تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠))

(وَالْمُؤْمِنُونَ) المصدقون من الرجال (وَالْمُؤْمِناتُ) المصدقات من النساء (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) على دين بعض فى السر والعلانية (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالتوحيد واتباع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الكفر والشرك وترك اتباع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يتمون الصلوات الخمس (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعطون زكاة أموالهم (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى السر والعلانية (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) لا يعذبهم الله (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) فى ملكه وسلطانه (حَكِيمٌ (٧١)) فى أمره وقضائه (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين من الرجال (وَالْمُؤْمِناتِ) المصدقات من النساء (جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) منازل حسنة قد طيبها الله بالمسك والريحان ، ويقال : جميلة ، ويقال : طاهرة ، ويقال : عامرة (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) درجة العليا (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) رضا ربهم أعظم مما هم فيه (ذلِكَ) الذى ذكرت (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)) النجاة الوافرة (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ

٣٢١

الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنْفِقِينَ) باللسان (وَاغْلُظْ) أشدد (عَلَيْهِمْ) على كلا الفريقين بالقول والفعل (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) مصيرهم جهنم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)) صاروا إليه.

(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) حلف بالله جلاس بن سويد ما قلت الذى قال على عامر بن قيس (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) كلمة الكفار لقوله حين ذكر النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عيب المنافقين وما فيهم ، قال : والله لئن كان محمد صادقا فيما يقول فى إخواننا لنحن أشر من الحمير ، فأخبر النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عامر بن قيس عن قوله ؛ فحلف بالله ما قلت فكذبه الله ، وقال : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) كلمة الكفار (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) أرادوا قتل الرسول وإخراج الرسول ، ولم يقدروا على ذلك (وَما نَقَمُوا) وما طعنوا على النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) بالغنيمة (فَإِنْ يَتُوبُوا) من الكفر والنفاق (يَكُ خَيْراً لَهُمْ) من الكفر والنفاق (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) عن التوبة (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً) وجيعا (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍ) حافظ يحفظهم (وَلا نَصِيرٍ (٧٤)) مانع بمنعهم مما يراد بهم (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ عاهَدَ اللهَ) حلف بالله ، يعنى ثعلبة بن حاطب بن أبى بلتعة (لَئِنْ آتانا) أعطانا (مِنْ فَضْلِهِ) المال الذى له بالشام (لَنَصَّدَّقَنَ) فى سبيل الله ولنؤدين منه حق الله ولنصلن به الرحم (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)) من الحامدين (فَلَمَّا آتاهُمْ) أعطاهم الله (مِنْ فَضْلِهِ) المال الذى له بالشام (بَخِلُوا بِهِ) بما وعدوا من حق الله (وَتَوَلَّوْا) عن ذلك (وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦)) مكذبون.

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) فجعل عقوبته النفاق (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) إلى يوم القيامة (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) بما أخلف وعده (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)) وبكذبه بما قال (أَلَمْ يَعْلَمُوا) يعنى المنافقين (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) فيما بينهم (وَنَجْواهُمْ) خلوتهم (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٧٨)) ما غاب عن العباد (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) يطعنون على عبد الرحمن وأصحابه فى الصدقات ، يقولون : ما جاء هؤلاء بالصدقات إلا رياء وسمعة (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) ويطعنون على الذين لا يجدون إلا طاقتهم ، وكان هذا أبو عقيل عبد الرحمن بن تيجان لم

٣٢٢

يجد إلا صاعا من تمر (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) بقلة الصدقة يقولون ما جاء به إلا ليذكر به ويعطى من الصدقات أكثر مما جاء به (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) عليهم يوم القيامة فى الآخرة يفتح الله لهم بابا إلى النار (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)) وجيع فى الآخرة (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) يقول : إن تستغفر لعبد الله بن أبى وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهم ، نحو سبعين رجلا (أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) سواء عليهم (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ) العذاب (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فى السر (وَاللهُ لا يَهْدِي) لا يغفر (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)) المنافقين عبد الله بن أبى وأصحابه.

