تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

عند مطلع الشمس خلف العين على نهر رمل يسمى أردن وسبطين ونصفا فى جميع العالم (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى) أمرنا موسى (إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) فى التيه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) الذى معك (فَانْبَجَسَتْ) فانفرجت (١)(مِنْهُ) من الحجر (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) نهرا (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) سبط (مَشْرَبَهُمْ) من النهر (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) فى التيه كان يظلهم بالنهار من الشمس ، ويضىء لهم بالليل مثل السراج (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) فى التيه (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أعطيناكم من المن والسلوى (وَما ظَلَمُونا) ما نقصونا وما ضرونا بما رفعوا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠)) ينقصون ويضرون.

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠))

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا) انزلوا (هذِهِ الْقَرْيَةَ) قرية أريحا (وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) ومتى شئتم (وَقُولُوا حِطَّةٌ) لا إله إلا الله ، ويقال : حط عنا الخطايا

__________________

(١) انظر : غريب ابن قتيبة (١٧٣) ، وزاد المسير (٣ / ٢٧٥).

٢٨١

(وَادْخُلُوا الْبابَ) باب أريحا (سُجَّداً) ركعا (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١)) فى إحسانهم (فَبَدَّلَ) فغير (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم أصحاب الخطيئة ، وقالوا (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أمر لهم أمروا بالحطة ، فقالوا : حنطة سمقانا (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) طاعونا من السماء (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢)) يغيرون (وَسْئَلْهُمْ) يا محمد يعنى اليهود (عَنِ الْقَرْيَةِ) عن خبر القرية وهى تسمى أيلة (الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) يعتدون يوم السبت بأخذ الحيتان (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) جماعات جماعات من غمر الماء إلى شاطئه (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ) هكذا (نَبْلُوهُمْ) نخبرهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)) يعصون.

(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ) جماعة (مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بالمسخ (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) بالنار (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) حجة لنا عند ربكم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤)) عن أخذ الحيتان يوم السبت ، وكانوا ثلاثة نفر كانوا يصطادون ويأمرون بذلك ونفر كانوا لا يصطادون ولا ينهون عن ذلك ، ونفر كانوا لا يصطادون وينهون عن ذلك فمسخ النفر الذين كانوا يصطادون ويأمرون بذلك ونجا الآخران (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) تركوا ما أمروا به (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) عن أخذ الحيتان يوم السبت (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بأخذ الحيتان يوم السبت (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥)) يعصون (فَلَمَّا عَتَوْا) أبوا (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا) صيروا (قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦)) صاغرين ذليلين (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) قال لهم ربك (لَيَبْعَثَنَ) ليسلطن (عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) من يعذبهم بأشد العذاب بالجزية وغيرها وهو محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأمته (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لشديد العقاب لمن لا يؤمن به (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (١٦٧)) لمن آمن به (وَقَطَّعْناهُمْ) فرقناهم (فِي الْأَرْضِ أُمَماً) سبطا سبطا (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) وهم تسعة أسباط ونصف الذين كانوا وراء نهر الرمل (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) يعنى دون ذلك القوم سائر المؤمنين من بنى إسرائيل ، ويقال : دون ذلك القوم يعنى كفار بنى إسرائيل (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) اختبرناهم بالخصب والرخاء والنعيم (وَالسَّيِّئاتِ) بالقحط والجدوبة والشدة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)) لكى يرجعوا عن معصيتهم وكفرهم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) فبقى من بعد الصالحين

٢٨٢

(خَلْفٌ) خلف سوء وهم اليهود (وَرِثُوا الْكِتابَ) أخذوا الكتاب ، يعنى التوراة وكتموا ما فيها من صفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) يأخذون على كتمان صفة محمد ونعته (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) حرام الدنيا من الرشوة وغيرها (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) ما نعمل بالليل من الذنوب ، يغفر لنا بالنهار ، وما نعمل بالنهار يغفر لنا بالليل (وَإِنْ يَأْتِهِمْ) اليوم (عَرَضٌ مِثْلُهُ) حرام مثله مثل ما أتا صم أمن (يَأْخُذُوهُ) يستحلون (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) الميثاق فى الكتاب (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) إلا الصدق (وَدَرَسُوا) قرءوا (ما فِيهِ) من صفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته ، ويقال : قرءوا ما فيه من الحلال والحرام ولم يعلموا به (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ) يعنى الجنة (خَيْرٌ) أفضل (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الكفر والشرك والفواحش والرشوة وتغير صفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وتغيير فى التوراة من دار الدنيا (أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)) أن الدنيا فانية والآخرة باقية.

