تفسير النسفي - ج ٣

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١٥٥)

(لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ. أَتُتْرَكُونَ) إنكار لأن يتركوا خالدين في نعيمهم لا يزالون عنه (فِي ما هاهُنا) في الذي استقرّ في هذا المكان من النّعيم (آمِنِينَ) من العذاب والزّوال والموت. ثم فسّره بقوله :

١٤٧ ـ (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل.

١٤٨ ـ (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ) وعطف نخل على جنات مع أنّ الجنة تتناول النخل أول شيء تفضيلا للنخل على سائر الشجر (طَلْعُها) هو ما يخرج من النخل كنصل السيف (هَضِيمٌ) لين نضيج ، كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره.

١٤٩ ـ (وَتَنْحِتُونَ) تنقبون (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) شامي وكوفي ، حاذقين ، حال ، وغيرهم فرهين أشرين ، والفراهة الكيس (١) والنشاط.

١٥١ ـ ١٥٠ ـ (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) الكافرين ، أو التسعة الذين عقروا الناقة ، جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي ، والمراد الآمر ، وهو كلّ جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التّأوّل كقولهم أنبت الربيع البقل.

١٥٢ ـ (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالظلم والكفر (وَلا يُصْلِحُونَ) بالإيمان والعدل ، والمعنى أنّ فسادهم فساد (٢) مصمت ليس معه شيء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح.

١٥٣ ـ (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) المسحّر الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله ، وقيل هو من السحر الرئة ، وأنه بشر.

١٥٤ ـ (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعوى الرسالة.

١٥٥ ـ (قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه (وَلَكُمْ

__________________

(١) الكيس : ضد الحمق.

(٢) ليس في (ز) فساد.

٢٨١

وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) (١٦٥)

(شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) لا تزاحمكم هي فيه ، روي أنهم قالوا : تريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقبا (١) فجعل صالح يتفكّر ، فقال له جبريل : صلّ ركعتين واسأل ربّك الناقة ، ففعل ، فخرجت الناقة ونتجت سقبا مثلها في العظم ومصدّرها (٢) ستون ذراعا ، وإذا كان يوم شربها شربت ماءهم كلّه وإذا كان يوم شربهم لا تشرب فيه الماء ، وهذا دليل على جواز المهايأة (٣) لأن قوله : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، من المهايأة.

١٥٦ ـ (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) بضرب أو عقر أو غير ذلك (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) عظّم اليوم لحلول العذاب فيه ، ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظّم بسببه كان موقعه من العظم أشدّ.

١٥٧ ـ (فَعَقَرُوها) عقرها قدار ، ولكنهم راضون به فأضيف إليهم ، روي أنّ عاقرها قال : لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين ، فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون : أترضين؟ فتقول : نعم ، وكذلك صبيانهم (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) على عقرها خوفا من نزول العذاب بهم لا ندم توبة ، أو ندموا حين لا ينفع الندم وذلك عند معاينة العذاب ، أو (٤) على ترك الولد.

١٥٩ ـ ١٥٨ ـ (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) المتقدم (٥) ذكره (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

١٦٥ ـ ١٦٠ ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي

__________________

(١) السقب : ولد الناقة ، أو ساعة يولد ، أو خاص بالذكر (القاموس ١ / ٨٢).

(٢) في (ز) وصدرها.

(٣) المهايأة : الأمر المتوافق عليه (انظر القاموس ١ / ٣٤).

(٤) ليس في (أ) أو.

(٥) في (ز) المقدم.

٢٨٢

وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) (١٧١)

(لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ. أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) أراد بالعالمين الناس ، أتطئون الذكور من الناس مع كثرة الإناث ، أو أتطئون أنتم من بين من عداكم من العالمين الذّكران ، أي أنتم مختصون بهذه الفاحشة ، والعالمين على هذا كلّ ما ينكح من الحيوان.

١٦٦ ـ (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) من تبيين لما خلق ، أو تبعيض ، والمراد بما خلق العضو المباح منهنّ ، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم ، وفيه دليل على تحريم أدبار الزوجات والمملوكات ، ومن أجازه فقد أخطأ خطأ عظيما (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) العادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحدّ ، أي بل أنتم قوم أحقّ بأن توصفوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة.

١٦٧ ـ (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا ، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال.

١٦٨ ـ (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) هو أبلغ من أن يقول قال ، فقولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم ، لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم. والقلى : البغض الشديد كأنه بغض (١) يقلي الفؤاد والكبد ، وفيه دليل على عظم المعصية لأنّ قلاه من حيث الدين.

١٦٩ ـ (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) من عقوبة عملهم.

١٧٠ ـ (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) يعني بناته ومن آمن معه.

