نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن العزيز

أبي بكر محمّد بن عزيز السجستاني

نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن العزيز

المؤلف:

أبي بكر محمّد بن عزيز السجستاني


المحقق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

تصدير

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون) [٣ ـ آل عمران : ١٠٢].

(يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا) [٤ ـ النساء : ١].

(يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) [٣٣ ـ الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١].

أما بعد ، فهذا كتاب «نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن العزيز» من تأليف الإمام أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني أحد أئمة التفسير في مطلع القرن الرابع الهجري ، استغرق في تأليفه خمس عشرة سنة يحرّره هو وشيخه أبو بكر ابن الأنباري (ت ٣٢٨ ه‍) ولم يؤثر عن مؤلفه ـ رحمه‌الله ـ أنه وضع كتابا غيره لشدّة عنايته به.

وقد ألّفه على حروف المعجم ، بينما كان المؤلفون في الغريب يؤلفون كتبهم على ترتيب السور والآيات في المصحف الشريف فجاء كتابه مرتّبا مختارا للأرجح والأصح من أقاويل الثقات من المفسّرين ، وغدا مصدرا ينهل من معينه المفسّرون والقراء والفقهاء ، ويعتمد عليه أرباب اللغة والفصاحة والعلماء.

وقد شّرفني الله عزوجل لخدمة هذا الكتاب النفيس ، فقمت بتحقيق نصوصه

٥

ومقابلتها على عدة أصول خطّيّة ، وعلّقت عليه تعليقات استفدتها من كتب الأئمة المعتبرين في غريب القرآن كأبي عبيدة ، والفراء ، وابن قتيبة ، وأبي عبد الرحمن اليزيدي وغيرهم ، ومن كتب التفسير المعتمدة كتفسير مجاهد بن جبر بن الحجاج المكي ، ومحمد بن جرير الطبري وغيرهما ، ومن معاجم اللغة كالصحاح للجوهري ، وتهذيب اللغة للأزهري ، وغيرهما .. وضبطت نصوصه ، وشرحت غريب ألفاظه ، وذيلته بجملة من الفهارس الفنّية التي تساعد القارىء على استخراج مسألته منه بسهولة ويسر.

أرجو الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل عملي هذا ويجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن يدّخر ثوابه في صحائف أعمالي (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) [٢٦ ـ الشعراء : ٨٨] وأرجو القارىء الكريم أن يعذرني عما يرى فيه من خطإ أو زلل فالعصمة لله وحده ، وأن يدعو لي بظهر الغيب دعوة صالحة بالرحمة والغفران ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بيروت في ١٥ ربيع الأول ١٤٠٨ ه‍

الفقير إلى رحمة ربه

يوسف المرعشلي

٦

مقدمة التحقيق

* ترجمة المؤلف أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني.

* قيمة كتاب نزهة القلوب.

* منهج التحقيق ، ووصف النسخ الخطية المعتمدة.

٧
٨

أبو بكر محمّد بن عزيز السجستاني (*)

عصره وبيئته ـ اسمه ونسبه ـ فضله ـ شيوخه ـ مؤلفاته ـ وفاته

عصر السجستاني :

شهد السجستاني آخر القرن الثالث وأول القرن الرابع الهجري وهو العصر الذهبي من عصور الإسلام علميا وسياسيا وحضاريا ، ففيه بلغت الفتوحات أقاصي الأرض ، وانتشرت دعوة الإسلام في أرجاء المعمورة ، وفيه استقرّت العلوم ، وظهر نوابغ الفكر والأدب ، وكان السجستاني يقيم في بغداد ، عاصمة الخلافة ، ومركز العلوم ، فلا غرو أن يتأثر ببيئته العلمية الرفيعة ، ويتخرّج على أيدي العلماء الكبار ، ويعاصر النخبة الممتازة من المفكرين.

فمن الناحية السياسية ، كانت الخلافة لا تزال بيد بني العباس ، وقد عاصر السجستاني ثلاثة منهم (١) وهم : الخليفة المقتدر بالله جعفر بن المعتضد ، الذي تولى الخلافة عام ٢٩٥ ه‍ / ٩٠٧ م ، عقب أخيه المكتفي ، وله ثلاث عشرة سنة ، ولم يل

