تفسير النسفي - ج ٣

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً) (١٠٨)

(إِلَّا يَوْماً) وهو كقوله : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) (١).

١٠٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) سألوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة؟ وقيل لم يسأل ، وتقديره إن سألوك (فَقُلْ) ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) (٢) وقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) (٣) (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) (٤) (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) (٥) (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ) (٦) (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا) (٧) لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذرى الطعام ، وقال الخليل : يقلعها.

١٠٦ ـ (فَيَذَرُها) فيذر مقارّها ، أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) (٨) (قاعاً صَفْصَفاً) مستوية ملساء.

١٠٧ ـ (لا تَرى فِيها عِوَجاً) انخفاضا (وَلا أَمْتاً) ارتفاعا ، والعوج بالكسر إن كان في المعاني ، كما أنّ المفتوح في الأعيان ، والأرض عين ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وإن دقت الحيلة ولطفت جرت مجرى المعاني.

١٠٨ ـ (يَوْمَئِذٍ) أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال ، أي يوم إذ نسفت ، وجاز أن يكون بدلا بعد بدل من يوم القيامة (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) إلى المحشر ، أي صوت الداعي وهو إسرافيل حين ينادي على صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن ، فيقبلون من كلّ أوب

__________________

(١) المؤمنون ، ٢٣ / ١١٣.

(٢) البقرة ، ٢ / ٢٢٢.

(٣) البقرة ، ٢ / ٢٢٠.

(٤) البقرة ، ٢ / ٢١٩.

(٥) الأعراف ، ٧ / ١٨٧.

(٦) الإسراء ، ١٧ / ٨٥.

(٧) الكهف ، ١٨ / ٨٣.

(٨) فاطر ، ٣٥ / ٤٥.

١٠١

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (١١٢)

إلى صوبه لا يعدلون عنه (لا عِوَجَ لَهُ) أي لا يعوجّ له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متّبعين لصوته (وَخَشَعَتِ) وسكنت (الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) هيبة وإجلالا (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) صوتا خفيّا (١) لتحريك الشفاه ، وقيل هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت ، أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر.

١٠٩ ـ (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) محل من رفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف ، أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن ، أي أذن للشافع في الشفاعة (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) أي رضي قولا لأجله بأن يكون المشفوع له مسلما ، أو نصب على أنه مفعول تنفع.

١١٠ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي يعلم ما تقدّمهم من الأحوال وما يستقبلونه (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى ما ، أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط به.

١١١ ـ (وَعَنَتِ) خضعت وذلّت ، ومنه قيل للأسير : عان (الْوُجُوهُ) أي أصحابها (لِلْحَيِ) الذي لا يموت ، وكلّ حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن (الْقَيُّومِ) الدائم القائم على كلّ نفس بما كسبت ، أو القائم بتدبير الخلق (وَقَدْ خابَ) يئس من رحمة الله (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) من حمل إلى موقف القيامة شركا ، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، ولا ظلم أشدّ من جعل المخلوق شريك من خلقه.

١١٢ ـ (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) الصالحات الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مصدق بما جاء به محمد عليه‌السلام ، وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة وأنّ الإيمان شرط قبولها (فَلا يَخافُ) أي فهو لا يخاف فلا يخف على النهي مكي (ظُلْماً) أن يزداد في سيئاته (وَلا هَضْماً) ولا ينقص من حسناته ، وأصل الهضم النقص والكسر.

__________________

(١) في (ز) خفيفا.

١٠٢

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى) (١١٦)

١١٣ ـ (وَكَذلِكَ) عطف على كذلك نقص ، أي ومثل ذلك الإنزال (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) بلسان العرب (وَصَرَّفْنا) كرّرنا (فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يجتنبون الشرك (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ) الوعيد ، أو القرآن (ذِكْراً) عظة ، أو شرفا بإيمانهم به ، وقيل أو بمعنى الواو.

١١٤ ـ (فَتَعالَى اللهُ) ارتفع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزّه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الأجسام (الْمَلِكُ) الذي احتاج (١) إليه الملوك (الْحَقُ) المحقّ في الألوهية ، ولما ذكر القرآن وإنزاله قال استطرادا وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأنّ عليك ريثما يسمعك ويفهمك (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) بقراءته (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) بالقرآن ومعانيه ، وقيل ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلّا في العلم.

