تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

المذلة (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) بمحمد والقرآن (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) بلا جرم (ذلِكَ) الغضب والمسكنة (بِما عَصَوْا) أى عصوا الله فى السبت (وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)) بقتل الأنبياء واستحلال المحارم (لَيْسُوا سَواءً) أى ليس من آمن من أهل الكتاب كمن لم يؤمن (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) يقول : منهم جماعة عدلة مهتدية بتوحيد الله ، وهو عبد الله بن سلام وأصحابه (يَتْلُونَ) يقرءون (آياتِ اللهِ) القرآن (آناءَ اللَّيْلِ) ساعات الليل فى الصلاة (وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)) يصلون لله.

(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) وبجملة الكتب والرسل (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بالبعث بعد الموت ونعيم الجنة (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالتوحيد واتباع الموت (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الكفر والشرك واتباع الجبت والطاغوت (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يبادرون فى الطاعات (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)) من صالحى أمة محمد ، ويقال : مع صالحى أمة محمد فى الجنة مثل أبى بكر وأصحابه (وَما يَفْعَلُوا) يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه (مِنْ خَيْرٍ) مما ذكرت ويقال : من إحسان إلى محمد وأصحابه (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) يعنى لن ينسى ثوابهم بل يثابوا عليه (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)) الكفر والشرك والفواحش عبد الله بن سلام وأصحابه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد والقرآن : كعب وأصحابه (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) كثرة أموالهم (وَلا أَوْلادُهُمْ) كثرة أولادهم (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أهل النار (هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦)) دائمون.

(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) يقول : مثل نفقة اليهود فى اليهودية (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) حر أو برد (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) زرع قوم (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بمنع حق الله منه (فَأَهْلَكَتْهُ) أحرقته كذلك الشرك يهلك النفقة كما أهلكت الريح الزرع (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بذهاب منفعة زرعهم ونفقتهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)) بالكفر ومنع حق الله من الزرع.

ثم نهى الله المؤمنين الأنصار وغيرهم عن محادثة اليهود وإفشاء السر إليهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا) يعنى اليهود (بِطانَةً) وليجة (١)(مِنْ دُونِكُمْ)

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للزجاج (١ / ٤٦٦) ، وتفسير الطبرى (٤ / ٤٠) ، وزاد المسير (١ / ٤٦٦) ، ومفردات الأصبهانى (٦٧) ، وتفسير القرطبى (٤ / ١٧٨) ، والنكت للماوردى (١ / ٣٤٠).

١٢١

من دون المؤمنين المخلصين (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) لا يتركون الجهد فى فسادكم (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) تمنوا أن أثمتم وأشركتم كما أشركوا (قَدْ بَدَتِ) ظهرت (الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) على ألسنتهم بالشتم والطعن (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) ما يضمرون فى قلوبهم من البغض والعداوة (أَكْبَرُ) من ذلك (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) أى علامة الحسد (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)) ما يقرأ عليكم ، ويقال : قد بينا لكم الآيات ، يعنى الأمر والنهى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) لكى تعلموا ما أمركم به (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) أنتم يا معشر المؤمنين (تُحِبُّونَهُمْ) يعنى اليهود لقبل المصاهرة والرضاعة (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) لقبل الدين (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) تقرون بجملة الكتب والرسل وهم لا يقرون بذلك (وَإِذا لَقُوكُمْ) يعنى منافقى اليهود (قالُوا آمَنَّا) بمحمد والقرآن وأن صفته ونعته فى كتابنا (وَإِذا خَلَوْا) رجع بعضهم إلى بعض (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ) أطراف الأصابع (مِنَ الْغَيْظِ) من الحنق (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) بحنقكم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩)) بما فى القلوب من البغض والعداوة (إِنْ تَمْسَسْكُمْ) تصيبكم (حَسَنَةٌ) الفتح والغنيمة (تَسُؤْهُمْ) ساءهم ذلك ، يعنى اليهود والمنافقين (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) القحط والجدوبة والقتل والهزيمة (يَفْرَحُوا بِها) يعجبوا بها (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم (وَتَتَّقُوا) معصية الله (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) عداوتهم وصنيعهم شيئا (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من المخالفة والعداوة (مُحِيطٌ (١٢٠)) عالم.

(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠))

١٢٢

(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) خرجت من المدينة يوم أحد (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) تتخذ للمؤمنين بأحد (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أمكنة لقتال عدوهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتكم (عَلِيمٌ (١٢١)) بما يصيبكم وبترككم المركز (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ) أضمرت قبيلتان من المؤمنين بنو سلمة وبنو حارثة ، (أَنْ تَفْشَلا) أن تجبنا عن قتال العدو يوم أحد (وَاللهُ وَلِيُّهُما) حافظهما ولاهما عن ذلك (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢)) وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله فى النصرة والفتح (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) يوم بدر (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) قليلة ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فى أمر الحرب ولا تخالفوا السلطان الذى معكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)) لكى تشكروا نصرته ونعمته.