__________________

(*) ترجم للسجستاني كلّ من : الدارقطني في المؤتلف والمختلف ٤ / ١٧٥٠ ـ ١٧٥١ ، وعبد الغني الأزدي في المؤتلف والمختلف ص ٩٨ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٤ وفي تلخيص المتشابه في الرسم ١ / ٤٣١ ، وابن ماكولا في الإكمال ٧ / ٥ ، والسمعاني في الأنساب ٨ / ٤٤٤ ـ ٨٤٥ ، وابن خير الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه ص ٦١ ـ ٦٣ ، وأبو البركات ابن الأنباري في نزهة الألباء ص ٢٣١ ، وابن نقطة في المستدرك ص ٧٠ ، وابن الأثير في اللباب في تهذيب الأنساب ٢ / ٣٣٨ ، وابن الأبار في معجمه ص ١٦٤ و ٢٨٠ ، والتجيبي في برنامجه ص ٤٨ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢١٦ ، وفي المشتبه ص ٤٦١ ، والصفدي في الوافي بالوفيات ٤ / ٩٥ ، وابن حجر في تبصير المنتبه ٣ / ٩٤٨ ، والسيوطي في بغية الوعاة ١ / ١٧١ ، والداودي في طبقات المفسّرين ٢ / ١٩٣ ، والزبيدي في تاج العروس ١٥ / ٢٢٨.

(١) السيوطي ، تاريخ الخلفاء : ٣٧٨.

٩

الخلافة قبله أصغر منه ، واستوزر عليّ بن عيسى ، فسار بعفّة وعدل وتقوى ، وقد استمر في الخلافة (٢٥) سنة حتى عام ٣٢٠ ه‍ / ٩٣٢ ه‍ ، ثم وليه القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد سنتين وكان سفّاحا بطّاشا ، ثم وليه الراضي بالله أبو العباس محمد بن المقتدر حتى سنة ٣٢٩ ه‍ / ٩٤١ م ، وكان سمحا كريما ، أديبا شاعرا فصيحا محبّا للعلماء.

وانعكست الحياة السياسية على الحياة الاجتماعية والعلمية ، واستمر التدوين الذي انطلق مع القرن السابق ، واتّسعت دائرته لتشمل كل أنواع العلوم ، وقد تم خلال هذا العصر وضع أهم الكتب المصنّفة ، كما لمع في هذا العصر الأئمة الأعلام في فروع المعارف والعلوم ، كابن جرير الطبري ، وابن دريد ، وأبي الحسن الأشعري ، والإمام النسائي صاحب «السنن» ، وأبي إسحاق الزجاج ، وأبي بكر بن الأنباري ...

اسم السجستاني ونسبه :

هو الإمام محمّد بن عزيز ، أبو بكر ، العزيزيّ ، السجستانيّ.

أما نسبته بالسجستاني ، فلأنه من ناحية سجستان ، ذكرها ياقوت في معجم البلدان ٣ / ١٩٠ فقال : قال الإصطخري : أرض سجستان سبخة ورمال حارّة ، بها نخيل ، ولا يقع بها الثلج ، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل ، وتشتدّ رياحهم وتدوم ، واسم مدينتها زرنج ، وبينها وبين هراة عشرة أيام ، وهي جنوبي هراة. وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ، وهم فرس ، وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء ، إلا قليل نادر ، وبها كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة ، ولهم فقهاء وعلماء على حدة. ومنها الإمام أبو داود السجستاني ، صاحب «السنن» ، ويقال في النسبة إليها أيضا : سجزي.

وقد انقسم العلماء في ضبط نسبته «العزيزيّ» إلى فريقين ، فقال بعضهم : هو بزايين معجمتين ، نسبة لوالده «عزيز» ، وقال آخرون : آخره راء غير معجمة ، نسبة لبني عزرة ، وقال آخرون بل نسبة لعزير والده ؛ واحتجّ كل فريق لقوله بأدلّة. وقد طغى هذا الخلاف في نسبة السجستاني على ترجمته في معظم المصادر ، حتى أن ابن ناصر

١٠

السلامي (ت ٥٥٠ ه‍ / ١١٥٥ م) أفرد فيه رسالة مستقلة (١). وسنذكر أقوال كل فريق وأدلته بشيء من التفصيل ، حسب أسبقيتهم في الزمن ، ونرجّح القول الصائب منها.

