تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

معهم مع بنى قريظة (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) حين (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦)) عن نقض العهد.

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) تأسرنهم (فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ) فنكل بهم (مَنْ خَلْفَهُمْ) لكى يكونوا عبرة لمن خلفهم (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)) يتعظون فيجتنبون نقض العهد (وَإِمَّا تَخافَنَ) تعلمن (مِنْ قَوْمٍ) من بنى قريظة (خِيانَةً) بنقض العهد (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) فنابذهم على بيان (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)) بنقض العهد وغيره من بنى قريظة وغيرهم (وَلا يَحْسَبَنَ) لا تظنن يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا) بنى قريظة وغيرهم (سَبَقُوا) فاتوا من عذابنا بما قالوا وصنعوا (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)) لا يفوتون من عذابنا (وَأَعِدُّوا لَهُمْ) لبنى قريظة وغيرهم (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) من سلاح (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) من الخيل الروابط الإناث (تُرْهِبُونَ بِهِ) تخوفون بالخيل (عَدُوًّا لِلَّهِ) فى الدين (وَعَدُوَّكُمْ) بالقتل (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) من دون بنى قريظة وسائر العرب ، ويقال : كفار الجن (لا تَعْلَمُونَهُمُ) لا تعلمون عدتهم (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) يعلم عدتهم (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) من مال (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله على السلاح والخيل (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) يوف لكم ثوابه لا ينقص (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)) لا تنقصون من ثوابكم.

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً

٣٠١

يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠))

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) إن مال بنو قريظة إلى الصلح فأرادوا الصلح (فَاجْنَحْ لَها) مما إليها أوردها (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فى نقضهم ووفائهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لمقالتهم (الْعَلِيمُ (٦١)) بنقضهم ووفائهم (وَإِنْ يُرِيدُوا) بنو قريظة (أَنْ يَخْدَعُوكَ) بالصلح (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) الله حسبك وكافيك (١)(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ) قواك وأعانك (بِنَصْرِهِ) يوم بدر (وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)) بالأوس والخزرج (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) جمع بين قلوبهم وكلمتهم بالإسلام (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الذهب والفضة جميعا (ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) ما جمعت بين قلوبهم وكلمتهم (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) بين قلوبهم وكلمتهم بالإيمان (إِنَّهُ عَزِيزٌ) فى ملكه وسلطانه (حَكِيمٌ (٦٣)) فى أمره وقضائه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) الله حسبك (وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)) الأوس والخزرج (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) حض وحث المؤمنين (عَلَى الْقِتالِ) يوم بدر (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) فى الحرب محتسبون (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) يقاتلوا مائتين من المشركين (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا) يقاتلوا (أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)) أمر الله وتوحيده (الْآنَ) بعد يوم بدر (خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) هون الله عليكم (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) بالقتال (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ) محتسبة (يَغْلِبُوا) يقاتلوا (مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا) يقاتلوا (أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)) معين الصابرين فى الحرب بالنصرة.

(ما كانَ لِنَبِيٍ) ما ينبغى لنبى (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) أسارى من الكفار (حَتَّى يُثْخِنَ) يغلب (فِي الْأَرْضِ) بالقتال (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) بفداء أسارى يوم بدر (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ) بالنقمة من أعدائه (حَكِيمٌ (٦٧)) بالنصرة لأوليائه (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) لو لا حكم من الله بتحليل الغنائم لأمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، ويقال : بالسعادة لأهل بدر (لَمَسَّكُمْ) لأصابكم

__________________

(١) انظر : النكت للماوردى (١ / ١١١) ، حيث قال وجهين : أحدهما : حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين الله ، والثانى : حسبك أن تتوكل عليه ، والمؤمنون أن تقاتل بهم. انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ٤١٧) ، والزجاج (٢ / ٤٦٨).

٣٠٢

(فِيما أَخَذْتُمْ) من الفداء (عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)) شديد (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) من الغنائم غنائم بدر (حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله فى الغلول (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٦٩)) بما كان بينكم يوم بدر من الفداء (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) يعنى عباسا (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) تصديقا وإخلاصا (يُؤْتِكُمْ) يعطكم (خَيْراً) أفضل (مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من الفداء (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم فى الجاهلية (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٧٠)) لمن آمن به.

