تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

ضَلالٍ (١٤)) فى باطل يضل عنهم (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ) يصلى ويعبد (مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَالْأَرْضِ) من المؤمنين (طَوْعاً) أهل السماء لأن عبادتهم بغير مشقة (وَكَرْهاً) أهل الأرض لأن عبادتهم بالمشقة ، ويقال : طوعا لأهل الإخلاص ، وكرها لأهل النفاق ، ويقال : طوعا لمن ولد فى الإسلام ، وكرها لمن أدخل فى الإسلام جبرا (وَظِلالُهُمْ) ظلال من يسجد لله أيضا تسجد (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥)) غدوة وعشية ، غدوة عن أيمانهم وعشية عن شمائلهم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (مَنْ رَبُ) من خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإن أجابوك وقالوا الله وإلا (قُلِ اللهُ) خالقها (قُلْ) يا محمد (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (أَوْلِياءَ) أربابا من الآلهة (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً) جر النفع (وَلا ضَرًّا) دفع الضر (قُلْ) لهم يا محمد (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الكافر والمؤمن (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) يعنى الكفر والإيمان (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ) وصفوا لله (شُرَكاءَ) من الآلهة (خَلَقُوا) خلقا (كَخَلْقِهِ) كخلق الله (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ) فتشابه كل الخلق (عَلَيْهِمْ) فلا يدرون خلق الله من خلق آلهتهم (قُلْ) يا محمد (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) بائن منه لا الآلهة لا إله إلا هو (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)) الغالب على خلقه ثم ضرب مثل الحق ، والباطل.

فقال : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يقول : أنزل جبريل بالقرآن وبين فيه الحق والباطل (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) فاحتملت القلوب المنورة الحق بقدر سعتها ونورها (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ) القلوب المظلمة (زَبَداً رابِياً) باطلا كثيرا بهواها (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) وهذا مثل آخر ، يقول : ومما تطرحون فى النار من الذهب والفضة فيه خبث مثله مثل زبد الماء (ابْتِغاءَ) طلب (حِلْيَةٍ) يقول : مثل الحق ، مثل الذهب والفضة ينتفع بهما كذلك الحق ينتفع به صاحبه ، ومثل الباطل ، مثل خبث الذهب والفضة لا ينتفع به ، كذلك لا ينتفع بالباطل صاحبه (أَوْ مَتاعٍ) أو حديد أو نحاس (زَبَدٌ مِثْلُهُ) يقول : يكون له خبث مثله مثل زبد الماء ، وهذا مثل آخر ، يقول : مثل الحق كمثل الحديد والنحاس ينتفع بهما ، فكذلك الحق ينتفع به صاحبه ، ومثل الباطل كمثل خبث الحديد والنحاس لا ينتفع به ، كما لا ينتفع بخبث الحديد والنحاس (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ) يبين الله (الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) يقول : يذهب كما جاء لا ينتفع به فكذلك الباطل لا ينتفع به (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) وهو الماء الصافى والذهب والفضة والحديد والنحاس (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ينتفع به فكذلك الحق ينتفع به (١)(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ

__________________

(١) انظر : تفسير ابن كثير (٢ / ٥١٨) ، وزاد المسير (٤ / ٣٣٥) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ١١٣).

٤٠١

الْأَمْثالَ (١٧)) يبين الله الأمثال الحق والباطل (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) بالتوحيد فى الدنيا (الْحُسْنى) لهم الجنة فى الآخرة (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) لربهم بالتوحيد (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من الذهب والفضة (جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ضعفه معه (لَافْتَدَوْا بِهِ) لفادوا به أنفسهم (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) شدة العذاب (وَمَأْواهُمْ) مصيرهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨)) الفراش والمصير (أَفَمَنْ يَعْلَمُ) يصدق (أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعنى القرآن (الْحَقُ) هو الحق (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) كافر (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يتعظ بما أنزل إليك من القرآن (أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)) ذوو العقول من الناس (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) يتمون فرائض الله (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠)) لا يتركون فرائض الله (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام ، ويقال : من الإيمان بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يعملون لربهم (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١)) شدة العذاب.