(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) يعملون بما فى الكتاب يحلون حلاله ويحرمون حرامه ويبينون صفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (إِنَّا لا نُضِيعُ) لا نبطل (أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)) ثواب المحسنين بالقول والفعل يعنى عبد الله ابن سلام وأصحابه.

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠))

٢٨٣

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) قلعنا ورفعنا وحبسنا الجبل (فَوْقَهُمْ) فوق رءوسهم (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) علالى (وَظَنُّوا) علموا وأيقنوا (أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) نازل عليهم إن لم يقبلوا الكتاب (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) اعملوا بما أعطيناكم (بِقُوَّةٍ) بجد ومواظبة النفس (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من الثواب والعقاب ، ويقال : احفظوا ما فيه من الأمر والنهى ، ويقال : اعملوا بما فيه من الحلال والحرام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)) لكى تتقوا السخط والعذاب وتطيعوا الله (وَإِذْ) قد (أَخَذَ رَبُّكَ) يا محمد يوم الميثاق (مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) يقول : ذريتهم من ظهورهم مقدم ومؤخر (وَأَشْهَدَهُمْ) استنطقهم (عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) علمنا وأقررنا بأنك ربنا ، فقال الله للملائكة : اشهدوا عليهم ، وقال لهم : ليشهد بعضكم على بعض (أَنْ تَقُولُوا) لكى لا تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هذا) الميثاق (غافِلِينَ (١٧٢)) لم يؤخذ علينا.

(أَوْ تَقُولُوا) لكى لا تقولوا (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) من قبلنا ونقضوا الميثاق والعهد قبلنا (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً) صغارا ضعفاء (مِنْ بَعْدِهِمْ) اقتدينا بهم (أَفَتُهْلِكُنا) أفتعذبنا (بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)) المشركون قبلنا فى نقض العهد (وَكَذلِكَ) هكذا (نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبين القرآن بخبر الميثاق (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤)) لكى يرجعوا من الكفر والشرك إلى الميثاق الأول (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أقرأ عليهم يا محمد (نَبَأَ) خبر (الَّذِي آتَيْناهُ) أعطيناه (آياتِنا) الاسم الأعظم (فَانْسَلَخَ مِنْها) فخرج منها وهو بلعم بن باعوراء أكرمه الله بالاسم الأعظم فدعا به على موسى فأخذه الله منه حفظ ذلك ، ويقال : أمية بن أبى الصلت أكرمه الله تعالى بعلم حسن ، وكلام حسن ، ولما لم يؤمن أخذ الله منه ذلك (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) فغره الشيطان (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥)) فصار من الضالين الكافرين (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) بالاسم الأعظم إلى السماء فملكناه بها على أهل الدنيا (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) مال إلى الأرض (وَاتَّبَعَ هَواهُ) هوى الملك ، ويقال : هوى نفسه بمساوئ الأمور (فَمَثَلُهُ) مثل بلعم ، ويقال : مثل أمية بن أبى الصلت (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ) إن تشدد عليه فتطرده (يَلْهَثْ) يدلع لسانه (أَوْ تَتْرُكْهُ) فلا تطرده (يَلْهَثْ) يدلع لسانه كذلك مثل بلعم ، وأمية إن وعظ لم يتعظ ، وإن سكت عنه لم يعقل (١)(ذلِكَ) هكذا (مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن وهم اليهود

__________________

(١) انظر : معانى الزجاج (٢ / ٤٣٢) ، وتفسير الطبرى (٩ / ٨٨) ، وتفسير القرطبى (٧ / ٣٢٢).

٢٨٤

(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) فاقرأ عليهم القرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) لكى يتفكرون فى أمثال القرآن.

(ساءَ مَثَلاً) بئس مثلا (الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن إذا كان مثلهم كمثل الكلب (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧)) يضرون بالعقوبة (مَنْ يَهْدِ اللهُ) لدينه (فَهُوَ الْمُهْتَدِي) لدينه (وَمَنْ يُضْلِلْ) عن دينه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)) المغبونون بالعقوبة (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) خلقنا (لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) الحق (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) الحق (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) الحق (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) فى فهم الحق (بَلْ هُمْ أَضَلُ) لأنهم كفار (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)) عن أمر الآخرة جاحدون بها (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الصفات العليا للعلم والقدرة والسمع والبصر وغير ذلك (فَادْعُوهُ بِها) فاقرءوا بها (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) بقول : يجحدون بأسمائه وصفاته ، وإن قرأت يلحدون ، يقول : يميلون عن الإقرار بأسمائه وصفاته ، ويقال : يلحدون فى أسمائه يشبهون بأسمائه اللات والعزى ومناة (سَيُجْزَوْنَ) فى الآخرة (ما كانُوا) بما كانوا (يَعْمَلُونَ (١٨٠)) ويقولون فى الدنيا من الشر.