الفريق الأول وأدلته :

ذهب أصحاب هذا الفريق إلى القول أنه «العزيزيّ» بزايين معجمتين ، وأصحاب هذا القول هم : ابن خالويه (ت ٣٧٠ ه‍ / ٩٨٠ م) والدارقطني (ت ٣٨٥ ه‍ / ٩٩٥ م) وعبد الغني الأزدي (ت ٤٠٩ ه‍ / ١٠١٨ م) والخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ ه‍ / ١٠٧٠ م) والأمير ابن ماكولا (ت ٤٧٥ ه‍ / ١٠٨٢ م) وابن خير الإشبيلي (ت ٥٧٥ ه‍ / ١١٧٩ م) وأبو البركات ابن الأنباري (ت ٥٧٧ ه‍ / ١١٨١ م) وابن الأبار (ت ٦٥٨ ه‍ / ١٢٥٩ م) والفيروز آبادي (ت ٨١٧ ه‍ / ١٤١٤ م) والحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م) وجلال الدين السيوطي (ت ٩١١ ه‍ / ١٥٠٥ م) وشمس الدين الداودي (ت ٩٤٥ ه‍ / ١٥٣٨ م) والزبيدي محمد مرتضى (ت ١٢٠٥ ه‍ / ١٧٩٠ م). وهؤلاء الأئمة من أعلام اللغة والأدب ، ومنهم اثنان معاصران للسجستاني وهما ابن خالويه والدارقطني.

أما ابن خالويه الحسين بن أحمد (ت ٣٧٠ ه‍ / ٩٨٠ م) ، فقد كان زميلا للسجستاني ، إذ كانا يدرسان معا عند ابن الأنباري ، أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار (ت ٣٢٨ ه‍ / ٩٣٩ م) يقول ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (٢) : «وذكر أبو مروان الطبني عن ابن خالويه النحوي ، قال : كان ابن عزيز رجلا متواضعا ديّنا من غلمان ابن الأنباري ، وعمل هذا الكتاب في طول عمره ، ورأيته يصححه عليه ويجبره بالشيء فيزيده فيه ...» وقال في موضع آخر (٣) : «وذكر أبو عمرو ـ الداني ـ عثمان بن سعيد المقرىء رحمه‌الله قال : سمعت فارس بن أحمد الضرير المقرىء يقول : قال الحسين بن خالويه : كان أبو بكر بن عزيز معنا عند أبي بكر بن الأنباري ، فلما ألّف كتابه في غريب القرآن ابتدأ بقراءته

__________________

(١) انظر ما ذكره الفيروز آبادي حول هذه الرسالة في القاموس المحيط (عزز) والزبيدي في تاج العروس (عزز).

(٢) ابن خير ، فهرسة ما رواه عن شيوخه : ٦٣.

(٣) المصدر نفسه.

١١

على سبيل التصحيح على أبي بكر بن الأنباري ، فمات ابن عزيز ولم تكمل قراءته على أبي بكر» وهذا تصريح من معاصر للسجستاني ، زميل له ، نقل إلينا اسمه عن قرب ، وهو يفيد العلم اليقيني الجازم الذي لا يتطرّق الشكّ إليه ، فكيف إذا أضيف إليه قول رجل آخر معاصر أيضا للسجستاني ، وزميل له ، ألا وهو الدارقطني!؟.

وأما الدارقطني ، أبو الحسن علي بن عمر (ت ٣٨٥ ه‍ / ٩٩٥ م) ، فهو علم من أعلام الحديث الشريف ورجاله ، ومن كبار النقّاد وثقاتهم ، وهو واضع كتابي «المؤتلف والمختلف» و «المتشابه» من الأسماء ، ورائد هذا الفن ، وقد ذكر الصفدي في «الوافي» (١) أنه كان معاصرا للسجستاني فقال : «وكان معاصره» وذكر الحافظ ابن حجر في «تبصير المنتبه» (٢) : «أنه لقيه وجالسه ، وسمع معه ومنه» ، ونقل كل من ترجم للسجستاني عن الدارقطني أنه قال في نسبته «العزيزي» وقد رجعت لكتابه «المؤتلف والمختلف» (٣) الذي طبع مؤخّرا فلم أجد ذكر العزيزي السجستاني في موضعه من هذه النسبة ، ووجدت تعليقا للمحقق في الحاشية يقول فيه : «ذكر الذهبي في المشتبه ٢ / ٤٦١ : محمد بن عزيز السجستاني وقال : وقد تمّ الوهم فيه على الدارقطني ، وعبد الغني ، والخطيب ، وابن ماكولا فقالوا عزيز بزاي مكررة ... قال ابن ناصر الدين الدمشقي في التوضيح ٢ / ٣١٩ : ولم أقف على ترجمة ابن عزير هذا في كتاب الدارقطني الذي كتبه عبد الغني المقدسي بخطه ... قلت ـ أي المحقق ـ وكذا لا يوجد في النسختين في كتاب المؤتلف للدارقطني في هذا الموضع ، والله تعالى أعلم». ويظهر أن الدارقطني ذكر كلامه عن ابن عزيز في كتاب آخر من كتبه الكثيرة في هذا الشأن ، ونقل لاحق العلماء عن سابقهم قوله من مصدره ، ومهما يكن من أمر ، فإن كلام الدارقطني ثابت عند العلماء المتقدمين (٤) ، ولا يخفى ما لقوله من شأن في توثيق نسبة زميله «العزيزي».

