عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٤٩

هو (١) خاتم النبيين ، فلو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال (٢) لكان نبيا ، وروي أنه قال في إبراهيم حين توفي : «لو عاش لكان نبيا» (٣) بعده فلا نبي بعده وإن نزل عيسى بعده فهو ينزل بشريعته ويصلي إلى قبلته فكأنه من أمته ، وقرئ «خاتم» بفتح التاء كالطابع ، أي ختم به الأنبياء وبكسرها اسم فاعل (٤) ، أي ختم هو بنفسه الأنبياء فلا بعده ، أي لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٤٠] أي بكل من يصلح للنبوة وغيرها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ) أي أثنوا عليه بما هو أهله من ضروب الثناء كالتكبير والتهليل والتقديس والتمجيد (ذِكْراً كَثِيراً) [٤١] أي ذكرا دائما على كل حال إلا أن تكونوا مغلوبي العقل ، روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «تصدأ هذه القلوب كما يصدأ الحديد ، قيل : يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال : تلاوة القرآن وكثرة ذكر الله وذكر الموت» (٥) ، وروي أيضا : «ليس شيء من العبادات أفضل من ذكر الله ، لأنه لم يقدر له مقدارا وأمر بكثرته» (٦).

(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢))

(وَسَبِّحُوهُ) أي قولوا له التسبيح باللسان كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قيل : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب (٧) ، وقيل : معناه صلوا له (٨)(بُكْرَةً) في الصبح (وَأَصِيلاً) [٤٢] أي في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣))

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) فصلوته مغفرته ورحمته لخلقه ، وصلوة الملائكة الدعاء والاستغفار للمؤمنين (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي يفعل ذلك بكم ليخركم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة أو من الكفر إلى الإيمان أو من النار إلى الجنة برحمته ودعاء ملائكته (وَكانَ) الله (بِالْمُؤْمِنِينَ) أي الموحدين (رَحِيماً) [٤٣] بادخالهم الجنة.

(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))

قوله (تَحِيَّتُهُمْ) مصدر ، مضاف إلى المفعول ، أي تحية الله إياهم (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) فيعظمهم بسلامه عليهم يوم القيامة ، وقيل : «عند قبض أرواحهم يقول ملك الموت الله يقرئك السّلام» (٩) ، وقيل : يسلم الله عليهم عند دخول الجنة أو يسلمون على الله فيها أو يسلم عليهم الملائكة عند خروجهم من القبور أو يسلم بعضهم على بعض في الجنة استبشارا (١٠)(وَأَعَدَّ لَهُمْ) أي للمؤمنين (أَجْراً كَرِيماً) [٤٤] هو الجنة.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥))

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) حال مقدرة من كاف «أرسلناك» لأنه لا شهادة له عليهم وقت الإرسال ، أي مقدرا شهادتك على أمتك والرسل بالبلاغ (وَمُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً) [٤٥] بالنار.

__________________

(١) وفي النسخ التي راجعتها «هم» ، وهذا خطأ ، لعل الصواب ما أثبتناه وهو «هو» ، وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٤ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٧١.

(٢) مبلغ الرجال ، ح : ـ وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٤٦.

(٣) أخرجه ابن ماجة ، الجنائز ، ٢٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٤٦.

(٤) «وَخاتَمَ» : فتح عاصم التاء ، وكسرها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٥٦.

(٥) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.

(٦) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٧) نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٧٣.

(٨) هذا المعنى مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٤٧٣.

(٩) ذكر ابن مسعود نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٣.

(١٠) هذه الأقوال مأخوذة عن الكشاف ، ٥ / ٤٧.

٣٠١

(وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦))

(وَداعِياً إِلَى اللهِ) أي مأذونا لك في الدعاء إلى طاعته (بِإِذْنِهِ) أي بتيسيره استعير الإذن له ، لأنه قد حصل بقوله (وَداعِياً إِلَى اللهِ) ضمنا ، وإنما استعير له لأن الدخول في حق المالك متعذر فاذا أذن تسهل وتيسر فوضع الإذن موضعه لأنه سببه ، وذلك أن دعاء أهل الشرك إلى التوحيد أمر في غاية الصعوبة والتعذر فاذا كان باذن اله تسهل (وَسِراجاً مُنِيراً) [٤٦] وصفه بالإنارة ، لأن من السرج ما لا يضيء لفتوره ، أي يهتدى بك في الدين كما يهتدى بالسراج المنير في الظلام.

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧))

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [٤٧] أي فضلا عظيما على سائر الأمم وهو ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب ، قيل : إذا ذكر المتفضل به بالتعظيم فما ظنك بالثواب يكون الثواب أعظم (١).

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨))

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) أي أرسلناك لدعوتهم إلى طاعة الله فدم واثبت على ما أنت عليه ، ولا تطعهم فيما يخالف شريعتك ولا في نقض عهد (وَدَعْ أَذاهُمْ) أي اصبر على ما يؤذونك به ولا تجازهم عليه حتى تؤمر ، ونسخ هذا بآية السيف (٢)(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) لأن من توكل عليه تيسر كل عسر عليه (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [٤٨] أي هو كافيك عن جميع خلقه مفوضا إليه أمرك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))

ثم خاطب المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ) أي إذا عقدتم على (الْمُؤْمِناتِ) عقد النكاح (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) وقرئ «تماسوهن» (٣) ، أي تطؤهن (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) أي تستوفون عددها بالإقراء ، محل الفعل جر صفة (عِدَّةٍ) ، هذا دليل على العدة حق واحب للرجال على النساء ، وفائدة (ثُمَّ) نفى توهم تفاوت الحكم بين أن يطلقها الزوج وهي قريبة العهد من النكاح وبين أن يبعد عهدها به ثم يطلقها ، المعنى : أنكم إذا طلقتموهن قبل المسيس (فَمَتِّعُوهُنَّ) أي أعطوهن متعة إذا لم يكن ثمه صداق مسمى لهن وإن كان فنصفه بلا متعة ، وهذه المتعة واحبة بالاتفاق ، وإذا سمي لهم مهر ففيها اختلاف ، فبعض على الندب وبعض على الوجوب (وَسَرِّحُوهُنَّ) أي خلوا سبيلهن (سَراحاً جَمِيلاً) [٤٩] من غير إضرار بهن ولا منع واجب وحكم الخلوة الصحيحة حكم المساس وإنما خص المؤمنات بالذكر ، لأن نكاح الكتابيات لم يكن مباحا في ذلك الوقت ، فلما أجل الله نكاحهن صار حكمهن كحكم المؤمنات.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠))

ثم خاطب النبي عليه‌السلام بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ) أي أعطيت أو فرضت في العقد لبيان المباحات له عليه‌السلام أفضلها وأطيبها (أُجُورَهُنَّ) أي مهورهن التي سميت في العقد ،

__________________

(١) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٤٨.

(٢) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٥ / ٤٨ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٤ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٧٤ ؛ وابن الجوزي ، ٤٧.

(٣) «أَنْ تَمَسُّوهُنَّ» : قرأ الأخوان وخلف بضم التاء وألف بعد الميم فيصير مدا لازما ، والباقون بفتح التاء ولا ألف بعد الميم. البدور الزاهرة ، ٢٥٦.

٣٠٢

فانها أفضل من ترك التسمية وإن وقع العقد جائزا (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ)(١) من الإماء (مِمَّا أَفاءَ) أي رد (اللهُ عَلَيْكَ) من الكفار كصفية ، فانه أطيب من سبي ما كان له عهد فانه سبي خبثة لا سبي طيبة وهو ما سبي من أهل الحرب ، ولذا قال (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) ، لأن فيء الله لا يطلق إلا على الطيب ، ثم عطف على (أَزْواجَكَ) قوله (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) أي أحللنا لك (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) من مكة إلى المدينة (٢) منهن ولم تحل من لم تهاجر معك ، وقد نسخ شرط الهجرة بقوله (٣)(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) أي أحللنا لك امرأة مؤمنة دون المشركة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) ولا تطلب مهرا منك من النساء المؤمنات (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) أي يطلب نكاحها بغير صداق ، وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي للإيذان بأن هذا الحكم مما خص به لأجل النبوة ، وتكريره تفخيم له ، قوله (خالِصَةً لَكَ) حال مؤكدة من ضمير (وَهَبَتْ) ، أي حلت لك إذا وهبت نفسها خاصة بلفظ الهبة بلا مهر لك (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي لا تحل لهم فعلى هذا المعنى يكون (خالِصَةً) متعلق بالإحلال الأخير ، وقيل : (خالِصَةً) مصدر مؤكدة بمعنى خلص خلوصا (٤) ، أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك من أجناس المنكوحات وزدنا لك الواهبة نفسها فعلي هذا تعلق بالإحلالات الأربع ورد في أثرها لتأكيدها ، قيل : الواهبة نفسها أم شريك بنت جابر (٥) أو ميمونة بنت الحارث (٦) أو خولة بنت حكيم (٧) ، قوله (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) إن أراد النبي شرطان اعترض أحدهما الآخر فيلزم أن يكون الشرط المؤخر لفظا مقدما معنى ، وكذلك حكم جميع الشروط المعترضة قالوا عقد النكاح بلفظ الهبة سواء فيه الرسول وأمته عند أبي حنيفة ، وقال الشافعي رحمه‌الله : لا يصح وقد خص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا (٨) متمسكا بالآية وينعقد نكاحه بلا شهود ولا مهر ، والأولى وله الزيادة على الأربع (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين (فِي أَزْواجِهِمْ) من الأحكام بأن لا يتزوجوا بأكثر من أربع (وَ) كذا في (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الإماء ، أي أنها مباحة لهم فوق أربع زوجات ، هذه الجملة اعتراض ، وقوله (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) متصل ب (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ، ومعنى هذه الجملة الاعتراضية : أن الله قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج والإماء وعلى أي حد وصفه يجب أن يفرض عليهم ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما اختصه به ففعل وفعله ليس بعبث ، ومعنى قوله (لِكَيْلا) يكون تعليل للإحلال ، أي أحللنا لك أزواجك المذكورات والواهبة نفسها لك لئلا يضيق نفسك في دينك (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للواقع للحرج إذا تاب (رَحِيماً) [٥٠] بالتوسعة على عباده.

