تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

هذه الدنيا أعمى عن الحجة والبيان ، فهو فى الآخرة أشد عمى ، وأضل سبيلا عن الحجة (وَإِنْ كادُوا) وقد كادوا (لَيَفْتِنُونَكَ) ليصرفونك وليستنزلونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من كسر آلهتهم (لِتَفْتَرِيَ) لتقول (عَلَيْنا غَيْرَهُ) غير الذى أمرتك من كسر آلهتهم (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣)) صفيا بمتابعتك إياهم ، نزلت هذه الآية فى ثقيف (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) عصمناك وحفظناك (لَقَدْ كِدْتَ) هممت (تَرْكَنُ) تميل (إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤)) فيما طلبوك.

(إِذاً) أو أعطيت ما طلبوك (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ) عذاب الدنيا (وَضِعْفَ الْمَماتِ) عذاب الآخرة (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)) مانعا (وَإِنْ كادُوا) وقد كادوا ، يعنى اليهود (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليستنزلونك (مِنَ الْأَرْضِ) أرض المدينة (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) إلى الشام (وَإِذاً) لو أخرجوك من المدينة (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً (٧٦)) يسيرا حتى نهلكهم (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) أهلكنا قومهم إذا خرج الرسل من بين أظهرهم (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا) لعذابنا (تَحْوِيلاً (٧٧)) تغييرا (أَقِمِ الصَّلاةَ) أتم الصلاة يا محمد (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) بعد زوال الشمس صلاة الظهر والعصر (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) وبعد دخول الليل صلاة المغرب والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) صلاة الغداة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ) صلاة الغداة (كانَ مَشْهُوداً (٧٨)) تشهدها ملائكة الليل ، وملائكة النهار (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) بقراءة القرآن والتهجد بعد النوم (نافِلَةً) فضيلة (لَكَ) ويقال : خاصة لك (عَسى) وعسى من الله واجب (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩)) أن يقيمك ربك مقاما محمودا مقام الشفاعة ، محمودا يحمدك الأولون والآخرون (وَقُلْ رَبِ) يا رب (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) يقول : أدخلنى فى المدينة إدخال صدق ، وكان خارجا من المدينة (وَأَخْرِجْنِي) من المدينة (مُخْرَجَ صِدْقٍ) إخراج صدق بعد ما كنت فيها فأدخلنى مكة ، ويقال : أدخلنى فى القبر مدخل صدق إدخال صدق ، وأخرجنى من القبر يوم القيامة مخرج صدق ، إخراج صدق (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) من عندك (سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠)) مانعا بلا ذل ولا رد قول.

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى

٤٦١

سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠))

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالقرآن ، ويقال : ظهر الإسلام وكثر المسلمون (وَزَهَقَ الْباطِلُ) هلك الشيطان والشرك وأهله (إِنَّ الْباطِلَ) الشيطان والشرك وأهله (كانَ زَهُوقاً (٨١)) هالكا (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) نبين فى القرآن (ما هُوَ شِفاءٌ) بيان من العمى ، ويقال : بيان من الكفر والشرك والنفاق (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِلْمُؤْمِنِينَ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) المشركين بما نزل من القرآن (إِلَّا خَساراً (٨٢)) غبنا (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) يعنى الكافر من كثرة ماله ومعيشته (أَعْرَضَ) عن الدعاء والشكر (وَنَأى بِجانِبِهِ) تباعد عن الإيمان (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أصابته الشدة والفقر (كانَ يَؤُساً (٨٣)) آيسا من رحمة الله ، نزلت فى عتبة بن ربيعة (قُلْ) يا محمد (كُلٌ) كل واحد منكم (يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) على نيته وأمره الذى هو عليه ، ويقال : على ناحيته منهاجه وجديلته (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)) أصوب دينا (وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الرُّوحِ) سأل أهل مكة أبو جهل وأصحابه (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) من عجائب ربى ، ويقال : من علم ربى ، (وَما أُوتِيتُمْ) أعطيتم (مِنَ الْعِلْمِ) فيما عند الله (إِلَّا قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) بحفظ الذى أوحينا إليك جبريل به (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦)) كفيلا ، ويقال : مانعا (إِلَّا رَحْمَةً) نعمة (مِنْ رَبِّكَ) حفظ القرآن فى قلبك (إِنَّ فَضْلَهُ) بالنبوة والإسلام (كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧)) عظيما.