__________________

(١) الصفدي ، الوافي بالوفيات ٤ / ٩٥.

(٢) ابن حجر ، تبصير المنتبه ٣ / ٩٤٨.

(٣) الدارقطني ، المؤتلف والمختلف ٤ / ١٧٥٠ ـ ١٧٥١. المطبوع بتحقيق موفّق عبد القادر ، بيروت ، دار الغرب الإسلامي ، ط ١ ، ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م.

(٤) انظر قول الدارقطني عند التجيبي في برنامجه : ٤٦ ، والصفدي في الوافي ٤ / ٩٥ ، والذهبي في المشبته ٢ / ٤٦١ ، وابن حجر في تبصير المنتبه ٣ / ٩٤٨.

١٢

وأما الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري (ت ٤٠٩ ه‍ / ١٠١٨ م) صاحب كتابي «المؤتلف والمختلف» و «مشتبه النسبة» وهما من أول الكتب الموضوعة في هذا الفن أيضا ، فقد وافق الدارقطني بنسبة السجستاني أنه «العزيزي» بزايين ، فضمنه في كتابيه ، وكان قولاهما عمدة لأصحاب هذا الرأي عند المتأخرين (١).

وأما الخطيب البغدادي ، أحمد بن علي بن ثابت (ت ٤٦٣ ه‍ / ١٠٧٠ م) فهو صاحب التصانيف الكثيرة في الحديث والرجال ، والإمام المبرّز في تمييز «المؤتلف والمختلف» و «المتشابه» من الأسماء ، ولم يكن بعد أبي الحسن الدارقطني مثله ، وقد استدرك على كتابه «المؤتلف والمختلف» بكتاب أسماه «المؤتنف في المؤتلف والمختلف» كما لخّص كتابه «المتشابه» بكتاب أسماه «تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه على بوادر التصحيف والوهم» وألّف «المتّفق والمفترق» وقد عالج في كتبه هذه أسماء الرجال واختلاف العلماء في ضبطها ، ونصّ على أن «العزيزيّ» بزايين (٢) ، نقلا عن الدارقطني وعبد الغني الأزدي ، ولم يعترض عليهما بتصويب أو مناقشة.

وأما الأمير ابن ماكولا أبو نصر سعد الملك علي بن هبة الله بن علي (ت ٤٧٥ ه‍ / ١٠٨٢ م) فقد خلف الخطيب البغدادي في علمه وإتقانه ، وله كتاب «الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب» جمعه من كتب الحفّاظ المتقدّمين ، وقال عنه النووي في «التقريب» (٣) عند ذكر كتب هذا الفن : «أحسنها وأكملها الإكمال لابن ماكولا» وقال ابن خلكان (٤) : «هو في غاية الإفادة في رفع الالتباس والضبط والتقييد ، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشأن» وقد ترجم للسجستاني في كتابه (٥) في مادة «عزيز» بزايين ، فقال : «ومحمد بن عزيز السجستاني صاحب كتاب غريب القرآن على حروف المعجم».

هؤلاء هم عمدة أصحاب القول الأول ، وهم من أعيان القرون الخمسة الأولى

__________________

(١) انظر المؤتلف والمختلف لعبد الغني الأزدي ص ٩٨.

(٢) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٤ ، والتجيبي ، برنامجه : ٤٨.

(٣) النووي ، التقريب : ٤١.

(٤) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٥.

(٥) ابن ماكولا ، الإكمال ٧ / ٥.

١٣

المعتبرة أقوالهم في «المؤتلف والمختلف» من أسماء الرجال ، وقد تبعهم المتأخرون ، فنقلوا آراءهم في كتبهم.