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١))

قوله (تُرْجِي) بالهمزة وتخفيفه (٩)(مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) نزل حين أراد أن يفارق نساءه لطلبهن زيادة النفقة والقسم بينهن (١٠) ، فأباح الله لرسوله أن يكون الاختيار في يده ، فيفعل بهن ما يشاء من الطلاق وترك القسم وغيرهما فقال ترجئ ، أي تؤخر من تشاء منهن عنك بطلاق وغيره (وَتُؤْوِي) أي وتجمع (إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)

__________________

(١) أي ، + و.

(٢) معك ، + و.

(٣) نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٧٦.

(٤) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٥٠.

(٥) عن علي بن الحسين والضحاك ومقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.

(٦) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.

(٧) عن عروة بن الزبير ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.

(٨) جميعا ، و : جميعها ، ح ي.

(٩) «وترجي» : قرأ المكي والبصريان والشامي وشعبة بهمزة مرفوعة بعد الجيم ، وإذا وقفوا أسكنوا الهمزة إلا هشاما ، وغيرهم بياء ساكنة بعد الجيم بدلا من الهمزة. البدور الزاهرة ، ٢٥٧.

(١٠) عن أبي رزين وابن زيد ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٩٧.

٣٠٣

منهن ، يعني تترك مضاجعة من تشاء وتضاجع من تشاء أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء منهن أو تقسم لمن شئت أو لا تقسم لأيتهن شئت أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوج من شئت أو تعزل من شئت منهن بلا طلاق ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب امرأة تحرم على غيره خطبتها حتى يتركها ، وهذا كله من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) أي التي طلبتها (١)(مِمَّنْ عَزَلْتَ) أي تركتها (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) أي لا إثم في فعلك بنسائك بلا تحديد عقد (ذلِكَ) أي التفويض إلى مشيتك (أَدْنى) أي أقرب إلى رضاهن (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) أي تطمئن قلوبهن بتخييرهن (وَلا يَحْزَنَّ) بترك القسم لهن أو بمخالفة (٢) الطلاق (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ) من عزل وإيواء لعلمهن أن هذا التفويض من عند الله وبوحيه ، قوله (كُلُّهُنَّ) بالرفع تأكيد لفاعل (يَرْضَيْنَ) وحقه التقديم ، وروي النصب (٣) تأكيدا للمفعول (٤) في (آتَيْتَهُنَّ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الميل إلى بعض نسائكم دون بعض وقلوبهن من عدم الرضا منهن بما دبر الله من التفويض إلى مشية رسوله ، وفيه وعيد لمن لم يرض بذلك وبعث على تواطئ القلوب على طلب رضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بما في الصدور (حَلِيماً) [٥١] لا يعاجل بالعقوبة.

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢))

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ) بالياء والتاء (٥) من المسلمات والكتابيات (مِنْ بَعْدُ) أي من بعد نسائك المسلمات اللاتي خيرتهن فاخترنك ورضين بمرادك أو من بعد التسع لأنه نصابك من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمتك منهن (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ) أي يحل لك أن تستبدل (بِهِنَّ) غيرهن (مِنْ أَزْواجٍ) أي أزواجا أخر ، وذلك كرامة لهن من الله على ما اخترن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، و (مِنْ) زائدة لتأكيد النفي وهن التسع اللاتي مات عنهن عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وصفية وميمونة وزينب وجويرية ، والمعنى : لا يجوز لك أن تطلق إحدى نسائك المخيرات ولا نكاح غيرهن (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) نصب على الحال من فاعل (تَبَدَّلَ) ، أي مفروضا إعجابك بهن ، وقيل : معناه ليس لك أن تعطي غيرك زوجك وتأخذ زوجته كما كان ذلك في الجاهلية (٧)(إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) من السريات ، محله نصب استثناء من النساء أو رفع بدل منها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [٥٢] أي حفيظا وهو وعيد لمن تخطي حلاله إلى حرامه ، روي عن عائشة رضي الله عنها : «ما مات رسول الله حتى أحل له النساء» (٨) ، تعني أن الآية قد نسخت فحينئذ أن يكون الناسخ السنة أو يكون قوله (أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) الآية ، وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف (٩) ، لأن الناسخ في المحصف مقدم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣))

ثم قال تعالى نهيا للمؤمنين عن الدخول في بيوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل إذنه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) أي وقت أن يؤذن لكم (إِلى طَعامٍ) فهو ظرف في المعنى ، قوله (غَيْرَ ناظِرِينَ) حال من فاعل (تَدْخُلُوا) ، أي لا تدخلوا إلا غير ناظرين (إِناهُ) أي وقت الطعام ، يعني وقت نضجه أو إدراكه

__________________

(١) طلبتها ، ح و : طلبت ، ي.

(٢) أو بمخالفة ، ح ي : أو بمخافة ، و.

(٣) هذه القراءة مأخوذة عن السمرقندي ، ٣ / ٥٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٠ ـ ٥١.

(٤) وروي النصب تأكيدا للمفعول ، ي : وروي النصب تأكيد للمفعول ، ح ، ومن قرأ بالنصب أكد به المفعول ، و.

(٥) «لا تحل» : قرأ البصريان بالتاء الفوقية ، وغيرهما بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ٢٥٧.

(٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وي : ـ ح.

(٧) اختصر المصنف هذا المعنى من البغوي ، ٤ / ٤٨٠ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥١.

(٨) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥١.

(٩) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٥١.

٣٠٤

وتهيأه للأكل ، المعنى : اجتنبوا دخول بيته إذا لم تدعوا ، نزل حين كانوا يتحينون طعام رسول الله فيدخلون بيته ويقعدون منتظرين نضجه تأديبا لهم (١)(وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ) للأكل (فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ) أي فرغتم منه (فَانْتَشِرُوا) عن الطعام خارجين عن البيت (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) جر عطف على (ناظِرِينَ) أو نصب عطف (٢) على ولا تدخلوها (٣) مستأنسين (لِحَدِيثٍ) نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم بعضا لأجل حديث يديرونه بينهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثير الحياء لا يمنعهم عن ذلك فقال الله (إِنَّ ذلِكُمْ) أي الاستئناس بعد الأكل (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يأمركم بالخروج (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي لا يمتنع عن تعريفكم الحق والصواب حياء منكم (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ) الضمير لنساء النبي عليه‌السلام ولم يذكرن لدلالة الحال عليهن (مَتاعاً) أي حاجة (فَسْئَلُوهُنَّ) المتاع (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي من خلف الحجاب (ذلِكُمْ) أي السؤال من وراء حجاب (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريبة ، قيل : كان النبي عليه‌السلام يطعم ومعه بعض أصحابه في بيته فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره النبي عليه‌السلام ذلك فنزلت آية الحجاب (٤) قوله (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) بشيء ما (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد موته وبعد تحريمهن قبل الموت (أَبَداً) نزل حين قال بعضهم وهو طلحة بن عبد الله : «أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء الحجاب؟ لئن مات محمد لأتزوجن عائشة» ، فأعلم الله تعالى أن ذلك محرم عليكم (٥) ، أي ما صح لكم إيذاء رسول الله ولا نكاح أزواجه من بعده لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، لأن المرأة لآخر أزواجها ، كذا روي عن حذيفة رضي الله عنه وسئل رسول الله عليه‌السلام إذا كان للمرأة زوجان في الدنيا لأيهما تكون في الآخرة؟ قال : «إنها تخير فتختار أحسنهما خلقا معها» (٦)(إِنَّ ذلِكُمْ) أي المذكور (كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) [٥٣] أي عظيم العقوبة.

(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤))

(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) من نكاحهن على ألسنتكم (أَوْ تُخْفُوهُ) أي في صدوركم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٥٤] أي يعلم ذلك كله فيعاقبكم به.

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))

قوله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ) نزل حين نزلت آية الحجاب ، وقال ذوو المحارم يا رسول الله نحن أيضا لا نكلمهن إلا من وراء حجاب؟ (٧) فرخص الدخول على نساء ذوات محرم بغير حجاب ، أي لا إثم عليهن في ترك الاحتجاب من المذكورين ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين (وَلا نِسائِهِنَّ) أي في المسلمات فيحرم دخول الكتابيات أو المراد جنس النساء فيحل دخولهن أيضا عليهن (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) أي لا إثم عليهن في أن لا يحتجبن من مماليكهن من الإماء والعبيد ، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب ليدل على فضل تشديد وتهديد فقال (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما أمرتن به من الاحتجاب (٨) والستر واحفظن طريقة التقوى في الأمر والنهي (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من السر والعلن وظاهر الحجاب وباطنه (شَهِيداً) [٥٥] أي رقيبا لا يتفاوت في علم الأحوال.