١٧١ ـ (إِلَّا عَجُوزاً) أي (٢) امرأة لوط ، وكانت راضية بذلك ، والراضي بالمعصية في حكم العاصي ، واستثناء الكافرة من الأهل وهم مؤمنون للاشتراك في هذا الاسم ، وإن لم تشاركهم في الإيمان (فِي الْغابِرِينَ) صفة لها أي في الباقين في العذاب ، فلم تنج منه ، والغابر في اللغة الباقي ، كأنه قيل إلا عجوزا غابرة أي مقدّرا

__________________

(١) ليس في (ز) الشديد كأنه بغض.

(٢) في (ظ) و (ز) هي.

٢٨٣

(ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥) كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) (١٨١)

غبورها ، إذ الغبور لم يكن صفتها وقت تنجيتهم.

١٧٢ ـ (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) والمراد بتدميرهم الائتفاك (١) بهم.

١٧٣ ـ ١٧٥ ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) عن قتادة : أمطر الله على شذّاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم (٢) ، وقيل لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطرا من حجارة (فَساءَ) فاعله (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) والمخصوص بالذّمّ وهو مطرهم محذوف ، ولم يرد بالمنذرين قوما بأعيانهم بل المراد جنس الكافرين (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

١٧٦ ـ ١٨٠ ـ (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) بالهمزة والجرّ هي غيضة تنبت ناعم الشجر عن الخليل ، ليكة حجازي وشامي ، وكذا في ص (٣) علم لبلد ، قيل أصحاب الأيكة هم أهل مدين التجأوا إلى غيضة إذ ألحّ عليهم الوهج ، والأصحّ أنهم غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية وأكثر شجرهم المقل ، بدليل أنه لم يقل هنا أخوهم شعيب ، لأنه لم يكن من نسبهم بل كان من نسب أهل مدين ، ففي الحديث أنّ شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة (٤) (الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).

١٨١ ـ (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أتموه (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) ولا تنقصوا (٥) حقوقهم ، فالكيل واف ، وهو مأمور به ، وطفيف وهو منهي عنه ، وزائد وهو مسكوت عنه ، فتركه دليل على أنه إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعل فلا شيء عليه.

__________________

(١) الائتفاك بهم : قلب الأرض بهم والمؤتفكات الرياح التي تقلب الأرض (القاموس ٣ / ٢٩٢).

(٢) زاد في (ز) الله.

(٣) أي سورة ص.

(٤) الطبري قال : حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) قال : الأيكة ؛ الشجر ، بعث الله شعيبا إلى قومه وإلى أهل البادية ، قال : وهم أصحاب ليكه.

(٥) زاد في (ز) الناس.

٢٨٤

(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٨٧)

١٨٢ ـ (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) وبكسر القاف كوفي غير أبي بكر ، وهو الميزان أو القبّان ، فإن كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكرّرة فوزنه فعلاس ، وإلا فهو رباعي.

١٨٣ ـ (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ) يقال بخسته حقّه إذا نقصته إياه (أَشْياءَهُمْ) دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافهما (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ولا تبالغوا فيها في الإفساد ، نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع ، وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه ، يقال عثا في الأرض إذا أفسد وعثى في الأرض لغة في عثي.

١٨٤ ـ (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ) الجبلة عطف على كم أي اتقوا الذي خلقكم وخلق الجبلّة (الْأَوَّلِينَ) الماضين.

١٨٦ ـ ١٨٥ ـ (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف للرسالة عندهم : التسحير والبشرية ، وتركها في قصة ثمود ليفيد معنى واحدا وهو كونه مسحّرا ، ثم قرر (١) بكونه بشرا مثلهم (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) إن مخففة من الثقيلة واللام دخلت للفرق بينها وبين النافية ، وإنما تفرقتا على فعل الظن وثاني مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ والخبر كقولك إن زيدا لمنطلق ، فلما كان بابا كان وظننت من جنس باب المبتدأ والخبر فعل ذلك في البابين فقيل إن كان زيد لمنطلقا وإن ظننته لمنطلقا.

١٨٧ ـ (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) كسفا حفص وهما (٢) جمعا كسفة وهي القطعة وكسفه قطعه (مِنَ السَّماءِ) أي السحاب أو الظّلّة (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي إن كنت صادقا أنك نبي فادع الله أن يسقط علينا كسفا من السماء أي قطعا من السماء عقوبة.

__________________

(١) في (ز) كرر.

(٢) في مصحف النسفي كسفا وهو قراءة لذلك قال وهما.