(قُلْ) يا محمد لأهل مكة (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) بمثل هذا القرآن بالقافية والأمر والنهى ، والوعد والوعيد ، والناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، وخبر ما كان وما يكون ، (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)) معينا (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ) بينا لأهل مكة (فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِ

٤٦٢

مَثَلٍ) من كل وجه من الوعد والوعيد (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٨٩)) لم يقبلوا وثبتوا على الكفر (وَقالُوا) يعنى عبد الله بن أمية المخزومى وأصحابه (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) لن نصدقك (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا) تشقق لنا (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مكة (يَنْبُوعاً (٩٠)) عيونا وأنهارا.

(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠))

(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ) كرم (فَتُفَجِّرَ) فتشقق (الْأَنْهارَ خِلالَها) وسطها (تَفْجِيراً (٩١)) تشقيقا (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) قطعا بالعذاب (١)(أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢)) شهيدا على ما تقول (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) من ذهب وفضة (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أو تصعد إلى السماء فتأتينا بالملائكة يشهدون إنك رسول من الله إلينا (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) لصعودك إلى السماء (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً) من الله إلينا (نَقْرَؤُهُ) فيه أنك رسول الله إلينا (قُلْ) لهم يا محمد (سُبْحانَ رَبِّي) أنزه ربى عن الولد والشريك (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً (٩٣)) يقول : ما أنا إلا بشر رسول كسائر الرسل (وَما مَنَعَ النَّاسَ) أهل مكة (أَنْ يُؤْمِنُوا) بالله (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالقرآن (إِلَّا أَنْ قالُوا) إلا قولهم (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤)) إلينا (قُلْ) يا محمد

__________________

(١) انظر : زاد المسير لابن الجوزى (٥ / ٧٩).

٤٦٣

لأهل مكة (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ) فى الأرض يمضون (مُطْمَئِنِّينَ) مقيمين (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)) لأنا لا نرسل إلى الملائكة لرسل إلا الملائكة ، وإلى البشر إلا البشر (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بأنى رسوله إليكم (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ) بإرسال الرسول إلى عباده (خَبِيراً بَصِيراً (٩٦)) بمن يؤمن به ، وبمن لا يؤمن.

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) لدينه (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) لدينه (وَمَنْ يُضْلِلْ) عن دينه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ) لأهل مكة (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) من دون الله يوفقونهم للهدى (وَنَحْشُرُهُمْ) نسحبهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) إلى النار (عُمْياً) لا يبصرون شيئا (وَبُكْماً) خرصا لا يتكلمون بشيء (وَصُمًّا) لا يسمعون شيئا (مَأْواهُمْ) مصيرهم (جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) سكنت النار وسكن لهبا (زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧)) وقودا (ذلِكَ) العذاب (جَزاؤُهُمْ) نصيبهم (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَقالُوا) كفار مكة (أَإِذا كُنَّا) صرنا (عِظاماً) بالية (وَرُفاتاً) ترابا رميما (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) لمحيون (خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)) يجدد فينا الروح هذا ما لا يكون أبدا (أَوَلَمْ يَرَوْا) أهل مكة (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ) يحيى (مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) وقتا (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه عند المؤمنين (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) المشركون (إِلَّا كُفُوراً (٩٩)) لم يقبلوا واستقاموا على الكفر (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) مفاتيح رزق ربى (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) عن النفقة (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) مخافة الفقر (وَكانَ الْإِنْسانُ) الكافر (قَتُوراً (١٠٠)) ممسكا بخيلا مقترا.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا

٤٦٤

فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))

(وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) مبينات اليد والعصا ، والطوفان والجراد والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، وطمس الأموال (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) عبد الله بن سلام وأصحابه (إِذْ جاءَهُمْ) موسى (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)) مغلوب العقل (قالَ) له موسى (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون (ما أَنْزَلَ) على موسى (هؤُلاءِ) الآيات (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) بيانا وعلامة لنبوتى (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ) أعلم وأستيقن (يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢)) ملعونا كافرا (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) يستنزلهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض الأردن وفلسطين (فَأَغْرَقْناهُ) فى البحر (وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد هلاكه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا) أنزلوا (الْأَرْضَ) أرض الأردن وفلسطين (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) البعث بعد الموت ، ويقال : نزول عيسى ابن مريم (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)) جميعا (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) بالقرآن أنزلنا جبريل على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) بالقرآن نزل (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا مُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً (١٠٥)) من النار (وَقُرْآناً) أنزلنا جبريل بالقرآن (فَرَقْناهُ) بيناه بالحلال والحرام ، والأمر والنهى (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) على مهل وهينة وترسل (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦)) بيناه تبيانا ، ويقال : نزلنا جبريل بالقرآن تنزيلا متفرقا آية وآيتين ، وثلاثا ، وكذا وكذا (قُلْ) لهم يا محمد (آمِنُوا بِهِ) بالقرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) وهذا وعيد لهم (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم بالتوراة بصفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (إِذا يُتْلى) يقرأ (عَلَيْهِمْ) القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) على الوجوه (سُجَّداً (١٠٧)) يسجدون لله فيه (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) نزهوا الله عن الولد والشريك (إِنْ كانَ) قد كان (وَعْدُ رَبِّنا) فى مبعث محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (لَمَفْعُولاً (١٠٨)) كائنا صادقا (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) للسجود (يَبْكُونَ) فى السجود (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)) تواضعا نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه.