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١))

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على أمر الله والمرازى (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) طلب رضا ربهم (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) تصدقوا مما أعطيناهم (سِرًّا) فيما بينهم وبين الله (وَعَلانِيَةً) فيما بينهم وبين الناس (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ

٤٠٢

السَّيِّئَةَ) يدفعون بالكلام الحسن الكلام السيئ إذا أورد عليهم (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة من قوله : إنما يتذكر إلى هاهنا (لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢)) يعنى الجنة ، ثم بين أى الجنات لهم ، فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) وهى مقصورة الرحمن ، وهى معدن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) من وحد (مِنْ آبائِهِمْ) يدخلونها أيضا (وَأَزْواجِهِمْ) من وحد من أزواجهم يدخلونها أيضا (وَذُرِّيَّاتِهِمْ) من وحد من ذرياتهم يدخلون أيضا جنات عدن (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣)) يقال : لكل واحد منهم خيمة من در مجوفة لها أربعة آلاف باب لكل باب مصراع يدخل عليهم من كل باب ملك يقولون : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) هذه الجنة بما صبرتم على أمر الله والمرازى (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)) نعم الجنة لكم (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ) يتركون فرائض الله (اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) تغليظه وتشديده وتأكيده (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والإيمان بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالكفر والشرك والدعاء إلى غير عبادة الله (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (لَهُمُ اللَّعْنَةُ) السخطة فى الدنيا (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥)) يعنى النار فى الآخرة.

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يوسع المال على من يشاء فى الدنيا وهو مكرمته (وَيَقْدِرُ) يقتر على من يشاء وهو نظر منه (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ما فى الحياة من النعيم والسرور (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة من النعيم والسرور (فِي الْآخِرَةِ) عند نعيم الآخرة فى البقاء (إِلَّا مَتاعٌ (٢٦)) إلا شىء قليل كمتاع الميت مثل السكرجة والقدح والقدر وغير ذلك (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (آيَةٌ) علامة (مِنْ رَبِّهِ) لنبوته كما كانت للرسل الأولين بزعمه (قُلْ) يا محمد (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) عن دينه من كان أهلا لذلك (وَيَهْدِي) يرشد (إِلَيْهِ) إلى دينه (مَنْ أَنابَ (٢٧)) من أقبل إلى الله (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) وترضى وتسكن قلوبهم (بِذِكْرِ اللهِ) القرآن ، ويقال : بالحلف بالله (أَلا بِذِكْرِ اللهِ) القرآن والحلف بالله (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)) يتبغى أن تسكن وترضى القلوب (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (طُوبى لَهُمْ) غبطة لهم ، ويقال : طوبى شجرة فى الجنة ساقها من ذهب وورقها الحلل وثمرها من كل لون وأغصانها متواليات فى الجنة وتحتها كثبان المسك والعنبر والزعفران

٤٠٣

(وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)) المرجع فى الجنة (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ) يقول : هكذا أرسلناك إلى أمة (قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ) لتقرأ عليهم (الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أنزلنا إليك جبريل به يعنى القرآن (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) يقولون ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب (قُلْ) الرحمن (هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اتكلت ووثقت (وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠)) المرجع فى الآخرة ، ثم نزل فى شأن عبد الله بن أمية المخزومى وأصحابه لقولهم : اذهب عنا جبال مكة بقرآنك وانبع فيها العيون كما كان لداود عين الفطر بزعمك ، وائتنا بريح نركب عليها إلى الشام ، ونجىء عليها كما كانت لسليمان بزعمك ، وأحي موتانا كما أحيا عيسى ابن مريم بزعمك ، فقال الله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) غير قرآن محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (١).

(سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أذهبت به الجبال عن وجه الأرض (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أى قصد به العبد (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) أو أحيا به الموتى لكان بقرآن محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) بل الله يفعل ذلك جميعا إن شاء (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أفلم يعلم الذين آمنوا بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) لأكرم الناس كلهم بدينه (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالكتب والرسل ، يعنى كفار مكة (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) فى كفرهم (قارِعَةٌ) سرية ويقال : صاعقة (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً) أو تنزل مع أصحابك قريبا (مِنْ دارِهِمْ) من مدينتهم مكة بعسفان (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) فتح مكة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١)) فتح مكة.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٣ / ١١٨) ، وزاد المسير (٤ / ٢٤١) ، وتفسير القرطبى (٩ / ٣٣٥).