٢٨٥

(قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (١٩٥)

١٨٨ ـ (قالَ رَبِّي) بفتح الياء حجازي وأبو عمرو وبسكونها غيرهم (أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي إنّ الله أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب ، فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل ، وإن أراد عقابا آخر فإليه الحكم والمشيئة.

١٨٩ ـ ١٩١ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) هي سحابة أظلّتهم بعدما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحرّ فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) وقد كرّر في هذه السورة في أوّل كلّ قصة وآخرها ما كرّر تقريرا لمعانيها في الصدور ليكون أبلغ في الوعظ والزجر ، ولأنّ كلّ قصة منها كتنزيل برأسه ، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها ، فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تختتم بما اختتمت به.

١٩٢ ـ (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) منزّل منه.

١٩٣ ـ (نَزَلَ بِهِ) مخفف ، والفاعل (الرُّوحُ الْأَمِينُ) أي جبريل ، لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة ، حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص ، وغيرهم بالتشديد ونصب الروح ، والفاعل هو الله تعالى ، أي جعل الله الروح نازلا به ، والباء على القراءتين للتعدية.

١٩٤ ـ (عَلى قَلْبِكَ) أي حفّظك وفهّمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (١) (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).

١٩٥ ـ (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ) بلغة قريش وجرهم (مُبِينٍ) فصيح مصحح عما صحّفته العامة ، والباء إما أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم‌السلام ، أو بنزّل أي نزّله بلسان عربي لتنذر به ، لأنه لو نزّله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلا ، ولقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه ، فيتعذر

__________________

(١) الأعلى ، ٨٧ / ٦.

٢٨٦

(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (١٩٨)

الإنذار به ، وفي هذا الوجه أنّ تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك ، لأنك تفهمه وتفهّمه قومك ، ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك ، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها ، وقد يكون الرجل عارفا ، بعدة لغات فإذا كلّم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه (١) إلّا إلى معاني الكلام ، وإن كلّم بغيرها كان نظره أولا في ألفاظها ، ثمّ في معانيها وإن كان ماهرا بمعرفتها ، فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين.

١٩٦ ـ (وَإِنَّهُ) وإنّ القرآن (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية ، وقيل إنّ معانيه فيها ، وفيه دليل على أنّ القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلا على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة.

١٩٧ ـ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) شامي (٢) ، جعلت آية اسم كان ، وخبره (أَنْ يَعْلَمَهُ) أي القرآن لوجود ذكره في التوراة ، وقيل في يكن ضمير القصة ، وآية خبر مقدّم ، والمبتدأ أن يعلمه ، والجملة خبر كان ، وقيل كان تامة ، والفاعل آية ، وأن يعلمه بدل منها ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي أو لم تحصل لهم آية ، وغيره يكن بالتذكير ، وآية بالنصب على أنها خبره ، وأن يعلمه هو الاسم ، وتقديره أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل (عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) كعبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) (٣) وخطّ في المصحف علماؤا بواو قبل الألف.

١٩٨ ـ (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) جمع أعجم وهو الذي لا يفصح ، وكذلك الأعجمي إلا أنّ فيه لزيادة ياء النسبة زيادة توكيد (٤) ، ولما كان من يتكلّم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي ، شبّهوه بمن لا يفصح ولا

__________________

(١) زاد في (ز) ناظرا.

(٢) في مصحف النسفي : أولم تكن لهم آية. وهي قراءة ابن عامر لذلك قال : شامي. وعلى هذا الأساس تابع يقول : ...

(٣) القصص ، ٢٨ / ٥٣.

(٤) في (ظ) و (ز) تأكيد ، وهما صحيحان والمثبت أصح.

٢٨٧

(فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٠١)

يبيّن ، والعجميّ الذي من جنس أفصح أو لم يفصح ، وقرأ الحسن الأعجميين ، وقيل الأعجمين تخفيف الأعجميين ، كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف ياء النسبة ، ولو لا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع السلامة لأنّ مؤنثه عجماء.

١٩٩ ـ (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) والمعنى أنا أنزلنا هذا (١) القرآن على رجل عربي مبين ، ففهموه وعرفوا فصاحته ، وأنه معجز ، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتاب قبله على أنّ البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم ، وقد تضمنت معانيه وقصصه ، وصحّ بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا ، فلم يؤمنوا به وسمّوه شعرا تارة وسحرا أخرى ، وقالوا هذا من افتراء محمد (٢) ، ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا معجزا لكفروا به كما كفروا ، ولتمحّلوا لجحودهم عذرا وسمّوه (٣) سحرا ، ثم قال :

٢٠٠ ـ (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) أي أدخلنا التكذيب أو الكفر ، وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه ، يعني مثل هذا السّلك سلكناه في قلوبهم وقرّرناه فيها ، فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبّر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عمّا هم عليه من الكفر به والتكذيب له أي (٤) كما قال : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٥) وهو حجتنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرّها. وموقع قوله :

٢٠١ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخّص ، لأنه مسوق لثبات كونه مكذّبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرّر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده ، حتى يعاينوا الوعيد ، ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) المراد به

__________________

(١) ليس في (ز) هذا.

