تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

بِأَهْلِكَ سُوءاً) زنا (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥)) أو يضرب ضربا وجيعا (قالَ) يوسف (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) هى دعتنى وطلبت أن تستمكن من نفسى (وَشَهِدَ شاهِدٌ) حكم حاكم (مِنْ أَهْلِها) وهو أخوها ، ويقال : ابن عمها (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ) قميص يوسف (قُدَّ) شق (مِنْ قُبُلٍ) من قدام (فَصَدَقَتْ) المرأة (وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) شق (مِنْ دُبُرٍ) من الخلف (فَكَذَبَتْ) المرأة (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)) فى قوله أنها راودتنى عن نفسى (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ) شق (مِنْ دُبُرٍ) من الخلف (قالَ) أخوها (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) من مكركن وصنيعكن (إِنَّ كَيْدَكُنَ) مكركن وصنيعكن (عَظِيمٌ (٢٨)) يخلص إلى البرئ والسقيم.

ثم قال : أخوها ليوسف : يا (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) الأمر ولا تخبر أحدا ، ثم أقبل إلى المرأة ، وقال : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) استحلى أيتها المرأة من زوجك (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩)) الخائنين لزوجك ، ففشا أمرهما بعد ذلك فى المدينة (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) هن أربع نسوة ؛ امرأة الساقى ، وامرأة صاحب سجنه ، وامرأة صاحب مطبخه ، وامرأة صاحب دوابه (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) زليخا (تُراوِدُ فَتاها) تدعو عبدها أن يستمكنها (عَنْ نَفْسِهِ) من نفسه (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) قد شق شغاف قلبها حب يوسف ، ويقال : بطنها حب يوسف ، إن قرأت بالشين والعين (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠)) فى خطأ بيّن فى حب عبدها يوسف.

(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ

٣٨١

وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠))

(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) بقولهن (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) ودعتهن إلى الضيافة (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) وسائد يتكئن عليها ، إن قرئت مشددة ، وأن قرأت مخففا ، يقول : أترنجة ، وجاءت باللحم والخبز فوضعته بين أيديهن (وَآتَتْ) أعطت (كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) تقطع به اللحم لأنهم [كانوا] لا يأكلون اللحم إلا ما كانوا يقطعون بسكاكينهم (وَقالَتِ) زليخا ليوسف (اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) يا يوسف (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أعظمنه (وَقَطَّعْنَ) خدشن وخمشن (أَيْدِيَهُنَ) بالسكين من الدهشة والتحير مما رأين من حسن يوسف (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) معاذ الله (ما هذا بَشَراً) آدميا (إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)) على ربه (قالَتْ) زليخا لهن (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي) عذلتننى وعيبتننى (فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) دعوته إلى نفسى وطلبته لأستمكن من نفسه (فَاسْتَعْصَمَ) فامتنع عنى بالعفة (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَ) فى السجن (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)) من الذليلين فيه ، وقلن هؤلاء النسوة ليوسف : أطع مولاتك (قالَ) يوسف (رَبِ) يا رب (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) من الزنا (وَإِلَّا تَصْرِفْ) إن لم تصرف (عَنِّي كَيْدَهُنَ) مكرهن (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إليهن (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣)) بنعمتك ، ويقال من الزانين (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) دعوته (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) مكرهن (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) الدعاء (الْعَلِيمُ (٣٤)) بالإجابة ، ويقال : السميع لمقالتهن العليم بمكرهن (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) ظهر لهم يعنى العزيز (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) شق القميص وقضاء أخيها (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)) إلى سنين ، ويقال إلى حين يقطع مقالة الناس.

(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ) بعد دخوله إلى خمس سنين (فَتَيانِ) عبدان للملك صاحب شرابه وصاحب مطبخه غضب عليهما وأدخلهما السجن (قالَ أَحَدُهُما) وهو الساقى (إِنِّي أَرانِي) رأيت نفسى (أَعْصِرُ خَمْراً) عنبا وأسقى الملك ، وكان رؤياه أنه رأى فى منامه كأنه يدخل كرما فرأى فى الكرم حبلة حسنة فيها ثلاث قضبان