(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يوم أجد (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) مع عدوكم (أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) أن ينصركم ربكم (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤)) من السماء لنصرتكم (بَلى) يكفيكم (إِنْ تَصْبِرُوا) مع نبيكم فى الحرب (وَتَتَّقُوا) معصيته ومخالفته (وَيَأْتُوكُمْ) يعنى أهل مكة (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) من وجه مكة (يُمْدِدْكُمْ) بنصركم (رَبُّكُمْ) على عدوكم (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)) معلمين ، ويقال : متعممين بعمائم الصوف (وَما جَعَلَهُ اللهُ) ما ذكره الله المدد (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) بالنصرة والدولة (وَلِتَطْمَئِنَ) ولتسكن (قُلُوبُكُمْ بِهِ) بالمدد (وَمَا النَّصْرُ) بالملائكة (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) من الله (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمِ (١٢٦)) بالنصرة والدولة لمن يشاء ، ويقال : الحكيم بما أصابكم يوم أحد (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) يقول : لو أنزل المدد لم ينزل الملائكة إلا ليقتل جمعا (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) يهزمهم (فَيَنْقَلِبُوا) يرجعوا (خائِبِينَ (١٢٧)) من الدولة والغنيمة.

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ليس بيدك التوبة والعذاب أن تدع على المؤمنين المنهزمين يوم أحد من الرماة وغيرهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) يقول : إن شاء الله أن يتوب عليهم فتجاوز عنهم (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) بترك المركز (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨)) بترك المركز ، ويقال : نزلت فى حيين عصية ، وذكوان دعا النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عليهم حين قتلوا أصحابه (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن كان أهلا لذلك (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب

١٢٣

(رَحِيمٌ (١٢٩)) لمن مات على التوبة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى ثقيفا (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً) على الدراهم (مُضاعَفَةً) فى الأجل (وَاتَّقُوا اللهَ) واخشوا الله فى أكل الربا (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠)) لكى تنجوا من السخطة والعذاب.

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠))

(وَاتَّقُوا النَّارَ) اخشوا النار فى أكل الربا (الَّتِي أُعِدَّتْ) أى خلقت (لِلْكافِرِينَ (١٣١)) بالله وبتحريم الربا (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) فى تحريم الربا وفى تركه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)) لكى ترحموا وتنجوا فلا تعذبوا (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) بادروا بالتوبة من الربا وسائر الذنوب إلى تجاوز من ربكم (وَجَنَّةٍ) وإلى جنة بعمل صالح وترك الربا (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) لو وصلت بعضها إلى بعض (أُعِدَّتْ) خلقت (لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)) الكفر والشرك والفواحش وأكل الربا ، ثم بينهم ، فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) يقول : ينفقون أموالهم فى سبيل الله فى اليسر والعسر (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الكاظمين غيظهم المرددين حدتهم فى أجوافهم (١)(وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) عن المملوكين (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)) إلى المملوكين والأحرار.

ثم نزلت فى رجل من الأنصار لأجل نظرة ولمسة وقبلة أصابها من امرأة الرجل

__________________

(١) انظر : معانى الفراء (١ / ٢٣٥) ، وزاد المسير (١ / ٤٥٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٤).

١٢٤

الثقفى ، فقال : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) معصية (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالنظرة واللمسة والقبلة (ذَكَرُوا اللهَ) خافوا الله (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) تابوا من ذنوبهم (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ) ذنوب التائب (إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) من المعصية (وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥)) أنها معصية لله (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) لذنوبهم (وَجَنَّاتٌ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) دائمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)) ثواب التائبين الجنة وما ذكرت.

(قَدْ خَلَتْ) قد مضت فى الأمم الذين مضوا (مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) بالثواب والمغفرة لمن تاب والعذاب والهلاك لمن لم يتب (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) وتفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) كيف صار آخر أمر (الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧)) بالرسل الذين لم يتوبوا من تكذيبهم (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) هذا القرآن بيان بالحلال والحرام للناس (وَهُدىً) من الضلالة (وَمَوْعِظَةٌ) وعظة ونهى (لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)) الكفر والشرك والفواحش.

ثم عزاهم فيما أصابهم يوم أحد ، فقال : (وَلا تَهِنُوا) لا تضعفوا مع عدوكم (وَلا تَحْزَنُوا) على ما فاتكم من الغنائم يوم أحد ، ولا تحزنوا على ما أصابكم من القتل والجراحة (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) آخر الأمر لكم بالنصرة والدولة (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (مُؤْمِنِينَ (١٣٩)) أن النصرة والدولة من الله (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) إن أصابكم جرح يوم أحد (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) فقد أصاب أهل مكة يوم بدر (قَرْحٌ) جرح (مِثْلُهُ) مثل ما أصابكم يوم أحد (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) أيام الدنيا (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) بالدولة نديل المؤمنين على الكافرين والكافرين على المؤمنين (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) لكى يرى الله (الَّذِينَ آمَنُوا) فى زمن الجهاد (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) يكرم من يشاء منكم بالشهادة (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)) المشركين ودولتهم.

