تفسير النسفي - ج ٣

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) (٢٨)

إلى الحور مقيلا على طريق التشبيه ، وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم ، فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، وفي لفظ الأحسن تهكم بهم.

٢٥ ـ (وَيَوْمَ) واذكر يوم (تَشَقَّقُ السَّماءُ) والأصل تتشقق ، فحذف كوفي وأبو عمرو التاء (١) ، وغيرهم أدغمها في الشين (بِالْغَمامِ) لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشق (٢) به السماء ، كما تقول شققت السنام بالشفرة فانشقّ بها (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) وننزّل الملائكة مكي ، وتنزيلا على هذا مصدر من غير لفظ الفعل ، والمعنى أنّ السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها ، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد.

٢٦ ـ (الْمُلْكُ) مبتدأ (يَوْمَئِذٍ) ظرفه (الْحَقُ) نعته ، ومعناه الثابت لأنّ كلّ ملك يزول يومئذ فلا يبقى إلا ملكه (لِلرَّحْمنِ) خبره (وَكانَ) ذلك اليوم (يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) شديدا ، يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ، ويفهم منه يسره على المؤمنين ، ففي الحديث : (يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلّوها في الدنيا) (٣).

٢٧ ـ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) عضّ اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفهما ، فتذكر الرادفة ويدلّ بها على المردوف ، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة ما لا يجده عند لفظ المكنّى عنه ، واللام في الظالم للعهد وأريد به عقبة (٤) لما تبيّن ، أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) في الدنيا (مَعَ الرَّسُولِ) محمد عليه الصلاة والسلام (سَبِيلاً) طريقا إلى النجاة والجنة ، وهو الإيمان.

٢٨ ـ (يا وَيْلَتى) وقرىء يا ويلتي بالياء ، وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته ،

__________________

(١) في (ز) فحذف التاء كوفي وأبو عمرو.

(٢) في (ز) تشقّق.

(٣) لم أجده.

(٤) عقبة : هو عقبة بن أبي معيط أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس ، من مقدمي قريش في الجاهلية ، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة فأسروه وقتلوه وصلبوه يوم بدر وهو أول مصلوب في الإسلام (الأعلام ٤ / ٢٤٠).

٢٤١

(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) (٣١)

وهي هلكته يقول لها : تعالي فهذا أوانك ، وإنما قلبت الياء ألفا كما في صحارى ومدارى (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) فلان كناية عن الأعلام ، فإن أريد بالظالم عقبة لما روي أنه اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ، ففعل ، فقال له أبيّ بن خلف (١) وهو خليله : وجهي من وجهك حرام إلا أن ترجع ، فارتد ، فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبيا خليلا فكنى عن اسمه ، وإن أريد به الجنس فكلّ من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم لا محالة ، فجعل كناية عنه ، وقيل هو كناية عن الشيطان.

٢٩ ـ (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أي عن ذكر الله ، أو القرآن ، أو الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) من الله (وَكانَ الشَّيْطانُ) أي خليله سماه شيطانا لأنه أضلّه كما يضلّه الشيطان ، أو إبليس لأنه الذي حمله على مخالّة المضلّ ومخالفة الرسول (لِلْإِنْسانِ) المطيع له (خَذُولاً) هو مبالغة من الخذلان ، أي من عادة الشيطان ترك من يواليه ، وهذا حكاية كلام الله ، أو كلام الظالم.

٣٠ ـ (وَقالَ الرَّسُولُ) أي محمد عليه الصلاة والسلام في الدنيا (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) قريشا (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) متروكا ، أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران ، وهو مفعول ثان لاتخذوا ، في هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأنّ الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حلّ بهم العذاب ولم ينظروا.

ثم أقبل عليه مسليا ووعده النصرة عليهم ، فقال :

٣١ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي كذلك كان كلّ نبيّ قبلك مبتلى بعداوة قومه ، وكفاك بي هاديا إلى طريق قهرهم والانتصار منهم ، وناصرا لك عليهم ، والعدو يجوز أن يكون واحدا وجمعا ، والباء زائدة ، أي وكفى ربّك هاديا وهو تمييز.

__________________

(١) أبي بن خلف من زعماء قريش الذين بالغوا في العداء للمسلمين وتهدد النبي عليه‌السلام إلى أن كانت غزوة أحد فقتله النبي عليه‌السلام بيده (عيون الأثر ٢ / ٢٢).

٢٤٢

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣)

٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي قريش أو اليهود (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً) حال من القرآن ، أي مجتمعا (واحِدَةً) يعني هلّا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة ، وما له أنزل على التفاريق ، وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته ، لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرّقا (١) ، ونزّل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعا بدليل جملة واحدة ، وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدّوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور ، فأبرزوا صفحة (٢) عجزهم حتى لاذوا بالمناصبة ، وفزعوا إلى المحاربة ، وبذلوا المهج ، وما مالوا إلى الحجج (كَذلِكَ) جواب لهم ، أي كذلك أنزل مفرقا في عشرين سنة ، أو في ثلاث وعشرين ، وذلك في كذلك إشارة إلى مدلول قوله لو لا نزّل عليه القرآن جملة ، لأنّ معناه لم نزّل (٣) عليك القرآن مفرقا فأعلم أنّ ذلك (لِنُثَبِّتَ بِهِ) لنقوي (٤) بتفريقه (فُؤادَكَ) حتى تعيه وتحفظه ، لأن المتلقّن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء ، وجزأ عقيب جزء ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه ، أو لنثبت به (٥) فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول ، وتتابع الرسول ، لأن قلب المحبّ يسكن بتواصل كتب المحبوب (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك ، كأنه قال كذلك فرقناه ورتلناه ، أي قدرناه آية بعد آية ووقفة بعد وقفة ، أو أمرناكم (٦) بترتيل قراءته وذلك قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٧) أي اقرأه بترسل وتثبّت ، أو بيناه تبيينا ، والترتيل التبيين في ترسّل وتثبت.

٣٣ ـ (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة ، كأنه مثل في البطلان (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) إلا أتيناك بالجواب الحقّ الذي لا محيد عنه (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) وبما هو أحسن معنى ومؤدّى من مثلهم ، أي من سؤالهم ، وإنما حذف من مثلهم لأنّ في الكلام دليلا عليه ، كما لو قلت رأيت زيدا وعمرا وكان (٨) عمرو أحسن

__________________

(١) في (ز) متفرقا.

(٢) صفحة عجزهم : أي جانب عجزهم.

(٣) في (ز) أنزل.

(٤) في (ظ) : (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وليس في (ز) لنقوي.

(٥) ليس في (أ) به.

(٦) في (ظ) و (ز) أمرنا.

(٧) المزمل ، ٧٣ / ٤.

(٨) في (ز) وإن.

٢٤٣

(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (٣٦)

وجها ، كان فيه دليل على أنك تريد من زيد ، ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدلّ عليه الكلام وضع موضع معناه ، فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت ، كما قيل معناه كذا وكذا ، أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلّا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحقّ لك في حكمتنا أن تعطاه ، وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ، ودلالة على صحته ، يعني أنّ تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلّما نزل شيء منها أدخل في الإعجاز من أن ينزّل كلّه جملة.

٣٤ ـ (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ) الذين مبتدأ ، وأولئك مبتدأ ثان ، وشرّ خبر أولئك ، وأولئك مع شرّ خبر الذين ، أو التقدير هم الذين ، أو أعني الذين ، وأولئك مستأنف (مَكاناً) أي مكانة ومنزلة ، أو مسكنا ومنزلا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي وأخطأ طريقا ، وهو من الإسناد المجازي ، والمعنى : إنّ حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلّون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته ، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أنّ مكانكم شرّ من مكانه وسبيلكم أضلّ من سبيله ، وفي طريقته قوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (١) الآية وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم) قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (الذي أمشاكم على أقدامكم يمشيهم على وجوههم) (٢).

٣٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة كما آتيناك القرآن (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ) بدل أو عطف بيان (وَزِيراً) هو في اللغة من يرجع إليه ، من الوزر وهو الملجأ ، والوزارة لا تنافي النبوة ، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضا.

٣٦ ـ (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي فرعون وقومه ، وتقديره فذهبا إليهم وأنذرا فكذبوهما (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) التدمير الإهلاك بأمر

__________________

(١) المائدة ، ٥ / ٦٠.

(٢) البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا.

٢٤٤

(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) (٤٠)

عجيب ، أراد اختصار القصة فذكر أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة ، أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل ، واستحقاق التدمير بتكذيبهم.

٣٧ ـ (وَقَوْمَ نُوحٍ) أي ودمّرنا قوم نوح (لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) يعني نوحا وإدريس وشيثا ، أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيبا للجميع (أَغْرَقْناهُمْ) بالطوفان (وَجَعَلْناهُمْ) وجعلنا إغراقهم أو قصّتهم (لِلنَّاسِ آيَةً) عبرة يعتبرون بها (وَأَعْتَدْنا) وهيأنا (لِلظَّالِمِينَ) لقوم نوح ، وأصله وأعتدنا لهم إلا أنه أراد تظليمهم فأظهر ، أو هو عامّ لكلّ من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه (عَذاباً أَلِيماً) أي النار.

٣٨ ـ (وَعاداً) دمرنا عادا (وَثَمُودَ) حمزة وحفص على تأويل القبيلة ، وغيرهما وثمودا على تأويل الحي ، أو لأنه اسم الأب الأكبر (وَأَصْحابَ الرَّسِ) هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام ، فكذبوا شعيبا ، فبينا هم حول الرسّ ، وهو البئر غير مطوية ، انهارت بهم ، فخسف بهم وبديارهم ، وقيل الرسّ قرية قتلوا نبيّهم فهلكوا ، أو هم أصحاب الأخدود ، والرسّ الأخدود (وَقُرُوناً) وأهلكنا أمما (بَيْنَ ذلِكَ) المذكور (كَثِيراً) لا يعلمها إلا الله ، أرسل إليهم الرسل (١) فكذبوهم ، فأهلكوا.

٣٩ ـ (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) أي أهلكنا إهلاكا ، وكلّا الأول منصوب بما دل عليه ضربنا له الأمثال ، وهو أنذرنا أو حذرنا ، والثاني بتبّرنا لأنه فارغ له.