(قُلِ) لهم يا محمد (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الصفات العليا مثل العلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، فادعوه بها (وَلا تَجْهَرْ

٤٦٥

بِصَلاتِكَ) يقول : لا تجهر بصوتك بقراءة القرآن فى صلاتك لكى لا يؤذيك المشركون (وَلا تُخافِتْ بِها) ولا تسر بقراءة القرآن فلا تسمع أصحابك (وَابْتَغِ) أطلب (بَيْنَ ذلِكَ) بين الرفع والخفض (سَبِيلاً (١١٠)) طريقا وسطا (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر والأولوهية لله (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) من الملائكة ، والآدميين فيرث ملكه (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) فيعاديه (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ) معين (مِنَ الذُّلِ) من أهل الذل ، يعنى اليهود والنصارى ، وهم أذل الناس ، ويقال : لم يذل حتى يحتاج إلى ولى من اليهود والنصارى (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)) يعنى عظمه تعظيما عن مقلة اليهود والمشركين.

* * *

٤٦٦

سورة الكهف

ومن السورة التى يذكر فيها الكهف

وهى كلها مكية ، غير آيتين مدنيتين ذكر [فيهما] عيينة بن حصن الفزارى.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يقول : الشكر لله والإلهية لله (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (الْكِتابَ) جبريل بالقرآن (قَيِّماً) على الكتب ، ويقال : مستقيما مقدم ومؤخر (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١)) لم ينزله مخالفا للتوراة والإنجيل ، وسائر الكتب بالتوحيد وصفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته ، نزلت فى شأن اليهود حين قالوا : القرآن مخالف لسائر الكتب (١) (لِيُنْذِرَ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالقرآن (بَأْساً) عذابا (شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) من عنده (وَيُبَشِّرَ) محمد بالقرآن (الْمُؤْمِنِينَ) المخلصين (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢)) ثوابا كريما فى الجنة (ماكِثِينَ فِيهِ) مقيمين فى الثواب لا يموتون ولا يخرجون (أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالقرآن (الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤)) يعنى اليهود والنصارى ، وبعض المشركين.

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٥ / ٢٢٩) ، ومسلم (١ / ٣٢٩ ، ٤٤٦).

٤٦٧

(ما لَهُمْ بِهِ) من مقالتهم (مِنْ عِلْمٍ) من حجة ولا بيان (وَلا لِآبائِهِمْ) كان علم ذلك (كَبُرَتْ كَلِمَةً) عظمت كلمة الشرك (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) تظهر على أفواههم (إِنْ يَقُولُونَ) ما يقولون (إِلَّا كَذِباً (٥)) على الله (فَلَعَلَّكَ) يا محمد (باخِعٌ نَفْسَكَ) قاتل نفسك (عَلى آثارِهِمْ) لأجلهم (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) بأن لم يؤمنوا بهذا القرآن (أَسَفاً (٦)) حزنا (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) من الرجال والنساء (زِينَةً لَها) زهرة للأرض (لِنَبْلُوَهُمْ) لنختبرهم (أَيُّهُمْ) من هم (أَحْسَنُ) أخلص (عَمَلاً (٧)) ويقال : إنا جعلنا ما على الأرض من النبات والشجر والدواب ، والنعم زينة لها زهرة للأرض لنبلوهم لنختبرهم أيهم أزهد فى الدنيا وأترك لها (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ) مخبرون (ما عَلَيْها) من الزهرة (صَعِيداً) ترابا (جُرُزاً (٨)) أملس لا نبات فيها (أَمْ حَسِبْتَ) أظننت يا محمد (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) والكهف ، كهف الجبل الذى فيه الغار ، والرقيم هو اللوح من رصاص فيه أسماء الفتية وقصتهم ، ويقال : الرقيم هو الوادى الذى فيه الكهف ، ويقال : الرقيم هو مدينة (كانُوا مِنْ آياتِنا) من عجائبنا (عَجَباً (٩)) الشمس والقمر ، والسماء والأرض ، والنجوم والجبال ، والبحار أعجب من ذلك (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) دخل غلمة فى غار الكهف (فَقالُوا) حين دخلوا (رَبَّنا) يا ربنا (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أى ثبتنا على دينك (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠)) مخرجا.

