تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

سَبَباً (٨٩)) أخذ طريقا نحو المشرق (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها) بينهم وبين الشمس (سِتْراً (٩٠)) جبلا ولا شجرا ولا تربا قوم عماة عراة عن الحق ، يقال لهم : تارج ، وتاويل ومنسك.

(كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠))

(كَذلِكَ) كما بلغ إلى المغرب بلغ إلى المشرق (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)) قد علمنا بما كان عنده من الخبر والبيان (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢)) أخذ طريقا إلى المشرق نحو الروم (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بين الجبلين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) من دون الجبلين (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣)) قول غيرهم (قالُوا) للترجمان (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يفسدون فى أرضنا يأكلون رطبنا ويحملون يابسنا ، ويقتلون أولادنا ، ويقال : يفسدون فى الأرض أى يأكلون الناس ، ويأجوج كان رجلا ، ومأجوج كان رجلا وهما كانا من بنى يافث ، ويقال : سمى يأجوج وماجوج لكثرتهم (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) جعلا ، ويقال أجرا إن قرأت بغير الألف (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)) حاجزا (قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ) ما ملكنى عليه (رَبِّي) وأعطانى (خَيْرٌ) مما تعرضون على من الجعل (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) قالوا : أى القوة تريد منا ، قال : آلة الحدادين (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥)) سدا.

(آتُونِي) اعطونى (زُبَرَ الْحَدِيدِ) فلق الحديد (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) طرفى الجبل (قالَ آتُونِي) أعطونى (أُفْرِغْ عَلَيْهِ) أصب على الحائط مقدم ومؤخر ، ثم (قالَ انْفُخُوا) فنفخوا فيه فى النار (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) يقول : صار الحديد كنار فذهب بعضه فى بعض (قِطْراً (٩٦)) صفرا (فَمَا اسْطاعُوا) فلم يقدروا (أَنْ يَظْهَرُوهُ) من أعلاه (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧)) من أسفله (قالَ هذا)

٤٨١

الحائط (رَحْمَةٌ) نعمة (مِنْ رَبِّي) عليكم (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) بخروج يأجوج ومأجوج (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) كسرا (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي) بخروجهم (حَقًّا (٩٨)) صدقا كائنا (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ) يوم الخروج ، ويقال : يوم الرجوع من الردم حيث لم يقدروا على الخروج منه (يَمُوجُ) يحول بعضهم (فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩)) جميعا (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ) كشفنا جهنم (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْكافِرِينَ) قبل دخولهم (عَرْضاً (١٠٠)) كشفا.

(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ) فى عمى (عَنْ ذِكْرِي) عن توحيدى وكتابى (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١)) الاستماع إلى قراءة القرآن من بغض محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (أَفَحَسِبَ) أفظن (الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) أن يعبدوا عبادى (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) أربابا بأن ينفعوهم فى الدنيا والآخرة ، ويقال : أفحسب أفيكفى إن قرأت بضم الحاء وجزم السين الذين كفروا أن يتخذوا عبادى أن يعبدوا عبادى من دونى من دون طاعتى أولياء أربابا (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)) منزلا (قُلْ) يا محمد (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) نخبركم (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣)) فى الآخرة (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) بطل عملهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهم الخوارج ، ويقال : أصحاب الصوامع (وَهُمْ يَحْسَبُونَ) يظنون (أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)) يعملون عملا صالحا (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَلِقائِهِ) البعث بعد الموت (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) حسناتهم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ) لأعمالهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥)) ميزانا ، ويقال : لا يوزن يوم القيامة من أعمالهم وزن ذرة (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ

٤٨٢

جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَاتَّخَذُوا آياتِي) كتابى (وَرُسُلِي) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وغيره (هُزُواً (١٠٦)) سخرية واستهزاء.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) أعلاها درجة (نُزُلاً (١٠٧)) منزلا (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فيها (لا يَبْغُونَ) لا يطلبون (عَنْها حِوَلاً (١٠٨)) تحويلا (قُلْ) يا محمد لليهود (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) لعلم ربى (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) ويقال : تدبير ربى (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)) زيادة (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) آدمى مثلكم (يُوحى إِلَيَ) جبريل (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) يخاف البعث بعد الموت (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)) لا يرائى ولا يخالط بعبادة ربه أحدا ، ويقال : بطاعة ربه أحدا ، نزلت هذه الآية فى جندب بن زهير العامرى (١).