(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠))

(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ) جماعة (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) يأمرون بالحق (وَبِهِ

٢٨٥

يَعْدِلُونَ (١٨١)) وبالحق يعملون وهم أمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ، وهو أبو جهل وأصحابه المستهزءون بنزول العذاب (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) سنأخذهم بالعذاب (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢)) لا يشعرون بنزول العذاب فأهلكهم الله فى يوم واحد بهلاك غير هلاك صاحبه (وَأُمْلِي لَهُمْ) أمهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)) عذابى وأخذى شديد (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) فيما بينهم أن محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يكن ساحرا ولا كاهنا ولا مجنونا ، ثم قال الله تعالى : (ما بِصاحِبِهِمْ) ما بنبيهم (مِنْ جِنَّةٍ) ما مسه من جنون (إِنْ هُوَ) ما هو (إِلَّا نَذِيرٌ) ورسول مخوف (مُبِينٌ (١٨٤)) يبين لهم بلغة يعلمونها (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) يعنى أهل مكة (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم والسحاب (وَالْأَرْضِ) وفى ملكوت الأرض وما فى الأرض من الشجر والجبال والبحار والدواب (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) وفيما خلق الله من سائر الأشياء (وَأَنْ عَسى) وعسى من الله واجب (أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) دنا هلاكهم (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) فبأي كتاب بعد كتاب الله (يُؤْمِنُونَ (١٨٥)) إن لم يؤمنوا بهذا الكتاب (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن دينه (فَلا هادِيَ لَهُ) فلا مرشد له إلى دينه (وَيَذَرُهُمْ) يتركهم (فِي طُغْيانِهِمْ) فى كفرهم وضلالهم (يَعْمَهُونَ (١٨٦)) يمضون عمهة لا يبصرون.

(يَسْئَلُونَكَ) يا محمد أهل مكة (عَنِ السَّاعَةِ) عن قيام الساعة وحينها (أَيَّانَ مُرْساها) متى قيامها وحينها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها) علم قيامها وحينها (عِنْدَ رَبِّي) من ربى (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) لا يبين وقتها وحينها (إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ثقل علم قيامها وحينها على أهل السموات والأرض (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) فجأة (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد عن قيام الساعة (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) عالم بها ، ويقال : جاهل بها ، ويقال : غافل عنها (قُلْ) يا محمد (إِنَّما عِلْمُها) علم قيامها وحينها (عِنْدَ اللهِ) من الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (١٨٧)) ولا يصدقون ذلك (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً) جر النفع (وَلا ضَرًّا) دفع الضر (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يفعل بى من الضر والنفع (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) النفع والضر (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) من النفع (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) الضر ، ويقال : ولو كنت أعلم متى ينزل العذاب عليكم (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) سترا لذلك (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ما أصابنى الغم والحزن ، ويقال : ولو كنت أعلم الغيب متى أموت

٢٨٦

(لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) من العمل الصالح (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ما أصابنى الشدة (١)(إِنْ أَنَا) ما أنا (إِلَّا نَذِيرٌ) من النار (وَبَشِيرٌ) بالجنة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)) بالجنة والنار (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) من نفس آدم وحدها (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) خلق من نفس آدم زوجته حواء (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) معها (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أتاها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) هينا (فَمَرَّتْ بِهِ) قامت وقعدت تألما (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) ثقل الولد فى بطنها بوسوسة إبليس أنه بهيمة من البهائم (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) آدميا صحيحا وسويا (لَنَكُونَنَ) لنصيرن (مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)) لذلك (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) آدميا صحيحا سويا (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) جعلا له إبليس شريكا (فِيما آتاهُما) فى تسمية ما أتاهما من الولد سمياه عبد الله ، وعبد الحارث (فَتَعالَى اللهُ) تبرأ الله (عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)) به من الأصنام.

(أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥) إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))

(أَيُشْرِكُونَ) بالله (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) ولا يحيى (وَهُمْ) يعنى الآلهة (يُخْلَقُونَ (١٩١)) ينحتون أى مخلوقة منحوتة.

(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) نفعا ولا منعا (وَلا أَنْفُسَهُمْ) يعنى الآلهة (يَنْصُرُونَ (١٩٢)) لا يمنعون مما يراد بهم (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) يا محمد يعنى الكفار (إِلَى الْهُدى) إلى التوحيد (لا يَتَّبِعُوكُمْ) لا يجيبوكم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) إلى

__________________

(١) انظر : معانى الزجاج (٢ / ٤٣٦) ، وتفسير الطبرى (٩ / ٩٧) ، وابن كثير (٢ / ٢٧٣) ، والقرطبى (٧ / ٣٣٦).

