تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

مِنَّا) اليوم (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) بعد اليوم (كَما تَسْخَرُونَ (٣٨)) اليوم منا (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) يذله ويهلكه (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) يجب عليه (عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩)) دائم فى الآخرة (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) وقت عذابنا (وَفارَ التَّنُّورُ) نبع الماء من التنور ، ويقال : طلع الفجر (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) فى السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) من كل صنفين (اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ) وجب عليه (الْقَوْلُ) بالعذاب (وَمَنْ آمَنَ) معك أيضا احمل معك فى السفينة (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)) ثمانون إنسانا.

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠))

(وَقالَ) لهم (ارْكَبُوا فِيها) فى السفينة (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) حيث تجرى (وَمُرْساها) حيث تحبس ، وإن قرأت مجراها ومرسيها ، يقول : الله مجراها حيث شاء ومرسيها حيث شاء (١)(إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٤١)) لمن تاب (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) بأهلها (فِي مَوْجٍ) فى غمر الماء (كَالْجِبالِ) كجبل عظيم فى

__________________

(١) من ضم الميم أراد بالله إجراؤها وإرساؤها ، ومن فتحها أراد بالله يكون جريها ويقع رساؤها. انظر : قراءات الآية وتوجيهها فى : السبعة لابن مجاهد (٣٣٣) ، وتفسير الطبرى (١٢ / ٢٧) ، ومختصره (١ / ٢٨٨) ، وزاد المسير (٤ / ١٠٨) ، والبحر المحيط (٥ / ٢٢٥) ، والكشف (١ / ٥٢٨).

٣٦١

الارتفاع (وَنادى نُوحٌ) دعا نوح (ابْنَهُ) كنعان (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) فى ناحية من السفينة ، ويقال : فى ناحية الجبل (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) انج معنا بلا إله إلا الله (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢)) على دينهم فتغرق بالطوفان (قالَ سَآوِي) سأذهب (إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي) يمنعنى (مِنَ الْماءِ) من الغرق (قالَ) نوح (لا عاصِمَ الْيَوْمَ) لا مانع اليوم (مِنْ أَمْرِ اللهِ) من عذاب الله الغرق (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) الله من المؤمنين (وَحالَ بَيْنَهُمَا) بين كنعان ونوح ، ويقال : بين كنعان والجبل ، ويقال : بين كنعان والسفينة (الْمَوْجُ) فكبه (فَكانَ) فصار (مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)) بالطوفان (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) أنشفى ماءك (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) احبسى ماءك (وَغِيضَ) نقص (الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وفرغ من هلاك القوم أى هلك من هلك ونجا من نجا (وَاسْتَوَتْ) السفينة (عَلَى الْجُودِيِ) وهو جبل بنصيبين فى الموصل (وَقِيلَ بُعْداً) سحقا من رحمة الله (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤)) المشركين قوم نوح.

(وَنادى نُوحٌ) دعا نوح (رَبَّهُ فَقالَ رَبِ) يا رب (إِنَّ ابْنِي) كنعان (مِنْ أَهْلِي) الذى وعدت أن تنجيه (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) الصدق (وَأَنْتَ أَحْكَمُ) أعدل (الْحاكِمِينَ (٤٥)) وعدتنى نجاتى ونجاة أهلى (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذى وعدتك أن أنجيه (إِنَّهُ عَمَلٌ) فى الشرك (غَيْرُ صالِحٍ) غير مرضى وإن قرأت أنه عمل غير صالح ، يقول : دعاءك بنجاته غير مرضى (فَلا تَسْئَلْنِ) نجاة (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أنه أهل للنجاة (إِنِّي أَعِظُكَ) أنهاك (أَنْ تَكُونَ) أن لا تكون (مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)) بسؤلك إياى ما لم تعلم (قالَ) نوح (رَبِ) يا رب (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) أمتنع بك (أَنْ أَسْئَلَكَ) نجاة (ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أنه أهل للنجاة (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) يقول : إن لم تغفر لى ، يعنى إن لم تتجاوز عنى (وَتَرْحَمْنِي) ولا ترحمنى فتعذبنى (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)) بالعقوبة (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) انزل من السفينة (بِسَلامٍ مِنَّا) بسلامة منا (وَبَرَكاتٍ) سعادات (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ) جماعة (مِمَّنْ مَعَكَ) فى السفينة من أهل السعادة (وَأُمَمٌ) جماعة فى أصلابهم (سَنُمَتِّعُهُمْ) سنعيشهم بعد خروجهم من أصلاب آبائهم (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ) يصيبهم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)) وجيع بعد ما كفروا وهم أهل الشقاوة.