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٥ / ٢٣٠) ، ومسلم (٤ / ٨٤٧) ، وتفسير الطبرى (١٥ / ١٦٢) ، وزاد المسير (٥ / ١٦١) ، وتفسير ابن كثير (٣ / ٩٢) ، والدر المنثور (٣ / ٢٢٩).

٤٨٣

سورة مريم

ومن السورة التى يذكر فيها مريم ، عليها‌السلام وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله جل وعزّ : (كهيعص (١)) قال هو ثناء أثنى به على نفسه ، يقول : كاف هاد عالم صادق ، ويقال كاف : كاف لخلقه ، ها : هادى لخلقه ، يا : يد الله على خلقه ، عين : عالم بأمورهم ، صاد : صادق بوعده ، ويقال : الكاف من الكريم ، والهاء من الهادى ، والياء من الحليم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق ، ويقال : من صدوق ، ويقال : هو قسم أقسم به (١) (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) يقول : هذا ذكر ربك (عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) رحمته بولد مقدم ومؤخر (إِذْ نادى رَبَّهُ) دعا زكريا ربه فى المحراب (نِداءً خَفِيًّا (٣)) أسره واخفاه من قومه (قالَ رَبِ) يا رب (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ضعف بدنى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أخذ الرأس شمطا (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)) يقول : لم أكن عندك بدعائى يا رب خائبا (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) يعنى الورثة (مِنْ وَرائِي) أى أن لا يكون من

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٥ / ٢٣٥) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ٢٦) ، وزاد المسير (٥ / ١٩٧) وتفسير القرطبى (١١ / ٦٥) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ / ٥١٠).

٤٨٤

بعدى وارث يرث حبورتى ومكانى ، ويقال : قلت ورثتى إن قرأت بنصب الخاء وكسر الفاء (١)(وَكانَتِ امْرَأَتِي) صارت امرأتى حنة أخت أم مريم بنت عمران بن ماثان (عاقِراً) عقيما من الولد (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) من عندك (وَلِيًّا (٥)) ولدا.

(يَرِثُنِي) يرث حبورتى ومكانى (٢)(وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) إن كان لهم حبورة وملك وكان آل يعقوب أخوال يحيى (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)) مرضيا صالحا فناداه جبريل ، فقال : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) بولد (اسْمُهُ يَحْيى) يسمى يحيى بإحيائه رحم أمه (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)) أى لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولدا يسمى يحيى ، ويقال : لم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى (قالَ) زكريا لجبريل (رَبِ) يا رب يا سيدى (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) من أين يكون لى ولد (وَكانَتِ امْرَأَتِي) صارت امرأتى (عاقِراً) عقيما من الولد (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)) يبوسا ، ويقال : سنى اثنان وتسعين سنة إن قرأت بكسر العين (٣) (قالَ) له جبريل (كَذلِكَ) هكذا كما قلت لك (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أى خلقه هو على هين (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) وقد جعلتك يا زكريا (مِنْ قَبْلُ) من قبل يحيى (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِ) يا رب (اجْعَلْ لِي آيَةً) علامة إذا حبلت امرأتى (قالَ آيَتُكَ) علامتك (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) لا تقدر أن تكلم الناس (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)) صحيحا بلا خرس ولا مرض.

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٦ / ٣٣) ، ومعانى الأزهرى (ص ٢٨٠) ، وزاد المسير (٥ / ٢٠٥) ، والدر المنثور (٤ / ٢٥٨).

(٢) انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٢٨٠).

(٣) انظر : السبعة (٤٠٧) ، ومعانى القراءات للأزهرى (٢٨١) ، والكشف (٢ / ٨٤) ، والبحر (٦ / ١٧٥).