(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ

١٢٥

الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠))

(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ) لكى يغفر الله (الَّذِينَ آمَنُوا) بما يصيبهم فى الجهاد (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)) ويهلك الكافرين فى الحرب(أَمْ حَسِبْتُمْ) أظننتم يا معشر المؤمنين (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) بلا قتال (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) لم ير الله (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) يوم أحد فى سبيل الله (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)) ولم ير الصابرين على قتال عدوهم مع نبيهم يوم أحد (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) فى الحرب (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) يوم أحد (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) القتال والحرب يوم أحد (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣)) إلى سيوف الكفار فانهزمتم ولم تثبتوا مع نبيكم.

ثم نزل فى مقالتهم لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بلغنا يا نبى الله أنك قد قتلت فلذلك انهزمنا ، فقال الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ) قد مضت من قبل محمد (الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ) محمد (أَوْ قُتِلَ) فى سبيل الله (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أترجعون أنتم إلى دينكم الأول (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) يرجع إلى دينه الأول (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ) فلن ينقص الله رجوعه (شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)) المؤمنين بإيمانهم وجهادهم (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) يقول : لا تموت نفس (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بإرادة الله وقضائه (كِتاباً مُؤَجَّلاً) موقتا كتابة أجله ورزقه سواء لا يسبق أحدهما صاحبه (وَمَنْ يُرِدْ) بعمله وجهاده (ثَوابَ الدُّنْيا) منفعة الدنيا (نُؤْتِهِ مِنْها) نعطه من الدنيا ما يريد وما له فى الآخرة من نصيب (وَمَنْ يُرِدْ) بعمله وجهاده (ثَوابَ الْآخِرَةِ) منفعة الآخرة (نُؤْتِهِ مِنْها) نعطه من الآخرة (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)) المؤمنين بإيمانهم وجهادهم.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) وكم من نبى (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) جموع كثيرة من الكفار (فَما وَهَنُوا) فما ضعف المؤمنون (لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) من القتل

١٢٦

والجراحة ، ويقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يقول : كم من نبى قتل وكان معه جموع كثيرة من المؤمنين فما وهنوا فما ضعف المؤمنون لما أصابهم فى سبيل الله من قتل نبيهم فى طاعة الله (وَما ضَعُفُوا) عجزوا عن قتال عدوهم (وَمَا اسْتَكانُوا) ما ذلوا لعدوهم ويقال : ما تضعفوا وما خضعوا لعدوهم (١)(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)) على قتال عدوهم مع نبيهم.

(وَما كانَ قَوْلَهُمْ) قول المؤمنين بعد ما قتل نبيهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا) يا ربنا (اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) دون الكبائر (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) بالعظائم من ذنوبنا ، يعنى الكبائر (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) فى الحرب (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ) أعطاهم الله (ثَوابَ الدُّنْيا) بالفتح والغنيمة (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) فى الجنة (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨)) المؤمنين فى الجهاد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى حذيفة وعمارا (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى كعبا وأصحابه (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) يرجعوكم إلى دينكم الأول الكفر (فَتَنْقَلِبُوا) فترجعوا (خاسِرِينَ (١٤٩)) مغبونين بذهاب الدنيا والآخرة والعقوبة من الله (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) حافظكم ولا لكم عن ذلك وينصركم عليهم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)) أقوى الناصرين بالنصرة.

(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا

__________________

(١) انظر : الصحاح واللسان (رب) ، وغريب ابن قتيبة (١١٣) وزاد المسير (١ / ٤٧٢) والنكت للماوردى (١ / ٣٤٧) ، وتفسير القرطبى (٤ / ٢٣٠) ، ومختصر الطبرى (١ / ٩٠).

١٢٧

مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠))

ثم ذكر هزيمة الكفار يوم أحد ، فقال : (سَنُلْقِي) سنقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (الرُّعْبَ) المخافة منكم حتى انهزموا (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) كتابا ولا رسولا (وَمَأْواهُمُ) منزلهم (النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١)) منزل الكافرين النار ، ثم ذكر وعده المؤمنين يوم أحد ، فقال : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) يوم أحد (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) تقتلونهم فى أول الحرب (بِإِذْنِهِ) بأمره ونصرته (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) جبنتم عن قتال العدو (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) اختلفتم فى أمر الحرب (وَعَصَيْتُمْ) الرسول بترك المركز (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) النصرة والغنيمة (مِنْكُمْ) من الرماة (مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) بجهاده ووقوفه وهم الذين تركوا المركز لقبل الغنيمة (وَمِنْكُمْ) من الرماة (مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) بجهاده ووقوفه وهو عبد الله بن جبير وأصحابه الذين ثبتوا مكانهم حتى قتلوا (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) بالهزيمة وقلبهم عليكم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) ليختبركم بمعصية الرماة (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) ولم يستأصلكم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ) ذو من (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)) إذ يستأصلهم يعنى الرماة.