٤٠ ـ (وَلَقَدْ أَتَوْا) يعني أهل مكة (عَلَى الْقَرْيَةِ) سدوم وهي أعظم قرى قوم لوط ، وكانت خمسا ، أهلك الله أربعا مع أهلها وبقيت واحدة (الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) أي أمطر الله عليها الحجارة ، يعني أنّ قريشا مرّوا مرارا كثيرة في متاجرهم إلى الشام على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء ، ومطر السّوء مفعول ثان ، والأصل أمطرت القرية مطرا ، أو مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء (أَفَلَمْ

__________________

(١) ليس في (ز) الرسل.

٢٤٥

وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (٤٣)

(يَكُونُوا يَرَوْنَها) أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام ، فيتفكرون فيؤمنون (١) (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) بل كانوا قوما كفرة بالبعث لا يخافون بعثا فلا يؤمنون ، أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم.

٤١ ـ (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) إن نافية (إِلَّا هُزُواً) اتخذه هزوا في معنى استهزأ به ، والأصل اتخذه موضع هزؤ ، أو مهزوءا به (أَهذَا الَّذِي) محكى بعد القول المضمر ، وهذا استصغار واستهزاء ، أي قائلين أهذا الذي (بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) والمحذوف حال ، والعائد إلى الذي محذوف ، أي بعثه.

٤٢ ـ (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أن مخففة من الثقيلة ، واللام فارقة ، وهو دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعوتهم ، وعرض المعجزات عليهم ، حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام لو لا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) هو وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) هو كالجواب عن قولهم إن كاد ليضلّنا لأنه نسبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الضلال ، إذ لا يضلّ غيره إلا من هو ضال في نفسه.

٤٣ ـ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي من أطاع هواه فيما يأتي ويذر ، فهو عابد هواه وجاعله إلهه ، فيقول الله تعالى لرسوله : هذا الذي لا يرى معبودا إلا هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى؟ يروى أنّ الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر فإذا مرّ بحجر أحسن منه ترك الأوّل وعبد الثاني ، وعن الحسن : هو في كلّ متبع هواه (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) أي حفيظا تحفظه من متابعة هواه وعبادة ما يهواه ، أفأنت تكون عليه موكلا فتصرفه عن الهوى إلى الهدى ، عرّفه أنّ إليه التبليغ فقط.

__________________

(١) في (ز) فيتفكروا فيؤمنوا.

٢٤٦

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٤٦)

٤٤ ـ (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أم منقطعة ، معناه بل أتحسب كأنّ هذه المذمة أشدّ من التي تقدّمتها حتى حقّت بالإضراب عنها إليها؟ وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول ، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ، ولا إلى تدبّره عقلا ، ومشبّهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة ، فقد ركبهم الشيطان بالاستذلال لتركهم الاستدلال ، ثم هم أرجح ضلالة منها ، لأنّ الأنعام تسبّح ربّها وتسجد له وتطيع من يعلفها ، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرّها ، وتهتدي لمراعيها ومشاربها ، وهؤلاء لا ينقادون لربّهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوّهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتّقون العقاب الذي هو أشدّ المضارّ والمهالك ، ولا يهتدون للحقّ الذي هو المشرع الهنيّ والعذب الرّويّ ، فقالوا للملائكة روح وعقل وللبهائم نفس وهوى ، والآدمي مجمع الكلّ ابتلاء ، فإن غلبته النفس والهوى فضلته الأنعام ، وإن غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام ، وإنما ذكر الأكثر لأنّ فيهم من لم يصدّه عن الإسلام إلا حبّ الرياسة وكفى به داء عضالا ، ولأنّ فيهم من آمن.

٤٥ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) ألم تنظر إلى ربّك وقدرته (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) أي بسطه فعمّ الأرض ، وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور لأنه ظلّ ممدود لا شمس معه ولا ظلمة ، وهو كما قال في ظلّ الجنة (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (١) إذ لا شمس معه ولا ظلمة (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي دائما لا يزول ولا تذهبه الشمس (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) على الظلّ (دَلِيلاً) لأنه بالشمس يعرف الظلّ ، ولو لا الشمس لما عرف الظلّ ، فالأشياء تعرف بأضدادها.

٤٦ ـ (ثُمَّ قَبَضْناهُ) أي أخذنا ذلك الظلّ الممدود (إِلَيْنا) إلى حيث أردنا (قَبْضاً يَسِيراً) سهلا غير عسير ، أو قليلا قليلا ، أي جزءا فجزءا بالشمس التي تأتي عليه ، وجاء بثم لتفاضل ما بين الأمور ، فكأن الثاني أعظم من الأول والثالث أعظم

__________________

(١) الواقعة ، ٥٦ / ٣٠.

٢٤٧

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨)

من الثاني ، شبّه تباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت.