١١٥ ـ (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) أي أوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة ، يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدّم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد إليه ، فعطفت (٢) قصة آدم على وصرّفنا فيه من الوعيد ، والمعنى وأقسم قسما لقد أمرنا أباهم آدم ووصينا أن لا يقرب الشجرة (مِنْ قَبْلُ) من قبل وجودهم ، فخالف إلى ما نهي عنه ، كما أنهم يخالفون ، يعني أنّ أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه (فَنَسِيَ) العهد أي النّهي ، والأنبياء عليهم‌السلام يؤاخذون بالنسيان الذي لو تكلّفوا لحفظوه (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) قصدا إلى الخلاف لأمره ، أو لم يكن آدم من أولي العزم. والوجود بمعنى العلم ومفعولاه له عزما أو بمعنى نقيض العدم أي وعد منا له عزما ، وله متعلق بنجد.

١١٦ ـ (وَإِذْ قُلْنا) منصوب باذكر (لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قيل هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل ، أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه (فَسَجَدُوا

__________________

(١) في (ز) يحتاج.

(٢) في (ز) فعطف.

١٠٣

فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١٢١)

(إِلَّا إِبْلِيسَ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ إبليس كان ملكا من جنس المستثنى منهم ، وقال الحسن : الملائكة لباب الخليقة من الأرواح ولا يتناسلون ، وإبليس من نار السّموم ، وإنما صحّ استثناؤه منهم لأنه كان يصحبهم ويعبد الله معهم (أَبى) جملة مستأنفة كأنه جواب لمن قال لم لم يسجد؟ والوجه أن لا يقدّر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجدوا وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقّف.

١١٧ ـ (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) حيث لم يسجد لك ولم ير فضلك (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) فلا يكوننّ سببا لإخراجكما (فَتَشْقى) فتتعب في طلب القوت ، ولم يقل فتشقيا مراعاة لرؤوس الآي ، أو دخلت تبعا ، أو لأنّ الرجل هو الكافل لنفقة المرأة ، وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه.

١١٨ ـ (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) في الجنة (وَلا تَعْرى) عن الملابس لأنها معدّة أبدا فيها.

١١٩ ـ (وَأَنَّكَ) بالكسر نافع وأبو بكر عطفا على إن الأولى ، وغيرهما بالفتح عطفا على ألّا تجوع ومحلّه نصب بأن ، وجاز للفصل كما تقول إنّ في علمي أنك جالس (لا تَظْمَؤُا فِيها) لا تعطش لوجود الأشربة فيها (وَلا تَضْحى) لا يصيبك حرّ الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظلّ ممدود.

١٢٠ ـ (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) أي أنهى إليه الوسوسة كأسرّ إليه (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأنّ من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) لا يفنى.

١٢١ ـ (فَأَكَلا) أي آدم وحواء (مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) عوراتهما (وَطَفِقا) طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل ، وهو ككاد في وقوع الخبر فعلا مضارعا إلّا أنه للشروع في أول الأمر وكاد للدّنوّ منه (يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي يلزقان الورق بسوءاتهما للتستر ، وهو ورق التين (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) ضلّ عن

١٠٤

(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤)

الرأي ، وعن ابن عيسى (١) خاب ، والحاصل أنّ العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي ، وقد يكون عمدا فيكون ذنبا ، وقد لا يكون عمدا فيكون زلة ، ولما وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيّا لأن الغيّ خلاف الرّشد ، وفي التصريح بقوله وعصى آدم ربّه فغوى والعدول عن قوله وزلّ آدم مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلّفين ، كأنه قيل لهم انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلّته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلا عن الكبائر.

١٢٢ ـ (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) قرّبه إليه أو اصطفاه ، وقرئ به وأصل الكلمة الجمع يقال جبي إليّ كذا فاجتبيته (فَتابَ عَلَيْهِ) قبل توبته (وَهَدى) وهداه إلى الاعتذار والاستغفار.

١٢٣ ـ (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) يعني آدم وحواء (بَعْضُكُمْ) يا ذرية آدم (لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) بالتحاسد في الدنيا أو الاختلاف في الدين (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) كتاب وشريعة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ) في الدنيا (وَلا يَشْقى) في العقبى ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضلّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، يعني أنّ الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضلّ في الدنيا عن طريق الدين ، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.

١٢٤ ـ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) عن القرآن (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ضيقا وهو مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث ، عن ابن جبير : يسلبه القناعة حتى لا يشبع ، فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياته طيبة ، ومع الإعراض الحرص والشحّ فعيشه ضنك وحاله مظلمة ، كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) عن الحجة ، عن ابن عباس : أعمى البصر وهو كقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) (٢) وهو الوجه.