فقال ابن عباس ، رضى الله عنه : أوحى الله إلى نوح عليه‌السلام ، وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ، ودعا قومه مائة وعشرون سنة ، وركب فى السفينة وهو ابن ستمائة سنة ،

٣٦٢

وعاش بعد ما ركب فى السفينة ثلاثمائة وخمسين سنة ، وبقى فى السفينة خمسة أشهر ، وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع بذراعه ، وعرضها خمسون ذراعا ، وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا ، وكان لها ثلاثة أبواب ، بعضها أسفل من بعض ، حمل فى الباب الأسفل السباع والهوام ، وحمل فى الباب الأوسط الوحوش والبهائم ، وحمل فى الباب الأعلى بنى آدم ، وكانوا ثمانين إنسانا ، أربعون رجلا ، وأربعون امرأة ، وكان بين الرجل والنساء جسد آدم صلوات الله عليه ، وكان معه ثلاثة بنين سام ، وحام ، ويافث (١).

(تِلْكَ) هذه (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) من أخبار الغائب عنك (نُوحِيها إِلَيْكَ) نرسل جبريل إليك يا محمد بأخبار الأمم الماضية (ما كُنْتَ تَعْلَمُها) يعنى أخبار الأمم (أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) القرآن (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذاهم وتكذيبهم إياك (إِنَّ الْعاقِبَةَ) آخر الأمر بالنصرة والجنة (لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)) الكفر والشرك والفواحش (وَإِلى عادٍ) وأرسلنا إلى عاد (أَخاهُمْ) نبيهم (هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الذى آمركم أن تؤمنوا به (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم بعبادة الأوثان (إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠)) كاذبون على الله لم يأمركم بعبادتها.

(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠))

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ١٦) ، وتفسير الطبرى (١٢ / ٣١) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٤٤٥) ، والقرطبى (٩ / ٤١) ، والنكت العيون للماوردى (٢ / ٢١٦) ، والدر المنثور (٣ / ٣٣٥) ، وزاد المسير (٤ / ١١٣) ، ومعانى الأخفش (٣٥٣) والبحر المحيط (٢ / ٢٨٨).

٣٦٣

(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (أَجْراً) جعلا (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) خلقنى (أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١)) أفلا تصدقون أو ليس لكم ذهن الإنسانية (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) وحدوا ربكم (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أقبلوا إليه بالتوبة والإخلاص (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) مطرا دائما دريرا كلما يحتاجون إليه (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) شدة إلى شدتكم بالمال والبنين (وَلا تَتَوَلَّوْا) عن الإيمان والتوبة (مُجْرِمِينَ (٥٢)) مشركين بالله (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) ببيان ما تقول (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) عبادة آلهتنا (عَنْ قَوْلِكَ) بقولك (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣)) بمصدقين بالرسالة (إِنْ نَقُولُ) ما نقول فيما ننهاك عنه (إِلَّا اعْتَراكَ) يصيبك (بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) بخبل لأنك تشتمها (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤)) بالله من الأوثان وما تعبدونها (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (فَكِيدُونِي) فاعملوا فى هلاكى أنتم وآلهتكم (جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥)) لا تؤجلون (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) فوضت أمرى إليه (رَبِّي) خالقى ورازقى (وَرَبِّكُمْ) خالقكم ورازقكم (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) يميتها ويحييها ويقال : فى قبضته يفعل ما يشاء (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)) عليه ممر الخلق ، ويقال : يدعو الخلق إلى صراط مستقيم ، دين قائم يرضاه وهو الإسلام (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الإيمان والتوبة (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) من الرسالة ويهلككم (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) خيرا منكم وأطوع (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) ولا يضر الله هلاككم شيئا (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالكم (حَفِيظٌ (٥٧)) حافظ شهيد.

(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) بنعمة (بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨)) شديد (وَتِلْكَ عادٌ) وهذه عاد (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) التى آتاهم بها هود (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) بالتوحيد (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ) قول كل قتال على الغضب (عَنِيدٍ (٥٩)) معرض عن الله (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أهلكوا فى الدنيا بالريح (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) لهم لعنة أخرى وهى النار (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) جحدوا ربهم (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)) من رحمة الله.

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ

٣٦٤

فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠))

(وَإِلى ثَمُودَ) وأرسلنا إلى ثمود (أَخاهُمْ) نبيهم (صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الذى أمركم أن تؤمنوا به (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) خلقكم من آدم ، وآدم من الأرض (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) عمركم فى الأرض وجعلكم سكانها (فَاسْتَغْفِرُوهُ) فوحدوه (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أقبلوا إليه بالتوحيد والتوبة والإخلاص (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) بالإجابة (مُجِيبٌ (٦١)) لمن وحده (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) نرجوك (قَبْلَ هذا) قبل أن تأمرنا بدين غير دين آبائنا (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأوثان (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من دينك (مُرِيبٍ (٦٢)) ظاهر الشك به (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) على بيان نزل من ربى (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) أكرمنى بالنبوة والإسلام (فَمَنْ يَنْصُرُنِي) يمنعنى (مِنْ) عذاب (اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) وتركت أمره (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)) فما أزداد إلا بصيرة فى خسارتكم (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) علامة (فَذَرُوها) فاتركوها (تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) فى أرض الحجر ليس عليكم مئونتها (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤)) بعد ثلاثة أيام (فَعَقَرُوها) قتلوها قتلها قدار بن سالف ، ومصدع بن زهر ، وقسموا لحمها على ألف وخمسمائة دار (فَقالَ) لهم صالح بعد قتلهم لها (تَمَتَّعُوا) عيشوا (فِي دارِكُمْ) فى مدينتكم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ثم يأتيكم العذاب اليوم الرابع ، قالوا : يا صالح ما علامة العذاب ، قال : أن تصبحوا اليوم الأول وجوهكم مصفرة ، وتصبحوا اليوم الثانى

