عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٤٩

بِها) أي لا مقابلة ولا مقاومة لهم بها إن لم يأتوني مسلمين (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) أي من مدينة سبأ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) [٣٧] الذل ذهاب العز والملك ، والصغار الأسر والاستعباد ، فلما رجع الرسول إليها بخبر سليمان عرفت أنه ليس بملك وجعلت سريرها داخل سبعة أبواب وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرسا وارتحلت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل ، مع كل قيل ألوف كثيرة ، وجلس سليمان يوما قبل قدومها على سريره فرأى على فرسخ عنه جمعا كثيرا يجيئون ، فقال ما هذا السواد؟ قالوا : بلقيس بجنودها.

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨))

(قالَ) لجلسائه (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [٣٨] أراد أن يأخذ سريرها قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها ، وقيل : أراد أن يطلعها على عظيم قدرة الله في يده وعلى ما يشهد لنبوته فتصدقها فتسلم (١).

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩))

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) أصله عفري زيدت التاء فيه للمبالغة ، وهو الفائق منهم وهو الخبيث المارد الذي يعفر أقرانه ، والعفر التراب وكان اسمه كوذى يضع قدمه عند منتهى طرفه (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي من مجلس قضائك ، وكان يجلس (٢) إلى نصف النهار أو قبل أن تصل بلقيس إليك إن شئت (وَإِنِّي عَلَيْهِ) أي على حمله واتيانه إليك (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) [٣٩] على ما فيه من الجواهر وغيرها كما هو من غير تبديل بغيره ، فقال سليمان (٣) أريد أسرع من ذلك.

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠))

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) المنزل وهو علم الوحي ، وقيل : هو اللوح والقائل جبرائيل عند المعتزلة (٤) ، وقال أهل السنة : هو آصف بن برخيا كاتب سليمان وكان صديقا عالما يعلم اسم الله الأعظم (٥) ، وهو «يا حي يا قيوم» (٦) ، وقيل : «يا ذا الجلال والإكرام (٧) ، وكان بينه وبين عرشها مقدار شهرين (أَنَا آتِيكَ بِهِ) أي بعرشها (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وهو النظر ، وفي الأصل تحريك الأجفان فوضع في موضعه ، والمعنى : أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك ، فقال له سليمان لقد أسرعت إن فعلت ذلك ، فقال آصف : أرسل طرفك فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار الكرسي تحت الأرض وظهر عند مجلس سليمان بالشام بقدرة الله تعالى قبل أن يرجع إليه طرفه (فَلَمَّا رَآهُ) أي رأى سليمان السرير (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي ثابتا بلا شبهة لديه ، وقيل : انعدم في مكانه ثم حدث عند سليمان مثله باذن الله تعالى (٨)(قالَ) سليمان (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) أي حصول مرادي من إحسانه إلي (لِيَبْلُوَنِي) أي ليختبرني (أَأَشْكُرُ) على مجيء السرير إلي (٩)(أَمْ أَكْفُرُ) بنعمته علي (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن نفع شكره عائد إليه (وَمَنْ كَفَرَ) بترك الشكر على نعمته (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ) عن شكره (كَرِيمٌ) [٤٠] بالإنعام على الشاكر والكافر.

__________________

(١) أخذه المفسر عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢٠٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٠٥.

(٢) يجلس ، و : ـ ح ي.

(٣) سليمان ، ح ي : ـ و.

(٤) نقل المؤلف هذا الرأي عن السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٠٠ ، ٢٠١.

(٥) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٠٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٠٠.

(٦) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٧) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٠٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٩٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٠٠.

(٨) أخذ المصنف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٣٠٦.

(٩) إلي ، وي : ـ ح.

٢٢١

(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١))

(قالَ) سليمان للملأ (نَكِّرُوا) أي غيروا عن هيئته (لَها عَرْشَها) بأن تجعلوا أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره ومكان الأخضر الأحمر وبالعكس (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) لمعرفته (١)(أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) [٤١] فغيروا عرشها لاختبار عقلها بتنكير ذلك العرش واتخذ صرحا ليتعرف ساقها ورجلها ، لأن الجن قالوا إنها شعراء الساقين وحافرها كحافر الحمار خوفا من أن تفشي سرهم إلى سليمان (٢) ، لأن أمها كانت جنية (٣) ومن أن يتزوجها فتلد له ولدا فلا ينفكون من التسخير فأراد أن يعرف حقيقة ذلك بتنكير العرش واتخاذ الصرح وليريها ملكا أعظم من ملكها ، فتسلم فأمر سليمان الشياطين ببناء زجاج كأنه الماء في البياض ، وجعل صحن الدار قوارير ، من رآه ظن ماء حقيقة ، فلما تم أمره وضع سريره في صدر الصحن وجلس عليه وعكفت عليه الطير والإنس والجن.

(فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢))

(فَلَمَّا جاءَتْ) بلقيس (قِيلَ) لها ، أي قال سليمان (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ولم تقل (٤) نعم لئلا تكذب وقد عرفته وهذا من استقامة عقلها ، وإنما قيل هكذا ولم يقل أهذا لئلا يكون تلقينا ، قوله (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) يحتمل أن يكون من كلام بلقيس ، يعني لما رأت عرشها عند مجلسه علمت أن مجيئها آية من الله دالة على نبوة سليمان قالت (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) ، أي أعطينا العلم بنبوته وفضله بأخبار رسولنا المنذر من علاماتهما (مِنْ قَبْلِها) أي من قبل ظهور هذه الآية العجيبة (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) [٤٢] أي طائعين له حين أخبرنا رسولنا من براهين نبوته وفضله عاطفة بعض كلامها على بعض ، ويحتمل أن يكون من كلام سليمان عاطفا له على جوابها ، لأنها لما أجابت عند سؤاله عن عرشها بما أجابت اقتضى المقام أن يقول هو وقومه قد أصابت في جوابها ، كأنه هو بسبب أنها قد رزقت بعقلها الراجح الإسلام والعلم بقدرة الله وصحة النبوة بآيات أخبرها رسولها المنذر وبأمر عرشها ، فعطفوا على ذلك قولهم وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها أو أوتينا العلم بالله وبقدومها من قبلها ، أي من قبل وصولها وكنا شاكرين لله على فضلنا عليها وسبقنا إلى العلم بالله والإسلام قبلها.

(وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣))

ثم قال تعالى (وَصَدَّها) أي منعها الله أو سليمان عن عبادة (ما كانَتْ تَعْبُدُ)(٥) وهو الشمس ، ف «ما» مفعول (٦) «صد» بتقدير عن أو صدها معبودها (مِنْ دُونِ اللهِ) أي حبه قبل قدومها عن التقدم إلى الإسلام ، لأنها نشأت في عبادته ولم تعرف غيره ، فالفاعل ما كانت (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) [٤٣] يعبدون الشمس.

__________________

(١) لمعرفته ، ح ي : بمعرفته ، و.

(٢) «وقد قيل إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عن سليمان وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليها من الشعر فينفره ذلك منها وخشوا أن يتزوجها لأن أمها من الجان فتتسلط عليهم معه ، وذكر بعضهم أن حافرها كان كحافر الدابة وهذا ضعيف وفي الأول أيضا نظر والله أعلم ..». انظر ابن كثير ، البداية والنهاية ، ٢ / ٢٢.

(٣) «عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه كان أحد أبوي بلقيس جنيا» ، وهذا حديث ضعيف غريب وفي سنده ضعف» ، انظر ابن كثير البداية والنهاية ، ٢ / ٢٠. «واختلف في اسم أبيها اختلافا كثيرا ، قيل وكانت أمها جنية تسمى ريحانة بنت السكن تزوجها أبوها إذ كان من عظيمه لم ير أن يتزوج أحد من ملوك زمانه فولدت له بلقيس وقد طولوا في قصصها بما لم يثبت في القرآن ولا في الحديث الصحيح». انظر أبو حيان ، البحر المحيط ، ٧ / ٦٧. «عن أبي هريرة قال :» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد أبوي بلقيس كان جنيا» والذي ينبغي أن يعول عليه عدم صحة هذا الخبر ، وفي البحر قد طولوا في قصصها ، يعني بلقيس بما لم يثبت في القرآن ولا الحديث الصحيح أن ما ذكر من الحكايات أشبه شيء بالخرافات» انظر الآلوسي ، شهاب الدين السيد محمود ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، بيروت ـ لبنان ، دار إحياء التراث العربي ، ١٩ / ١٨٩.

(٤) ولم تقل ، ح ي : ولم يقل ، و؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٠١.

(٥) لأنها كانت تعبد ، + و.

(٦) مفعول ، وي : فمفعول ، ح.

٢٢٢

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤))

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي في الصرح وهو القصر ، وقيل : صحن الدار (١)(فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) أي ماء عظيما (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) وروي بالهمز (٢) ، والمعنى : أنها رفعت ثيابها حتى بدت رجلاها فرآها سليمان أحسن الناس قدما ، لكن وجد عليهما (٣) شعرا فصرف وجهه عنها ، ثم (قالَ) سليمان (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) مملس (مِنْ قَوارِيرَ) وليس بماء حقيقة ، ودعاها إلى الإسلام فأجابت بأن (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادة غيرك (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) أي على يده أو أخلصت ديني معه بالتوحيد (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٤٤] وأراد أن يتزوجها فكره شعر ساقها فعملت لها الشياطين بأمره النورة ، وهو سبب اتخاذ النورة فأزالته فتزوجها وأحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها ، روي : «أنها ولدت له داود بن سليمان بن دواد» (٤) ، وهي من أزواج سليمان في الجنة (٥).