(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ

٤٦٨

رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠))

(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) ألقينا عليهم النوم وأنمناهم (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)) ثلاثمائة سنة وتسع سنين (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم كما ناموا (لِنَعْلَمَ) لكى نرى (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أى الفريقين المؤمنون والكافرون (أَحْصى لِما لَبِثُوا) أحفظ لما مكثوا فى الكهف (أَمَداً (١٢)) أجلا (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) نبين لك (نَبَأَهُمْ) خبرهم (بِالْحَقِ) بالقرآن (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) غلمة (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)) بصيرة من أمر دينهم ، ويقال : ثبتناهم فى أمر ديناهم ، ويقال : ثبتناهم على الإيمان (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) حفظنا قلوبهم بالإيمان ، ويقال : ألهمناهم الصبر (إِذْ قامُوا) من عند الملك دقيانوس الكافر (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ) لن نعبد من دون الله (إِلهاً) ربا (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)) كذبا وزورا على الله (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) عبدوا من دون الله (آلِهَةً) من الأوثان (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) هلا يأتون على عبادتهم (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) بحجة بينة أن الله أمرهم بذلك (فَمَنْ أَظْلَمُ) فليس أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥)) بأن له شريكا.

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) تركتموهم وتركتم دينهم (وَما يَعْبُدُونَ) من دون الله من الأوثان فلا تعبدوا (إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) فادخلوا هذا الغار (يَنْشُرْ لَكُمْ) يهب لكم (رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) من نعمته (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦)) ما يرفق بكم غدا ، وهذا كله قول الفتية (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) تميل (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) يمين الغار (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) تتركهم (ذاتَ الشِّمالِ) شمال الغار (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) فى ناحية من الكهف ، ويقال : فى فضاء منه من الضوء (ذلِكَ) الذى ذكرت من قصتهم (مِنْ آياتِ اللهِ) من عجائب الله (مَنْ يَهْدِ اللهُ) لدينه (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) لدينه (وَمَنْ يُضْلِلْ) عن دينه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)) موفقا يوفقه للهدى (وَتَحْسَبُهُمْ) يا محمد (أَيْقاظاً) غير نيام

٤٦٩

(وَهُمْ رُقُودٌ) نيام (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) فى كل عام مرة لكى لا تأكل الأرض لحومهم (وَكَلْبُهُمْ) قطمير (باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) بفناء الباب (لَوِ اطَّلَعْتَ) هجمت (عَلَيْهِمْ) من تلك الحال (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ) لأدبرت عنهم (فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)) لأخذت منهم خوفا.

(وَكَذلِكَ) هكذا (بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم بعد ما مضى ثلاث مائة سنة وتسع سنين (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) ليتحدثوا فيما بينهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) سيدهم وكبيرهم وهو مكسلمينا (كَمْ لَبِثْتُمْ) مكثتم فى هذا الغار بعد النوم (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً) فلما خرجوا فنظروا إلى الشمس وقد بقى منها شىء ، قالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا) يعنى مكسلمينا (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) بعد النوم (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) تمليخا (بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) بدراهمكم هذه (إِلَى الْمَدِينَةِ) مدينة أفسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أكثر طعاما ، ويقال : أطيب خبزا وأحل ذبيحة (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) بطعام منه (وَلْيَتَلَطَّفْ) يرفق فى الشراء (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ) لا يعلمن بكم (أَحَدٌ أَ(١٩)) من المجوس (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا) يطلعوا (عَلَيْكُمْ) المجوس (يَرْجُمُوكُمْ) يقتلوكم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ) يرجعوكم (فِي مِلَّتِهِمْ) فى دينهم المجوسية (وَلَنْ تُفْلِحُوا) لن تنجوا من عذاب الله (إِذاً أَبَداً (٢٠)) إذا رجعتم إلى دينهم.

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ

٤٧٠

عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠))