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠))

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) رضى المخلفون ، يعنى المنافقون (بِمَقْعَدِهِمْ) بتخلفهم غزوة تبوك (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) خلف رسول الله (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (وَقالُوا) وقال بعضهم لبعض : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) لا تخرجوا مع محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إلى غزوة تبوك فى الحر الشديد (قُلْ) لهم يا محمد (نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) جمرا (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١)) يفهمون ويصدقون (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) فى الدنيا (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) فى الآخرة (جَزاءً بِما كانُوا

٣٢٣

يَكْسِبُونَ (٨٢)) يقولون ويعملون من المعاصى (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) من غزوة تبوك (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) من المنافقين بالمدينة (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) إلى غزوة أخرى (فَقُلْ) لهم يا محمد (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) بعد غزوة تبوك (وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ) بالجلوس (أَوَّلَ مَرَّةٍ) فى أول مرة من غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا) عن الجهاد (مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)) مع النساء والصبيان (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ) من المنافقين ، يعنى عبد الله بن أبى (ماتَ أَبَداً) ويقال : على عبد الله بن أبى (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) ولا تقف على قبره (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فى السر (وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤)) منافقون (وَلا تُعْجِبْكَ) يا محمد (أَمْوالُهُمْ) كثرة أموالهم (وَأَوْلادُهُمْ) ولا كثرة أولادهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) وفى الآخرة (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) تخرج أرواحهم فى الدنيا (وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)) مقدم ومؤخر.

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن وأمروا فيها (أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) صدقوا بإيمانكم بالله (وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ) يا محمد (أُولُوا الطَّوْلِ) ذو الغنى (مِنْهُمْ) من المنافقين عبد الله بن أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير (وَقالُوا ذَرْنا) يا محمد (نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦)) بغير عذر (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) مع النساء والصبيان (وَطُبِعَ) ختم (عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧)) لا يصدقون أمر الله (لكِنِ الرَّسُولُ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فى السر والعلانية (مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) فى سبيل الله (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) الحسنات المقبولات فى الدنيا ، ويقال : الجوارى الحسان فى الآخرة (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)) الناجون من السخط والعذاب (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (ذلِكَ) الذى ذكرت (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)) النجاة الوافرة فازوا بالجنة وما فيها ونجوا من النار وما فيها (وَجاءَ) إليك يا محمد (الْمُعَذِّرُونَ) مخففة من كان له عذر (١)(مِنَ الْأَعْرابِ) من بنى غفار ، وإن قرأت المعذرون مشددة ، يعنى من لم يكن له عذر (لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) لكى يأذن لهم رسول الله

__________________

(١) قرأ يعقوب : «المعذرون» ساكنة العين خفيفة ، وقرأ الباقون بتشديد الذال. انظر : معانى

٣٢٤

بالتخلف عن غزوة تبوك (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فى السر ، ويقال : خالفوا الله ورسوله فى السر عن الجهاد بغير إذن (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) من المنافقين عبد الله بن أبى وأصحابه (عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)) وجيع.

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠))

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) من الشيوخ والزمنى (وَلا عَلَى الْمَرْضى) من الشباب (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) فى الجهاد (حَرَجٌ) مأثم بالتخلف (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ) فى الدين (وَرَسُولِهِ) فى السنة (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ) بالقول والفعل (مِنْ سَبِيلٍ) من حرج (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز لمن تاب (رَحِيمٌ (٩١)) لمن مات على التوبة (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ)

__________________

القراءات للأزهرى (ص ٢١٢) ، والإمتاع لابن خلف ، والحجة لابن خالويه ، والمفتاح للقرضى ، أربعتهم بتحقيقنا ـ ط دار الكتب العلمية بيروت ، والمحرر الوجيز لابن عطية (٣ / ٦٩ ، ٧٠).