٣٨٢

وعلى القضبان عناقيد العنب فاجتنى العنب فعصره وناوله الملك ، فقال له يوسف : أحسن ما رأيت ، أما الكرم فهو العمل الذى كنت فيه ، وأما الحبلة فهى سلطانك على ذلك ، وأما حسنها فهو عزك وكرامتك فى ذلك العمل ، وأما ثلاثة قضبان على الحبلة فهى ثلاثة أيام تكون فى السجن فتخرج فتعود إلى عملك ، وأما العنب الذى عصرت وناولت الملك فهو أن يردك إلى عملك ويكرمك ويحسن إليك (وَقالَ الْآخَرُ) وهو الخباز (إِنِّي أَرانِي) رأيت نفسى (أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) وكان رؤياه أنه رأى فى منامه كأنه يخرج من مطبخ الملك وعلى رأسه ثلاث سلال من الخبز فوقع طير على أعلاها وأكل منها ، فقال له يوسف : بئس ما رأيت أما خروجك من المطبخ فهو أن تخرج من عملك ، وأما ثلاث سلال فهى ثلاثة أيام تكون فى السجن ، وأما أكل الطير من رأسك فهو أن يخرجك الملك بعد ثلاثة أيام ويصلبك وتأكل الطير من رأسك ، وقالا قبل تعبيره : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أخبرنا بتأويل رؤيانا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)) إلى أهل السجن ، ويقال : من الصادقين فيما يقول (قالَ) لهما يوسف وأراد أن يعلمهما علمه بتعبير الرؤيا (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) تطعمانه (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) بلونه وجنسه (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) كيف لا أعلم تعبير رؤياكما (١)(ذلِكُما) التعبير (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ) لم أتبع دين قوم (لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (هُمْ كافِرُونَ (٣٧)) جاحدون (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) استقمت على دين آبائى (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا) ما جاز لنا (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) شيئا من الأصنام (ذلِكَ) الدين القيم والنبوة والإسلام اللذان أكرمنا الله بهما (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) من من الله علينا (وَعَلَى النَّاسِ) بإرسالنا إليهم ، ويقال : على المؤمنين بالإيمان (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مصر (لا يَشْكُرُونَ (٣٨)) لا يؤمنون بذلك (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) قال هذا للسجان ولأهل السجن (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ) يقول أعبادة آلهة شتى خير (أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)) أم عبادة الله الواحد بلا ولد ولا شريك القهار الغالب على خلقه (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (إِلَّا أَسْماءً) أصناما أمواتا (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) الآلهة (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) بعبادتكم لها (مِنْ سُلْطانٍ) من كتاب ولا حجة (إِنِ الْحُكْمُ) ما الحكم بالأمر والنهى ، ويقال : ما القضاء فى الدنيا والآخرة

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٣٣٣) ، وغريب ابن قتيبة (٢١٨) ، وتفسير القرطبى (٩ / ٢٠٤) والنكت للماوردى (٢ / ٢٧٥).

٣٨٣

(إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ) فى الكتب كلها (أَلَّا تَعْبُدُوا) أن لا توحدوا (إِلَّا إِيَّاهُ) إلا الله (ذلِكَ) التوحيد (الدِّينُ الْقَيِّمُ) وهو الدين القائم الذى يرضاه وهو الإسلام (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ (٤٠)) ذلك ولا يصدقون ، ثم بين تعبير رؤيا الفتيين.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠))

فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الساقى فيرجع إلى مكانه وسلطانه الذى كان فيه (فَيَسْقِي رَبَّهُ) سيده الملك (خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ) وهو الخباز يخرج من السجن (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) ففزعا لتعبير رؤيا الخباز ، وقالا جميعا : ما رأينا شيئا ، قال لهما يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)) تسألان فكما قلتما ، وقلت لكما كذلك يكون رأيتما أو لم تريا (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَ) علم (أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) من السجن والقتل وهو الساقى (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) عند سيدك الملك أنى مظلوم عدا على إخوتى فباعونى وأنا حر وحبست فى السجن وأنا مظلوم (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فأشغله الشيطان حتى نسى ذكر يوسف عند سيده الملك ، ويقال : وسوس له الشيطان إن ذكرت السجن للملك يرجعك إلى السجن فلذلك لم يذكره ، ويقال : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ) أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه حتى ترك ذكر ربه وذكر مخلوقا دونه (فَلَبِثَ) فمكث (فِي السِّجْنِ بِضْعَ

٣٨٤

سِنِينَ (٤٢)) عقوبة بترك ذكر الله ، وكان قبل هذا فى السجن خمس سنين (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى) رأيت فى المنام (سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) خرجن من نهر (يَأْكُلُهُنَ) يبتلعهن (سَبْعٌ عِجافٌ) بقرات هالكات من الهزال خرجن من بعد السمان ولم يستبن عليهن شىء (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) التوين على الخضر ، وغلبن خضرتهن ولم يستبن عليهن شىء (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يعنى العرافين والسحرة والكهنة (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) فى تعبير رؤياى (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣)) تعلمون.