٤٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) جعل الظلام الساتر كاللباس (وَالنَّوْمَ سُباتاً) راحة لأبدانكم ، وقطعا لأعمالكم ، والسبت القطع ، والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته ، وقيل السبات الموت والمسبوت الميّت ، لأنه مقطوع الحياة ، وهو كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (١) ويعضده ذكر النشور في مقابلته (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) ذا نشور أي إبعاث (٢) من النوم كنشور الميت ، أو ينتشر (٣) فيه الخلق للمعاش ، وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه ، لأنّ في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية ، وفي النوم واليقظة المشبهين بالموت والحياة عبرة لمن اعتبر ، وقال لقمان لابنه : كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر.

٤٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) الريح مكي ، والمراد به الجنس (بُشْراً) تخفيف بشر جمع بشور (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي قدّام المطر لأنه ريح ، ثم سحاب ، ثم مطر ، وهذه استعارة مليحة (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (طَهُوراً) بليغا في طهارته ، والطّهور صفة ، كقولك ماء طهور ، أي طاهر ، واسم كقولك لما يتطهّر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضّأ به وتوقد به النار ، ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهورا حسنا ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : (لا صلاة إلا بطهور) (٤) أي بطهارة ، وما حكي عن ثعلب (٥) : هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ، وهو مذهب الشافعي رحمه‌الله تعالى ، إن كان هذا بيان زيادة الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٦) وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء ، وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع ومنوع غير سديد ،

__________________

(١) الأنعام ، ٦ / ٦٠.

(٢) في (ظ) انبعاث ، وفي (ز) إذ النشور انبعاث.

(٣) في (ظ) أو ينشر ، وفي (ز) أي ينشر.

(٤) الترمذي عن ابن عمر (لا تقبل صلاة إلا بطهور).

(٥) ثعلب : هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار ، الشيباني بالولاء ، أبو العباس أمام الكوفيين في النحو واللغة ولد عام ٢٠٠ ه‍ ومات عام ٢٩١ ه‍ (الأعلام ١ / ٢٦٧).

(٦) الأنفال ، ٨ / ١١.

٢٤٨

(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً) (٥٠)

لأنّ بناء الفعول للمبالغة ، فإن كان الفعل متعديا فالفعول متعد ، وإن كان لازما فلازم.

٤٩ ـ (لِنُحْيِيَ بِهِ) بالمطر (بَلْدَةً مَيْتاً) ذكر ميتا على إرادة البلد أو المكان (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) أي ونسقي الماء البهائم والناس ، ومما خلقنا حال من أنعاما وأناسيّ ، أي أنعاما (١) مما خلقنا ، وسقى أو أسقى لغتان ، وقرأ المفضّل والبرجميّ ونسقيه ، والأناسيّ جمع إنسيّ على القياس ككرسي وكراسي ، أو إنسان وأصله أناسين كسرحان وسراحين ، فأبدلت النون ياء وأدغمت ، وقدّم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي لأنّ حياتها سبب لحياتهما ، فقدّم ما هو سبب حياتهما على سقيهما (٢) ، وتخصيص الأنعام من بين (٣) الحيوان الشارب لأنّ عامة منافع الأناسي متعلقة بها ، فكأنّ الإنعام عليهم بسقي الأنعام كالإنعام بسقيهم ، وتنكير الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة لأنّ أكثر الناس منيخون (٤) بالقرب من الأودية والأنهار فيهم غنية عن سقي السماء ، وأعقابهم وبقاياهم وهم كثير يعيشون بما ينزّل الله من رحمته ، وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعّدين عن مظانّ الماء ، ولما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراما لهم ، وبيان أنّ من حقّهم أن يؤثروا الطهارة في بواطنهم وظواهرهم لأنّ الطهورية شرط الإحياء.

٥٠ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) ليذكروا حمزة وعليّ ، يريد ولقد صرّفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب المنزّلة على الرسل ، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حقّ النعمة فيه فيشكروا (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) فأبى أكثرهم إلّا كفران النعمة وجحودها ، وقلّة الاكتراث لها ، أو صرّفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة ، والأوقات المتغايرة ، وعلى الصفات المتفاوتة ، من وابل وطلّ وجود ورذاذ وديمة ، فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكروا صنع الله تعالى ونعمته (٥) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما من عام أقلّ مطرا من عام ، ولكنّ الله يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية (٦) ، وروي أنّ الملائكة

__________________

(١) زاد في (ز) وأناسي.

(٢) ليس في (ز) فقدّم ما هو سبب لحياتهما على سقيهما.

(٣) ليس في (ز) بين.

(٤) منيخون : مقيمون.

(٥) في (ظ) و (ز) ورحمته.

(٦) أخرجه الحاكم والطبري.

٢٤٩

(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣)

يعرفون عدد المطر ومقداره في كلّ عام لأنه لا يختلف ، ولكن يختلف فيه البلاد ، وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله تعالى كفر وإن رأى أنّ الله تعالى خالقها ، وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر.

٥١ ـ ٥٢ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي لو شئنا لخفّفنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كلّ قرية نبيا ينذرها ، ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين ، فقصرنا الأمر عليك وعظّمناك به ، فتكون وحدك ككلّهم ، ولذا خوطب بالجمع : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) (١) فقابل ذلك بالشكر (٢) والتشدد والتصبر ولا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم ، وكما آثرتك على جميع الأنبياء فآثر رضاي على جميع الأهواء ، وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) أي بالله ، يعني بعونه وتوفيقه ، أو بالقرآن أي جادلهم به وقرّعهم بالعجز عنه (جِهاداً كَبِيراً) عظيما موقعه عند الله لما يحتمل فيه من المشاق ، ويجوز أن يرجع الضمير في به إلى ما دلّ عليه ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا من كونه نذير كافة القرى ، لأنه لو بعث في كلّ قرية نذيرا لوجب على كلّ نذير مجاهدة قريته ، فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم ، فقال له وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكلّ مجاهدة.