(٢) زاد في (ز) عليه الصلاة والسلام مع أن الكلام قول المشركين ، وهي زيادة في غير موضعها.

(٣) في (ز) ولسموه.

(٤) ليس في (ظ) و (ز) أي.

(٥) الأنعام ، ٦ / ٧.

٢٨٨

(فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨)

معاينة (١) العذاب عند الموت ، ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم.

٢٠٢ ـ (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه.

٢٠٣ ـ (فَيَقُولُوا) وفيأتيهم معطوفان على يروا (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) يسألون النّظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها.

٢٠٤ ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢) ونحو ذلك قال يحيى بن معاذ : أشدّ الناس غفلة من اغترّ بحياته ، والتذّ بمراداته ، وسكن إلى مألوفاته ، والله تعالى يقول (٣) :

٢٠٥ ـ (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) قيل هي سنو مدة الدنيا.

٢٠٦ ـ (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) من العذاب.

٢٠٧ ـ (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) به في تلك السنين ، والمعنى أنّ استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى : أفبعذابنا يستعجلون ، أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ، ثم قال : هب أنّ الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم ، وعن ميمون بن مهران (٤) أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه ، فقال عظني ، فلم يزده على تلاوة هذه الآية ، فقال ميمون قد وعظت فأبلغت ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم.

٢٠٨ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) رسل ينذرونهم ، ولم تدخل الواو

__________________

(١) في (ظ) والمراد معاينة ، وفي (ز) المراد معاينة.

(٢) الأنفال ، ٨ / ٣٢.

(٣) ما بين (أَلِيمٍ) و (أَفَرَأَيْتَ) نقل في (ز) إلى ما قبل قول ميمون بن مهران في الآية ٢٠٧.

(٤) ميمون بن مهران الرّقّي ، أبو أيوب ، فقيه من القضاة ، كان عالم الجزيرة وسيدها استعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها ولد عام ٣٧ ه‍ ومات عام ١١٧ ه‍ (الأعلام ٧ / ٣٤٢).

٢٨٩

(ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤)

على الجملة بعد إلا كما في : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (١) لأنّ الأصل عدم الواو ، إذ الجملة صفة لقرية ، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف.

٢٠٩ ـ (ذِكْرى) منصوبة بمعنى تذكرة ، لأنّ أنذر وذكّر متقاربان ، فكأنه قيل مذكّرون تذكرة ، أو حال من الضمير في منذرون ، أي ينذرونهم ذوي تذكرة ، أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة ، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدإ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى ، أو تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولا له ، والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلّا بعد ما ألزمناهم الحجّة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) فنهلك قوما غير ظالمين.

ولما قال المشركون إنّ الشياطين تلقي القرآن على محمد أنزل :

٢١٠ ـ (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) أي القرآن (الشَّياطِينُ).

٢١١ ـ (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) وما يتسهّل لهم ولا يقدرون عليه.

٢١٢ ـ (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) عن استراقه (٢) (لَمَعْزُولُونَ) لممنوعون بالشّهب.

٢١٣ ـ (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) تهديد (٣) لغيره على التعريض ، وتحريك (٤) له على زيادة الإخلاص.

٢١٤ ـ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) خصّهم لنفي التهمة ، إذ الإنسان يساهل قرابته ، أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئا وأنّ النجاة في اتباعه دون قربه ، ولما نزلت صعد الصفا ونادى الأقرب فالأقرب وقال : (يا بني عبد المطلب ، يا بني

__________________

(١) الحجر ، ١٥ / ٤.

(٢) ليس في (ز) عن استراقه.

(٣) في (ز) مورد النهي.

(٤) في (ز) والتحريك.

٢٩٠

(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (٢١٩)

هاشم ، يا بني عبد مناف ، يا عباس عمّ النبي ، يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئا) (١).

٢١٥ ـ (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) وألن جانبك ، وتواضع ، وأصله أنّ الطائر إذا أراد أن ينحطّ في الوقوع (٢) كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه ، فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من عشيرتك وغيرهم.

٢١٦ ـ (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) يعني أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض جناحك لهم ، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرّأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره.