٢٨٧

التوحيد (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣)) ساكتون فإنهم لا يجيبونكم بالتوحيد يعنى الكفار ، ويقال : وإن تدعوهم يا معشر الكفار إلى الأصنام إلى الهدى إلى الحق (لا يَتَّبِعُوكُمْ) لا يجيبوكم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) يعنى الأصنام (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ساكتون لا يجيبونكم ولا يسمعون دعاءكم لأنهم أموات غير أحياء (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) مخلوقون أمثالكم (فَادْعُوهُمْ) يعنى الآلهة (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فليسمعوا دعاءكم وليجيبوكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤)) أنهم ينفعوكم (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) إلى الخير (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) يأخذون بها ويعطون (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها) عبادتكم (أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) دعوتكم (قُلِ) يا محمد لمشركى أهل مكة (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) استعينوا بآلهتكم (ثُمَّ كِيدُونِ) اعملوا أنتم وهم فى هلاكى (فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥)) فلا تؤجلون (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) حافظى وناصرى الله (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) نزل جبريل علىّ الكتاب (وَهُوَ يَتَوَلَّى) يحفظ (الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) من دون الله من الأوثان (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) نفعكم ولا منعكم (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧)) يمنعون مما يراد بهم (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) إلى الحق (لا يَسْمَعُوا) ولا يجيبوا لأنهم أموات غير أحياء (وَتَراهُمْ) يا محمد يعنى الأصنام (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) كأنهم ينظرون إليك مفتحة أعينهم (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)) لأنهم أموات غير أحياء (خُذِ الْعَفْوَ) خذ ما فضل لهم من الأكل والعيال ، وهذا منسوخ ، ويقال : خذ العفو عمن ظلمك وأعط من حرمك وصل من قطعك (١)(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) بالمعروف والإحسان (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)) عن أبى جهل وأصحابه ، المستهزئين ، ثم نسخ الإعراض (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) يصيبنك (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) وسوسة وريب (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فامتنع بالله من وسوسته (إِنَّهُ سَمِيعٌ) باستعاذتك (عَلِيمٌ (٢٠٠)) بوسوسته.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ

__________________

(١) انظر : النكت والعيون للماوردى (٢ / ٧٩) وزاد المسير لابن الجوزى (٣ / ٣١٤).

٢٨٨

تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والشرك ووسوسة الشيطان (إِذا مَسَّهُمْ) إذا أصابهم (طائِفٌ) ريب ووسوسة (مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) عرفوا (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)) منتهون عن المعصية (وَإِخْوانُهُمْ) إخوان المشركين يعنى الشياطين (يَمُدُّونَهُمْ) يجرونهم ويوسوسونهم (فِي الغَيِ) فى الكفر والضلالة والمعصية (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)) لا ينتهون عن ذلك (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ) يعنى أهل مكة (بِآيَةٍ) كما طلبوا (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) هلا تكلفتها من الله ، ويقال : اختلقتها من تلقاء نفسك (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أعمل وأقول بما ينزل على من ربى (هذا) يعنى القرآن (بَصائِرُ) بيان (مِنْ رَبِّكُمْ) بالأمر والنهى (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣)) بالقرآن (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) فى الصلاة المكتوبة (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلى قراءته (وَأَنْصِتُوا) لقراءته (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)) لكى ترحموا فلا تعذبوا (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) اقرأ أنت يا محمد وحدك إن كنت إماما (تَضَرُّعاً) مستكينا (وَخِيفَةً) خوفا (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) دون الرفع من القراءة والصوت (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بكرة وعشية فى الصلاة أى صلاة الغداة وصلاة المغرب والعشاء (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)) فى القراءة فى الصلاة إذا كنت إماما أو وحدك (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعنى الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ) لا يتعظون (عَنْ عِبادَتِهِ) عن طاعته والإقرار له بالعبودية (وَيُسَبِّحُونَهُ) يطيعونه (وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦)) يصلون والله أعلم بالصواب.