(وَكَذلِكَ) هكذا (أَعْثَرْنا) أطلعنا (عَلَيْهِمْ) أهل مدينة أفسوس المؤمنين والكافرين ، وكان ملكهم يومئذ مسلما ، يسمى يستفاد ، ومات ملكهم المجوسى دقيانوس قبل ذلك (لِيَعْلَمُوا) يعنى المؤمنين والكافرين (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) البعث بعد الموت (حَقٌ) كائن (وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) لا شك فيها (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) إذ يختلفون فى قولهم فيما بينهم (فَقالُوا) يعنى الكافرين (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) كنيسة ، لأنهم على ديننا (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) على قولهم وهم المؤمنون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)) لأنهم على ديننا وكان اختلافهم فى هذا (سَيَقُولُونَ) نصارى أهل نجران السيد وأصحابه وهم النسطورية (ثَلاثَةٌ) هم ثلاثة (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) قطمير (وَيَقُولُونَ) العاقب وأصحابه وهم المار يعقوبية (خَمْسَةٌ) هم خمسة (سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) ظنا بالغيب بغير علم (وَيَقُولُونَ) أصحاب الملك وهم الملكانية (سَبْعَةٌ) هم سبعة (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) قطمير (قُلْ) لهم يا محمد (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) بعددهم (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) من المؤمنين ، قال ابن عباس ، رضى الله عنهما : أنا من ذلك القليل ، وهم ثمانية سوى الكلب (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) فلا تجادل معهم فى عددهم (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) إلا أن تقرأ القرآن ظاهرا (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)) لا تسأل أحدا عن عددهم يكفيك ما بين الله لك (وَلا تَقُولَنَ) يا محمد (لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣)) أو قائل (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلا أن تقول إن شاء الله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) بالاستثناء (إِذا نَسِيتَ) ولو بعد حين (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) يدلنى ويرشدنى (لِأَقْرَبَ) لأصوب (مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)) صوابا ويقينا ، نزلت هذه الآية فى شأن النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إذ قال لمشركى أهل مكة : غدا أقول لكم ، فلم يقل : إن شاء الله ، فيما سألوه عن خبر الروح (١).

(وَلَبِثُوا) مكثوا (فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)) تسع

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٥ / ١٣١) ، ولباب النزول للسيوطى (١٤٤) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ٣٨٦).

٤٧١

سنين وهذا قبل أن أيقظهم الله (قُلِ) يا محمد (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) بما مكثوا بعد ذلك (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب عن العباد (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) ما أبصره وأعلمه بهم وشأنهم (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعهم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) فى حكم الغيب (أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) يقول : أقرأ عليهم القرآن ، ولا تزد فيه ولا تنقص منه (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا مغير لكلماته (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (مُلْتَحَداً (٢٧)) ملجأ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبس نفسك (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) يعبدون ربهم (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) غدوة وعشية ، يعنى سلمان وأصحابه (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) يريدون بذلك وجه الله ورضاه (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) لا تجاوز عيناك عنهم (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يريدون الزينة (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) عن توحيدنا (وَاتَّبَعَ هَواهُ) فى عبادة الأصنام (وَكانَ أَمْرُهُ) قوله (فُرُطاً (٢٨)) ضائعا ، نزلت هذه الآية فى عيينة بن حصن الفزارى.

(وَقُلِ) لعيينة (الْحَقُ) قول لا إله إلا الله (مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا وعيد من الله ، ويقال : فمن شاء فليؤمن ، ويقول : من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء فليكفر من شاء الله له الكفر كفر (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) لعيينة وأصحابه (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) سرادق النار يحيط بهم (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) للغصة بالماء (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كدردى الزيت ، ويقال : كالفضة المذابة (يَشْوِي الْوُجُوهَ) ينضج الوجوه (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)) منزلا ، يقول : بئس الدار دار رفقائهم الشياطين والكفار (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (إِنَّا لا نُضِيعُ) لا نبطل (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠)) ثواب من أخلص عملا.

(أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً

٤٧٢

مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠))

(أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) مقصورة الرحمن (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) أى من تحت شجرهم ومساكنهم (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (يُحَلَّوْنَ فِيها) يلبسون فى الجنة (مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) أقلبة ذهب (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) ما لطف من الديباج (وَإِسْتَبْرَقٍ) ما ثخن من الديباج (مُتَّكِئِينَ فِيها) جالسين فى الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) فى الحجال (نِعْمَ الثَّوابُ) الجزاء الجنة (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)) منزلا ، يقول : حسنت الدار دار رفقائهم الأنبياء والصالحون (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) بين لأهل مكة صفة (رَجُلَيْنِ) أخوين فى بنى إسرائيل أحدهما مؤمن وهو يهوذا والآخر كافر وهو أبو فطروس (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما) للكافر (جَنَّتَيْنِ) بستانين (مِنْ أَعْنابٍ) من كروم (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) أحطناهما بنخل (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما) بين البستانين (زَرْعاً (٣٢)) مزرعا (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ) البستانين (آتَتْ أُكُلَها) أخرجت ثمرها كل عام (وَلَمْ تَظْلِمْ) لم تنقص (مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) وسطهما (نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) يعنى ثمرة البستان إن قرأت بالنصب ، ويقال : مال إن قرأت بالضم (فَقالَ لِصاحِبِهِ) المؤمن يهوذا (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يفاخره بالمال (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤)) أكثر خدما (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) بستانه (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالكفر (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) أن تهلك (هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) كائنة (وَلَئِنْ رُدِدْتُ) رجعت (إِلى رَبِّي) كما يقول (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) من هذه الجنة (مُنْقَلَباً (٣٦)) مرجعا (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه فى كفره (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) من آدم ، وآدم من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) من نطفة أبيك (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧)) معتدل القامة (لكِنَّا) لكنى أنا أقول (هُوَ اللهُ رَبِّي) خالقى ورازقى (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨)) من الأوثان (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ) فهلا دخلت (جَنَّتَكَ) بستانك (قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) هذا من الله ليس منى (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) هذا بقوة الله لا بقوتى (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩)) وخدما فى الدنيا (فَعَسى رَبِّي) وعسى

