تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

يَرْهَقُ) لا يعلوا (وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) سواد ولا كسوف (وَلا ذِلَّةٌ) ولا كآبة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أهل الجنة (هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) الشرك بالله (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) يقول : جزاء قصاص الشرك بالله النار (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) تعلوهم كآبة وكسوف (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ عاصِمٍ) من مانع (كَأَنَّما) من الحزن (أُغْشِيَتْ) ألبست (وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ) من السواد (مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أهل النار (هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧)) دائمون (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) الكفار وآلهتهم (جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله الأوثان (مَكانَكُمْ) قفوا (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) آلهتكم (فَزَيَّلْنا) فرقنا (بَيْنَهُمْ) وبين آلهتهم ، فقال الكافرون : أمرنا هؤلاء أن نعبدهم من دونك (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) آلهتهم ردا عليهم (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨)) بأمرنا فقالوا بلى أمرتمونا بعبادتكم ، فقالت الآلهة (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا) قد كنا (عَنْ عِبادَتِكُمْ) إيانا (لَغافِلِينَ (٢٩)) لجاهلين لم نعلم من ذلك شيئا (هُنالِكَ) عند ذلك (تَبْلُوا) تعلم ، وإن قرأت بالتاء تقول : تقرأ (كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) ما عملت من خير أو شر (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) إلههم الحق (وَضَلَّ عَنْهُمْ) بطل عنهم واشتغل عنهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)) يعبدون بالكذب.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))

٣٤١

(قُلْ) يا محمد لكفار أهل مكة (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات والثمار (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) يقول : من يقدر أن يخلق السمع والأبصار (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) من يقدر أن يخرج الحى من الميت ، يعنى النسمة والدواب من النطفة ، ويقال : الطير من البيضة ، ويقال : السنبلة من الحب (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) النطفة من النسمة والدواب ، ويقال : البيضة من الطير ، ويقال : الحبة من السنبلة (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) من يقدر أن يدبر أمر العباد وينظر فى أمر العباد ويبعث الملائكة بالوحى والتنزيل والمصيبة (فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ) يا محمد (أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١)) تطيعون الله (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ) فالذى يفعل ذلك هو ربكم (الْحَقُ) هو الحق وعبادته الحق (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) فما ذا بعد عبادة الله إلا عبادة الشيطان (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)) من أين تكذبون على الله (كَذلِكَ) هكذا (حَقَّتْ) وجبت (كَلِمَةُ رَبِّكَ) بالعذاب (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أى كفروا (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)) فى علم الله (قُلْ) لهم يا محمد (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) من آلهتكم (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من النطفة ويجعل فيه الروح (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت يوم القيامة ، فإن أجابوك وإلا ف (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ثم يحييه يوم القيامة (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤)) فمن أين تكذبون ، ويقال : انظر يا محمد كيف يصرفون الكذب.

(قُلْ) لهم يا محمد (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) من آلهتكم (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) والهدى فإن أجابوك وإلا (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) والهدى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) والهدى (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أن يعبد ويطاع (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي الحق والهدى (١)(إِلَّا أَنْ يُهْدى) يحمل فيذهب به حيث يشاء (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)) بئس ما تقضون به لأنفسكم (وَما يَتَّبِعُ) يعبد (أَكْثَرُهُمْ) آلهة (إِلَّا ظَنًّا) إلا بالظن (إِنَّ الظَّنَ) عبادتهم بالظن (لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) من عذاب الله (شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)) فى الشرك من عبادة الأوثان وغير ذلك (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ) الذى يقرأ عليكم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (أَنْ يُفْتَرى) أن يختلق (مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) موافق للتوراة والإنجيل والزبور ، وسائر الكتب بالتوحيد وصفة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونعته

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٣٦) ، والإيضاح لمكى (٢٨١) ، وتفسير الطبرى (١١ / ٨٣) ، والقرطبى (٨ / ٣٤٦).

