عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٣

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٤٩

يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))

ثم قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ) جمع بصيرة وهو نور القلب الذي يستبصر به كالعين في الرأس ، وهي حال من (الْكِتابَ) ، أي آتيناه التورية بعد هلاك من تقدمه من القرون أنوارا (لِلنَّاسِ) أي معارف لقلوبهم ، لأنها كانت عمياء لا تستبصر ولا تعرف حقا من الباطل (وَهُدىً) من الضلالة لمن آمن به (وَرَحْمَةً) لمن عمل بما فيه ، لأنهم لو علموه وعملوا به لأبصروا الطريق ووصلوا إلى نيل الرحمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [٤٣] أي لإرادة تذكيرهم شبهت الإرادة بالترجي واستعير لها أو المراد به ترجى موسى لتذكرهم.

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤))

ثم خاطب النبي عليه‌السلام بقوله (وَما كُنْتَ) يا محمد (بِجانِبِ) المكان (الْغَرْبِيِّ) من موسى وهو المكان الذي فيه ميقات موسى من الطور (إِذْ قَضَيْنا) أي عهدنا (إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) بالرسالة إلى فرعون (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [٤٤] أي من الحاضرين (١) ثمه وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات حتى تختبر بالمشاهدة على ما جرى من أمر موسى عليه‌السلام إلى عهدك وكتبة التورية له في اللوح.

(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥))

قوله (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) استدراك متصل بما قبله من الكلام من جهة المعنى ، أي لم تكن حاضرا في عهد موسى حتى تخبر أهل مكة وغيرهم بما شاهدت من أمر موسى بلا وحي ، ولكنا أحدثنا وخلقنا قرونا كثيرة بعد عهد (٢) وحي موسى إلى عهدك (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي أمد انقطاع الوحي على آخرهم وهو القرآن الذي أنت فيهم فنسوا ما عهد إليهم من الإيمان بمحمد عليه‌السلام واندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم فأرسلناك نبيا عالما بقصص الأنبياء وقصة موسى إليهم فبذلك تخبرهم ، قيل : ذكر الله تعالى سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ، ودل به على المسبب على عادته تعالى في اختصار الكلام (٣)(وَما كُنْتَ ثاوِياً) أي مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) وهم شعيب والمؤمنون به (تَتْلُوا) أي تقرأ (عَلَيْهِمُ) أي على أهل مكة (آياتِنا) التي فيها قصة شعيب وقومه تعلما منهم (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) [٤٥] إليك ، أي لكنا أرسلناك وعلمناكها من غير مشاهدة فتخبر بها أهل مكة اخبار المتقدمين.

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦))

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) أي الجبل (إِذْ نادَيْنا) موسى ليلة المناجاة وتكليمه أن (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ)(٤) الآية (وَلكِنْ) علمناك و (٥) رحمناك (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أو أرسلناك للرحمة من ربك بالقرآن (لِتُنْذِرَ قَوْماً) يعني أهل مكة (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) لأنه لم يجئ (٦) نذير قبل محمد عليه‌السلام إلى أهل مكة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [٤٦] فيؤمنون وكان بين الرسول وبين عيسى زمان الفترة وهو خمسمائة وخمسون سنة ، فهذه الأخبار كلها منك علامات لنبوتك ، إذ لم تكن حاضرا هناك ولم تكن نقرأ الكتب لنخبرهم بها عن الأنبياء قبلك.

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧))

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) أي عقوبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من المعاصي ، (لَوْ لا) هذه امتناعية جوابها

__________________

(١) أي من الحاضرين ، و : أي الحاضرين ، ح ي.

(٢) عهد ، ح و : ـ ي.

(٣) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٧.

(٤) مريم (١٩) ، ١٢.

(٥) علمناك و ، ح : ـ وي.

(٦) لم يجئ ، ح و : لم نجئ ، ي.

٢٤١

محذوف وهو لعذبوا في الدنيا قبل الإنذار وإن تصيبهم «مصيبة» مبتدأ محذوف الخبر ، وقوله (فَيَقُولُوا رَبَّنا) عطف على المبتدأ بتقدير «أن» ، وقوله (لَوْ لا) أي هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ينذرنا مقولهم و (لَوْ لا) هذه تحضيضية ، جوابها (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) بالنصب والفاء يدخل جوابا للأمر ، إذ في التحضيض معنى الأمر (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٤٧] بالنصب عطف على (فَنَتَّبِعَ) والذي قصد أن يكون سببا لإرسال الرسل هو قولهم (لَوْ لا أَرْسَلْتَ) الآية لا إصابة العقوبة لهم لكن إصابتها لهم سبب لقولهم ، فجعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت (لَوْ لا) عليها وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ، فالمعنى : لو لا قولهم هذا الذي فيه معنى الاحتجاج علينا بترك الإرسال إليهم إذا أصابتهم مصيبة منا لما أرسلنا رسولا إليهم للإنذار ولعاجلناهم بالعقوبة والإهلاك لكنا فعلنا الإرسال لدفع قولهم ، وإزالة حجتهم علينا نحو لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨))

(فَلَمَّا جاءَهُمُ) أي أهل (١) مكة (الْحَقُّ) وهو الرسول المصدق بالكتاب المعجز (مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا) أي هلا (أُوتِيَ) هذا الرسول (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الآيات كالعصا واليد وفلق البحر والتورية جملة واحدة فقال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) توبيخا لهم بكفرهم ، أي ألم يكفر أبناء جنسهم في زمان موسى ومذهب هؤلاء كمذهب أولئك وعنادهم كعنادهم فهم مثلهم في الكفر ، ولذا قال مسندا إليهم الكفر أو لم يكفروا في عهد موسى (بِما أُوتِيَ مُوسى) من التورية (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل (٢) القرآن بأن (قالُوا) موسى وهرون (سِحْرانِ تَظاهَرا) أي تعاونا وقرئ «ساحران» (٣) ، والمراد التورية والإنجيل أو الترية والقرآن ، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد عليه‌السلام فأخبرهم أنه نعته ، وإنه في كتابهم فرجعوا إليهم وأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : ساحران تظاهرا ، أي موسى ومحمد عليهما‌السلام (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) منهم ومن كتبهم (كافِرُونَ) [٤٨].

(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))

قوله (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أمر الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول فأتوا بكتاب (هُوَ أَهْدى مِنْهُما) أي مما أنزل على موسى ومما أنزل علي (أَتَّبِعْهُ) أنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٤٩] في قولكم ، وفيه تهكم لهم إذ لا شك أن اتيانهم بذلك محال ، ولما كان الأمر الاتيان يقتضي الإجابة قال (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي دعاءك إلى الاتيان بكتاب أهدى بحذف المفعول وزيادة اللام والذي يدل على حذف المفعول الذي هو الدعاء قوله (فَأْتُوا بِكِتابٍ) ، لأنه أمر بالاتيان وهو دعاء إلى الفعل ، أي إن لم يجيبوا دعاءك إلى الاتيان بكتاب (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) في كفرهم (وَمَنْ أَضَلُّ) استفهام للإنكار ، أي لا أحد أضل (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أي مخذولا مطبوعا على قلبه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٥٠] أي لا يلطف بالقوم الثابتين على ظلمهم ، يعني لا يرشدهم إلى دينه الحق.

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١))

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي بينا للكفار القرآن وأحكامه متتابعا متواصلا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا

__________________

(١) أهل ، ح ي : كفار ، و.

(٢) أي من قبل ، ح : أي قبل ، وي.

(٣) «سحران» : قرأ الكوفيون بكسر السين وإسكان الحاء ، وغيرهم بفتح السين وألف بعدها مع كسر الحاء ولا يخفى ترقيق الراء لورش. البدور الزاهرة ، ٢٤١.

٢٤٢

ومواعظة ونصائح (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [٥١] أي إرادة أن يتذكروا فيؤمنوا فيفلحوا.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢))

قوله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل (١) القرآن (هُمْ بِهِ) أي بمحمد عليه‌السلام أو القرآن (يُؤْمِنُونَ) [٥٢] لأنه مذكور في كتبهم ، نزل في أهل الكتاب من المؤمنين (٢) ، وقيل : في أربعين من مسلمي الإنجيل (٣).

(وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣))

(وَإِذا يُتْلى) أي القرآن (عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل نزول القرآن (مُسْلِمِينَ) [٥٣] أي مؤمنين بمحمد عليه‌السلام والاستئناف الأول بأنه تعليل للإيمان (٤) والثاني بانا (٥) بيان لقوله (آمَنَّا بِهِ).