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥))

ثم عطف على قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ) قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي بأن وحدوه وأطيعوه (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) أي خصمان فريقان مؤمن وكافر ، قيل : المراد صالح وقومه الذين لم يؤمنوا به (٦)(يَخْتَصِمُونَ) [٤٥] وصف ل (فَرِيقانِ) واختصامهم قول كل واحد منهما الحق معي.

(قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦))

(قالَ) صالح (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالعقوبة التي وعدتم بها (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي التوبة ، وإنما قال ذلك لهم لاعتقادهم من الجهل أن التوبة تنفعهم (٧) عند نزول العذاب فيصرون على الكفر لأنه محتمل ، فأشار صالح إلى جهلهم وخطئهم فيما اعتقدوا وقالوا بقوله (لَوْ لا) أي هلا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) من كفركم قبل نزول العذاب بكم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٤٦] فيرفع العذاب عنكم إذا نزل بكم.

(قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧))

(قالُوا اطَّيَّرْنا) أي تشأمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين لأنه أصابنا القحط بسببكم (قالَ) صالح (طائِرُكُمْ) أي ما يصيبكم من القحط وغيره (عِنْدَ اللهِ) يعني لا يأتي بالخير والشر إلا هو ، وسمي العذاب طائرا لسرعة نزوله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [٤٧] أي تعذبون بذنوبكم أو (٨) يفتنكم الشيطان بوسوسته.

(وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨))

قوله (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) بيان لسبب نزول العذاب ، والمدينة هي الحجر والرهط ما دون العشرة ليس فيهم امرأة ، وهو جمع لا واحد له ولذا أضيف إليه التسعة وميزت به بمنزلة تسعة رجال (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي يعملون (٩) بأنواع المعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) [٤٨] أصلا ، أي شأنهم الإفساد ، وهم الذين سعوا في عقر الناقة ، وفيهم قدار بن سالف عاقر الناقة ومصداع بن دهر ، وكانا قد قعدا لها فلما مرت بهما رماها مصداع بسهم وعقرها قدار ثم سلخوها واقتسموا لحمها ، فأوعد لهم صالح الهلاك وبين لهم العلامة بتغير ألوانهم ، فاجتمع التسعة وتحالفوا (١٠) على فتك صالح وقومه.

__________________

(١) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٣٠٩.

(٢) «ساقيها» : قرأ قنبل بهمزة ساكنة ، وغيره بالألف. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.

(٣) عليهما ، و : عليها ، ح ي.

(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٩٨.

(٥) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٩٨.

(٦) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٠٢.

(٧) تنفعهم ، ي : ينفعهم ، ح و.

(٨) أو ، ح و : أي ، ي.

(٩) أي يعملون ، ح : ـ وي.

(١٠) وتحالفوا ، ح : وتخالفوا ، ي ، ـ و.

٢٢٣

(قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩))

(قالُوا تَقاسَمُوا) يحتمل أن يكون أمرا بينهم أو خبرا في محل الحال بتقدير «قد» بمعنى متقاسمين ، أي قالوا متحالفين (بِاللهِ) على إهلاك صالح وأتباعه من المؤمنين ، فان سئلنا عنهم قلنا لا نعلم حالهم وهو معنى قوله (لَنُبَيِّتَنَّهُ) أي صالحا (وَ) لنبيتن (أَهْلَهُ) يعني لنقتلنهم ليلا بغتة (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) بنونين في الفعلين إخبارا عن أنفسهم ، وبالتاء فيهما خطاب بعضهم لبعض ثم بضم التاء الثانية من الفعل الأول وضم اللام الثانية من الفعل الأول ، وضم اللام الثانية من الفعل الثاني (١) ، أي يأمر بعضهم بعضا التحالف على إهلاك صالح وأهله ليلا ، من البيات وهو المباغتة بالعدو ليلا ، ويقولون بعد الإهلاك (لِوَلِيِّهِ) أي لولي الدم (ما شَهِدْنا) أي ما حضرنا (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) ٢ أي أهل صالح (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [٤٩] في قولنا ، قرئ «مهلك» بفتح الميم واللام وبسكر اللام وبضم الميم وفتح اللام (٢) ، يحتمل المصدر والزمان والمكان.

(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠))

(وَمَكَرُوا مَكْراً) وهو قتل صالح بغتة (وَمَكَرْنا مَكْراً) أي جازيناهم جزاء مكرهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٥٠] مكرهم ، لأنهم قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا أن يكونوا كاذبين بل سووا حيلة للصدق في خبرهم لئلا ينسبوا إلى الكذب بذكر أحد البياتين وهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما فقط ، فبذلك كانوا صادقين ، وفي هذا دليل على أن الكذب قبيح عند الكفار أيضا بدون علم الشرع أو لا يشعرون جزاء مكرهم.

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١))

(فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ) أي على أي حال وقع (عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) أي أمرهم السوء ، قوله (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) بالفتح مرفوع على أنه بدل من ال (عاقِبَةُ) أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هي تدميرهم أو مجرور باللام بتقدير لأنا أو منصوب على أنه خبر (كانَ) ، أي كان عاقبة مكرهم (٣) الدمار ، وبالكسر استئناف (٤) ، والمعنى (٥) : أولئك التسعة أرادوا الفتك بصالح وأهله فأهلكناهم (وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥١] باسقاط الجبل عليهم أو بصيحة جبرائيل أو باحراقهم بالنار الخارجة من تحت الأرض.

(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢))

(فَتِلْكَ) أي الحزبة المشار إليها (بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) أي خالية (بِما ظَلَمُوا) أي بسبب شركهم وعصيانهم ، و (خاوِيَةً) بالنصب حال والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إهلاكهم (٦)(لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [٥٢] أي يعقلون.

(وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))

(وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) بصالح ورسالته (وَكانُوا يَتَّقُونَ) [٥٣] الشرك وهم أربعة آلاف نجوا مع صالح من العذاب ، وقيل : إنهم جاؤا بالليل شاهري سيوفهم (٧) ، وقد أرسل الله ملائكة ملء دار صالح ، فدمغوا قومه بالحجارة وهم لا يرون راميا.

__________________

(١) «لنبيتنه» و «لنقولن» : قرأ الأخوان وخلف بالتاء الفوقية مضمومة بعد اللام ، وبضم التاء الفوقية التي بعد الياء التحتية ، والباقون بنون مضمومة بعد اللام وبفتح الفوقية. وقرءوا «لتقولن» بتاء فوقية مفتوحة بعد اللام الأولى وبضم اللام الثانية ، والباقون بنون مفتوحة بعد اللام الأولى مع فتح اللام الثانية. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.

(٢) «مهلك» : قرأ شعبة بفتح الميم واللام وحفص بفتح الميم وكسر اللام ، والباقون بضم الميم وفتح اللام. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.

(٣) مكرهم ، ح و : أمرهم ، ي.

(٤) «أنا دمرناهم» : قرأ بفتح الهمزة الكوفيون ويعقوب ، وبكسرها الباقون. البدور الزاهرة ، ٢٣٦.

(٥) أن ، + و.

(٦) أي في إهلاكهم ، ح ي : أي في هلاكهم ، و.

(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٤ / ٣١٢.

٢٢٤

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤))

(وَ) أرسلنا (لُوطاً) نصب بالعطف على (صالِحاً (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي المعصية وهي اللواطة (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) [٥٤] أي تعلمون أنها فاحشة أو ينظر بعضكم إلى بعض برضا بلا إنكار عليه ، أي ب (تَصْبِرُونَ) آثار العصاة قبلكم ولا تنتهون عن المعصية.

(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥))

(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) أي لتجامعون الرجال بشهوة منكم وتتركون النساء التي خلقن لحرثكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [٥٥] عاقبة فعلكم ، ومحل (تَجْهَلُونَ) بالتاء مرفوع بأنه صفة قوم ولفظه لفظ الغائب ، فالظاهر أنه ليس بينهما مطابقة ، فالوجه أن يقال إذا اجتمعت الغيبة والمخاطبة غلبت المخاطبة لكونها أقوى من الغيبة.

(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨))

(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) نصب الجواب خبر «كان» واسمها (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [٥٦] أي يتنزهون من عملنا.

(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) أي تركناها (مِنَ الْغابِرِينَ) [٥٧] أي مع الباقين في الهلاك.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي الحجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) [٥٨] أي الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا فأمطرت (١) بهم الحجارة.

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩))

قوله (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) أي اختارهم لعبادته أمر الله تعالى نبيه محمدا عليه‌السلام بحمده وبالسلام على خير خلقه ، وهم الأنبياء والصالحون السابقون إلى محمد عليه‌السلام واللاحقون به توطئة لما يتلوه بعد من الدلالة على الوحدانية والقدرة العظيمة ، وهو تعليم حسن لمن أراد أن يشرع في بيان كل علم مفاد وعظة وخطبة أو في كل حادثة وأمر ذي خطر أن يتبرك بالذكرين ، وهما التحميد والسّلام للاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين ، ثم قال مستفهما تجهيلا لهم في فعلهم واستهزاء بحالهم (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا) أي أم الذي (يُشْرِكُونَ) [٥٩] به من الآلهة بالياء (٢) ، ومعلوم أن لا خير فيما أشركوه ، لكنه إلزام لهم وتبكيت وتهكم بهم ، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئا من ذلك على ما هو خالق كل خير ومالكه فما آثروهم لزيادة الخير ، بل آثروهم من هدى وعبث ، والمعنى : آلله أنفع لمعابديه أم الأصنام لعابديها ، استفهام على سبيل الإنكار والزجر ، و «أم» فيه متصلة ، ثم عدد الله الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته كما عددها في موضع آخر.