٣٤٢

(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) تبيان القرآن بالحلال والحرام والأمر والنهى (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧)) من سيد العالمين (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون كفار مكة (افْتَراهُ) اختلق محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) القرآن من تلقاء نفسه (قُلْ) لهم يا محمد (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) مثل سورة القرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) استعينوا على ذلك من عبدتم (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨)) أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يختلقه من تلقاء نفسه (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) بما لم يدرك علمهم (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ) لم يأتهم (تَأْوِيلُهُ) عاقبة ما وعدهم فى القرآن (كَذلِكَ) كما كذبك قومك بالكتب والرسل (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بالكتب والرسل (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)) كيف صار آخر أمر المشركين المكذبين بالكتب والرسل من عبادة الله شيئا ، ويقال : وهذا تعزية من الله عزوجل لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كى يصبر على أذاهم (وَمِنْهُمْ) من اليهود (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن قبل موته (وَمِنْهُمْ) من اليهود (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ويموت على الكفر (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)) باليهود بمن يؤمن ، وبمن لا يؤمن ، ويقال : نزلت هذه الآية فى المشركين (١).

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠))

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) يا محمد قومك بما تقول لهم (فَقُلْ لِي عَمَلِي) ودينى (وَلَكُمْ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ٩٠) ، والبحر المحيط (٥ / ١٧٤) ، وزاد المسير (٤ / ٤٢) ، وتفسير القرطبى (٨ / ٣٥٦) ، مختصر الطبرى (١ / ٢٧٤).

٣٤٣

عَمَلُكُمْ) ودينكم (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ) وأدين (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)) وتدينون (وَمِنْهُمْ) من اليهود (مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) إلى كلامك وحديثك ، ويقال : من مشركى العرب من يستمع إلى كلامك وحديثك (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ) يا محمد (الصُّمَ) من كان صما (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢)) ومع ذلك لا يريدون أن يعقلوا (وَمِنْهُمْ) من اليهود ، ويقال : من المشركين (مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي) ترشد إلى الهدى (الْعُمْيَ) من كان أعمى (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣)) ومع ذلك لا يريدون أن يبصروا الحق والهدى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) لا ينقص من حسناتهم ولا يزيد على سيئاتهم (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)) بالكفر والشرك والمعاصى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) يعنى اليهود والنصارى والمشركين (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) فى القبور (إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعرف بعضهم بعضا فى بعض المواطن ، ولا يعرف بعضهم بعضا فى بعض المواطن (قَدْ خَسِرَ) غبن (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) بالبعث بعد الموت بذهاب الدنيا والآخرة (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)) من الكفر والضلالة (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) يا محمد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن نرينك يا محمد ما نعدهم من العذاب (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) بعد الموت (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦)) من الخير والشر.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) لكل أهل دين (رَسُولٌ) يدعوهم إلى الله وإلى دينه (فَإِذا جاءَ) هم (رَسُولُهُمْ) فكذبوا (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) وبين الرسول (بِالْقِسْطِ) بالعدل بهلاك القوم ونجاة الرسول (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)) لا ينقص من حسناتهم ولا يزيد من سيئاتهم (وَيَقُولُونَ) وقال كل أهل دين لرسولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذى تعدنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨)) إن كنت من الصادقين (قُلْ) لهم يا محمد (لا أَمْلِكُ) لا أقدر (لِنَفْسِي ضَرًّا) دفع الضر (وَلا نَفْعاً) ولا جر النفع (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من الضر والنفع (لِكُلِّ أُمَّةٍ) لكل أهل دين (أَجَلٌ) مهلة ووقت (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) وقت هلالكم (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) قدر ساعة بعد الأجل (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩)) قبل الأجل (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) عذاب الله (بَياتاً) ليلا (أَوْ نَهاراً) كيف تصنعون (ما ذا يَسْتَعْجِلُ) بما ذا يستعجل (مِنْهُ) من عذاب الله (الْمُجْرِمُونَ (٥٠)) المشركون ، قالوا : نؤمن.

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا

٣٤٤

ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))

(قُلْ) لهم يا محمد (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) يقول : إذا ما نزل عليكم العذاب (آمَنْتُمْ بِهِ) قالوا نعم (قُلْ) لهم يا محمد ، يقال لكم : (آلْآنَ) تؤمنون بالعذاب (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ) بالعذاب (تَسْتَعْجِلُونَ (٥١)) قبل هذا استهزاء به (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ) فى الآخرة (إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢)) تقولون وتعملون فى الدنيا (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) يستخبرونك يا محمد (أَحَقٌّ هُوَ) يعنى العذاب والقرآن (قُلْ إِي وَرَبِّي) نعم وربى (إِنَّهُ لَحَقٌ) صدق كائن يعنى العذاب (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)) بفائتين من عذاب الله (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) أشركت بالله (ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) لفادت به نفسها من عذاب الله (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أخفوا الندامة الرؤساء من السفلة (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) حين رأوا العذاب (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وبين السفلة (بِالْقِسْطِ) والعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤)) لا ينقص من حسناتهم شىء ولا يزاد على سيئاتهم (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق والعجائب (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) كائن البعث بعد الموت (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥)) لا يصدقون.