ثم ذكر إعراضهم عن النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مخافة عدوهم ، فقال : (إِذْ تُصْعِدُونَ)(١)

__________________

(١) قرئ رباعيا من أصعد ، والإصعاد : ابتداء السفر ، وقرئ (تصعدون) مضارع من صعد الجبل ، أى ارتقى ، وقرئ (تتصعدون) ، ماضيه : صعد أى ارتقى السّلم. انظر : البحر المحيط (٣ / ٨١) ،

١٢٨

أى تبعدون فى الأرض ، ويقال : تصعدون الجبل بعد الهزيمة (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) لا تلتفتون إلى محمد عليه‌السلام ، ولا تقفون له (وَالرَّسُولُ) محمد (يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) من خلفكم يا معشر المؤمنين أنا رسول الله قفوا فلم تقفوا (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) زادكم الله غما على غم إشراف خالد بن الوليد بغم القتل والهزيمة (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من الغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ) ولكى لا تحزنوا على ما أصابكم من القتل والجراحة (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣)) فى الجهاد والهزيمة.

ثم ذكر منته عليهم ، فقال : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً) من العدو (نُعاساً يَغْشى طائِفَةً) أخذ طائفة (مِنْكُمْ) النعاس فنام من كان منكم أهل الصدق واليقين (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) قد أخذتهم همة أنفسهم معتب بن قشير المنافق وأصحابه لم يأخذهم النوم (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أن لا ينصر الله رسوله وأصحابه (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) كظنهم فى الجاهلية (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) من النصرة والدولة (مِنْ شَيْءٍ قُلْ) يا محمد (إِنَّ الْأَمْرَ) الدولة والنصرة (كُلَّهُ لِلَّهِ) بيد الله (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) يسترون فيما بينهم (ما لا يُبْدُونَ لَكَ) ما لا يظهرون لك مخافة القتل (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) من الدولة والنصرة (شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ) يا محمد للمنافقين (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) فى المدينة (لَبَرَزَ) لخرج (الَّذِينَ كُتِبَ) قضى (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) إلى مقتلهم ومصارعهم بأحد (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ) ليختبر الله (ما فِي صُدُورِكُمْ) بما فى قلوب المنافقين (وَلِيُمَحِّصَ) ليبين (ما فِي قُلُوبِكُمْ) من النفاق (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)) بما فى القلوب من الخير والشر ، يعنى المنافقين ، ويقال : الرماة.

ثم ذكر المنهزمين يوم أحد ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) بالهزيمة عثمان بن عفان وأصحابه (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وجمع أبى سفيان (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) زين لهم ذلك الشيطان أن محمدا قد قتل فانهزموا ستة فراسخ وكانوا ستة نفر (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) بتركهم المركز (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) إذ لم يستأصلهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب منهم (حَلِيمٌ (١٥٥)) إذ لم يعجل لهم العقوبة ، ثم قال لأصحاب محمد عليه‌السلام : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (لا تَكُونُوا) فى

__________________

ومعانى الفراء (١ / ٢٣٩) ، وتفسير الطبرى (٤ / ٨٧).

١٢٩

الحرب (كَالَّذِينَ كَفَرُوا) فى السر ، يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه رجع هو وأصحابه فى الطريق إلى المدينة (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) المنافقين (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) إذ اخرجوا مع أصحاب محمد فى سفر (أَوْ كانُوا غُزًّى) أو خرجوا فى غزاة مع نبيهم (لَوْ كانُوا عِنْدَنا) فى المدينة (ما ماتُوا) فى سفرهم (وَما قُتِلُوا) فى غزاتهم (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) يقول : ليجعل الله ذلك الظن (حَسْرَةً) حزنا (فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي) فى السفر (وَيُمِيتُ) فى الحضر (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) تقولون (بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يا معشر المنافقين (أَوْ مُتُّمْ) فى بيوتكم وكنتم مخلصين (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) لذنوبكم (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (خَيْرٌ) لكم (مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧)) فى الدنيا من الأموال.

(وَلَئِنْ مُتُّمْ) فى حضر أو سفر (أَوْ قُتِلْتُمْ) فى غزاة (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)) بعد الموت (فَبِما رَحْمَةٍ) يقول : فبرحمة (مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) أى لنت لهم جانبك وجناحك (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) باللسان (غَلِيظَ الْقَلْبِ) غليظا بالقلب (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لتفرقوا من عندك (فَاعْفُ عَنْهُمْ) عن أصحابك فى شىء يكون منهم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) من ذلك الذنب (١)(وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فى أمر الحرب (فَإِذا عَزَمْتَ) ضربت على شىء (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) بالنصر والدولة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)) عليه (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) مثل يوم بدر (فَلا غالِبَ لَكُمْ) فلا يغلب عليكم أحد من عدوكم (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) مثل يوم أحد (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ) على عدوكم (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد خذلانه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)) وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله بالنصرة والدولة.