٢١٧ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) على الذي يقهر أعداءك بعزته ، وينصرك عليهم برحمته ، يكفك شرّ من يعصيك منهم ومن غيرهم ، والتوكّل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضرّه ، وقالوا : المتوكّل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله ، وقال الجنيد رضي الله عنه : التوكل أن تقبل بالكلّية على ربّك وتعرض بالكلّية عما دونه ، فإن حاجتك إليه في الدارين. فتوكل مدني وشامي وعطف على فقل أو فلا تدع.

٢١٨ ـ (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) متهجدا.

٢١٩ ـ (وَتَقَلُّبَكَ) أي ويرى تقلّبك (فِي السَّاجِدِينَ) في المصلين. أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة ، وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد ، وتقلّبه في تصفّح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطّلع عليهم من حيث لا يشعرون ، وليعلم أنهم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم ، وقيل معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبه في الساجدين تصرّفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمّهم ، وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن؟ فقال : لا يحضرني ، فتلا له هذه الآية.

__________________

(١) ابن حبان من حديث أبي هريرة.

(٢) في (ظ) و (ز) ينحط للوقوع.

٢٩١

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣)

٢٢٠ ـ (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما تقوله (الْعَلِيمُ) بما تنويه وتعمله ، هوّن عليه معاناة مشاقّ العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه ، وهو كقولك : بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي ، نزل جوابا لقول المشركين إنّ الشياطين تلقي السمع على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٢١ ـ (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) هل (١) أخبركم أيها المشركون (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) ثم نبأ فقال :

٢٢٢ ـ (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) مرتكب للآثام ، وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح (٢) وطليحة (٣) ومسيلمة ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشتم الأفاكين ويذمّهم فكيف تنزل الشياطين عليه.

٢٢٣ ـ (يُلْقُونَ السَّمْعَ) هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيختطفون (٤) بعض ما يتكلّمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم. ويلقون حال ، أي تنزل ملقين السمع ، أو صفة لكلّ أفّاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محلّ الجر (٥) ، أو استئناف فلا يكون له محلّ ، كأنه قيل لم تنزل على الأفاكين فقيل يفعلون كيت وكيت (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا ، وقيل يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة ، وقيل الأفّاكون يلقون السمع إلى الشياطين ويتلقّون وحيهم إليهم ، أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس ، وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم ، والأفاك الذي يكثر الإفك ، ولا يدلّ ذلك على أنهم لا ينطقون إلّا بالإفك ، فأراد أنّ هؤلاء الأفاكين قلّ من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وأكثرهم

__________________

(١) في (ز) أي هل.

(٢) سطيح : هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب ، من بني مازن ، من الأزد ، كاهن جاهلي ، غساني ، من المعمرين ، يعرف بسطيح توفي عام ٥٢ ق. ه (الأعلام ٣ / ١٤).

(٣) طليحة : طليحة بن خويلد الأسدي من أسد خزيمة ، متنبىء ، أسلم ثم ارتد ثم أسلم وحسن إسلامه وبلاؤه في الفتوح توفي عام ٢١ ه‍ (الأعلام ٣ / ٢٣٠).

(٤) في (ز) فيحفظون.

(٥) في (ز) الجزاء.

٢٩٢

(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٢٢٥)

مفتر عليه ، وعن الحسن وكلّهم ، وإنما فرّق بين وإنه لتنزيل ربّ العالمين وما تنزلت به الشياطين ، هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ، وهنّ أخوات لأنه إذا فرّق بينهنّ بآيات ليست منهن ، ثم رجع إليهن مرة بعد مرة ، دلّ ذلك على شدة العناية بهنّ ، كما إذا حدثت حديثا وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره ولا تنفك عن الرجوع إليه ، ونزل فيمن كان يقول الشعر ، ويقول نحن نقول كما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتبعهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم.

٢٢٤ ـ (وَالشُّعَراءُ) مبتدأ خبره (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح من لا يستحق المدح والهجاء (١) ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون ، قال الزّجّاج : إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحبّ ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون ، يتبعهم نافع.

٢٢٥ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من الكلام (يَهِيمُونَ) خبر أنّ أي في كلّ فنّ من الكذب يتحدثون ، أو في كلّ لغو وباطل يخوضون والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له ، وهو تمثيل لذهابهم في كلّ شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة (٢) وأبخلهم على حاتم (٣). عن الفرزدق (٤) أنّ سليمان بن عبد الملك (٥) سمع قوله :

فبتن بجانبيّ مصرّعات

وبت أفضّ أغلاق الختام

فقال : وجب عليك الحدّ ، فقال : قد درأ الله عني الحدّ بقوله :

__________________

(١) ليس في (ز) والهجاء.

(٢) عنترة : عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى توفي نحو ٢٢ ق. ه (الأعلام ٥ / ٩١).