(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))

(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) بالإيمان يا محمد (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أى من قبل هذا بترك الإيمان والمعصية (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أظهرك عليهم يوم بدر (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما فى قلوبهم من الخيانة وغيرها (حَكِيمٌ (٧١)) فيما حكم عليهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (وَالَّذِينَ آوَوْا) وطنوا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه بالمدينة (وَنَصَرُوا) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يوم بدر (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فى الميراث (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَلَمْ يُهاجِرُوا) من مكة إلى المدينة (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ) من ميراثهم (مِنْ شَيْءٍ) وما ميراثكم لهم من شىء (حَتَّى يُهاجِرُوا) من مكة إلى المدينة (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) استعانوكم على عدوكم فى الدين (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) على عدوهم (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) فلا تعينوهم عليهم ولكن أصلحوا بينهم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الصلح وغيره (بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فى الميراث (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) قسمة المواريث كما

٣٠٣

بين لكم لذوى القرابة (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) بالشرك والارتداد (وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣)) بالقتل والمعصية.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (وَالَّذِينَ آوَوْا) وطنوا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه بالمدينة (وَنَصَرُوا) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يوم بدر (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) صدقا يقينا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم فى الدنيا (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)) ثواب حسن فى الجنة (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (مِنْ بَعْدُ) من بعد المهاجرين الأولين (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا مَعَكُمْ) العدو (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) معكم فى السر والعلانية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) ذو والقرابة فى النسب الأول فالأول (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى الميراث (فِي كِتابِ اللهِ) فى اللوح المحفوظ نسخ بهذه الآية الأولى (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من قسمة المواريث وصلاحكم وغيرها (عَلِيمٌ (٧٥)) يعلم نقص عهود المشركين ، والله أعلم بأسرار كتابه (١).

__________________

(١) انظر : البخارى (٨ / ١٦٣) فتح ، الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٥٥) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ٢٧) ، وزاد المسير لابن الجوزى (٣ / ٣٧٨) ، والمصفى له (ص ٢٠٧)

٣٠٤

سورة التّوبة

السورة التى يذكر فيها التوبة وهى كلها

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (بَراءَةٌ) هذه براءة (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)) ثم نقضوا ، والبراءة هى نقض العهد ، يقول : من كان بينه وبين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عهد فقد نقضه منهم ، فمنهم من كان عهده أربعة أشهر ، ومنهم من كان عهده فوق أربعة أشهر ، ومنهم من كان عهده دون أربعة أشهر ، ومنهم من كان عهده تسعة أشهر ، ومنهم من لم يكن بينه وبين رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عهد فنقضوا كلهم إلا من كان عهده تسعة أشهر ، وهم بنو كنانة فمن كان عهده فوق أربعة أشر ودون أربعة أشهر ، جعل عهده أربعة أشهر بعد النقض من يوم النحر ، ومن

٣٠٥

كان عهده أربعة أشهر جعل عهده بعد النقض أربعة أشهر من يوم النحر ، ومن كان عهده تسعة أشهر ترك على ذلك ، ومن لم يكن له عهد جعل عهده خمسين يوما من يوم النحر إلى خروج المحرم ، فقال لهم : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) فامضوا فى الأرض من يوم النحر (١)(أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) آمنين من القتل بالعهد (وَاعْلَمُوا) يا معشر الكفار (أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) غير فائتين من عذاب الله بالقتل بعد أربعة أشهر (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)) معذب الكافرين بعد أربعة أشهر بالقتل (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ) وهذا إعلام من الله (وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) للناس (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم النحر (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ودينهم وعهدهم الذى نقضوا (وَرَسُولِهِ) أيضا برئ من ذلك (فَإِنْ تُبْتُمْ) من الشرك وآمنتم بالله وبمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الشرك (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن الإيمان والتوبة (فَاعْلَمُوا) يا معشر المشركين (أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) غير فائتين من عذاب الله (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)) يعنى بالقتل بعد أربعة أشهر.