الفريق الثاني وأدلته :

وهم القائلون أن نسبة السجستاني العزيريّ» بالراء المهملة في آخره ، وممّن تكلّم بهذه النسبة القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله البصري (ت ٤٩٩ ه‍ / ١١٠٥ م) وأبو زكريا الخطيب التبريزي (ت ٥٠٢ ه‍ / ١١٠٨ م) ، وتبعهما على ذلك : أبو علي الصدفي (ت ٥١٤ ه‍ / ١١٢٠ م) ، والقاضي أبو بكر بن العربي (ت ٥٤٣ ه‍ / ١١٤٨ م) ، وابن ناصر السلامي (ت ٥٥٠ ه‍ / ١١٥٥ م) وأبو سعد السمعاني (ت ٥٦٢ ه‍ / ١١٩٦ م) وابن نقطة (ت ٦٢٩ ه‍ / ١٢٣١ م) وابن الأثير (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) وابن النجار (ت ٦٤٣ ه‍ / ١٢٤٥ م) والتجيبي (ت ٧٣٠ ه‍ / ١٣٢٩ م) والذهبي (ت ٧٤٨ ه‍ / ١٣٤٧ م) والصفدي (ت ٧٦٤ ه‍ / ١٣٦٢ م).

أما القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن أبي البقاء البصري (ت ٤٩٩ ه‍ / ١١٠٥ م) ، فينقل عنه السمعاني (١) أنه قال : «هو محمد بن عزير السجستاني المعروف بالعزيري ؛ لأنه من بني عزرة» وهو أول من نسبه للقبيلة ، لكن قال السيوطي (٢) : «وردّ بأن القياس فيه العزري لا العزيري».

وأما أبو زكريا الخطيب التبريزي يحيى بن علي بن محمد (ت ٥٠٢ ه‍ / ١١٠٨ م) فينقل عنه أبو البركات ابن الأنباري في «نزهة الألباء» (٣) : «وسمعت شيخنا أبا منصور موهوب بن أحمد بن الخضر الجواليقي يحكي عن أبي زكريا بن علي التبريزي أنه قال : رأيت خط أبي بكر بن عزير عليه علامة الراء غير المعجمة».

وأما أبو علي الصدفي ، حسين بن محمد بن فيرّه المعروف بابن سكّرة (ت ٥١٤ ه‍ / ١١٢٠ م) ، فينقل عنه ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (٤) : «وقال أبو

__________________

(١) السمعاني ، الأنساب ٨ / ٤٤٥.

(٢) السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ١٧١.

(٣) ابن الأنباري ، نزهة الألباء : ٢٣١.

(٤) ابن خير ، فهرسته : ٦١.

١٤

علي بن سكّرة عن بعض البغداديين أنه كان يقول : عزير ، بزاي معجمة واحدة ، بعدها راء مهملة ، والعين مهملة مضمومة أيضا». ويقول التجيبي في «برنامجه» (١) : «وقال القاضي الشهيد أبو علي الصدفي رحمه‌الله تعالى : سمعت بعض أهل بغداد يقول : إنما هو عزير بزاي ثم راء ، وكذلك كان يقوله الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن الصباح البغدادي نزيل مكة شرفها الله تعالى ورحمه».

وأما القاضي أبو بكر بن العربي ، محمد بن عبد الله (ت ٥٤٣ ه‍ / ١١٤٨ م) ، فينقل عنه ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (٢) : «وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي بالراء المهملة ، صوابه عندهم».

وأما السلامي ، محمد بن ناصر (ت ٥٥٠ ه‍ / ١١٥٥ م) فهو من المؤلفين في «المؤتلف والمختلف» كما ذكر السخاوي في «فتح المغيث» (٣) ، وهو أول من خالف المؤلفين في هذا الفن بنسبة «العزيري» في كتابه ، وساق لذلك شواهد وأدلة ، وقد نقل قوله التجيبي في «برنامجه» (٤) كاملا ، وهذا هو نصه : «الصواب محمد بن عزير بالراء ، وعزيز بالزاي المكررة تصحيف ـ قال ـ وقد ضبطه الأثبات من اللغويين بالراء ، ورأيت بخطه كتاب «الملاحن» لابن دريد ، وقد كتب عليه : لمحمد بن عزير السجستاني ، وقيّده بالراء ، والكتاب عندي بخطه ، قال : ورأيت بخط إبراهيم بن محمد الطبري المعروف بنو زور ، وكان ضابطا ، نسخة من «غريب القرآن» لابن عزير ، وقد كتبها عن المصنّف ، وقيّد الترجمة : تأليف محمد بن عزير ، بالراء غير معجمة ، وكتبت منها نسخة ، قال : ورأيت بخط محمد بن نجدة الطبري اللغوي نسخة أخرى من «غريب القرآن» لابن عزير ، وقد ضبطه عزير بالراء ، وقد كتب الكتاب عنه أيضا ، وقابلت بها نسختي» ويذكر الزبيدي في «تاج العروس» ضمن مادة (عزز) «أن ابن ناصر السلامي قد صنّف فيه رسالة مستقلة وجمع كلام الناس».