٣٢٥

إلى الجهاد بالنفقة عبد الله بن مغفل بن يسار المزنى ، وسالم بن عمير الأنصارى وأصحابهما (قُلْتَ) لهم (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) إلى الجهاد من النفقة (تَوَلَّوْا) خرجوا من عندك (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ) تسيل (مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا) بأن لم يجدوا (ما يُنْفِقُونَ (٩٢)) فى الجهاد (إِنَّمَا السَّبِيلُ) الحرج (عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) بالتخلف (وَهُمْ أَغْنِياءُ) بالمال عبد الله بن أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهم ، نحو سبعين رجلا (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) مع النساء والصبيان (وَطَبَعَ اللهُ) ختم الله (عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)) أمر الله ولا يصدقون (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ) من غزوة تبوك (إِلَيْهِمْ) إلى المدينة بأنا لم نقدر أن نخرج معك (قُلْ) يا محمد لهم (لا تَعْتَذِرُوا) بالتخلف (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) لن نصدقكم بما تقولون من العلل (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ) أخبرنا الله (مِنْ أَخْبارِكُمْ) من أسراركم ونفاقكم (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) بعد ذلك إن تبتم (ثُمَّ تُرَدُّونَ) فى الآخرة (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد ، ويقال : الغيب ما لم يعلمه ، ويقال : ما يكون (وَالشَّهادَةِ) ما علمه العباد ، ويقال : ما كان (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤)) وتقولون من الخير والشر.

(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) عبد الله بن أبى وأصحابه (لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ) إذا رجعتم من غزوة تبوك (إِلَيْهِمْ) بالمدينة (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) لتصفحوا عنهم ولا تعاقبوهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) ولا تعاقبوهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) نجس وقذر (وَمَأْواهُمْ) مصيرهم (جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥)) يقولون ، ويعملون من الشر (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بالحلف (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) بالحلف الكاذب (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦)) المنافقين (الْأَعْرابُ) أسد وغطفان (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) أى أشد على الكفر والنفاق من غيرهم (وَأَجْدَرُ) أحرى أيضا (أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) فرائض ما أنزل الله (عَلى رَسُولِهِ) فى الكتاب (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالمنافقين (حَكِيمٌ (٩٧)) فيما حكم عليهم بالعقوبة ، ويقال : عليم بجهل من ترك التعلم حكيم حكم أن من لا يتعلم العلم يكون جاهلا (وَمِنَ الْأَعْرابِ) يعنى أسدا وغطفان (مَنْ يَتَّخِذُ) يحتسب (ما يُنْفِقُ) فى الجهاد (مَغْرَماً) أى غرما (وَيَتَرَبَّصُ) ينتظر (بِكُمُ الدَّوائِرَ) الموت والهلاك (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) مقلبة السوء وعاقبة السوء (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتهم

٣٢٦

(عَلِيمٌ (٩٨)) بعقوبتهم (وَمِنَ الْأَعْرابِ) مزينة وجهينة وأسلم (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فى السر والعلانية (وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) فى الجهاد (قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) قربة إلى الله فى الدرجات (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) دعاء الرسول (أَلا إِنَّها) يعنى النفقة (قُرْبَةٌ لَهُمْ) إلى الله فى الدرجات (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) فى جنته (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٩٩)) لمن تاب (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) بالإيمان الذين صلوا إلى قبلتين وشهدوا بدرا (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) بأداء الفرائض واجتناب المعاصى إلى يوم القيامة (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بإحسانهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بالثواب والكرامة (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي تَحْتَهَا) من تحت أشجارها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الماء ، والخمر ، والعسل ، واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (أَبَداً ذلِكَ) الرضوان والجنات (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)) النجاة الوافرة.

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠))

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) أسد وغطفان (مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ