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعنى بنى كنانة بعد عام الحديبية (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) لم ينقصوا عهدهم ممن كان لهم تسعة أشهر (وَلَمْ يُظاهِرُوا) ولم يعاونوا (عَلَيْكُمْ أَحَداً) من عدوكم (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ) لهم (عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) إلى وقت أجلهم تسعة أشهر (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)) عن نقض العهد (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) فإذا خرج شهر المحرم من بعد يوم النحر (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) من كان عهدهم خمسين يوما (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فى الحل والحرم والأشهر الحرم (وَخُذُوهُمْ) أى ائسروهم (وَاحْصُرُوهُمْ) احبسوهم عن المبيت (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) على كل طريق يذهبون ويجيئون فيه للتجارة (فَإِنْ تابُوا) من الشرك وآمنوا بالله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أقروا بالصلوات الخمس (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أقروا بأداء الزكاة (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) إلى البيت (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) متجاوز لمن تاب منهم (رَحِيمٌ (٥)) لمن مات على التوبة (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) استأمنك (فَأَجِرْهُ) فأمنه (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) قراءتك لكلام الله (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وطنه حيثما جاء إن لم يؤمن (ذلِكَ) الذى ذكرت (بِأَنَّهُمْ

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٥٧) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ٣٧) ، ولباب النقول للسيوطى (١١٥).

٣٠٦

قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)) أمر الله وتوحيده (كَيْفَ) على وجه التعجب (يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بعد عام الحديبية وهم بنو كنانة (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) بالوفاء (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) بالتمام (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)) عن نقض العهد.

(كَيْفَ) على وجه التعجب يكون بينكم وبينهم عهد (وَإِنْ يَظْهَرُوا) يغلبوا (عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ) لا يحفظوكم (إِلًّا) لقبل القرابة ، ويقال : لقبل الله (وَلا ذِمَّةً) أى ولا يقبل العهد (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) بألسنتهم (وَتَأْبى) تنكر (قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ) كلهم (فاسِقُونَ (٨)) ناقضون العهد (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (ثَمَناً قَلِيلاً) عوضا يسيرا (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) عن دينه وطاعته (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩)) بئس ما كانوا يصنعون من الكتمان وغيره ، ويقال : نزلت هذه الآية فى شأن اليهود (لا يَرْقُبُونَ) لا يحفظون (فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا) قرابة ، ويقال : إلا هو الله (وَلا ذِمَّةً) ولا لقبل العهد (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)) من الحلال إلى الحرام بنقض العهد وغيره.

(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))

٣٠٧

(فَإِنْ تابُوا) من الشرك ، وآمنوا بالله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أقروا بالصلوات (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أقروا بالزكاة (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) فى الإسلام (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) نبين القرآن بالأمر والنهى (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)) ويصدقون (وَإِنْ نَكَثُوا) أهل مكة (أَيْمانَهُمْ) عهودهم التى بينكم وبينهم (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) عابوكم فى دين الإسلام (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) قادة الكفر أبا سفيان وأصحابه (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) لا عهد لهم (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)) لكى ينتهوا عن نقض العهد (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) ما لكم لا تقاتلون قوما يعنى أهل مكة (نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا عهودهم التى بينكم وبينهم (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) أرادوا قتل الرسول حيث دخلوا دار الندوة (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بنقض العهد منهم حيث أعانوا بنى بكر حلفاءهم على بنى خزاعة حلفاء النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (أَتَخْشَوْنَهُمْ) يا معشر المؤمنين أتخشون قتالهم (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فى ترك أمره (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) بسيوفكم بالقتل (وَيُخْزِهِمْ) يذلهم بالهزيمة (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) بالغلبة (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)) يفرح قلوب بنى خزاعة عليهم بما أحل لهم القتل يوم فتح مكة ساعة فى الحرم (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) حنق قلوبهم (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) على من تاب منهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمن تاب وبمن لم يتب منهم (حَكِيمٌ (١٥)) فيما حكم عليهم ، ويقال : حكم بقتلهم وهزيمتهم (أَمْ حَسِبْتُمْ) أظننتم يا معشر المؤمنين (أَنْ تُتْرَكُوا) أن تهملوا وأن لا تؤمروا بالجهاد (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) ولم ير الله (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) فى سبيل الله (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ) المخلصين (وَلِيجَةً) بطانة من الكفار (١)(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦)) من الخير والشر فى الجهاد وغيره.

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) ما ينبغى للمشركين (أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) بتلبيتهم (بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) بطلت حسناتهم فى الكفر

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٠ / ٦٥) ، ومختصره (١ / ٢٤٣) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٢٥٤) ، واللسان ولج ، ومفردات الراغب (٨٣٥) ، وغريب ابن قتيبة (١٨٣) ، والغريبين للهروى ـ ط العصرية ، بتحقيقنا.

