كقوله أعتقده في قلبك ، وأن يكون صلة للتفكّر ، نحو تفكّر في الأمر وأجال فيه فكره ، ومعناه على هذا أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبّروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم (١) الدالة على التدبير دون الإهمال ، وأنه لا بدّ لها من انتهاء (٢) إلى وقت تجازى فيه على الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أنّ سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير (٣) ، وأنه لا بدّ لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) متعلق بالقول المحذوف ، معناه أولم يتفكروا فيقولوا هذا القول ، وقيل معناه فيعلموا لأنّ في الكلام دليلا عليه (إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي ما خلقها باطلا وعبثا بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة إنما خلقها مقرونة بالحقّ مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجل مسمى لا بدّ لها من أن تنتهي إليه ، وهو قيام الساعة ووقت

__________________

(١) في (ظ) و (ز) الحكمة.

(٢) في (ظ) و (ز) الانتهاء.

(٣) في (ز) على الحكمة في التدبير.

٣٨٦

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠)

الحساب والثواب والعقاب ، ألا ترى إلى قوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١) كيف سمّى تركهم غير راجعين إليه عبثا (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) بالبعث والجزاء (لَكافِرُونَ) لجاحدون ، وقال الزّجّاج : أي لكافرون بلقاء ربّهم.

٩ ـ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هو تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمّرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية ، ثم وصف حالهم فقال (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) وحرثوها (وَعَمَرُوها) أي المدمّرون (أَكْثَرَ) صفة مصدر محذوف ، وما مصدرية في (مِمَّا عَمَرُوها) أي من عمارة أهل مكة (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) وتقف عليها لحقّ الحذف ، أي فلم يؤمنوا ، فأهلكوا ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فما كان تدميره إياهم ظلما لهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم.

١٠ ـ (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ) بالنصب شامي وكوفي (الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) تأنيث الأسوأ وهو الأقبح ، كما أنّ الحسنى تأنيث الأحسن ، ومحلّها رفع على أنها اسم كان عند من نصب عاقبة على الخبر ، ونصب عند من رفعها ، والمعنى أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ثم كانت عاقبتهم السوء إلا أنه وضع المظهر ، وهو الذين أساءوا ، موضع المضمر أي العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة ، وهي النار التي أعدّت للكافرين (أَنْ كَذَّبُوا) لأن كذّبوا ، أو بأن ، وهو يدلّ على أنّ (٢) معنى أساءوا كفروا (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) يعني ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم (٣).

__________________

(١) المؤمنون ، ٢٣ / ١١٥ وليس في (ظ) و (ز) بعد الآية الشاهد : أي.

(٢) ليس في (أ) أنّ.

(٣) زاد في (ز) بها.

٣٨٧

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (١٧)

١١ ـ (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ينشئهم (ثُمَّ يُعِيدُهُ) يحييهم بعد الموت (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالياء أبو عمرو وسهل.

١٢ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ) ييأس ويتحيّر ، يقال ناظرته فأبلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتجّ (الْمُجْرِمُونَ) المشركون.

١٣ ـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) من الذين عبدوهم من دون الله ، وكتب (شُفَعاءُ) في المصحف بواو قبل الألف ، كما كتب علماء بني إسرائيل ، وكذلك كتبت السوء بالألف قبل الياء إثباتا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) أي يكفرون بآلهتهم ويجحدونها ، أو وكانوا في الدنيا كافرين بسببهم.

١٤ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) الضمير في يتفرقون للمسلمين والكافرين لدلالة ما بعده عليه حيث قال :

١٥ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) أي بستان ، وهي الجنة ، والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه (يُحْبَرُونَ) يسرّون ، يقال حبره إذا سرّه سرورا تهلّل له وجهه وظهر فيه أثره ، ثم اختلف فيه لاحتمال وجوه المسارّ ، فقيل يكرمون وقيل يحلّون ، وقيل هو السماع في الجنة.

١٦ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي البعث (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) مقيمون لا يغيبون عنه ولا يخفّف عنهم كقوله : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) (١) لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجّي من الوعيد فقال :

١٧ ـ (فَسُبْحانَ اللهِ) والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء

__________________

(١) المائدة ، ٥ / ٣٧.

٣٨٨

(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (٢٠)

والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدّد فيها من نعمة الله الظاهرة ، أو الصلاة ، فقيل لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال : نعم وتلا هذه الآية ، وهو نصب على المصدر ، والمعنى نزّهوه عما لا يليق به ، أو صلّوا لله (حِينَ تُمْسُونَ) صلاة المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر.