__________________

(١) نقله عن الكشاف ، ٥ / ٥١.

(٢) عطف ، و : ـ وي.

(٣) ولا تدخولوها ، وي : ولا تدخلوا ، ح.

(٤) عن مجاهد ، انظر الواحدي ، ٣٠٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٢.

(٥) عن مقاتل بن سليمان ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٨٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٨ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥٢.

(٦) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٩. لم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٤ / ٤٨٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٣.

(٨) من الاحتجاج ، وي : من الحجاب ، ح.

٣٠٥

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦))

ثم نزل تعظيما للنبي عليه‌السلام (١)(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) أي الله يصلي وملائكته (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) حذف الخبر لدلالة (يُصَلُّونَ) عليه ، وصلوة الله الرحمة ، وصلوة الملائكة الاستغفار ، وصلوة المؤمنين الدعاء ، فمعنى قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) ادعوا له ليترحم عليه الله (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [٥٦] ليسلمه الله بقولكم الصلوة والسّلام على رسول الله ، قيل : سئل رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» (٣) ، وقال : «صلوا علي ، فان الصلوة علي زكوة لكم» (٤) ، فبعض أوجبها كلما ذكر لقوله عليه‌السلام : «من ذكرت بين يديه فلم يصل علي دخل النار» (٥) ، وبعض أوجبها مرة في المجلس وإن كرر ذكره كسجدة التلاوة وتشميت العاطس ، وبعض أوجبها في العمر مرة ، وكذا الخلاف في الشهادتين ، والأفضل أن يصلى عليه كلما ذكر صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم الصلوة عليه في الصلوة ليست بشرط عند أبي حنيفة والشافعي قد جعلها شرطا ، وأما الصلوة على غير النبي فجائزة على سبيل التبع ، إفراد غيره بها مكروه ، لأنها شعار لذكر رسول الله ولأنه يفضي إلى الاتهام بالرفض (٦).

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧))

قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية نزل حين نسب اليهود والنصارى إلى الله تعالى ما لا يليق به كالشريك والولد ، وإلى رسوله بالكذب والسحر وغيرهما (٧) ، أي إن من يؤذي الله بنسبة الولد والشريك إليه والمعصية عليه وهو منزه عن الأذي بفعل ما يكرهه ويسخطه ، ويؤذي رسوله بتكذيبه وشج وجهه وكسر رباعيته (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا) بالقتل (وَالْآخِرَةِ) بالنار (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) [٥٧] أي عذابا يهانون به أبدا.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))

ثم نزل نهيا عن أذى المؤمنين ظلما (٨)(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير استحقاقهم للأذى ، وقيل : نزل في المنافقين الذين يؤذون عليا رضي الله عنه ويسمعونه (٩) ، وقيل : في زناة يتبعون النساء وهن كارهات (١٠)(فَقَدِ احْتَمَلُوا) أي تحملوا (بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [٥٨] أي بينا.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩))

قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) نزل حين كانت النساء أول الإسلام غير صائنات أنفسهن كما في الجاهلية تبرز المرأة في درع وخمار لا فصل بين الحرة والأمة ، وكان أهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، وكانوا يقولون حسبتها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بستر الوجوه والرؤوس ولبس الأردية والملاحف (١١) ، فقال

__________________

(١) وهذا مأخوذ عن البيضاوي ، ٢ / ٢٥١ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ١٤ / ٢٣٢.

(٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وي : ـ ح.

(٣) أخرجه مسلم ، الصلوة ، ٦٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٩.

(٤) رواه أحمد بن حنبل ، ٢ / ٣٦٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٩.

(٥) ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها. وروى الترمذي في سننه في الدعوات ، ١٠١ : «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي».

(٦) نقل المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٥ / ٥٣.

(٧) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٦٠.

(٨) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٦٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٨٧.

(٩) عن مقاتل ، انظر الواحدي ، ٣٠٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥٤.

(١٠) عن الضحاك والسدي والكلبي ، انظر الواحدي ، ٣٠٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٥٤.

(١١) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٥٤.

٣٠٦

قل للمذكورات أدنين أزركن واستترن ، قوله (يُدْنِينَ) مقول القول أي يرخين (عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) جمع جلباب وهو الثوب الذي تشتمل به المرأة ، و (مِنْ) للتبعيض ، يعني قل لكل واحدة منهن أن ترخي بعض جلبابها على رأسها ووجهها إلا عينا واحدة حتى تتميز من الأمة (ذلِكَ) الفعل (أَدْنى) أي أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) بتعرض ذي ريبة ونفاق لهن (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب عما سلف (رَحِيماً) [٥٩] له بالجنة.

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠))

ثم خوفهم لينزجروا عن النفاق والعمل السوء فقال (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم وفجورهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم قوم فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات عليه (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) وهم ناس كانوا يرجفون ، أي يزلزلون قلوب المسلمين بالأخبار السوء يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقولون هزموا وقتلوا ، من الرجفة وهي الزلزلة ، ومن الإرجاف وهو الإخبار بالشيء على غير حقيقته ، أي لئن لم ينته المذكورون عما يقولون ويفعلون (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلطنك عليهم بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسؤوهم وتضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) جواب آخر للقسم المتقدم في (لَنُغْرِيَنَّكَ) عطف عليه ب (ثُمَّ) لبعد حاله عن حال المعطوف عليه ، أي لا يساكنونك (فِيها) أي في المدينة (إِلَّا) زمانا (قَلِيلاً) [٦٠] حتى يخرجوا منها ربما يرتحلون عنك أذلاء.

(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١))

قوله (مَلْعُونِينَ) نصب حال من فاعل (لا يُجاوِرُونَكَ) ، وقيل : نصب على الشتم (١)(أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أي وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [٦١] أي قتلا كثيرا كما قتل أهل بدر.

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢))

(سُنَّةَ اللهِ) أي سن الله سنة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا) أي مضوا (مِنْ قَبْلُ) وهم الذين نافقوا الأنبياء أن يقتلوا حيث ما أدركوا (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [٦٢] أي مبدلا ومغيرا ، يعني استمر هذا الحكم فيهم من غير تبديل.

(يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣))

قوله (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) نزل حين كان المشركون يسألون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء ، واليهود يسألونه عنها امتحانا ، لأن الله عمى وقتها في التورية وغيرها من الكتب ، فأمر رسول الله بقوله (٢)(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أن يجيبهم بأن علم الساعة عند الله ، أي هو مختص به لا يطلع عليه ملكا ولا نبيا ، ثم أومى إلى قربها فقال (وَما يُدْرِيكَ) بها (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ) شيئا (قَرِيباً) [٦٣] تهديدا للمستعجلين وإسكاتا للممتحنين.

(إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥))

(إِنَّ اللهَ لَعَنَ) أي عذب (الْكافِرِينَ) وهم المكيون بالقتل ببدر (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) [٦٤] أي نارا هي الشديدة الإيقاد في الآخرة.

(خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) أي قريبا ينفعهم (وَلا نَصِيراً) [٦٥] يمنعهم من العذاب.

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧))

قوله (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ظرف لقوله (لا يَجِدُونَ) ، ومعنى تقليب وجوههم تصريفها في

__________________

(١) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٥٥.

(٢) وقد أخذه المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٥٥.

٣٠٧

الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلب ، والمراد بالوجوه أربابها ، أي ترفعهم النار إلى أعلاها ثم تخفضهم إلى أسفلها دائما ، قوله (يَقُولُونَ) حال ، أي يقول التابع والمتبوع (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [٦٦] وَقالُوا) أي الأتباع (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) في الكفر وهم مقدموهم (١) ورؤساؤهم الذين لقنوهم الشرك وزينوه لهم (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [٦٧] أي أخطؤا بنا طريق الهداية.

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨))

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أي عذبهم مثلي عذاب غيرهم وارفع عنا العذاب واحمله عليهم ، لأنهم أضلونا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [٦٨] بالباء (٢) من الكبر من الكثرة ، أي عذبهم عذابا (٣) عظيما أو دائما ، وزيادة الألف في (الرَّسُولَا) و (السَّبِيلَا) كما في (الظُّنُونَا)(٤) لإطلاق الصوت ، وفائدتها الوقف والدلالة على قطع الكلام واستئناف ما بعده.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا) في إيذاء النبي عليه‌السلام (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) بأن رموه بالأدرة وهي مرض الانثيين وبالبرص في جسده ، فاطلعهم الله على أنه بريء منه ، روي : أنه وضع ثوبه على الحجر ليتوضأ ويغتسل فهرب الحجر بثوبه حتى وقف (٥) بين يدي (٦) ملأ بني إسرائيل ، فأدركه فضربه ثنتي عشرة ضربة ، فرأوه أحسن الناس جسدا (٧) ، وهو معنى قوله (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أي من العيب (٨) في حقه ، ف «ما» موصولة ، أي من الذي قالوه ، ويجوز أن يكون مصدرية ، أي من قولهم ، والمراد مضمونه وهو الأمر المعيب (وَكانَ) موسى (٩)(عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [٦٩] أي ذا قربة ووجاهة فكيف يوصف بعيب ونقيصة؟ وقيل : قالت السفهاء في حقه أنه قتل هرون ودفنه ، وكان قد خرج معه إلى الجبل فمات هناك فحملته الملائكة ، ومروا به عليهم ميتا فأبصروه حتى عرفوا أنه غير مقتول أو أحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى عن قتله (١٠) ، وقيل : هو اتهامهم بالمراد الفاجرة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها (١١) ، فالمعنى : أنكم لا تؤذوا رسول الله كما آذت بنو إسرائيل موسى فهلكوا بالخوض في حديث زينب وأمثاله من غير سداد بالقول وصدقه وأكد النهي عن إيذاء الأنبياء وغيرهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠))

قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي عظموه بالصدق (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [٧٠] أي قولا قاصدا إلى الحق والعدل ، فالغرض من الآيتين النهي عن الخوض فيما لا يعنيهم والبعث على حفظ اللسان في كل باب ، فانه رأس الخير كله ، والمعنى : راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم.