(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ

__________________

(١) انظر معانى الزجاج (١ / ٤٩٧) ، والفراء (١ / ٢٤٤) ، وتفسير الطبرى (٤ / ٩٩) ، البحر المحيط (٣ / ٩٧) ، ومختصر الطبرى (١ / ٩٢).

١٣٠

يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١))

ثم ذكر ظنهم بالنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أن لا يقسم لنا من الغنائم شيئا ولقبل ذلك تركوا المركز ، فقال : (وَما كانَ لِنَبِيٍ) ما جاز لنبى (أَنْ يَغُلَ) أن يخون أمته فى الغنائم ، وإن قرأت أن يغل ، يقول : أن تخونه أمته (١)(وَمَنْ يَغْلُلْ) من الغنائم شيئا (يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) حاملا له على عنقه (ثُمَّ تُوَفَّى) توفى (كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) بما عملت من الغلول وغيره (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١)) لا ينقص من حسناتهم ، ولا يزاد على سيئاتهم (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) فى أخذ الخمس وترك الغلول (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) كمن استوجب عليهم سخط الله بالغلول (وَمَأْواهُ) مصير الغال (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢)) صاروا إليه (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) يقول : لهم درجات عند الله فى الجنة لمن ترك الغلول ودركات لمن غل (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣)) من الغلول وغيره.

ثم ذكر منته عليهم ، فقال : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ) إليهم (رَسُولاً) آدميا معروف النسب (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) قرشيا عربيا مثلهم (يَتْلُوا) يقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِهِ) القرآن بالأمر والنهى (وَيُزَكِّيهِمْ) يطهرهم بالتوحيد من الشرك ويأخذ الزكاة من الذنوب (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) القرآن (وَالْحِكْمَةَ) الحلال والحرام (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) وقد كانوا من قبل مجيء محمد والقرآن (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)) لفى كفر بين.

ثم ذكر مصيبتهم يوم أحد ، فقال : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يقول : حين

__________________

(١) قرأ ابن كثير ، أبو عمرو ، وعاصم (يَغُلَّ) بفتح الياء ، وضم الغين ، وقرأ الباقون بضم الياء ، وفتح الغين. انظر : معانى القراءات للأزهرى (١١٢).

١٣١

أصابتكم مصيبة يوم أحد (قَدْ أَصَبْتُمْ) أهل مكة يوم بدر (مِثْلَيْها) مثلما أصابكم يوم أحد (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) من أين أصابنا هذا ونحن له مسلمون (قُلْ) يا محمد (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بذنب أنفسكم بترككم المركز (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من العقوبة وغيرها (قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ) الذى أصابكم من القتل والجراحة (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع محمد ، وجمع أبى سفيان (فَبِإِذْنِ اللهِ) فبإرادته وقضائه (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦)) لكى يرى المؤمنين فى الجهاد.

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) لكى يرى المنافقين عبد الله بن أبى وأصحابه فى رجوعهم إلى المدينة (وَقِيلَ لَهُمْ) قال لهم عبد الله بن جبير (تَعالَوْا) إلى أحد (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) العدو عن حريمكم وذريتكم وكثروا المؤمنين (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ) ثم (قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) إلى أحد (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) يقول : رجوعهم إلى الكفر والكفار يومئذ أقرب من رجوعهم إلى الإيمان والمؤمنين (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) بألسنتهم (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) صدق ذلك (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧)) من الكفر والنفاق هم (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) المنافقين بالمدينة (وَقَعَدُوا) عن الجهاد (لَوْ أَطاعُونا) يعنون محمدا وأصحابه بالقعود فى المدينة (ما قُتِلُوا) فى غزاتهم (قُلْ) يا محمد للمنافقين (فَادْرَؤُا) ادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)) فى مقالتكم.

(وَلا تَحْسَبَنَ) لا تظنن (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يوم بدر ويوم أحد (أَمْواتاً) كسائر الأموات (بَلْ أَحْياءٌ) بل هم كالأحياء (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)) التحف (فَرِحِينَ) معجبين (بِما آتاهُمُ اللهُ) بما أعطاهم الله (مِنْ فَضْلِهِ) من كرامته (وَيَسْتَبْشِرُونَ) بعضهم ببعض (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) من إخوانهم الذين فى الدنيا أن يلحقوا بهم ، لأن الله بشرهم بذلك (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) إذا خاف غيرهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠)) إذا حزن غيرهم (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) بثواب من الله (وَفَضْلٍ) وكرامة (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ) لا يبطل (أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١)) فى الجهاد بما يصيبهم فى الجهاد.