١٨ ـ (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراض ، ومعناه أنّ على المميّزين كلّهم من أهل السماوات والأرض أن يحمدوه ، وفي السماوات حال من الحمد (وَعَشِيًّا) صلاة العصر ، وهو معطوف على حين تمسون ، وقوله عشيا متصل بقوله حين تمسون (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر ، أظهر أي دخل في وقت الظهيرة ، والقول الأكثر أنّ الصلوات الخمس فرضت بمكّة.

١٩ ـ (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) الطائر من البيضة أو الإنسان من النّطفة ، أو المؤمن من الكافر (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) أي البيضة من الطائر ، أو النطفة من الإنسان ، أو الكافر من المؤمن ، والميت بالتخفيف فيهما مكي وشامي وأبو عمرو وأبو بكر وحماد ، وبالتشديد غيرهم (وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) تخرجون حمزة وعليّ وخلف ، أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من قبوركم ، والكاف في محلّ النصب بتخرجون ، والمعنى أنّ الإبداء والإعادة يتساويان في قدرة من هو قادر على إخراج الميت من الحي وعكسه ، روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (من قرأ فسبحان الله حين تمسون إلى الثلاث وآخر سورة والصافات دبر كلّ صلاة كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وتراب الأرض فإذا مات أجري له بكل حرف عشر حسنات في قبره) قال عليه‌السلام : (من قرأ حين يصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته) (١).

٢٠ ـ (وَمِنْ آياتِهِ) ومن علامات ربوبيته وقدرته (أَنْ خَلَقَكُمْ) أي أباكم

__________________

(١) قال ابن حجر : قال البخاري لا يصح.

٣٨٩

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣)

(مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ) أي آدم وذريته (تَنْتَشِرُونَ) تتصرفون فيما فيه معاشكم ، وإذا للمفاجأة ، وتقديره ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض.

٢١ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه‌السلام ، والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال ، أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر ، وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون وما بين الجنسين المختلفين من التنافر ، يقال سكن إليه إذا مال إليه (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي جعل بينكم التوادّ والتراحم بسبب الزواج ، وعن الحسن : المودة كناية عن الجماع ، الرحمة عن الولد ، وقيل المودة للشابة والرحمة للعجوز ، وقيل المودة والرحمة من الله ، والفرك (١) من الشيطان ، أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيعلمون أنّ قوام الدنيا بوجود التناسل.

٢٢ ـ (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) أي اللغات ، أو أجناس النطق وأشكاله (وَأَلْوانِكُمْ) كالسواد والبياض وغيرهما ، ولاختلاف ذلك وقع التعارف ، وإلا فلو تشاكلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح ، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد ، وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢) جمع عالم ، وبكسر اللام حفص جمع عالم ويشهد للكسر قوله تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٣).

٢٣ ـ (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) هذا من باب اللفّ ، وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار ، إلا أنه فصل بين القرينين الأوّلين بالقرينين الآخرين ، أو المراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما ،

__________________

(١) الفرك : بالكسر ويفتح البغضة عامة (القاموس ٣ / ٣١٥).

(٢) في مصحف النسفي : (لِلْعالِمِينَ) بفتح اللام لذلك قال : ...

(٣) العنكبوت ، ٢٩ / ٤٣.

٣٩٠

(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٢٥)

والجمهور على الأول لتكرّره في القرآن ، وأسدّ المعاني ما دلّ عليه القرآن (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي يسمعون سماع تدبّر بآذان واعية.

٢٤ ـ (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) في يريكم وجهان : إضمار أنّ كما في حرف (١) ابن مسعود رضي الله عنه ، وإنزال الفعل منزلة المصدر ، وبهما فسّر المثل تسمع بالمعيديّ (٢) خير من أن تراه ، أي أن تسمع أو سماعك (خَوْفاً) من الصاعقة ، أو من الإخلاف (وَطَمَعاً) في الغيث ، أو خوفا للمسافر وطمعا للحاضر ، وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، أي إرادة خوف وإرادة طمع ، أو على الحال أي خائفين وطامعين (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ) وبالتخفيف مكي وبصري (ماءً) مطرا (فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتفكرون بعقولهم.