٣٠٨

(وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)) لا يموتون ولا يخرجون منها (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) المسجد الحرام (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بالبعث بعد الموت (وَأَقامَ الصَّلاةَ) أتم الصلوات الخمس (وَآتَى الزَّكاةَ) أدى الزكاة المفروضة (وَلَمْ يَخْشَ) ولم يعبد (إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)) بدين الله وحجته وعسى من الله واجب ، ثم نزلت فى رجل من المشركين أسر يوم بدر فافتخر على رجل من أهل بدر ، لقوله : نحن نسقى الحاج ونعمر المسجد الحرام ونفعل كذا (١) فقال الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) أقلتم إن سقى الحاج (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ) كإيمان من آمن بالله ، يعنى البدرى (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بالبعث بعد الموت (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله يوم بدر (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) فى الطاعة والثواب (وَاللهُ لا يَهْدِي) لا يرشد ولا يوفق إلى دينه (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)) المشركين من لم يكن أهلا لذلك (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) بنفقة أموالهم وبخروج أنفسهم (أَعْظَمُ دَرَجَةً) فضيلة (عِنْدَ اللهِ) من غيرهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)) فازوا بالجنة ونجوا من النار.

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ

__________________

(١) انظر : : الفتح الربانى (١٨ / ١٥٩) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ٦٧) ، وزاد المسير (٣ / ٤٠٦) ، والدر المنثور (٣ / ٢١٨).

٣٠٩

الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ) بنجاة (مِنْهُ) من الله من العذاب (وَرِضْوانٍ) برضا ربهم عنهم (وَجَنَّاتٍ) بجنات (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)) دائم لا ينقطع (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا يموتون ولا يخرجون (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)) ثواب وافر لمن آمن به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الذين بمكة من الكفار (أَوْلِياءَ) فى الدين (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) اختاروا الكفر على الإيمان (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) فى الدين (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)) الكافرون مثلهم ، ويقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) من المؤمنين الذين بمكة الذين منعوكم عن الهجرة (أَوْلِياءَ) فى العون والنصرة (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) اختاروا الكفر على الإيمان (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) فى الدين (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الكافرون مثلهم ، ويقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) من المؤمنين الذين بمكة الذين منعوكم عن الهجرة (أَوْلِياءَ) فى العون والنصرة (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ) اختاروا دار الكفر يعنى مكة (عَلَى الْإِيمانِ) على دار الإسلام يعنى المدينة (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) فى العون والنصرة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الضارون بأنفسهم.

(قُلْ) يا محمد (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) قومكم الذين هم بمكة (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) اكتسبتموها (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها) أن لا تنفق بالمدينة (وَمَساكِنُ) منازل (تَرْضَوْنَها) تشتهون الجلوس فيها (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) من طاعة الله (وَرَسُولِهِ) ومن الهجرة إلى رسوله (وَجِهادٍ) ومن جهاد (فِي سَبِيلِهِ) فى طاعته (فَتَرَبَّصُوا) فانتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) بعذابه يعنى القتل يوم فتح مكة ثم يهاجروا بعد ذلك (وَاللهُ لا يَهْدِي) لا يرشد إلى دينه (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤)) الكافرين من لم

٣١٠

يكن أهلا لدينه (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) فى مشاهد كثيرة عند القتال (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) خاصة وهو واد بين مكة والطائف (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) كثرة جموعكم وكانوا عشرة آلاف رجل (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ) كثرتكم من الهزيمة (شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ) من الخوف (بِما رَحُبَتْ) بسعتها (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)) منهزمين من العدو وكان عددهم أربعة آلاف رجل (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً) من السماء (لَمْ تَرَوْها) يعنى الملائكة بالنصرة لكم (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والهزيمة يعنى قوم مالك بن عوف الدهمانى ، وقوم كنانة بن عبد ياليل الثقفى (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦)) فى الدنيا.