(قالُوا) يعنى العارفين والكهنة والسحرة (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) هذه أباطيل أحلام كاذبة مختلفة (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) يقول : بتعبير رؤيا الأحلام (بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) من السجن والقتل وهو الساقى (وَادَّكَرَ) تذكر يوسف (بَعْدَ أُمَّةٍ) سبع سنين ، ويقال : بعد النسيان إن قرأت بالهاء (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) قال للملك : أنا أخبرك بتعبير الرؤيا (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يا أيها الملك (فَأَرْسِلُونِ (٤٥)) إلى السجن فإن فيه رجلا ووصف علمه وحلمه وإحسانه إلى أهل السجن وصدقه بتأويل الرؤيا ، فأرسله فجاءه ، فقال ليوسف يا (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) الصادق فى تعبير الرؤيا الأولى (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ) خرجن من نهر (يَأْكُلُهُنَ) يبتلعهن (سَبْعٌ عِجافٌ) هزال هالكات (وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) التوين على الخضر وغلبن خضرتهن (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) إلى الملك (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)) لكى يعلموا رؤيا الملك ، فقال يوسف : نعم ، أما السبع بقرات السمان فهن سبع سنين مخصبة ، وأما السبع سنبلات الخضر فهو الخصب والرخص فى السنين المخصبة ، وأما السبع بقرات الهزال الهالكات فهى سبع سنين مجدبة ، وأما السبع سنبلات اليابسات فهو القحط والغلاء فى السنين المجدبة ، ثم علّمهم يوسف كيف يصنعون.

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ) المخصبة (دَأَباً) دائما كل عام (فَما حَصَدْتُمْ) من الزرع (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) فى كوافره ولا تدسوه لأنه أبقى له (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)) يقول بقدر ما تأكلون (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد السنين المخصبة (سَبْعٌ شِدادٌ) سبع سنين قحطة (يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) ما رفعتم لهن للسنين المجدبة فى السنين المخصبة (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)) تحرزون (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد السنين المجدبة (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) أهل مصر بالطعام والمطر (وَفِيهِ

٣٨٥

يَعْصِرُونَ (٤٩)) الكروم والأدهان والزين فرجع الرسول ، وأخبر الملك بذلك (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) بيوسف (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) وهو الساقى إلى يوسف ، فقال : إن الملك يدعوك (قالَ) له يوسف (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) إلى سيدك الملك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) يقول : قل للملك حتى يسأل عن خبر النسوة (اللَّاتِي قَطَّعْنَ) خدش وخمشن (أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي) سيدى (بِكَيْدِهِنَ) بمكرهن وصنيعهن (عَلِيمٌ (٥٠)) فرجع الرسول وأخبر الملك ، فجمع الملك هؤلاء النسوة كلهن ، وكن أربع نسوة امرأة ساقيه ، وامرأة صاحب مطبخه ، وامرأة صاحب دوابه ، وامرأة صاحب سجنه ، وامرأة العزيز أيضا ، ولم يكن فى مصر أعظم منهن دون الملك.

(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠))

(قالَ) لهن الملك (ما خَطْبُكُنَ) ما شأنكن وما حالكن (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) معاذ الله (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ) ما رأينا منه (مِنْ سُوءٍ) من قبيح (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) الآن تبين الحق ليوسف ، ويقال : الآن خبر الصدق (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) أنا دعوته إلى نفسى (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)) فى قوله إنه لم يراودنى ، قال يوسف : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) فى امرأته (بِالْغَيْبِ) إذا غاب عنى (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لا يصوب ولا يرضى (كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)) عمل الزانين ، فقال له جبريل ، عليه‌السلام : ولا حين هممت بها يا يوسف ، فقال يوسف : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) قلبى من الهم (إِنَّ النَّفْسَ) يعنى القلب (لَأَمَّارَةٌ) للجسد (بِالسُّوءِ) بالقبح من العمل (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) عصم ربى

٣٨٦

(إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٥٣)) لما هممت (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أخصه لنفسى دون العزيز (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) بعد ما جاء إليه وفسر رؤياه (قالَ) له الملك (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا) عندنا (مَكِينٌ) لك قدر ومنزلة (أَمِينٌ (٥٤)) بالأمانة ، ويقال : بما وليتك (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) على خراج مصر (إِنِّي حَفِيظٌ) بتقديرها (عَلِيمٌ (٥٥)) بساعة الجوع حين يقع ، ويقال : حفيظ لما وليتنى عليم بجميع ألسن الغرباء الذين يأتونك (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) هكذا مكنّا يوسف (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (يَتَبَوَّأُ) ينزل (مِنْها) فيها (حَيْثُ يَشاءُ) يريد (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا) نخص برحمتنا النبوة والإسلام (مَنْ نَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَلا نُضِيعُ) لا نبطل (أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)) ثواب المؤمنين المحسنين بالقول والفعل (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) ثواب الآخرة (خَيْرٌ) من ثواب الدنيا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالله وجملة الكتب والرسل (وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)) الكفر والشرك والفواحش (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) إلى مصر وهم عشرة (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) على يوسف (فَعَرَفَهُمْ) يوسف أنهم إخوته (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)) لا يعرفون أنه أخوهم يوسف (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) كال لهم كيلهم (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) كما قلتم إن لنا أخا من أبينا عند أبينا (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أوفر الكيل ، ويقال : بيدى كيل الطعام (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)) أفضل المضيفين (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ) بأخيكم من أبيكم (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) فيما تستقبلون (وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠)) مرة أخرى.