(هُوَ يُحْيِ) للبعث (وَيُمِيتُ) فى الدنيا (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)) بعد الموت (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ) نهى (مِنْ رَبِّكُمْ) مما أنتم فيه (وَشِفاءٌ) بيان (لِما فِي الصُّدُورِ) من العمى (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ) يا محمد لأصحابك (بِفَضْلِ اللهِ) القرآن الذى أكرمكم به (وَبِرَحْمَتِهِ) الإسلام الذى وفقكم به (فَبِذلِكَ) بالقرآن والإسلام

٣٤٥

(فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ) يعنى القرآن والإسلام (مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)) مما يجمع اليهود والمشركون من الأموال (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ) ما خلق الله لكم (مِنْ رِزْقٍ) من حرث وأنعام (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ) فقلتم وفعلتم (حَراماً) على النساء منفعتها ، يعنى منفعة البحيرة والسائبة والحام (وَحَلالاً) للرجال (قُلْ) لهم يا محمد (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) أمر ربكم بذلك (أَمْ عَلَى اللهِ) بل على (تَفْتَرُونَ (٥٩)) تختلقون الكذب (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ) يختلقون (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) ما ذا يفعل بهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ) من (عَلَى النَّاسِ) بتأخير العذاب (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠)) بذلك ولا يؤمنون.

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))

(وَما تَكُونُ) يا محمد (فِي شَأْنٍ) فى أمر (وَما تَتْلُوا) عليهم (مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) سورة أو آية (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) خير أو شر (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ) وعلى أمركم وتلاوتكم وعملكم (شُهُوداً) أى عالما (إِذْ تُفِيضُونَ) تخوضون (فِيهِ) فى القرآن بالتكذيب (وَما يَعْزُبُ) ما يغيب (عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) وزن نملة حمراء من أعمال العباد (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) ولا أخف من ذلك (وَلا أَكْبَرَ) ولا أثقل (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١)) مكتوب فى اللوح المحفوظ (١)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ١٠٣) ، وزاد المسير (٤ / ٥٢) ، والبحر المحيط (٥ / ١٨٤) ، والنكت للماوردى (٢ / ١٩٥).

٣٤٦

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) المؤمنين (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلهم من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)) على ما خلفوا من خلفهم ، ثم بين من هم فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)) الكفر والشرك والفواحش (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالرؤيا الصالحة يرونها أو ترى لهم (وَفِي الْآخِرَةِ) بالجنة (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) بالبشرى للمؤمنين فى الدنيا وفى الآخرة (ذلِكَ) البشرى (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)) النجاة الوافرة ، فازوا بالجنة وما فيها ، ونجوا من النار وما فيها (وَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (قَوْلُهُمْ) تكذيبهم إياك (إِنَّ الْعِزَّةَ) والقدرة والمنعة (لِلَّهِ جَمِيعاً) بهلاكهم (هُوَ السَّمِيعُ) لمقالتهم (الْعَلِيمُ (٦٥)) بفعلهم وعقوبتهم (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الخلق يحولهم كيف يشاء (وَما يَتَّبِعُ) يعبد (الَّذِينَ يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) آلهة من الأوثان (إِنْ يَتَّبِعُونَ) ما يعبدون (إِلَّا الظَّنَ) إلا بالظن بغير يقين (وَإِنْ هُمْ) ما هم يعنى الرؤساء (إِلَّا يَخْرُصُونَ (٦٦)) يكذبون للسلفة (هُوَ الَّذِي) أى إلهكم هو الذى (جَعَلَ لَكُمُ) خلق لكم (اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) لتستقروا فيه (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) مضيئا للذهاب والمجىء (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت (لَآياتٍ) لعبرات (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)) مواعظ القرآن ويطيعون (قالُوا) كفار مكة (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) من الملائكة الإناث (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (هُوَ الْغَنِيُ) عن الولد والشريك (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق والعجائب (إِنْ عِنْدَكُمْ) ما عندكم (مِنْ سُلْطانٍ) من كتاب ولا حجة (بِهذا) بما تقولون على الله من الكذب (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ) بل تقولون على الله (ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨)) ذلك من الكذب (قُلْ) يا محمد (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ) يختلقون (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩)) لا ينجون من عذاب الله ولا يأمنون (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) يعيشون فى الدنيا قليلا (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) بعد الموت (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) الغليظ (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ويكذبون على الله.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ

٣٤٧

مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠))

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) اقرأ عليهم (نَبَأَ) خبر (نُوحٍ) بالقرآن (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ) عظم عليكم (مَقامِي) طول مقامى ومكثى (وَتَذْكِيرِي) وتحذيرى إياكم (بِآياتِ اللهِ) من عذاب الله (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) وثقت وفوضت أمرى إلى الله (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) فاجتمعوا على قول وأمر واحد (وَشُرَكاءَكُمْ) استعينوا بآلهتكم (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) لا تلبسوا أمركم وقولكم على أنفسكم (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) امضوا إلى (وَلا تُنْظِرُونِ (٧١)) ولا ترقبون (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن الإيمان بما جئتكم به (فَما سَأَلْتُكُمْ) عن الإيمان (مِنْ أَجْرٍ) من جعل (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى بما دعوتكم إلى الإيمان (إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢)) مع المسلمين على دينهم (فَكَذَّبُوهُ) يعنى نوحا بما أتاهم (فَنَجَّيْناهُ) من الغرق (وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين (فِي الْفُلْكِ) فى السفينة (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) خلفاء وسكان الأرض (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا نوح (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)) كيف صار آخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد هلاك قوم نوح (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) ليصدقوا (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) من قبل يوم الميثاق (كَذلِكَ) هكذا (نَطْبَعُ) نختم (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)) من الحلال والحرام (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد هؤلاء الرسل (مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) رؤسائه (بِآياتِنا) بكتابنا ، ويقال : بآياتنا التسع : اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، ونقص من الثمرات ، ويقال : الطمس (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان بالكتاب

٣٤٨

والرسول والآيات (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥)) مشركين (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) الكتاب والرسول والآيات (قالُوا إِنَّ هذا) الذى جاء به موسى (لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦)) كذب بين وإن قرأت بالألف أرادوا به موسى ساحرا كذابا (قالَ) لهم (مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِ) الكتاب والرسول والآيات (لَمَّا جاءَكُمْ) حين جاءكم (أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ) لا ينجو ولا يأمن (السَّاحِرُونَ (٧٧)) من عذاب الله (قالُوا) لموسى (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) لتصرفنا (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من عبادة الأوثان (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) الملك والسلطان (فِي الْأَرْضِ) فى أرض مصر (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)) بمصدقين (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩)) حاذق (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)) من العصى والحبال.

(فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠))

(فَلَمَّا أَلْقَوْا) عصيهم وحبالهم (قالَ) لهم (مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ) ما طرحتم (السِّحْرُ) هو السحر (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) سيهلكه (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ) لا يرضى (عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)) الساحرين (وَيُحِقُّ اللهُ) يظهر الله لدينه (الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) بتحقيقه (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)) وإن كره المشركون أن يكون ذلك (فَما آمَنَ) فما صدق (لِمُوسى) بما جاء به (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) من قوم

٣٤٩

فرعون كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بنى إسرائيل فأمنوا بموسى (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) رؤسائهم (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) أن يقتلهم (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ) لمخالف (فِي الْأَرْضِ) لدين موسى (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)) المشركين (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤)) إذ كنتم مسلمين (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥)) المشركين أى لا تسلطهم علينا فيظنون أنهم على الحق ونحن على الباطل (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)) من فرعون وقومه (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) هارون (أَنْ تَبَوَّءا) أن اتخذا (لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) مساجد فى جوف فى البيوت (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) مساجدكم (قِبْلَةً) نحو القبلة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)) بالنصرة والنجاة والجنة.

(وَقالَ مُوسى رَبَّنا) يا ربنا (إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا) بذلك عبادك (عَنْ سَبِيلِكَ) عن دينك وطاعتك (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) واحفظ قلوبهم (فَلا يُؤْمِنُوا) فلن يؤمنوا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨)) الغرق (قالَ) الله لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) على الإيمان والطاعة لله وتبليغ الرسالة (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ) دين (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩)) توحيد الله ، ولا يصدقونه ، يعنى فرعون وقومه (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ) عبرنا (الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) فذهب خلفهم فرعون وجموعه (بَغْياً) فى المقالة (وَعَدْواً) أرادوا قتلهم (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ) ألجمه (الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) موسى وأصحابه (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)) مع المسلمين على دينهم.