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي يوفقكم الله في اتيان الأعمال الصالحة المرضية (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي يكفر

__________________

(١) مقدموهم ، وي : متقدموهم ، ح.

(٢) «كبيرا» : قرأ عاصم بالباء الموحدة ، وغيره بالثاء الثلثة. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.

(٣) عذابا ، وي : ـ ح.

(٤) الأحزاب (٣٣) ، ١٠.

(٥) به ، + و.

(٦) يدي ، ح ي : ـ و.

(٧) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٦٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٩٠.

(٨) أي من العيب ، و : من العيب ، ح ي.

(٩) موسى ، وي : ـ ح.

(١٠) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٥٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٦٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٩١.

(١١) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٤٩١.

٣٠٨

عنكم سيئاتكم (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [٧١] أي نال عنده غاية مطلوبه ، ولما قال ومن يطع الله ورسوله وعلق بالطاعة الفوز العظيم أتبعه قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) وهي الطاعة فعظم أمرها وفخم شأنها ، وقيل : الأمانة كل ما افترض على العباد من صلوة وصيام وزكوة وأداء دين وكتم الأسرار (١) ، وقيل : الوفاء بالعهود (٢) ، فعرضت الأمانة بما فيها على هذه الأجرام العظام يعني (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) عرض تخيير فقلن مستفهمات وما فيها ، فقيل : إن أحسنتن جوزيتن بالثواب وإن عصيتن عوقبتن (٣) ، وقيل : إنه تمثيل والممثل به في الآية مفروض لا محقق والمفروضات يتخيل في الذهن كالمحققات ، يعني مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على هذه الأجرام العظام الجمادات (٤)(فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) لعظم ذلك التكليف وثقل محمله مع جماديتها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) فيكون العرض والإباء والإشفاق مجازا من فرض إرادة التكليف منها وامتناعها من صعوبته وتجهيلا للإنسان حيث عرضت الأمانة عليه وحملها مع ضعفه من غير وفاء لها ، والمراد منه آدم أو الكافر أو الجنس (إِنَّهُ) أي إن الإنسان (كانَ ظَلُوماً) لنفسه عاصيا لربه لكونه تاركا لأداء الأمانة التي تحملها من ربه (جَهُولاً) [٧٢] لما افترض عليه ولعاقبة تركه مخطئا عما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها مع كونه حيوانا عاقلا صالحا للتكليف ، وقيل : إن هذه الأجرام العظام عند الأمانة ركب فيها عقل فاقتضى حالها ذلك (٥) ، وقيل : أريد منها أهلها فلا يكون تمثيلا ويكون الإباء والإشفاق حقيقة (٦) ، واللام في (لِيُعَذِّبَ اللهُ) تعليل لعرض الأمانة ، أي عرضها للإنسان ليعذب الله (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) وهم الذين خانوا الأمانة ولم يفوا بها (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي وليتوب على من وفى بها من أهل الإيمان ، يعني يقبله ويثيب عليه ، فالمعنى : أن عرض الأمانة منه تعالى ليظهر شقاوة هؤلاء وسعادة هؤلاء (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب (رَحِيماً) [٧٣] لمن أطاع.

__________________

(١) ذكر ابن مسعود نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٩٢.

(٢) نقله عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.

(٣) أخذ المصنف هذا المعنى عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.

(٤) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٥ / ٥٧.

(٥) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٩٢.

(٦) اختصره من البغوي ، ٤ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ؛ والكشاف ، ٥ / ٥٧.

٣٠٩

سورة سبأ

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له الحمد على نعم الدنيا ، لأن كل ما في السماء (١) والأرض نعمة من الله لأهلها ، فيجب الحمد والثناء عليها (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) أي على نعم الآخرة التي هي الثواب وهو وإن لم يكن واجبا لأنه ليس يتعبد لكنه تتمة سرور أهل الإيمان والتقوى (٢) والتذاذهم به التذاذ المتعطش بالماء البارد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) أي المحكم لما في داريه (الْخَبِيرُ) [١] أي العالم المحيط بكل كائن يكون.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢))

قوله (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) بيان لما يحيط به علمه ، أي يعلم ما يدخل (فِي الْأَرْضِ) كماء الغيث وحيوان ونبات وأموات وكنوز (وَ) يعلم (ما يَخْرُجُ مِنْها) كماء العيون والدواب والنبات والأشجار والأحجار من جواهر الأرض والأموات عند البعث (وَ) يعلم (ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من المطر والثلج والبرد والصاعقة والبركة في الرزق والملائكة والمقادير (وَ) يعلم (ما يَعْرُجُ) أي يصعد (فِيها) كالملائكة وأعمال العباد (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [٢] للمفرطين في أداء مواجب شكر نعمه لخوف أهوال الساعة.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) استهزاء وإنكارا للبعث ، فقال تعالى لرسوله عليه‌السلام (قُلْ) مقسما (بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) أي الساعة البتة فأوجب ما بعد النفي ب (بَلى) على معنى ليس الأمر إلا اتيان الساعة ، وأكده باليمين بربه ، ثم زاد التأكيد على اتيان الساعة ، وصف المقسم به بعلم الغيب على وجه الاختصاص بقوله (عالِمِ الْغَيْبِ) رفع على المدح ، أي هو عالم كل غيب ، وقرئ بالجر (٣) بدلا من (رَبِّي) وعلام الغيب للمبالغة في وصفه بالعلم (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) أي لا يبين ولا ينفصل عن الله تعالى (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) وهي النملة الصغيرة أو ما يرى في الشعاع (٤)(فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) والواو في (وَلا أَصْغَرُ) للابتداء لا للعطف لفساد المعنى ، لأنه يلزم منه أن يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة في كتاب مبين وهو باطل ، والمراد أنه لا أصغر (مِنْ ذلِكَ) المثقال (وَلا

__________________

(١) في السماء ، وي : في السموات ، ح.

(٢) والتقوى ، وي : ـ ح.

(٣) «عالِمِ الْغَيْبِ» : قرأ المدنيان ورويس والشامي بألف بعد العين وكسر اللام وتخفيفها ورفع الميم ، وحمزة والكسائي بحذف الألف بعد العين وفتح اللام وتشديدها وألف بعدها وخفض الميم ، والباقون كنافع إلا أنهم يخفضون الميم. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.

(٤) في الشعاع ، وي : ـ ح.

٣١٠

أَكْبَرُ) منه (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [٣] أي إلا وهو مسطور في اللوح ، وإذا ثبت بهذا الوصف أن شيئا من الخفيات لا يفوت من علمه اندرج تحته علمه بوقت قيام الساعة الذي هو من مشاهير الغيوب ، وأدخلها في الخفية وأسرعها إلى القلب إذا قيل إنه عالم الغيب فصح ثبوت ما أنكروه بأبلغ وجه وآكده ، ثم لم يقتصر على ذلك ، بل عقبه بذكر تعليل إثباتها قطعا ، لأن الله تعالى وضع في العقول وجوب الجزاء للمحسن والمسيء لما سنذكره ، فاللام في (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يتعلق بقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، أي ليثيب المؤمنين الصالحين (أُولئِكَ) أي المؤمنون (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [٤] أي الجنة ، وهذا التعليل عقلي ، لأن العقل يقتضي جزاء كل عامل على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وإلا لزم أن يكون الله ظالما ، تعالى عنه علوا كبيرا.

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥))

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) أي في القرآن (مُعاجِزِينَ) أي معاندين ، وقرئ «معجزين» بالتشديد (١) ، أي مثبطين عن الإيمان بها وإرادته (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أي سوء العذاب (أَلِيمٌ) [٥] بالجر ، أي مؤلم ، وقرئ برفعه (٢) نعتا لل (عَذابٌ).

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦))

قوله (وَيَرَى) عطف على (لِيَجْزِيَ) ، أي ليعلم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن تبعهم من أمته أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب الأحبار وعبد الله بن سلام ، قوله (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) بالنصب فيهما مفعولان ل (يَرَى) وهو فصل بينهما ، والمعنى : أن اتيان الساعة ليعلم أولوا العلم عنده أنه الحق عالما لا يزاد عليه في الإيقان ويحتجوا به على المكذبين ، وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه الحق فيزدادوا حسرة وغما (وَيَهْدِي) عطف على (الْحَقَّ) فيكون في تقدير المفعول ، أي يرون المنزل إليك حقا وهاديا (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [٦] أي الرب المنتقم المحمود في فعاله.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم قريش قال بعضهم بعضا (٣) سخرية بينهم متجاهلين به وبأمره وقد كان النبي عليه‌السلام مشهورا في قريش وأنباؤه شائعا عندهم (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) هو محمد (يُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم بأعجوبة من أعاجيب لتضحكوا بها أنكم (إِذا مُزِّقْتُمْ) أي تفرقت أجزاؤكم (كُلَّ مُمَزَّقٍ) مصدر ، أي كل تفرق وتبدد أو مكان ، لأنهم يمزقون بالموت في كل مكان في بطون الطير والسباع والجبال والبراري وقعر البحر ، ومر بهم السيل ، فذهب بهم كل مذهب وكذا الريح ، فطرحتهم كل مطرح (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [٧] هو جواب (إِذا) والعامل فيه مدلوله وهو تبعثون ، أي أنكم تبعثون وتنشؤون خلقا جديدا بعد أن تكونوا (٤) ترابا.