٣٢٧

الْمَدِينَةِ) عبد الله بن أبى وأصحابه (مَرَدُوا) ثبتوا وجمعوا (عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ) لا تعلم نفاقهم (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) نعلم نفاقهم (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) مرة عند قبض أرواحهم ومرة فى القبور (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١)) عذاب جهنم (وَآخَرُونَ) ومن أهل المدينة ، أى قوم آخرون وديعة بن جذام الأنصارى وأبو لبابة بن عبد المنذر الأنصارى ، وأبو ثعلبة (اعْتَرَفُوا) أقروا (بِذُنُوبِهِمْ) بتخلفهم عن غزوة تبوك (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) خرجوا مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مرة (وَآخَرَ سَيِّئاً) تخلفوا مرة (١)(عَسَى اللهُ) وعسى من الله واجب (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أن يتجاوز عنهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب منهم (رَحِيمٌ (١٠٢)) لمن مات على التوبة ، ثم يبين للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ما يأخذه من أموالهم ، لقولهم : خذ منا أموالنا لأنا تخلفنا عن غزوة تبوك لقبل الأموال ، فلم يأخذ النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) حتى يبين الله له ، فقال : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) أموال المتخلفين (صَدَقَةً) ثلثا (تُطَهِّرُهُمْ) من الذنوب (وَتُزَكِّيهِمْ بِها) تصلحهم بها (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) استغفر لهم وادع لهم (إِنَّ صَلاتَكَ) استغفارك ودعاءك (سَكَنٌ لَهُمْ) طمأنينة لقلوبهم بأن تقبل توبتهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتهم خذ منا أموالنا (عَلِيمٌ (١٠٣)) بتوبتهم ونيتهم (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) من عباده (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) ويقبل الصدقات (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) المتجاوز (الرَّحِيمُ (١٠٤)) لمن تاب (وَقُلِ) لهم يا محمد (اعْمَلُوا) خيرا بعد التوبة (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) ويرى الله ورسوله (وَالْمُؤْمِنُونَ) ويرى المؤمنون (وَسَتُرَدُّونَ) بعد الموت (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد ، ويقال : ما يكون (وَالشَّهادَةِ) ما علمه العباد ، ويقال : ما كان (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) وتقولون من الخير والشر.

(وَآخَرُونَ) وقوم آخرون من أهل المدينة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) موقوفون محبوسة أنفسهم لأمر الله (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) بتخلفهم عن غزوة تبوك (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) يتجاوز عنهم بتخلفهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بتوبتهم وتخلفهم (حَكِيمٌ (١٠٦)) فيما حكم عليهم (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) بنوا (مَسْجِداً) عبد الله بن أبى ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ٤٥٠) ، والزجاج (٢ / ٥١٧) ، وتفسير الطبرى (١١ / ٨) ، وزاد المسير (٣ / ٤٩٢).

٣٢٨

وأصحابهم ، نحو سبعة عشر رجلا (ضِراراً) مضرة للمؤمنين (وَكُفْراً) فى قلوبهم تباتا على كفرهم ، يعنى النفاق (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) لكى تصلى طائفة فى مسجدهم وطائفة فى مسجد الرسول (وَإِرْصاداً) انتظارا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) لمن كفر بالله ورسوله (مِنْ قَبْلُ) من قبلهم أبو عامر الراهب الذى سماه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فاسقا (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا) ما أردنا ببناء المسجد (إِلَّا الْحُسْنى) إلا الإحسان إلى المؤمنين لكى يصلى فيه من فاتته صلاته فى مسجد قباء (وَاللهُ يَشْهَدُ) يعلم (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧)) فى حلفهم (لا تَقُمْ فِيهِ) أى لا تصل فى مسجد الشقاق (أَبَداً لَمَسْجِدٌ) وهو مسجد قباء (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) بنى على طاعة الله وذكره (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) دخل النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) المدينة ، ويقال : أول مسجد بنى بالمدينة (أَحَقُ) أصوب (أَنْ تَقُومَ) تصلى (فِيهِ) فى مسجد قباء (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) أن يغسلوا أدبارهم بالماء (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)) بالماء من الأدناس (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بنى أساسه (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ) على طاعة الله وذكره (وَرِضْوانٍ) أى بنوا إرادة رضوان ربهم وهو مسجد قباء (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بنى أساسه وهو مسجد الشقاق (عَلى شَفا جُرُفٍ) على طرف هوى وليس له أصل (هارٍ) غار (فَانْهارَ بِهِ) فغار به ، يعنى بناءه (فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)) لا يغفر للمنافقين ولا ينجيهم (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) بعد ما هدمت (الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً) حسرة وندامة (فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) إلا أن يموتوا (وَاللهُ عَلِيمٌ) ببنيانهم مسجد الضرار وبنياتهم (حَكِيمٌ (١١٠)) فيما حكم من هدم مسجدهم وحرقه ، بعث إليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بعد رجوعه من غزوة تبوك عامر بن قيس ووحشيا مولى مطعم بن عدى ، حتى أحرقاه وهدماه.