١٢٥ ـ (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) في الدنيا.

__________________

(١) ابن عيسى سبق ترجمته في ٣ / ١٢٨.

(٢) الإسراء ، ١٧ / ٩٧.

١٠٥

(قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) (١٣٠)

١٢٦ ـ (قالَ كَذلِكَ) أي مثل ذلك فعلت أنت ، ثم فسّر فقال (أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها ، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.

١٢٧ ـ (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) لمّا توعّد المعرض عن ذكره بعقوبتين : المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى ، أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشدّ من ضيق (١) العيش المنقضي.

١٢٨ ـ (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون (٢) (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ) حال من الضمير المجرور في لهم (فِي مَساكِنِهِمْ) يريد أنّ قريشا يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعاينون آثار هلاكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول إذا تفكروا علموا أنّ استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا.

١٢٩ ـ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَكانَ لِزاماً) لازما فاللّزام مصدر لازم (٣) فوصف به (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) القيامة وهو معطوف على كلمة ، والمعنى ولو لا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازما لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.

١٣٠ ـ (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) فيك (وَسَبِّحْ) وصلّ (بِحَمْدِ رَبِّكَ) في موضع الحال ، وأنت حامد لربّك على أن وفّقك للتسبيح وأعانك عليه (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يعني صلاة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في

__________________

(١) ليست في (أ) أثبتناها ليستقيم المعنى.

(٢) بالنون أي نهد لهم.

(٣) في (ز) لزم.

١٠٦

(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (١٣٢)

النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) أي وتعمد (١) أناء الليل ، أي ساعاته وأطراف النهار مختصا لها بصلاتك ، وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) عند البعض ، وإنما جمع وأطراف النهار وهما طرفان لأمن الإلباس ، وهو عطف على قبل (لَعَلَّكَ تَرْضى) لعلّ للمخاطب ، أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسرّ قلبك. وترضى عليّ وأبو بكر أي يرضيك ربّك.

١٣١ ـ (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي نظر عينيك ، ومدّ النظر تطويله وأن لا يكاد يردّه استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به ، وفيه أنّ النظر غير الممدود معفوّ عنه ، وذلك أن يباده الشيء بالنظر ثم يغضّ الطرف ، ولقد شدّد المتقون في وجوب غضّ البصر عن أبنية الظلمة ، وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن : لا تنظروا إلى دقدقة (٣) هماليج (٤) الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذلّ المعصية من تلك الرّقاب ، وهذا لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النّظّارة ، فالناظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافا من الكفرة ، ويجوز أن ينتصب حالا من هاء الضمير والفعل واقع على منهم ، كأنه قال إلى الذي متّعنا به ، وهو أصناف ، بعضهم وناسا منهم (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) زينتها وبهجتها ، وانتصب على الذّمّ ، أو على إبداله من محلّ به ، أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم ، أو لنعذّبهم في الآخرة بسببه (وَرِزْقُ رَبِّكَ) ثوابه وهو الجنة ، أو الحلال الكافي (خَيْرٌ وَأَبْقى) مما رزقوا.

١٣٢ ـ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ) أمتك أو أهل بيتك (بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ) أنت ، داوم (عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك (نَحْنُ نَرْزُقُكَ)

__________________

(١) في (ظ) و (ز) تعهد.

(٢) البقرة ، ٢ / ٢٣٨.

(٣) دقدقة : جلبة الناس وأصوات حوافر الدواب (القاموس ٣ / ٢٣٢).

(٤) هماليج : البراذين (القاموس ١ / ٢١٣) وهي الدواب (القاموس ٤ / ٢٠١).

١٠٧

(وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) (١٣٥)

وإياهم ، فلا تهتم لأمر الرزق وفرّغ بالك لأمر الآخرة لأنّ من كان في عمل الله كان الله في عمله ، عن عروة بن الزبير (١) أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ : ولا تمدن عينيك ، الآي ثم ينادي الصلاة ، الصلاة رحمكم الله ، وكان بكر بن عبد الله المزني (٢) إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلوا بهذا أمر الله ورسوله ، وعن مالك بن دينار مثله ، وفي بعض المسانيد أنه عليه‌السلام كان إذا أصاب أهله ضرّ أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية (٣) (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين.