(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠))

ثم قال هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء بقوله (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) «أم» فيه منفصلة بمعنى «بل» والهمزة ، تقديره : الله خير بل أمن خلق السموات خير تقريرا لهم ، فهو بدل من «آلله» أو أمن خلقهما خير أم ما يشركون ، و «أم» فيه متصلة لأحد الأمرين ، أي أيهما خير (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) جمع حديقة وهو البستان عليه حائط (ذاتَ بَهْجَةٍ) أي حسن ، والنقل عن الغيبة إلى التكلم في الإخبار عن ذاته تعالى يدل على تأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته تعالى بدليل قوله (ما كانَ لَكُمْ) أي ما

__________________

(١) فأمطرت ، و : ـ ح ي.

(٢) «يشركون» : قرأ عاصم والبصريان بياء الغيبة ، وغيرهم بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٣٧.

٢٢٥

انبغى وما صلح (١) لكم ولمعبوديكم جميعا (أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي أشجار الحدائق ونباتها لاستحالته من غيره تعالى (أَإِلهٌ) أي أيقرأ (مَعَ اللهِ) غيره ويجعل شريكا له (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [٦٠] عن الحق الذي هو التوحيد.

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١))

(أم من جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) أي مستقرا يستقر عليها أهلها (وَجَعَلَ خِلالَها) أي في وسطها (أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) أي العذب والملح (حاجِزاً) أي سترا مانعا أن يختلط أحدهما بالآخر (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعينه على صنعه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٦١] توحيده فلا يؤمنون به.

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢))

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) أي يستجيب في البلاء دعاءه (إِذا دَعاهُ) أي تضرع بالدعاء إليه والمضطر هو الذي أحوجه مرض أو فقر أو حادثة إلى التضرع إلى الله والالتجاء به ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يرفع دعاء المؤمن فوق الحجاب ويقول الرب تعالى : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» (٢) ، وهو ليس على العموم ، بل الإجابة موقوفة على كون المدعو به مصلحة (وَ) من (٣)(يَكْشِفُ السُّوءَ) أي الضر (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) أي السكان فيها بعد هلاك من قبلكم (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [٦٢] بالياء والتاء بالتخفيف فيهما والتشديد (٤) ، و «ما» زائدة فيه والمراد نفي التذكر ، إذ القلة تستعمل في النفي.

(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤))

(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) أي يرشدكم (فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بالنجوم في السماء والعلامات في الأرض ، أي ليلا ونهارا في البر والبحر (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي قدام المطر (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ) عن ما (يُشْرِكُونَ [٦٣] أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) في الآخرة ، وإنما سألوا عن بدء الخلق وإعادته مع أنهم منكرون للإعادة لتقدم البراهين الدالة على ذلك من إنزال الماء وإنبات النبات ، فأزيحت علة الإنكار منهم وتمكنت علة المعرفة والإقرار فلم يبق لهم عذر في الإنكار (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) المطر (وَ) من (الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) بأن غير الله صنع شيئا من هذا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٦٤] أن مع الله إلها ، والاستفهام للتوبيخ في الآيات المذكورة لا للاسترشاد (٥).

(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥))

ثم أمر نبيه عليه‌السلام بقوله (قُلْ) لكفار مكة (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أهلمها من الملك والإنس والجن (الْغَيْبَ) أي الأمر الخفي من قيام الساعة وغيره (إِلَّا اللهُ) بالرفع ، قيل : الاستثناء منقطع (٦) والرفع يجوز فيه على لغة بني تميم بدل من «من» ، لأنه فاعل (يَعْلَمُ) ، أي لا يعلم إلا الله الغيب في السموات والأرض ، فيتعلق الظرف ب (الْغَيْبَ) ، لأن الله متعال عن الظرف (٧)(وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ) أي متى (يُبْعَثُونَ) [٦٥] فكيف

__________________

(١) أي ما انبغى وما صلح ، و : أي ما ينبغوي وما يصلح ، ي ، أي ما ينبغوي وما صلح ، ح.

(٢) رواه الترمذي ، صفة الجنة ، ٢ ؛ وابن ماجة ، الصيام ، ٤٨.

(٣) من ، ح ي : ـ و.

(٤) «تذكرون» : قرأ هشام والبصري وروح بياء الغيبة مع تشديد الذال والكاف ، وحفص والأخوان وخلف بتاء الخطاب مع تشديد الذال والكاف. البدور الزاهرة ، ٢٣٧.

(٥) لا للاسترشاد ، ح و : ـ ي.

(٦) وهذا الرأي مأخوذ عن البيضاوي ، ٢ / ١٨١.

(٧) فيتعلق الظرف بالغيب لأن الله متعال عن الظرف ، ح ي : ـ و.

٢٢٦

يعلمون الغيب ، وقيل : نزلت الآية حين سئل النبي عليه‌السلام عن الساعة (١) ، ولهذه الآية قالت عائشة رضي الله عنها : «من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية» (٢).

(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦))

قوله (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) «بل» فيه بمعنى «هل» و «أدرك» بمعنى لحق و «في» بمعنى الباء ، أي هل تكامل ولحق علمهم بحدوث الآخرة متى يكون وهو استفهام إنكار وتوبيخ ، وقرئ «إدراك» بالإدغام (٣) ، أصله تدارك ، أي بل تلاحق علمهم بحدوث الآخرة بأسباب النظر على أن القيامة كائنة لا ريب فيها ، ومكنوا من معرفته لكنهم جاهلون لا يوقنون به أو تتابع ظنونهم في علمها ، فيقولون تارة يكون وتارة لا يكون فليس منهم من اختص بشيء من علمها وهو معنى قوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها) أي من الساعة (٤)(عَمُونَ) [٦٦] جمع عم من عمى القلب والإضرابات تنزيل لأحوالهم من الأسوء إلى الأسوء وتكرير لجهلهم ومن شكهم وعماهم.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) عطف على ضمير (كُنَّا) للفصل والعامل في (إِذا) «نخرج» المقدر فيه ، دل عليه (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) [٦٧] من قبورنا أحياء ، والتواكيد مبالغة في كفرهم واستهزائهم به صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨))

(لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ) أي البعث الذي يعدنا (٥)(وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) وتقديم (هذا) على (نَحْنُ) إيذان بأن اتخاذ البعث هو المقصود لأن الكلام سيق لأجله ، وتقديم (نَحْنُ) و (آباؤُنا) في موضع آخر (٦) على (هذا) إيذان بأن اتخاذ المبعوث مقصود به (إِنْ) أي ما (هذا) الذي يقول محمد (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٦٨] أي كذبهم المسطور بأيديهم.

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩))

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) أي اعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [٦٩] أي الكافرين ، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الأجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوف عاقبتها.

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠))

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) لأنهم لم يسلموا فلم يسلموا وهم قومه قريش (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) أي في حرج صدر (مِمَّا يَمْكُرُونَ) [٧٠] أي من مكرهم وكيدهم بك ، فان الله يعصمك من الناس وينصرك عليهم.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢))

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي الموعود من العذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٧١] بأن العذاب واقع بنا.

(قُلْ) في جوابهم (عَسى أَنْ يَكُونَ) الشأن (رَدِفَ لَكُمْ) اللام فيه زائدة ، أي قرب منكم ولحقكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [٧٢] من العذاب وهو يوم بدر.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما

__________________

(١) نقله المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣١٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٠٦.

(٢) انظر الكشاف ، ٤ / ٢٠٦.

(٣) «بَلِ ادَّارَكَ» : قرأ المكي والبصريان وأبو جعفر باسكان لام «بل» و «أدرك» بهمزة قطع مفتوحة وإسكان الدال ، والباقون بكسر لام «بل» و «ادراك» بهمزة وصل تسقط في الدرج وتثبت في الابتداء مكسورة وفتح الدال وتشديدها وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٢٣٧.

(٤) أي من الساعة ، ح : أي الساعة ، وي.

(٥) يعدنا ، ح و : تعدنا ، ي.

(٦) انظر المؤمنون (٢٣) ، ٨٣.

٢٢٧

يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥))

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بتأخير العذاب عنهم بمعاصيهم (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) [٧٣] بذلك حتى يتوبوا (١).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من الكفر من أكن إذا أخفى ، والمراد منه عداوة النبي عليه‌السلام (وَما يُعْلِنُونَ) [٧٤] من الكفر باللسان.

(وَما مِنْ غائِبَةٍ) وهي اسم لكل مستتر من العذاب وغيره على العباد (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [٧٥] أي في اللوح المحفوظ ، يعني قد أحاط به الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الوجود ، لأنه أثبته في ذلك الكتاب ، والمبين البين للناظر فيه من الملائكة.

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦))

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ) أي يبين (عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [٧٦] فيما بينهم ، وهو نزل حين اختلف أهل الكتاب في دينهم وفي المسيح عليه‌السلام فتحزبوا فيه أحزابا ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا ، وقد نزل القرآن ببيان أكثر ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا (٢) ، وبنو إسرائيل هم الذين في زمان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليهود والنصارى.

(وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧))

(وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَهُدىً) لمن اتبعه من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [٧٧] من العذاب ولمن أنصف وآمن من بني إسرائيل ومن غيرهم.

(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨))

(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) أي بين بني إسرائيل أو بين المؤمن والكافر بالقرآن (بِحُكْمِهِ) أي بعدله فسمي المحكوم به وهو عدله حكما لأنه لا يقضي إلا بالعدل (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب فلا يرد حكمه (الْعَلِيمُ) [٧٨] بما يحكم وبمن (٣) يقضى عليه وله.

(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩))

(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوض أمرك إليه وثق به ولا تخف منهم فانه ناصرك عليهم (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [٨٩] أي على الدين الواضح الذي لا يتعلق به الشك وهو الإسلام ، فيجب الوثوق على صاحب الحق بنصرة الله إياه.

(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠))

(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) أي الكفار المعاندين لأن سماعهم كلا سماع لعدم انتفاعهم به كالموتى (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ)(٤) إلى الإيمان بآيات القرآن ، وشبهوا بالصم لأنه ينعق بهم فلا يسمعون ، فقوله (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [٨٠] أي انصرفوا معرضين عن الحق بالتكذيب تأكيد حال الأصم ، لأنه إذا أدبر عن داعي الحق كان أبعد عن سماع الحق.

(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١))

(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) وقرئ «تهدي» (٥) ، أي أنت لا تهدي الذين (٦) عميت أبصارهم

__________________

(١) يتوبوا ، ح ي : يؤمنوا ، و.

(٢) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٤١٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٠٤ (عن ابن عباس) ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٠٩.

(٣) بمن ، وي : لمن ، ح.

(٤) أي ، + و.

(٥) «بِهادِي الْعُمْيِ» : قرأ حمزة بتاء فوقية مفتوحة وإسكان الهاء ونصب «العمي» ويقف بالياء ، والباقون بباء موحدة مكسورة وفتح الهاء وألف بعدها وجر «العمي» ، وأجمعوا على الوقف على «بهادي» بالياء. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.

(٦) الذين ، ح ي : الذي ، و.

٢٢٨

عن آيات القرآن عن الشرك إلى الإيمان ولكن عليك الدعوة والله يهدي من يشاء ، فالمعنى : أنهم لا ينتفعون بأسماعك القرآن إياهم فكأنهم فقدوا آذان السماع ولا يهتدون الطريق الواضح حيث يضلون عن سبيل الهداية ، فكأنهم نزعت الأبصار عنهم (إِنْ) أي ما (تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي من يصدق القرآن أنه من الله (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) [٨١] أي مخلصون في إيمانهم.

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢))

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) وهو ما وعد به الناس من قيام الساعة والعذاب ، وسماه قولا مع كونه متصورا في النفس قبل ظهوره لأنه يؤدي بالقبول ، ومعنى وقوعه حصوله ، والمراد ظهور أشراط الساعة وعلاماتها حين لا ينفع التوبة (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) أي الجساسة (مِنَ الْأَرْضِ) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تخرج من الصفا أول ما يبدو رأسها فيبلغ السحاب فيراه أهل المشرق والمغرب» (١) ، وإنها ذات وبر وريش لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وقيل : من تهامة (٢) ، وقيل : «من بحر سدوم» (٣) ، روي : أنها تخرج ثلاث خرجات ، خرجة بأقصى اليمن ثم تمكن زمانا ثم تخرج من مكة ثم تمكن دهرا طويلا ثم تخرج من ناحية المسجد ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم فيهولهم هذا الخروج فيهرب قوم ويقف قوم ينظرون إليها (٤)(تُكَلِّمُهُمْ) بلسان العربية تقول (٥)(أَنَّ النَّاسَ) بكسر «إن» وفتحها (٦)(كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) [٨٢] أي بخروجي لأنه ما الآيات وتقول (٧) ألا لعنة الله على الظالمين وقولها حكاية لقول الله تعالى أو التقدير : بآيات ربنا فتدخل عليهم وهم يفرون عنها إلى المساجد ، فتقول : أترون أن المساجد تنجيكم (٨) مني ، وقيل : «تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام» (٩) ، وقرأ ابن عباس «تكلمهم» (١٠) ، أي تجرحهم وتأكلهم من الكلم وهو الجرح (١١) ، وقيل : جرحها قولها للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر (١٢) ، وروي : «أنها تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما‌السلام فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم» (١٣) ، فيكون الجرح وسما لهما ثم عادت إلى مكانها ثم تزلزلت الأرض في ذلك اليوم في ست ساعات فيمسون خائفين ، فاذا أصبحوا جاءهم الصريخ لأن الدجال قد خرج.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣))

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ) أي اذكر يوم نجمع للحشر (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أي جماعة كثيرة ، والمراد الرؤساء (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) أي القرآن و «من» الأولى تبعيض والثانية تبيين ، لأن جميع الكفار مكذبون (فَهُمْ يُوزَعُونَ) [٨٣] أي الرؤساء يجمعون ويسارعون بين أيدي أممهم إلى الموقف.

(حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤))

(حَتَّى إِذا جاؤُ) مكان الحساب (قالَ) الله تعالى تهديدا لهم (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ) الحال أنكم (لَمْ تُحِيطُوا بِها) أي بآياتي (عِلْماً) وهو نصب على التمييز ، والمعني من الاستفهام التقرير والمراد به المناقشة في الحساب ، أي أنكم كذبتم بها بادئ الرأي من غير نظر وفكر يؤدي إلى إحاطة العلم بأنها حقيقة بالصدق أو بالكذب ، قوله

__________________

(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٠٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.

(٢) عن ابن عباس ، انظر القرطبي ، ١٣ / ٢٣٧.

(٣) عن وهب بن منبه ، انظر القرطبي ، ١٣ / ٢٣٧.

(٤) نقله المفسر عن البغوي مختصرا ، ٤ / ٣١٩.

(٥) تقول ، وي : يقول ، ح.

(٦) «أَنَّ النَّاسَ» : فتح الهمزة يعقوب والكوفيون ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.

(٧) تقول ، وي : يقول ، ح.

(٨) تنجيكم ، وي : ينجيكم ، ح.

(٩) عن السدي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣١٨ ؛ وانظر الكشاف ، ٤ / ٢١٠.

(١٠) انظر البغوي ، ٤ / ٣١٨ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٠.

(١١) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٢١٠.

(١٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣١٩.

(١٣) عن أبي هريرة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٠٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣١٩.

٢٢٩

(أم ما ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٨٤] أي أي عمل منعكم عن الإيمان ولم تعملوا سوى التكذيب بآياتي ورسلي مكان الإيمان بهما متصل بما قبله ، لأنه استفهام على سبيل التوبيخ وتبكيت بالحجة وإعلام لهم أنه عالم بأنهم لم يعملوا في الدنيا إلا تكذيب الآيات والكفر بها فلا يقدرون أن يقولوا صدقنا بآياتك فتعين التكذيب.

(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥))

(وَوَقَعَ الْقَوْلُ) أي نزل العذاب (عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) من ترك الإيمان (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) [٨٥] بحجة واعتذار ، لأن العذاب الموعود شغلهم عن النطق (١) أو لختم (٢) أفواههم وهذا قبل كبهم في النار.

(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦))

(أَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظر أهل مكة نظر اعتبار (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) سكون راحة (وَ) جعلنا (النَّهارَ مُبْصِراً) أي ليبصروا به طرق التجارة والكسب ، ففي المعنى روعي التقابل في التعليل ، وقيل : معنى «مبصرا» واضحا يبصر فيه الأشياء ، جعل الإبصار للنهار وهو لأهله (٣)(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٨٦] أي يصدقون بصحة الاعتبار.

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧))

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) أي خاف من هيبته ولم يقل فيفزع لكون الفعل المستقبل من الله متيقن الوقوع كتيقن الماضي من غيره ، وقيل : المراد من الفزع فزع الصعق وهو الموت (٤) ، أي مات من شدة النفخة الأولى جميع الخلائق ، يعني (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) والثانية للقيام لرب العالمين (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي إلا من ثبت الله قلبه ، وهم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم أو الملائكة المقربون وهي الأربعة المشهورة ثم يموتون بعد ذلك ، وقيل : «حملة العرش وخزنة الجنة والنار والحور» (٥) ، وقيل : «موسى عليه‌السلام ، لأنه صعق مرة» (٦) ، فاكتفي بها (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بالقصر (داخِرِينَ) [٨٧] أي جميع الخلائق جاؤا أمر الله وأجابوه صاغرين ، والجمع بالنظر إلى معنى ال «كل» وقرئ «آتوه» بالمد وضم التاء (٧) جمع اسم الفاعل مع الإضافة ، ومعنى الاتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية.

(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨))

(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) أي غير زائلة عن مكانها في عين الناظر حال عن (الْجِبالَ) ، قوله (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حال ثانية من «ها» في (تَحْسَبُها) لا من (جامِدَةً) لفساد المعنى ، لأنها لا تكون جامدة مارة أي إذا رأيت الجبال وقت النفخة الأولى ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمتها ، وهي منقلعة من الأرض إلى السماء تسير حقيقة سيرا سريعا كسير السحاب لا تكاد (٨) تتبين حركتها ، قوله (صُنْعَ اللهِ) مصدر عامله (صُنْعَ) بدلالة مرورها كمر السحاب ، أي صنع ذلك صنعا الله (الَّذِي أَتْقَنَ) أي أحكم (كُلَّ شَيْءٍ) أي خلقه (٩) بعلمه وحكمته فيكون متقنا لا واهيا ، قيل : مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على مقتضى الحكمة (١٠)(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) [٨٨] بالتاء والياء (١١) ، أي عالم بما يفعل العباد وبما

__________________

(١) عن النطق ، و : من النطق ، ح ي.