(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) القتال والهزيمة (عَلى مَنْ يَشاءُ) على من تاب منهم (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٢٧)) لمن تاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) قذر (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) بالحج والطواف (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) عام البراءة يوم النحر (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) الفقر والحاجة (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه من وجه آخر (إِنْ شاءَ) حيث شاء ويغنيكم عن تجارة بكر بن وائل (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأرزاقكم (حَكِيمٌ (٢٨)) فيما حكم عليكم (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولا بنعيم الجنة (وَلا يُحَرِّمُونَ) فى التوراة (ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) لا يخضعون لله بالتوحيد ، ثم بين من هم فقال : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أعطوا الكتاب يعنى اليهود والنصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) عن قيام من يد فى يد (وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)) ذليلون (وَقالَتِ الْيَهُودُ) يهود أهل المدينة (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى) نصارى أهل نجران (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) بألسنتهم (يُضاهِؤُنَ) يشابهون (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) من قبلهم يعنى أهل مكة ؛ لأن أهل مكة قالوا : اللات والعزى ومناة بنات الله ، وكذلك قالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى ، قال بعضهم : المسيح ابن الله ، وقال بعضهم : شريكه ، وقال بعضهم : هو الله ، وقال بعضهم : ثالث ثلاثة (قاتَلَهُمُ اللهُ) لعنهم الله (أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)) من أين يكذبون.

٣١١

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ) علماءهم ، يعنى اليهود (وَرُهْبانَهُمْ) واتخذت النصارى أصحاب الصوامع (أَرْباباً) أطاعوهم بالمعصية (١)(مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) واتخذوا المسيح ابن مريم إلها (وَما أُمِرُوا) فى جملة الكتب (إِلَّا لِيَعْبُدُوا) ليوحدوا (إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ٤٣٣) ، وزاد المسير (٣ / ٤٢٦) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ٣٠) ، وتفسير القرطبى (٨ / ١٢٠) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٣١).

٣١٢

سُبْحانَهُ) نزه نفسه (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا) يبطلوا (نُورَ اللهِ) دين الله (بِأَفْواهِهِمْ) بتكذيبهم ، ويقال بألسنتهم (وَيَأْبَى اللهُ) لا يترك الله (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) إلا أن يظهر دينه الإسلام (وَلَوْ كَرِهَ) وإن كره (الْكافِرُونَ (٣٢)) أن يكون ذلك (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (بِالْهُدى) بالقرآن والإيمان (وَدِينِ الْحَقِ) دين الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليظهر دين الإسلام على الأديان كلها من قبل أن تقوم الساعة (وَلَوْ كَرِهَ) وإن كره (الْمُشْرِكُونَ (٣٣)) أن يكون ذلك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ) علماء اليهود (وَالرُّهْبانِ) أصحاب الصوامع (لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) بالرشوة والحرام (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله وطاعته (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) يجمعون (الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) يعنى الكنوز (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله ، ويقال : ولا يؤدون زكاتها (فَبَشِّرْهُمْ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)) وجيع (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها) على الكنوز ، ويقال على النار (فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها) فتضرب بالكنوز (جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا) يقال لهم : عقوبة هذا (ما كَنَزْتُمْ) أى جمعتم من الأموال (لِأَنْفُسِكُمْ) فى الدنيا (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ) بما كنتم (تَكْنِزُونَ (٣٥)) تجمعون (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) يقول : السنة بالشهور عند الله ، يعنى شهور السنة التى تؤدى فيها الزكاة (اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) فى اللوح المحفوظ (يَوْمَ) من يوم (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها) من الشهور (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحساب القائم لا يزيد ولا ينقص (فَلا تَظْلِمُوا) فلا تضروا (فِيهِنَ) فى الشهور (أَنْفُسَكُمْ) بالمعصية ، ويقال : فى الأشهر الحرم (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) جميعا فى الحل والحرم (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) جميعا (وَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)) الكفر والشرك والفواحش ، ونقض العهد ، والقتال فى أشهر الحرم (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) يقول : تأخير المحرم إلى صفر معصية زيادة مع الكفر (يُضَلُّ بِهِ) يغلط بتأخير المحرم إلى صفر (الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ) يعنى المحرم (عاماً) فيقاتلون فيه (وَيُحَرِّمُونَهُ) يعنى المحرم (عاماً) فلا يقاتلون فيه