(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ

٣٥٠

آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠))

فقال له جبريل : (آلْآنَ) تؤمن بعد الغرق (وَقَدْ عَصَيْتَ) كفرت بالله (قَبْلُ) أى من قبل الغرق (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)) فى أرض مصر بالقتل والشرك والدعاء إلى غير عبادة الله (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) نلقيك على النجاة بدرعك (لِتَكُونَ) لكى تكون (لِمَنْ خَلْفَكَ) من الكفار (آيَةً) عبرة لكى لا يقتدوا بمقالتك ويعلموا أنك لست بإله (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) يعنى الكفار (عَنْ آياتِنا) عن كتابنا ورسولنا (لَغافِلُونَ (٩٢)) لجاحدون (وَلَقَدْ بَوَّأْنا) أنزلنا (بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أرضا كريمة أردن وفلسطين (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) المن والسلوى والغنائم (فَمَا اخْتَلَفُوا) اليهود والنصارى فى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) البيان ما فى كتابهم فى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بنعته وصفته (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بين اليهود والنصارى (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ) فى الدين (يَخْتَلِفُونَ (٩٣)) يخالفون.

(فَإِنْ كُنْتَ) يا محمد (فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) مما أنزلنا جبريل به ، يعنى القرآن (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) يعنى التوراة (مِنْ قَبْلِكَ) عبد الله بن سلام وأصحابه ، فلم يسأل النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ولم يكن بذلك شاكا إنما أراد الله بما قال لقومه (لَقَدْ جاءَكَ) يا محمد (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) يعنى جبريل بالقرآن من ربك فيه خبر الأولين (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤)) الشاكين (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) كتاب الله ورسوله (فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥)) من المغبونين بنفسك (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ) وجبت (عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) بالعذاب (لا يُؤْمِنُونَ (٩٦)) فى علم الله (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) طلبوا منك فلا يؤمنوا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)) يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) أهل قرية آمنت عند نزول العذاب (فَنَفَعَها إِيمانُها) يقول : لم ينفع إيمانهم عند نزول العذاب (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) نفع إيمانهم (لَمَّا آمَنُوا) حين آمنوا (كَشَفْنا) صرفنا (عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) الشديد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى

٣٥١

حِينٍ (٩٨)) تركناهم بلا عذاب إلى حين الموت (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) يا محمد (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) جميع الكفار (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) تجبر الناس (حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ) كافرة (أَنْ تُؤْمِنَ) بالله (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بإرادة الله وتوفيقه (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) يترك التكذيب (عَلَى الَّذِينَ) فى قلوب الذين (لا يَعْقِلُونَ (١٠٠)) توحيد الله ، نزلت هذه الآية فى شأن أبى طالب حرص النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على إيمانه ولم يرد الله أن يؤمن.

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))

(قُلِ) لهم يا محمد (انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم (وَالْأَرْضِ) وما ذا فى الأرض من الشجر والدواب والجبال والبحار كلها آية لكم ، ثم قال : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ) الرسل (عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١)) فى علم الله (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) فهل بقى لهم آية (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) عذاب الذين مضوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) من الكفار (قُلْ) يا محمد (فَانْتَظِرُوا) بنزول العذاب وبهلاكى (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢)) بنزول العذاب عليكم وبهلاككم (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالرسل بعد هلاك قومهم (كَذلِكَ) هكذا (حَقًّا) واجبا (عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)) مع الرسل (قُلْ) يا محمد (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) الإسلام (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ) تدعون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) يقبض

٣٥٢

أرواحكم ، ثم يحييكم بعد أن يميتكم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤)) مع المؤمنين على دينهم (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) أخلص دينك وعملك لله (حَنِيفاً) مسلما (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥)) مع المشركين على دينهم (وَلا تَدْعُ) لا تعبد (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) فى الدنيا والآخرة إن عبدت (وَلا يَضُرُّكَ) إن لم تعبده (فَإِنْ فَعَلْتَ) عبدت (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)) من الضارين لنفسك (وَإِنْ يَمْسَسْكَ) يصبك (اللهُ بِضُرٍّ) بشدة وأمر تكرهه (فَلا كاشِفَ لَهُ) فلا رافع للضر (إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ) يصبك (بِخَيْرٍ) بنعمة وأمر تسر به (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) لا مانع لعطيته (يُصِيبُ بِهِ) يخص بالفضل (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من كان أهلا لذلك (وَهُوَ الْغَفُورُ) المتجاوز لمن تاب (الرَّحِيمُ (١٠٧)) لمن مات على التوبة (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ) الكتاب والرسول (مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى) بالكتاب والرسول (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) يعنى ثوابه لنفسه (وَمَنْ ضَلَ) كفر بالكتاب والرسول (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) يعنى عليها جناية ذلك (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)) بكفيل نسختها آية القتال (١) (وَاتَّبِعْ) يا محمد (ما يُوحى إِلَيْكَ) ما يؤمر لك فى القرآن من تبليغ الرسالة (وَاصْبِرْ) على ذلك (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بينكم وبينهم بقتلهم وهلاكهم يوم بدر (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)) أقوى الحاكمين بهلاكهم ونصرتك.