(٢) لختم ، وي : يختم ، ح.

(٣) نقل المفسر هذا المعنى عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢١١.

(٤) لعل اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٢ / ٥٠٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١١.

(٥) عن الضحاك ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢١١.

(٦) عن جابر ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢١١.

(٧) «أتوه» : قرأ حفص وخلف وحمزة بقصر الهمزة وفتح التاء ، والباقون بمد الهمزة وضم التاء. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.

(٨) تكاد ، ح و : يكاد ، ي.

(٩) أي خلقه ، ح : خلقه ، وي.

(١٠) نقل المؤلف هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ٢١٢.

(١١) «تفعلون» : قرأ ابن كثير وهشام والبصريان بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٣٨.

٢٣٠

يستوجبون عليه من الجزاء.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩))

ولخص ذلك بقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي كلمة الشهادة (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ثوابا بالتضاعف (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [٨٩] بالتنوين (١) وهو خوف العذاب الشديد وهو النار ، فالتنوين للتعظيم أو للقلة ، أي من فزع ما أو بالإضافة للتخصيص كما مر من خزي (٢) يومئذ في هود.

(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))

(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك بالله (فَكُبَّتْ) أي ألقيت (وُجُوهُهُمْ) الوجه يعبر عن الجملة كالرأس والرقبة والكب الإلقاء ، أي ألقوا (فِي النَّارِ) منكوسين فيقال تبكيتا لهم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٩٠] من المعاصي كالشرك وغيره.

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١))

ثم أمر الله رسوله بأن يقول ترغيبا في التوحيد ونفي الشرك بقوله (٣)(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي أن أخص الله وحده بالعبادة ولا أتخذ له شريكا كما فعلتم يا قريش ، والمراد بهذه البلدة مكة ، قوله (الَّذِي حَرَّمَها) نعت (رَبَّ) المضاف ، أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم الإنسان ولا يظلم أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاؤها ، أي لا يقطع نباتها ولا يعضد شجرها والملتجئ إليها آمن (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أي شيء داخل تحت ملكوته وربوبيته كدخول مكة تحتهما ، يعني كل شيء في حكمه وإرادته يفعله كيف يشاء ويحكم عليه كيف يريد (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) واحدا (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [٩١] عابدا له.

(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢))

(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم وأتبع ما أنزل علي من الوحي (فَمَنِ اهْتَدى) باتباعه إياي في الإسلام والتوحيد وتلاوة القرآن والعمل به (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فثوابه لها (وَمَنْ ضَلَّ) أي من لم يتبعني في ذلك (فَقُلْ) لا علي ، لأنه قال لي قل (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [٩٢] أي رسول منذر وما على الرسول إلا البلاغ المبين (٤) ، قيل : نسخ بآية السيف (٥).

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي أمر لي أن أحمد الله ما رزقني من نعمة النبوة التي لا يقابلها نعمة وأن أقول (سَيُرِيكُمْ) الله (آياتِهِ) التي تلجئكم إلى المعرفة والإقرار بأنها آيات الله حين لا تنفعهم (٦) المعرفة والتوبة ، يعني في الآخرة أو في الآفاق أو في أنفسكم كانشقاق القمر والدخان وما حل بهم من النقمات في الدنيا كالقحط والنقل أو فتح مكة (فَتَعْرِفُونَها) أي ستعرفون (٧) دلائل الوحدانية ثم صدق نبوتي هنا ، قوله (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) عن ما (تَعْمَلُونَ) [٩٣] بالتاء والياء (٨) ، وعيد للظالم وتعزية للمظلوم ، أي يعلم الله كل عمل تعملون لا يغفل عنه ، لأن الغفلة والسهو لا يجوزان على العالم بالذات.

__________________

(١) فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ» : قرأ الكوفيون بتنوين «فزع» ، وغيرهم بترك التنوين ، وكسر ميم «يومئذ» المكي والبصريان والشامي ، وفتحها غيرهم ، وإذا نظرنا إلى الكلمتين مجتمعتين يكون فيهما ثلاث قراءات ، حذف تنوين «فزع» وفتح ميم «يومئذ» للمدنيين ، وحذف التنوين مع كسر الميم للمكي والبصريين والشامي ، والتوين مع الفتح للكوفيين. البدور الزاهرة ، ٢٣٨ ـ ٢٣٩.

(٢) خزي ، ح ي : عذاب ، و.

(٣) بقوله ، و : ـ ح ي.

(٤) المبين ، ح : ـ وي.

(٥) نقله عن البغوي ، ٤ / ٣٢٥ ؛ وانظر أيضا هبة الله ابن سلامة ، ٧٢ ؛ وابن الجوزي ، ٤٦.

(٦) تنفعهم ، وي : ينفعهم ، ح.

(٧) ستعرفون ، وي : فستعرفون ، ح.

(٨) «تعملون» : قرأ بالخطاب المدنيان والشامي وحفص ويعقوب ، وبالغيبة غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.

٢٣١

سورة القصص

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣))

(طسم) [١] تقدم الكلام في معناه.

قوله (تِلْكَ) إشارة إلى الآيات فيها وهي (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [٢] أي البين ما فيه من أمر الله ونهيه.

(نَتْلُوا) أي نقص (عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) أي خبرهما (بِالْحَقِّ) حال من فاعل (نَتْلُوا) ، أي محقين نحن (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٣] أي لمن سبق في علمنا أنه يؤمن لأنهم هم المنتفعون به.

(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤))

قوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ) تفسير للخبر المجمل ، كأن القائل يقول كيف كان نبؤهما؟ فقال : إن فرعون (عَلا) أي تجاوز الحد في الظلم للعباد (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض (١) مصر ومملكته (وَجَعَلَ أَهْلَها) أي أهل مصر (شِيَعاً) أي فرقا مختلفة يشيع بعضهم بعضا ، أي يتبعه في طاعته وخدمته ، قوله (يَسْتَضْعِفُ) أي يستقهر (طائِفَةً مِنْهُمْ) أي من أهل مصر ، يعني بني إسرائيل حال من ضمير (جَعَلَ) ، وقوله (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) حال من ضمير (يَسْتَضْعِفُ) أو بدل منه أو تفسير له (وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) عطف عليه ، أي يتركهن (٢) أحياء ويستخدمهن ، قوله (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [٤] بيان أن القتل ظلما من عمل المفسدين فحسب سواء صدق الكاهن أو كذب ، إذ لا طائل تحته وكان سبب قتل الأبناء قول كاهن له سيولد من بني إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده ، وفيه دليل بين على (٣) ثخانة حمق فرعون ، لأنه إن صدق الكاهن لا يدفه القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل.

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥))

قوله (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ) بالنجاة (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) وهم بنو إسرائيل عطف على قوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ) ، لأنه أيضا تفسير لنبأ موسى وفرعون ، ويجوز أن يكون (وَنُرِيدُ) حالا من «يستضعف» بتقدير «نحن ليصير» جملة اسمية ، ويكون الواو في موضعها ولا يبعد ، لأن منة الله عليهم بالنجاة كانت قريبة الوقوع فجعلت إرادة وقوعها مقارنة لاستضعافهم ، وهو جواب لمن يسأل أن الله إذا أراد شيئا كان بلا توقف إلى وقت آخر فكيف تجتمع (٤) إرادته المنة واستضعافهم إذا كان حالا (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي قادة يقتدى بهم في الخير (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) [٥] يرثون أملاك فرعون وقومه.

__________________

(١) أي في أرض ، ح : أي أرض ، وي.

(٢) يتركهن ، ح ي : يتركن ، و.

(٣) دليل بين على ، ح : ـ وي.

(٤) تجتمع ، وي : يجتمع ، ح.

٢٣٢

(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦))

(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ) أي لبني إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) في (١) أرض مصر والشام ، ومعنى «مكن له» جعل له مكانا يقعد عليه أو يرقد ، والمراد تسليطهم وإطلاق أيديهم عليها بالحكم والغلبة ، قوله (وَنُرِيَ) بضم النون ونصب الياء (٢) عطف على (أَنْ نَمُنَّ) ، أي نريد أن نرى نحن (فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [٦] أي الذي يخافونه و (مِنْهُمْ) متعلق ب (نُرِيَ) لا ب (يَحْذَرُونَ) لئلا يتقدم صلة «ما» على الموصول ، أي نظهر نحن للقبط من بني إسرائيل ما كانوا يخافونه من ذهاب ملكهم على يد مولود منهم ، وقرئ بالياء ، أي يري قرعون وقومه ذلك.

(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧))

(وَأَوْحَيْنا) أي ألهمنا (٣) إلهاما أو مناما (إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) وهو تفسير الوحي (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من القتل بصياحه وبكائه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) أي في البحر (٤) ، والمراد بحر النيل (وَلا تَخافِي) عليه من الغرق ولا الضيعة (وَلا تَحْزَنِي) على فراقه ووقوعه في خطر ، والفرق بين الخوف والحزن ظاهر ، إذ الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع يأتي ، والحزن غم يلحقه لواقع قد أتى ، قوله (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [٧] وعد من الله لها بما يسليها ويطمئن قلبها ويسرها من رده إليها للتربية وجعله من المرسلين.