٤٨٥

تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠))

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) من المسجد (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) فأشار إليهم ، ويقال : كتب لهم على الأرض (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)) صلوا لله غدوة وعشية (يا يَحْيى) قال الله ليحيى بعد ما بلغ وأدرك (خُذِ الْكِتابَ) اعمل بما فى الكتاب التوراة (بِقُوَّةٍ) بجد ومواظبة النفس (وَآتَيْناهُ) أعطيناه يعنى يحيى (الْحُكْمَ) الفهم والعلم (صَبِيًّا (١٢)) فى صغره (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أعطيناه رحمة من عندنا لأبويه (وَزَكاةً) صدقة لهما ، ويقال : صلاحا فى دينه (وَكانَ تَقِيًّا (١٣)) مطيعا لربه (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) لطيفا بوالديه (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) فى دينه قتالا فى الغضب (عَصِيًّا (١٤)) عاصيا لربه (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) سلامة ومغفرة وسعادة منا على يحيى (يَوْمَ وُلِدَ) حين ولد (وَيَوْمَ يَمُوتُ) حين يموت (وَيَوْمَ يُبْعَثُ) حين يبعث من القبر (حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ) يا محمد (فِي الْكِتابِ) فى القرآن (مَرْيَمَ) خبر مريم (إِذِ انْتَبَذَتْ) انفردت وتنحت (مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦)) مشرقة دارهم.

(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ) فأرخت من دون أهلها (حِجاباً) سترا لكى تغتسل فيه من الحيض (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها) بعد ما فرغت (رُوحَنا) رسولنا جبريل (فَتَمَثَّلَ لَها) تشبه لها (بَشَراً سَوِيًّا (١٧)) فى صورة شاب لم ينقص (قالَتْ) مريم (إِنِّي أَعُوذُ) أمتنع (بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)) مطيعا للرحمن ، ويقال : التقى كان اسم رجل سوء فظنت أنه هو ذلك الرجل فمن ذلك تعوذت منه (قالَ) لها جبريل (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ) لكى يهب الله لك (غُلاماً زَكِيًّا (١٩)) ولدا صالحا (قالَتْ) مريم لجبريل عليه‌السلام (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) من أين يكون لى ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) لم يقربنى زوج (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)) فاجرة (قالَ) لها جبريل (كَذلِكِ) هكذا كما قلت لك (قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) خلقه علىّ هين بلا أب (وَلِنَجْعَلَهُ) لكى نجعله (آيَةً) علامة وعبرة (لِلنَّاسِ) لبنى إسرائيل ولدا بلا أب (وَرَحْمَةً مِنَّا) لمن آمن به (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)) قضاء كائنا أن يكون ولدا بلا أب.

(قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً

٤٨٦

مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠))

(فَحَمَلَتْهُ) مريم وكان حمله تسعة أشهر ، ويقال : يوم واحد (فَانْتَبَذَتْ) فانفردت (بِهِ) بولادتها إياه (مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)) بعيدا من الناس (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) فألجأها الطلق (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) إلى أصل نخلة يابسة (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) الولد ، ويقال : قبل هذا اليوم (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)) شيئا متروكا لم يذكر ، ويقال : حيضة ملقاة ، ويقال : سقطة (فَناداها مِنْ تَحْتِها) من تحت أسفلها يعنى جبريل (أَلَّا تَحْزَنِي) يا مريم على ولادة عيسى (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)) نبيا ، ويقال : فناداها من تحتها إن قرأت بنصب الميم يعنى عيسى ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا نهرا صغيرا (١) (وَهُزِّي إِلَيْكِ) خذى إليك (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) بأصل النخلة فحركيها (تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥)) غضا طريا (فَكُلِي) من الرطب (وَاشْرَبِي) من النهر (وَقَرِّي عَيْناً) طيبى نفسا بولادة عيسى عليه‌السلام (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ) من الآدميين (أَحَدٌ أَ) بعد هذا اليوم (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) صمتا (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)) آدميا ، ثم اسكتى بعد ذلك حتى يتكلم بعذرك عيسى (فَأَتَتْ بِهِ) بعيسى (قَوْمَها) إلى قومها (تَحْمِلُهُ) وهو ابن أربعين يوما (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧)) منكرا عظيما (يا أُخْتَ هارُونَ) يا شبيهة هارون فى العبادة ، وكان هارون رجلا صالحا من أمثل الناس ، ويقال : كان هارون رجل سوء فضربوها به ، ويقال : كان هارون أخاها من أبيها (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) رجلا زانيا (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)) فاجرة (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) إلى عيسى عليه‌السلام ، أن كلموه (قالُوا) لها (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ) فى الحجر ، ويقال : فى السرير (صَبِيًّا (٢٩)) صغيرا ابن أربعين

__________________

(١) انظر : السبعة (٤٠٨) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ١٦٤) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ٥٠).