٤٠٤

لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) استهزأ بهم قومهم كما استهزأ بك قومك قريش (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فأمهلت للذين كفروا بعد الاستهزاء (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢)) انظر كيف كان تعييرى عليهم بالعذاب (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) يقول : الله قائم على حفظ كل نفس (بِما كَسَبَتْ) من الخير والشر والرزق والدفع (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) وصنعوا لله (شُرَكاءَ) من الآلهة يعبدونها (قُلْ) لهم يا محمد (سَمُّوهُمْ) سموا منفعتهم وتدبيرهم إن كان لهم شركة مع الله (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) أتخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ) بما يعلم أن ليس (فِي الْأَرْضِ) أحد ينفع ويضر من دون الله (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) بل بباطل من القول والزور والكذب عبدوهم (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (مَكْرُهُمْ) قولهم وفعلهم (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) صرفوا عن الدين (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) عن دينه (فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)) من موفق (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل يوم بدر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشد من عذاب الدنيا (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ واقٍ (٣٤)) من مانع وملجأ يلجئون إليه (مَثَلُ الْجَنَّةِ) صفة الجنة (١)(الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الكفر والشرك والفواحش (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (أُكُلُها دائِمٌ) ثمرها دائم لا يفنى (وَظِلُّها) دائم لا خلل فيه (تِلْكَ) الجنة (عُقْبَى) مأوى (الَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والشرك والفواحش (وَعُقْبَى) مأوى (الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ) أعطيناهم (الْكِتابَ) علم التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من ذكر الرحمن (وَمِنَ الْأَحْزابِ) يعنى اليهود (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) بعض القرآن سوى

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٧٢) ، وتفسير الطبرى (١٣ / ١٣١) ، وزاد المسير (٤ / ٣٥٥).

٤٠٥

سورة يوسف وذكر الرحمن ، ويقال : من الأحزاب ، يعنى كفار مكة وغيرهم من ينكر بعضه بعض القرآن ما فيه ذكر الرحمن (قُلْ) يا محمد (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) مخلصا (وَلا أُشْرِكَ بِهِ) شيئا (إِلَيْهِ أَدْعُوا) خلقه (وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)) مرجعى فى الآخرة.

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) هكذا أنزلنا جبريل بالقرآن (حُكْماً) القرآن كله حكم الله (عَرَبِيًّا) على مجرى لغة العربية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) دينهم وقبلتهم (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) البيان بدين إبراهيم وقبلته (ما لَكَ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعك (وَلا واقٍ (٣٧)) ولا مانع يمنعك (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) كما أرسلناك (وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً) أكثر من أزواجك مثل داود وسليمان (وَذُرِّيَّةً) أكثر من ذريتك مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، نزلت هذه الآية فى شأن اليهود لقولهم : لو كان محمدا نبيا لشغلته النبوة عن التزوج (١)(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) بعلامة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨)) لكل كتاب أجل ومهلة مقدم ومؤخر (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) ينسخ الله ما يشاء من الكتاب (وَيُثْبِتُ) ما يشاء ، ويترك ناسخا ، ويقال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من ديوان الحفظة ما لا ثواب ولا عقاب له (وَيُثْبِتُ) يترك ما له الثواب والعقاب (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)) أصل الكتاب يعنى اللوح المحفوظ لا يزاد فيه ولا ينقص منه (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب فى حياتك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) نقبضك قبل أن نريك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) التبليغ عن الله (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠)) الثواب والعقاب (أَوَلَمْ يَرَوْا) ينظر أهل مكة (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) نأخذ الأرض (نَنْقُصُها) نفتحها لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (مِنْ أَطْرافِها) من نواحيها ، ويقال : هو موت العلماء (وَاللهُ يَحْكُمُ) بفتح البلدان وموت العلماء (لا مُعَقِّبَ) لا مغير (لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١)) شديد العقاب ، ويقال : إذا حاسب فحسابه سريع (وَقَدْ مَكَرَ) صنع (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل أهل مكة ، مثل نمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن كوش وأصحابه (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) عند الله عقوبة مكرهم جميعا (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ) يعلم الله ما تكسب (كُلُّ نَفْسٍ) برة وفاجرة من خير أو شر (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) يعنى اليهود وسائر الكفار (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)) يعنى الجنة (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٣ / ١٣٥) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٣٣٩) ، وزاد المسير (٤ / ٣٥٧).