قيل : لما خافت من عيون فرعون لفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور ، فانطلقت إليه فوجدته يلعب بأصبعه في الأرض ، وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما فأخرجته من التنور ، فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها في المنام ، فألقته في اليم بتابوت مطلى بالقار من داخله ، وكان لفرعون ابنة يحبها وبها برص فوصف لها ريق حيوان يشبه الإنسان يخرج من النيل يوم كذا عند طلوع الشمس تلطخ وجهها فتبرأ ، فأقبل التابوت على وجه الماء فقال فرعون علي به (٥).

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨))

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي أخذوه (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) عاقبة ، فاللام لام العاقبة لا للتعليل ، لأنهم لم يأخذوه ليكون لهم عدوا يقتل رجالهم (وَحَزَناً) بضم الحاء وسكون الزاء وبفتحهما (٦) ، يستعبد نساءهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) [٨] في كل شيء لا في تربية عدوهم فحسب أو كانوا مذنبين مجرمين ، فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم على أيديهم ففتحت آسية التابوت فوجدت فيه صغيرا ، نوره بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا ولعابه يسيل ، فالتطخت ابنته بلعابه فبرأت فأحبه فرعون وابنته وآسية حبا شديدا ، فقال الغواة من قومه هو الصبي الذي تحذر منه فهم بقتله.

(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩))

(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) أي آسية هذا الغلام (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) فانه أتانا به الماء من مصر آخر فاستوهبته من فرعون فوهبها إياه (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) في مهامنا فان فيه مخائل اليمن ودلائل النفع (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)

__________________

(١) في ، ح : ـ وي.

(٢) «نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما» : قرأ الأخوان وخلف بياء تحتية مفتوحة وبعدها راء مفتوحة وألف بعدها ممالة ورفع نوني «فرعون» و «هامان» ، ورفع دال «وَجُنُودَهُما» ، والباقون بنون مضمومة في مكان الياء وبعدها راء مكسورة وبعدها ياء مفتوحة مع نصب النونين والدال. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.

(٣) ألهمنا ، ح : ـ وي.

(٤) أي في البحر ، ح : أي البحر ، وي.

(٥) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٣٢٧ ، ٣٢٨ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٥.

(٦) «وَحَزَناً» : قرأ الأخوان وخلف بضم الحاء وإسكان الزاي ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.

٢٣٣

أي نتبناه (١) لأنه أهل للتبني ، ولم يكن له ولد ذكر (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٩] أنه يهلكهم أو أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ، وهو حال من (آلُ فِرْعَوْنَ) ، وقوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ) الآية اعتراض واقع بين المعطوف عليه والمعطوف لتأكيد معنى خطئهم ، وهما : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) و (قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ).

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠))

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى) أي صار قلبها (فارِغاً) أي خاليا من عقلها من فرط الجزع والدهش لما علمت أن فرعون قد التقطه وقد نسيت وعد الله تعالى بسلامته أو فارغا من كل شيء إلا ذكر موسى أو فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي أنها قربت تظهر سرها بأمر موسى وقصته وإنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها قرحا بما (٢) سمعت (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) أي شددنا عليه السكينة وسكنا قلقه (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٠] أي المصدقين بوعدنا لها بأنا رادوه إليك لباحت به.

(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١))

(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) أي لبنتها وهي أخت موسى (قُصِّيهِ) أي ابتغي أثره ، يعني امشي بجنبه في الجد وهو في الماء (٣) وانظري فيه لتعلمي خبره (فَبَصُرَتْ بِهِ) أي نظرت إليه مستخفية (عَنْ جُنُبٍ) أي عن بعد أو عن جانب (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [١١] أنها أخته وإنه عدو لهم.

(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢))

(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ) أي منعنا على موسى (الْمَراضِعَ) جمع مرضعة وهي المرأة التي ترضع الولد أو جمع مرضع بمعنى (٤) مرضع أرضاع وهو الثدي ، يعني منعناه من شرب لبن امرأة غير أمه (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل أن تقصي (٥) أخته أثره أو من (٦) قبل مجيء أمه إليه (فَقالَتْ) أخته بعد ما أخذه آل فرعون ولم يقبل رضاع أحد (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي على من يكفله ويربيه بالضمان لكم (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) [١٢] أي مخلصون في تربيته من شائبة الفساد ، قالوا نعم فجاءت بأمها وهو يصيح فلما شم ريحها قبل ثديها ، فقال فرعون من أنت حتى قبل ثديك دون غيرك ، قالت إني طيبة الريح واللبن لا أوتي بصبي إلا قبلني فأجري أجرتها عليها وذهبت به إلى بيتها ، وإنما أخذت الأجرة على إرضاع ولدها لأنها مال حربي أخذته على وجه الاستباحة لا على وجه الأجرة.

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))

(فَرَدَدْناهُ) أي أنجز الله وعده في رده (إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ) الذي وعد به (حَقٌّ) ثابت مراد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [١٣] أنه حق ، يعني أهل مصر فمكث عندها إلى أن فطمته ورده إلى فرعون فتبناه آسية وفرعون.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤))

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي المبلغ الذي لا يزاد عليه وهو ثلاث وثلاثون سنة (وَاسْتَوى) أي اعتدل في شبابه واستحكم وقوى وهو أربعون سنة ، روي : أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة (٧)(آتَيْناهُ) قبل نبوته (حُكْماً) أي حكمة الأنبياء وهي سنتهم فكان لا يفعل فعلا يستجهل فيه (وَعِلْماً) أي علم مصالح الدارين (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١٤] أي المؤمنين.

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ

__________________

(١) نتبناه ، ح و : تبناه ، ي.

(٢) بما ، ح ي : ما ، و.

(٣) وهو في الماء ، ح ي : وفي الماء ، و.

(٤) بمعنى ، وي : يعنى ، ح.

(٥) أي من قبل أن تقصي ، ي ، أي من قبل أن تفصني ، ح ، أي من قبل تقصي ، و.

(٦) من ، وي : ـ ح.

(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٤ / ٢١٧.

٢٣٤

فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥))

(وَدَخَلَ) موسى (الْمَدِينَةَ) هي مصر أو قرية (١) قريبة منها (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) أي وقت غرة مستخفيا (مِنْ أَهْلِها) وهم مشتغلون فيه بلهوهم وعيدهم (فَوَجَدَ فِيها) أي في المدينة (رَجُلَيْنِ) قبطيا وإسرائيليا (يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أي أتباعه ، يعني من بني إسرائيل (وَهذا) الآخر (مِنْ عَدُوِّهِ) أي من القبط يستوي في الواحد والجمع ، وكان القبطي يأمره أن يحمل حزمة الحطب إلى دار فرعون وهو لا يمتثل أمره ، ومحل (هذا) إلى آخر الجملة في محل النصب صفة «رجلين» (فَاسْتَغاثَهُ) أي طلب منه الغوث (الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) أي من قوم موسى (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) من قوم فرعون وكان موسى أعطي شدة عظيمة (فَوَكَزَهُ مُوسى) أي ضربه في صدره بأطراف أصابعه أو بجمع كفه (فَقَضى عَلَيْهِ) أي فقتله من غير قصد فندم فدفنه وكان خبازا لفرعون ، و (قالَ) موسى (هذا) القتل (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي بوسوسته ، لأنه هيج غضبه فضربه (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [١٥] أي ظاهر العداوة لخلق الله.

(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧))

ثم استغفر الله تعالى (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتل القبطي ، وإنما سمي قتل الكافر ظلما لأنه ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر به (فَاغْفِرْ لِي) ذنبي (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [١٦] أي يغفر ذنوب عباده ويرحمهم ، ثم أكد توبته و (قالَ) يا (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) الباء للقسم وجوابه محذوف ، أي أقسم بما أنعمت علي من المغفرة والقوة لأتوبن (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) أي عونا (لِلْمُجْرِمِينَ) [١٧] أي الكافرين ، لأن الإسرائيلي كان كافرا ، وهو تفسير للجواب المحذوف أو عونا لمن صرت مجرما بسبب مظاهرته وهو الإسرائيلي ، يعني آثما بالقتل الذي لم يحل لي ، قيل : إنه لم يستثن حين قال (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) بقول إن شاء الله فابتلى به مرة أخرى من الغد ، وكان لا يعرف أنه قتله (٢).

(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩))

(فَأَصْبَحَ) موسى (فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) على نفسه (يَتَرَقَّبُ) أي ينتظر بأن يستفاد فطلب ولي الدين من فرعون حقه ، وهو طلب منه بينة على قاتله (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ) أي استنصر موسى (بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) أي يستغيثه وهو الإسرائيلي على قبطي آخر يقاتله (قالَ لَهُ) أي للإسرائيلي (مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) [١٨] وإنما وصفه بالغي ، لأنه كان سبب قتل رجل أمس وهو يقاتل آخر اليوم وقد غضب له موسى غضبا شديدا ، ثم ترحمه بعد ما عاتبه (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) أي القبطي لأنه كافر اعتقد الإسرائيلي أنه يريد قتل نفسه (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) أي قتالا بالظلم من غير نظر في العاقبة (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [١٩] أي من المطيعين لله ، قاله خوفا من أن يقتله ، وقيل : كان ذلك إبليس في صورة الإسرائيلي ليظهر أمر موسى لفرعون وقومه ، ولما قال هذا أفشي على موسى فانتشر الحديث بالمدينة فوصل ذلك إلى فرعون وقومه فهموا بقتله (٣).