٣٦٥

وجوهكم محمرة ، وتصبحوا اليوم الثالث وجوهكم مسودة ، ثم يأتيكم العذاب اليوم الرابع (ذلِكَ) العذاب (وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥)) غير مردود.

(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ) بنعمة (مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) من عذب يومئذ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُ) بنجاة أوليائه (الْعَزِيزُ (٦٦)) بنقمة أعدائه(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (الصَّيْحَةُ) العذاب (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ) مساكنهم (جاثِمِينَ (٦٧)) ميتين لا يتحركون أى صاروا رمادا (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأن لم يكونوا فى الأرض قط (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) قوم صالح (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) كفروا بربهم (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨)) لقوم صالح من رحمة الله (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) جبريل ومن معه من الملائكة اثنا عشر ملكا (إِبْراهِيمَ) إلى إبراهيم (بِالْبُشْرى) بالبشارة له بالولد (قالُوا سَلاماً) سلموا على إبراهيم حين دخلوا عليه (قالَ سَلامٌ) رد عليهم‌السلام وإن قرأت سلم ، يقول : أمرى سلم من السلامة (فَما لَبِثَ) مكث إبراهيم (أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ) سمين (حَنِيذٍ (٦٩)) مشوى فوضعه بين أيديهم (١) (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) إلى طعامه لأنهم لم يحتاجوا إلى طعام (نَكِرَهُمْ) أنكر منهم ذلك (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) وقع فى نفسه خوفا منهم وظن أنهم لصوص حيث لم يأكلوا من طعامه فلما علموا خوفه (قالُوا لا تَخَفْ) منا يا إبراهيم (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠)) لنهلكهم.

(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢١) ، وتفسير الطبرى (١٢ / ٢١) ، وغريب ابن قتيبة (ص ٢٠٥) ، وزاد المسير (٤ / ١٢٨).

٣٦٦

وَامْرَأَتُهُ) سارة (قائِمَةٌ) بالخدمة (فَضَحِكَتْ) تعجبت من خوف إبراهيم من أضيافه (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١)) ولد الولد ، فضحكت فحاضت مقدم ومؤخر(١) (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) بنت ثمان وتسعين سنة للعجوز الكبير ولد كيف(٢) هذا (وَهذا بَعْلِي) زوجى إبراهيم (شَيْخاً) ابن تسع وتسعين سنة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)) عجب (قالُوا) لها (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) من قدرة الله (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) سعاداته (عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) يا أهل بيت إبراهيم (إِنَّهُ حَمِيدٌ) بأعمالكم (مَجِيدٌ (٧٣)) كريم يكرمكم بولد صالح (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) الخوف (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) البشارة بالولد (يُجادِلُنا) يخاصمنا (فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤)) فى هلاك قوم لوط (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) عن الجهل (أَوَّاهٌ) رحيم (مُنِيبٌ (٧٥)) مقبل إلى الله (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) عن جدالك هذا (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) عذاب ربك بهلاك قوم لوط (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ) يأتيهم (عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)) غير مصروف عنهم (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) جبريل ومن معه من الملائكة (لُوطاً) إلى لوط (سِيءَ بِهِمْ) ساءه مجيئهم (وَضاقَ بِهِمْ) اغتم بمجيئهم (ذَرْعاً) اغتماما شديدا خاف عليهم من صنيع قومه (وَقالَ) فى نفسه (هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧)) شديد علىّ.

(وَجاءَهُ قَوْمُهُ) قوم لوط (يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) يسرعون إلى داره ويهرولون هرولة (وَمِنْ قَبْلُ) أى ومن قبل مجيء جبريل (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) عملهم الخبيث (قالَ) لهم لوط (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي) ويقال : بنات قومى (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أنا أزوجكم (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فى الحرام (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) لا تفضحونى فى أضيافى (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)) يدلهم على الصواب ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ) يا لوط (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) من حاجة (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩)) يعنون عملهم الخبيث (قالَ) لوط فى نفسه (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) بالبدن والولد (أَوْ آوِي) أقدر أن أرجع (إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)) إلى

__________________

(١) انظر : السبعة (٣٨٨) ، وتفسير الطبرى (١٢ / ٤٥) ، والبحر المحيط (٥ / ٢٤٤) ، وزاد المسير (٤ / ١٣٢) ، والنكت للماوردى (٢ / ٢٢٣).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ٦١) ، وزاد المسير (٤ / ١٢٨) ، ومعانى الفراء (٢ / ٢٥) ، ومختصر الطبرى (١ / ٢٩٥) ، وغرائب النيسابورى (١٢ / ٦٥).