(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨))

(أَفْتَرى) بفتح الألف ، أصله أافترى بهمزة الاستفهام الداخلة على همزة الوصل للإنكار والتعجب أو أاختلق محمد (عَلَى اللهِ كَذِباً) فيما ينسب إليه من ذلك (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون يلقيه على لسانه من غير قصد عنه ، فبرأه الله مما قالوا بالإضراب بقوله (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث واقعون (فِي الْعَذابِ) فيما يؤديهم إليه (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) [٨] عن الهدى وهم غافلون عن ذلك ، و (الْبَعِيدِ) صفة الضال إذا بعد عن الجادة فيكون وصف الضلال بالبعد مجازا.

__________________

(١) «معاجزين» : قرأ المكي والبصري بحذف الألف بعد العين مع تشديد الجيم ، والباقون باثبات الألف وتخفيف الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.

(٢) «أليم» : قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب برفع الميم ، والباقون بخفضها. البدور الزاهرة ، ٢٥٨.

(٣) بعضا ، وي : ـ ح.

(٤) تكونوا ، وي : يكونوا ، ح.

٣١١

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))

(أَفَلَمْ يَرَوْا) أي أعموا فلم ينظروا (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي أمامهم (وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فانهما أمامهم وخلفهم حيث ما كانوا وساروا محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما (١) وأن يخرجوا من ملكوت الله ولم يخافوا أن يعذبهم (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ) بالنون وبالياء في الثلاثة (٢)(كِسَفاً) بفتح السين وسكونها (٣) ، أي قطعة (مِنَ السَّماءِ) لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول عليه‌السلام وبما جاء به كما فعلنا بقارون وأصحاب الأيكة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من عظم قدرته ووحدانيته (لَآيَةً) أي لعبرة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [٩] أي راجع إلى ربه مطيع له.

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠))

ثم أورد قصة داود وسليمان ليعتبر من يسمعها منها فقال (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي ملكا ونبوة أو حسن الصوت والقوة وتليين الحديد وقلنا (يا جِبالُ أَوِّبِي) أي رجعي (مَعَهُ) التسبيح ، من الأوب وهو الرجوع وسمي التسبيح تأويبا ، لأن المسبح يسبح مرة بعد مرة ، وكان داود عليه‌السلام إذا سبح سمع تسبيح الجبال ويعقل معناه معجزة له كما سمع موسى النداء من الشجرة وعقل معناه ، وكل ذلك بخلق الله تعالى فيهما ، قوله (وَالطَّيْرَ) بالنصب عطف على محل ال (جِبالُ) بمعنى يا طير أوبي وكانت الطير تؤب (٤) معه التسبيح بأصواتها ، وفي ذلك من الفخامة من جعل الجبال والطير بمنزلة العقلاء يقبل الطاعة إذا أمروا والإجابة له (٥) إذا دعوا أو كان داود ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين ، وتسعده الجبال بأصداءها والطير بأصواتها (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [١٠] أي جعلناه (٦) له لينا كالشمع فلا يحتاج إلى نار ومطرقة ويصرفه بيده كيف يشاء ، وقيل : لان الحديد في يده لما أوتي من شدة القوة (٧).

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١))

(أَنِ اعْمَلْ) أي قلنا له اعمل (سابِغاتٍ) أي دروعا واسعات ، ف (أَنِ) تفسيرية ، وهو أول من عملها وكانت قبل صفائح (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) وهو نسج الدروع وتأليفها على قدر الحاجة بلا مجاوزة للحد في شيء منها ، أي لا تجعل المسامير دقاقا فيقلق ولا غلاظا فتفصم الحلق ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان داود لا يأكل إلا من كسب يده (٨) ، وكان يعمل كل يوم درعا ثم كان يبيع الدرع بأربعة آلاف درهم فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء ، ثم خاطب الله وأهله بقوله (وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [١١] أي عالم بعملكم فأجازيكم به كيف يكون.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢))

ثم عطف على داود بتقدير «آتينا» قوله (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) بالنصب ، أي وسخرنا له الريح ، وقرئ بالرفع (٩) ، أي (١٠) ولسليمان الريح مسخرة (غُدُوُّها شَهْرٌ) أي جريها بالغداة مسيرة شهر (وَرَواحُها شَهْرٌ) أي

__________________

(١) من أقطارهما ، وي : من أقطارها ، ح.

(٢) «إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ» : قرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية في الأفعال الثلاثة ، والباقون بالنون فيها. البدور الزاهرة ، ٢٥٩.

(٣) «كسفا» : فتح حفص السين وأسكنها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٥٩.

(٤) تؤب ، و : يؤب ، ح ي.

(٥) له ، و : ـ ح ي.

(٦) جعلناه ، و : جعلنا ، ح ي.

(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٦١.

(٨) رواه البخاري ، البيوع ، ١٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٩٨.

(٩) «الريح» : قرأ شعبة برفع الحاء وغيره بنصبها ، وقرأ أبو جعفر بالجمع وغيره بالإفراد. البدور الزاهرة ، ٢٥٩.

(١٠) أي ، و : على ، ح ي.

٣١٢

وجريها بالعشي كذلك (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) وهو النحاس المذاب من القطران والمراد من (عَيْنَ الْقِطْرِ) معدن النحاس ، ولكنه أسأله كما ألان الحديد لداود عليه‌السلام فنبع كما ينبع الماء ، فكان من باب (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(١) ، قيل : كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام (٢) ، وكل ما يعمل الناس اليوم مما أعطي لسليمان (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ) أي سخرنا له من الجن من يعمل (بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) أي بأمره (وَمَنْ يَزِغْ) أي يمل (مِنْهُمْ) أي من الجن (عَنْ أَمْرِنا) الذي أمرناه به من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) [١٢] أي النار وهو عذاب الآخرة ، وقيل : «كان معه ملك بيده سوط من نار فمن استعصى منهم عن طاعته ضربه به من حيث لا يراه الجني» (٣).

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣))

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أي الأماكن الشريفة كالقصور والحصون ، وقيل : المساجد وإنما سميت محاريب لأنه يحارب عليها ويلتجأ إليها في الشدة (٤)(وَتَماثِيلَ) أي وصورا من زجاج ونحاس وصفر ورخام ليراها الناس فيفرحوا بها فيعبدوا الله كما يعبده أربابها ، فان الشياطين كانوا يعملون في المساجد صور الملائكة والأنبياء والصالحين من هذه الأجسام لاقتداء الناس بهم في العبادة ، وكان ذلك جائزا في شريعته عليه‌السلام ، لأنه ليس من مقبحات العقل ، قوله (٥)(وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) بالياء في الوصل والوقف أو في الوصل وبغير الياء فيهما (٦) ، وال «جفان» جمع جفنة وهي القصعة العظيمة ، و «الجوابي» جمع الجابية وهي الحوض الكبير لأن الماء يجبى فيه ، أي يجمع ، قيل : كان يقعد على الجفنة ألف رجل للأكل منها (٧)(وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات عاليات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها وكان يصعد عليها بالسلاليم ، قوله (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ) حكاية ما قيل لداود وآله ، أي وقلنا اعملوا يا آل داود عملا لله (شُكْراً) أي على وجه الشكر لنعمائه أو اشكروا شرا لله أو اعملوا شاكرين له (٨)(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [١٣] وهو من يرى عجزه عن الشكر ، وقيل : هو الباذل وسعه في أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا (٩).

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي لما مات سليمان (ما دَلَّهُمْ) أي ما دل الشياطين (عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) وهي الأرضة دويبة تأكل الخشبة من الأرض بالحركة والسكون مصدر وهو فعلها فأضيفت إليه ، فقيل : دابة الأرض بمعنى دابة الأكل يقال أرضت الخبشة أرضا إذا أكلتها الأرضة (١٠)(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه لأنه ينسأ بها ويطرد ويؤخر (فَلَمَّا خَرَّ) أي سقط سليمان ميتا (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) أي ظهر أمرهم للإنس ، وكانت الإنس تزعم أن الجن تعلم الغيب ، قوله (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) [١٤] بدل من (الْجِنُّ) بدل اشتمال ، أي ظهر للإنس أن الجن لو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب الشديد وهو التسخير والمشاق مدة موت سليمان ، لأنهم كانوا يعملون الأعمال الشاقة في مماته كحياته.

روي : أنه دخل بيت المقدس متحنثا يوما وقال : اللهم عم موتي على الجن حتى تعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب ، وكانت الجن تسرق السمع ويموهون على الإنس أنهم يعلمون الغيب وكانت الجن تعمل أعمالها كما

__________________

(١) يوسف (١٣) ، ٣٦.

(٢) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٦١.

(٣) عن ابن عباس والسدي ، انظر الكشاف ، ٥ / ٦١ ـ ٦٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٦٨.

(٤) لعله اختصره من الكشاف ، ٥ / ٦٢.