__________________

(١) ويقال لها أيضا : آية السيف. انظر : الإيضاح لمكى (٢٩١) ، الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٧٦) ، وابن البارزى (٢٩٣) ، والمصفى (٢٠٨) ، وزاد المسير (٤ / ٧١) ، وتفسير الطبرى (١١ / ١٢٢).

٣٥٣

سورة هود

ومن السورة التى يذكر فيها هود ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (الر) يقول : أنا الله أرى ، ويقال : قسم أقسم به (كِتابٌ) أن هذا كتاب ، يعنى القرآن (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) بالحلال والحرام ، والأمر والنهى فلم تنسخ (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بينت (١)(مِنْ لَدُنْ) من عند (حَكِيمٍ) حاكم أمر أن لا يعبد غيره (خَبِيرٍ (١)) بمن يعبد وبمن لا يعبد (أَلَّا تَعْبُدُوا) بأن لا توحدوا (إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ) من الله (نَذِيرٌ) من النار (وَبَشِيرٌ (٢)) بالجنة (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) وحدوا ربكم (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أقبلوا إليه بالتوبة والإخلاص (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً) يعشكم عيشا (حَسَناً) بلا عذاب (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم يعنى الموت (وَيُؤْتِ) ويعط (كُلَّ ذِي فَضْلٍ) فى الإسلام

__________________

(١) وقيل : فسرت ، وأنزلت شيئا بعد شىء. انظر : تفسير الطبرى (١١ / ١٢٣) ، ومختصره (١ / ٢٨٢).

٣٥٤

(فَضْلَهُ) ثوابه فى الآخرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان والتوبة (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أعلم أن يكون عليكم (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)) عظيم (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الثواب والعقاب (قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ) يعنى أخنس ابن شريق وأصحابه (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يضمرون فى قلوبهم بغض محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وعدواته (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) ليستروا من محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بغضه وعدواته بإظهار المحبة له والمجالسة معه (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) يغطون رءوسهم بثيابهم (١)(يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) فيما بينهم وما يضمرون فى قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) من القتال والجفاء ، ويقال : من المحبة والمجالسة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)) بما فى القلوب من الخير والشر.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) إلا الله قائم برزقها (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) حيث تأوى بالليل (وَمُسْتَوْدَعَها) حيث تموت فتدفن (كُلٌ) أى رزق كل دابة وأجلها وأثرها (فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦)) مكتوب فى اللوح المحفوظ مبين معلوم مقدر ذلك عليها (وَهُوَ الَّذِي) وإلهكم هو الذى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام أول الدنيا ، طول كل يوم ألف سنة ، أول يوم منها يوم الأحد ، وآخر يوم منها يوم الجمعة (وَكانَ عَرْشُهُ) قبل أن خلق السموات والأرض (عَلَى الْماءِ) وكان الله قبل العرش والماء (لِيَبْلُوَكُمْ) ليختبركم بين الحياة والموت (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أخلص عملا (وَلَئِنْ قُلْتَ) لأهل مكة (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ) محيون (مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (إِنْ هذا) ما هذا الذى يقول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)) كذب بين لا يكون (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) إلى وقت معلوم يوم بدر (لَيَقُولُنَ) يعنى أهل مكة (ما يَحْبِسُهُ) عنا غدا استهزاء به (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) العذاب (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) لا يصرف عنهم العذاب (وَحاقَ) دار ووجب ونزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨)) عذاب ما كانوا به يستهزءون بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن.

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) يعنى الكافر (مِنَّا رَحْمَةً) نعمة (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أخذناها منه (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) يصير آيس شىء وأقنط شىء من رحمة الله (كَفُورٌ (٩)) كافر بنعمة الله لا يشكر (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أصبناه يعنى الكافر

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١١ / ١٢٥) ، وزاد المسير (٤ / ٧٨) ، والنكت للماوردى (٢ / ٢٠٤) ، والقرطبى (٩ / ٦).