٤٧٣

من الله واجب (أَنْ يُؤْتِيَنِ) أن يعطينى فى الآخرة (خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) من بستانك فى الدنيا (وَيُرْسِلَ عَلَيْها) على جنتك (حُسْباناً) نارا (مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠)) تصير ترابا أملس.

(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠))

(أَوْ يُصْبِحَ) أو يصير (ماؤُها غَوْراً) غائرا لا تناله الدلاء (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١)) حيلة (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أهلكت ثمرته إن قرأ بالنصب ، ويقال : أهلك ماله إن قرأت بالضم (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) يضرب يديه بعضها على بعض ندامة (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) فى الجنة ، ويقال : على ما كان فيهما من غلتهما (وَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) على سقوفها (وَيَقُولُ) يوم القيامة (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢)) من الأوثان (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) منعة (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣)) ممتنعا بنفسه من عذاب الله (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ) أى يوم القيامة الملك والسلطان لله (الْحَقِ) العدل (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) خير من أثاب (وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)) من أعقب (وَاضْرِبْ لَهُمْ) بين لأهل مكة (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فى بقائهما وفنائهما (كَماءٍ) كمطر (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) فاختلط الماء بنبات الأرض (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) فصار يابسا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ذرته الريح ولم يبق منه شىء ، كذلك الدنيا تذهب ولا يبقى منها شىء كما لا يبقى من

٤٧٤

الهشيم شىء (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من فناء الدنيا وبقاء الآخرة (مُقْتَدِراً (٤٥)) قادرا ، ثم ذكر ما فيهما من الزهرة ، فقال : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) زهرة الحياة الدنيا لا تبقى كما لا يبقى الهشيم (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) الصلوات الخمس ، ويقال : الباقيات ما يبقى ثوابه والصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) جزاء (وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)) خير ما يرجوه العباد من أعمالهم الصلاة (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) عن وجه الأرض (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) خارجة من تحت الجبال ، ويقال : ظاهرة (وَحَشَرْناهُمْ) للبعث (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧)) فلا نترك منهم احدا.

(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) سبقوا إلى ربك (صَفًّا) جميعا ، فيقول الله لهم : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بلا مال ولا ولد (بَلْ زَعَمْتُمْ) قلتم فى الدنيا (أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)) أجلا للبعث (وَوُضِعَ الْكِتابُ) فى الأيمان والشمائل ، وتطايرت الكتب إلى أيدى الخلق مثل الثلج (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) المشركين والمنافقين (مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) فى الكتاب (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً) من أعمالنا (وَلا كَبِيرَةً) ويقال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة القهقهة (إِلَّا أَحْصاها) حفظها وكتبها (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا) من خير وشر (حاضِراً) مكتوبا (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)) لا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد على سيئات أحد ، ويقال : لا ينقص من حسنة مؤمن ولا يترك من سيئة كافر (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) الذين كانوا فى الأرض (اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجدة التحية (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) رئيسهم (كانَ مِنَ الْجِنِ) من قبيلة الجن (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) فتعظم وتمرد عن طاعة ربه ، وأبى عن السجود لآدم (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) تعبدونه (وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) أربابا (مِنْ دُونِي) من دون الله (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) ظاهر العداوة (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ) المشركين منى (بَدَلاً (٥٠)) من الطاعة ، ويقال : بئس ما استبدلوا عبادة الله بعبادة الشيطان ، ويقال : ولاية الله بولاية الشيطان.