(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا

١٣٢

رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨) ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))

ثم ذكر موافاتهم مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إلى بدر الصغرى ، فقال : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ) أجابوا لله بالطاعة (وَالرَّسُولِ) بالموافاة إلى بدر الصغرى (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) الجرح يوم بدر (١)(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) وافوا (مِنْهُمْ) مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إلى بدر الصغرى (وَاتَّقَوْا) معصية الله ومخالفة الرسول (أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)) ثواب وافر فى الجنة. ونزل فيها أيضا (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) نعيم بن مسعود الأشجعى (إِنَّ النَّاسَ) أبا سفيان وأصحابه (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) باللطيمة ، واللطيمة سوق قريب إلى مكة (فَاخْشَوْهُمْ) بالخروج إليهم (فَزادَهُمْ إِيماناً) جراءة بالخروج إليهم (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) ثقتنا بالله (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)) الكفيل بالنصرة (فَانْقَلَبُوا) رجعوا (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) بثواب من الله (وَفَضْلٍ) ربح مما تسوقوا به من السوق ، ويقال : غنيمة (لَمْ يَمْسَسْهُمْ) لم يصبهم فى الذهاب والمجيء (سُوءٌ) قتال وهزيمة (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) فى الموافاة مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إلى بدر الصغرى (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ) ذو من (عَظِيمٍ (١٧٤)) بدفع العدو عنهم.

(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ) الذى خوفكم الشيطان يعنى نعيم بن مسعود سماه الله شيطانا ، لأنه كان تابعا للشيطان ولوسوسته (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) يقول : يخوفكم بأوليائه الكفار (فَلا تَخافُوهُمْ) بالخروج (وَخافُونِ) بالجلوس (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)) إذ كنتم مصدقين بإحيائه.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٤ / ١١٨) ، وزاد المسير (١ / ٥٠٣) ، واللباب للسيوطى (٦٠) وتفسير القرطبى (٤ / ٢٧٩) ، وسيرة ابن هشام (٣ / ٥٨).

١٣٣

ثم ذكر مسارعة المنافقين فى الولاية مع اليهود ، فقال : (وَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد ولا يغمك (الَّذِينَ يُسارِعُونَ) يبادرون (فِي الْكُفْرِ) أى مسارعة المنافقين فى الولاية مع اليهود (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) لن ينقصوا الله بمسارعتهم فى الولاية مع اليهود (شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ) أراد الله فى القدمة ويريد (أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ) لليهود والمنافقين (حَظًّا) نصيبا (فِي الْآخِرَةِ) فى الجنة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)) شديد أشد ما يكون.

(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) اختاروا الكفر على الإيمان وهم المنافقون واليهود (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) لن ينقصوا الله باختيارهم الكفر (شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧)) وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم ، ثم ذكر إمهاله لهم فى الكفر ، فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لا يظنن اليهود (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) نمهلهم ونعطيهم من الأموال والأولاد (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ) ونعطيهم من الأموال والأولاد (لِيَزْدادُوا إِثْماً) ذنبا فى الدنيا ودركات فى الآخرة (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨)) يهانون به يوما بيوم وساعة بعد ساعة ، ويقال : شديد ، ويقال : نزلت من قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ) إلى هاهنا فى مشركى أهل مكة يوم أحد.

ثم ذكر مقالة المشركين لمحمد : أنت تقول لنا منكم كافر ومنكم مؤمن ، فبين لنا يا محمد من يؤمن منا ، ومن لا يؤمن ، فقال : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) والكافرين (عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الدين (حَتَّى) يصير المؤمن كافرا ، والكافر مؤمنا إن كان فى قضائه كذلك (يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) الشقى من السعيد ، والكافر من المؤمن ، والمنافق من المخلص (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ) يا أهل مكة (عَلَى الْغَيْبِ) على ذلك حتى تعلموا من يؤمن ومن لا يؤمن (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) يصطفى (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) يعنى محمدا عليه‌السلام ، فيطلعه على بعض ذلك بالوحى (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) وبجملة الرسل والكتب (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بالله وبجملة الكتب والرسل (وَتَتَّقُوا) الكفر والشرك (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)) ثواب وافر فى الجنة.

ثم ذكر بخلهم ، يعنى اليهود والمنافقين بما أعطاهم الله ، فقال : (وَلا يَحْسَبَنَ) لا. يظنن (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ) أعطاهم الله (مِنْ فَضْلِهِ) من المال (هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ) سيجعلون (ما بَخِلُوا بِهِ) من المال يعنى الذهب والفضة طوقا من النار فى عنقهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائن السموات بالمطر ، والأرض بالنبات ، ويقال : يموت أهل السموات والأرض ويبقى الملك

١٣٤

لله الواحد القهار (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)) من البخل والسخاوة.

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠))

ثم ذكر مقالة اليهود فنحاص بن عازوراء وأصحابه حيث ، قالوا : يا محمد إن الله فقير يطلب منا القرض ، فقال : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) محتاج يطلب منا القرض (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) ولا نحتاج إلى قرضه (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) سنحفظ عليهم ما قالوا فى الآخرة (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) ونحفظ عليهم قتلهم الأنبياء (بِغَيْرِ حَقٍ) بلا جرم (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١)) الشديد (ذلِكَ) العذاب (بِما قَدَّمَتْ) عملت (أَيْدِيكُمْ) فى اليهودية (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)) أن يأخذكم بلا جرم (الَّذِينَ قالُوا) أى هم الذين قالوا ، يعنى اليهود (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أمرنا فى الكتاب (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ) أن لا نصدق أحدا بالرسالة (حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) يعنون حتى يأتينا بنار تأكل القربان كما كانت فى زمن الأنبياء عليهم‌السلام (قُلْ) يا محمد (قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) من القربان زكريا ويحيى وعيسى عليهم‌السلام (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) يحيى وزكريا ، وقد كان القربان فى زمانهم (إِنْ كُنْتُمْ

١٣٥

صادِقِينَ (١٨٣)) فى مقالتكم ، فقالوا : ما قتل آباؤنا الأنبياء.