١٣٣ ـ (وَقالُوا) أي الكافرون (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) هلا يأتينا محمد بآية من ربّه تدلّ على صحة نبوته (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ) أو لم تأتهم مدني وبصري وحفص (٤) (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي الكتب المتقدمة ، يعني أنهم اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة ، فقيل لهم : أو لم تأتكم آية هي أمّ الآيات وأعظمها في باب الإعجاز ، يعني القرآن من قبل أنّ القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزّلة ودليل صحته ، لأنه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها.

١٣٤ ـ (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل الرسول أو القرآن (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا) هلّا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ) بالنصب لأنه (٥) جواب الاستفهام بالفاء (آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) بنزول العذاب (وَنَخْزى) في العقبى.

١٣٥ ـ (قُلْ كُلٌ) أي كلّ واحد منا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) منتظر للعاقبة ولما (٦)

__________________

(١) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي ، أبو عبد الله ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ولد عام ٢٢ ه‍ وتوفي عام ٩٣ ه‍ (الأعلام ٤ / ٢٢٦).

(٢) بكر بن عبد الله بن عمرو المزني ، أبو عبد الله البصري ، كان ثقة ، ثبتا ، حجة ، فقيها. روى عن المغيرة بن شعبة وابن عباس وابن عمر وأنس وغيرهم.

(٣) لم أجده.

(٤) في (ظ) و (ز) مدني وحفص وبصري.

(٥) في (ز) على.

(٦) في (ز) وبما.

١٠٨

يؤول إليه أمرنا وأمركم (فَتَرَبَّصُوا) أنتم (فَسَتَعْلَمُونَ) إذا جاءت القيامة (مَنْ أَصْحابُ) مبتدأ وخبر ومحلهما نصب (الصِّراطِ السَّوِيِ) المستقيم (وَمَنِ اهْتَدى) إلى النعيم المقيم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : (لا يقرأ أهل الجنة إلا سورة طه ويس) (٢).

__________________

(١) قال ابن حجر : رواه الثعلبي من رواية زياد عن الحسن مرسلا.

(٢) زاد في (ز) والله أعلم بالصواب.

١٠٩

سورة الأنبياء

مكية ، وهي مائة واثنتا عشرة آية كوفي

وإحدى عشرة آية مدني وبصري

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٢)

١ ـ (اقْتَرَبَ) دنا (لِلنَّاسِ) اللام صلة لاقترب ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد بالناس المشركون لأن ما يتلوه من صفات المشركين (حِسابُهُمْ) وقت محاسبة الله إياهم ومجازاته على أعمالهم ، يعني يوم القيامة ، وإنما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى ، ولأنّ كلّ آت قريب (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) عن حسابهم وعما يفعل بهم ثمّ (مُعْرِضُونَ) عن التأهب لذلك اليوم ، فالاقتراب عام والغفلة والإعراض يتفاوتان بتفاوت المكلّفين ، فربّ غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه وإعراضه عن مولاه ، وربّ غافل عن حسابه لاستهلاكه (١) في مولاه وإعراضه عن دنياه فهو لا يفيق إلا برؤية المولى ، والأول إنما يفيق في عسكر الموتى ، فالواجب عليك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب ، وتتنبه للعرض قبل أن تنبّه ، وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكر خالق الخلق أجمعين لتفوز بلقاء ربّ العالمين.

٢ ـ (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) شيء من القرآن (مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) في التنزيل

__________________

(١) لاستهلاكه : أي لاستهلاكه النفس.

١١٠

(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥)

إثباته مبتدأ تلاوته قريب عهده باستماعهم (١) ، والمراد به الحروف المنظومة ولا خلاف في حدوثها (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) من النبيّ عليه‌السلام أو غيره ممن يتلوه (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يستهزئون به.

٣ ـ (لاهِيَةً) حال من ضمير يلعبون ، أو وهم يلعبون ولا هية حالان من الضمير في استمعوه ، ومن قرأ لاهية بالرفع يكون خبرا بعد خبر لقوله : وهم. وارتفعت (قُلُوبُهُمْ) بلاهية ، وهي من لهى عنه إذا ذهل وغفل ، والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها ومنها ، قال أبو بكر الورّاق : القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها (وَأَسَرُّوا) وبالغوا في إخفاء (النَّجْوَى) وهي اسم من التناجي ، ثم أبدل (الَّذِينَ ظَلَمُوا) من واو وأسروا إيذانا بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسرّوا به ، أو جاء على لغة من قال أكلوني البراغيث ، أو هو مجرور المحلّ لكونه صفة أو بدلا من الناس ، أو هو منصوب المحلّ على الذّمّ ، أو هو مبتدأ خبره أسرّوا النجوى ، فقدّم عليه ، أي والذين ظلموا أسرّوا النجوى (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) هذا الكلام كلّه في محلّ النصب بدلا من النجوى ، أي وأسرّوا هذا الحديث ، ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمرا والمعنى أنهم اعتقدوا أنّ الرسول لا يكون إلّا ملكا وأنّ كلّ من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر ، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار : أفتحضرون السحر وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر.