(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤))

(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ) أي يعطون ثوابهم (مَرَّتَيْنِ) في موضع المصدر ، والمراد من المرة الضعف ، أي يضعف لهم أجرهم ضعفين لإيمانهم بالكتاب الأول وبالآخر (بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على العمل بالكتابين والإيمان بهما أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب (وَيَدْرَؤُنَ) أي يدفعون (بِالْحَسَنَةِ) وهي شهادة أن لا إله إلا الله (السَّيِّئَةَ) أي الشرك أو يدفعون بالطاعة المعصية المتقدمة أو بالحلم الأذى (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (يُنْفِقُونَ) [٥٤] في الطاعة.

(وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))

قوله (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ) أي الشتم والأذى من المشركين (أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا) للاغين (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) سلام توديع ومتاركة لا نعارضكم في شيء لأنا (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [٥٥] أي لا نريد مخالطتهم وصحبتهم ، نزل فيمن أسلم فأوذي (٦) ، ونسخ بآية السيف (٧).

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦))

ونزل حين حرص النبي عليه‌السلام على إيمان أبي طالب قوله (٨)(إِنَّكَ لا تَهْدِي) كل (مَنْ أَحْبَبْتَ) لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره (٩) لأنك عبد لا تعلم الغيب (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فيدخله في الإسلام ، لأنه عالم الغيب يميز المطبوع القلب عن غيره ، وهو معنى قوله (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [٥٦] أي القابلين بالهدى من غيرهم.

(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

قوله (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ) شرط ، جزاؤه (نُتَخَطَّفْ) أي نسلب (١٠) ، نزل فيمن لم يسلم خوفا من

__________________

(١) أي من قبل ، ح : أي قبل ، وي.

(٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٢٩.

(٣) نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٢٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٢٠ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٤٩.

(٤) به ، + و.

(٥) بانا ، ح و : بأنه ، ي.

(٦) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٤٩.

(٧) أخذ المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٣٥٠ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٧٢ ؛ وابن الجوزي ، ٤٦ ـ ٤٧.

(٨) عن الزجاج ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٢٢ ؛ والواحدي ، ٢٨٢ (عن سعيد بن المسيب عن أبيه) ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٩) غيره ، و : غيرهم ، ح ي.

(١٠) نسلب ، ح ي : نسب ، و.

٢٤٣

الكفار (١) ، أي نحن قليلون أن نتبع الهدى يتخطفونا (مِنْ أَرْضِنا) مكة ووبخهم الله بقوله (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) أي أو لم ننزلهم مكة (حَرَماً آمِناً) أي في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن سكانه بحرمته ، وكانت العرب في الجاهلية يتناحرون وهم آمنون في حرمهم لا يخافون من السبي والقتل وهم يعبدون غيري ، فكيف يخافون لو أسلموا (يُجْبى) بالياء والتاء (٢)(إِلَيْهِ) أي إلى الحرم يجمع (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي كل لون من ألوان الثمرات من كل ناحية (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أي من عندنا ، مفعول له ، أو حال بمعنى مرزوقا من ثمرات متخصصة بالإضافة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٥٧] أن ذلك رزق من لدنا ، ولو علموا ذلك لعلموا أن الخوف والأمن من عند الله.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨))

قوله (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) تخويف لأهل مكة من سوء العاقبة لتبديلهم الكفر بالشكر ، أي أهلكنا قرية كثيرة (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) أي فرحت من معيشتها بنزع الخافض أو ظرف ، أي أيام معيشتها ، وأصل البطر دهش يعتري من سوء احتمال النعمة والقيام بحقها ، وهو أن لا يحفظ حق الله في النعمة ، لأنهم أكلوا رزق الله وعبدوا غيره من الأصنام فأهلكهم الله بالعذاب في الدنيا (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) أي بيوتهم انظروا إليها واعتبروا فيها بقيت خالية (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا) سكونا (قَلِيلاً) وهو ساعة أو يوم للمسافرين (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) [٥٨] لتلك المساكن من ساكنيها ، أي تركناها على حال لا يسكنها أحد.

(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩))

(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) أي لم يعذب أهلها في كل زمان (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) أي في أم القرى (٣) ، يعني مكة أو أكبرها ، قرئ بضم الألف وكسرها (٤)(رَسُولاً) وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عام في كل رسول ، وأم القرى هي التي يسكن (٥) فيها الأشراف ، لأن الرسول أنما يبعث غالبا إلى الأشراف (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي القرآن ترغيبا وترهيبا ، وهذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم لأنه أعلم بكمال فضله ، إن عادته ليست أن يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم ولا يهلكهم إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسول ، ولذا أردفه بقوله (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [٥٩] بالشرك.

(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠))

(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي الذي أعطيتم من مال في الدنيا (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أي فهو ما تنتفعون به أيام حياتكم وتتزينون به ولا يبقى دائما ، يعني أنتم وما أوتيتم من أسباب التمتع في الدنيا إلى فناء (وَما عِنْدَ اللهِ) أي والذي وعد لكم من الأجر والفضل الثابت عنده تعالى (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك (وَأَبْقى) لأنه دائم لا يفني (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [٦٠] أن الباقي خير من الفاني فتؤمنون (٦) ، بالتاء والياء (٧).

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١))

قوله (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) أي الجنة أو النصر (فَهُوَ لاقِيهِ) أي مصيبه ، نزل في النبي عليه‌السلام وأبي

__________________

(١) نقله عن البغوي مختصرا ، ٤ / ٣٥١.

(٢) «يجبى» : قرأ المدنيان ورويس بالتاء الفوقية ، وغيرهم بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ٢٤٢.

(٣) أي في أم القرى ، ح : أي أم القرى ، ي ، أم القرى ، و.

(٤) «فِي أُمِّها» : قرأ الأخوان بكسر الهمزة وصلا ، وغيرهما بضمها كذلك ، والجميع يبتدئون بضم الهمزة ، وأجمعوا على كسر الميم في الحالين. البدور الزاهرة ، ٢٤٢.

(٥) يسكن ، ح ي : تسكن ، و.

(٦) فتؤمنون ، وي : فتؤمنوا ، ح.

(٧) «تعقلون» : قرأ أبو عمرو بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٤٢.

٢٤٤

جهل (١) أو في كل مؤمن وكافر (٢) ، وهو استفهام إنكار للتسوية ، والفاء في (أَفَمَنْ) للتعقيب ، والفاء في (فَهُوَ) للتسبب ، أي أفذلك الذي وعد بالوعد الحسن الذي يلاقيه (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو خبر (أَفَمَنْ) المبتدأ ، يعني أبعد هذا التفاوت الظاهر بينهما يساوي بين أهل الدنيا وأهل الآخرة (ثُمَّ هُوَ) أي أهل الدنيا (يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [٦١] أي الذين أحضروا النار ، و (ثُمَّ) فيه لتراخي حال الإحضار عن حال التمتيع لا لتراخي وقته عن وقته لتحققهما في وقت واحد هنا.

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢))

(وَ) اذكر (يَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي يدعوهم (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٦٢] أي تزعمونهم شركائي بحذف المفعولين.

[سورة القصص (٢٨) : آية ٦٣]

(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣))

(قالَ الَّذِينَ حَقَّ) أي وجب (عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي مقتضى قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(٣) ، وهم رؤساء الكفر أو رؤساء الشياطين وهو العذاب الدائم ، ومقول «قال» (رَبَّنا هؤُلاءِ) أي السفلة أو الأتباع ، مبتدأ ، و (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) أي أغويناهم بمعنى أضللناهم صفته ، والعائد إلى (الَّذِينَ) محذوف ، وخبر المبتدأ (أَغْوَيْناهُمْ) بعده ، والكاف في (كَما غَوَيْنا) صفة مصدر محذوف ، أي أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا ، أي أضللناهم كما ضللناهم لم نكرههم على الغي ، إنما غووا باختيارهم مع تسويلنا لهم ووسوستنا لا بالقسر والإلجاء فلا فرق بين غينا وغيهم (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ومن كفرهم وعبادتهم فصاروا (٤) أعداءلنا ، وكذبوا علينا (ما كانُوا) أي لم يكونوا (إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [٦٣] إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم.

(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤))

(وَقِيلَ) أي قال للكفار والحزنة (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي الأصنام لتخلصكم (٥) من العذاب وهو توبيخ وتهديد لمن يعبد الأصنام (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي لم يجيبوهم بنفع ما (وَ) عند ذلك (رَأَوُا الْعَذابَ) الموعود لهم ثم أخبر تعالى (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) [٦٤] في الدنيا ، شرط جوابه محذوف وهو لما رأوا العذاب أو لما اتبعوهم في الدنيا أو المعنى : لما رأوا العذاب تمنوا لو كانوا مهتدين كاهتداء المسلمين ف «لو» حينئذ للتمني.