(٥) قوله ، ي : ـ ح و.

(٦) «كالجواب» : قرأ ورش وأبو عمرو باثبات الياء وصلا وابن كثير ويعقوب باثباتها في الحالين ، والباقون بحذفها كذلك. البدور الزاهرة ، ٢٥٩.

(٧) وقد أخذه عن البغوي ، ٤ / ٥٠٠.

(٨) له ، ح و : الله ، ي.

(٩) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٦٢.

(١٠) نقل المفسر هذا المعنى عن الكشاف ، ٥ / ٦٢.

٣١٣

كانت تعمل قبل دخوله بيت المقدس ، وكان لمحرابه كوى تنظر الجن إليه منها ، فقام مصليا معتمدا على عصاه فمات قائما ولم تعرف الجن موته قائما ، وعملوا له بعد موته سنة فمر به شيطان مرارا فلم يسمع صوته فرفع رأسه فرآه ميتا ، وكان لا ينظر إليه في حياته أحد منهم إلا احترق ، ففتحوا الباب فرأوه ميتا ورأوا عصاه قد أكلته الأرضة فوضعوا الأرضة على العصا يوما وليلة ليعرفوا وقت موته فأكلت ، فحسبوا على ذلك وعلموا أنه مات منذ سنة ، وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حيا فأيقن الناس أنهم لو علموا الغيب لما لبثوا في العذاب سنة (١).

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦))

قوله (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) الآية نزل ليعتبر الناس بحال من تقدمهم ممن لم يؤمنوا ولم يشكروا على نعم الله تعالى فأهلكوا (٢) ، قيل : سبأ اسم قبيلة بمأرب من اليمن (٣)(فِي مَسْكَنِهِمْ) بفتح الكاف وكسرها موضع سكناهم وهو بلدهم الذي كانوا مقيمين فيه وقرئ «مساكنهم» (٤)(آيَةٌ) أي عبرة لأهل العقل و (جَنَّتانِ) بدل من (آيَةٌ) أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما الآية؟ فقال : الآية جنتان ، ومعنى كونهما آية قصتهما وإعراض أهلهما عن شكر الله عليهما فخربهما وأبدلهم عنهما الخمط والأثل ليتعظوا فيؤمنوا ، والمراد بال (جَنَّتانِ) جماعتان من البساتين (عَنْ يَمِينٍ) من بلدهم (وَشِمالٍ) منه وفيهما أشجار كثيرة وثمار طيبة وأنهار عذبة تجري فيهما (كُلُوا) أي قال لهم الأنبياء المبعوثون إليهم كلوا (مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) الذي خلقكم ورزقكم وطلب شكركم (وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ) أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة (طَيِّبَةٌ) لم تكن بسبخة (٥) وليس بها بعوض ولا برغوث ولا ذباب ولا عقرب ولا حية ، وكانت أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها مكتل وتسير بين أشجار البساتين فيمتليء المكتل مما يتساقط فيه من أنواع الثمر (وَرَبٌّ) أي هو رب (غَفُورٌ) [١٥] لمن آمن وشكر ، وكان الأنبياء المبعوثون (٦) إليهم ثلاثة عشر يدعونهم إلى الله ويذكرونهم نعمته عليهم فكذبوهم فسلط عليهم الخلد وهو فأرة أعمى فنقب سدهم من أسفله فغرق أموالهم وفرقهم وهو معنى قوله (فَأَعْرَضُوا) عن الإيمان وقالوا من الذي يأخذ منا هذه النعم (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وهو السيل الذي لا يطاق أو المطر الشديد أو اسم الوادي (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) أخريين (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) باضافة (أُكُلٍ) إلى ال (خَمْطٍ) ، أي أكل من خمط ، والأكل الثمر بضم الكاف والسكون (٧) ، والخمط شجر الأراك أو كل شجر ذي شوك وأكل خمط بالتنوين على أن أصله ذواتي أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم (٨) المضاف إليه مقامه أو على وصف الأكل بالخمط ، أي ذواتي أكل بشع لأنه أخذ طعما من مرارة لا يمكن أكله أو أنه عطف بيان لل (أُكُلٍ) ، أي بين أنه من أي الشجر ، قوله (وَأَثْلٍ) عطف على (أُكُلٍ) وهو شجر يشبه الطرفاء (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) [١٦] وهو شجر النبق وهو أيضا عطف عليه ، لأنه لا أكل لهما وإلا لعطف على (خَمْطٍ) ، وإنما قلل السدر لأنه أعز ما بدلوا وأكرمه ، وتسمية البدل ب (جَنَّتَيْنِ) لأجل المشاكلة ، وفيه ضرب من التهكم.

__________________

(١) اختصره من البغوي ، ٤ / ٥٠٠ ـ ٥٠١ ؛ والكشاف ، ٥ / ٦٣.

(٢) لعله اختصره من الكشاف ، ٥ / ٦٣.

(٣) ذكر ابن عباس نحوه ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٦٩.

(٤) «مسكنهم» : قرأ حفص وحمزة باسكان السين وفتح الكاف على الإفراد ، والكسائي وخلف في اختياره باسكان السين وكسر الكاف ، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الكاف على الجمع. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٥) بسبخة ، وي : سبخة ، ح.

(٦) المبعوثون ، وي : مبعوثون ، ح.

(٧) «ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ» : قرأ نافع وابن كثير باسكان الكاف وتنوين اللام وأبو عمرو ويعقوب بضم الكاف وترك التنوين والباقون بضم الكاف وتنوين اللام ، ولا يخفى ما فيه من نقل حركة الهمزة إلى الياء قبلها مع حذف الهمزة لورش ومن إخفاء التنوين في الخاء لأبي جعفر. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٨) وأقيم ، وي : وأضيف ، ح.

٣١٤

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧))

(ذلِكَ) أي الجزاء (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [١٧] بضم الياء وفتح الزاء ورفع «الكفور» ، أي لا يستحق مثل ذلك الجزاء إلا الكافر وهو العقاب العاجل ، وبالنون المضمومة والزاء المكسورة ونصب «الكفور» (١) مفعولا إخبار منه تعالى عن نفسه ، فالمجازاة هنا بمعنى المعاقبة لا بمعنى المعادلة.

روي : أن بلقيس لما ملكت على سبأ واختصم القوم على ماء واديهم ، وكان يأتيهم السيل من بعيد فيؤذيهم سدت بلقيس ما بين الجبلين بسد فيه أبواب بعضها فوق بعض ، وجعلت بركة لها اثنا عشر مخرجا كعدد أنهارهم التي يسقون بها بساتينهم فأخصبت بلادهم وكثرت نعمهم ، فماتت بلقيس وهم في ذلك الخير فبعث إليهم الأنبياء ، فذكروهم نعم الله عليهم وخوفوهم عقابه ، فقالوا ما نعرف علينا نعمة فجاء الخلد ودخل بين الحجرتين فخرب السد من داخله وهم لا يعلمون (٢).

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨))

قوله (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) نزل للإخبار عن حالهم الثانية وهي حال توبتهم (٣) ، يعني لما هلكت أموالهم قالوا نحن نتوب إلى الله ويرد علينا خيرنا فرد الله عليهم خيرا كثيرا من ذلك فكفروا نعمته ثانيا فعذبهم الله ثانيا أشد من ذلك فأخبر بقوله (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) ، وهم أهل اليمن وبين القرى التي باركنا فيها وهي قرى الشام بالمياه والأشجار والثمار والخصب (قُرىً ظاهِرَةً) لأعين الناظرين متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي سيرهم على قدر مقيلهم ومبيعهم ، أي كان الغادي يقيل في قرية والرائح يبيت في قرية إلى أن يبلغ الشام لا يحتاجون إلى ماء ولا زاد ، وقلنا لهم (سِيرُوا فِيها) لمصالحكم (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) أي إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار لا تفاوت في سيركم باختلاف الأوقات (٤) أو المعنى : سيروا وإن تطاولت مدة سفركم أياما وليالي (آمِنِينَ) [١٨] من العدو والجوع والعطش والسباع ، ولا قول ثمه حقيقة ولكن التمكين للسير حاصل لهم بتسوية أسبابه لهم ، فكأنهم أمروا به فطغوا بسبب كثرة النعمة وملوا العافية فطلبوا التعب والكد.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩))

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ) بالألف ، وقرئ «بعد» بالتشديد (٥)(بَيْنَ أَسْفارِنا) أي اجعل بيننا وبين الشام مفاوز ، قيل : تمنوا ذلك ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد فعجل الله لهم بالإجابة (٦)(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بترك شكر نعمة الله وجحدها (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم يتحدثون بهم ويتعجبون من أحوالهم (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي فرقناهم تفريقا في أقطار الأرض بحيث لا يجتمع منهم اثنان في مكان واحد (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في تفريقهم وإهلاكهم (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على الطاعات وعن المعاصي و (٧) (شَكُورٍ) [١٩] للنعم.

__________________

(١) «وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ» : قرأ المدنيان والمكي والبصري والشامي وشعبة بياء مضمومة في مكان النون وفتح الزاي وألف بعدها ورفع راء «الكفور» ، والباقون بنون مضمومة وكسر الزاي وياء ساكنة مدية بعدها ونصب راء «الكفور». البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٣) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٤) الأوقات ، وي : أوقات ، ح.