٣٦٧

عشيرة كثيرة لمنعت نفسى منكم ، فلما علم جبريل والملائكة خوف لوط من تهدد قومه.

(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠))

(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بالهلاك نحن نهلكهم (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) فسر بأهلك ، ويقال : أدلج بهم (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) فى بعض من الليل ، آخر الليل عند السحر (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ) لا يتخلف منكم (أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) واعلة المنافقة (إِنَّهُ مُصِيبُها) سيصيبها (ما أَصابَهُمْ) ما يصيبهم من العذاب (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ) بالهلاك (الصُّبْحُ) عند الصباح ، قال لوط : الآن يا جبريل ، قال جبريل : يا لوط (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)) لأنه رآه ولم ير لوط (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا لهلاكهم (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) قلبناها وجعلنا أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) على شذاذها ومسافريها (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) من سبخ ووحل مثل الآجر ، ويقال : من سماء الدنيا (مَنْضُودٍ (٨٢)) متتابع بعضها على أثر بعض (مُسَوَّمَةً) مخططة بالسواد والحمرة والبياض ، ويقال : مكتوب عليها اسم من هلك بها (عِنْدَ رَبِّكَ) من عند ربك يا محمد تأتى تلك الحجارة (وَما هِيَ) يعنى الحجارة (مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)) لم تخطئهم بل أصابتهم ، ويقال : ما هى من ظالمى أمتك ببعيد من يفتدى بهم أى بفعلهم.

٣٦٨

(وَإِلى مَدْيَنَ) وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ) نبيهم (شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الذى آمركم أن تؤمنوا به (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أى حقوق الناس بالكيل والوزن (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) بسعة ومال ورخص السعر (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن لم تؤمنوا به ولم توفوا بالكيل والوزن (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤)) يحيط بكم ولا ينفلت منكم أحد من القحط والجدوبة وغير ذلك (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أى أتموا الكيل والوزن (بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) لا تنقصوا حقوق الناس بالكيل والوزن (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥)) لا تعملوا فى الأرض بالفساد وبعبادة الأوثان ودعاء الناس إليها وبخس الكيل والوزن (بَقِيَّتُ اللهِ) ثواب الله على وفاء الكيل والوزن (خَيْرٌ لَكُمْ) ويقال : ما يبقى الله لكم من الحلال خير لكم مما تبخسون بالكيل والوزن (١)(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدقين بما أقول لكم (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦)) بكفيل أحفظكم لأنه لم يكن مأمورا بقتالهم (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ) كثرة صلواتك (تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأوثان (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ) لا نفعل (فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) من البخس فى الكيل والوزن (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)) السفيه الضال استهزاء به.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ) يقول إنى (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) على بيان من ربى (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) أكرمنى بالنبوة والإسلام وأعطانى مالا حلالا (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يقول : ما أريد أن أفعل ما أنهاكم عنه من البخس فى الكيل والوزن (إِنْ أُرِيدُ) ما أريد (إِلَّا الْإِصْلاحَ) العدل بالكيل والوزن (مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي) بوفاء الكيل والوزن (إِلَّا بِاللهِ) من الله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) فوضت أمرى إليه (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)) أقبل (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) لا يحملنكم (شِقاقِي) بغضى وعداوتى حتى لا تؤمنوا ولا توفوا بالكيل والوزن (أَنْ يُصِيبَكُمْ) فيصيبكم (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) يعنى عذاب قوم نوح من الغرق والطوفان (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) الهلاك بالريح (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) الصيحة (وَما قَوْمُ لُوطٍ) ما خبر قوم لوط (مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩)) قد بلغكم ما أصابهم (وَاسْتَغْفِرُوا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ٦٧) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٢٩٨) ، وزاد المسير (٤ / ١٥٦) ، والكشاف للزمخشرى (١ / ٢٧٢) ، ومختصر الطبرى (١ / ٢٩٧).

٣٦٩

رَبَّكُمْ) وحدوا ربكم (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أقبلوا إليه بالتوبة والإخلاص (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) بعبادة المؤمنين (وَدُودٌ (٩٠)) متودد إليهم بالمغفرة والثواب ، ويقال : محب لهم ويحببهم إلى الخلق ، ويقال : يحبب إليهم طاعته.