٣٥٥

(نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) شدة أصابته (لَيَقُولَنَ) يعنى الكافر (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ) الشدة (عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ) بطر (فَخُورٌ (١٠)) بنعمة الله غير شاكر.

(إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠))

(إِلَّا) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأصحابه (الَّذِينَ صَبَرُوا) على الإيمان (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم فإنهم لا يفعلون ذلك ولكن يصبرون بالشدة ويشكرون بالنعمة (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم فى الدنيا (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)) ثواب عظيم فى الجنة (فَلَعَلَّكَ) يا محمد (تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) أمر لك فى القرآن من تبليغ الرسالة وسب آلهتهم وعيبها (وَضائِقٌ بِهِ) بما أمرت (صَدْرُكَ) قلبك (أَنْ يَقُولُوا) بما يقول كفار مكة (١)(لَوْ لا أُنْزِلَ) هلا أنزل (عَلَيْهِ) على محمد (كَنْزٌ) مال من السماء فيعيش به (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يشهد له (إِنَّما أَنْتَ) يا محمد (نَذِيرٌ) رسول مخوف (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من مقالتهم وعذابهم (وَكِيلٌ (١٢)) كفيل ، ويقال : شهيد (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقول كفار مكة (افْتَراهُ) اختلق محمد القرآن من تلقاء نفسه فأتى به (قُلْ) لهم يا محمد (فَأْتُوا

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٨٢) ، والبحر المحيط (٥ / ٢٠٧).

٣٥٦

بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) مثل سور القرآن ، مثل سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، ويونس ، وهود (مُفْتَرَياتٍ) مختلفات من تلقاء أنفسكم (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) استعينوا بمن عبدتم (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣)) أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يختلقه من تلقاء نفسه فسكتوا عن ذلك ، فقال الله : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) لم يجبك الظلمة (فَاعْلَمُوا) يا معشر الكفار (أَنَّما أُنْزِلَ) جبريل بالقرآن (بِعِلْمِ اللهِ) وأمره (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)) مقرون بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن.

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) بعلمه الذى افترض الله عليه (وَزِينَتَها) زهرتها (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) نوفر لهم ثواب أعمالهم (فِيها) فى الدنيا (وَهُمْ فِيها) فى الدنيا (لا يُبْخَسُونَ (١٥)) لا ينقص من ثواب أعمالهم (أُولئِكَ الَّذِينَ) عملوا لغير الله (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) رد عليهم ما عملوا فى الدنيا من الخيرات (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)) ولا يثابون فى الآخرة بما كانوا يعملون فى الدنيا من الخيرات لأنهم عملوا لغير الله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) على بيان نزل من ربه يعنى القرآن (وَيَتْلُوهُ) يقرأ عليه القرآن (شاهِدٌ مِنْهُ) من الله يعنى جبريل (وَمِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) توراة موسى قرأ عليه جبريل (إِماماً) يقتدى به (وَرَحْمَةً) لمن آمن به (أُولئِكَ) من آمن بكتاب موسى (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن وهو عبد الله بن سلام وأصحابه (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (مِنَ الْأَحْزابِ) من جميع الكفار (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) مصيره (فَلا تَكُ) يا محمد (فِي مِرْيَةٍ) فى شك (مِنْهُ) من مصير من كفر بالقرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) إن مصير من كفر بالقرآن النار ، ويقال : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) فى شك منه فى القرآن (مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) نزل به جبريل (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ) أعتى وأجرأ (مِمَّنِ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) يساقون إلى ربهم (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) الملائكة والأنبياء (هؤُلاءِ) الكفار (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ) عذاب الله (عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨)) المشركين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) يصرفون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله وطاعته (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يطلبونها زيغا ، ويقال : غيرا (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (هُمْ كافِرُونَ (١٩)) جاحدون.

٣٥٧

(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) بفائتين من عذاب الله (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ أَوْلِياءَ) تحفظهم (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) يعنى الرؤساء (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) الاستماع إلى كلام محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من بغضه ، ويقال : ما كانوا لا يستطيعون السمع والاستماع إلى كلام محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)) إلى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من بغضه.