٤ ـ (قالَ رَبِّي) حمزة وعليّ وحفص أي قال محمد ، وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسرّوا النجوى (يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي يعلم قول كلّ قائل هو في السماء أو الأرض سرا كان أو جهرا (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بما في ضمائرهم.

٥ ـ (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحيا من الله إليه ، ثم إلى أنه كلام

__________________

(١) في (ظ) صور الناسخ الحروف كما تراءت له فجاءت لا معنى لها ، وفي (ز) إتيانه مبتدأة.

١١١

(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) (٨)

مفترى من عنده ، ثم إلى أنه قول شاعر ، وهكذا الباطل لجلج (١) والمبطل رجّاع غير ثابت على قول واحد ، ثم قالوا إن كان صادقا في دعواه وليس الأمر كما يظنّ (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) بمعجزة (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كما أرسل من قبله باليد البيضاء ، والعصا ، وإبراء الأكمه ، وإحياء الموتى ، وصحة التشبيه في قوله كما أرسل الأولون من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات ، لأنّ إرسال الرّسل متضمن للإتيان بالآيات ألا ترى أنه لا فرق بين قولك أرسل محمد وبين قولك أتى محمد بالمعجزة ، فردّ الله عليهم قولهم بقوله :

٦ ـ (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (أَهْلَكْناها) صفة لقرية عند مجيء الآيات المقترحة ، لأنهم طلبوها تعنتا (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لمّا أتتهم أفيؤمن هؤلاء المقترحون لو أتيناهم بما اقترحوا مع أنهم أعتى منهم؟ والمعنى أنّ أهل القرى المهلكة (٢) اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعهدوا (٣) أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله ، فلو أعطينا هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضا.

٧ ـ (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) نوحي (٤) حفص (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أنّ الرّسل الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة ، وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك. ثم بين أنه كمن تقدّمه من الأنبياء بقوله :

٨ ـ (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) وحّد الجسد لإرادة الجنس (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) صفة لجسدا ، يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طاعمين (وَما كانُوا خالِدِينَ)

__________________

(١) لجلج : اللّجلجة والتلجلج : التردد في الكلام يقال : الحق أبلج والباطل لجلج (مختار الصحاح).

(٢) ليس في (ز) المهلكة.

(٣) في (ز) وعاهدوا.

(٤) في مصحف النسفي يوحى بالياء وفتح الحاء وهو قراءة لذلك قال نوحي حفص أي بالنون وكسر الحاء.

١١٢

(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣)

كأنهم قالوا هلّا كان ملكا لا يطعم ويخلد ، إمّا معتقدين أنّ الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا.

٩ ـ (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) بإنجائهم ، والأصل في الوعد مثل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (١) أي من قومه (فَأَنْجَيْناهُمْ) مما حلّ بقومهم (وَمَنْ نَشاءُ) هم المؤمنون (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) المجاوزين الحدّ بالكفر ، ودل الإخبار بإهلاك المسرفين على أنّ من نشاء غيرهم.

١٠ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) يا معشر قريش (كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) شرفكم إن عملتم به ، أو لأنه بلسانكم (٢) ، أو فيه ذكر دينكم ودنياكم ، والجملة أي فيه ذكركم ، صفة لكتابا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنون (٣).

١١ ـ (وَكَمْ) نصب بقوله (قَصَمْنا) أي أهلكنا (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها بدليل قوله (كانَتْ ظالِمَةً) كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم ، لأن القصم أفظع الكسر ، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء ، بخلاف الفصم فإنّه كسر بلا إبانة (وَأَنْشَأْنا) خلقنا (بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) فسكنوا مساكنهم.