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠))

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) ما نعقل (كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) مما تأمرنا (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) ضرير البصر (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) قومك (لَرَجَمْناكَ) لقتلناك (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١)) كريم (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي) قومى (أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) من كتابه ودينه ، ويقال : عقوبة رهطى أشد عليكم من عقوبة الله (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) نبذتموه (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) خلف ظهركم ما جئت به من الكتاب (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ) بعقوبة ما تعملون (مُحِيطٌ (٩٢)) عالم (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على دينكم فى منازلكم بهلاكى (إِنِّي عامِلٌ) بهلاككم (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ) إلى من يأتيه (عَذابٌ يُخْزِيهِ) يذله ويهلكه (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) على الله (وَارْتَقِبُوا) انتظروا لهلاكى (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)) منتظر لهلاككم (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا (نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) بنعمة منا (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا يعنى قوم شعيب (الصَّيْحَةُ) بالعذاب (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ) فصاروا فى مساكنهم (جاثِمِينَ (٩٤)) ميتين رمادا (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأن لم يكونوا فى الأرض قط (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) لقوم شعيب من رحمة الله (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)) قوم صالح من رحمة الله وكان عذاب قوم صالح ، وقوم شعيب سواء

٣٧٠

كلاهما كان الصيحة بالعذاب أصابهم حر شديد ، وقوم صالح أتاهم من تحت أرجلهم العذاب ، وقوم شعيب أتاهم من فوق رءوسهم العذاب (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) التسع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦)) حجة بينة الآيات هى حجة بينة.

(إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) رؤسائه (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) وتركوا قول موسى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ) قول فرعون (بِرَشِيدٍ (٩٧)) بصواب (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) يتقدم ويقود قومه (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) فأدخلهم النار (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)) بئس المدخل فرعون وبئس المدخل قومه ، ويقال : بئس الداخل فرعون ، وبئس المدخل قومه ، ويقال : بئس المداخل فرعون وقومه ، وبئس المدخل النار (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً) أهلكوا فى هذه الدنيا بالغرق (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) لهم لعنة أخرى وهى النار (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)) يقول : بئس الغرق ورفدة النار ، ويقال : بئس العون ، وبئس المعان (١) (ذلِكَ) الذى ذكرت (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) فى الدنيا من أخبار القرى الماضية (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) ننزل عليك جبريل بأخبارها (مِنْها قائِمٌ) ينظر إليها قد باد أهلها (وَحَصِيدٌ (١٠٠)) منها ما قد خرب وهلك أهلها.

(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠))

(وَما ظَلَمْناهُمْ) بإهلاكهم (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والشرك وعبادة الأوثان (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ٧٤) ، ومختصره (٢٩٩) ، وزاد المسير (٤ / ١٦٣) ، والبحر المحيط (٥ / ٢٦٦) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٢٦٢) ، والقرطبى (٩ / ١٠٤).

٣٧١

الله (مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) حين جاء عذاب ربك (وَما زادُوهُمْ) عبادة الأوثان (غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)) غير تخسير (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) عذاب ربك (إِذا أَخَذَ الْقُرى) عذاب أهل القرى (وَهِيَ ظالِمَةٌ) مشركة كافرة (إِنَّ أَخْذَهُ) عذابه (أَلِيمٌ) وجيع (شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكر لك (لَآيَةً) لعبرة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) فلا يقتدى بهم (ذلِكَ) يوم القيامة (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) يجمع فيه الأولون والآخرون (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)) يشهده أهل السماء وأهل الأرض (وَما نُؤَخِّرُهُ) يعنى ذلك اليوم (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)) لوقت معلوم (يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) لا تشفع نفس صالحة لأحد (إِلَّا بِإِذْنِهِ) بأمره (فَمِنْهُمْ) من الناس يومئذ (شَقِيٌ) قد كتب عليه الشقاوة (وَسَعِيدٌ (١٠٥)) قد كتب له السعادة (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) كتب عليهم الشقاوة (فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) صوت كزفير الحمار فى صدره وهو أول ما ينهق (وَشَهِيقٌ (١٠٦)) كشهيق الحمار فى حلقه وهو آخر ما يفرغ من نهيقه (خالِدِينَ فِيها) دائمين فى النار (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) كدوام السموات والأرض منذ خلقت إلى أن تفنى.

(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وقد شاء ربك أن يخلدوا فى النار ، ويقال : يخلد من كتب عليه الشقاوة ما دامت السموات والأرض ، وبنوا آدم إلا ما شاء ربك أن يحوله من الشقاوة إلى السعادة ، بقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ويقال : يكونون دائمين فى النار ما دامت السموات والأرض سماء النار وأرض النار ، إلا ما شاء ربك أن يخرجهم من أهل التوحيد من كانت شقاوته بذنب دون الكفر ، فيدخله الجنة بإيمانه خالصا (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)) كما يريد (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) كتب لهم السعادة (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) دائمين فى الجنة (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) كدوام السموات والأرض منذ خلقنا (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وقد شاء ربك أن يحوله من السعادة إلى الشقاوة ، لقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من السعادة إلى الشقاوة (وَيُثْبِتُ) ويترك ، ويقال : يكونون فى الجنة دائمين ما دامت السموات والأرض سماء الجنة وأرض الجنة إلا ما شاء ربك أن يعذبه فى النار قبل أن يدخله الجنة ، ثم يخرجه من النار ويدخله الجنة فيكون بعد ذلك دائما فى الجنة (عَطاءً) ثوابا لهم (غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)) غير منقوص وغير مقطوع (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) فى شك (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) أهل مكة