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥))

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي اذكر يوم يسألهم الله تعالى تبكيتا لهم بالاحتجاج عليهم بارسال الرسل وإزاحة العلل يوم القيامة (فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [٦٥] في التوحيد.

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦))

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) أي فصارت الأنباء كالعمى عليهم جميعا من الهول ، يعني التبست عليهم الحجج وانسدت طرق الأخبار فلا يهتدى إليهم ليخبروا بالاعتذار (يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) [٦٦] بل يسكتون حيرة وانقطاعا لا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس في المشكلات في الدنيا ليلقن السائل الحجة ، لأنهم تساووا في العجز عن الجواب ثم ، والمراد بالنبأ الخبر عما أجاب المرسل إليه رسوله.

__________________

(١) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٥٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٢٣ ؛ والواحدي ، ٢٨٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٣١.

(٢) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٥٢٣.

(٣) هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣.

(٤) فصاروا ، ح : فصارت ، وي.

(٥) لتخلصكم ، ح و : ليخلصكم ، ي.

٢٤٥

(فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧))

(فَأَمَّا مَنْ تابَ) من الكفر (وَآمَنَ) بالله ورسوله (وَعَمِلَ صالِحاً) أي عملا مرضيا عند الله (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [٦٧] أي الناجين من العذاب وبدخول الجنة ، فانظر كيف جمع بين الإيمان والعمل الصالح لرجاء الفلاح.

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))

قوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) نزل لما قيل (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١) ، أي وربك لا يبعث الرسل بأخبار المرسل إليهم بل يختار بالرسالة لمن يشاء ، ونفى اختيارهم بقوله (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي الاختيار ، يعني ليس لهم أن يختاروا شيئا ما ، ف (ما) نفي على هذا ، ويجوز أن يكون موصولا مفعول (يَخْتارُ) ، والعائد محذوف ، أي يختار الذي لهم فيه الخيرة وصلاحهم فالخيرة التخير (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى) عن ما (يُشْرِكُونَ) [٦٨] أي الله بريء من إشراكهم وجرأتهم على الله باختيارهم ما لا يختار.

(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ) أى تضمر (صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) [٦٩] من القول.

(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))

(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي المعبود بالحق هو الله لا غير (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي هو مستحقه في الدارين ، والتحميد على وجه اللذة في الآخرة وفي الدنيا على وجه الكلفة ، وحمد الآخرة قولهم : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، الحمد لله الذي صدقنا وعده ، والحمد لله رب العالمين (وَلَهُ الْحُكْمُ) أي القضاء بين عباده (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٧٠] في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١))

قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) نبه فيه على اختصاص الربوبية له تعالى بصنعة الليل والنهار لمصلحة الخلق ليعتبروا به فينتهوا عن عبادة غيره ويوحدوه ، فقال : قل يا محمد لكفار مكة أخبروني (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) أي متصلا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) تطلبون فيه بعض معاشكم ، وإنما لم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال بليل تسكنون فيه بعد لأن الضياء ضوء الشمس ، وله فوائد كثيرة سوى التصرف في المعاش ليست في النهار لتبصر تلك به لأنه لأجل التصرف في المعاش وحده ، والظلام أيضا ليس بتلك المنزلة ، فذكر الضياء أبلغ من ذكر النهار ولذلك قرن السمع بالضياء بقوله (أَفَلا تَسْمَعُونَ) [٧١] أي المواعظ سماع تدبر لأن السمع يدرك ما لا يدرك البصر من ذكر منافع الضياء ووصف فوائده.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢))

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) أي دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ) أي تستقرون وتستريحون (فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [٧٢] قدرة الله فتؤمنون به ، وقرن الإبصار بسكون الليل لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه فلا حاجة إلى تقرير فوائد الظلام لتذكر السماع.

__________________

(١) الزخرف (٤٣) ، ٣١. نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٥٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٥٤.

٢٤٦

(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣))

ثم قال (وَمِنْ رَحْمَتِهِ) أي من رحمة الله ونعمته (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي في الليل (وَلِتَبْتَغُوا) أي لتطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه في النهار ، يعني أن الله زاوج بين الليل والنهار لثلاثة أغراض للسكنى في الليل ولطلب الرزق في النهار ولإرادة الشكر منكم مطلقا ، دل عليه قوله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [٧٣] أي في كل وقت.

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤))

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي اذكر يوم يدعوهم (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٧٤] أنهم لي شركاء ، كررت هذه الآية لزيادة توبيخ الكفار وللإيذان بأن لا شيء أجلب لغضب الله من الشرك به كالتوحيد في مرضاته.

(وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥))

(وَنَزَعْنا) أي أخرجنا (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) وهو نبيهم يشهد عليها ، لأن الأنبياء يشهدون عليهم بما كانوا عليه من الشرك وعدم قبول رسالتهم (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي حجتكم أن لله شريكا فعجزوا (فَعَلِمُوا) حينئذ (أَنَّ الْحَقَّ) أي التوحيد في الألوهية (لِلَّهِ وَضَلَّ) أي غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٧٥] أي يدعون من الكذب والباطل وهو ألوهية غير الله تعالى.

(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦))

ثم زاد النصح والعبرة بقوله (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) آمن به أو ابن عمه أو خالته ولم ينصرف لعجمته وتعريفه وكان يلقب بالمنور لحسن صوته ، وكان يقرأ التورية من قبله ولكنه نافق كما نافق السامري وكان عاملا لفرعون (فَبَغى عَلَيْهِمْ) أي فظلم (١) على بني إسرائيل من البغي وهو الكبر ، أي تكبر عليهم وبظلمه وكفره وكثرة ماله وتكبر على موسى بتكذيبه ومخالفة أمره (وَآتَيْناهُ) أي أعطيناه (مِنَ الْكُنُوزِ ما) أي الذي (إِنَّ مَفاتِحَهُ) جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل : هي الخزائن (٢) ، جمع مفتح بالفتح (لَتَنُوأُ) أي لتثقل (بِالْعُصْبَةِ) وهي الجماعة الكثيرة ، أي تثقلهم ، والباء للتعدية ، من أناءه إذا أثقله حتى أماله ، وقيل : هو مقلوب (٣) ، أي لتنوء بها العصبة من ناء بكذا نهض به مثقلا ، قوله (أُولِي الْقُوَّةِ) صفة «العصبة» ، أي كانت خزائنه كثيرة أو مفاتيحها كثيرة تثقل الأمة القوية ، وهي ما بين العشرة إلى السبعين ، قيل : «كانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا ، لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع وكانت من جلود» (٤)(إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) أي بنو إسرائيل (لا تَفْرَحْ) بحطام الدنيا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [٧٦] أي البطرين بالمال ولم يشكروا على ما أعطوا.

(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧))

(وَابْتَغِ) أي اقصد (فِيما آتاكَ اللهُ) من الغنا والثروة (الدَّارَ الْآخِرَةَ) بأن تخرج الأموال في الطاعة هنا فتنال (٥) الأجر ثم (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ)(٦) ما تحتاج إليه (مِنَ الدُّنْيا) تأخذه وتخرج (٧) الباقي (وَأَحْسِنْ) إلى عباد الله

__________________

(١) أي فظلم ، وي : أي وظلم ، ح.

(٢) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٣٥٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٣٤.

(٣) نقله المصنف عن البغوي ، ٤ / ٣٥٦.

(٤) ذكر وكيع عن الأعمش عن خيثمة نحوه ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٢٦.

(٥) فتنال ، وي : فينال ، ح.

(٦) أي ، + وي.

(٧) تأخذه وتخرج ، ح و : تخرجه وتأخذ ، ي.

٢٤٧

فيما افترض عليك (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ) أي لا تعص بالبغي والظلم (فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [٧٧] وقيل : إن القائل هو موسى عليه‌السلام (١).