(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)

٣٨٧

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١))

(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) سنطلبه من أبيه ونغرى أباه (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١)) لضامنون أنا سنجيء به (وَقالَ) يوسف (لِفِتْيانِهِ) لخدامه (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ) دسوا دراهمهم (فِي رِحالِهِمْ) فى جواليقهم كيلا يعلمون (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) لكى يعرفوا هذه الكرامة منى ، ويقال : لكى يعرفوا أنها دراهمهم فيردوها لى (إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) إذا رجعوا إلى أبيهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)) مرة أخرى (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) بكنعان (قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) فيما يستقبل إن لم ترسل معنا بنيامين (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) بنيامين (نَكْتَلْ) يشتر لنفسه حملا ، ويقال : نشتر له حملا إن قرأت بالنون (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣)) ضامنون برده إليك (قالَ) لهم يعقوب (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) على بنيامين (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) من قبل يوسف ، يقول : هل أقدر أن آخذ عليكم العهد والميثاق أكثر مما أخذت عليكم فى يوسف (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) منكم (١)(وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)) وهو أرحم به من والديه ومن إخوته.

(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) جواليقهم (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) دراهمهم ثمن طعامهم (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) مع طعامهم (قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) ما نكذب بما قلنا من إحسان الرجل ولطفه بنا ما طلبنا هذا منه (هذِهِ بِضاعَتُنا) دراهمنا التى أعطيناه ثمن الطعام (رُدَّتْ إِلَيْنا) مع الطعام ، وهذا من إحسانه إلينا ، قال لهم أبوهم : بل جربكم الرجل بهذا ردوا هذه الدراهم إليه (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) نمتار أهلنا (وَنَحْفَظُ أَخانا) فى الذهاب والمجىء بنيامين (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) وقر بعير إذ كان هو معنا (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥)) حمل يسير نعطى بسببه ، ويقال : هذا أمر يسير وحاجة هينة نطلب منك

__________________

(١) قرأ حفص ، والكسائى «خَيْرٌ حافِظاً» وقرأ الباقون «حفظا». انظر : معانى الأزهرى (٢٢٥) بتحقيقنا ، والزجاج (٣ / ١١٨) ، والمبسوط فى القراءات العشر (٢١٠) ، والتيسير فى القراءات السبع (١٢٨).

٣٨٨

(قالَ) لهم أبوهم (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ) بهذه المقالة (حَتَّى تُؤْتُونِ) تعطونى (مَوْثِقاً) عهدا (مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) لتردنه على (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) إلا أن ينزل عليكم أمر من السماء ، ويقال : إلا أن يصيبكم أمر من السماء ، أو من الأرض (فَلَمَّا آتَوْهُ) أعطوا أباهم (مَوْثِقَهُمْ) عهودهم من الله على رده إلى أبيهم (قالَ) يعقوب (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)) شهيد ، ويقال : كفيل.

(وَقالَ) لهم (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) من سكة واحدة (وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) من سكك مختلفة (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ) من قضاء الله فيكم (مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ) ما الحكم بالقضاء فيكم (إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اتكلت وفوضت أمرى وأمركم إليه (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)) فليثق الواثقون ، ويقال : على المؤمنين أن يتوكلوا على الله وكان خاف عليهم يعقوب من العين لأنهم كانوا صباح الوجوه جمالا فمن ذلك خاف عليهم (وَلَمَّا دَخَلُوا) مصر (مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ) كما أمرهم (أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ) من قضاء الله الله فيهم (مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً) حزازة (فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ) فى قلب يعقوب (قَضاها) أبداها (وَإِنَّهُ) يعنى يعقوب (لَذُو عِلْمٍ) حفظ (لِما عَلَّمْناهُ) من الذى علمناه من الأحكام والحدود والقضاء والقدر ، علم أنه لا يكون إلا ما قضى الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ (٦٨)) ذلك ولا يصدقون (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ) ضم إليه (أَخاهُ) من أبيه وأمه وحبس سائر إخوته على الباب (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) بمنزلة أخيك الهلاك (فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩)) بك إخوتك من الجفاء ، ويقولون لك من السب والتعيير (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) كال لهم كيلهم (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) دس سقايته التى كان يشرب فيها ، ويكيل بها ، فى رحل أخيه من أبيه وأمه ، ثم أمرهم بالرحيل ، ثم أرسل خلفهم فتى (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) نادى مناد وهو فتى يوسف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أهل القافلة. (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) يقول : وأقبلوا عليهم ، وقالوا (ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١)) ما تطلبون.