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ

٣٢٩

لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦) لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠))

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) المخلصين (أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) بالجنة (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (فَيَقْتُلُونَ) العدو (وَيُقْتَلُونَ) ويقتلهم العدو (وَعْداً عَلَيْهِ) على الله (حَقًّا) واجبا أن يوفيهم (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) ومن أوفى بوفاء عهده من الله (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) الله ، أى الجنة (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)) النجاة الوافرة ، ثم بين من هم فقال : (التَّائِبُونَ) أى هم التائبون من الذنوب (الْعابِدُونَ) المطيعون (الْحامِدُونَ) الشاكرون (السَّائِحُونَ) الصائمون (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) فى الصلوات الخمس (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالتوحيد والإحسان (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الكفر وما لا يعرف فى شريعة ولا سنة (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) لفرائض الله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)) بالجنة (ما كانَ لِلنَّبِيِ) ما جاز لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (أَنْ يَسْتَغْفِرُوا) أن يدعوا (لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) فى الرحم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) أهل النار ، أى ماتوا على الكفر (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ) أى دعاء إبراهيم (لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) أن يسلم (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) أى حين مات على الكفر (تَبَرَّأَ

٣٣٠

مِنْهُ) ومن دينه (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ) دعّاء ، ويقال : رحيم ، ويقال : سيد ، ويقال : كان يتأوه على نفسه ، فيقول : أوه من النار قبل دخول النار (حَلِيمٌ (١١٤)) عن الجهل.

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) ليترك قوما بمنزلة الضلال ، ويقال : ليبطل عمل قوم (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) للإيمان (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) المنسوخ بالناسخ (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من المنسوخ والناسخ (١)(عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ) خزائن السموات الشمس ، والقمر ، والنجوم ، وغير ذلك (وَالْأَرْضِ) وخزائن الأرض ، مثل الشجر ، والدواب ، والجبال ، والبحار ، وغير ذلك (يُحْيِي) للبعث (وَيُمِيتُ) فى الدنيا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعكم (وَلا نَصِيرٍ (١١٦)) مانع (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) تجاوز الله عن النبى (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدرا ، ثم بينهم ، فقال : (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) اتبعوا النبى فى غزوة تبوك (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) فى حين العسرة والشدة ، وكانت لهم عسرة من الزاد ، وعسرة من الظهر ، وعسرة من الحر ، وعسرة من العدو ، وعسرة من بعد الطريق (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ) يميل (قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) من المؤمنين المخلصين عن الخروج مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) تجاوز عنهم ، وثبت قلوبهم حتى خرجوا مع النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وتجاوز الله عن الثلاثة الذين خلفوا ، أى خلف توبتهم ، كعب بن مالك وأصحابه ، هلال بن أمية ، ومرارة بن ربيع (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) بسعتها (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) قلوبهم بتأخير التوبة (وَظَنُّوا) علموا وأيقنوا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) أن لا نجاة لهم من الله (إِلَّا إِلَيْهِ) إلا بالتوبة إليه من تخلفهم عن غزوة تبوك (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) تجاوز عنهم وعفا عنهم (لِيَتُوبُوا) لكى يتوبوا من تخلفهم (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) المتجاوز (الرَّحِيمُ (١١٨)) لمن مات على التوبة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عبد الله بن سلام وأصحابه ، وغيرهم من المؤمنين (اتَّقُوا اللهَ) أطيعوا الله فيما أمركم (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)) مع أبى بكر وعمر

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ٣٠) ، ولباب النقول (١٢٦) وزاد المسير (٣ / ٥٠٧) ، وتفسير القرطبى (٨ / ٢٧٢) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٧٠).

٣٣١

وأصحابهما فى الجلوس والخروج بالجهاد (ما كانَ) ما جاز (لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) من مزينة وجهينة وأسلم (أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) فى الغزوة (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) لا يرغبوا بأنفسهم بصحبة أنفسهم ، عن صحبه النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فى الجهاد (ذلِكَ) الخروج (بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش فى الذهاب والمجىء (وَلا نَصَبٌ) ولا تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) ولا مجاعة (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى الجهاد (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) لا يجوزون مكانا يظهرون عليهم (يَغِيظُ الْكُفَّارَ) بذلك (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) قتلا وهزيمة (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) ثواب عمل صالح فى الجهاد (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ) لا يبطل (أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)) ثواب المؤمنين فى الجهاد.