٥٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) خلّاهما متجاورين متلاصقين ، تقول مرجت الدابة إذا خلّيتها ترعى ، وسمّى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين (هذا) أي أحدهما (عَذْبٌ فُراتٌ) صفة لعذب ، أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) صفة لملح ، أي شديد الملوحة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حائلا من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج ، فهما في الظاهر مختلطان ، وفي الحقيقة منفصلان (وَحِجْراً

__________________

(١) المؤمنون ، ٢٣ / ٥١.

(٢) في (ظ) بالشكر والتشدد والصبر ، وفي (ز) بالشكر والصبر والتشدد.

٢٥٠

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٥٧)

(مَحْجُوراً) وسترا ممنوعا عن الأعين كقوله : (حِجاباً مَسْتُوراً) (١).

٥٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ) أي النطفة (بَشَراً) إنسانا (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أراد تقسيم البشر قسمين : ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان ، وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهنّ كقوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٢) (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين ذكرا وأنثى ، وقيل فجعله نسبا أي قرابة وصهرا أي (٣) مصاهرة يعني الوصلة بالنكاح ، منّ (٤) بالأنساب ، لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة ، لأن التوالد يكون بهما.

٥٥ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوه (وَلا يَضُرُّهُمْ) إن تركوه (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ) على معصية ربّه (ظَهِيراً) معينا ومظاهرا ، وفعيل بمعنى مفاعل ، غير عزيز ، والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون ، والمظاهرة المعاونة ، والمعنى أنّ الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن.

٥٦ ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمؤمنين (وَنَذِيراً) منذرا للكافرين.

٥٧ ـ (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ (مِنْ أَجْرٍ) جعل ، مثال (٥) (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) والمراد إلّا فعل من شاء ، واستثناؤه من الأجر قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال : ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلّا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه ، فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صوّره بصورة الثواب كأنه يقول : إنّ حفظك مالك بمنزلة (٦) الثواب لي ورضاي به كرضا المثاب بالثواب ، ولعمري إنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلا تقرّبهم إليه بالإيمان والطاعة ، أو بالصدقة والنفقة ، وقيل المراد لكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربّه سبيلا فليفعل ، وقيل تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا اتخاذ المدعوّ سبيلا إلى ربّه

__________________

(١) الإسراء ، ١٧ / ٤٥.

(٢) القيامة ، ٧٥ / ٣٩.

(٣) ليس في (ز) أي.

(٤) في (ز) من باب الأنساب.

(٥) ليس في (ز) مثال.

(٦) في (ظ) و (ز) إن حفظك مالك اعتد حفظك بمنزلة.

٢٥١

(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (٥٩)

بطاعته ، فذلك أجري لأن الله يأجرني عليه.

٥٨ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) اتخذ من لا يموت وكيلا لا يكلك إلى من يموت ذليلا ، يعني ثق به وأسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حيّ يموت ، وقرأها بعض الصالحين فقال : لا يصحّ لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق ، والتوكل الاعتماد عليه في كلّ أمر (وَسَبِّحْ) ونزهه عن أن يكل إلى غيره (١) من توكّل عليه (بِحَمْدِهِ) بتوفيقه الذي يوجب الحمد ، أو قل سبحان الله وبحمده ، أو نزّهه عن كلّ العيوب بثناء تثني عليه (٢) (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي كفى الله خبيرا بذنوب عباده ، يعني أنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم.

٥٩ ـ (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي في مدة مقدارها (٣) هذه المدة ، لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار ، وعن (٤) مجاهد : أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة ، وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبّت (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) أي هو الرحمن ، فالرحمن خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من الضمير في استوى ، أو الذي خلق مبتدأ والرحمن خبره (فَسْئَلْ) وبلا همز مكي وعليّ (بِهِ) صلة سل كقوله : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٥) كما تكون عن صلته في قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٦) فسأل به كقولك اهتم به واشتغل به ، وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه ، أو صلة (خَبِيراً) ويكون خبرا مفعول سل ، أي فاسأل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته ، أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته ، أو الرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدّمة ، ولم يكونوا يعرفونه ، فقيل فسل (٧) بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب (٨) حتى تعرف من ينكره ، ومن ثمّ كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلّا

__________________

(١) في (ز) من لا يكل إلى غيره.

(٢) في (ز) بالثناء عليه.

(٣) في (ز) مقدار.

(٤) في (ز) روي عن.

(٥) المعارج ، ٧٠ / ١.

(٦) التكاثر ، ١٠٢ / ٨.

(٧) في (ز) فاسال.

(٨) في (ز) الكتب.

٢٥٢

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (٦٢)

الذي باليمامة ، يعنون مسيلمة ، وكان يقال له رحمان اليمامة.