(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ

٣٨٩

فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠))

(قالُوا نَفْقِدُ) نطلب (صُواعَ الْمَلِكِ) إناء الملك الذى شرب فيه ويكيل به وكان إناء من الذهب وقد اتهمنى الملك (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢)) كفيل ، قال لهم : هذا القول فتى يوسف (قالُوا تَاللهِ) والله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ) يا أهل مصر (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) أرض مصر بالسرقة ومضرة الناس (وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣)) ما تطلبون (قالُوا) يعنى فتى يوسف (فَما جَزاؤُهُ) يعنى ما جزاء السارق (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ) السارق (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) السرقة (فَهُوَ جَزاؤُهُ) يقول : الاستبعاد جزاء سرقته (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)) السارقين بأرضنا (فَبَدَأَ) فتى يوسف (بِأَوْعِيَتِهِمْ) ففتشها (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) فلم يجدها فيه (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) من أبيه وأمه ، فقال له فتى يوسف : فرجك الله كما فرجتنى (كَذلِكَ) هكذا (كِدْنا) صنعنا (لِيُوسُفَ) أكرمناه بالعلم والحكمة والفهم والنبوة والملك (ما كانَ لِيَأْخُذَ) يقول : لم يأخذ (أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) فى قضاء الملك (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقد شاء الله أن لا يأخذ أخاه فى دين الملك وكان قضاء الملك للسارق أنه يضرب ويغرم ، ويقال : يقطع ويغرم ، ويقال : إلا أن يشاء الله إلا ما علم يوسف أنه يرضى الله من قضاء الملك فكان يأخذ بذلك (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ) فضائل (مَنْ نَشاءُ) كما نرفع فى الدنيا (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)) وفوق كل ذى علم عالم حتى ينتهى إلى الله فليس فوقه أحد ، ويقال : الله عالم وفوق كل عالم فليس فوقه أحد.

(قالُوا) إخوة يوسف (إِنْ يَسْرِقْ) إن سرق بنيامين سقاية الملك (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) من قبله إخوة لأبيه وأمه صنما (فَأَسَرَّها يُوسُفُ) جواب

٣٩٠

هذه الكلمة (فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) جوابها (قالَ) فى نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) صنيعا من يوسف (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧)) تقولون من أمر يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) يفرح به إن رددناه (فَخُذْ أَحَدَنا) رهنا (مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ) إن فلعت ذلك (مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨)) إلينا (قالَ) لهم يوسف (مَعاذَ اللهِ) أعوذ بالله (أَنْ نَأْخُذَ) بالسرقة (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩)) بحبس من لم نجد متاعنا عنده (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) أيسوا منه (١)(خَلَصُوا نَجِيًّا) خلوا نجيا للمناجاة فيما بينهم (قالَ كَبِيرُهُمْ) أفضلهم فى العقل وهو يهوذا (أَلَمْ تَعْلَمُوا) يا إخوتاه (أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) لتردنه علىّ (وَمِنْ قَبْلُ) من قبل هذا الغلام (ما فَرَّطْتُمْ) ما تركتم عهده وميثاقه (فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) أرض مصر (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) بالرجوع ، ويقال : يأذن لى أبى حتى أناجزهم القتال (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) فى رد أخى (وَهُوَ خَيْرُ) أفضل (الْحاكِمِينَ (٨٠)) فى رده إلى ، ثم قال لهم يهوذا.

(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠))

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٢٢٦) ، وزاد المسير (٤ / ٢٦٣) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ١٩) والدر المنثور (٤ / ٢٩) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ ، ٢٩٤) ، وتفسير القرطبى (٩ / ٢٣٩) ، مختصر الطبرى (١ / ٣١٦).

٣٩١

(ارْجِعُوا) يا إخوتى (إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) صواع الملك إناء من ذهب ، ويقال : أخذ بالسرقة إن قرأت بضم السين ، وخفض الراء بالتشديد (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) رأينا أن السرقة أخرجت من رحله (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١)) يقول : لو علمنا الغيب ما ذهبنا به ، ويقال : ما كنا له بالليل حافظين (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أهل القرية (الَّتِي كُنَّا فِيها) وهى قرية من قرى مصر (وَالْعِيرَ) أهل العير (الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) جئنا معهم وكان صحبهم قوم من كنعان (وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)) فيما قلنا لك ، فقالوا ليعقوب هذا القول (قالَ) يعقوب لهم (بَلْ سَوَّلَتْ) زينت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) ففعلتموه (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فعلى صبر جميل بلا جزع (عَسَى اللهُ) لعل الله (أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) بيوسف وأخيه من أبيه وأمه بنيامين ويهوذا (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بمكانهم (الْحَكِيمُ (٨٣)) بردهم على (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) خرج من بينهم (وَقالَ يا أَسَفى) يا حزنا (عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) من البكاء (فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)) مغموم يتردد حزنه فى جوفه (قالُوا) ولده وولد ولده (تَاللهِ) والله (تَفْتَؤُا) لا تزال (تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) حتى تكون دنفا (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)) بالموت.