(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))

(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) قليلة ولا كثيرة فى الذهاب والمجيء (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) فى طلب العدو (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ثواب عمل صالح (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)) فى الجهاد (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) ما جاز للمؤمنين (لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يخرجوا جميعا فى السرية ويتركوا النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فى المدينة وحده (فَلَوْ لا نَفَرَ) فهلا خرج (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) جماعة

٣٣٢

(مِنْهُمْ طائِفَةٌ) وبقى طائفة بالمدينة (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) لكى يتعلموا أمر الدين من النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَلِيُنْذِرُوا) ليخبروا وليعلموا (قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) من غزواتهم (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)) لكى يعلموا ما أمروا به ، وما نهوا عنه ، ويقال : نزلت هذه الآية فى بنى أسد أصابتهم سنة فجاءوا إلى النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالمدينة فأغلوا أسعار المدينة وأفسدوا طرقها بالغدرات فنهاهم الله عن ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) من بنى قريظة والنضير وفدك وخيبر (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ) منكم (غِلْظَةً) شدة (وَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)) معين المؤمنين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه ، بالنصرة على أعدائهم (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) آية فيقرأ عليهم النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (فَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَقُولُ) أى يقول بعضهم لبعض : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة والآية (إِيماناً) خوفا ورجاء ويقينا ، بما قال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ايمانا وأصحابه (فَزادَتْهُمْ) خوفا ورجاء ويقينا (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)) بما نزل الله من القرآن.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) شكا إلى شكهم بما أنزل من القرآن (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (أَوَلا يَرَوْنَ) يعنى المنافقين (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) يبتلون بإظهار مكرهم وخيانتهم ، ويقال : بنقض عهدهم (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) من صنيعهم ونقض عهدهم (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)) أى يتعظون (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) نزل جبريل بسورة فيها عيب المنافقين ، وكان يقرأ عليهم النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (نَظَرَ) المنافقون (بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) [من المخلصين](ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن الصلاة والخطبة والحق والهدى (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الحق والهدى ، ويقال : مالوا عن الحق والهدى ، فأمال الله قلوبهم عن ذلك الانصراف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧)) أمر الله ولا يصدقونه (لَقَدْ جاءَكُمْ) يا أهل مكة (رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) عربى هاشمى مثلكم (عَزِيزٌ عَلَيْهِ) شديد عليه (ما عَنِتُّمْ) أى ما أثمتم (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) على إيمانكم (بِالْمُؤْمِنِينَ) بجميع المؤمنين (رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان والتوبة وما قلت لهم (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ)

٣٣٣

ثقتى بالله (١)(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا حافظ ولا ناصر إلا هو (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أى اتكلت ووثقت (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)) رب السرير.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ٥٦) ، وزاد المسير (٣ / ٥٢٢) ، وغريب ابن قتيبة (١٩٣) ، وتفسير القرطبى (٨ / ٣٠٣) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٧٧).

٣٣٤

سورة يونس

ومن السورة التى يذكر فيها يونس عليه‌السلام

وهى كلها مكية إلا آية واحدة عند رأس الأربعين فإنها نزلت فى اليهود ، وهى مدنية ، وهى قول الله عزوجل : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) الآية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله عزوجل : (الر) يقول : أنا الله أرى ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١)) أى هذه السورة من آيات القرآن المحكم بالحلال والحرام (١) (أَكانَ لِلنَّاسِ) لأهل مكة (عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) بأن

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (١ / ٢٧٢) ، وزاد المسير (٤ / ٤) ، وتفسير الطبرى (١١ / ٢٧) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٧٩) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٤٠٥).

٣٣٥

أوحينا (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) آدمى مثلهم (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أن خوف أهل مكة بالقرآن (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) ثواب خير ، ويقال : إيمانهم فى الدنيا قدمهم فى الآخرة (عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ) كفار مكة (إِنَّ هذا) القرآن (لَساحِرٌ) كذب (مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام أول الدنيا ، أول يوم يوم الأحد ، وآخر يوم منها يوم الجمعة ، طول كل يوم ألف سنة (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استقر ، ويقال امتلأ به العرش (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أمر العباد ، ويقال : ينظر فى أمر العباد ، ويقال : يبعث الملائكة بالوحى والتنزيل والمصيبة (ما مِنْ شَفِيعٍ) ما من ملك مقرب ولا نبى مرسل يشفع لأحد (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) إلا بإذن الله (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) الذى يفعل ذلك وهو ربكم (فَاعْبُدُوهُ) فوحدوه (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)) أفلا تتعظون.