(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨))

(قالَ) قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ) أي المال (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) هما ظرفان ، الأول حال والثاني صفة له ، أي أوتيته مستحقا لما في من العلم ، قيل : كان قارون اعلم بني إسرائيل بالتورية (٢) ، وقيل : هو علم الكيمياء (٣) ، وقيل : العلم بوجوه التجارة والكسب (٤) ، قوله (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ) توبيخ لقارون لأنه كان عالما بحال من تقدمه وهلاكه بغناه وقوته لما قرأ التورية وأخبر به موسى ، أي أو لم يعتبر بهلاك من تقدمه بكثرة المال حتى لا يغتر ولا يفتخر بقوته وكثرة ماله ، ومحل (مَنْ هُوَ أَشَدُّ) أي أقوى وأغنى (مِنْهُ) أي من قارون (قُوَّةً) بالعدد والعدد (وَأَكْثَرُ جَمْعاً) للمال كنمرود وغيره ، نصب ، مفعول (أَهْلَكَ) ، ويجوز أن يكون قوله (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) نفيا لعلمه ، لأنه ادعى العلم ولم يعلم علما يصون عن نفسه الهلاك ، وهو العلم النافع الذي نفى النفوس عن مصارع الهالكين والعلم الذي ادعاه خلاف (٥) ذلك (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [٧٨] أي الله عالم بحال المجرمين فلا يسأل عن ذنوبهم يوم القيامة بل تعاقبهم بالنار بلا حساب ، ووجه اتصاله بما قبله ظاهر ، لأنه لما ذكر قارون أنه ممن أهلك من القرون المجرمين ذكره بعده على سبيل التهديد له ، أي الله مطلع على ذنوبهم خبير بأعمالهم لا يحتاج إلى سؤالهم (٦) عنها بل يأمرهم إلى النار بلا توقف ، وقيل : لا يسأل عن ذنوبهم سؤال النجاة بل يسألون سؤال التعذيب (٧).

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩))

(فَخَرَجَ) قارون يوما (عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) للعرض على بغلة بيضاء ، عليها سرج ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه ، وقيل : عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهم الحلي والديباج (٨)(قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) من المسلمين متمنين مثل ما له على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر ، وقيل : «متمنين إياه ليتقربوا به إلى الله وينفقوه في سبيل الخير» (٩)(يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) من المال وهذا هو الغبطة ، وقيل : كانوا كفارا (١٠)(إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ) أي بخت (عَظِيمٍ) [٧٩] في الدنيا.

(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠))

(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهم الزاهدون في الدنيا العارفون الأشياء كما هي (وَيْلَكُمْ) بالنصب مفعول به ، عامله محذوف دعاء بالهلاك في الأصل ، استعمل في الزجر والردع عما لا يرتضى ، أي نلزمكم ويحكم إن لم ترتدعوا (ثَوابُ اللهِ) على الطاعة (١١)(خَيْرٌ) أي أفضل (لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) مما أوتي قارون ومثله في الدنيا (وَلا يُلَقَّاها) أي لا يوفق الكلمة التي تكلم بها العلماء أو الثواب لأنه بمعنى الجنة أو السيرة الحسنة ، وهي الإيمان والعمل الصالح (إِلَّا الصَّابِرُونَ) [٨٠] على الطاعة عن الشهوات.

__________________

(١) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٥.

(٢) نقله المفسر عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٢٧.

(٣) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٥.

(٤) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / / ٣٥٧.

(٥) خلاف ، ح ي : بخلاف ، و.

(٦) إلى سؤالهم ، وي : إلى سؤال لهم ، ح.

(٧) نقل المفسر هذا الرأي عن السمرقندي ، ٢ / ٥٢٧.

(٨) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٥.

(٩) عن قتادة ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٣٥.

(١٠) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٥.

(١١) الطاعة ، وي : طاعته ، ح.

٢٤٨

(فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١))

(فَخَسَفْنا بِهِ) أي بقارون (وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) قيل : كان قارون يؤذي موسى عليه‌السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي كانت بينهما حتى نزلت الزكوة ، فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، فجمعها فرآها عظيمة فمنعها من البخل لأنه استكثرها بعد الحساب ، وقال لبني إسرائيل : أن موسى يريد أن يأخذ أموالكم ، فقال : أنت كبيرنا فمربنا ما شئت ، فقال : نبرطل فلانة البغية حتى ترميه بنفسها ، فيرفضه بنو إسرائيل فجاؤا بها وجعل قارون لها ألف دينار ، فأجابتهم فجمع قارون الناس يوم عيدلهم ، وقال لموسى : مرهم وانههم فقام موسى وقال : من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه ، فقال قارون : وإن كنت أنت قال إن كنت أنا فقال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، فقال : ادعوها فأحضرت فناشدها موسى بالذي فلق البحر وأنزل التورية أن تصدق فتداركها الله ووفقها ، فقالت : بل كذبوا أن قارون جعل جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى ساجدا يبكي ، وقال : يا رب إن كنت نبيا فاغضب لي فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فانها مطيعة لك ، فقال موسى : من كان مع قارون فليثبت معه ومن كان معي فليعتزل قارون ، فاعتزلوه كلهم إلا رجلين ، فقال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق ، والحال أن قارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله وبالرحم ، وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ، ثم قال : خذيهم فانطبقت عليهم (١) ، وهو معنى قوله (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) ، يعني بداره وأمواله فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل إلى يوم القيامة (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ) أي لم يكن لقارون جند (يَنْصُرُونَهُ) أي يمنعونه (مِنْ دُونِ) أي من دون عذابه فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم وعزتي لو دعوني مرة واحدة لوجدوني مجيبا (اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) [٨١] الممتنعين من عذابنا النازل به.

(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢))

(وَأَصْبَحَ) أي حين رآه الناس كذلك تعجب (الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ) أي منزلته من الدنيا (بِالْأَمْسِ) أي بالوقت القريب منهم استعير له من اليوم الذي قبل يومك ، وتنبهوا على خطئهم فأصبحوا (يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي يضيق ، «وي» كلمة تعجب ، تنبه على الخطأ يدخل على كان مخففة ومثقلة مفصولة من الكاف على الأصح ، والكاف للتشبيه أي تنبهنا على خطئنا ما أشبه الحال بأن الله يبسط الرزق ويقدر (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ) أي لو لا من الله (عَلَيْنا) بالإيمان (لَخَسَفَ بِنا) معلوما ومجهولا (٢) ، فندموا على ما قالوه «يا ليت لنا» الآية ، ثم قالوا (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) [٨٢] تأكيد للندامة ، أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح كقارون وأصحابه.

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣))

قوله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) تعظيم للجنة وتفخيم لشأنها أي التي سمعت وصفها ، مبتدأ ، خيره (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا) أي بغيا وتكبرا عن الإيمان (فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) أي عملا بالمعاصي ، قيل : «نزل في أهل التواضع» (٣) ، يعني من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة (وَالْعاقِبَةُ) أي عاقبة الأمر وهي الاستقرار في الجنة (لِلْمُتَّقِينَ) [٨٣] الذين يتواضعون لله ويعملون عملا صالحا.

__________________

(١) وقد نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٥٩ ـ ٣٦١.

(٢) «لخسف» : قرأ يعقوب وحفص بفتح الخاء والسين ، وغيرهما بضم الخاء وكسر السين. البدور الزاهرة ، ٢٤٣.

(٣) عن علي رضي الله عنه ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦٢.

٢٤٩

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤))

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ثوابا (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالمعصية (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) وضع موضع الضمير ، أي فلا يجزون (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٨٤] أي مثله ، وهذا من فضله العظيم أن لا يجزى السيئة ولا بمثلها ويجزى الحسنة بعشرة أمثلها أو أزيد.

(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥))

قوله (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) نزل بعد خروجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغار وجاء جحفة فاشتاق مكة ، لأنها مولده وموطنه وبها عشيرته وحرم إبراهيم عليه‌السلام (١) ، أي إن الذي أوجب عليك تلاوة القرآن والعمل بما فيه وإبلاغه (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) عظيم أي إلى مكة بالغلبة والقهر لأنه قد أخرج منها أو لرادك إلى الجنة لأن آدم كان فيها فأخرج فرد ولده إليها ، ولما وعد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعود إلى مكة بعد قول المشركين له إنك لفي ضلال مبين حال كونه خارجا عنها نزل (٢)(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) يعني نفسه (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٨٥] يعني الكفار فيجازي كلا بعمله.

(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦))

ثم أكد وعده بعوده إلى مكة بقوله (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي القرآن (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي لرحمة منه ، فهو قادر على أن يردك إلى مكة لرحمة منه ، ف (إِلَّا رَحْمَةً) استثناء متصل حملا على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة ، أي ما ألقي إليك لوجه إلا لوجه الرحمة ، وقيل : منقطع و «إلا» بمعنى «لكن» ، أي لكن الله رحمك (٣) ، وأعطاك القرآن فاعمل به (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً) أي ناصرا (لِلْكافِرِينَ) [٨٦] بالعمل بقولهم ارجع إلى دين أبائك.

(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧))

(وَلا يَصُدُّنَّكَ) أي لا يصرفنك (عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي بعد وقت إنزاله ، و «إذ» يضاف إليه اسم الزمان كيومئذ وحينئذ (وَادْعُ) الخلق (إِلى رَبِّكَ) أي إلى توحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [٨٧] أي معهم في شركهم.

(وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))

ثم أكد النهي عن الشرك ووحد نفسه فقال (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا خالق ولا رازق غيره فلا يستحق العبادة إلا هو (كُلُّ شَيْءٍ) في الدنيا (هالِكٌ) أي يجوز عليه الهلاك والفناء فيهلك قطعا (إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا ذاته عز وعلا ، فانه باق لا يفني والوجه يعبر عن الذات ، وقيل معناه «إلا ما أريد به وجه الله» (٤) من العمل لا يفني لأن ثوابه باق (لَهُ الْحُكْمُ) أي حكم كل شيء (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٨٨] في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.

__________________

(١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٣٦٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٣٧.

(٢) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ٤ / ٣٦٣.

(٣) عن الفراء ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٣٧.

(٤) عن أبي العالية ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٦٤.

٢٥٠

سورة العنكبوت

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢))

قيل : نزل في أناس من أصحاب النبي عليه‌السلام ، قد جزعوا من المشركين كعمار وياسر وصهيب وكانوا يعذبون في الله (١)(الم [١] أَحَسِبَ النَّاسُ) وقيل : عير المشركون وأهل الكتاب المسلمين حين أصيبوا في أحد ، فشق ذلك عليهم (٢) ، فقال تعالى على سبيل العموم أظن الناس (أَنْ يُتْرَكُوا) أي يهملوا (أَنْ يَقُولُوا) أي لأن يقولوا (آمَنَّا) بالله (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [٢] بالتعذيب والقتل والأمر والنهي ، أي والحال أنهم لا يمتحنون بما يظهر إيمانهم ، يعني لا بد من امتحانهم ، ومفعولا «حسب» صلة «أن» الأولى التي اشتملت على مسند ومسند إليه بمنزلة المفعولين ، قالوا إذا أحب الله عبدا جعله للبلاء غرضا ، والفتنة الامتحان بشدائد التكليف بالمجاهرة والمجاهدة بأنفسهم وأعدائهم وسائر العبادات وهجر الشهوات والفقر والقحط وأنواع المصائب وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣))

(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أي اختبرنا (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل هذه الأمة كالأنبياء والأولياء ببلايا ، فمنهم من قتل بالعذاب ومنهم من نشر بالمنشار ومنهم من عذب بأنواع العذاب كالمشط بأمشاط الحديد فلم يعدل عن دينه (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي فليظهرن الله في الوجود بعد علمه في العدم بالامتحان الصادقين في إيمانهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [٣] فيه فيثيب الصادقين ويعاقب الكاذبين.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤))

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي أظن المسيئون (أَنْ يَسْبِقُونا) أي أنهم يفوتوننا فلا نقدر على الانتقام منهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [٤] أي بئس حكما يحكمونه حكمهم وهو المخصوص بالذم.

(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦))

قوله (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) نزل في جميع المسلمين (٣) ، أي من يأمل ثوابه ويخشى عقابه وحسابه (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي فليعلم أن أجل الله المضروب للثواب والعقاب (لَآتٍ) فليعمل لأجله قبل الفوت (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [٥] بأقوالكم وأعمالكم أو نزل في علي وحمزة وعبيد بن الحارث رضي الله عنهم حين بارزوا يوم بدر

__________________

(١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٢٣٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٦٥.

(٢) قد أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٦٥.

(٣) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣١.

٢٥١

عتبة وشيبة والوليد بن عتبة (١) ، وكذا نزل فيهم (٢)(وَمَنْ جاهَدَ) جهاد حرب أو جهاد نفس بأن يمنعها عما تأمر به ويحملها على ما تأباه من الطاعات (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) حسب ، لأن ثواب جهاده راجع إليه ، وإنما أمر الله ونهى رحمة لعباده (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [٦] وعن طاعاتهم ، لأنه (٣) لا يحتاج إلى شيء ما.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧))

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) باسقاط عقابها بثواب الحسنات (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [٧] أي أحسن جزاء أعمالهم.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي عهدناه وأمرناه بأن يفعل بهما (٤) فعلا ذا حسن وحكم وصي حكم أمر في التصرف لأن تعديته (٥) بالباء ، ومعناه الإلزام ، يقال وصيته بأن يفعل خيرا كما يقال أمرته بأن يفعل (وَإِنْ جاهَداكَ) أي وقلنا له إن جاهداك (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لا علم لك بالألوهية (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٨] أي إلى رجوع من آمن منكم ومن أشرك فأخبركم بأعمالكم فأجازيكم حق جازائكم ، قيل : نزلت آية الوصية في سعد بن أبي وقاص وأمه حين آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعرفت أمه إيمانه فامتنعت من الأكل والشرب ليكفر ويرتد ، فقال والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت بمحمد عليه‌السلام (٦).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي المؤمنون الصالحون (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي) مدخل (الصَّالِحِينَ) [٩] أي الجنة ، والصالحون هم الأنبياء والأولياء وكل من صلحت سريرته مع الله تعالى.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠))

قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) نزل فيمن ارتد بعد الإيمان ، وهم أناس آمنوا بألسنتهم فاذا مسهم أذى من المشركين صرفهم عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر (٧)(فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي في طاعته أو الإسلام (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) أي عذابهم إياه هنا (كَعَذابِ اللهِ) ثمه ، المعنى : أنه ساوى بين العذابين فخاف من العاجل وأهمل الآجل ، وفيه تنبيه لكل مسلم أن يصبر على الأذى في الله تعالى (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ) أي دولة للمؤمنين كالغلبة والغنيمة (مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ) أي المرتدون (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي تابعين لكم في دينكم فأعطونا نصيبا من المغنم ، فقال تعالى مخبرا عن كذبهم (أَ) يقولون ذلك (وَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) [١٠] من الإيمان والكفر ، وهذا اطلاع منه للمؤمنين على ما أبطنوه من الكفر.

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١))

ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين بقوله (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) حقيقة (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) [١١] في إيمانهم ، فانهم (٨) لم يصبروا على الأذى وارتدوا.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٣١.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣١.

(٣) لأنه ، وي : ـ ح.

(٤) بهما ، وي : ـ ح.

(٥) تعديته ، وي : التعدية ، ح.

(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٣١ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٨٤ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٦٦.

(٧) اختصره المصنف من البغوي ، ٤ / ٣٦٧ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٤٢.

(٨) فانهم ، وي : ـ ح.

٢٥٢

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أبو سفيان وأصحابه (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي لعمر بن الخطاب وأصحابه (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي ديننا (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي لنرفع عنكم إثم خطاياكم يوم القيامة ، وهو أمر معطوف على (اتَّبِعُوا) ، وقيل : هو بمعنى الجزاء للشرط معنى ، أي إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم (١) ، فقال تعالى (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) وهو مفعول «الحامل» بزيادة (مِنْ) و (مِنْ خَطاياهُمْ) حال من (شَيْءٍ) تقدم عليه لتنكره ، وهذا طريق بعض الجهلة حتى يقول لمثله أفعل هذا وإثمه في عنقي (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١٢] فيما يزعمون من قولهم إنا وأنتم لا نبعث ولئن بعثنا لنحملن آثامكم عنكم ، وقيل : هذا قول صناديد قريش لأتباعهم (٢) ، وإنما سماهم كاذبين مع أنه إنشاء الضمان وليس باخبار لأنهم يعلمون أنهم لا يقدرون على ذلك فهو إخبار في المعنى على خلاف الواقع ، ففيه تشبيه حال ضمانهم مع علمهم بعدم الوفاء بالكذب الذي هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه.

(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣))

(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي أوزارهم بسبب كفرهم ومعاصيهم (وَأَثْقالاً) من أوزار أتباعهم الذين كانوا سببا في ضلالتهم (مَعَ أَثْقالِهِمْ) غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها لأن المؤمنين لم يقبلوا هذا القول منهم ولم يعملوا تلك الخطايا ، فكيف يتصور حملها منهم (وَلَيُسْئَلُنَّ) سؤال توبيخ (يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [١٣] أي يختلقون من الأباطيل على الله.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤))

ثم ذكر قصة نوح عليه‌السلام وطول مصابرته مع ذكر سائر الأنبياء بعده ومصابرتهم على أذى قومهم تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) للدعوة إلى الإيمان (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) ينذرهم ويخوفهم لا يلتفتون إليه ، وكان عمره ألفا وخمسين سنة وبعث على رأس أربعين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة ، وإنما لم يقل تسع مائة وخمسين عاما ليكون ذكر ال «ألف» أولا أفخم في أذن السامعين ، ثم أخرج منها الخمسين إيضاحا لمجموع العدد وتكميله لتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره ، وذكر ال (سَنَةٍ) أولا وال «عام» ثانيا للمميز فرارا من تكرير اللفظ الواحد في البلاغة لا لغرض للمتكلم ، والفاء للتسبب (٣) في قوله (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) وهو الماء الكثير الذي أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل ، أي وعظهم ولم يتعظوا فاستحقوا الأخذ بالطوفان المحيط بالماء ، ويطلق الطوفان على الظلام المحيط والقتل الذريع والموت الكثير أيضا ، قوله (وَهُمْ ظالِمُونَ) [١٤] أي والحال أنهم مشركون بيان سبب أخذهم الطوفان ، فان نوحا لما نصحهم في هذه المدة وهم يؤذونه أذن له في الدعاء عليهم فغرقوا بالطوفان بسبب ظلمهم لأنفسهم.

(فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥))

(فَأَنْجَيْناهُ) أي نوحا من الطوفان (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) قيل : كانوا ثمانية وسبعين نفسا ، نصفهم ذكور ونصفهم إناث ، منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم (٤)(وَجَعَلْناها) أي السفينة أو الواقعة (آيَةً لِلْعالَمِينَ) [١٥] أي عبرة لهم ، يعني لمن رآها ولمن لم يرها بسماع خبرها.

(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦))

(وَإِبْراهِيمَ) أي اذكر إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ) أي العمل بالتقوى (خَيْرٌ لَكُمْ) من

__________________

(١) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٤٢.

(٢) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٢.

(٣) للتسبب ، ح ي : للتسبيب ، و.

(٤) هذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٣.

٢٥٣

الكفر والمعصية (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [١٦] ذلك فتومنون.

(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧))

(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي ما تعبدون من دونه إلا (أَوْثاناً) أي أصناما (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي تختلقون كذبا وهو تسميتهم الأوثان الهة وشركاء لله (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) أي لا يقدرون أن يعطوكم رزقا قليلا (فَابْتَغُوا) أي اطلبوا (عِنْدَ اللهِ) أي من الله (الرِّزْقَ) أي جميع الرزق ، لأنه هو الرزاق وحده (وَاعْبُدُوهُ) أي وحدوه (وَاشْكُرُوا لَهُ) فيما ينعم عليكم من الرزق (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [١٧] أي إلى الله مصيركم بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم.

(وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))

(وَإِنْ تُكَذِّبُوا) رسولي (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) رسلهم فأهلكتهم فكان ضرر تكذيبهم الرسل لأنفسهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [١٨] أي البلاغ الذي ظهر صدقه وزال معه الشك باقترانه بآيات الله ومعجزاته.

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))

(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم ينظروا ولم يروا ، يعني كفار مكة (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) يخلقه ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم شخصا سويا ثم يميته (ثُمَّ يُعِيدُهُ) حيا وقت البعث وهو معطوف على جملة قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ) ، لأنه في معنى تحقق أن الله يبدئ الخلق لأن الاستفهام التقريري خبر في الحقيقة (إِنَّ ذلِكَ) أي البدء والإعادة بعد الموت (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ [١٩] قُلْ) يا محمد لأهل مكة (سِيرُوا) أي سافروا (فِي الْأَرْضِ) لتعتبروا أمر البعث (فَانْظُرُوا) أي فاعتبروا (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أي خلقه ابتداء على غير مثال (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بالمد والقصر (١) ، أي البعث للجزاء ، وإنما أظهر الله فيه بعد إضماره في بدء الخلق للتنبيه على أن الذي علموه بادئ الخلق باسم الله هو معيدهم المسمى بالله لا يعجزه شيء (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أمر البعث وغيره (قَدِيرٌ) [٢٠] المعنى : إذا قدر على بدء الخلق أو لا فهو على إنشائه وإحيائه بعد الموت أقدر.

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١))

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) بالكفر وبسيئات (٢) الأمر (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) بالإيمان وجمع الشمل كما يشاء (٣) لا معترض ولا مفترض عليه تعالى (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [٢١] أي تردون فيجازيكم بأعمالكم.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢))

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي فائتين من الله وحكمه وإن هربتم منه (فِي الْأَرْضِ) الفسيحة (وَلا فِي السَّماءِ) التي هي أفسح من الأرض وأبسط لو كنتم فيها ، يعني لا مخلص لكم من الله أينما تكونوا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من دون عذابه (مِنْ وَلِيٍّ) أي من قريب (وَلا نَصِيرٍ) [٢٢] أي مانع يمنعكم من عذابه.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤))

قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي القرآن (وَلِقائِهِ) أي البعث (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) وعيد لهم ، أي

__________________

(١) «النشأة» : قرأ المكي والبصري بفتح الشين وألف بعدها ، والباقون باسكان الشين وحذف الألف. البدور الزاهرة ، ٢٤٤.

(٢) بسيئات ، ح : سيئات ، وي.

(٣) كما يشاء ، ح ي : ـ و.

٢٥٤

يئسون يوم القيامة ، لأنهم كافرون بالله وينبغي للمؤمن أن يكون راجيا لله خائفا على كل حال ، قالوا إن جعلت قوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) إلى قوله (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٢٣] من كلام إبراهيم فالمراد من الأمم قبلهم قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم ويكون قوله (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) من كلام الله تعالى ، حكاه إبراهيم عليه‌السلام لقوله ، وإن جعلت هذه الآيات إنذارا لقريش فهي اعتراض في قصة إبراهيم لإرادة التنفيس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتسلية له بأن إبراهيم خليل الله كان مبتلا بنحو ما ابتلى به رسوله من شرك قومه وعبادتهم الأوثان فاعترض بقوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) يا معشر قريش محمدا فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها.

ثم عقبها سائر الآيات لبيان التوحيد ودلائله وهدم الشرك وتوهين قواعده وصفة قدرة الله وسلطانه ووضوح حجته وبرهانه.

ثم رجع من هذا الاعتراض إلى جواب قوم إبراهيم في حقه بقوله (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أي ما أجاب قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الإيمان (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي قال بعضهم لبعض أو قال واحد منهم ورضي الباقون به ، فكأنهم قالوا جميعا (اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) فلم تحرقه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنجائه من تلك النار (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [٢٤] بالله توحيده ، روي : أنه لم ينتفع الناس في ذلك اليوم الذي ألقي إبراهيم في النار بالنار التي عندهم وذلك لذهاب حرها (١).

(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥))

(وَقالَ) إبراهيم (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) بنصب (مَوَدَّةَ) وإضافتها إلى «بين» على الاتساع ، أي إنما اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف ، فنصب (مَوَدَّةَ) مع الإضافة وغيرها مفعول ثان ل «اتخذ» ، و «ما» كافة أو مفعول له ، أي لتوادوا فمن نون ال (مَوَدَّةَ) نصب (بَيْنِكُمْ) على الظرفية ، وقرئ بالرفع (٢) ، لأنه خبر «إن» بمعنى المفعول واسمها «ما» بمعنى الذي والعائد محذوف و (أَوْثاناً) مفعول ثان أو حال ، أي إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة ، أي مودود بينكم أو هي خبر مبتدأ محذوف ، أي هي مودة تتوادون لها وتتواصلون (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) أي تتبرأ (٣) الأصنام والرؤساء من عابديها وأتباعها (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي الأتباع الرؤساء (وَمَأْواكُمُ) أي مقركم (النَّارُ) أيها العابد والمعبود والتابع والمتبوع (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [٢٥] بالشفاعة أو القوة يوم القيامة.

(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦))

(فَآمَنَ لَهُ) أي لإبراهيم (لُوطٌ) لما رأى النار لم تحرقه وهو أول من آمن به (٤) ، وكان لوط ابن أخت إبراهيم (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ) من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ، ثم منها إلى فلسطين من الشام (٥) وهو أول من هاجر ومعه لوط وسارة ، وهاجر وهو ابن خمس وستين سنة أو سبعين ، ومن ثم قالوا لكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان (إِلى رَبِّي) أي إلى حيث أمرني بالهجرة إليه أو مهاجر إلى ربي بقهر النفس وحسن الطاعة (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ)(٦) الذي يمنعني من عدوي (الْحَكِيمُ) [٢٦] الذي لا يأمرني إلا بما هو مصلحتي.

__________________

(١) هذا مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٥.

(٢) «مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ» : قرأ المكي والبصري ورويس والكسائي برفع تاء «مودة» من غير تنوين وجر نون «بينكم» ، وقرأ حفص وحمزة وروح بنصب «مودة» من غير تنوين وجر «بينكم» ، والباقون بنصب «مودة» وتنوينه ونصب «بينكم». البدور الزاهرة ، ٢٤٤.

(٣) تتبرأ ، ح و : يتبرأ ، ي.

(٤) آمن به ، ح ي : آمن ، و.

(٥) الشام ، وي : شام ، ح.

(٦) أي ، + ح.