* * *

٢٨٩

سورة الأنفال

ومن السورة التى يذكر فيها الأنفال

وهى كلها مدنية إلا قوله عزوجل (حَسْبَكَ اللهُ) فإنها نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه فى قوله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) يسألك أصحاب الغنائم يوم بدر عن صلة (قُلِ) يا محمد لهم (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الغنائم يوم بدر لله وللرسول ليس لكم فيه شىء ، ويقال : لله وأمر الرسول فيه جائز (فَاتَّقُوا اللهَ) فى أخذ الغنائم (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ما بينكم من المخالفة فليرد الغنى إلى الفقير والقوى إلى الضعيف والشاب إلى الشيخ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فى أمر الصلح (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (مُؤْمِنِينَ (١)) بالله والرسول (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) إذا أمروا بأمر من قبل الله مثل أمر الصلح وغيره (وَجِلَتْ) خافت (قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ) قرئت (عَلَيْهِمْ آياتُهُ) فى الصلح

٢٩٠

(زادَتْهُمْ إِيماناً) يقينا بقول الله ، ويقال : صدقا ، ويقال : تكريرا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)) لا على الغير (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يتمون الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وما يجب فيها فى مواقيتها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم من الأموال (يُنْفِقُونَ (٣)) يتصدقون فى طاعة الله ويقال يؤدون زكاة أموالهم (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) صدقا يقينا (لَهُمْ دَرَجاتٌ) فضائل (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى الآخرة (وَمَغْفِرَةٌ) للذنوب فى الدنيا (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)) ثواب حسن فى الجنة.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) امض يا محمد على ما أخرجك ربك (مِنْ بَيْتِكَ) من المدينة (بِالْحَقِ) بالقرآن ، ويقال : بالحرب (وَإِنَّ فَرِيقاً) طائفة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥)) للقتال (يُجادِلُونَكَ) يخاصمونك (فِي الْحَقِ) فى الحرب (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) لهم أنك لا تصنع ولا تأمر إلا ما أمرك ربك (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)) إليه (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) الفئتين العير أو العسكر (أَنَّها لَكُمْ) غنيمة (وَتَوَدُّونَ) تتمنون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) الشدة والحرب (تَكُونُ لَكُمْ) غنيمة يعنى غنيمة العير (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أن يظهر دينه الإسلام بنصرته وتحقيقه (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)) أصل الكافرين وأثرهم(لِيُحِقَّ الْحَقَ) ليظهر دينه الإسلام بمكة (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ويهلك الشرك وأهله (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)) وإن كره المشركون أن يكون ذلك (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) تدعون (رَبَّكُمْ) يوم بدر بالنصرة (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) الدعاء (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) معينكم (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)) متتابعين بالنصرة لكم (وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعنى المدد (إِلَّا بُشْرى) لكم بالنصرة (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ) بالمدد (قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ) بالملائكة (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) بالنقمة من أعدائه (حَكِيمٌ (١٠)) حكم عليهم بالقتل والهزيمة وحكم لكم بالنصرة والغنيمة.

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ

٢٩١

وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠))

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) ألقى عليهم النوم (أَمَنَةً) لكم (مِنْهُ) من الله بالعدو وهى منة من الله لكم (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) بالمطر من الأحداث والجنابة (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) وسوسة الشيطان (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) وليحفظ قلوبكم بالصبر (وَيُثَبِّتَ بِهِ) بالمطر (الْأَقْدامَ (١١)) على الرمل أى يشد الرمل حتى يثبت عليه الأقدام (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) ألهم ربك ، ويقال : أمر ربك (أَنِّي مَعَكُمْ) معينكم (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) فى الحرب ، ويقال : فبشروا الّذين آمنوا بالنصرة (سَأُلْقِي) سأقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) المخافة من محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) رءوسهم (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)) مفصل (ذلِكَ) القتال لهم (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) خالفوا الله (وَرَسُولَهُ) فى الدين (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ) يخالف الله (وَرَسُولَهُ) فى الدين (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)) إذا عاقب (ذلِكُمْ) العذاب لكم (فَذُوقُوهُ) فى الدنيا (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) فى الآخرة (عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يوم بدر (زَحْفاً) مزاحفة (فَلا تُوَلُّوهُمُ) أى فلا تتولوا منهم (الْأَدْبارَ (١٥)) منهزمين.

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ) يتول عنهم (يَوْمَئِذٍ) يوم بدر (دُبُرَهُ) ظهره منهزما (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) مستطردا للقتال ، ويقال : للكره (أَوْ مُتَحَيِّزاً) أو ينحاز (إِلى فِئَةٍ) ينصرونه ويمنعونه (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) فقد رجع واستوجب