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) صدقا كائنا (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (بِالْقِسْطِ) بالعدل الجنة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) من ماء حار قد انتهى حره (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) للعالمين بالنهار (وَالْقَمَرَ نُوراً) لهم بالليل (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) جعل له منازل (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) حساب الشهور والأيام (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) لبيان الحق والباطل (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبين الآيات من القرآن بعلامات التوحيد الوحدانية (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)) يصدقون (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فى تقلب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ) وفيما خلق الله من الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك (وَالْأَرْضِ) من الشجر والدواب والجبال والبحار وغير ذلك (لَآياتٍ) لعلامات لوحدانية الرب (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)) يطيعون.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) لا يخافون (لِقاءَنا) بالبعث بعد الموت ، ويقال : لا يقرون بالبعث بعد الموت (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) اختاروا ما فى الحياة الدنيا على الآخرة (وَاطْمَأَنُّوا بِها) رضوا بها (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) عن محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (غافِلُونَ (٧)) جاحدون تاركون لها (أُولئِكَ مَأْواهُمُ) مصيرهم (النَّارُ بِما

٣٣٦

كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)) يقولون ويعملون فى الشرك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (يَهْدِيهِمْ) يدخلهم (رَبُّهُمْ) الجنة (بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) من تحت شجرهم ومساكنهم (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ) قولهم (فِيها) فى الجنة إن اشتهوا شيئا (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فتأتى لهم الخدم بما يشتهون (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) يحيى بعضهم بعضا بالسلام (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) قولهم بعد الآكل والشرب (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)).

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) دعاءهم بالشر (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) كاستعجال دعاءهم بالخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لهلكوا (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يخافون البعث بعد الموت (فِي طُغْيانِهِمْ) فى كفرهم وضلالتهم (يَعْمَهُونَ (١١)) يمضون عمهة لا يبصرون (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) إذا

٣٣٧

أصاب الكافر الشدة أو المرض وهو هشام بن المغيرة المخزومى (دَعانا لِجَنْبِهِ) مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ) رفعنا ما كان به من الشدة والبلاء (مَرَّ) استمر على ترك الدعاء (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ) إلى شدة (مَسَّهُ) أصابه (كَذلِكَ) هكذا (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) للمشركين (ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)) فى الشرك من الدعاء فى الشدة وترك الدعاء فى الرخاء (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) حين كفروا (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) يقول : لم يؤمنوا بما كذبوا به يوم الميثاق (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣)) المشركين بالهلاك.

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا أمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (خَلائِفَ) استخلفناكم (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد هلاكهم (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)) ما ذا تعملون من الخير (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) تقرأ على المستهزئين الوليد بن المغير وأصحابه (آياتُنا بَيِّناتٍ) مبينات بالأمر والنهى (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) لا يخافون البعث بعد الموت وهم مستهزءون (ائْتِ) يا محمد (بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) غيره فاجعل آية الرحمة آية العذاب ، وآية العذاب آية الرحمة (قُلْ) لهم يا محمد (ما يَكُونُ لِي) ما يجوز لى (أَنْ أُبَدِّلَهُ) أن أغيره (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) من قبل نفسى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ما أقول وما أعمل إلا بما يوحى إلىّ فى القرآن (إِنِّي أَخافُ) أعلم (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) فبدلته أن يكون على (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)) شديد (قُلْ) يا محمد (لَوْ شاءَ اللهُ) أن لا أكون رسولا (ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) ما قرأت القرآن عليكم (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) يقول : ولا أعملكم به بالقرآن (فَقَدْ لَبِثْتُ) مكثت (فِيكُمْ عُمُراً) أربعين سنة (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن ولم أقل من هذا شيئا (أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)) أفليس لكم ذهن الإنسانية أنه ليس من تلقاء نفسى (فَمَنْ أَظْلَمُ) أعتى وأجرأ على الله (مِمَّنِ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) لا ينجو ولا يأمن (الْمُجْرِمُونَ (١٧)) المشركون من عذاب الله.