٦٠ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) صلوا لله واخضعوا له (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أي لا نعرف الرحمن فنسجد له ، فهذا سؤال عن المسمّى به ، لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم ، والسؤال عن المجهول بما ، أو عن معناه ، لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) للذي تأمرنا بالسجود له ، أو لأمرك بالسجود يا محمد من غير علم منّا به. يأمرنا عليّ وحمزة ، كأن بعضّهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا محمد ، أو يأمرنا المسمّى بالرحمن ولا نعرف ما هو؟ فقد عاندوا ، لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة ، لأن فعلان من أبنية المبالغة ، تقول رجل عطشان إذا كان في نهاية العطش (وَزادَهُمْ) قوله اسجدوا للرحمن (نُفُوراً) تباعدا عن الإيمان.

٦١ ـ (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) هي منازل الكواكب السبعة (١) السيارة ، لكلّ كوكب بيتان يقوى حاله فيهما ، وللشمس بيت وللقمر بيت. فالحمل والعقرب بيتا المريخ ، والثور والميزان بيتا الزهرة ، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد ، والسرطان بيت القمر ، والأسد بيت الشمس ، والقوس والحوت بيتا المشتري ، والجدي والدلو بيتا زحل. وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع ، فيصيب كلّ واحد منها ثلاثة بروج : فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية ، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية ، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية ، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. سميت (٢) بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها ، واشتقاق البروج من التبرّج لظهوره ، وقال الحسن وقتادة ومجاهد : البروج هي النجوم الكبار لظهورها (وَجَعَلَ فِيها) في السماء (سِراجاً) يعني الشمس لتوقّدها. سرجا حمزة وعليّ أي نجوما (وَقَمَراً مُنِيراً) مضيئا بالليل.

٦٢ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) فعلة من خلف كالركبة من ركب ،

__________________

(١) ليس في (ز) السبعة.

(٢) زاد في (ز) المنازل.

٢٥٣

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) (٦٥)

وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كلّ واحد منهما الآخر ، والمعنى جعلهما ذوي خلفة ، يخلف أحدهما الآخر عند مضيّه ، أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) يتدبّر في تسخيرهما واختلافهما ، فيعرف مدبّرهما ، يذكر حمزة وخلف ، أي يذكر الله أو المنسيّ فيقضي (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أي يشكر نعمة ربّه عليه فيهما.

٦٣ ـ (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) مبتدأ خبره (الَّذِينَ يَمْشُونَ) أو أولئك يجزون (١) ، والذين يمشون وما بعده (٢) صفة ، والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل. وصف أولياءه بعد ما وصف أعداءه (عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) حال ، أو صفة للمشي ، أي هيّنين ، أو مشيا هيّنا ، والهون الرفق واللين ، أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون مرح واختيال وتكبر ، فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا ، ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله : (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) (٣) (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) أي السفهاء بما يكرهون (قالُوا سَلاماً) سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإفك ، أو تسلّما منكم نتارككم ولا نجاهلكم ، فأقيم السلام مقام التسليم (٤) وقيل نسختها آية القتال ، ولا حاجة إلى ذلك ، فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعا ومروءة.

هذا وصف نهارهم ، ثم وصف ليلهم بقوله :

٦٤ ـ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً) جمع ساجد (وَقِياماً) جمع قائم ، فالبيتوتة خلاف الظّلول ، وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم ، وقالوا من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قلّ فقد بات ساجدا وقائما ، وقيل هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء ، والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره.

٦٥ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً)

__________________

(١) في (ظ) زاد : الغرفة بما صبروا.

(٢) في (ز) بعدهما.

(٣) الآية ٢٠ من هذه السورة.

(٤) في (ز) التسلم.

٢٥٤

(إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٦٧)

هلاكا لازما ، ومنه الغريم لملازمته. وصفهم بإحياء الليل ساجدين قائمين ، ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العقاب (١) عنهم.

٦٦ ـ (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي إن جهنّم ، وساءت في حكم بئست ، وفيها ضمير مبهم يفسّره مستقرا ، والمخصوص بالذمّ محذوف معناه ساءت مستقرا ومقاما هي ، وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إنّ وجعلها خبرا لها ، أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم إن ، ومستقرا حال أو تمييز ، ويصحّ أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفين ، وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم.

٦٧ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) لم يجاوزوا الحدّ في النفقة ، أو لم يأكلوا للتنعّم ولم يلبسوا للتصلّف ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لم ينفقوا في المعاصي ، فالإسراف مجاوزة القدر ، وسمع رجل رجلا يقول : لا خير في الإسراف ، فقال : لا إسراف في الخير ، وقال عليه الصلاة والسلام : (من منع حقا فقد قتّر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف) (٢) (وَلَمْ يَقْتُرُوا) بضم التاء كوفي ، وبضم الياء وكسر التاء مدني وشامي ، وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصري ، والقتر والإقتار والتقتير التضييق الذي هو نقيضّ الإسراف (وَكانَ) أي (٣) إنفاقهم (بَيْنَ ذلِكَ) أي الإسراف والإقتار (قَواماً) عدلا (٤) بينهما ، فالقوام العدل بين الشيئين ، والمنصوبان أي بين ذلك قواما خبران ، وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلوّ والتقصير ، وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) (٥) الآية. وسأل عبد الملك بن مروان (٦) عمر بن عبد العزيز عن نفقته حين زوّجه ابنته فقال : الحسنة بين السيئتين ، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية ، وقيل أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاما للتنعّم واللذّة ولا يلبسون ثيابهم للجمال

__________________

(١) في (ظ) و (ز) العذاب.