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ

٤٧٥

النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠))

(ما أَشْهَدْتُهُمْ) يعنى الملائكة والشياطين (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حين خلقتهما (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) حين خلقتهم ، ويقال : ما استعنت من الملائكة والشياطين فى خلق السموات والأرض ولا فى خلق أنفسهم (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) الكافرين اليهود والنصارى وعبدة الأوثان (عَضُداً (٥١)) عونا (وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يَقُولُ) لعبدة الأوثان (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ) يعنى آلهتكم (زَعَمْتُمْ) عبدتم وقلتم إنهم شركائى حتى يمنعوكم من عذابى (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) فلم يجيبوا لهم (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين العابد والمعبود (مَوْبِقاً (٥٢)) واديا فى النار وجعلنا ما بينهم من الوصل والود فى الدنيا موبقا مهلكا فى الآخرة (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ) المشركون (النَّارَ فَظَنُّوا) فعلموا وأيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) داخلوها ، يعنى النار (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)) مهربا (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بينا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) لأهل مكة (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل وجه من الوعد والوعيد لكى يتعظوا فيؤمنوا (وَكانَ الْإِنْسانُ) أبى بن خلف الجمحى (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤)) فى الباطل ، ويقول : ليس شىء أجدل من الإنسان (وَما مَنَعَ النَّاسَ) أهل مكة المطعمين يوم بدر (أَنْ يُؤْمِنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالقرآن (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) يتوبوا من الكفر إلى الإيمان (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) عذاب الأولين بهلاكهم (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ) بالسيف (قُبُلاً (٥٥)) معاينة يوم بدر.

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) بالجنة للمؤمنين (وَمُنْذِرِينَ) عن النار للكافرين (وَيُجادِلُ) يخاصم (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالكتب والرسل (بِالْباطِلِ)

٤٧٦

بالشرك (لِيُدْحِضُوا) ليبطلوا (بِهِ) بالباطل (الْحَقَ) والهدى (وَاتَّخَذُوا آياتِي) كتابى ورسلى (وَما أُنْذِرُوا) خوفوا من العذاب (هُزُواً (٥٦)) سخرية واستهزاء (وَمَنْ أَظْلَمُ) ليس أحد أظلم (مِمَّنْ ذُكِّرَ) وعظ (بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) فصرف عنها جاحدا بها (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ترك ذكر ما عملت يداه من الذنوب (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) لكى لا يفقهوا الحق والهدى (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) صمما لكى لا يسمعوا الحق والهدى (وَإِنْ تَدْعُهُمْ) يا محمد (إِلَى الْهُدى) إلى التوحيد (فَلَنْ يَهْتَدُوا) فلن يؤمنوا (إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) المتجاوز (ذُو الرَّحْمَةِ) بتأخير العذاب (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا) بشركهم (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) فى الدنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) أجل لهلاكهم (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ) من عذاب الله (مَوْئِلاً (٥٨)) ملجأ.

(وَتِلْكَ الْقُرى) أهل القرى الماضية (أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) حين كفروا (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) لهلاكهم (مَوْعِداً (٥٩)) آجلا ، ثم ذكر قصة موسى مع الخضر ، وكان موسى وقع فى قلبه أن ليس فى الأرض أحد أعلم منى ، فقال الله : يا موسى إن لى فى الأرض عبدا أعبد لى منك وأعلم وهو الخضر ، فقال موسى : يا رب دلنى عليه ، فقال الله : خذ سمكا مالحا وامض على شاطئ البحر حتى تلقى صخرة عندها عين الحياة فانضح على السمكة منها حتى تحيا السمكة فثم تلقى الخضر ، فقال الله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) لشاجرده يوشع بن نون وكان من أشراف بنى إسرائيل وإنما سمى فتاه لأنه كان يتبعه ويخدمه (لا أَبْرَحُ) لا أزال أمضى (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والمالح بحر فارس والروم (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠)) سنين ، ويقال دهرا.

(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠))

٤٧٧

(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) بين البحرين (نَسِيا حُوتَهُما) خبر حوتهما (١)(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) طريقه (فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١)) يابسا (فَلَمَّا جاوَزا) من الصخرة (قالَ لِفَتاهُ) لشاجرده (آتِنا غَداءَنا) أعطنا غداءنا (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)) تعبا ومشقة (قالَ) يوشع (أَرَأَيْتَ) يا موسى (إِذْ أَوَيْنا) انتهينا (إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) خبر الحوت (وَما أَنْسانِيهُ) وما شغلنيه (إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) لك (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) طريقه (فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣)) يابسا (قالَ) موسى (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) نطلب دلالة لنا من الله على الخضر (فَارْتَدَّا) رجعا (عَلى آثارِهِما) خلفهما (قَصَصاً (٦٤)) يقصان أثرهما (فَوَجَدا) هناك عند الصخرة (عَبْداً مِنْ عِبادِنا) يعنى خضرا (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) يقول : أكرمناه بالنبوة (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥)) علم الكوائن (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ) أصحبك يا خضر (عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦)) صوابا وهدى (قالَ) يا موسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧)) أن ترى منى شيئا لا تصبر عليه ، قال موسى : أصبر ، قال خضر : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ) يا موسى (عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ) على ما لم تعلم به (خُبْراً (٦٨)) بيانا (قالَ سَتَجِدُنِي) يا خضر (إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) على ما أرى منك (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩)) لا أترك أمرك (قالَ) خضر (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) صحبتنى يا موسى (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) فعلته (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ) حتى أبين لك (مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)) بيانا.