(٣) حاتم : حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني ، أبو عدي ، فارس ، شاعر ، جواد ، جاهلي ، يضرب المثل بجوده توفي عام ٤٦ ق. ه (الأعلام ٢ / ١٥١).

(٤) الفرزدق : همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس الشهير بالفرزدق ، شاعر من النبلاء ، عظيم الأثر في اللغة توفي عام ١١٠ ه‍ (الأعلام ٨ / ٩٣).

(٥) سليمان بن عبد الملك بن مروان ، أبو أيوب الخليفة الأموي ، كان عاقلا فصيحا طموحا إلى الفتح ، ولد عام ٥٤ ه‍ ومات عام ٩٩ ه (الأعلام ٣ / ١٣٠).

٢٩٣

(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧)

٢٢٦ ـ (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد. ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله :

٢٢٧ ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كعبد الله بن رواحة (١) وحسان بن ثابت وكعب بن زهير (٢) وكعب بن مالك رضي الله عنهم (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر ، وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه ، والحكمة والموعظة والزهد والآداب (٣) ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب ، وقال أبو يزيد (٤) : الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور (وَانْتَصَرُوا) وهجوا (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ، وأحقّ الخلق بالهجاء من كذّب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهجاه ، وعن كعب بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : (اهجهم فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ عليهم من النبل) (٥) وكان يقول لحسان : (قل وروح القدس معك) (٦). ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبّرين وهو قوله (وَسَيَعْلَمُ) وما فيه من الوعيد البليغ وقوله (الَّذِينَ ظَلَمُوا) وإطلاقه ، وقوله (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وإبهامه ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه ، وكان السلف يتواعظون بها ، قال ابن عطاء : وسيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منّا ، وأيّ منصوب بينقلبون على المصدر لا بسيعلم (٧) لأنّ أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي ينقلبون أيّ انقلاب ، والله أعلم (٨).

__________________

(١) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري ، من الخزرج ، أبو محمد ، صحابي ، يعد من الأمراء والشعراء الراجزين ، استشهد في مؤتة عام ٨ ه‍ (الأعلام ٤ / ٨٦).

(٢) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني ، شاعر عالي الطبقة ، أبوه زهير وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوام كلهم شعراء توفي عام ٢٦ ه‍ (الأعلام ٥ / ٢٢٦).

(٣) في (ظ) و (ز) والأدب.

(٤) أبو يزيد : طيفور بن عيسى البسطامي ، زاهد مشهور له أخبار كثيرة ولد عام ١٨٨ ه‍ وتوفي عام ٢٦١ ه‍ (الأعلام ٣ / ٢٣٥).

(٥) عبد الرزاق عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه.

(٦) متفق عليه من حديث البزار.

(٧) في (ز) بيعلم.

(٨) ليس في (ظ) و (ز) والله أعلم.

٢٩٤

سورة النمل

مكية وهي ثلاث وتسعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢)

١ ـ (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) أي وآيات كتاب مبين ، وتلك إشارة إلى آيات السورة ، والكتاب المبين : اللوح ، وإبانته أنه قد (١) خطّ فيه كلّ ما هو كائن ، فهو يبيّن للناظرين فيه إبانة ، أو القرآن ، وإبانته (٢) إنه يبيّن ما أودع فيه من العلوم والحكم ، وعلى هذا عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى ، نحو هذا فعل السخيّ والجواد ، ونكّر الكتاب ليكون أفخم له ، وقيل إنما نكّر الكتاب هنا وعرّفه في «الحجر» وعرّف القرآن هنا ونكّره ثمة (٣) لأنّ القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزّل على محمد عليه الصلاة والسلام ووصفان له ، لأنه يقرأ ويكتب ، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف.

٢ ـ (هُدىً وَبُشْرى) في محل النصب على الحال من آيات أي هادية ومبشرة (٤) ، فالعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، أو الجرّ على أنه بدل من كتاب أو صفة له ، أو الرفع على هي هدى وبشرى ، أو على البدل من آيات وعلى أن يكون خبرا بعد

__________________

(١) في (ز) وآياته أنه قد.

(٢) في (ز) للناظرين فيه آياته أو القرآن وآياته.

(٣) في (ظ) و (ز) ثمّ.

(٤) في (ظ) هداية ومبشرة ، وفي (ز) هداية وبشارة.

٢٩٥

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٧)

خبر لتلك ، أي تلك آيات وهادية من الضلالة ومبشّرة بالجنة ، وقيل هدى لجميع الخلق وبشرى (لِلْمُؤْمِنِينَ) خاصة.