٢٥٥

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧))

(وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم بعد الهجرة إكراما له (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ولم يذكر إسمعيل ، لأنه قد دل عليه بقوله (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ) فانه لم يبعث نبي من بعد إبراهيم إلا من ذريته وإسمعيل منهم ، وكفى الدليل لشهرة أمره وعلو قدره (وَالْكِتابَ) أراد به الجنس ليدخل تحته ما نزل على ذريته من التورية والزبور والإنجيل والفرقان (وَآتَيْناهُ) أي إبراهيم (أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) أي الثناء الحسن والولد الصالح والصلوة عليه في آخر الزمان ، وقيل : أري له مكانه في الجنة (١) وهو في الدنيا (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [٢٧] أي هو مبعوث في زمرتهم وهم الأنبياء وأممهم التابعون لهم.

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨))

(وَلُوطاً) عطف على (إِبْراهِيمَ) ، أي واذكره (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ) بالإخبار على وجه التعيير وبالاستفهام على وجه التفخيم (لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي الفعلة البالغة في القبح (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) [٢٨] مقررة لقبح الفاحشة ، أي لم يقدم أحد قبلكم عليها لإفراط قبحها وأنتم أقدمتم عليها لخباثة طبيعتكم.

(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩))

(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) بالاستفهام على وجه التوبيخ (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) قيل : المراد من قطع السبيل عمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال (٢) ، وقيل : هو قطع طريق المارة بالفاحشة (٣) ، وقيل : قطع النسل باتيان ما ليس بحرث (٤)(وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) النادي ، والندى مجلس القوم ما داموا فيه ، و (الْمُنْكَرَ) مجامعة بعضهم بعضا في المجالس ، وقيل : الخذف بالحصى والرمي بالبنادق وشرب الخمر والصفير والفرقعة ومضغ العلك والسباب واللعب بالحمام (٥) ، قال الجنيد : «كل شيء يجتمع عليه الناس منكر إلا الذكر» (٦)(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) أي بالعذاب الموعود لنا من الله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٢٩] فيما تعدنا من نزول العذاب.

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠))

(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي) بنزول العذاب (عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) [٣٠] لحملهم الناس على ما لا يجوز شرعا طوعا وكرها ، وذكر (الْمُفْسِدِينَ) في دعائه لإرادة اشتداد غضب الله عليهم.

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١))

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) وهم الملائكة (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) أي ببشارة إسحاق ويعقوب (قالُوا) أي الرسل (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعني قرية سدوم التي قيل : فيها أجور من قاضي سدوم (٧) ، الإضافة في (مُهْلِكُوا) إضافة تخفيف ، إذ المعنى الاستقبال (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) [٣١] أي استمر منهم الظلم وهو كفرهم وألوان معاصيهم.

(قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢))

فثم قال (قالَ) إبراهيم للرسل مجادلا في شأن لوط (إِنَّ فِيها لُوطاً) لا مخبرا بكونه (٨) فيها لأنهم (٩) لما عللوا

__________________

(١) نقله المفسر عن البغوي ، ٤ / ٣٧٢.

(٢) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٦.

(٣) قد أخذ هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٧٣.

(٤) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٧٣.

(٥) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٣٦.

(٦) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٧) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٧.

(٨) بكونه ، ح و : بكونها ، ي.

(٩) لأنهم ، وي : لأنه ، ح.

٢٥٦

إهلاكها (١) بظلمهم اعترض عليهم بأن فيها من هو بريء من الظلم إظهارا للشفقة عليه والتحزن لأخيه المؤمن (قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) أي أعلم منك بحال لوط وحال قومه وامتيازه منهم (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٣٢] أي الباقين في الهلاك.

(وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣))

(وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) «أن» زائدة بعد «لما» لتأكيد وجود الفعلين بترتب وجود أحدهما على الآخر في وقتين مجاورين لا فاصل بينهما (سِيءَ بِهِمْ) أي اغتم غما شديدا عقيب إحساسه لمجيئهم ، لأنه لم يعرف أنهم ملائكة خوفا أن يتعرض قومه بهم بالفاحشة (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي قصر ذراعه عن تحمل ما لا يطاق ، وهو مثل في العجز عن فعل شيء (وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٣٣] أي الهالكين (٢).

(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤))

(إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) أي عذابا (مِنَ السَّماءِ) وهو الحجارة من ارتجز إذا اضطرب لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [٣٤] أي بعصيانهم أمر الله تعالى ، قرئ «لننجينه» (٣) و «منجوك» (٤) و «منزلون» (٥) بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد.

(وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥))

(وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها) أي من قرى لوط (آيَةً بَيِّنَةً) أي علامة ظاهرة يعتبر بها وهي آثار منازلهم الخربة أو بقية الحجارة التي أدركها أوائل هذه الأمة ، وقيل : ظهور الماء الأسود على وجه الأرض (٦) حين خسف بهم (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [٣٥] أي تركنا لقوم ذوي عقل يعتبرون به.

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦))

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي أرسلناه نبيا إليها (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي افعلوا ما ترجون به العاقبة ، وقيل : الرجاء بمعنى الخوف (٧)(وَلا تَعْثَوْا) أي لا تعملوا الفساد (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [٣٦] بنقص الكيل والوزن كيلا تعذبوا.

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧))

(فَكَذَّبُوهُ) أي شعيبا في خبره (٨) العذاب (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة الشديدة أو صيحة جبرائيل لأن القلوب ترجف لها (فَأَصْبَحُوا) أي صاروا (فِي دارِهِمْ) أي في بلدهم وأرضهم (جاثِمِينَ) [٣٧] أي باركين على الركب ميتين.

(وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا

__________________

(١) إهلاكها ، ح ي : إهلاكهم ، و.

(٢) أي الهالكين ، وي : أي هالكين ، ح.

(٣) «لننجينه» : قرأ الأخوان ويعقوب وخلف باسكان النون الثانية وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.

(٤) «منجوك» : قرأ المكي وشعبة والأخوان ويعقوب وخلف بالتخفيف ، وغيرهم بالتشديد. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.

(٥) «منزلون» : قرأ الشامي بفتح النون وتشديد الزاي ، وغيره باسكان النون وتخفيف الزاي. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.

(٦) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٧٥.

(٧) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٧.

(٨) في خبره ، ح و : في خبر ، ي.

٢٥٧

مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨))

(وَعاداً وَثَمُودَ) أي أهلكناهما يدل عليه قوله (١) «فأخذتهم الرجفة» (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) أي ظهر لكم يا كفار مكة نزول العذاب عليهم (مِنْ مَساكِنِهِمْ) إذا نظرتم إليها في أسفاركم ، يعني ظهر لكم آية في هلاكهم فاتقوا الله من عذابه ولا تشركوا به شيئا (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي ضلالتهم (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي صرفهم عن الدين (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [٣٨] أي والحال أن عادا وثمود وقومهما كانوا ذوي بصيرة عقلاء متمكنين من النظر والافتكار ، ولكنهم لم يفعلوا بل جحدوا فهلكوا أو كانوا مستبصرين معجزين في نفوسهم بدينهم ويحسبون أنهم مهتدون وهم مبطلون.

(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩))

(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) أي أهلكناهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالعلامات الواضحة (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) عن الإيمان (وَما كانُوا سابِقِينَ) [٣٩] أي فائتين عذابنا ، لأن أمرنا أدركهم فلم يفوتوه.

(فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))

(فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) لا بذنب غيره ، نصب ب (أَخَذْنا) مقدرة قبله (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) يعني قوم لوط وهي ريح عاصف فيها حصباء ، أي حجارة ، وقيل : ملك كان يرميهم بها (٢)(وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهي كانت لمدين وثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) والخسف كان لقارون وأتباعه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) والغرق كان لقوم (٣) نوح وفرعون (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي لم يعذبهم بلا جرم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [٤٠] بجرمهم ليستوجبوا العقوبة.

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))

قوله (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ)(٤) مثل للأصنام وعابديها ، شبه الأصنام ببيت العنكبوت وحال عابديها ، وهي اتخاذهم عبادة الأصنام معتمدا عليه في دينهم بحال العنكبوت في الوهن وضعف القوة وهي نسجها وعدم النفع ، أي كما لا ينفع العنكبوت بيتها من حر وبرد لا ينفع عابدي الأصنام تلك ثم ، قوله (اتَّخَذَتْ بَيْتاً) نصب على الحال من (الْعَنْكَبُوتِ) ، ويجوز أن يكون وصفا لها بزيادة الألف واللام فيها ، وليس المراد تشبيه ذواتهم بالعنكبوت بدليل (٥) مقطع التشبيه بعده ، وهو قوله (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فلو أريد تشبيه الذوات لقال (٦) وإن أوهن الحيوانات لنفس العنكبوت (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [٤١] الظاهر أنه نفي لعلمهم أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت مع أن كل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت ، ولكن في الحقيقة نفي لمعلومهم في زعمهم أن دينهم خير الأديان ، أي إذا صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت فقد ظهر أن دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون ذلك ، وقيل : معناه لا يعلمون أن هذا الاتخاذ مثلهم (٧).