٣١٣

فإذا أحلوا المحرم حرموا صفر بدله (لِيُواطِؤُا) ليوافقوا (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أربعا بالعدد (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) يعنى المحرم (زُيِّنَ لَهُمْ) حسن لهم (سُوءُ أَعْمالِهِمْ) قبح أعمالهم (وَاللهُ لا يَهْدِي) لا يرشد إلى دينه (الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧)) من لم يكن أهلا لذلك ، وكان الذى يفعل هذا رجل يقال له : نعيم بن ثعلبة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يا أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) اخرجوا مع نبيكم (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله فى غزوة تبوك (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) اشتهيتم الجلوس على الأرض (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا (مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨)) يسير لا يبقى (إِلَّا تَنْفِرُوا) إن لم تخرجوا مع نبيكم إلى غزوة تبوك (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) وجيعا فى الدنيا والآخرة (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) خيرا منكم وأطوع (وَلا تَضُرُّوهُ) أى لا يضر الله جلوسكم (شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من العذاب والبدل (قَدِيرٌ (٣٩) إِلَّا تَنْصُرُوهُ) إن لم تنصروا محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالخروج معه إلى غزوة تبوك (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (ثانِيَ اثْنَيْنِ) يعنى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أبا بكر (إِذْ هُما) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأبو بكر ، رضى الله عنه (فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (لِصاحِبِهِ) أبى بكر (لا تَحْزَنْ) يا أبا بكر (إِنَّ اللهَ مَعَنا) معيننا (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلَيْهِ) على نبيه (وَأَيَّدَهُ) أعانه يوم بدر ، ويوم الأحزاب ، ويوم حنين (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) يعنى الملائكة (وَجَعَلَ كَلِمَةَ) دين (الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) المغلوبة المذمومة (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) الغالبة الممدوحة (وَاللهُ عَزِيزٌ) بالنقمة من أعدائه (حَكِيمٌ (٤٠)) بالنصرة لأوليائه.

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا

٣١٤

بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))

(انْفِرُوا) اخرجوا مع نبيكم إلى غزوة تبوك (خِفافاً وَثِقالاً) شبابا وشيوخا ، ويقال : نشاطا وغير نشاط ، ويقال : خفافا من المال والعيال ، وثقالا بالمال والعيال (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (ذلِكُمْ) الجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) من الجلوس (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (تَعْلَمُونَ (٤١)) وتصدقون ذلك (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) غنيمة قريبة (وَسَفَراً قاصِداً) هينا (لَاتَّبَعُوكَ) إلى غزوة تبوك بطيبة الأنفس (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) السفر إلى الشام (١)(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) لكم إذا رجعتم من غزوة تبوك ؛ عبد الله بن أبى وجد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (لَوِ اسْتَطَعْنا) بالزاد والراحلة (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) إلى غزوة تبوك (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بالحلف الكاذبة (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢)) لأنهم كانوا يستطيعون الخروج مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (عَفَا اللهُ عَنْكَ) يا محمد (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) للمنافقين بالجلوس (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) فى إيمانهم بالخروج معك (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)) فى إيمانهم بالتخلف عن الخروج بلا إذن (لا يَسْتَأْذِنُكَ) بعد غزوة تبوك (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فى السر والعلانية (أَنْ يُجاهِدُوا) أن لا يجاهدوا (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤)) الكفر والشرك (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) بالجلوس عن الخروج (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ

__________________

(١) انظر : غريب ابن قتيبة (١٨٧) ، والمفردات للراغب (٣٨٧) ، والغريبين للهورى ، وتفسير مقاتل ابن سليمان ، وابن أبى زمنين.