٢٥ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ) تثبت بلا عمد (السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) أي بإقامته أو بتدبيره (٣) وحكمته (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ) للبعث (دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) من قبوركم ، هذا كقوله يريكم في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى ، كأنه قال ومن آياته قيام السماوات والأرض واستمساكها بغير عمد ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور اخرجوا ، والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ، وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله ، وهو أن يقول يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال ، ثم نفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ، وإذا الأولى للشرط والثانية للمفاجأة ، وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط ، ومن الأرض متعلق بالفعل لا بالمصدر ، وقولك دعوته من مكان كذا يجوز أن يكون مكانك ، ويجوز أن يكون مكان صاحبك.

__________________

(١) أي قراءة ابن مسعود.

(٢) المعيديّ : تصغير المعيد وهو الأسد (انظر القاموس ١ / ٣١٩).

(٣) في (ز) بإقامته وتدبيره وحكمته.

٣٩١

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨)

٢٦ ـ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرّون بالعبودية.

٢٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي ينشئهم ثم يعيدهم للبعث (١) (وَهُوَ) أي البعث (أَهْوَنُ) أيسر (عَلَيْهِ) عندكم لأنّ الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة؟ ، وأخّرت الصلة في قوله وهو أهون عليه وقدّمت في قوله : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) (٢) لقصد الاختصاص هناك ، وأمّا هنا فلا معنى للاختصاص ، وقال أبو عبيدة والزّجّاج وغيرهما : الأهون بمعنى الهيّن فيوصف به الله عزوجل : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣) كما قالوا الله أكبر أي كبير والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى تكميل خلقهم (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ، وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل ، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ، ويدل عليه قوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي القاهر لكلّ مقدور (الْحَكِيمُ) الذي يجري كلّ فعل على قضايا حكمته وعلمه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : المثل الأعلى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٤) وعن مجاهد : هو قول : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (٥) ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ، ويعضده قوله :

٢٨ ـ (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) فهذا مثل ضربه الله عزوجل لمن جعل له

__________________

(١) في (ز) (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي ينشئهم (ثُمَّ يُعِيدُهُ) للبعث ، وقد اعدنا ترتيب الآية كما في (أ) و (ظ).

(٢) مريم ، ١٩ / ٩ و ٢١.

(٣) النساء ، ٤ / ٣٠ و ١٦٩. الأحزاب ، ٣٣ / ١٩ و ٣٠.

(٤) الشورى ، ٤٢ / ١١.

(٥) الصافات ، ٣٧ / ٣٥. محمد ، ٤٧ / ١٩.

٣٩٢

(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠)

شريكا من خلقه ، ومن للابتداء كأنه قال أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم (هَلْ لَكُمْ) معاشر الأحرار (مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عبيدكم ، ومن للتبعيض (مِنْ شُرَكاءَ) من مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ، ومعناه هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد أن يشارككم بعضهم (فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وغيرها (فَأَنْتُمْ) معاشر الأحرار والعبيد (فِيهِ) في ذلك الرزق (سَواءٌ) من غير تفصلة بين حرّ وعبد ، يحكم مماليككم في أموالكم كحكمكم (تَخافُونَهُمْ) حال من ضمير الفاعل في سواء ، أي (١) تخافون معاشرة السادة عبيدكم فيها ، فلا تمضون فيها حكما دون إذنهم خوفا من لائمة تلحقكم من جهتهم (كَخِيفَتِكُمْ) أي خيفة كخيفتكم (٢) (أَنْفُسِكُمْ) يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضا فيما هو مشترك بينهم فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لربّ الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء (كَذلِكَ) موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي (٣) نبيّنها لأنّ التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتدبرون في ضرب الأمثال. فلما لم ينزجروا أضرب عنهم ، فقال :

٢٩ ـ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بما أشركوا (٤) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٥) (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي اتبعوا أهواءهم جاهلين (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي أضلّه الله تعالى (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) من العذاب.

٣٠ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) فقوّم وجهك له وعدّله غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا ، وهو تمثيل لإقباله على الدين ، واستقامته عليه ، واهتمامه بأسبابه ، فإنّ من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه ، وسدّد إليه نظره ، وقوّم له وجهه (حَنِيفاً) حال عن

__________________

(١) زاد في (ظ) و (ز) متساوون خائفا بعضكم بعضا مشاركته في المال والمعنى.

(٢) ليست في (ز).

(٣) ليس في (ز) أي.

(٤) زاد في (ز) كما قال الله تعالى.