٣٧٢

(ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) من قبلهم وهلكوا على ذلك (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) عقوبتهم (غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)) عقوبتهم ويقال : نزلت هذه الآية : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)) فى القدرية (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فى كتاب موسى آمن به بعض وكفر به بعض (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) وجبت (مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب عن أمتك (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لفزع من هلاكهم ولجاءهم العذاب (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠)) ظاهر الشك.

(وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))

(وَإِنَّ كُلًّا) كلا الفريقين (لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) يقول : يوفرهم (١)(رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ثواب أعمالهم بالحسن حسنا وبالسيئ سيئا (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ) من الخير والشر والثواب والعقاب (خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ) على طاعة الله (كَما أُمِرْتَ) فى القرآن (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) من الكفر والشرك أيضا فليستقم معك (وَلا تَطْغَوْا) لا تكفروا ولا تعصوا بما فى القرآن من الحلال والحرام (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (١١٢)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ٩٣) وزاد المسير (٤ / ١٨٣) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٤٦٩) ، والقرطبى (٩ / ١٣٠).

٣٧٣

وَلا تَرْكَنُوا) لا تميلوا (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصى (فَتَمَسَّكُمُ) فتصيبكم (النَّارُ) كما تصيبهم (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ أَوْلِياءَ) من أقرباء تحفظكم من عذاب الله (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣)) لا تمنعون بما يراد لكم (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أتم الصلاة (طَرَفَيِ النَّهارِ) صلاة الغداة والظهر والعصر (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) دخول الليل صلاة المغرب والعشاء (إِنَّ الْحَسَناتِ) الصلوات الخمس (يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يكفرن السيئات دون الكبائر ، ويقال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤)) توبة للتائبين ، ويقال : كفارات لذنوب التائبين نزلت فى شأن رجل تمار ، يقال له : عمرو بن عربه (وَاصْبِرْ) يا محمد على ما أمرت وعلى أذاهم (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ) لا يبطل (أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)) ثواب المؤمنين المحسنين بالقول والفعل.

(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ) يقول : لم يكن من القرون الماضية (مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) من المؤمنين (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) عن الكفر والشرك وعبادة الأوثان وسائر المعاصى فى الأرض (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) من المؤمنين مقدم ومؤخر (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) اشتغل الذين أشركوا (ما أُتْرِفُوا فِيهِ) بما نعموا فيه فى الدنيا من المال (وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)) مشركين (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ) أهل (الْقُرى بِظُلْمٍ) منهم (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧)) بظلم منه وأهلها مصلحون مقيمون على الطاعة مستمسكون بها (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) لجمعهم على ملة واحدة ملة الإسلام (وَلا يَزالُونَ) ولكن لا يزالون (مُخْتَلِفِينَ (١١٨)) فى الدين والباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) عصم (رَبُّكَ) من الباطل والأديان المختلفة وهم المؤمنون (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) للرحمة خلق أهل الرحمة وللاختلاف خلق أهل الاختلاف (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وجب قول ربك (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) من كفار الجن والإنس (أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ) كما نبين لك (مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) أخبار الرسل (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) لكى نطيب به قلبك أنه قد فعل بغيرك من الأنبياء ما فعل بك (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السورة (الْحَقُ) خبر الحق (وَمَوْعِظَةٌ) يعنى من المعاصى (وَذِكْرى) عظة (لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بالله وباليوم الآخر ، يعنى وبالملائكة والكتب والنبيين (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ)

٣٧٤

على دينكم فى منازلكم بهلاكى (إِنَّا عامِلُونَ (١٢١)) فى هلاككم (١) (وَانْتَظِرُوا) هلاكى (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)) هلاككم (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب عن العباد (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ) وإلى الله يرجع أمر العباد (كُلُّهُ) فى الآخرة (فَاعْبُدْهُ) فأطعه (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ثق به (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)) من المعاصى ، ويقال : بتارك عقوبة ما تعملون.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ٩٩) ، وزاد المسير (٤ / ١٩٤).