٤٨٧

يوما ، فتكلم عيسى عليه‌السلام (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) علمنى التوراة والإنجيل فى بطن أمى (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)) بعد الخروج من بطن أمى.

(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠))

(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) معلما للخير (أَيْنَ ما كُنْتُ) حيثما كنت وأقمت (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) بإتمام الصلاة (وَالزَّكاةِ) الصدقة (ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)) ما حييت (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) لطيفا بوالدتى (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً) فى دينى قتالا فى الغضب (شَقِيًّا (٣٢)) عاصيا لربى (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) السلامة علىّ حين ولدت من لمزة الشيطان (وَيَوْمَ أَمُوتُ) حين أموت من ضغطة القبر (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)) حين أبعث من القبر حيا (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) خبر عيسى ابن مريم (قَوْلَ الْحَقِ) خبر الحق (الَّذِي فِيهِ) فى عيسى (يَمْتَرُونَ (٣٤)) يشكون يعنى النصارى ، وقال بعضهم : هو الله ، وقال بعضهم : هو ابن الله ، وقال بعضهم : هو شريكه (ما كانَ لِلَّهِ) ما ينبغى لله (أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (إِذا قَضى أَمْراً) إذا أراد أن يخلق ولدا بلا أب (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)) ولدا بلا أب ، مثل عيسى فلما جاء عيسى بالرسالة إلى قومه ، قال : إنى عبد الله ومسيحه (وَإِنَّ اللهَ) هو (رَبِّي) خالقى ورازقى (وَرَبُّكُمْ) خالقكم ورازقكم (فَاعْبُدُوهُ) وحدوه (هذا) التوحيد الذى أمركم به (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)) دين قائم يرضاه وهو الإسلام (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) الكفار (مِنْ بَيْنِهِمْ) فيما بينهم فقال بعضهم : هو الله ، وقال بعضهم : هو ابن الله ، وقال بعضهم : هو شريكه (فَوَيْلٌ) الويل واد فى جهنم من قيح ودم ، ويقال : جب فى النار ، ويقال : ويل شدة العذاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) تحزبوا فى عيسى (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧)) من

٤٨٨

عذاب يوم القيامة (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ما أسمعهم وما أبصرهم (يَوْمَ يَأْتُونَنا) وهو يوم القيامة أن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه (لكِنِ الظَّالِمُونَ) المشركون (الْيَوْمَ) فى الدنيا (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨)) فى كفر بين بقولهم إن عيسى هو الله أو ولده أو شريكه (وَأَنْذِرْهُمْ) خوفهم يا محمد (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) من يوم الحسرة والندامة (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة ، وأهل النار النار وذبح الموت (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) فى جهله وعمى عن ذلك (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن والبعث بعد الموت (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) نملك الأرض (وَمَنْ عَلَيْها) من عليها نميتهم ونحييهم (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)) يوم القيامة نأجرهم بأعمالهم بالحسنة الحسنة وبالسيئة والسيئة.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) خبر إبراهيم (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) مصدقا بإيمانه (نَبِيًّا (٤١)) مرسلا يخبر عن الله (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ) من دون الله (ما لا يَسْمَعُ) إن دعوته (وَلا يُبْصِرُ) إن عبدته (وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢)) من عذاب الله (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي) من الله (مِنَ الْعِلْمِ) البيان (ما لَمْ يَأْتِكَ) ما لم يجىء إليك أن من عبد غير الله يعذبه الله تعالى بالنار (فَاتَّبِعْنِي) فى دين الله (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣)) أدلك إلى طريق عدل قائم يرضاه وهو الإسلام (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) لا تطع الشيطان فى عبادة الأصنام (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤)) كافرا (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ) أعلم (أَنْ يَمَسَّكَ) يصيبك (عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) إن لم تؤمن به (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥)) قرينا فى النار (قالَ) آزر