(٥) لقمان ، ٣١ / ١٣.

٣٩٣

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٢)

المأمور أو عن الدين (١) (فِطْرَتَ اللهِ) أي الزموا فطرة دين (٢) الله ، والفطرة الخلقة ، ألا ترى إلى قوله لا تبديل لخلق الله ، فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام ، غير نابين (٣) عنه ولا منكرين له ، لكونه مجاذبا (٤) للعقل مساوقا للنظر الصحيح ، حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر ، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجنّ والإنس ، ومنه قوله عليه‌السلام : (كلّ عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري) (٥) وقوله عليه‌السلام : (كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه) (٦) وقال الزّجّاج : معناه أنّ الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث أنّ الله عزوجل أخرج من صلب آدم كالذّرّ وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم (٧) ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) إلى قوله : (قالُوا بَلى) (٨) وكلّ مولود هو من تلك الذّرّيّة التي شهدت بأنّ الله تعالى خالقها. فمعنى فطرة الله دين الله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي خلق (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي ما ينبغي أن تبدّل تلك الفطرة أو تغيّر ، وقال الزّجّاج : معناه لا تبديل لدين الله ، ويدلّ عليه ما بعده ، وهو قوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) حقيقة ذلك.

٣١ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) راجعين إليه ، وهو حال من الضمير في الزموا (٩) ، وقوله واتقوه وأقيموا ولا تكونوا معطوف على هذا المضمر ، أو من قوله فأقم وجهك ، لأنّ الأمر له عليه‌السلام أمر لأمته ، فكأنه قال فأقيموا وجوهكم منيبين إليه ، أو التقدير كونوا منيبين ، دليله قوله ولا تكونوا (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أدّوها في أوقاتها (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ممن يشرك به غيره في العبادة.

٣٢ ـ (مِنَ الَّذِينَ) بدل من المشركين بإعادة الجارّ (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) جعلوه أديانا

__________________

(١) في (أ) حال عن المأمور وعن الدين ، وفي (ز) حال من المأمور أو من الدين ، والتصويب من (ظ).

(٢) ليس في (ز) دين.

(٣) في (ظ) و (ز) نائين.

(٤) في (ظ) و (ز) مجاوبا.

(٥) مسلم من حديث عياض بن حمار.

(٦) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

(٧) البيهقي من حديث عمر بن الخطاب بنحوه وأتم منه.

(٨) الأعراف ، ٧ / ١٧٢.

(٩) أي الزموا فطرة الله أي دين الله واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك.

٣٩٤

(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٣٧)

مختلفة لاختلاف أهوائهم ، فارقوا حمزة وعليّ (١) وهي قراءة عليّ (٢) رضي الله عنه ، أي تركوا دين الإسلام (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا كلّ واحدة تشايع إمامها الذي أضلّها (كُلُّ حِزْبٍ) منهم (بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا.

٣٣ ـ (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) شدّة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) أي خلّاصا من الشدة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) في العبادة.

٣٤ ـ (لِيَكْفُرُوا) هذه لام كيّ وقيل لام الأمر للوعيد (بِما آتَيْناهُمْ) من النّعم (فَتَمَتَّعُوا) بكفركم قليلا ، أمر وعيد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال تمتعكم.

٣٥ ـ (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) حجة (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) وتكلّمه مجاز ، كما تقول كتابه ناطق بكذا ، وهذا مما نطق به القرآن ومعناه الشهادة ، كأنه قال : فهو يشهد بشركهم وبصحّته (بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) ما مصدرية أي بكونهم بالله يشركون ، أو موصولة ويرجع الضمير إليها ، أي فهو يتكلّم بالأمر الذي بسببه يشركون ، أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان ، أي ملكا معه برهان فذلك الملك يتكلّم بالبرهان الذي بسببه يشركون.

٣٦ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) أي نعمة من مطر أو سعة أو صحة (فَرِحُوا بِها) بطروا بسببها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي بلاء من جدب ، أو ضيق أو مرض (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب شؤم معاصيهم (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) من الرحمة ، وإذا المفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما في التعقيب.

٣٧ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ

__________________

(١) علي بن حمزة ـ الكسائي ترجم له في ١ / ٤.

(٢) علي بن أبي طالب رضي الله عنه ترجم له في ٣ / ١٤٩.

٣٩٥

فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩)

(يُؤْمِنُونَ) أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه الباسط القابض (١) فما لهم يقنطون من رحمته وما لهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدّة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته.

ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك فقال :

٣٨ ـ (فَآتِ ذَا الْقُرْبى) أعط قريبك (حَقَّهُ) من البرّ والصّلة (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) نصيبهما من الصدقة المسماة لهما ، وفيه دليل وجوب النفقة للمحارم كما هو مذهبنا (ذلِكَ) أي إيتاء حقوقهم (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي ذاته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

٣٩ ـ (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) يريد وما أعطيتم أكلة الرّبا من ربا ليربو في أموالهم ، ليزيد ويزكو في أموالهم (٢) (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه ، وقيل هو من الرّبا الحلال أي وما تعطونه من الهدية لتأخذوا أكثر منها فلا يربو عند الله لأنكم لم تريدوا بذلك وجه الله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) صدقة (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) تبتغون به وجهه خالصا لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولا سمعة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ذوو الأضعاف من الحسنات ، ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار. أتيتم من ربا بلا مدّ مكي ، وما غشيتموه من إعطاء ربا ، لتربوا مدني أي لتزيدوا في أموالهم ، وقوله فأولئك هم المضعفون التفات حسن لأنه يفيد التعميم ، كأنه قيل من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين ، والمعنى المضعفون به لأنه لا بدّ له من ضمير يرجع إلى ما الموصولة ، وقال الزّجّاج في قوله فأولئك هم المضعفون : أي فأهلها هم المضعفون ، أي هم الذين يضاعف لهم الثواب يعطون بالحسنة عشر أمثالها. ثم أشار إلى عجز آلهتهم فقال :

__________________

(١) في (ظ) و (ز) القابض الباسط.

(٢) ليس في (ز) ليزيد ويزكو في أموالهم.

٣٩٦

(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (٤٣)

٤٠ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) مبتدأ وخبر (ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) أي هو المختصّ بالخلق والرزق والإماتة والإحياء (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) أي أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء الله (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ) أي (١) الخلق والرزق والإماتة والإحياء (مِنْ شَيْءٍ) أي شيئا من تلك الأفعال ، فلم يجيبوا عجزا ، فقال استبعادا (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ومن الأولى والثانية والثالثة كلّ واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم.

٤١ ـ (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) نحو القحط وقلة الأمطار ، والرّيع في الزراعات ، والربح في التجارات ، ووقوع الموتان في الناس والدواب ، وكثرة الحرق والغرق ، ومحق البركات من كلّ شيء (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بسبب معاصيهم وشركهم كقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٢) (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة ، وبالنون عن قنبل (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم عليه من المعاصي.

ثم أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله :

٤٢ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم.

٤٣ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) هو مصدر بمعنى الردّ (مِنَ اللهِ) يتعلق بيأتي ، والمعنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد كقوله تعالى : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) (٣) أو

__________________

(١) زاد في (ظ) و (ز) من.

(٢) الشورى ، ٤٢ / ٣٠.

(٣) الأنبياء ، ٢١ / ٤٠.

٣٩٧

(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦)

بمرد على معنى لا يردّه هو بعد أن يجيء به ولا ردّ له من جهته (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يتصدّعون أي يتفرّقون. ثم أشار إلى غناه عنهم فقال :

٤٤ ـ (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وبال كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي يسوّون لأنفسهم ما يسوّيه لنفسه الذي يمهّد لنفسه فراشه ويوطّئه لئلا يصيبه في مضجعه ما ينغّض عليه مرقده من نتوء وغيره ، والمعنى أنه يمهّد لهم الجنة بسبب أعمالهم ، فأضيف إليهم ، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أنّ ضرر الكفر لا يعود إلّا على الكافر ، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تجاوزه.

٤٥ ـ (لِيَجْزِيَ) متعلق بيمهدون تعليل له وتكرير (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلّا المؤمن (مِنْ فَضْلِهِ) أي عطائه ، وقوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس.

٤٦ ـ (وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن آيات قدرته (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) هي الجنوب والشمال والصّبا وهي رياح الرحمة ، وأما الدّبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليه‌السلام : (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) (١) وقد عدّد الفوائد في إرسالها فقال (مُبَشِّراتٍ) أي أرسلها بالبشارة (٢) بالغيث (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ولإذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه ، والروح الذي مع هبوب الريح ، وزكاء الأرض وغير ذلك ، وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى ، كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) في البحر عند هبوبها (بِأَمْرِهِ) أي بتدبيره أو بتكوينه كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً) (٣) الآية (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يريد تجارة البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولتشكروا نعمة الله فيها.