__________________

(١) مصر أو قرية ، وي : مصرا أو قرية ، ح.

(٢) اختصره المصنف من السمرقندي ، ٢ / ٥١٢ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٨.

(٣) نقله المؤلف مختصرا من السمرقندي ، ٢ / ٥١٣ ؛ والكشاف ، ٢١٨.

٢٣٥

(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠))

(وَجاءَ رَجُلٌ) قيل : هو مؤمن من آل فرعون وهو ابن عم فرعون اسمه حزقيل (١)(مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) أي من وسطها (يَسْعى) أي يسرع ويشتد في مشيه (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) أي أشراف أهل مصر (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) أي يتشاورون في أمرك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) من المدينة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [٢٠] أي المريدين الخير.

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١))

(فَخَرَجَ) موسى (مِنْها) أي من المدينة (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) الطلب والتعرض له في الطريق ، فخرج خائفا هاربا بلا زاد ولا ظهر وحده مسيرة ثمانية أيام يعيش بورق الشجر (٢)(قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٢١] أي المشركين.

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢))

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أي نحوها وهي قرية شعيب عليه‌السلام (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) [٢٢] أي وسطه ومعظم نهجه ، قيل : جاءه ملك على فرس بيده عنزة ، أي حربة فانطلق معه إلى مدين (٣).

(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣))

(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم ، ووروده مجيئه والوصول إليه (وَجَدَ عَلَيْهِ) أي على جانب البئر (أُمَّةً) أي جماعة كثيرة العدد (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أنعامهم وهم الرعاء ، وإنما ترك المفعول لأن الغرض هو الفعل لا المفعول (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي في مكان أسفل من مكانهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي تكفان غنمهما لئلا يختلط أغنامهما بأغنامهم لضعفهما عن السقي معهم أو تذودان النظر عن وجوههما حياء وتسترا (قالَ) موسى لهما (ما خَطْبُكُما) أي ما شأنكما لا تسقيان غنمكما مع الناس بل تذودانها من البئر (قالَتا لا نَسْقِي) غنمنا معهم لعجزنا (حَتَّى يُصْدِرَ) أي يرجع (الرِّعاءُ) جمع راع بالكسر وهو القياس ، وقرئ بضم الراء اسم جمع (٤) ، أي حتى يذهب الرعاء بمواشيهم عن الماء ، وقرئ «يصدر» (٥) من أصدر ، فالمفعول محذوف ، أي حتى يصدر الرعاء مواشيهم من الماء (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [٢٣] أي كبير السن لا يقدر على رعي الغنم ، وليس لنا راع فرحهما فقام إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يرفعها إلا عشرة رجال أو أربعون رجلا فنحاها ، وقيل : دفع الأمة عن البئر.

(فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤))

(فَسَقى لَهُما) غنمهما حتى صدرت رواء مع ضعفه وسقوط خف قدمه وجوعه طلبا للثواب وإعانة للملهوف ، وإنما جوز نبي الله شعيب أن تسقي بنته الماشية لأن الحال كانت حالة ضرورة ولأن الدين لا يأباه إذا كانت العادات متباينة (ثُمَّ تَوَلَّى) أي انصرف بعد سقي الغنم (إِلَى الظِّلِّ) أي ظل شجرة هي سمرة وهو جائع (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [٢٤] أي يا رب إني محتاج إلى فلقة خبز أقيم بها صلبي لأجل ما أنزلت إلي من خير الدين وهو العلم والحكمة بالبصيرة ، وقيل : هو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك

__________________

(١) أخذه المفسر مختصرا من البغوي ، ٤ / ٣٣٥ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٢) الشجر ، و : الشجرة ، ح ي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢١٩.

(٣) نقله عن البغوي ، ٤ / ٣٣٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢١٩.

(٤) أخذ المفسر هذه القراءة عن الكشاف ، ٤ / ٢١٩.

(٥) «يصدر» : قرأ البصري والشامي وأبو جعفر بفتح الياء وضم الدال ، والباقون بضم الياء وكسر الدال. البدور الزاهرة ، ٢٤٠.

٢٣٦

وثروة ، وقال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به (١) ، فلما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس ووجد أبوهما أغنامهما حفلا وبطانا ، قال : ما أعجلكما؟ قالتا : رحمنا رجل صالح فسقى غنمنا فقال لإحديهما اذهبي فأدعيه لي.

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥))

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) وهي صفراء (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) منه ، أي واضعة كم درعها على وجهها حياء (قالَتْ) له يا رجل (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) قيل : «لما سمع موسى كلامها أراد ان لا يذهب ولكن كان جائعا فأجابها فمشت بين يديه نحو بيتها فجعلت الريح تصف ردفها وتكشف ساقها فقال امشي خلفي ودليني على الطريق ففعلت» (٢)(فَلَمَّا جاءَهُ) أي جاء موسى شعيبا قال له اجلس فتعش ، فقال معاذ الله فقال شعيب ألست جائعا؟ فقال بلى ، ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سيقت لهما وأنا أهل بيت النبوة ، لأنه كان من أولاد يعقوب لا نطلب على عمل الآخرة عوضا من الدنيا ، فقال شعيب : لا والله يا شاب ولكن الضيافة عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام ، فأكل فعلم من قول موسى ذلك القول أن مشيه معها لم يكن لشدة جوعه ، وعلم من مشيه بخبرها جواز العمل بخبر الواحد والمشي مع الأجنبية كما يعمل في الأخبار بقول الواحد حر أو عبد ذكر أو أنثى في مثل هذا الحال مع ذلك الاحتياط والتورع ، فلما أكل الطعام أخبر شعيبا بحاله (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي المقصوص وهو خوفه من فرعون (قالَ) شعيب عليه‌السلام (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٢٥] لأنه لا حكم لفرعون علينا.

(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))

(قالَتْ إِحْداهُما) وهي كبراهما صفراء والصغري صفيراء (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي اتخذه أجيرا يرعى غنمنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [٢٦] هو تحريض على الاستئجار لقوته (٣) وأمانته فأخبرت بهما لأبيهما (٤) حين سألها عنهما بقوله «وما علمك بقوته وأمانته» ، فثم (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) صفراء وصفيراء ، وفيه دليل على أنه كان له غيرهما (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أي تصير أجيرا لي ، وهو شرط لإنكاحها فيكون محله حالا ، أي مشروطا بذلك ، قيل : كان قوله (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ) وعدا له بالإنكاح لا عقدا حيث لم يقل أنكحته ولأنه لم يميز بينهما ، وجوز الشافعي رحمه‌الله التزوج على الإجارة لبعض الأعمال والخدمة وكان ذلك مهرا ومنعه أبو حنيفة رحمه‌الله ، ولعل ذلك كان جائزا في شريعة شعيب عليه‌السلام (٥) ، وقيل : يجوز النكاح والمهر مهر المثل أو قيمة العمل عنده (٦)(ثَمانِيَ حِجَجٍ) أي ثماني (٧) سنين وهو ظرف للأجر (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي خدمة عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) أي فالتمام من عندك تبرع لا إلزام مني (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) باستخدامي بأن تقسم فكرك باثنين بأن يقول مرة أطيقه ومرة لا أطيقه (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٢٧] أي من الوافين بالشرط ، وقوله «ذلك» يدل على أن شعيبا وعده المسامحة والمساهلة من نفسه ، وإنه لا يشق عليه فيما استأجره له من رعي غنمه ، أي لا أفعل بك كما يفعل المستأجرون (٨) المعاشرون من المناقشة وإلزام أتم الأجلين وإيجابه ، وذلك عادة الأنبياء عليهم‌السلام أو أراد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب.

__________________

(١) نقل هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٠.

(٢) عن أبي حازم سلمة بن دينار ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٣٨.

(٣) لقوته ، وي : بقوته ، ح.

(٤) لأبيهما ، ح و : لأبيها ، ي.

(٥) أخذه عن الكشاف مختصرا ، ٤ / ٢٢١.

(٦) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٢١.

(٧) ثماني ، ح : ـ وي.

(٨) المستأجرون ، ح ي : المستأجر ، و.

٢٣٧

(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))

(قالَ) موسى (ذلِكَ) أي ما عاهدتك عليه (بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) «أي» شرط و «ما» زائدة تأكيدا لإبهام «أي» في شياعها ، ف (الْأَجَلَيْنِ) جر باضافة «أي» إليه ، والمعنى : أي أجل (قَضَيْتُ) من الأجلين أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي (١) هو الثماني (فَلا عُدْوانَ) أي لا يعتدى (عَلَيَّ) بطلب الزيادة على أحدهما ، إذ التتمة موكولة إلى رأيي إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ) من الشروط وغيرها (وَكِيلٌ) [٢٨] حفيظ ، وال (وَكِيلٌ) هو الذي وكل إليه الأمر واستعمل في موضع الشاهد فلذا عدي ب (عَلَيَّ) ، روي : أن موسى عليه‌السلام تزوج كبراهما صفراء (٢) ، وحكي أن شعيبا عليه‌السلام كان كثير البكاء فقال تعالى ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار؟ قال : لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب فلذلك استخدمتك موسى كليمي.