(قالَ) يعقوب (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) أدفع غمى (وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦)) يقول : أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وإنا لنسجد له ، ويقال : أعلم من رحمة الله وجميل نظره وصنعه ما لا تعلمون ، ويقال : أعلم أن يوسف حى لم يمت ، لأنه دخل عليه ملك الموت ، فقال له : هل قبضت روح ابنى يوسف فيمن قبضت ، قال : لا فمن ذلك ، قال : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) فاستخبروا واطلبوا خبر يوسف وأخيه بنيامين (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) من رحمة الله (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ) من رحمة الله (إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)) بالله وبرحمته (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) على يوسف فى المرة الثالثة (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا) أصابنا (وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) الجوع (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) بدراهم لا تنفق فى الطعام وتنفق فيما بين الناس ، ويقال : بمتاع الجبل كالصنوبر والحبة الخضراء ، ويقال : بمتاع العرب ، مثل الأقط ، والصوف ، والجبن ، والسمن (١)(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) يقول : وفر لنا

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (١ / ٣١٧) ، وغريب ابن قتيبة (٢٢٢).

٣٩٢

الكيل كما توفر بالدراهم الجياد (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) ما بين الثمنين ، ويقال : بين الكيلين (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)) فى الدنيا والآخرة (قالَ) لهم يوسف (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩)) شبان غافلون (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) من أبى وأمى (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالصبر (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) فى النعمة (وَيَصْبِرْ) فى الشدة (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ) لا يبطل (أَجْرَ) ثواب (الْمُحْسِنِينَ (٩٠)) بالتقوى والصبر.

(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠))

(قالُوا) إخوة يوسف ليوسف (تَاللهِ) والله (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) فضلك الله علينا (وَإِنْ كُنَّا) وقد كنا (لَخاطِئِينَ (٩١)) مسيئين بك عاصين لله (قالَ) لهم يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) يقول : لا أعيركم بعد اليوم (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ما كان منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)) من الوالدين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) وكان قميصه كسوة من الجنة (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) يرجع بصيرا (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)) وكانوا نحو سبعين إنسانا (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) خرجت العير من العريش وهى قرية بين مصر وكنعان (قالَ أَبُوهُمْ) يعقوب (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤)) تسفهوننى وتخزوننى وتكذبوننى فيما أقول (قالُوا) ولده وولد ولده الذين كانوا عنده (تَاللهِ) والله (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)) فى خطئك الأول فى ذكر

٣٩٣

يوسف (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهوذا بالقميص (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) صار بصيرا (قالَ) لبنيه وبنى بنيه (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦)) يقول : إن يوسف حى لم يمت (قالُوا) ولده وولد ولده (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) ادع الله أن يغفر لنا ذنوبنا (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧)) مسيئين عاصين لله.

(قالَ) لهم (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) ادعو لكم ربى ليلة الجمعة آخر السحر (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) المتجاوز (الرَّحِيمُ (٩٨)) لمن تاب (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ضم إليه أباه وخالته لأن أمه كانت ماتت قبل ذلك (وَقالَ ادْخُلُوا) انزلوا (مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ) وقد شاء الله (آمِنِينَ (٩٩)) من العدو والسوء ، ويقال : ادخلوا مصر آمنين من العدو والسوء ، إن شاء الله مقدم ومؤخر (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) على السرير (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) خضعوا له بالسجود أبواه وإخوته وكان سجودهم تحيتهم فيما بينهم كان يسجد الوضيع للشريف والشاب للشيخ ، والصغير للكبير كهيئة الركوع نحو فعل الأعاجم (١)(وَقالَ يا أَبَتِ هذا) السجود (تَأْوِيلُ) تعبير (رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) صدقا (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) إلى (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ونجانى من العبودية (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) من البادية (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ) أفسد (الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) بالحسد (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) لما جمع بيننا (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بما أصابنا (الْحَكِيمُ (١٠٠)) بالجمع والفرقة.

(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ

__________________

(١) انظر : سنن ابن ماجه (٢ / ١٢٢٠) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ٤٤) ، وزاد المسير (٤ / ٢٩٠) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٤٩١).

٣٩٤

اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١))

(رَبِ) يا رب (قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) أعطيتنى ملك مصر أربعين فرسخا فى أربعين فرسخا (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) تعبير الرؤيا (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يا خالق السموات والأرض (أَنْتَ وَلِيِّي) ربى وخالقى ورازقى وحافظى وناصرى (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) مخلصا بالعبادة والتوحيد (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)) بآبائى المرسلين فى الجنة (ذلِكَ) الذى ذكرت لك يا محمد من خبر يوسف وإخوته (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) من أخبار الغائب عنك (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) نرسل إليك جبريل به (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) عندهم (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) اجتمعوا على ان يطرحوا يوسف فى الجب (وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)) يريدون بذلك هلاك يوسف (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) أهل مكة (وَلَوْ حَرَصْتَ) لو جهدت كل الجهد مقدم ومؤخر (بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)) بالكتب والرسل (وَما تَسْئَلُهُمْ) يا محمد (عَلَيْهِ) على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من جعل (إِنْ هُوَ) ما هو يعنى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (لِلْعالَمِينَ (١٠٤)) الجن والإنس (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) من علامة (فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك (وَالْأَرْضِ) وما فى الأرض من الجبال والبحار والشجر والدواب وغير ذلك (يَمُرُّونَ عَلَيْها) أهل مكة (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥)) مكذبون بما لا يتفكرون فيها (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ) أهل مكة (بِاللهِ) فى السر ، ويقال : بعبودية الله (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)) بوحدانية الله فى العلانية.