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (٢ / ١٣٣) وللأخفش (٣٩٣) ، وتفسير الطبرى (٢ / ١٢٦) ، وزاد المسير (٥ / ١٠٣).

٤٧٨

يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠))

(فَانْطَلَقا) فمضيا موسى وخضر عليهما‌السلام (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) عند العبر (خَرَقَها) ثقبها الخضر (قالَ) له موسى (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ) يعنى لكى تغرق (أَهْلَها) إن قرأت بنصب التاء ، ويقال : لتغرق لتهلك إن قرأت بضم التاء (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)) لقد فعلت شيئا منكرا شديدا على القوم (قالَ) له الخضر (أَلَمْ أَقُلْ) يا موسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ) موسى (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) تركت من وصيتك (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)) يعنى لا تكلفنى من أمرى شدة (فَانْطَلَقا) فمضيا (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) بين قريتين (فَقَتَلَهُ) الخضر (قالَ) موسى (أَقَتَلْتَ) يا خضر (نَفْساً زَكِيَّةً) برية (بِغَيْرِ نَفْسٍ) بغير قتل نفس (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)) فعلت فعلا منكرا عظيما (قالَ) الخضر (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) يا موسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥)) إنك ترى منى شيئا لا تصبر على ذلك (قالَ) موسى (إِنْ سَأَلْتُكَ) يا خضر (عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) بعد قتل هذه النفس (فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)) قد أعذرت منى بترك الصحبة (فَانْطَلَقا) فمضيا (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) يقال : لها أنطاكية (اسْتَطْعَما أَهْلَها) طلبا من أهلها الخبز (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) يعطوهما الطعام (فَوَجَدا فِيها جِداراً) حائطا مائلا (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أن يسقط (فَأَقامَهُ) فسواه الخضر (قالَ) موسى (لَوْ شِئْتَ) يا خضر (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)) جعلا خبزا نأكله (قالَ) الخضر (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) يا موسى (سَأُنَبِّئُكَ) أخبرك (بِتَأْوِيلِ) تفسير (ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)) ما لم تصبر عليه (أَمَّا السَّفِينَةُ) التى ثقبتها (فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فيعبرون بالناس (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أشينها (وَكانَ وَراءَهُمْ) قدامهم (مَلِكٌ) يقال له : حلندى (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)) فلذلك ثقبتها (وَأَمَّا الْغُلامُ) الذى قتلته (فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) من عظماء تلك القرية (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) فعلم ربك أن يكلفهما (طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠)) بطغيانه وكفره ومعصيته بالحلف الكاذب فقتلته.

(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما

٤٧٩

وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠))

(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما) ولدا (خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) صلاحا (وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)) أوصل رحما فرزق الله لهما جارية فتزوج بها نبى من الأنبياء فولدت نبيا من الأنبياء فهدى الله على يديه أمة من الناس وكان الغلام رجلا كافرا لصا قتالا فمن ذلك قتله الخضر ، وكان اسمه خشفور (وَأَمَّا الْجِدارُ) الذى سويته (فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ) وكان اسمهما أصرم وصريم (فِي الْمَدِينَةِ) فى مدينة أنطاكية (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) لوح من الذهب فيه علم وحكمة (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ذو أمانة ، يقال له : كاشح (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) أن يحتلما (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) يعنى اللوح (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) نعمة لهما من ربك ، ويقال : وحيا من ربك فعلته (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) من قبل نفسى (ذلِكَ تَأْوِيلُ) تفسير (ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)) ما لم تصبر عليه (وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد أهل مكة (عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) عن خبر ذى القرنين (قُلْ) يا محمد لهم (سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ) سأقرأ عليكم (مِنْهُ) من خبره (ذِكْراً (٨٣)) بيانا (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ) مكناه (فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ) أعطيناه (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤)) معرفة الطريق والمنازل (فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥)) فأخذ طريقا (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) حيث تضرب (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) حارة ، ويقال : فى طينة سوداء منتنة إن قرأت بغير الألف (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) كفارا (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) ألهمناه (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) تقتل حتى يقولوا لا إله إلا الله (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦)) معروفا تعفو عنهم وتتركهم (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) كفر بالله (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) فى الدنيا بالقتل (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) فى الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ) بالنار (عَذاباً نُكْراً (٨٧)) شديدا (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) بالله (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) الجنة فى الآخرة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)) معروفا (ثُمَّ أَتْبَعَ

٤٨٠