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢))

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ) بالياء وبتاء الخطاب باضمار القول (٨) ، أي قل لهم إن الذي تعبدونه (مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله (مِنْ شَيْءٍ) بيان ل «ما» وهو الآلهة ، أي الله مطلع عليكم وعلى أعمالكم فيجازيكم ، وفيه تهديد

__________________

(١) قوله ، ح : ـ وي.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٨.

(٣) لقوم ، ح و : بقوم ، ي.

(٤) أي ، + ح.

(٥) ذكر ، + وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٤٨.

(٦) لقال ، وي : ليقال ، ح.

(٧) لعل المفسر اختصر هذا المعنى من القرطبي ، ١٣ / ٣٤٥.

(٨) «يدعون» : قرأ عاصم والبصريان بالياء التحتية ، وغيرهم بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٢٤٥.

٢٥٨

لهم ، قوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٤٢] في تجهيل لهم حيث عبدوا ما ليس بشيء ، لأنه جماد لا علم له ولا قدرة أصلا وتركوا عبادة العالم القادر القاهر على كل شيء ، (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل شيئا إلا بحكمة وتدبير.

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣))

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها) أي نبينها (لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها) أي ما يفهم فائدة ضربها (إِلَّا الْعالِمُونَ) [٤٣] بالله والعاملون بطاعته وهو نفي قول السفهاء من قريش «أن محمدا يضرب المثل بالذباب والعنكبوت» ويضحكون من ذلك.

(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤))

ثم بين أنه ما خلق شيئا باطلا بقوله (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وما بينهما (بِالْحَقِّ) أي بالغرض الصحيح الذي هو الحق لا الباطل وهو كونهما مساكن عباده ودلائل على وحدانيته وعظم قدرته ، فلذا قال بعده (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [٤٤] أي لعبرة لهم لأنهم ينتفعون بها.

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي القرآن واعمل بما فيه (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي أتمها في مواقتيها (إِنَّ الصَّلاةَ) المعروفة وهي الصلوة التي تصلي بالخشوع والتقوى بعد التوبة النصوح (تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وهما ما لا يجوز شرعا من الكبائر والصغائر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم تنهه صلوته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» (١) ، وروي عن الحسن أنه قال لرجل : «إذا لم تنه صلوتك عن الفحشاء فلست بمصل» (٢) ، وقيل : يا رسول الله إن فلانا يصلي بالليل كله فاذا أصبح سرق ، فقال «ستنهاه صلوته فانتهى» (٣) ، وقيل : المعنى إن الصلوة إذا صليت صادرة عمن يراعيها كما ينبغي نهته عن المنكر ، وهذا اللفظ ليس بعام بل المراد منه أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء العموم ، أي لا بد أن يكون مراعي الصلوة أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها (٤)(وَلَذِكْرُ اللهِ) إياكم بالرحمة (أَكْبَرُ) من ذكركم إياه بالطاعة.

يل : «ذكر الله أشد نهيا عن الفحشاء والمنكر إذا دوام عليه من نهي الصلوة» (٥) أو القرآن عنهما (٦) ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : وما ذلك يا رسول الله؟ قال : ذكر الله» (٧) ، وقيل : المراد أن تذكر الله تعالى ناظرا إلى جلالته وعظمته وقدرته وتنزيهه عن كل شيء سواه (٨) ، وقيل : المراد بذكر الله الصلوة ، ووصفها بالكبر ليستقل بالتعليل كأنه قال والصلوة أكبر من كل عمل لأنها ذكر الله (٩)(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) [٤٥] من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب.

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦))

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) أي الذين (١٠) لم ينصبوا الحرب (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي الخصلة الحسنى كمقابلة

__________________

(١) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، ٦ / ٢٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٣٩ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٧٧.

(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٣٩.

(٣) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، ٦ / ٢٩٠ ، ٢٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.

(٤) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.

(٥) ذكر ابن عون نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٧٧.

(٦) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٣٧٧.

(٧) رواه مالك ، القرآن ، ٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٧٨.

(٨) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.

(٩) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.

(١٠) الذين ، وي : الذي ، ح.

٢٥٩

الخشونة باللين والغضب بالحلم ، وقيل : هي كلمة الشهادة (١) أو الكف عنهم إذا بذلوا الجزية (٢) أو بالحجة القاطعة على توحيد الله (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بنصب الحرب ومنع الجزية وإثبات الشريك والولد لله تعالى ، فلا تناظروهم بالحسنى بل بالغلظة أو لا تناظروا الظالمين البتة بل مكنوا السيف منهم لفرط عنادهم فلا ينفعهم الرفق ، قوله (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أي القرآن والتورية (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) وهو خالق كل شيء (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [٤٦] مخلصون بالتوحيد بيان للكلمة التي هي أحسن ، قيل : نزل حين قال بعض المسلمين يا رسول الله إن اليهود قد يقرؤون التورية بالعبرية ويفسرونها بالعربية أنصدقهم أم نكذبهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا «آمنا» إلى آخر الآية (٣) ، أي أخبروهم أنكم تؤمنون بالله وجميع كتبه وإنه ربنا وربكم ، قيل : نسخت هذه الآية مع ما قبلها بقوله (٤)(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ صاغِرُونَ)(٥).

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧))

(وَكَذلِكَ) أي مثل هذا الإنزال (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) مصدقا لسائر الكتب السماوية وهو تحقيق لقوله «وقولو آمنا» الآية (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية كعبد الله بن سلام وأصحابه من قبل النبي عليه‌السلام من أهل الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ) أي من أهل مكة (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي القرآن (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) [٤٧] مع ظهورها وزوال الشبهة عنها وهم كعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨))

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ) يعني أنت أمي ، ما عرفك قط أحد بتلاوة كتاب ما (وَلا) خط (تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) وذكر اليمين وهي الجارحة التي يداول (٦) بها الخط لزيادة تصوير لنفي كونه كاتبا ألا يرى أنه يقال فلان يكتب بيمينه إذا أريد كونه متوليا للكتابة حقيقة (إِذاً لَارْتابَ) أي لشك (الْمُبْطِلُونَ) [٤٨] يعني لو كنت تعرف شيئا من القراءة والكتابة لارتاب مشركو مكة في نبوتك ولقالوا تعلمه من أحد أو كتبه بيده ، وإن النبي المبعوث (٧) عندنا لا يحسن الكتابة فليس هذا ، ومعنى كونهم مبطلين أنهم كفروا به وهو أمي بعيد من الريب ، ولو لم يكن أميا لارتابوا أشد الريب ، فحين ليس بكتاب وقارئ فلا وجه لارتيابهم فيكونون قائلين بالبطلان.

(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩))

(بَلْ هُوَ) أي القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ) أي بينات الإعجاز يقينا (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) به ، أي حفظوه وعلموه ، وكونه معجزا محفوظا في الصدور من خصائص القرآن ، لأن من تقدم كانوا لا يقرؤون كتبهم إلا نظرا ، فاذا أطبقوه لم يعرفوا منه شيئا سوى الأنبياء ولم يكن معجزات (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) الواضحة (إِلَّا الظَّالِمُونَ) [٤٩] أي المتوغلون في الظلم المكابرون وهم اليهود أو المشركون.

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠))

(وَقالُوا لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ) مفردا (مِنْ رَبِّهِ) أي علامة (٨) منه تعالى كما أنزلت على من قبله من الآية ، وقرئ جمعا (٩)(قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) نزل حين قالوا هلا نزل عليه آية على صدقه كالناقة والعصا

__________________

(١) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٢ / ٥٤٠.

(٢) لعل المصنف اختصره من البغوي ، ٤ / ٣٧٩.

(٣) عن أبي نملة الأنصاري ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٨٠.

(٤) عن قتادة ومقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٧٩ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٥٠ ؛ وانظر أيضا قتادة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ٤٥ ؛ والنحاس ، ٢٠٥ ؛ هبة اللة بن سلامة ، ٧٣ ؛ وابن الجوزي ، ٤٧.

(٥) التوبة (٩) ، ٢٩.

(٦) يداول ، وي : تداول ، ح.

(٧) المبعوث ، ح : المنعوت ، وي.

(٨) علامة ، وي : العلامة ، ح.

(٩) «آيات» : قرأ ابن كثير وشعبة والأخوان وخلف بحذف الألف بعد الياء على الإفراد ، والباقون باثباتها على الجمع ورسمها بالتاء. البدور الزاهرة ، ٢٤٦.

٢٦٠