٣ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يديمون على فرائضها وسننها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يؤدّون زكاة أموالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) من جملة صلة الموصول ، ويحتمل أن تتمّ الصّلة عنده ، وهو استئناف ، كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ، ويدلّ عليه أنه عقد جملة اسمية وكرّر فيها المبتدأ الذي هو هم حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حقّ الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاقّ.

٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) بخلق الشهوة فيهم (١) حتى رأوا ذلك حسنا ، كما قال : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (٢) (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضالّ عن الطريق.

٥ ـ (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أشدّ الناس خسرانا ، لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم ، فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله.

٦ ـ (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) لتؤتاه وتلقّنه (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) من عند أيّ حكيم وأيّ عليم ، وهذا معنى تنكيرهما. وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه.

٧ ـ (إِذْ) منصوب باذكر ، كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه‌السلام (قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) لزوجته ومن معه عند مسيره من مدين إلى

__________________

(١) ليس في (ز) فيهم.

(٢) فاطر ، ٣٥ / ٨.

٢٩٦

(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩)

مصر (إِنِّي آنَسْتُ) أبصرت (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن حال الطريق لأنه كان قد ضلّه (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ) بالتنوين كوفي ، أي شعلة مضيئة (قَبَسٍ) نار مقبوسة بدل أو صفة. وغيرهم بشهاب قبس على الإضافة لأنه يكون قبسا وغير قبس ، ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلي آتيكم في «القصص» مع أنّ أحدهما ترجّ والآخر تيقن لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة ، ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ ، أو كانت المسافة بعيدة ، وبأو لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما ، إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ، ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكلّيتين وهما عزّ الدنيا والآخرة ، واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين والقصة واحدة دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز الصلاة بالفارسية (١) وجواز النكاح بغير لفظ التزوج (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم ، والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد.

٨ ـ (فَلَمَّا جاءَها) أي النار التي أبصرها (نُودِيَ) موسى (أَنْ بُورِكَ) مخففة من الثقيلة ، وتقديره نودي موسى بأنه بورك ، والضمير ضمير الشأن ، وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري ، لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة ، أو مفسرة لأنّ في النداء معنى القول ، أي قيل له بورك أي قدّس ، أو جعل فيه البركة والخير (مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ، ومن حول مكانها أي موسى ، لحدوث أمر ديني فيها ، وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هو من جملة ما نودي فقد نزّه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره.

٩ ـ (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الضمير في إنه للشأن والشأن أنا الله مبتدأ وخبر ، والعزيز الحكيم صفتان للخبر ، أو يرجع إلى ما دلّ عليه ما قبله أي إنّ مكلّمك أنا ، والله بيان لأنا ، والعزيز الحكيم صفتان للمبين ، وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات.

__________________

(١) ليس في (ز) وجواز الصلاة بالفارسية.

٢٩٧

(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢)

١٠ ـ (وَأَلْقِ عَصاكَ) لتعلم معجزتك فتأنس بها ، وهو عطف على بورك ، لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ، كلاهما تفسير لنودي ، فالمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك ، ويدلّ عليه ما ذكر في سورة «القصص» : (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) (١) بعد قوله : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) (٢) على تكرير حرف التفسير (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرك ، حال من الهاء في رآها (كَأَنَّها جَانٌ) حية صغيرة ، حال من الضمير في تهتز (وَلَّى) موسى (مُدْبِراً) أدبر عنها ، وجعلها تلي ظهره خوفا من وثوب الحية عليه (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يلتفت ، أو لم يرجع ، يقال قد عقّب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولّى فنودي (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي إياهم ، أو لا يخاف لدي المرسلون من غيري.

١١ ـ (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) أي لكن من ظلم من غيرهم ، لأنّ الأنبياء لا يظلمون ، أو ولكن من ظلم منهم أي (٣) من ذلّ من المرسلين ، فجاء منه (٤) غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء ، كما فرط من آدم ويونس وداود وسليمان عليهم‌السلام (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) أي أتبع توبة (بَعْدَ سُوءٍ) زلة (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه فأحقق أمنيته ، فكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) (٥).

١٢ ـ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) جيب قميصك وأخرجها (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) نيّرة تغلب نور الشمس (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) برص ، وبيضاء ومن غير سوء حالان (فِي تِسْعِ آياتٍ) كلام مستأنف ، وفي يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات ، أو وألق عصاك وأدخل يدك في جملة تسع آيات (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) إلى يتعلق بمحذوف أي مرسلا إلى فرعون وقومه (٦) (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن أمر الله كافرين.

__________________

(١) القصص ، ٢٨ / ٣١.

(٢) القصص ، ٢٨ / ٣٠.

(٣) ليس في (ز) أي.