٣٧٥

سورة يوسف

ومن السورة التى يذكر فيها يوسف عليه‌السلام ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله عزوجل : (الر) يقول : أنا الله أرى ما تقولون وما تعملون ، وأن ما يقرأ عليكم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) هو كلامى ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١)) إن هذه السورة آيات القرآن المبين بالحلال والحرام والأمر والنهى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) إنا أنزلنا جبريل بالقرآن على محمد على مجرى اللغة العربية (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)) لكى تعقلوا ما أمرتم به وما نهيتم عنه (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) نبين لك (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أحسن الخبر من أخبار يوسف وإخوته ، عليهم‌السلام (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) بالذى أوحينا إليك (هذَا الْقُرْآنَ) فى هذا القرآن (وَإِنْ كُنْتَ) وقد كنت (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل نزول جبريل عليك بالقرآن (لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)) عن خبر يوسف وإخوته (إِذْ قالَ) قد قال (يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ) فى منام النهار (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) نزلن من أماكنهن وسجدن لى سجدة التحية ، وهم إخوته أحد عشر أخا (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ

٣٧٦

لِي ساجِدِينَ (٤)) يقول : رأيت الشمس والقمر نزلا من أماكنهما وسجدا لى سجدة التحية وهما أبواه راحيل ويعقوب (قالَ) يعقوب ليوسف فى السر (يا بُنَيَ) إذا رأيت رؤيا بعد هذا (لا تَقْصُصْ) لا تخبر (رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) لإخوتك (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) فيحتالوا لك حيلة يكون فيها هلاكك (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ) لبنى آدم (عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)) ظاهر العداوة يحملهم على الحسد.

(وَكَذلِكَ) هكذا (يَجْتَبِيكَ) يصطفيك (رَبُّكَ) بالنبوة (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) من تعبير الرؤيا (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة والإسلام أى يميتك على ذلك (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بك ويتم نعمته أيضا على أولاد يعقوب بك (كَما أَتَمَّها) نعمته بالنبوة والإسلام (عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ) من قبلك (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بنعمته (حَكِيمٌ (٦)) بإتمامها ، ويقال : عليم برؤياك حكيم بما يصيبك (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ) فى خبر يوسف (وَإِخْوَتِهِ آياتٌ) عبرات (لِلسَّائِلِينَ (٧)) عن خبرهم ، نزلت هذه الآية فى حبر من اليهود (إِذْ قالُوا) إخوة يوسف بعضهم لبعض (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) بنيامين (أَحَبُّ إِلى أَبِينا) آثر عنده (مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) عشرة (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨)) فى خطأ بين فى حب يوسف واختياره علينا ، ثم قال بعضهم لبعض : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) فى جب (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) يقول : يقبل عليكم أبوكم بوجهه (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد قتله (قَوْماً صالِحِينَ (٩)) تائبين من قتله ، ويقال : صلحت حالكم مع أبيكم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) من إخوة يوسف وهو يهوذا لإخوته (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ) ولكن أطرحوه (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) فى أسفل الجب ، ويقال : فى طلمته (يَلْتَقِطْهُ) يرفعه (بَعْضُ السَّيَّارَةِ) مارى الطريق من المسافرين (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)) به أمرا ، ثم جاءوا إلى أبيهم.

(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا

٣٧٧

صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠))

(قالُوا) لأبيهم (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١)) حافظون (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ) يذهب ويجئ وينشط (وَيَلْعَبْ) يله (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢)) مشفقون (قالَ) أبوهم (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) فلا أراه (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) لأنه رأى فى منامه أن ذئبا يشتد عليه فمن ذلك قال وأخاف أن يأكله الذئب (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣)) باللعب ، ويقال : مشغولون بعملكم (قالُوا) لأبيهم (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) عشرة (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤)) لعاجزون ، ويقال : مغبونون بترك حرمة الولد والأخ (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) بعد ما أذن لهم بذهابه (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ) يقول : اجتمعوا على أن يطرحوه (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) فى أسفل الجب (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) إلى يوسف أرسلنا إليه جبريل ، ويقال ألهمه (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ) لتخبرنهم يا يوسف (بِأَمْرِهِمْ) بصنيعهم (هذا) بك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥)) وهم لا يعلمون أنك يوسف حتى تخبرهم ، ويقال : لا يعلمون بوحينا إلى يوسف (وَجاؤُ أَباهُمْ) إلى أبيهم (عِشاءً) بعد الظهر (يَبْكُونَ (١٦)) على يوسف (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) ننتضل ونصطاد (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) ليحفظه (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) كما قلت (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) بمصدق (لَنا وَلَوْ كُنَّا) إن كنا (صادِقِينَ (١٧)) فى قولنا.