٢٩٢

بسخط من الله (وَمَأْواهُ) مصيره (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)) صار إليه (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) يوم بدر (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بجبريل والملائكة (وَما رَمَيْتَ) ما بلغت التراب إلى وجوه المشركين (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بلغ (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) ليصنع بالمؤمنين (مِنْهُ) من رمى التراب (بَلاءً) صنيعا (حَسَناً) بالنصرة والغنيمة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم (عَلِيمٌ (١٧)) بنصرتكم (ذلِكُمْ) النصرة والغنيمة لكم (وَأَنَّ اللهَ) بأن الله (مُوهِنُ) مضعف (كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨)) صنيع الكافرين (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) تستنصروا (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) النصرة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه عليكم حيث دعا أبو جهل قبل القتال والهزيمة ، فقال : اللهم انصر أفضل الدينين وأكرم الدينين وأحبهما إليك فاستجاب الله دعاه ونصر محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه عليهم (١)(وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن الكفر والقتال (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الكفر والقتال (وَإِنْ تَعُودُوا) إلى قتال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (نَعُدْ) إلى قتلكم وهزيمتكم مثل يوم بدر (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) جماعتكم (شَيْئاً) من عذاب الله (وَلَوْ كَثُرَتْ) فى العدد (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)) معين المؤمنين بالنصرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فى أمر الصلح (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) عن أمر الله ورسوله (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)) مواعظ القرآن وأمر الصلح.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ٤٠٣) ، وتفسير الطبرى (٩ / ١١٤) ، ومختصره للتجيبى (١ / ٢٢٥) ، وزاد المسير (٣ / ٣١٨) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٢٨٢) ، ولباب النقول للسيوطى (١٠٦) ، والدر المنثور (٤ / ٦) ، فتح القدير للشوكانى (٢ / ٢٩٣).

٢٩٣

وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠))

(وَلا تَكُونُوا) فى المعصية ، ويقال : فى الطاعة (كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) أطعنا وهم بنو عبد الدار والنضر بن الحارث وأصحابه (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١)) لا يطيعون ونزل فيهم أيضا (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) الخلق والخليفة (عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) عن الحق (الْبُكْمُ) عن الحق (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢)) لا يفقهون أمر الله وتوحيده (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ) فى بنى عبد الدار (خَيْراً) شهادة (لَأَسْمَعَهُمْ) لأكرمهم بالإيمان (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) أكرمهم بالإيمان (لَتَوَلَّوْا) عن الإيمان لعلم الله فيهم (وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)) مكذبون به (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) أجيبوا الله (وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) إلى ما يكرمكم ويعزكم من القتال وغيره (وَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ يَحُولُ) يحفظ (بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) بين المؤمن وبين أن يكفر ، وبين الكافرين ، وبين أن (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ) إلى الله فى الآخرة (تُحْشَرُونَ (٢٤)) فيجزيكم بأعمالكم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) كل فتنة تكون (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ولكن تصيب الظالم والمظلوم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥)) إذا عاقب.

(وَاذْكُرُوا) يا معشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) فى العدد (مُسْتَضْعَفُونَ) مقهورون (فِي الْأَرْضِ) أرض مكة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أن يطردكم أهل مكة أو يأسروكم (فَآواكُمْ) بالمدينة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) يعنى أعانكم وقواكم بنصرته (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الغنائم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)) لكى تشكروا نعمته بالنصرة والغنيمة يوم بدر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى مروان وأبا لبابة بن عبد المنذر (لا تَخُونُوا اللهَ) فى الدين (وَالرَّسُولَ) فى الإشارة إلى بنى قريظة أن لا تنزلوا على حكم سعد بن معاذ (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) ولا تخونوا فى فرائض الله وهى أمانة عليكم (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)) تلك الخيانة (وَاعْلَمُوا) يعنى به أبا لبابة (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ) التى فى بنى قريظة (فِتْنَةٌ) بلية لكم (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨)) ثواب وافر فى الجنة بالجهاد (يا أَيُّهَا

٢٩٤

الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم ونهاكم (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) نصرة ونجاة (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) دون الكبائر (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) سائر الذنوب (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ) ذو المن (الْعَظِيمِ (٢٩)) على عبادة بالمغفرة والجنة (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) فى دار الندوة (الَّذِينَ كَفَرُوا) أبو جهل وأصحابه (لِيُثْبِتُوكَ) ليحبسوك سجنا وهو ما قال عمرو بن هشام (أَوْ يَقْتُلُوكَ) جميعا وهو ما قال أبو جهل بن هشام (أَوْ يُخْرِجُوكَ) طردا وهو ما قال أبو البحترى بن هشام (وَيَمْكُرُونَ) يريدون قتلك وهلاكك يا محمد (وَيَمْكُرُ اللهُ) يريد الله قتلهم وهلاكم يوم بدر (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)) أقوى المهلكين (١).

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))

(وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ) على النضر بن الحارث وأصحابه (آياتُنا) بالأمر والنهى (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) ما قال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) مثل ما يقول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (إِنْ هذا) ما هذا الذى يقول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (إِلَّا أَساطِيرُ)

__________________

(١) انظر : لباب النقول (ص ١٠٨) ، وتفسير الطبرى (٩ / ١٣٧) ، وزاد المسير (٣ / ٣٣٤) ، وتفسير القرطبى (٧ / ٣٨٤) ، وتفسير ابن كثير (٢ / ٩٦).