(٤) ليس في (ز) منه.

(٥) القصص ، ٢٨ / ١٦.

(٦) ليس في (أ) وقومه.

٢٩٨

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥)

١٣ ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) أي معجزاتنا (مُبْصِرَةً) حال ، أي ظاهرة بينة ، جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكّر فيها ، أو جعلت كأنها تبصر فتهدي ، لأنّ الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلا أن يهدي غيره ، ومنه قولهم : كلمة عوراء (١) ، لأنّ الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر لمن تأمله ، وقد قوبل بين المبصرة والمبين.

١٤ ـ (وَجَحَدُوا بِها) قيل الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد ، وهذا ليس بصحيح ، لأنّ الجحود هو الإنكار ، وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به ، وقد يكون بعد المعرفة تعنتا ، كذا (٢) في شرح التأويلات وذكر في الديوان (٣) ، يقال جحد حقّه وبحقّه بمعنى ، والواو في (وَاسْتَيْقَنَتْها) للحال ، وقد بعدها مضمرة ، والاستيقان أبلغ من الإيقان (أَنْفُسُهُمْ) أي جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم (ظُلْماً) حال من الضمير في وجحدوا ، وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سمّاها سحرا بيّنا (وَعُلُوًّا) تكبرا (٤) ترفّعا عن الإيمان بما جاء به موسى (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وهو الإغراق هنا والإحراق ثم (٥).

١٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا) أي (٦) أعطينا (داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) طائفة من العلم ، أو علما سنيّا غزيرا ، والمراد علم الدين والحكم (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) والآية (٧) حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح ، وهنا محذوف ليصحّ عطف الواو عليه ، ولو لا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك أعطيته فشكر ، وتقديره آتيناهما علما فعملا به وعلّماه وعرفا حقّ النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا ، والكثير المفضّل عليه من لم يؤت علما ، أو من لم يؤت مثل علمهما ، وفيه أنهما فضّلا على كثير وفضّل عليهما كثير ، وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدّم

__________________

(١) في (ظ) و (ز) كلمة عيناء عوراء.

(٢) زاد في (ز) ذكر.

(٣) الديوان : هو كتاب «التبيان في شرح ديوان أبي الطيب المتنبي» لأبي البقاء العكبري (٥٣٨ ـ ٦١٩ ه‍).

(٤) ليس في (ز) تكبرا.

(٥) في (ظ) و (ز) ثمة.

(٦) ليس في (ظ) و (ز) أي.

(٧) في (ز) والآيات.

٢٩٩

(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦)

حملته وأهله ، وأن نعمة العلم من أجلّ النّعم وأنّ من أوتيه فقد أوتي فضلا على كثير من عباده ، وما سمّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ورثة الأنبياء) (١) إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوّام بما بعثوا من أجله ، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه ، وإن يعتقد العالم أنه إن فضّل على كثير فقد فضّل عليه مثلهم ، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه : كل الناس أفقه من عمر (٢) ، رضي الله عنه.

١٦ ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ورث منه النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر ، قالوا أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) تشهيرا لنعمة الله تعالى واعترافا بمكانها ، ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير ، والمنطق كلّ ما يصوّت به من المفرد والمؤلّف المفيد وغير المفيد ، وكان سليمان عليه‌السلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض. روي أنه صاحت «فاختة» فأخبر أنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا ، وصاح «طاوس» ، فقال : يقول : كما تدين تدان ، وصاح «هدهد» ، فقال : يقول : استغفروا الله يا مذنبون (٣) ، وصاح «خطاف» ، فقال : يقول : قدّموا خيرا تجدوه ، وصاحت «رخمة» ، فقال : تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه ، وصاح «قمري» ، فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى ، وقال : «الحدأة» تقول : كلّ شيء هالك إلّا الله. و «القطاة» تقول : من سكت سلم. و «الديك» يقول : اذكروا الله يا غافلون (٤) ، و «النسر» يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت ، و «العقاب» يقول : في البعد من الناس أيسر (٥) ، و «الضفدع» يقول : سبحان ربي القدوس (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) المراد به كثرة ما أوتي ، كما تقول فلان يعلم كلّ شيء ، ومثله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِ

__________________

(١) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي الدرداء ، قال الإمام الحوت : رواه جمع وصححه الحاكم وابن حبان (أسنى المطالب ص ٢٠٧).

(٢) رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني كلهم من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء ، ورواه أبو يعلى وسنده جيد وعند البيهقي منقطع.

(٣) في (ز) مذنبين.

(٤) في (ز) غافلين.

(٥) في (ظ) و (ز) أنس.

٣٠٠