__________________

(١) التجيبي ، برنامجه : ٤٨.

(٢) ابن خير ، فهرسته : ٦١ ، وانظر برنامج التجيبي : ٤٨.

(٣) السخاوي ، فتح المغيث ٣ / ٢١٤ ، باب المؤتلف والمختلف.

(٤) التجيبي ، برنامجه : ٤٨ ، وانظر قوله في المشتبه للذهبي ص : ٤٦١ ، وسير أعلام النبلاء ١٥ / ٢١٦.

١٥

وأما أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت ٥٦٢ ه‍ / ١١٩٦ م) فقد ذكره في كتابه «الأنساب» (١) في مادة «العزيريّ» وضبطه بضم العين والزاي المفتوحة وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخرها الراء المهملة ، وذكر أن هذه النسبة تعود لأمرين : الأول النسبة لعزير الذي اختلفوا فيه هل هو نبيّ أو لا؟ والثاني النسبة لبني عزرة ، قال : «وكتاب غريب القرآن للعزيري وهو محمد بن عزير السجستاني المعروف بالعزيري ؛ لأنه من بني عزرة ، هكذا ذكره القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن أبي البقاء البصري القاضي ، وروى الكتاب عن ... ومن قال «العزيزي» بالزايين فقد أخطأ» ، وقد اعتمد السمعاني ـ كما نرى ـ على قول أبي الفرج المتقدم ، وردّ السيوطي (٢) هذا القول بأن قياس النسبة لبني عزرة «عزريّ» وليس «عزيريّ».

وأما الحافظ محمد بن عبد الغني الحنبلي المعروف بابن نقطة (ت ٦٢٩ ه‍ / ١٢٣١ م) فقد ذيّل على كتاب «الإكمال» لابن ماكولا بكتاب سماه «الاستدراك» أو المستدرك» وذكر فيه العزيري (٣) فقال : «العزيري» وقال محتجّا لهذه النسبة : «ورأيت نسخة من الكتاب بخط أبي عامر العبدري ، وكان من الأئمة في اللغة والحديث قال فيها : قال عبد المحسن الشيحي : رأيت نسخة من هذا الكتاب بخط محمد بن نجدة ، وهو محمد بن الحسين الطبري ، وكان غاية في الإتقان ترجمتها : كتاب غريب القرآن لمحمد بن عزير ـ الأخيرة راء غير معجمة. قال أبو عامر قال لي عبد المحسن : ورأيت أنا نسخة من كتاب «الألفاظ» رواية أحمد بن عبيد بن ناصح لمحمد بن عزير السجستاني ، آخره راء مكتوب بخط ابن عزير نفسه الذي لا يشك فيه أحد من أهل المعرفة» وكل ما ذكره كما رأيت راجع للكتابة لا إلى الضبط بالحروف.

وأما ابن الأثير الجزري (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) فقد اختصر كتاب «الأنساب» للسمعاني في كتابه «اللباب في تهذيب الأنساب» وذكر «العزيري» في حرف العين (٤) لكنه

__________________

(١) السمعاني ، الأنساب ٨ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٢) السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ١٧١.

(٣) ابن نقطة ، المستدرك : ٧٠.

(٤) ابن الأثير ، اللباب ٢ / ٣٣٨.

١٦

لم يتابع السمعاني بنسبة السجستاني لبني عزرة ، بل نسبه لأبيه فقال : «العزيري بضم العين وفتح الزاي ، وسكون الياء آخر الحروف وفي آخرها راء ، هذه النسبة إلى عزير الذي اختلفوا في نبوته ، ينسب إليه ... وأما محمد بن عزير العزيري السجستاني ، فهو منسوب إلى أبيه ، وهو مصنف كتاب «غريب القرآن» ومن قاله بزايين فقد أخطأ».

وأما ابن النجار ، محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود البغدادي (ت ٦٤٣ ه‍ / ١٢٤٥ م) فهو من المؤلفين في «المؤتلف والمختلف» أيضا ، وينقل عنه الذهبي في «السير» (١) أنه قال : «والصحيح عزير براء ، نقلته بخط ابن ناصر الحافظ ، وذكر أنه شاهده بخط يده ، وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه عنه وكانوا متثبّتين ـ قال ـ وذكر لي ابن الأخضر (٢) شيخنا أنه رأى نسخة بالغريب بخط مؤلفه وفي آخره : وكتب محمد بن عزير بالراء المهملة».