١٢ ـ (فَلَمَّا أَحَسُّوا) أي المهلكون (بَأْسَنا) عذابنا ، أي علموا علم حس ومشاهدة (إِذا هُمْ مِنْها) من القرية ، وإذا للمفاجأة ، وهم مبتدأ والخبر (يَرْكُضُونَ) يهربون مسرعين ، والركض ضرب الدابة بالرّجل ، فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ، أو شبّهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم :

١٣ ـ (لا تَرْكُضُوا) والقائل بعض الملائكة (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) نعّمتم فيه من الدنيا ولين العيش. قال الخليل : المترف الموسّع عليه عيشه القليل فيه همّه

__________________

(١) الأعراف ، ٧ / ١٥٥.

(٢) زاد في (ظ) و (ز) أو فيه موعظتكم.

(٣) في (ز) فتؤمنوا.

تفسير النسفي ج ٣ / م ٨

١١٣

(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (١٧)

(وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) أي يقال لهم استهزاء بهم : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة ، أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعّمين المخدّمين ، أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب ، أو يسألكم الوافدون عليكم والطّماع ويستمطرون سحاب أكفّكم ، أو قال بعضهم لبعض لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالا وخراجا فلا تقتلون ، فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثمّ :

١٤ ـ (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) اعترفوا (١) حين لا ينفعهم الاعتراف.

١٥ ـ (فَما زالَتْ تِلْكَ) هي إشارة إلى يا ويلنا (دَعْواهُمْ) دعاؤهم ، وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ، ودعواهم الخبر ، ويجوز العكس (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) مثل الحصيد أي الزرع المحصود ، ولم يجمع كما لم يجمع المقدر (خامِدِينَ) ميتين خمود النار ، وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل ، أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد (٢) والخمود ، كقولك جعلته حلوا حامضا ، أي جعلته جامعا للطّعمين.

١٦ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) اللعب فعل يروق أوّله ولا ثبات له ، ولاعبين حال من فاعل خلقنا ، والمعنى وما سوّينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب ، وإنما سوّيناها ليستدلّ بها على قدرة مدبّرها ، ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا ، ثم نزّه ذاته عن سمات الحدوث بقوله :

١٧ ـ (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) أي ولدا ، أو امرأة ، كأنه ردّ على من قال : عيسى ابنه ومريم صاحبته (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من الولدان أو الحور (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا ، وقيل هو

__________________

(١) في (ز) اعترافهم بذلك.

(٢) في (ز) الحصد.

١١٤

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢١)

نفي كقوله : (وَإِنْ أَدْرِي) (١) أي ما كنا فاعلين.

١٨ ـ (بَلْ نَقْذِفُ) بل إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته ، كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلّط (بِالْحَقِ) بالقرآن (عَلَى الْباطِلِ) الشيطان ، أو بالإسلام على الشرك ، أو بالجدّ على اللعب (فَيَدْمَغُهُ) فيكسره ويدحض الحقّ الباطل ، وهذه استعارة لطيفة لأنّ أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ، ثم استعير القذف لإيراد الحقّ على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ، فالمستعار منه حسي والمستعار له عقليّ ، فكأنه قيل بل نورد الحقّ الشبيه بالجسم القويّ على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف (فَإِذا هُوَ) أي الباطل (زاهِقٌ) هالك ذاهب (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الله به من الولد ونحوه.

١٩ ـ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا فأنى يكون شيء منه ولدا له ، وبينهما تناف ، ويوقف على الأرض لأن (وَمَنْ عِنْدَهُ) منزلة ومكانة لا منزلا ومكانا (٢) يعني الملائكة مبتدأ خبره (لا يَسْتَكْبِرُونَ) لا يتعظّمون (عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ولا يعيون.

٢٠ ـ (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر ، فتسبيحهم جار مجرى التنفس منّا. ثم أضرب عن المشركين منكرا عليهم وموبخا فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال :

٢١ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) يحيون الموتى ، ومن الأرض صفة لآلهة ، لأنّ آلهتهم كانت متّخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك فلان من المدينة أي مدنيّ ، أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان ابتداء (٣) غاية الاتخاذ ، وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وإن لم يدّعوا

__________________

(١) الأنبياء ، ٢١ / ١٠٩ و ١١١.

(٢) في (ز) ولا مكانا.

(٣) ليس في (ز) ابتداء.

١١٥

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٤)

أنّ أصنامهم تحيي الموتى ، وكيف يدّعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات ، لأنه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار لها (١) ، لأن العاجز عنه لا يصحّ أن يكون إلها ، إذ لا يستحق هذا الاسم إلّا القادر على كلّ مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات ، وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء ، وهما لغتان ، أنشر الله الموتى ونشرها أي أحياها.