(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ) لطخوا على قميصه (بِدَمٍ كَذِبٍ) دم جدى ، ويقال : طرى إن قرأت بالدال (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) زينت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فى هلاك يوسف ففعلتم (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فعلى صبر جميل بلا جزع (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ) منه أستعين (عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)) على صبرى على ما تقولون من هلاكه ولم يصدقهم فى قولهم لأنهم قالوا مرة أخرى قبل هذا : قتله اللصوص (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) قافلة من المسافرين من قبل مدين يريدون مصر فتحيروا فى الطريق فأخطئوا الطريق فجعلوا يهيمون فى الأرض حتى وقعوا فى الأرض التى فيها الجب ، وهى أرض دوثن بين مدين ومصر فنزلوا عليه (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) فأرسل كل قوم طالب الماء وهو ساقيهم فوافق

٣٧٨

جب يوسف مالك بن دعر ، رجل من العرب من أهل مدين ابن أخى شعيب النبى ، عليه‌السلام (فَأَدْلى دَلْوَهُ) فأرخى دلوه فى جب يوسف فتعلق يوسف به فلم يقدر على نزعه من البئر فنظر فيه فرأى غلاما قد تعلق بالدلو فنادى أصحابه (١)(قالَ يا بُشْرى)(٢) هذا بشراى يا أصحاب قالوا : ما ذلك يا مالك ، قال : (هذا غُلامٌ) أحسن ما يكون من الغلمان فاجتمعوا عليه فأخرجوه من الجب (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) وكتموه من القوم ، وقالوا لقومهم : هذه بضاعة استبضعها أهل الماء لنبيعه لهم بمصر (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩)) بيوسف يعنى إخوة يوسف ، ويقال : أهل القافلة (وَشَرَوْهُ) باعوه إخوته من مالك بن دعر (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) نقصان بالوزن ، ويقال : زيوف ، ويقال : حرام (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) عشرين درهما ، ويقال : اثنين وثلاثين درهما (وَكانُوا فِيهِ) فى ثمن يوسف (مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)) لم يحتاجوا إليه ، ويقال : كان إخوة يوسف فى يوسف من الزاهدين لم يعرفوا قدره.

(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠))

__________________

(١) انظر : النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى (٢ / ٢٩٣).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ١٠٨) ، ومختصره (١ / ٣٠٦) ، وزاد المسير (٤ / ٢٠٣) ، وتفسير القرطبى (٩ / ١٦٥).

٣٧٩

(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) اشترى يوسف (مِنْ مِصْرَ) فى مصر وهو العزيز ، خازن الملك وهو صاحب جنوده وكان يسمى : قطفير (لِامْرَأَتِهِ) زليخا (أَكْرِمِي مَثْواهُ) قدره ومنزلته (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فى ضيعتنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أو نتبناه وكان اشتراه من مالك بن دعر بعشرين درهما وحلة ونعلين (وَكَذلِكَ) هكذا (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) ملكنا يوسف (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) تعبير الرؤيا (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) على مقدوره ولا يرد مقدوره أحد (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ (٢١)) ذلك ولا يصدقون ، ويقال : لا يعلمون أن الله غالب على أمره (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) والأشد من : ثمان عشرة سنة ، إلى ثلاثين سنة (آتَيْناهُ) أعطيناه (حُكْماً وَعِلْماً) فهما ونبوة (وَكَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)) بالقول والفعل بالعلم والحكمة.

(وَراوَدَتْهُ) طلبته (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) أن تستمكن من نفسه (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) عليها وعلى يوسف (وَقالَتْ) ليوسف (هَيْتَ لَكَ) هلم أنا لك ، ويقال : تعال أنا لك ، ويقال : تهيأت لك ، معناه إن قرأت بنصب الهاء والتاء هلم لك ، وإن قرأت بكسر الهاء وضم التاء والهمزة تهيأت لك ، وإن قرأت بنصب الهاء ورفع التاء ، يقال : أن لك (١)(قالَ) يوسف (مَعاذَ اللهِ) أعوذ بالله من هذا الأمر (إِنَّهُ رَبِّي) سيدى العزيز (أَحْسَنَ مَثْوايَ) قدرى ومنزلتى لا أخونه فى أهله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) لا يأمن ولا ينجو (الظَّالِمُونَ (٢٣)) الزانون من عذاب الله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) المرأة (وَهَمَّ بِها) يوسف زليخا ليوسف (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) عذاب ربه على نفسه لازما ، ويقال : رأى صورة أبيه ، ويقال : لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها مقدم ومؤخر (كَذلِكَ) هكذا (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) القبح (وَالْفَحْشاءَ) يعنى الزنا (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)) المعصومين من الزنا (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) تبادرا إلى الباب ، أراد يوسف ليخرج وأرادت المرأة لتغلق الباب على يوسف فسبقته المرأة (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) شقت قميص يوسف نصفين (مِنْ دُبُرٍ) من الخلف من وسطه إلى قدامه (وَأَلْفَيا) وجدا (سَيِّدَها) زوج المرأة ، وأخ المرأة ، ويقال : ابن عمها (لَدَى الْبابِ) عند الباب (قالَتْ) المرأة لزوجها (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ١٢٨) ، وزاد المسير (٤ / ٢٢٤) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٤٦) ، والنكت للماوردى (٢ / ٢٦١) ، وتفسير القرطبى (٩ / ١٩١).

٣٨٠