وقد اعتمد التجيبي والذهبي والصفدي على أقوال المتقدمين من هذا الفريق ، دونما دليل جديد يذكر.

التلخيص والترجيح :

مما تقدم يمكن حصر أقوال الأئمة في ثلاثة آراء :

١ ـ نسبته بالعزيزي لوالده عزيز ، تصغير عزيز بزايين.

٢ ـ نسبته بالعزيريّ لوالده عزير ، على اسم عزير المختلف في نبوته.

٣ ـ نسبته بالعزيري لقبيلة عزرة.

وللحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ ه‍ / ١٣٧٤ م) كلام في هذه المسألة ذكره في «مشتبه النسبة» (٣) فقال : «ومحمد بن عزير السجستاني المفسّر صاحب «الغريب» المشهور ، قال ابن ناصر وغيره : من قاله بزايين معجمتين صحّف ، ثم احتج ابن ناصر لقوله بأمور

__________________

(١) الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢١٦.

(٢) هو عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي ثم البغدادي ، محدث العراق في عصره ، صحبه ابن النجار مدةّ طويلة وقرأ عليه ، توفي سنة ٦١١ ه‍ / ١٢١٤ م (ابن العماد ، شذرات الذهب ٥ / ٤٦).

(٣) الذهبي ، مشتبه النسبة : ٤٦١.

١٧

يطول شرحها تفيد العلم بأنه براء ، وكذا ابن نقطة وابن النجار ، وقد تمّ الوهم فيه على الدارقطني ، وعبد الغني ، والخطيب ، وابن ماكولا ، فقالوا عزير بزاي مكررة ، وقد بسطت القول في ذلك في ترجمته في تاريخ الإسلام».

وقد ردّ الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م) على كلام الذهبي وفند أدلته ورجح بين جميع الأقوال المتقدمة في كتابه «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» ٣ / ٩٤٨ فقال : «هذا المكان هو محل بسط القول فيه : لأنه موضع الكشف عنه ، وقد اشتهر على الألسنة : كتاب غريب القرآن للعزيزي بزايين معجمتين. وقضية كلام ابن ناصر ومن تبعه أن تكون الثانية راء مهملة ، والحكم على الدارقطني فيه بالوهم ـ مع أنه لقيه وجالسه ، وسمع معه ومنه ، ثم تبعه النقّاد الذين انتقدوا عليه كالخطيب ثم ابن ماكولا وغيرهما ـ في غاية البعد عندي. والذي احتج به ابن ناصر أن الأثبات من اللغويين ضبطوه بالراء ... وكله راجع إلى الكتابة لا إلى الضبط بالحروف ، بل هو من قبل الناظرين في تلك الكتابات ، وليس في مجموعه ما يفيد العلم بأن آخره راء ، بل الاحتمال يطرق هذا المواضع التي احتجوا بها ، إذ الكاتب قد يذهل عن نقط الزاي فتصير راء. ثم ما المانع أن يكون فوقها نقطة فجعلها بعض من لا يميز علامة الإهمال فكيف يقطع على وهم الدارقطني الذي لقيه وأخذ عنه ، ولم ينفرد بذلك حتى تابعه جماعة. هذا عندي لا يتّجه ، بل الأمر فيه على الاحتمال ، وقد اشتهر في الشرق والغرب بزايين معجمتين إلا عند من سمّينا ، ووجد بخط السلفي أنه بزايين. وقيل براء آخره ، والأصح بزايين. والقلب إلى ما اتفق عليه الدارقطني وأتباعه أميل إلا أن يثبت عن بعض أهل الضبط أنه قيّده بالحروف لا بالقلم. وقد قلّد العبدريّ وابن ناصر في ذلك خلق من المغاربة من أقدمهم أبو علي الصدفي ، وأبو بكر بن العربي ، وتبعه أبو محمد بن عبيد الله ، وعبد الله بن الصباح البغدادي والقاسم التجيبي في آخرين ، ولا قطع في ذلك عندي ، والله أعلم. انتهى».

وقد حسم الحافظ ابن حجر في كلامه هذا الخلاف ، ورجح النسبة بالعزيزي بزايين وردّ أقوال المخالفين ، وهو الصواب الموافق للحق إن شاء الله ، وبهذا أخذ خاتمة الحفاظ الإمام السيوطي في «بغية الوعاة» (١).

__________________

(١) السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ١٧١.

١٨

سيرته وفضله وثناء العلماء عليه :

يذكر لنا الذهبي في «السير» (١) أن السجستاني كان مقيما ببغداد ، ووصفه كل من ترجم له بأنه كان أديبا ، فاضلا ، متواضعا ، ديّنا ، خيّرا ، صالحا.