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩))

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) أي الأجل المشروط بينهما (وَسارَ بِأَهْلِهِ) نحو مصر بعد مكثه عند شعيب أحد الأجلين ، سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي الأجلين قضى موسى؟ قال : «أبعدهما وتزوج صفراهما» (٣) ، وهذا خلاف الرواية السابقة (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) أي رأى نارا عظيما (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) أي قفوا مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر الطريق (أَوْ جَذْوَةٍ) بكسر الجيم وضمها وفتحها (٤) لغات كلها في قطعة من الجمر (مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [٢٩] من البرد فتركهم في البرية فذهب إليها.

(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠))

(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ) أي من جانب (الْوادِ الْأَيْمَنِ) بالنسبة إلى موسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) بالضم والفتح (٥) لغتان في قطعة من الأرض بلا شجرة ووصفت بالمباركة ، لأن الله كلم فيها موسى ، قوله (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل من (شاطِئِ) ، قيل : هي كانت عنابا (٦) أو عوسجا (٧) ، و (مِنْ) فيهما لابتداء الغاية ، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة ، قوله (أَنْ) مفسرة لأن النداء قول ، أي نودي بأن (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [٣٠].

(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١))

قوله (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) عطف على (أَنْ يا مُوسى) ، فألقاها على الأرض (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تتحرك (كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) وقد مر تفسيره (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي لم يلتفت خوفا من الحية فقال تعالى (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) [٣١] من الحية.

(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢))

(اسْلُكْ) أي ادخل (يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) أي يدك ، قيل : المراد

__________________

(١) الذي ، ح ي : ـ و.

(٢) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٣٣٩.

(٣) أخرج البخاري نحوه ، الشهادات ، ٢٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٢٢.

(٤) «جذوة» : فتح الجيم عاصم ، وضمها حمزة وخلف ، وكسرها الباقون. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٥) أخذ المؤلف هذه القراءة عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.

(٦) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٢.

(٧) عن قتادة ومقاتل والكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٢.

٢٣٨

منه ضم اليد اليمنى إلى نفسه ، وفي قوله (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(١) هو ضم اليد اليسرى إليه (٢)(مِنَ الرَّهْبِ) بفتح الهاء وسكونه بعد الفتح وسكونه بعد الضم (٣) الخوف ، أي إذا خفت شيئا فضم يدك إليك لأن اليد للإنسان كالجناح للطير ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى فقد ضم جناحه إليه ، قال مجاهد رضي الله عنه : «من فزع فرد جناحه إليه ذهب عنه الخوف» (٤) ، روي : أنه رأى بياض يده فخاف فأمر بذلك فعادت كحالها (٥) ، وقيل : ضم الجناح استعارة للتجلد والتثبت (٦) ، أي أنه أمر بالثبات والصبر (فَذانِكَ) بالتخفيف والتشديد (٧) ، أي الاثنان المشار إليهما وهما اليد والعصا (بُرْهانانِ) أي حجتان (مِنْ رَبِّكَ) مرسلا بهما (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) وسميت الحجة برهانا لوضوحها من قولهم امرأة برهرهة بتكرير العين واللام ، وهي البيضاء الشابة التي كأنها ترعد رطوبة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [٣٢] أي عاصين الله تعالى بعبادة غيره.

(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣))

(قالَ) موسى يا (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [٣٣] أي أن يقتلون نفسي به.

(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤))

(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ) أي أبين وألحن (مِنِّي لِساناً) وكان في لسان موسى عقدة من النار التي أدخلها في فيه (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) بالهمز وبغيره للتخفيف (٨) ، أي معينا لي رسالتك (يُصَدِّقُنِي) بزيادة البيان ، قرئ «يصدقني» بالرفع صفة أو حال بعد حال ، وبالجزم (٩) جواب ل «أرسله» ، ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه في محمل النظر والمجادلة إن احتاج إليه لاثبات دعواه لا أن يقول له صدقت أو للجماعة صدقوه أو هو صدق يدل عليه قوله (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) ، لأنه هذا يقدر عليه الفصيح وغيره (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [٣٤] أي فرعون وقومه.

(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥))

(قالَ) الله تعالى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ) أي سنقويك ونعينك (بِأَخِيكَ) لأن الرجل يقوى بأخيه كقوة اليد بعضدها ، والعضد ما بين المرفق والكتف (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي برهانا وهو اليد والعصا أو غلبة وتسلطا (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) قوله (بِآياتِنا) متعلق ب (نَجْعَلُ) أو ب «لا يصلون» لا ب (الْغالِبُونَ) لامتناع تقوم الصلة على الموصول ، المعنى يمتنعون منكما بآياتنا يعني لا يقدرون على قتلكما ، وقيل : بمحذوف ، أي اذهبا إلى فرعون بآياتنا (١٠)(أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا) بالإيمان (الْغالِبُونَ) [٣٥] على القبط بالحجة.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧))

(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا) أي بعلاماتنا (بَيِّناتٍ) أي واضحات في الدلالة على ربوبيتنا ، روي : أنه أراهم

__________________

(١) طه (٢٠) ، ٢٢.

(٢) نقل المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.

(٣) «الرهب» : قرأ الشامي وشعبة والأخوان وخلف بضم الراء وسكون الهاء ، وحفص بفتح الراء وسكون الهاء ، والباقون بفتح الراء والهاء. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٤) انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٣.

(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٦) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٣.

(٧) «فذانك» : قرأ المكي والبصري ورويس بتشديد النون مع المد المشبع ، والباقون بتخفيفها. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٨) «ردءا» : قرأ أبو جعفر ونافع بنقل حركة الهمزة إلى الدال مع حذف الهمزة إلا أن أبا جعفر بالنقل أيضا ، والباقون باسكان الدال وهمزة مفتوحة منونة. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٩) «يصدقني» : قرأ عاصم وحمزة برفع القاف ، والباقون باسكانها ، وأجمعوا على إسكان يائه في الحالين. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(١٠) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٢٤.

٢٣٩

العلامة من الله وقال إني رسول من رب العالمين (١)(قالُوا ما هذا) أي ليس الذي جئت به وهو ما عاينوه من معجزة موسى (إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي مختلق اختلقته (وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ [٣٦] وَقالَ مُوسى) بالواو مصاحف غير مكة للعطف بين القولين والموازنة في المناظرة وبغير الواو (٢) كما في مصاحف مكة ، لأنه استئناف جواب لسؤال (٣)(رَبِّي أَعْلَمُ) منكم (بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) أي بحال من أهله الله للفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى (مِنْ عِنْدِهِ) أي من عند الله ووعده حسنى العقبى يعني نفسه ولو كان كما تزعمون كاذبا ساحرا لما أهله لذلك ، لأنه غني حكيم (وَ) اعلم أيضا بحال (مَنْ تَكُونُ لَهُ) بالياء والتاء (٤)(عاقِبَةُ الدَّارِ) وهي العاقبة المحمودة ، والمراد ب «الدار» الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وبشارة الملائكة عند الموت (إِنَّهُ) أي إن الشأن (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٣٧] بالكذب والسحر والكفر وغيرها من الفساد من عقابه.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨))

(وَقالَ فِرْعَوْنُ) لأهل مصر (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أراد نفي وجوده بنفي العلم عن نفسه ، أي ما لكم من إله غيري في الوجود فلا تطيعوا موسى (فَأَوْقِدْ لِي) نارا (يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أي على اللبن ليصير آجرا وهو أول من عمل به (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي قصرا عاليا طويلا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أي أصعد عليه فأقتله (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) [٣٨] في أن له إلها غيري قاله تمويها على قومه ، قيل : بناه وجعله طويلا بحيث لا يقدر الباني أن يقوم على رأسه ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع وعرضه ثلاثة آلاف ذراع فصعده فرعون فرمى بنشابه فعادت بالدم فتنة لفرعون ، فقال قتلت إله موسى فضرب جبرائيل الصرح بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة على عسكره فقتلت ألف ألف رجل وأخرى في البحر وأخرى في المغرب (٥).

(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩))

(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ) أي فرعون (وَجُنُودُهُ) عن الإيمان بموسى (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي بلا حجة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) [٣٩] بالموت ، قرئ معلوما ومجهولا (٦).

(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١))

(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) أي عاقبناهم في البحر (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [٤٠] وَجَعَلْناهُمْ) أي خذلناهم وصيرناهم ، يعني قوم فرعون (أَئِمَّةً) أي رؤساء (يَدْعُونَ) الجهال (إِلَى) عمل كالكفر والمعاصي من أعمال أهل (النَّارِ) في الدنيا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) هم (لا يُنْصَرُونَ) [٤١] من العذاب.

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢))

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي طردا وإبعادا من الرحمة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) [٤٢] أي المطرودين المبعدين ، يعني المعذبين المهلكين ، يقال قبحه الله إذا أهلكه.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ

__________________

(١) اختصره المصنف من السمرقندي ، ٢ / ٤١٧.

(٢) «وَقالَ مُوسى» : قرأ المكي بحذف الواو قبل «قال» ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٣) لسؤال ، وي : السؤال ، ح.

(٤) «وَمَنْ تَكُونُ» : قرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٤٥.

(٦) «لا يُرْجَعُونَ» : قرأ نافع والأخوان وخلف ويعقوب بفتح الياء وكسر الجيم ، والباقون بضم الياء وفتح الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

٢٤٠