(وَيَعْبُدُونَ) كفار مكة (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) إن لم يعبدوا فى الدنيا ولا فى الآخرة (وَلا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوا فى الدنيا ولا فى الآخرة (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) يعنون الأوثان (شُفَعاؤُنا) يشفعون لنا (عِنْدَ اللهِ قُلْ) لهم يا محمد

٣٣٨

(أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرون الله (بِما لا يَعْلَمُ) أن ليس (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) إله ينفع أو يضر غيره (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (وَتَعالى) ارتفع وتبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)) به من الأوثان (وَما كانَ النَّاسُ) فى زمان إبراهيم ، ويقال : فى زمن نوح (إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) على ملة واحدة ملة الكفر ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين (فَاخْتَلَفُوا) فصاروا مؤمنين وكافرين (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) بتأخير العذاب عن هذه الأمة (سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وجبت من ربك (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لهلكوا (فِيما فِيهِ) فى الدين (يَخْتَلِفُونَ (١٩)) يخالفون (وَيَقُولُونَ) يعنى كفار مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (آيَةٌ) علامة (مِنْ رَبِّهِ) على ما يقول (فَقُلْ) يا محمد (إِنَّمَا الْغَيْبُ) بنزول الآية (لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا) هلاكى (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)) لهلاككم.

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠))

٣٣٩

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) أعطينا الكفار (رَحْمَةً) نعمة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) شدة (مَسَّتْهُمْ) أصابتهم (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ) تكذيب (فِي آياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أشد عقوبة أهلكم يوم بدر (١)(إِنَّ رُسُلَنا) الحفظة (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)) ما تقولون من الكذب وتعملون من المعاصى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) يحفظكم إذا سافرتم (فِي الْبَرِّ) على الدواب (وَالْبَحْرِ) وفى البحر فى السفن (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) ركبتم فى السفن (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) جرت السفن بأهلها (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) لينة ساكنة (وَفَرِحُوا بِها) أعجب الملاحون بالريح الساكنة (جاءَتْها) أى السفن (رِيحٌ عاصِفٌ) قاصف شديد (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ) ركبهم الموج (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ناحية (وَظَنُّوا) علموا وأيقنوا (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) أهلكوا (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) مفردين له بالدعاء (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الريح والشدة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)) من المؤمنين المطيعين (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) من الريح والغرق (إِذا هُمْ يَبْغُونَ) يتطاولون (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بلا حق (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (إِنَّما بَغْيُكُمْ) ظلمكم وتطاولكم فيما بينكم (عَلى أَنْفُسِكُمْ) جنايته (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) منافع الدنيا تفنى ولا تبقى (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُمْ) نخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)) وتقولون من الخير والشر.

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فى بقائها وفنائها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) يعنى المطر (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) بنبات الأرض (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) الحبوب والثمار (وَالْأَنْعامُ) العكرش والحشيش من النبات (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) زينتها (وَازَّيَّنَتْ) بالأحمر والأصفر والأخضر (وَظَنَّ أَهْلُها) الحراثون (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) على غلاتها (أَتاها أَمْرُنا) عذابنا (لَيْلاً أَوْ نَهاراً) كأنما داست الغنم فى خفائها فأفسد زروع الزارعين (فَجَعَلْناها حَصِيداً) كحصيد الصيف (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) لم تكن بالأمس (كَذلِكَ) هكذا (نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبين القرآن فى فناء الدنيا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)) فى أمر الدنيا والآخرة (وَاللهُ يَدْعُوا) الخلق بالتوحيد (إِلى دارِ السَّلامِ) والسّلام هو الله والجنة داره (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)) دين قائم يرضاه وهو الإسلام (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) وحدوا الحسنى الجنة (وَزِيادَةٌ) يعنى النظر إلى وجه الله ، ويقال : الزيادة فى الثواب (وَلا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ٧١) ، والبحر المحيط (٥ / ١٤٠) ، وزاد المسير (٤ / ٢٠).

٣٤٠