وممن وصفه بهذا الوصف زميله ابن خالويه ، الحسين بن أحمد (ت ٣٧٠ ه‍ / ٩٨٠ م) وينقل لنا ابن خير في «فهرسته» (٢) قول ابن خالويه : «ذكر أبو مروان الطبني عن ابن خالويه النحوي قال : كان ابن عزيز رجلا متواضعا ديّنا».

شيوخه :

لم تذكر لنا المصادر أن السجستاني تلقى العلم عن شيخ سوى ابن الأنباري ، مع أنه كان مقيما ببغداد في القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي ، وكانت عاصمة الخلافة ، ومركز الحكم ، وكعبة العلم ومحجّة العلماء ، يعيش فيها أئمة الدين والأدب ، ويرحل إليها العلماء من كل ناحية للاجتماع بعلمائها ، والأخذ عنهم.

ولقد لازم السجستاني شيخه ابن الأنباري في بغداد مدة طويلة ، وكان من غلمانه ، يقوم بخدمته ، ويذكر أنه ألّف كتابه «غريب القرآن» خلال خمسة عشر عاما ، يعرضه على شيخه ، فينقّحه ، ويهذّب فيه ، وينقل لنا ذلك ابن خالويه (٣) فيقول : «كان ابن عزيز رجلا متواضعا ديّنا من غلمان ابن الأنباري ، وعمل هذا الكتاب في طول عمره ، ورأيته يصحّحه عليه ويجبره بالشيء فيزيده فيه» ويقول الصفدي (٤) : «وكان الدارقطني معاصره ، وأخذا جميعا عن أبي بكر محمد بن الأنباري ، ويقال إنه صنف غريب القرآن في خمس عشرة سنة ، وكان يقرؤه على ابن الأنباري وهو يصلح له فيه مواضع».

وأما شيخه أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي (٥) ، فإنه كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين ، وأكثرهم حفظا للغة. وكان زاهدا متواضعا ، أخذ

__________________

(١) الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢١٦.

(٢) ابن خير ، فهرسة ما رواه عن شيوخه : ٦٣.

(٣) ابن خير ، فهرسة ما رواه عن شيوخه : ٦٣.

(٤) الصفدي ، الوافي بالوفيات ٤ / ٩٥.

(٥) انظر ترجمته في نزهة الألباء : ١٩٧ ، وإنباه الرواة ٣ / ٢٠١ ، ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٠٦.

١٩

عن أبي العباس ثعلب وكان ثقة صدوقا ، من أهل السنّة ، حسن الطريقة. وألّف كتبا كثيرة في علوم القرآن منها كتاب «الوقف والابتداء» وكتاب «المشكل» و «غريب الحديث» و «شرح المفضليات» ... وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن ، ويملي كتبه المصنّفة ، ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفسير والأشعار كل ذلك من حفظه. وقال : «أحفظ ثلاثة عشر صندوقا» ، وهذا ما لم يحفظه أحد قبله ولا بعده. وحدّث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا من تفاسير القرآن بأسانيدها. قال أبو العباس يونس : «كان أبو بكر آية من آيات الله تعالى في الحفظ».

مؤلفاته :

لم يؤلف السجستاني كتابا سوى «غريب القرآن» ، وقد استغرق في تأليفه زهاء خمس عشرة سنة كما مرّ ، يعرضه خلالها على شيخه ابن الأنباري ، يقول ابن خالويه (١) :

«مات ابن عزيز ولم تكمل قراءته على أبي بكر» ، ويظهر أن اشتغاله بخدمة شيخه كان يملأ وقته ، ولا يدع له مجالا للتأليف ، ومع ذلك فقد نصت المصادر أنه كان يكتب كتبا لشيخه بخطّه ، يقول التجيبي (٢) : «كتب بخطّه كتاب «الملاحن» لابن دريد ، وكتاب «الألفاظ» لابن الأنباري».

وفاته :

يقول الصفدي (٣) : «توفي سنة ثلاثين وثلاث مائة أو ما دونها» ويقول الذهبي (٤) : «بقي ابن عزير إلى حدود الثلاثين وثلاث مائة» ولم يجزم بسنة وفاته أحد.

__________________

(١) ابن خير ، فهرسة ما رواه عن شيوخه : ٦٤.

(٢) التجيبي ، برنامجه : ٤٨.

(٣) الصفدي ، الوافي بالوفيات ٤ / ٩٥.

(٤) الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢١٧.

٢٠