__________________

(١) الشافعي عن ابن عباس مرفوعا نحوه.

(٢) في (ظ) و (ز) للبشارة.

(٣) يس ، ٣٦ / ٨٢.

٣٩٨

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٥٠)

٤٧ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي فآمن بهم قوم وكفر بهم قوم ، ويدلّ على هذا الإضمار قوله (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي كفروا بالإهلاك في الدنيا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) أي وكان نصر المؤمنين حقا علينا بإنجائهم مع الرسل ، وقد يوقف على حقا ، ومعناه كان الانتقام منهم حقا ، ثم يبدأ (١) علينا نصر المؤمنين ، والأول أصح.

٤٨ ـ (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) الريح مكي (فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ) أي السحاب (فِي السَّماءِ) أي في سمت السماء وشقّها كقوله : (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) (٢) (كَيْفَ يَشاءُ) من ناحية الشمال أو الجنوب أو الدّبور أو الصّبا (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) قطعا جمع كسفة أي يجعله منبسطا يأخذ وجه السماء مرة ويجعله قطعا متفرقة غير منبسطة مرة. كسفا يزيد وابن ذكوان (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ) في التّارتين جميعا (مِنْ خِلالِهِ) وسطه (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بالودق (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يريد إصابة بلادهم وأراضيهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون.

٤٩ ـ (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر (مِنْ قَبْلِهِ) كرر للتأكيد كقوله : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) (٣) ومعنى التوكيد فيها الدلالة على أنّ عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم بأسهم ، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك (لَمُبْلِسِينَ) آيسين.

٥٠ ـ (فَانْظُرْ إِلى آثارِ) شامي وكوفي غير أبي بكر ، وغيرهم أثر (رَحْمَتِ اللهِ) أي المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات وأنواع الثمار (بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ)

__________________

(١) في (ز) تبدىء.

(٢) إبراهيم ، ١٤ / ٢٤.

(٣) الحشر ، ٥٩ / ١٧.

٣٩٩

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَ رَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٥٣)

أي الله (لَمُحْيِ الْمَوْتى) يعني أنّ ذلك القادر الذي يحيي الأرض بعد موتها هو الذي يحيي الناس بعد موتهم ، فهذا استدلال بإحياء الموات على إحياء الأموات (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي وهو على كلّ شيء من المقدورات قادر ، وهذا من جملة المقدورات بدليل الإنشاء.

٥١ ـ (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) أي الدّبور (فَرَأَوْهُ) أي أثر رحمة الله ، لأن رحمة الله هي الغيث ، وأثرها النبات ، ومن قرأ بالجمع رجع الضمير إلى معناه لأنّ معنى آثار الرحمة النبات ، واسم النبات يقع على القليل والكثير ، لأنه مصدر سمّي به ما ينبت (مُصْفَرًّا) بعد إخضراره ، وقال مصفرا لأن تلك صفرة حادثة ، وقيل فرأوا السحاب مصفرا لأن السحاب الأصفر لا يمطر ، واللام في لئن موطّئة للقسم دخلت على حرف الشرط ، والسادّ (١) مسدّ جوابي القسم والشرط (لَظَلُّوا) ومعناه ليظلّنّ (مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي من بعد اصفراره ، أو من بعد الاستبشار ، ذمّهم الله تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين ، فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا ، فإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم بالصفار ضجّوا وكفروا بنعمة الله ، فهم في جميع هذه الأحوال على الصفة المذمومة ، كان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله ، فقنطوا ، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا ، وأن يصبروا على بلائه فكفروا.

٥٢ ـ (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي موتى القلوب ، أو هؤلاء في حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ولا يسمع الصمّ مكي (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فإن قلت : الأصمّ لا يسمع مقبلا أو مدبرا فما فائدة هذا التخصيص؟ قلت : هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والإشارة ، فإذا ولّى فلا يسمع ولا يفهم بالإشارة.

٥٣ ـ (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ) أي عمي القلوب ، وما أنت تهدي العمي حمزة (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى طريق قد ضلّ عنه بإشارة منك له إليه (إِنْ تُسْمِعُ) ما تسمع (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) منقادون لأعلام (٢) الله تعالى.

__________________

(١) في (ظ) و (ز) وسدّ.

(٢) في (ظ) و (ز) لأوامر.

٤٠٠