٢٢ ـ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) أي غير الله ، وصفت آلهة بإلّا كما وصفت بغير ، لو قيل آلهة غير الله ، ولا يجوز رفعه على البدل لأنّ لو بمنزلة إن في أنّ الكلام معه موجب والبدل لا يسوّغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) (٢) ولا يجوز نصبه استثناء لأنّ الجمع إذا كان منكّرا لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين ، لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لو لا الاستثناء ، والمعنى لو كان يدبّر أمر السماوات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما (لَفَسَدَتا) لخربتا لوجود التمانع ، وقد قررناه في أصول الكلام ، ثم نزّه ذاته فقال : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والشريك.

٢٣ ـ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) لأنه المالك على الحقيقة ، ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجواز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي لاستقبح ذلك وعدّ سفها ، فمن هو مالك الملوك وربّ الأرباب وفعله صواب كلّه أولى بأن لا يعترض عليه (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنهم مملوكون خطّاؤن لما خلقهم (٣) بأن يقال لهم لم فعلتم في كلّ شيء فعلوه ، وقيل وهم يسألون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسؤولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي (٤) المسؤولية.

٢٤ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) الإعادة لزيادة الإفادة ، فالأول للإنكار من حيث العقل ، والثاني من حيث النقل ، أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك ، فقيل لمحمد (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم على ذلك ، وذا عقليّ وهو يأباه كما مر ،

__________________

(١) ليس في (ز) لها.

(٢) هود ، ١١ / ٨١.

(٣) في (ظ) و (ز) فما أخلقهم.

(٤) زاد في (ز) الجنسية.

١١٦

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨)

أو نقليّ وهو الوحي وهو أيضا يأباه ، فإنكم لا تجدون كتابا من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الأنداد (هذا) أي (١) القرآن (ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) يعني أمته (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) يعني أمم الأنبياء من قبلي ، وهو وارد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه. معي حفص ، فلما لم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) أي القرآن وهو نصب بيعلمون ، وقرئ الحقّ أي هو الحقّ (فَهُمْ) لأجل ذلك (مُعْرِضُونَ) عن النظر فيما يجب عليهم.

٢٥ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) إلا نوحي (٢) كوفي غير أبي بكر وحماد (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وحدوني ، فهذه الآية مقرّرة لما سبقها من آي التوحيد.

٢٦ ـ (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ) نزلت في خزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله فنزّه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أي بل هم عباد مكرّمون مشرّفون مقرّبون وليسوا بأولاد إذ العبودية تنافي الولادة.

٢٧ ـ (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) أي بقولهم فأنيب (٣) اللام مناب الإضافة ، والمعنى أنهم يتّبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) أي كما أنّ قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به.

٢٨ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أي لمن رضي الله عنه أو قال لا إله إلا الله (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) خائفون.

__________________

(١) ليست في (ز).

(٢) في مصحف النسفي إلا يوحى بالياء وفتح الحاء.

(٣) في (ظ) و (ز) فأنيبت.

١١٧

(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١)

٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) من الملائكة (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) من دون الله ، إنّي مدني وأبو عمرو (فَذلِكَ) مبتدأ أي فذلك القائل ، خبره (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) وهو جواب الشرط (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقّق عصمتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضّحّاك : قد تحقّق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.

٣٠ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ألم ير مكي (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا) أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كنّ (رَتْقاً) بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين ، وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين (فَفَتَقْناهُما) فشققناهما ، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضدّ الفتق ، فإن قيل : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا : إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئيّ المشاهد ، ولأن الرؤية بمعنى العلم ، وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل ، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بدّ له من مخصّص وهو القديم جلّ جلاله ، ثم قيل إنّ السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء ، وقيل كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين ، وقيل كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي خلقنا من الماء كلّ حيوان كقوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (١) أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبّه له وقلة صبره عنه كقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢) (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) يصدّقون بما يشاهدون.

٣١ ـ (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا ثوابت من رسا إذا ثبت (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) لئلّا تضطرب بهم ، فحذف لا واللام ، وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما

__________________

(١) النور ، ٢٤ / ٤٥.

(٢) تأتي لاحقا في هذه السورة الآية ٣٧.