(أَفَأَمِنُوا) أهل مكة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أن لا تأتيهم (غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) عذاب من عذاب الله مثل يوم بدر (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) عذاب الساعة (بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧)) بنزول العذاب (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (هذِهِ) يعنى ملة إبراهيم (سَبِيلِي) دينى (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) على دين وبيان

٣٩٥

(أَنَا) أدعو (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) آمن بى يدعون إلى الله أيضا على بصيرة على دين وبيان (وَسُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه عن الولد والشريك (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)) مع المشركين على دينهم (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) نرسل إليهم جبريل كما أرسل إليك (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) منسوب إلى القرى مثلك (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أهل مكة (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) فيتفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) كيف صار آخر أمر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الكفار (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) الجنة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والشرك والفواحش وآمنوا بالله وبمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩)) أفليس لكم ذهن الإنسانية أن الآخرة خير من الدنيا ، ويقال : إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى ، ويقال : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أفلا تصدقون بما أصاب الأولين حيث كذبوا الرسل.

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) فلما أيس الرسل من إجابة القوم (وَظَنُّوا) علموا وأيقنوا يعنى الرسل (أَنَّهُمْ) يعنى قومهم (قَدْ كُذِبُوا) كذبوا بما جاءوا به من الله إن قرئت مشددة ، ويقال : وظنوا يعنى القوم يعنى الرسل قد كذبوا أخلف وعد الرسل إن قرئت مخففة (جاءَهُمْ نَصْرُنا) يعنى عذابنا بهلاك قومهم (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) يعنى الرسل ومن آمن بالرسل (١)(وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)) المشركين (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) فى خبرهم ، خبر يوسف وإخوته (عِبْرَةٌ) آية (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لذوى العقول من الناس (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) يعنى القرآن ليس بحديث يختلق (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) موافق للتوراة والإنجيل وسائر الكتب بالتوحيد ، وبعض الشرائع ، وخبر يوسف ، عليه‌السلام ، (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) بيان كل شىء من الحلال والحرام ، وخبر يوسف (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن.

__________________

(١) انظر معانى القراءات للأزهرى (ص ٢٢٩ ، ٢٣٠) بتحقيقنا ـ ط دار الكتب العلمية بيروت ، مشكل القرآن لابن قتيبة (٢٥١) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ٩١) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٥٠).

٣٩٦

سورة الرّعد

ومن السورة التى يذكر فيها الرعد

وهى كلها مكية غير آيتين : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) إلى أخرها ، وقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (المر) أنا الله أعلم وأرى ما تعملون وتقولون ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) إن هذه السورة آيات القرآن (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) يقول : القرآن هو الحق من ربك (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يُؤْمِنُونَ (١)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) خلق السموات ورفعها على الأرض (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) يقول : ترونها بغير

٣٩٧

عمد ، ويقال : بعمد لا ترونها (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) كان على العرش قبل أن رفع السموات ، ويقال : استقر ، ويقال : امتلأ به ، ويقال : استوى عنده القريب والبعيد ، على معنى العلم والقدرة (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذلل ضوء الشمس والقمر لبنى آدم (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ينظر فى أمر العباد ويبعث الملائكة بالوحى والتنزيل والمصيبة (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبين القرآن بالأمر والنهى (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢)) لكى تصدقوا بالبعث بعد الموت (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) بسط الأرض على الماء (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) خلق فى الأرض الجبال الثوابت أوتادا لها (وَأَنْهاراً) أجرى فيها أنهارا (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من ألوان كل الثمرات (جَعَلَ فِيها) خلق فيها (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الحامض والحلو زوج ، والأبيض والأحمر زوج (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يغطى الليل بالنهار ، والنهار بالليل ، يقول : يذهب بالليل ويجىء بالنهار ، ويذهب بالنهار ويجىء بالليل (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى اختلاف ما ذكرت (لَآياتٍ) لعلامات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)) لكى يتفكروا فيه.