(٥) «رَبَّنا باعِدْ» : قرأ المكي والبصري وهشام بنصب باء «ربنا» وبحذف الألف بعد باء «باعد» مع تشديد العين مكسورة وإسكان الدال على أنه فعل أمر ، ويعقوب برفع باء «ربنا» وباثبات الألف بعد باء «باعد» مع فتح العين مخففة وفتح الدال على أنه ماض ، والباقون بنصب باء «ربنا» وباثبات الألف بعد باء «باعد» مع كسر العين مخففة وإسكان الدال على أنه فعل أمر أيضا. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٦) قد أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٦٥.

(٧) و ، ي : ـ ح و.

٣١٥

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))

(وَلَقَدْ صَدَّقَ) بالتشديد (عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) بالنصب فهو مفعوله (١) ، أي حقق عليهم إبليس ظنه الذي ظنه فيهم ، وهو كفرهم واتباعهم له بقوله «لأضلنهم ولأغوينهم» ، وبالتخفيف ف (ظَنَّهُ) ظرفه ، أي صار صادقا في ظنه حيث خيل إليه أن بني آدم يتبعونه ، والضمير في (عَلَيْهِمْ) لأهل سبأ (٢) ، وقيل : لكل الناس (٣)(فَاتَّبَعُوهُ) أي اتبعه الناس بتزيينه ووسوسته (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٢٠] وقللهم ، لأنهم قليل النسبة إلى الكفار ، والمراد جميع المؤمنين ، لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين ، وقيل : هم المطيعون منهم (٤).

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))

(وَما كانَ لَهُ) أي لم يكن للشيطان (عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي تسلط بالقهر سوى الوسوسة والتزيين (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ) أي إلا لنظهر المؤمن (بِالْآخِرَةِ) ونميزه (مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ) أي من الشك فيها وعلل التسليط بالعلم بقوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ) ، والمراد ما تعلق به العلم ، أي لنميز من يصدق بالبعث من الشاك من قيام الساعة (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) مما يكون منهم وما كان (حَفِيظٌ) [٢١] أي عالم يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢))

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ) أي قل للمشركين من قومك نادوا الذين (زَعَمْتُمْ) أنهم آلهتكم (مِنْ دُونِ اللهِ) فيشفعون لكم ويكشفون عنكم ما نزل بكم من القحط وهم الأصنام والملائكة الذين سميتموهم باسم الله فتعبدونهم كما تعبدون الله وتستجيبون لهم لدعائكم كما تستجيبون له تعالى ، وحذف مفعولا (زَعَمْتُمْ) الأول ضمير الموصول والثاني آلهة ، أي زعمتموهم آلهة ، قوله (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) جواب لهم ، أي آلهتكم لا يملكون شيئا ما من خير وشر (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ) أي للآلهة (فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) أي شركة مع الله تعالى (وَما لَهُ) أي لله تعالى (مِنْهُمْ) أي من آلهتكم (مِنْ ظَهِيرٍ) [٢٢] أي معين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم عجزة عن كل شيء فلا يصح للربوبية كما يصح هو تعالى لها يكونون شركاء له تعالى.

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣))

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أي شفاعة الشافع (عِنْدَهُ) أي عند الله (إِلَّا) كائنة (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) قرئ معلوما ومجهولا (٥) ، أي أذن الله أن يشفع لغيره أو أذن لغيره أن يشفع له أو يكون معنى (لَهُ) لأجله ، أي إلا لمن وقع الأذن للشفيع لأجله ، فاللام الثانية بمنزلة لعمرو في قولك أذن لزيد لعمرو ، أي لأجله ، قوله (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) بالتشديد مجهولا ومعلوما (٦) والفاعل الله ، أي كشف (عَنْ قُلُوبِهِمْ) يتعلق بمفهوم الكلام قبله وهو الانتظار والتوقف ، لأن (حَتَّى) غاية تدل على أن ثمه توقعا وانتظارا لإذن الشفعاء وخوفا هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ولا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان ، أي يتوقفون خائفين زمانا حتى إذا كشف الفزع وأزيل عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن في الشفاعة ، فاذا أذن فيها فرحوا وسأل بعضهم بعضا استبشارا (قالُوا

__________________

(١) «صَدَّقَ عَلَيْهِمْ» : قرأ الكوفيون بتشديد الدال ، والباقون بتخفيفها وضم هاء «عليهم» حمزة ويعقوب. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٦٥.

(٣) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٥.

(٤) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٥٠٦.

(٥) «أذن» : قرأ أبو عمرو والأخوان وخلف بضم الهمزة ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

(٦) «فزع» : قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي مشددة ، وغيرهما بضم الفاء وكسر الزاي مشددة أيضا. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.

٣١٦

ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في الشفاعة (قالُوا) قال (الْحَقَّ) أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى ، وقيل : «إذا انكشف عن قلوب الكفار عند الموت أو يوم القيامة إقامة للحجة عليهم قالت الملائكة لهم : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ فيقولون : قال الحق فاعترفوا حين لا ينفع الاعتراف لهم» (١)(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [٢٣] أي ذو العلو والكبرياء ليس لأحد (٢) أن يتكلم من الأنبياء وغيرهم ذلك اليوم إلا باذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى أو هو أعلى وأكبر من أن يكون له شريك.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤))

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من المطر والنبات أمر الله نبيه عليه‌السلام بأن يقررهم بقوله (مَنْ يَرْزُقُكُمْ) ، ثم أمر بأن يجيبهم بقوله (قُلِ اللهُ) يرزقكم تنبيها لهم على الإقرار بذلك ليعبدوا رازقهم ويعرضوا عن عبادة من لا يقدر على الرزق (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٢٤] أي وإن أحد الفريقين من الموحدين الله الرازق الذي خلق السموات والأرض وما بينهما ومن المشركين به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة لعلى هدى أو في ضلال بين (٣) ، وهذا غاية الإنصاف حيث لم يصرح كونهم على الضلالة يقينا تأدبا ، فان كل من سمعه يقول لمن خوطب بمثل هذا الكلام المنصف قد أنصفك صاحبك ، وهذا النوع أدعى إلى الإيمان ، قوله (أَوْ إِيَّاكُمْ) عطف على اسم (إِنَّا) قبله ، وخبره محذوف لدلالة خبر «إن» عليه وهو (لَعَلى هُدىً) ، وقوله (أَوْ فِي ضَلالٍ) عطف على الخبر ، وحقيقة معناه : إنا راكبون على الهداية يقينا لأنا عارفون رازقنا بالتوحيد وأنتم منغمسون في الضلالة يقينا لجهلكم وإشراككم به غيره.

(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥))

ثم أوضح ذلك المعنى الحقيقي بقوله (قُلْ لا تُسْئَلُونَ) عن ما (أَجْرَمْنا) أي اكتسبنا من الذنوب هي الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن (وَلا نُسْئَلُ) عن ما (تَعْمَلُونَ) [٢٥] من الكفر والكبائر ، بل كل مطالب بعمله ، وقيل : هذا نسخ بآية السيف (٤).

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦))

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا) أي يقضى بيننا وبينكم (بِالْحَقِّ) أي بالعدل (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) أي الحاكم بالعدل (الْعَلِيمُ) [٢٦] بما يحكم على الخلق ، قيل : فتحه بينهم حكمه أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار (٥).

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧))

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) أي أشركتموهم مع الله تعالى في العبادة ، وإنما أمره بأن يقول أروني شركاءكم والحال أن النبي عليه‌السلام كان يرى شركاءهم ويعرفهم ، لأنه أراد من طلب (٦) إراءتهم تلك إظهار خطئهم العظيم في إلحاق الشركاء بالله وعبادتهم مع جمادتهم وعجزهم وأن يطالعهم بأعينهم على إحالة القياس ، أعنى قياس الأصنام إليه تعالى والإشراك به ، قوله (كَلَّا) ردع لهم عن مذهبهم بعد إبطال قياسهم ، وقوله (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٢٧] تنبيه على تفاحش غلطهم في القياس حيث لم يقدروا الله حق قدره ، فكأنه قال أين شركاؤكم بالله من هذه الصفات العظام ، قوله (هُوَ) يرجع إلى الله وحده أو «هو» ضمير الشأن كما في (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٧) ، أي هو العزيز في ملكه لا شريك له فيه الحكيم في أمره لا معقب لحكمه (٨).

__________________

(١) ذكره الحسن وابن زيد ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٠٧.

(٢) لأحد ، ح و : ـ ي.

(٣) بين ، وي : مبين ، ح.

(٤) وهذا الرأي منقول عن القرطبي ، ١٤ / ٢٩٩ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٥ ؛ وابن الجزي ، ٤٨ ؛ وابن البارزي ، ٤٥ ـ ٤٦.

(٥) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٧.

(٦) طلب ، وي : الطلب ، ح.

(٧) الإخلاص (١١٢) ، ١.

(٨) لحكمه ، وي : في حكمه ، ح.

٣١٧

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨))

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي إرسالة عامة لهم ، وقيل معناه : «أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والإبلاغ» (١) ، فيكون حالا من الكاف والتاء فيها للمبالغة كتاء راوية ، ومن جعله حالا من المجرور بعده فقد أخطأ لاستحالة تقدم المجرور على الجار وهو تابع له (٢) أو المعنى : إلا لتكف الناس عن المعاصي فيكون علة للإرسال ، قوله (بَشِيراً) بالجنة (وَنَذِيراً) بالنار حالان من المفعول (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٢٨] أي لا يصدقون برسالتك أو لا يؤمنون بالجنة والنار.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩))

(وَيَقُولُونَ) أي الكافرون استهزاء للمؤمنين (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي البعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٢٩] في وقوعه.

(قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))

(قُلْ) على طريق التهديد الله قادر اليوم على عذابكم ولكن (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) أي يوم البعث أو الموت مكتوب لكم في اللوح المحفوظ فلذا يؤخركم ، وال (مِيعادُ) ظرف الوعد من مكان أو زمان والمراد هنا (٣) الزمان ، والإضافة للتبيين كبعير سانية وهي الناقة التي تسقي البساتين (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ) أي عن الميعاد (ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [٣٠] أي إن طلبوا التقدم عليه لا يتقدمون وإن طلبوا التأخر عنه لا يتأخرون.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي بالتورية والإنجيل ، قيل : إن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن النبي عليه‌السلام فأخبروهم بأنهم يجدون صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتبهم فأغضبهم ذلك فكفروا بكتب الله جميعا (٤) ، وقيل : المراد (بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يوم القيامة (٥) ، والمعنى : أنهم جحدوا كون القرآن من الله وكل ما دل عليه من الإعادة للجزاء ، ثم أخبر عن عاقبة أمرهم فقال للنبي عليه‌السلام أو للمخاطب (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) أي يرد إليه الجواب حال الخصومة بينهم ، يعني لو ترى في الآخرة توقفهم محبوسين وتراجعهم القول وتلاعنهم لرأيت العجب ، فحذف الجواب تفخيما لشأنه ، ثم بين القول بقوله (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الرؤساء (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [٣١] أي أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله والقرآن.

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢))

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إنكارا عليهم (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) أي أنحن (٦) منعناكم (عَنِ الْهُدى) أي عن الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) الهدى ، أي لم نصدكم عن الإيمان نحن (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) [٣٢] أي مختارين الشرك بصحة نياتكم في اختياره لا لقولنا وجبرنا.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))

__________________

(١) عن الزجاج ، انظر الكشاف ، ٥ / ٦٨.

(٢) ومن جعله حالا من المجرور بعده فقد أخطأ لاستحالة تقدم المجرور على الجار وهو تابع له ، ح : ـ وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٦٨.

(٣) هنا ، وي : ههنا ، ح.

(٤) اختصره من الكشاف ، ٥ / ٦٨.

(٥) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٨.

(٦) أنحن ، ح : ـ وي.

٣١٨

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي الضعفاء ردا للجواب (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي للرؤساء (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهو إبطال من المستضعفين قول المستكبرين ورفع (مَكْرُ اللَّيْلِ) لكونه خبر مبتدأ محذوف ، أي سبب صدودنا عن الإيمان مكركم بنا ، يعني احتيالكم بالدعوة إلى الشرك في الليل والنهار فأجري الظرف مجرى المفعول به ، فأضيف ال (مَكْرُ) إليهما اتساعا أو جعلا ماكرين مجازا لكثرة وقوع المكر فيهما ، المعنى : أنا أشركنا بسبب مكركم (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) أي بتوحيده (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) أي أمثالا (وَأَسَرُّوا) الضمير للجنس المشتمل على الفريقين من المستكبرين والمستضعفين ، أي أخفوا أو أظهروا (النَّدامَةَ) أي الحسرة من الإضلال والضلال والاتباع للمضلين (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا) أي ونجعل يوم القيامة (الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من الرؤساء والأتباع في النار ويقال استهزاء بهم يومئذ (هَلْ يُجْزَوْنَ) أي ما يثابون (١)(إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٣٣] وجيء بالواو في قوله (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) دون قوله (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ، لأنه تقدم كلامهم المعطوف عليه في الأول فعطف ، ولم يتقدم لهم كلام في الثاني ليعطف عليه وإنما هو جواب كلام المستضعفين على سبيل الاستئناف.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤))

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) أي رسولا (٢) ينذرهم (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي رؤساؤها المتكبرون المتنعمون في الدنيا (٣) لرسلهم (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) من الكتاب والتوحيد (كافِرُونَ) [٣٤] أي جاحدون.

(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦))

(وَقالُوا) أي الكافرون المفتخرون بزخارف الدنيا على الفقراء وبكثرة الأموال والأولاد (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [٣٥] يوم القيامة لأنا أكرم على الله من أن يعذبنا في الآخرة نظرا إلى أحوالنا في الدنيا ، وقد أبطل الله ظنهم بأن الرزق فضل منه يعطيه لمن يشاء فلا تفتخروا بالمال ، فأمر نبيه عليه‌السلام بقوله (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يقسمه كيف يشاء فربما يوسع على العاصي ويضيق على المطيع وبالعكس فأمر الثواب لا يقاس عليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٣٦] أن البسط والتقتير من الله تعالى.

(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧))

(وَما أَمْوالُكُمْ) أي ليس جماعة أموالكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) أي ولا جماعة أولادكم (بِالَّتِي) أي الأشياء التي (تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي قربى ، مصدر من غير لفظ فعله بمعنى تقربكم قربة ك (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٤)(إِلَّا مَنْ آمَنَ) بالله وبما جاء من عنده استثناء من المفعول ، أي الأموال لا تقرب أحدا إلا من آمن (وَعَمِلَ صالِحاً) منكم ، أي إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله ، وكذا (٥) الأولاد لا يقرب أحدا إلا من علمهم الخير وفقههم (٦) في الدين ورباهم بالصلاح والطاعة (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) أي تضاعف (٧) لهم حسناتهم الواحدة عشرا إلى سبعمائة وإلى ما لا يحصي وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي لهم أن يجازوا الضعف (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) أي في قصور الجنة (آمِنُونَ) [٣٧] من الموت والهرم والمرض والعدو وغير ذلك ، وقرئ في «الغرفة» (٨) أيضا وهي كل بناء فوق سفل ، والجمع غرف وغرفات.

__________________

(١) يثابون ، و : تثابون ، ح ي.

(٢) أي من رسول ، و : أي رسولا ، ح ي.

(٣) في الدنيا ، ح ي : بالدنيا ، و.

(٤) نوح (٧١) ، ١٧.

(٥) وكذا ، ح و : وكذلك ، ي.

(٦) وفقههم ، ح : ووفقهم ، وي.

(٧) تضاعف ، ح و : يضاعف ، ي.

(٨) «الغرفات» : قرأ حمزة باسكان الراء من غير ألف بعد الفاء على التوحيد ، وغيرهم بضم الراء وبألف بعد الفاء على الجمع ، وأجمع العشرة على الوقف عليه بالتاء. البدور الزاهرة ، ٢٦١.

٣١٩

(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨))

(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي دافعين الناس عن الإيمان بآيات القرآن ، وقرئ «معجزين» (١)(أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) [٣٨] أي مجتمعين لا ينفكون عنه.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))

(قُلْ) يا محمد تأكيدا لبطلان زعمهم أنهم أكرم (٢) على الله لما رزقهم في الدنيا (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ) أي يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ابتلاء منه (وَيَقْدِرُ) أي يضيقه (لَهُ) نظرا عليه لكي يعطيه في الجنة بدله (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما تصدقتم في طاعة الله (فَهُوَ) أي فالله (يُخْلِفُهُ) أي يعوضه هنا بالمال وثمه بالثواب أو يعوضه بالقناعة التي هي كنز لا يفنى (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [٣٩] أي أعلاهم هو تعالى ، لأن كل من (٣) رزق غيره من سلطان جنده أو سيد عبده أو رجل عياله فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠))

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) أي الملائكة ومن عبدهم (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) يوم القيامة إثباتا للحجة على الكفار وتقريعا لهم (أَهؤُلاءِ) أي الكافرون (إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [٤٠] يا ملائكتي.

(قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١))

(قالُوا سُبْحانَكَ) أي تنزيها لك من الشرك (أَنْتَ وَلِيُّنا) الذي نتولاه ونحبه ونلتجئ إليه (مِنْ دُونِهِمْ) أي دون الكفار ، أي ما كانوا يعبدوننا فانا براء منهم ، إذ لا موالاة بيننا وبينهم وهي ضد المعاداة ، فبينوا باثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ) أي يعنون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله ، وقيل : صورت الشياطين صور قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها (٤) ، وقيل : كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها (٥)(أَكْثَرُهُمْ) أي الكفار (بِهِمْ) أي بالجن وبقولهم من الكذب (مُؤْمِنُونَ) [٤١] أي مصدقون.

(فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))

(فَالْيَوْمَ) أي يقول الله تعالى لهم اليوم (لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً) أي شفاعة (وَلا ضَرًّا) أي دفع العذاب عنكم (وَنَقُولُ) يوم القيامة (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي للمشركين في الدنيا (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [٤٢] أنها كائنة.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣))

ثم أخبر عن أفعالهم في الدنيا بالنبي عليه‌السلام والقرآن بقوله (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي واضحات بالأمر والنهي والحلال والحرام (قالُوا ما هذا) به أشاروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ) عن ما (كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) أي يصرفكم عن عبادة الأصنام ، قوله (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) إشارة إلى القرآن ، أي ما هو إلا كذب مختلق (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ) أي لأمر النبوة ودين الإسلام (لَمَّا جاءَهُمْ) من الله

__________________

(١) «معاجزين» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بحذف الألف بعد العين وتشديد الجيم ، والباقون باثبات الألف وتخفيف الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٦١.

(٢) أكرم ، ح ي : أكرموا ، و.

(٣) من ، ي : ما ، ح و.

(٤) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٧١.

(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٧١.

٣٢٠