١١٨

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٣٤)

تزاد لذلك في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) (وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً) أي طرقا واسعة جمع فجّ وهو الطريق الواسع ، ونصبت (٢) على الحال من (سُبُلاً) مقدّمة (٣) ، فإن قلت : أي فرق بين قوله تعالى : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٤) وبين هذه؟ قلت : الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة ، فهو بيان لما أبهم ثمّ (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ليهتدوا بها إلى البلاد المقصودة.

٣٢ ـ (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) في موضعه عن السقوط كما قال : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٥) أو محفوظا بالشهب عن الشياطين كما قال : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (٦) (وَهُمْ) أي الكفار (عَنْ آياتِها) عن الأدلة التي فيها كالشمس والقمر والنجوم (مُعْرِضُونَ) غير متفكرين فيها فيؤمنون.

٣٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ) لتسكنوا فيه (وَالنَّهارَ) لتتصرفوا فيه (وَالشَّمْسَ) لتكون سراج النهار (وَالْقَمَرَ) ليكون سراج الليل (كُلٌ) التنوين فيه عوض عن المضاف إليه ، أي كلّهم ، والضمير للشمس والقمر والمراد بهما جنس الطوالع ، وجمع جمع العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة (فِي فَلَكٍ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : الفلك السماء ، والجمهور على أنّ الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ، وكلّ مبتدأ خبره (يَسْبَحُونَ) يسيرون أو (٧) يدورون ، والجملة في محلّ النصب على الحال من الشمس والقمر.

٣٤ ـ (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) البقاء الدائم (أَفَإِنْ مِتَ) بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر (فَهُمُ الْخالِدُونَ) والفاء الأول لعطف جملة على جملة ، والثاني لجزاء الشرط ، كانوا يقدّرون أنه سيموت فنفى الله عنه الشماتة بهذا ، أي قضى الله أن لا يخلّد في الدنيا بشرا فإن (٨) متّ أنت أيبقى هؤلاء.

__________________

(١) الحديد ، ٥٧ / ٢٩.

(٢) في (ظ) و (ز) نصب.

(٣) في (ز) متقدمة.

(٤) نوح ، ٧١ / ٢٠.

(٥) الحج ، ٢٢ / ٦٥.

(٦) الحجر ، ١٥ / ١٧.

(٧) في (ظ) و (ز) أي.

(٨) في (ز) يخلد ... بشر أفان.

١١٩

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٣٧)

٣٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ) ونختبركم سمّي ابتلاء وإن كان عالما بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار (بِالشَّرِّ) بالفقر والضّرّ (وَالْخَيْرِ) الغنى والنفع (فِتْنَةً) مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر ، وعن ابن ذكوان ترجعون.

٣٦ ـ (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) ما يتخذونك (إِلَّا هُزُواً) مفعول ثان ليتخذونك. نزلت في أبي جهل ، مر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك وقال : هذا نبي بني عبد مناف (١) (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ) يعيب (آلِهَتَكُمْ) والذكر يكون بخير وبخلافه ، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء وإن كان عدوا فذمّ (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية (هُمْ) به (٢) (كافِرُونَ) لا يصدّقون به أصلا فهم أحقّ أن يتّخذوا هزوا منك فإنك محقّ وهم مبطلون ، وقيل بذكر الرحمن أي بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون ، والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله تعالى ، وكررهم للتأكيد ، أو لأنّ الصلة حالت بينه وبين الخبر فأعيد المبتدأ.

٣٧ ـ (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) فسّر بالجنس ، وقيل نزلت حين كان النضر بن الحارث يستعجل بالعذاب ، والعجل والعجلة مصدران ، وهو تقديم الشيء على وقته ، والظاهر أنّ المراد الجنس وأنه ركّب فيه العجلة ، فكأنه خلق من العجل ، ولأنه يكثر منه ، والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم ، فقدّم أولا ذمّ الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ، ثم منع وزجر (٣) كأنه قال ليس ببدع منه أن يستعجل فإنه مجبول على ذلك وهو طبعه وسجيّته وقد ركّب فيه ، وقيل العجل الطين بلغة حمير قال شاعرهم :

والنبع في الصخرة الصماء منبته

والنخل ينبت بين الماء والعجل (٤).

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي ، ذكره السيوطي في الأسباب.

(٢) ليست في (ظ) و (ز).

(٣) في (ز) منعه وزجره.

(٤) سقط صدر البيت من (ز) لاكتفاء الناسخ أو الطابع بموضع الشاهد.

١٢٠