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ) أمكنة (مُتَجاوِراتٌ) ملتزقات أرض سبخة رديئة وبجنبها أرض طيبة عذبة جيدة (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) من كروم (وَزَرْعٌ) حرث (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) مجتمع أصولها فى أصل واحد عشرة أو أقل أو أكثر (١)(وَغَيْرُ صِنْوانٍ) مفترق أصولها واحدة واحدة (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) بماء المطر أو بماء النهر (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) فى الحمل والطعم (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى اختلافها وألوانها (لَآياتٍ) لعلامات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)) يصدقون أنها من الله (وَإِنْ تَعْجَبْ) من تكذيبهم إياك (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) فقولهم أعجب حيث قالوا (أَإِذا كُنَّا) صرنا (تُراباً) رميما (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يجدد بعد الموت وفناء الروح (أُولئِكَ) أهل إنكار البعث (الَّذِينَ كَفَرُوا) هم الذين كفروا (بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ) أهل الكفر (الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) والسلاسل فى أيمانهم مشدودة إلى أعناقهم (وَأُولئِكَ) أهل الأغلال والسلاسل (أَصْحابُ النَّارِ) أهل النار (هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥)) مقيمون لا يموتون ، ولا يخرجون منها أبدا (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمد (بِالسَّيِّئَةِ) بالعذاب استهزاء (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) قبل العافية : لا يسألونك العافية

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٦٣) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٣٣١) ، وغريب ابن قتيبة (٢٢٧) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ١٠٢) ، ومختصره (١ / ٣٣١) ، وغريب السجستانى (ص ٢٥٢).

٣٩٨

(وَقَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) العقوبات فيمن هلك (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) تجاوز (لِلنَّاسِ) لأهل مكة (عَلى ظُلْمِهِمْ) على شركهم إن تابوا وآمنوا (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦)) لمن مات على الشرك.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل عليه (آيَةٌ) علامة (مِنْ رَبِّهِ) لنبوته كما أنزل على رسله الأولين (إِنَّما أَنْتَ) يا محمد (مُنْذِرٌ) رسول مخوف (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧)) نبى ، ويقال : داع يدعوهم من الضلالة إلى الهدى (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) كل حامل ذكر هو أو أنثى (وَما تَغِيضُ) وما تنقص (الْأَرْحامُ) فى الحمل من التسعة (وَما تَزْدادُ) على التسعة فى الحمل (وَكُلُّ شَيْءٍ) من الزيادة والنقصان وخروج الولد والمكث (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد (وَالشَّهادَةِ) ما علمه العباد ، ويقال : الغيب ما يكون ، والشهادة ما كان ، ويقال : الغيب هو الولد فى الأرحام والشهادة هو الذى خرج من الأرحام (الْكَبِيرُ) ليس شىء أكبر منه (الْمُتَعالِ (٩)) ليس شىء أعلى منه (سَواءٌ مِنْكُمْ) عند الله بالعلم (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) والفعل (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) من أعلن بالقول والفعل يعلم الله ذلك منه (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) مستتر (وَسارِبٌ) ظاهر (بِالنَّهارِ (١٠)) يقول : أو عمل يعلم الله ذلك منه.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا

٣٩٩

الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١))

(لَهُ مُعَقِّباتٌ) أيضا ملائكة يعقب بعضهم بعضا يعقب ملائكة الليل ملائكة النهار ، وملائكة النهار ملائكة الليل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ) مقدم ومؤخر (مِنْ أَمْرِ اللهِ) بأمر الله ويدفعونه إلى المقادير (١)(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من أمن ونعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بترك الشرك (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) عذابا وهلاكا (فَلا مَرَدَّ لَهُ) لقضاء الله فيهم (وَما لَهُمْ) لمن أراد الله هلاكهم (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (مِنْ والٍ (١١)) من مانع من عذاب الله ، ويقال : من ملجأ يلجئون إليه (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) المطر (خَوْفاً) للمسافر بالمطر أن تبتل ثيابه (وَطَمَعاً) للمقيم أن يسقى حرثه (وَيُنْشِئُ) يخلق ويرفع (السَّحابَ الثِّقالَ (١٢)) بالمطر (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) بأمره وهو ملك ، ويقال صوت السماء (وَالْمَلائِكَةُ) وتسبح الملائكة (مِنْ خِيفَتِهِ) وهم خائفون من الله (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) يعنى النار (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) فيهلك بالنار من يشاء يعنى زيد بن قيس ، أهلكه الله بالنار ، وأهلك صاحبه عامر بن الطفيل بطعنة فى خاصرته (وَهُمْ يُجادِلُونَ) يخاصمون (فِي اللهِ) فى دين الله مع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)) شديد العقاب.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) دين الحق شهادة أن لا إله إلا الله وهى كلمة الإخلاص (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) ينفع إن دعوهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ) إلا كماد يديه (إِلَى الْماءِ) من بعد (لِيَبْلُغَ فاهُ) لكى يبلغ الماء إلى فيه (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) بتلك الحال الماء إلى فيه أبدا ، يقول : كما لا يبلغ الماء فاه هذا الرجل ، كذلك لا تنفع الأصنام من عبدها (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) عبادة الكافرين (إِلَّا فِي

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٦٥) ، وزاد المسير (٤ / ٣٣٤) ، والنكت للماوردى (٢ / ٣٣٣) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ١٠٨) ، ومختصره (١ / ٣٣٢).

٤٠٠