٤٨٩

(أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) عن عبادة آلهتى (يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن مقالتك (لَأَرْجُمَنَّكَ) لأسبنك ، ويقال : لأقتلنك (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)) واعتزلنى ما دمت حيا ، ويقال : اتركنى ولا تكلمنى طويلا ، ويقال : دهرا (قالَ) إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) أدعو لك ربى (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)) عالما إن أراد أن يستجيب دعوتى (وَأَعْتَزِلُكُمْ) أترككم (وَما تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (وَأَدْعُوا رَبِّي) أعبد ربى (عَسى) وعسى من الله واجب (أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي) بعبادة ربى (شَقِيًّا (٤٨)) خائبا (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ) تركهم (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) الضاحك (وَيَعْقُوبَ) ولد الولد (وَكُلًّا) إبراهيم وإسحاق ويعقوب (جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩)) أكرمناهم بالنبوة والإسلام (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) من نعمتنا ولدا صالحا ومالا حلالا (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)) أكرمناهم بالثناء الحسن.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠))

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى) خبر موسى (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) معصوما من الكفر والشرك والفواحش ، ويقال : مخلصا بالعبادة والتوحيد إن قرأت بكسر اللام (وَكانَ رَسُولاً) إلى بنى إسرائيل (نَبِيًّا (٥١)) يخبر عن الله تعالى (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ) الجبل (الْأَيْمَنِ) عن يمين موسى (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢)) أى قربناه حتى سمع صرير القلم ، ويقال : كلمناه من قريب (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا) من نعمتنا (أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣)) وزيرا (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ) خبر إسماعيل (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) إذا وعد أنجز (وَكانَ رَسُولاً) مرسلا إلى قومه (نَبِيًّا (٥٤)) يخبر عن الله (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) قومه (بِالصَّلاةِ) بإتمام الصلاة (وَالزَّكاةِ) بإعطاء الزكاة

٤٩٠

والصدقة (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)) صالحا (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) خبر إدريس (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) مصدقا بإيمانه (نَبِيًّا (٥٦)) يخبر عن الله (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧)) فى الجنة (أُولئِكَ الَّذِينَ) ذكرتهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وعيسى وإدريس وسائر الأنبياء (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) أكرمهم الله بالنبوة والرسالة والإسلام (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) من ذرية نوح وأولاده (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) إسماعيل وإسحاق (وَإِسْرائِيلَ) ومن ذرية يعقوب يوسف وإخوته (وَمِمَّنْ هَدَيْنا) أكرمنا بالإيمان (وَاجْتَبَيْنا) اصطفينا بالإسلام ومتابعة النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) إذا تقرأ عليهم (آياتُ الرَّحْمنِ) بالأمر والنهى (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)) يسجدون ويبكون من مخافة الله (فَخَلَفَ) فبقى (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد الأنبياء والصالحين (خَلْفٌ) سوء (أَضاعُوا الصَّلاةَ) تركوا الصلاة وكفروا بالله (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) اشتغلوا باللذات فى الدنيا وتزوج الأخوات من الأب وهم اليهود (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)) واديا فى جهنم (إِلَّا مَنْ تابَ) من اليهود (وَآمَنَ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠)) لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠))

ثم بين أى الجنة لهم فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) بالغائب عنهم (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)) كائنا (لا يَسْمَعُونَ فِيها) فى الجنة (لَغْواً) حلفا باطلا (إِلَّا سَلاماً) لكن يسلم بعضهم على بعض بالإكرام (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها) طعامهم فى الجنة (بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)) على مقدار بكرة وعشية فى الدنيا (تِلْكَ الْجَنَّةُ) هذه

٤٩١

الجنة (الَّتِي نُورِثُ) ننزل (مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)) من الكفر والشرك ، ويقال : مطيعا لربه (وَما نَتَنَزَّلُ) من السماء (إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) يا محمد ، فقال له جبريل : ذلك حين حبس الله عنه الوحى فيما سألته قريش عن الروح وذى القرنين وأصحاب الكهف (١)(لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) من أمر الآخرة (وَما خَلْفَنا) من أمر الدنيا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما بين النفختين (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)) لم ينسك ربك منذ أوحى إليك.