٣١٥

الْآخِرِ) فى السر (وَارْتابَتْ) شكت (قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ) فى شكهم (يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)) يتحيرون (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) معك إلى غزوة تبوك (لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج (عُدَّةً) قوة من السلاح والزاد (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) خروجهم معك إلى غزوة تبوك (فَثَبَّطَهُمْ) فحبسهم عن الخروج (وَقِيلَ اقْعُدُوا) تخلفوا (مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦)) مع المتخلفين بغير عذر أوقع ذلك فى قلوبهم. (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ) معكم (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) شرا وفسادا (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) لساروا على الإبل وسطكم (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يطلبون فيكم الشر والفساد والذلة والعيب (وَفِيكُمْ) معكم (سَمَّاعُونَ لَهُمْ) جواسيس للكفار (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)) بالمنافقين عبد الله بن أبى وأصحابه (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) أى بغوا لك الغوائل ، يعنى طلبوا لك الشر (مِنْ قَبْلُ) من قبل غزوة تبوك (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) ظهرا لبطن وبطنا لظهر (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) كثر المؤمنين (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) دين الله الإسلام (وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨)) ذلك (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَقُولُ) وهو جد بن قيس (ائْذَنْ لِي) بالجلوس (وَلا تَفْتِنِّي) فى بنات الأصفر (أَلا فِي الْفِتْنَةِ) فى الشرك والنفاق (سَقَطُوا) وقعوا (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ) ستحيط (بِالْكافِرِينَ (٤٩)) يوم القيامة (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) الفتح والغنيمة ، مثل يوم بدر (تَسُؤْهُمْ) ساءهم ذلك ، يعنى المنافقين (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) القتل والهزيمة مثل يوم أحد (يَقُولُوا) أى يقول المنافقين عبد الله بن أبى وأصحابه (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) حذرنا بالتخلف عنهم (مِنْ قَبْلُ) من قبل المصيبة (وَيَتَوَلَّوْا) عن الجهاد (وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠)) معجبون بما أصاب النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه يوم أحد.

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ

٣١٦

كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))

(قُلْ) يا محمد للمنافقين (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) قضى الله لنا (هُوَ مَوْلانا) أى أولى بنا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)) وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله (قُلْ) يا محمد للمنافقين (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا) تنتظرون بنا (إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) الفتح والغنيمة ، أو القتل والشهادة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) لهلاككم (أَوْ بِأَيْدِينا) بسيوفنا لقتلكم (فَتَرَبَّصُوا) فانتظروا بنا (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)) منتظرون لهلاككم (قُلْ) يا محمد للمنافقين (أَنْفِقُوا) أموالكم (طَوْعاً) من قبل أنفسكم (أَوْ كَرْهاً) جبرا مخافة القتل (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) ذلك (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣)) منافقين (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) فى السر (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ) إلى الصلاة (إِلَّا وَهُمْ كُسالى) متثاقلون (وَلا يُنْفِقُونَ) شيئا فى سبيل الله (إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤)) ذلك (فَلا تُعْجِبْكَ) يا محمد (أَمْوالُهُمْ) كثرة أموالهم (وَلا أَوْلادُهُمْ) كثرة أولادهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) تخرج أنفسهم فى الحياة الدنيا (وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥)) مقدم ومؤخر (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) عبد الله بن أبى وأصحابه (إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) معكم فى السر والعلانية (وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)) يخافون من سيوفكم (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً).

حرزا يلجئون إليه (أَوْ مَغاراتٍ) فى الجبل (أَوْ مُدَّخَلاً) سربا فى الأرض (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) لذهبوا إليه (وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)) يهرولون هرولة والجموح مشى بين مشيين (وَمِنْهُمْ) من المنافقين أبو الأحوص وأصحابه (مَنْ

٣١٧

يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) يطعن عليك فى قسمة الصدقات يقولون لم يقسم بيننا بالسوية (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) من الصدقات حظا وافرا (رَضُوا) بالقسمة (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) من الصدقات حظا وافرا (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨)) بالقسمة.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ) يعنى المنافقين (رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ) بما أعطاهم الله من فضله (وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) ثقتنا بالله (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) سيعطينا الله من فضله برزقه (وَرَسُولُهُ) بالعطية (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩)) رغبتنا إلى الله ، لو قالوا : هكذا ، لكان خيرا لهم ، ثم بين لمن الصدقات ، فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) لأصحاب الصفة (وَالْمَساكِينِ) أى الطوافين (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) جباة الصدقات (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) بالعطية أبى سفيان وأصحابه نحو خمسة عشر رجلا (وَفِي الرِّقابِ) الكاتبين (وَالْغارِمِينَ) لأصحاب الديون فى طاعة الله (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وللمجاهدين فى سبيل الله (وَابْنِ السَّبِيلِ) الضيف النازل المار بالطريق (فَرِيضَةً) قسمة (مِنَ اللهِ) لهؤلاء (وَاللهُ عَلِيمٌ) بهؤلاء (حَكِيمٌ (٦٠)) فيما حكم هؤلاء.