فقال الله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) يا محمد بما قلت لهم فلا تحزن بذلك (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) كذبهم قومهم (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى وعلامات النبوة (وَالزُّبُرِ) وبخبر كتب الأولين (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)) المبين للحلال والحرام ، ثم ذكر موتهم وما بعد الموت ، فقال : (كُلُّ نَفْسٍ) منفوسة (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) تذوق الموت (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ) توفرون (أُجُورَكُمْ) ثواب أعمالكم (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ) عزل ونجى وأبعد (عَنِ النَّارِ) بالتوحيد والعمل الصالح (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بالجنة وما فيها ونجا من النار وما فيها (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ليس ما فى الدنيا من النعيم (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥)) إلا كمتاع البيت فى بنائها مثل الخزف والزجاجة وغير ذلك.

ثم ذكر أذى الكفار لنبيه ولأصحابه ، فقال : (لَتُبْلَوُنَ) لتختبرون (فِي أَمْوالِكُمْ) فى ذهاب أموالكم (وَأَنْفُسِكُمْ) وفيما يصيب أنفسكم من الأمراض والأوجاع ، والقتل والضرب ، وسائر البلايا (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أعطوا الكتاب (مِنْ قَبْلِكُمْ) يعنى اليهود والنصارى الشتم والطعن ، والكذب والزور على الله (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) ومن الذين أشركوا أيضا (أَذىً كَثِيراً) بالشتم والضرب واللعن والقتل والكذب والزور على الله (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم (وَتَتَّقُوا) معصية الله فى الأذى (فَإِنَّ ذلِكَ) الصبر والاحتمال (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)) من خير الأمور وحزم أمورهم ، يعنى المؤمنين.

ثم ذكر ميثاقه على أهل الكتاب فى الكتاب لتبيان صفة محمد عليه‌السلام ونعته ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أعطوا الكتاب يعنى التوراة والإنجيل (لَتُبَيِّنُنَّهُ) صفة محمد ونعته (لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) لا تكتمون صفة محمد ونعته فى الكتاب (فَنَبَذُوهُ) فطرحوا كتاب الله وعهده (وَراءَ) خلف (ظُهُورِهِمْ) ولم يعملوا به (وَاشْتَرَوْا بِهِ) بكتمان صفة محمد ونعته فى الكتاب (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا يسيرا من المأكلة (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧)) يختارون لأنفسهم اليهودية وكتمان صفة محمد ونعته.

ثم ذكر طلبهم الثناء والمحمدة بما لم يكن فيهم ، فقال : (لا تَحْسَبَنَ) لا تظنن يا

١٣٦

محمد (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) بما غيروا صفة محمد ونعته فى الكتاب (١)(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) يحبون أن يقال فيهم الخير ، ولا خير فيهم ، أن يقولوا هم على دين إبراهيم ويحسنون إلى الفقراء (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) يا محمد (بِمَفازَةٍ) بمباعدة (مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)) وجيع (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائن السموات بالمطر ، والأرض بالنبات (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أهل السموات والأرض وخزائنهما (قَدِيرٌ (١٨٩)).

ثم بين علامة قدرته لكفار مكة لقولهم : ائتنا بآية يا محمد على ما تقول ، فقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) إن فيما خلق فى السموات من الملائكة والشمس والقمر والنجوم والسحاب (وَالْأَرْضِ) وفى خلق الأرض ، وما فى الأرض من الجبال والبحور والشجر والدواب (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وفى تقلب الليل والنهار (لَآياتٍ) لعلامات لوحدانيته (لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠)) لذوى العقول من الناس.

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ

__________________

(١) قال سعيد بن جبير : هم اليهود ، قالوا : نحن على دين إبراهيم ، وكتموا ذكر محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، فنزلت هذه الآية. قلت : وهكذا اليهود دائما ، نصر الله جنده ، وحرر بيت المقدس ، وحمى العراق ، وسائر بلاد المسلمين من اليهود ومن أعوانهم. انظر : زاد المسير (١ / ٥٢٣) ، والنكت (١ / ٣٥٥) ، وتفسير القرطبى (٤ / ٣٠٦) ، وأسباب النزول للواحدى (٨١) ، البحر المحيط (٣ / ١٤٨).