(٢) لم أجده.

(٣) ليس في (ز) أي.

(٤) في (ز) أي عدلا.

(٥) الإسراء ، ١٧ / ٢٩.

(٦) عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي ، أبو الوليد ، من أعاظم الخلفاء ودهاتهم أول من صك الدنانير في الإسلام ولد عام ٢٦ ه‍ ومات عام ٨٦ ه‍ (الأعلام ٤ / ١٦٥).

٢٥٥

(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٠)

والزينة ، ولكن لسدّ الجوعة ، وستر العورة ، ودفع الحرّ والقرّ ، وقال عمر رضي الله عنه : كفى صرفا أن لا يشتهي الرجل شيئا إلّا أكله (١).

٦٨ ـ (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا يشركون (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أي حرّمها يعني حرّم قتلها (إِلَّا بِالْحَقِ) بقود ، أو رجم ، أو ردّة ، أو شرك ، أو سعي في الأرض بالفساد ، وهو متعلق بالقتل المحذوف ، أو بلا يقتلون (وَلا يَزْنُونَ) ونفي هذه الكبائر عن عباده الصالحين تعريض لما كان عليه (٢) أعداؤهم من قريش وغيرهم ، كأنه قيل والذين طهّرهم الله مما أنتم عليه (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي المذكور (يَلْقَ أَثاماً) جزاء الإثم.

٦٩ ـ (يُضاعَفْ) بدل من يلق لأنهما في معنى واحد ، إذ مضاعفة العذاب هي لقاء الآثام ، كقوله (٣) :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأججا

فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتنا ، إذ الإتيان هو الإلمام. يضعّف مكي ويزيد ويعقوب. يضعّف شامي ، يضاعف أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ، ومعنى يضاعف (لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذابا على عذاب ، وقيل إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشرك عذّب على الشرك وعلى المعاصي جميعا فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه (وَيَخْلُدْ) جزمه جازم يضاعف ورفعه رافعه ، لأنه معطوف عليه (فِيهِ) في العذاب. فيهي مكي وحفص بالإشباع ، وإنما خصّ حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد ، والعرب تمدّ للمبالغة مع أنّ الأصل في هاء الكناية الإشباع (مُهاناً) حال ، أي ذليلا.

٧٠ ـ (إِلَّا مَنْ تابَ) عن الشرك ، وهو استثناء من الجنس في موضع النصب

__________________

(١) عبد الرزاق في التفسير.

(٢) ليس في (أ) عليه.

(٣) القائل ذو الإصبع العدواني وهو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة من عدوان ينتهي نسبه إلى مضر ، شاعر ، حكيم ، شجاع جاهلي. مات نحو ٢٢ ق. ه (الأعلام ٢ / ١٧٣).

٢٥٦

(وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) (٧٣)

(وَآمَنَ) بمحمد عليه الصلاة والسلام (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) بعد توبته (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) أي يوفقهم للمحاسن بعد القبائح ، أو يمحوها بالتوبة ، ويثبت مكانها الحسنات الإيمان والطاعة ، ولم يرد به أنّ السيئة بعينها حسنة ولكن المراد ما ذكرنا. يبدل مخففا البرجمي (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) يكفر السيئات (رَحِيماً) يبدلها بالحسنات.

٧١ ـ (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) أي ومن تاب وحقّق التوبة بالعمل الصالح فإنه بذلك تائب إلى الله (١) متابا مرضيّا عنده ، مكفرا للخطايا ، محصلا للثواب.

٧٢ ـ (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي الكذب ، يعني ينفرون عن محاضر الكذّابين ومجالس الخطّائين فلا يقربونها تنزّها عن مخالطة الشرّ وأهله ، إذ مشاهدة الباطل شركة فيه ، وكذلك النظارة إلى ما لم تسوّغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الآثام ، لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا ، وسبب وجود الزيادة فيه ، وفي مواعظ عيسى عليه‌السلام : إياكم ومجالسة الخاطئين ، أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف ، وعن قتادة : المراد مجالس الباطل ، وعن ابن الحنفية : لا يشهدون اللهو والغناء (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) بالفحش وكلّ ما ينبغي أن يلغى ويطرح ، والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به (مَرُّوا كِراماً) معرضين عنه (٢) مكرّمين أنفسهم عن التلوّث به كقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) (٣) وعن الباقر (٤) رضي الله عنه : إذا ذكروا الفروج كنّوا عنها.

٧٣ ـ (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي قرىء عليهم القرآن ، أو وعظوا

__________________

(١) في (ز) فإنه يتوب بذلك إلى الله تعالى.

(٢) ليس في (ز) عنه.

(٣) القصص ، ٢٨ / ٥٥.