٢٩٥

أحاديث (الْأَوَّلِينَ (٣١)) وأخبارهم (وَإِذْ قالُوا) قال ذلك النضر (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذى يقول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) أن ليس لك ولد ولا شريك (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا) على النضر (حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)) وجيع فقتل يوم بدر صبرا.

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) ليهلكهم أبا جهل وأصحابه (وَأَنْتَ فِيهِمْ) مقيم (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) ومهلكهم (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)) يريدون أن يؤمنوا (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن يطوفوا حوله عام الحديبية (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أولياء المسجد (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) ما أولياءه (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) الكفر والشرك والفواحش محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) كلهم (لا يَعْلَمُونَ (٣٤)) ذلك ولا يصدقون به (وَما كانَ صَلاتُهُمْ) لم تكن عبادتهم (عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً) تصغيرا كتصغير المكاء (وَتَصْدِيَةً) تصفيقا (فَذُوقُوا الْعَذابَ) يوم بدر (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (١) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المطعمون يوم بدر أبو جهل وأصحابه وكانوا ثلاثة عشر رجلا (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا) ليصرفوا الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله وطاعته (فَسَيُنْفِقُونَها) فى الدنيا (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) وندامة فى الآخرة.

(ثُمَّ يُغْلَبُونَ) يقتلون ويهزمون يوم بدر (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أبو جهل وأصحابه (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)) يوم القيامة (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) الكافر من المؤمن والمنافق من المخلص والطالح من الصالح (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) إلى بعض (فَيَرْكُمَهُ) فيجمعه (جَمِيعاً) الخبيث (فَيَجْعَلَهُ) فيطرحه (فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)) المغبونون بالعقوبة.

(قُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى أبا سفيان وأصحابه (إِنْ يَنْتَهُوا) عن الكفر والشرك وعبادة الأوثان وقتال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) من الكفر والشرك وعبادة الأوثان وقتال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَإِنْ يَعُودُوا) إلى قتال

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٩ / ١٢٧) ، وزاد المسير (٣ / ٣٥٢) ، والنكت للماوردى (٢ م ٩٩) ، مختصر الطبرى (١ / ٢٣٣).

٢٩٦

محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)) خلت سيرة الأولين بالنصرة لأوليائه على أعدائه مثل يوم بدر (وَقاتِلُوهُمْ) يعنى كفار أهل مكة (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الكفر والشرك وعبادة الأوثان وقتال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فى الحرم (وَيَكُونَ الدِّينُ) فى الحرم والعبادة (كُلُّهُ لِلَّهِ) حتى لا يبقى إلا دين الإسلام (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر والشرك وعبادة الأوثان وقتال محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان (فَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) حافظكم وناصركم عليهم (نِعْمَ الْمَوْلى) الولى بالحفظ والنصرة (وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)) المانع.

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠))

(وَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) من الأموال (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) يخرج خمس الغنيمة لقبل الله (وَلِلرَّسُولِ) لقبل الرسول (وَلِذِي الْقُرْبى)

٢٩٧

ولقبل قرابة النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَالْيَتامى) ولقبل اليتامى غير يتامى بنى عبد المطلب (وَالْمَساكِينِ) ولقبل المساكين غير مساكين بنى عبد المطلب (وَابْنِ السَّبِيلِ) ولقبل الضيف والمحتاج كائنا من كان ، وكان يقسم الخمس فى زمن النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على أربعة أسهم سهم للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وهو سهم الله ، وسهم للقرابة لأن النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان يعطى قرابته لقبل الله وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل فلما مات النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) سقط سهم النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والذى كان يعطى للقرابة لقول أبى بكر : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يقول : «لكل نبى طعمة فى حياته فإذا مات سقطت فلم تكن بعده لأحد» وكان يقسم أبو بكر ، وعمرو ، وعثمان ، وعلى فى خلافتهم الخمس على ثلاثة أسهم سهم لليتامى غير يتامى بنى عبد المطلب ، وسهم للمساكين غير مساكين بنى عبد المطلب ، وسهم لابن السبيل للضيف والمحتاج (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا) وبما أنزلنا (عَلى عَبْدِنا) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم الدولة والنصرة لمحمد وأصحابه ويقال : (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم فرق بين الحق والباطل وهو يوم بدر حكم بالنصرة والغنيمة للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه والقتل والهزيمة لأبى جهل وأصحابه (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وجمع أبى سفيان (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من النصرة والغنيمة للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه والقتل والهزيمة لأبى جهل وأصحابه.

(قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ) يا معشر المؤمنين (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) القربى إلى المدينة دون الوادى (وَهُمْ) يعنى أبا جهل وأصحابه (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) البعدى من المدينة من خلف الوادى (وَالرَّكْبُ) العير أبو سفيان وأصحابه (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) على شط البحر بثلاثة أميال (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) فى المدينة للقتال (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) فى المدينة بذلك (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ) ليمضى الله (أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) كائنا بالنصرة والغنيمة للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه والقتل والهزيمة لأبى جهل وأصحابه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ) يقول : ليهلك على الكفر من أراد الله أن يهلك (عَنْ بَيِّنَةٍ) بعد البيان بالنصرة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَيَحْيى) ويثبت على الإيمان (مَنْ حَيَ) من أراد الله أن يثبت (عَنْ بَيِّنَةٍ) بعد البيان بالنصرة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، ويقال ليهلك : ليكفر من هلك من أراد يكفر عن نبيه بعد البيان بالنصرة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ويؤمن من أراد الله أن يؤمن من بعد البيان (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لدعائكم (عَلِيمٌ (٤٢)) بإجابتكم ونصرتكم (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ) يا محمد قبل بدر (قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ)

٢٩٨

لاختلفتم فى أمر الحرب (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) قضى (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣)) بما فى القلوب (١).

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) يوم بدر (إِذِ الْتَقَيْتُمْ) لقيتم (فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) حتى أجرأكم عليهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتى اجترءوا عليكم (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً) ليمضى الله أمرا بالنصرة والغنيمة لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه ، والقتل والهزيمة لأبى جهل وأصحابه (كانَ مَفْعُولاً) كائنا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)) عواقب الأمور فى الآخرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) جماعة من الكفار يوم بدر (فَاثْبُتُوا) مع نبيكم فى الحرب (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) بالقلب واللسان بالتهليل والتكبير (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)) لكى تنجوا من السخطة والعذاب (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فى أمر الحرب (وَلا تَنازَعُوا) لا تختلفوا فى أمر الحرب (فَتَفْشَلُوا) فتجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) شدتكم والريح النصرة (وَاصْبِرُوا) فى القتال مع نبيكم (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)) معين الصابرين فى الحرب (وَلا تَكُونُوا) فى المعصية (كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) مكة (بَطَراً) أشرا (وَرِئاءَ النَّاسِ) سمعة الناس (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله وطاعته (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ) فى الخروج على النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والحرب (مُحِيطٌ (٤٧)) عالم.

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) إبليس خروجهم (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ) عليكم (الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) معين لكم (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) الجمعان جمع المؤمنين ، وجمع الكافرين ورأى إبليس جبريل مع الملائكة (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) رجع إلى خلفه (وَقالَ) لهم (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) ومن قتالكم (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) أرى جبريل ولم تروه (إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)) إذا عاقب ، خاف أن يأخذه جبريل فيعرفه إليهم فلا يطيعوه بعد ذلك (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) الذين ارتدوا ببدر (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك وخلاف وسائر الكفار (غَرَّ هؤُلاءِ) محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (دِينُهُمْ) توحيدهم (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فى النصرة (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) بالنقمة من أعدائه (حَكِيمٌ (٤٩)) بالنصرة لمن توكل عليه كما نصر نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

__________________

(١) انظر : لباب النقول للسيوطى (١١١) ، وزاد المسير (٣ / ٣٥٥) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٠١)

٢٩٩

يوم بدر (وَلَوْ تَرى) لو رأيت يا محمد (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا) يقبض أرواح الذين كفروا (الْمَلائِكَةُ) يوم بدر (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) على وجوههم (وَأَدْبارَهُمْ) على ظهورهم (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠)) الشديد.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠))

(ذلِكَ) العذاب (بِما قَدَّمَتْ) عملت (أَيْدِيكُمْ) فى الشرك (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)) أن يأخذهم بلا جرم (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) كصنيع آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) بكتاب الله ورسوله ، يقال : كفار مكة ، كفروا بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن كما كفر فرعون وقومه والذين من قبلهم بالكتب والرسل (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) بتكذيبهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) بالأخذ (شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢)) إذا عاقب (ذلِكَ) العقوبة (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) بالكتاب والرسول والأمن (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بترك الشكر (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم (عَلِيمٌ (٥٣)) بإجابتكم (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) كصنيع آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بالكتب والرسل كما كذب أهل مكة (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) بتكذيبهم (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) وقومه (وَكُلٌ) كل هؤلاء (كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)) كافرين (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) الخلق والخليقة (عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بنو قريظة وغيرهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ، ثم بينهم ، فقال : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ)

٣٠٠