١٣٧

اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))

ثم نعتهم ، فقال : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) يصلون الله (قِياماً) إذا استطاعوا (وَقُعُوداً) إذا لم يستطيعوا قياما (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) إذا لم يستطيعوا قياما وقعودا (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العجائب (رَبَّنا) يقولون : يا ربنا (ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) جزافا (سُبْحانَكَ) نزهوا الله (فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١)) ادفع عنا عذاب النار (رَبَّنا) يقولون : يا ربنا (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أهنته (وَما لِلظَّالِمِينَ) للمشركين (مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢)) من مانع مما يراد فى الآخرة (رَبَّنا) ويقولون : يا ربنا (إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) يعنون محمدا (يُنادِي لِلْإِيمانِ) يدعو إلى التوحيد (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا) بك وبكتابك ورسولك (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) الكبائر (وَكَفِّرْ) تجاوز (عَنَّا سَيِّئاتِنا) دون الكبائر (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣)) اقبض أرواحنا على الإيمان واجمعنا مع أرواح النبيين والصالحين (رَبَّنا) ويقولون : يا ربنا (وَآتِنا) أعطنا (ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) على لسان رسولك ، يعنى محمدا (وَلا تُخْزِنا) لا تعذبنا (يَوْمَ الْقِيامَةِ) كما تعذب الكفار (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤)) البعث بعد الموت وما وعدت للمؤمنين.

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) فيما سألوه ، فقال : (أَنِّي لا أُضِيعُ) لا أبطل (عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) ثواب عمل عامل منكم (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) إذ كان بعضكم على دين بعض وأولياء بعض ، ثم بين كرامته للمهاجرين ، فقال : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) من مكة إلى المدينة مع النبى ، عليه والسّلام ، وبعد النبى (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أخرجوهم كفار مكة من منازلهم بمكة (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) فى طاعتى (وَقُتِلُوا) العدو فى سبيل الله (وَقُتِلُوا) حتى قتلوا فى الجهاد مع نبى الله (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ذنوبهم فى الجهاد (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) جزاء لهم من الله (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥)) المرجع الصالح.

ثم ذكرهم فناء الدنيا ورغبهم عنها ، وبقاء الآخرة وحثهم على طلبها ، فقال : (لا يَغُرَّنَّكَ) يا محمد خاطبا به النبى عليه‌السلام ، وعنى أصحابه (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي

١٣٨

الْبِلادِ (١٩٦)) ذهاب اليهود والمشركين ومجيئهم فى التجارة (مَتاعٌ قَلِيلٌ) منفعة يسيرة فى الدنيا (ثُمَّ مَأْواهُمْ) مصيرهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧)) الفراش والمصير (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) يقول : والذين وحدوا ربهم بالتوبة من الكفر (لَهُمْ جَنَّاتٌ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون (نُزُلاً) ثوابا (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨)) للموحدين مما أعطى الكفار فى الدنيا.

ثم نعت من آمن من أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ، فقال : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من التوراة (خاشِعِينَ لِلَّهِ) متواضعين ذليلين لله فى الطاعة (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ) بكتمان صفة محمد ونعته فى الكتاب (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا يسيرا من المأكلة (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى الجنة (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩)) إذا حاسب فحسابه سريع.

ثم حثهم على الصبر فى الجهاد والمرازى ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (اصْبِرُوا) على الجهاد مع نبيكم (وَصابِرُوا) على عدوكم ، ويقال : اصبروا على أداء فرائض الله واجتناب المعاصى ، وصابروا وكابروا أهل الأهواء والبدعة (١)(وَرابِطُوا) أنفسكم والخيول فى سبيل الله (وَاتَّقُوا اللهَ) أطيعوا الله فيما أمركم فلا تتركوه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)) لكى تنجوا من السخطة والعذاب.

__________________

(١) انظر : غريب ابن قتيبة (١١٧) ، وتفسير الطبرى (٤ / ١٤٧) ، وزاد المسير (١ / ٥٣٣) والنكت والعيون للماوردى (١ / ٣٥٧) ، وتفسير القرطبى (٤ / ٣٢٣) ، ومختصر الطبرى للتجيبى (١ / ٩٧).

١٣٩

سورة النّساء

ومن السورة التى يذكر فيها النساء ، وهى كلها مدنية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) عام وقد يكون خاصا (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أطيعوا ربكم (الَّذِي خَلَقَكُمْ) بالتناسل (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) من نفس آدم وحدها وكانت نفس حواء فيها (وَخَلَقَ مِنْها) من نفس آدم (زَوْجَها) حواء (وَبَثَّ مِنْهُما) خلق منهما بالتوالد من آدم وحواء (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) خلقا كثيرا ذكرا وأنثى (وَاتَّقُوا اللهَ) أطيعوا الله (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) الحوائج والحقوق بعضكم من بعض (وَالْأَرْحامَ) وبالأرحام وإن قرئت بنصب الميم يقول : وصلوا الأرحام ولا تقطعوها معطوفة إلى قوله : واتقوا الله (١)(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١))

__________________

(١) قال الزجاج : القراءة الجيدة نصب الأرحام ، والمعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، فأما الجر فى

١٤٠