(٤) الباقر : محمد بن علي زين العابدين بن الحسين الطالبي الهاشمي ، القرشي ، أبو جعفر الباقر ، خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، ولد عام ٥٧ ه‍ ومات عام ١١٤ ه‍ كان ناسكا عابدا توفي بالمدينة (الأعلام ٦ / ٢٧٠).

٢٥٧

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (٧٥)

بالقرآن (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) هذا ليس بنفي الخرور بل هو إثبات له ، ونفي الصمم والعمى ، ونحوه لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام لا للقاء ، يعني أنهم إذا ذكّروا بها خرّوا سجّدا وبكيّا ، سامعين بآذان واعية ، مبصرين بعيون راعية (١) لما أمروا به ونهوا عنه ، لا كالمنافقين وأشباههم ، دليله قوله تعالى : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٢).

٧٤ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا) من للبيان ، كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم بيّنت القرّة وفسّرت بقوله من أزواجنا (وَذُرِّيَّاتِنا) ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين ، وهو من قولهم رأيت منك أسدا ، أي أنت أسد ، أو للابتداء على معنى هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح ، وذريتنا أبو عمرو وكوفي غير حفص لإرادة الجنس ، وغيرهم ذرياتنا (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وإنما نكّر لأجل تنكير القرة لأنّ المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه ، كأنه قال : هب لنا منهم سرورا وفرحا ، وإنما قيل أعين على القلة دون عيون لأنّ المراد أعين المتقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ، قال الله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣) ويجوز أن يقال في تنكير أعين إنها أعين خاصة ، وهي أعين المتقين ، والمعنى أنهم سألوا ربّهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عمّالا لله تعالى يسرّون بمكانهم وتقرّ بهم عيونهم ، وقيل ليس شيء أقرّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله تعالى ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي أئمة يقتدون بنا في الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس ، أو واجعل كلّ واحد منا إماما. قيل في الآية ما يدلّ على أنّ الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها.

٧٥ ـ (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي الغرفات ، وهي العلالي في الجنة فوحّد اقتصارا على الواحد الدالّ على الجنس ، دليله قوله : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٤) (بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات ، وعلى أذى

__________________

(١) في (ظ) و (ز) واعية.

(٢) مريم ، ١٩ / ٥٨.

(٣) سبأ ، ٣٤ / ١٣.

(٤) سبأ ، ٣٤ / ٣٧.

٢٥٨

(خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) (٧٧)

الكفار ومجاهدتهم ، وعلى الفقر وغير ذلك (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) ويلقون كوفي غير حفص (تَحِيَّةً) دعاء بالتعمير (وَسَلاماً) ودعاء بالسلامة ، يعني أنّ الملائكة يحيونهم ويسلّمون عليهم ، أو يحيّي بعضهم بعضا ويسلّم عليه.

٧٦ ـ (خالِدِينَ فِيها) حال (حَسُنَتْ) أي الغرفة (مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) موضع قرار وإقامة ، وهي في مقابلة ساءت مستقرا ومقاما.

٧٧ ـ (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ما متضمنة لمعنى الاستفهام ، وهي في محلّ النصب ، ومعناه ما يصنع بكم ربي لو لا دعاؤه إياكم إلى الإسلام ، أو لو لا عبادتكم له ، أي أنه خلقكم لعبادته كقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) أي الاعتبار عند ربّكم لعبادتكم ، أو ما يصنع بعذابكم لو لا دعاؤكم معه آلهة ، وهو كقوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) (٢) (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) رسولي يا أهل مكّة (فَسَوْفَ يَكُونُ) العذاب (لِزاماً) أي ذا لزام ، أو ملازما ، وضع مصدر لازم موضع اسم الفاعل ، وقال الضحاك : ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم لو لا دعاؤكم معه إلها آخر.

__________________

(١) الذاريات ، ٥١ / ٥٦.

(٢) النساء ، ٤ / ١٤٧.

٢٥٩

سورة الشعراء

مكية وهي مائتان وعشرون وسبع آيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤)

١ ـ (طسم) طس ، ويس ، وحم ممال (١) كوفي غير الأعشى والبرجمي وحفص ، ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة ، وغيرهما يدغمها.

٢ ـ (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) الظاهر إعجازه ، وصحة أنه من عند الله ، والمراد به السورة أو القرآن ، والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين.

٣ ـ (لَعَلَّكَ باخِعٌ) قاتل ، ولعلّ للإشفاق (نَفْسَكَ) من الحزن ، يعني أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنا على ما فاتك من إسلام قومك (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لئلّا يؤمنوا ، أو لامتناع إيمانهم ، أو خيفة أن لا يؤمنوا.

٤ ـ (إِنْ نَشَأْ) إيمانهم (نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) دلالة واضحة (فَظَلَّتْ) أي فتظلّ ، لأنّ الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل ، تقول إن زرتني أكرمتك أي أكرمك ، كذا قاله الزّجّاج (أَعْناقُهُمْ) رؤساؤهم ومقدّموهم أو جماعاتهم يقال : جاءنا عنق من الناس لفوج منهم (لَها خاضِعِينَ) منقادين ، وعن ابن عباس رضي الله

__________________

(١) في (ز) ممالة.

٢٦٠