(رَبُ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب هو الله (فَاعْبُدْهُ) فأطعه (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) اصبر على عبادته (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)) أحدا يسمى الله (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) أبى بن خلف الجمحى بإنكار البعث (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦)) من القبر بعد الموت هذا ما لا يكون (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) أو لا يتعظ أبى بن خلف الجمحى (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا من نطفة منتنة (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧)) فإنى قادر على أن أحييه (فَوَ رَبِّكَ) أقسم بنفسه (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) يوم القيامة يعنى أبيا وأصحابه (وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ) لنجمعنهم (حَوْلَ جَهَنَّمَ) وسط جهنم (جِثِيًّا (٦٨)) جميعا (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) لنخرجن (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) من كل أهل دين (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩)) جرأة بالقرآن (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها) أحق بهما (صِلِيًّا (٧٠)) دخولا.

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠))

(وَإِنْ مِنْكُمْ) وما منكم من أحد (إِلَّا وارِدُها) داخلها ، يعنى النار غير النبيين والمرسلين (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١)) قضاء كائنا واجبا أن يكون (ثُمَّ نُنَجِّي

__________________

(١) انظر : السبعة (٤٠٨) ، والمحرر الوجيز لابن عطية (٤ / ٩).

٤٩٢

الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والشرك والفواحش (وَنَذَرُ) نترك (الظَّالِمِينَ) المشركين (فِيها) فى جهنم (جِثِيًّا (٧٢)) جميعا دائما (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) تقرأ عليهم على النضر وأصحابه (آياتُنا بَيِّناتٍ) بالأمر والنهى (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن والبعث ، يعنى النضر وأصحابه (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعنى أبا بكر وأصحابه (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) أهل دينين منا ومنكم (خَيْرٌ مَقاماً) منزلا (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)) مجلسا (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) قبل قريش (مِنْ قَرْنٍ) من أمم خالية (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً) أكثر أموالا وأولادا (وَرِءْياً (٧٤)) أحسن منظرا (قُلْ) لهم يا محمد (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) فى الكفر والشرك (فَلْيَمْدُدْ) فليزدد (لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) زيادة فى المال والولد فانظرهم يا محمد (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من العذاب (إِمَّا الْعَذابَ) يوم بدر بالسيف (وَإِمَّا السَّاعَةَ) وإما عذاب يوم القيامة بالنار (فَسَيَعْلَمُونَ) وهذا وعيد لهم (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) منزلا فى الآخرة وصنيعا فى الدنيا (وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥)) أهون ناصرا (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا) بالإيمان (هُدىً) بالشرائع ، ويقال : يزيد الله الذين اهتدوا بالناسخ هدى بالمنسوخ (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) الصلوات الخمس (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) خير ما يثيب الله به العباد الصلوات (وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)) أفضل مرجعا فى الآخرة (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ، يعنى العاص بن وائل السهمى (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧)) لئن كان ما يقول محمد فى الآخرة حقا لأعطين مالا وولدا فى الآخرة فرد الله عليه وقال : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) انظر فى اللوح المحفوظ أن له ما يقول (أَمِ اتَّخَذَ) اعتقد (عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨)) بلا إله إلا الله فيكون له ما يقول (كَلَّا) رد عليه لا يكون له ما يقول (سَنَكْتُبُ) سنحفظ (ما يَقُولُ) من الكذب (وَنَمُدُّ لَهُ) نزيد له (مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩)) زيادة (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) فى الجنة ونعطى غيره من المؤمنين (وَيَأْتِينا) يوم القيامة (فَرْداً (٨٠)) وحيدا خاليا من المال والولد والخير ، نزلت هذه الآية فى خباب بن الأرت ، والعاص بن وائل السهمى فى خصومة كانت بينهما.