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا

٣١٨

وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠))

(وَمِنْهُمُ) من المنافقين : جذام بن خالد ، وأوياس بن قيس ، وسماك بن يزيد ، وعبيد ابن مالك (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) بالطعن والشتم (وَيَقُولُونَ) بعضهم لبعض (هُوَ أُذُنٌ) يسمع منا ويصدقنا إذا قلنا فيك شيئا (قُلْ) لهم يا محمد (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أى يسمع منكم ويصدقكم بالخير لا بالكذب ، ويقال : أذن خير لكم إن كان أذنا فهو خير لكم (١)(يُؤْمِنُ بِاللهِ) يصدق قول الله (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يصدق قول المؤمنين المخلصين (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) فى السر والعلانية (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) بالتخلف عنه فى غزوة تبوك جلاس بن سويد ، وشهاب بن عمرو ، ومخشى بن حمير وأصحابهم (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١)) وجيع فى الدنيا والآخرة (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) بالتخلف عن الغزو (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)) لو كانوا مصدقين فى إيمانهم (أَلَمْ يَعْلَمُوا) يعنى جلاسا وأصحابه (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ) يخالف الله (وَرَسُولَهُ) فى السر (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)) العذاب الشديد (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) عبد الله بن أبى وأصحابه (أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) على نبيهم (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ) تخبرهم (بِما فِي قُلُوبِهِمْ) من النفاق (قُلِ) يا محمد لوديعة بن جذام ، وجد بن قيس ، وجهير بن حمير (اسْتَهْزِؤُا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ) مظهر (ما تَحْذَرُونَ (٦٤)) ما تكتمون من محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يا محمد عما ذا ضحكتم (لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ) نتحدث عن الركب (وَنَلْعَبُ) نضحك فيما بيننا (قُلْ) يا محمد لهم (أَبِاللهِ وَآياتِهِ) القرآن (وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا) بقولكم (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) جهير بن حمير لأنه لم يستهزئ معهم ، ولكن ضحك معهم.

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ٤٤٤) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ١٢٦) ، وزاد المسير (٣ / ٤٦) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٤٨).

٣١٩

(نُعَذِّبْ طائِفَةً) وديعة بن جذام ، وجد بن قيس (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)) مشركين فى السر (الْمُنافِقُونَ) من الرجال (وَالْمُنافِقاتُ) من النساء (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) على دين بعض فى السر (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) بالكفر ومخالفة الرسول (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) عن الإيمان وموافقة الرسول (وَيَقْبِضُونَ) يمسكون (أَيْدِيَهُمْ) عن النفقة فى الخير (نَسُوا اللهَ) تركوا طاعة الله فى السر (فَنَسِيَهُمْ) خذلهم فى الدنيا وتركهم فى الآخرة فى النار (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧)) الكافرون فى السر (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) من الرجال (وَالْمُنافِقاتِ) من النساء (وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى النار (هِيَ حَسْبُهُمْ) مصيرهم (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) عذبهم الله (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨)) دائم (كَالَّذِينَ) كعذاب الذين (مِنْ قَبْلِكُمْ)(١) من المنافقين (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) بالبدن (وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) فأكلوا بنصيبهم من الآخرة فى الدنيا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) فأكلتم بنصيبكم من الآخرة فى الدنيا (كَمَا اسْتَمْتَعَ) كما أكل (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من المنافقين (بِخَلاقِهِمْ) بنصيبهم من الآخرة فى الدنيا (وَخُضْتُمْ) فى الباطل (كَالَّذِي خاضُوا) وكذبتم محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فى السر كالذين خاضوا وكذبوا أنبياءه ، يعنى أنبياء الله (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) بطلت حسناتهم (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩)) المغبونون بالعقوبة.

(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ) خبر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كيف أهلكناهم (قَوْمِ نُوحٍ) أهلكناهم بالغرق (وَعادٍ) قوم هود أهلكناهم بالريح (وَثَمُودَ) قوم صالح أهلكناهم بالرجفة (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) أهلكناهم بالهدم (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) قوم شعيب أهلكناهم بالرجفة (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) المكذبات المنخسفات ، يعنى قوم لوط أهلكناهم بالخسف والحجارة (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات فلم يؤمنوا بهم فأهلكهم الله (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)) بالكفر وتكذيب الأنبياء.

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٠ / ١٢٧) ، والدر المنثور (٣ / ٢٥٨).

٣٢٠