(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠))

(أُولئِكَ) الرؤساء هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) غبنوا أنفسهم وأهليهم ومنازلهم وخدمهم فى الجنة وورثه غيرهم من المؤمنين (وَضَلَّ عَنْهُمْ) بطل واشتغل عنهم بأنفسهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١)) يعبدون من دون الله بالكذب (لا جَرَمَ) حقا (١)(أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)) المغبونون بذهاب الجنة وما فيها (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أخلصوا لربهم وخضعوا لربهم وخشعوا من ربهم (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣)) مقيمون (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) الكافر والمؤمن (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) يقول : مثل الكافر كالأعمى لا يبصر الحق ولهدى ، وكالأصم لا يسمع الحق والهدى (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) يقول : ومثل المؤمن كمثل البصير يبصر الحق والهدى كالسميع يسمع الحق والهدى (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) فى

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٨) ، وتفسير الطبرى (١٢ / ١٧) ، والبحر المحيط (٥ / ٢١٣).

٣٥٨

المثل ، يقول : هل يستوى الكافر مع المؤمن فى الطاعة والثواب (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)) أفلا تتعظون بأمثال القرآن فتؤمنوا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فلما جاءهم قال لهم : (إِنِّي لَكُمْ) من الله (نَذِيرٌ) رسول مخوف (مُبِينٌ (٢٥)) بلغة تعرفونها (أَنْ لا تَعْبُدُوا) أن لا توحدوا (إِلَّا اللهَ) بأن توحدوا إلا الله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إنى أعلم بأن يكون عليكم إن لم تؤمنوا (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)) وجيع وهو الغرق.

(فَقالَ الْمَلَأُ) الرؤساء (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) من قوم نوح (ما نَراكَ) يا نوح (إِلَّا بَشَراً) آدميا (مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ) آمن بك (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) سفلتنا وضعفاؤنا (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهر الرأى الضعيف ، ويقال سوء رأيهم حملهم على ذلك (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) بما تقولون تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)) بما تقولون (قالَ) نوح (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ) يقول إنى (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) على بيان نزل من ربى (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أكرمنى بالنبوة والإسلام (فَعُمِّيَتْ) التبست وإن قرأت فعميت يقول : ألبست (عَلَيْكُمْ) نبوتى ودينى (أَنُلْزِمُكُمُوها) أنلهمكموها ونعرفكموها (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨)) جاحدون (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (مالاً) جعلا (إِنْ أَجرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) بقولكم (إِنَّهُمْ مُلاقُوا) معاينو (رَبِّهِمْ) فيخاصموننى عنده (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩)) أمر الله (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي) من يمنعنى (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) بقولكم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠)) أفلا تتعظون بما أقول لكم فتؤمنوا.

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ

٣٥٩

قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) مفاتيح خزائن الله فى الرزق (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) متى نزول العذاب وما غاب عنى (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) من السماء (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) لا تأخذهم أعينكم ، يقول : يحتقرون فى أعينكم (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) لن يكرمهم الله بتصديق الإيمان (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) بما فى قلوبهم من التصديق (إِنِّي إِذاً) إن طردتهم (لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)) الضارين بنفسى (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا ودعوتنا إلى دين غير دين آبائنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) خصومتنا ودعاءنا (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢)) أنه يأتينا (قالَ) نوح (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ) يقول : يأتيكم الله بعذابكم (إِنْ شاءَ) فيعذبكم (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣)) بفائتين من عذاب الله (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) دعائى وتحذيرى إياكم من عذاب الله (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) أحذركم من عذاب الله وأدعوكم إلى التوحيد (إِنْ كانَ اللهُ) قد كان الله (يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أن يضلكم عن الهدى (هُوَ رَبُّكُمْ) أولى بكم منى (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون قوم نوح (افْتَراهُ) اختلق نوح بما آتانا به من تلقاء نفسه (قُلْ) لهم يا نوح (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) اختلقته من تلقاء نفسى (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) آثامى (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)) تأثمون ، ويقال : نزلت هذه الآية فى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (١).

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ) سوى من (قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن بهلاكهم (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) فى كفرهم (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) خذ فى علاج السفينة (بِأَعْيُنِنا) بنظر منا (وَوَحْيِنا) بأمرنا (وَلا تُخاطِبْنِي) لا تراجعنى (فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) فى نجاة الذين كفروا (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)) بالطوفان (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) أخذ فى علاج السفينة (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) رؤساء (مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) هزءوا بمعالجته السفينة (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٢ / ١٩) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٢٨٨) ، وابن قتيبة (٢٠٣).

٣٦٠