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ

٤٩٣

الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠))

(وَاتَّخَذُوا) أى عبد أهل مكة (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) يعنى الأصنام (لِيَكُونُوا لَهُمْ) يعنى الأصنام (عِزًّا (٨١)) منعة من عذاب الله (كَلَّا) رد عليهم لا يكون لهم منعة من عذاب الله (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) سيتبرءون يعنى الأصنام من عبادة الكفار (وَيَكُونُونَ) يعنى الأصنام (عَلَيْهِمْ) على الكفار (ضِدًّا (٨٢)) عونا بالعذاب (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ) سلطناهم (عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)) تزعجهم إلى معصية الله إزعاجا وتغريهم إغراء وتشليهم إشلاء (١) (فَلا تَعْجَلْ) فلا تستعجل (عَلَيْهِمْ) بالعذاب (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)) يعنى النفس بعد النفس (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (إِلَى الرَّحْمنِ) إلى جنة الرحمن (وَفْداً (٨٥)) ركبانا على النوق (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) المشركين (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦)) عطاشا (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) لا تشفع الملائكة لأحد (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ) من اعتقد (عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧)) بلا إله إلا الله (وَقالُوا) يعنى اليهود (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨)) عزيا (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩)) قلتم قولا منكرا عظيما (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) يتشققن (مِنْهُ) من قولهم (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) تصدع الأرض (وَتَخِرُّ الْجِبالُ) تصير الجبال (هَدًّا (٩٠)) كسرا.

(أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))

(أَنْ دَعَوْا) بأن ادعوا (لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١)) عزيزا ابنا (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)) عزيز ابنا (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ما أحد فى السموات والأرض (إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣)) إلا مقرا للرحمن بالعبودية مطيعا له غير الكافر (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) حفظهم (وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤)) عالم بعددهم (وَكُلُّهُمْ

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٦ / ٢٤٧).

٤٩٤

آتِيهِ) يجىء إلى الله (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)) وحيدا بلا مال ولا ولد (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦)) يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) هونا عليك قراءة القرآن (لِتُبَشِّرَ بِهِ) أى بالقرآن (الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (وَتُنْذِرَ) تخوف (بِهِ) بالقرآن (قَوْماً لُدًّا (٩٧)) جدلا بالباطل (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) أى قبل قومك يا محمد (مِنْ قَرْنٍ) من القرون الماضية (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) هل ترى منهم أحدا بعد الهلاك (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)) أى صوتا خفيا بعد ما هلكوا ودرسوا (١).

* * *

تم بحمد الله الجزء الأول من كتاب الواضح فى تفسير القرآن الكريم

ويليه بإذن الله الجزء الثانى والأخير

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٥ / ٢٣٧) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ٧٧) ولباب النقول (١٤٥).

٤٩٥

فهرس

مقدمة فى علم التفسير........................................................... ٤

ترجمة المصنف.................................................................. ٧

توثيق الكتاب ووصفه........................................................... ٩

ومن سورة فاتحة الكتاب وهى مكية كلها........................................ ١٤

ومن سورة البقرة وهى مدنية كلها............................................... ١٦

ومن سورة التى يذكر فيها آل عمران وهى كلها مدنية............................. ٩٧

ومن سورة التى يذكر فيها النساء ، وهى كلها مدنية............................. ١٤٠

ومن سورة المائدة ، وهى كلها مدنية........................................... ١٨٥

ومن سورة الأنعام........................................................... ٢١٨

ومن السورة التى يذكر فيها الأعراف ، وهى كلها مكية.......................... ٢٥٤

ومن السورة التى يذكر فيها الأنفال............................................ ٢٩٠

ومن السورة التى يذكر فيها التوبة وهى كلها مدنية.............................. ٣٠٥

ومن السورة التى يذكر فيها يونس عليه‌السلام........................................ ٣٣٥

ومن السورة التى يذكر فيها هود ، وهى كلها مكية.............................. ٣٥٤

ومن السورة التى يذكر فيها يوسف عليه‌السلام ، وهى كلها مكية...................... ٣٧٦

ومن السورة التى يذكر فيها الرعد............................................. ٣٩٧

ومن السورة التى يذكر فيها إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهى كلها مكية..................... ٤٠٨

ومن السورة التى يذكر فيها الحجر ، وهى كلها مكية............................ ٤١٩

ومن السورة التى يذكر فيها النحل............................................ ٤٢٩

ومن السورة التى يذكر فيها بنو إسرائيل........................................ ٤٤٩

ومن السورة التى يذكر فيها الكهف........................................... ٤٦٧

ومن السورة التى يذكر فيها مريم ، عليها‌السلام....................................... ٤٨٤

٤٩٦