٤٠٦

بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ، واليهود وغيرهم (لَسْتَ مُرْسَلاً) من الله يا محمد ، وإلا فائتنا بشهيد يشهد لك ، فقال الله : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بأنى رسوله ، وهذا القرآن كلامه (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)) يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه ، إن قرأت بالنصب ، ويقال : هو آصف بن برخيا لقوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) [النمل : ٤٠] ومن عند الله علم الكتاب ، تبيان القرآن إن قرأت بالخفض ، وهو الكتاب الذى أنزلناه إليك (١).

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٣٦٩) ، وتفسير القرطبى (٩ / ٣٧٥) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ / ٣٥١).

٤٠٧

سورة إبراهيم

ومن السورة التى يذكر فيها إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهى كلها مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (الر) يقول : أنا الله أرى ما تقولون وتعملون ، ويقال : قسم أقسم به (كِتابٌ) أى هذا كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) أنزلنا إليك جبريل به (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) لتدعو أهل مكة (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من الكفر إلى الإيمان (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمر ربهم تدعوهم (إِلى صِراطِ) إلى

٤٠٨

دين (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَمِيدِ (١)) لمن وحده ، ويقال : المحمود فى فعاله (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق والعجائب (وَوَيْلٌ) واد فى جهنم (لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢)) غليظ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) يختارون الدنيا (عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يصرفون الناس عن دين الله وطاعته (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يطلبونها غيرا (أُولئِكَ) الكفار (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣)) عن الحق والهدى ، ويقال : فى خطأ بين (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) بلغة قومه (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) بلغتهم ما أمروا به وما نهوا عنه ، ويقال : بلسان يقدرون أن يتعلموا منه (فَيُضِلُّ اللهُ) عن دينه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَيَهْدِي) لدينه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه وسلطانه ، ويقال : العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (٤)) فى أمره وقضائه ، ويقال : الحكيم بالإضلال والهدى.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) التسع : اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، ونقص من الثمرات (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) أن أدع قومك (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من الكفر إلى الإيمان (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) بأيام عذاب الله ، ويقال : بأيام رحمة الله (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت (لَآياتٍ) لعلامات (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على الطاعة (شَكُورٍ (٥)) على النعمة (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) وقد قال موسى لقومه بنى إسرائيل : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) منة الله عليكم (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) من فرعون وقومه القبط (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يعذبونكم بأشد العذاب (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) صغارا (وَيَسْتَحْيُونَ) يستخدمون (نِساءَكُمْ) كبارا (وَفِي ذلِكُمْ) فى ذبح الأبناء واستخدام النساء (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)) بلية من ربكم عظيمة ابتلاكم بها ، ويقال : (وَفِي ذلِكُمْ) فى إنجاء الله لكم (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) نعمة من ربكم عظيمة أنعمكم بها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) قال ربكم وأعلم ربكم فى الكتاب (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) بالتوفيق والعصمة والكرامة والنعمة (لَأَزِيدَنَّكُمْ) توفيقا وعصمة وكرامة ونعمة (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) بى أو بنعمتى (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧)) لمن كفر.

(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا) بالله (أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن

٤٠٩

إيمانكم (حَمِيدٌ (٨)) لمن وحده (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يأهل مكة (نَبَؤُا) خبر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ) يعنى قوم هود (وَثَمُودَ) قوم صالح (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد قوم صالح قوم شعيب ، وغيرهم كيف أهلكهم الله عند التكذيب (لا يَعْلَمُهُمْ) لا يعلم عددهم وعذابهم أحد (إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) على أفواههم ، يقول : ردوا على الرسل ما جاءوا به ، ويقال : وضعوا أيديهم على أفواههم ، وقالوا للرسل : اسكتوا وإلا سكتم (وَقالُوا) للرسل (إِنَّا كَفَرْنا) جحدنا (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) من الكتاب والتوحيد (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من الكتاب والتوحيد (مُرِيبٍ (٩)) ظاهر الشك فيما تقولون (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) أفي وحدانية الله شك (فاطِرِ السَّماواتِ) خالق السموات (وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ) إلى التوبة والتوحيد (لِيَغْفِرَ لَكُمْ) بالتوبة والتوحيد (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) فى الجاهلية (وَيُؤَخِّرَكُمْ) بلا عذاب (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم يعنى الموت (قالُوا) للرسل (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا) تصرفونا (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠)) بكتاب وحجة.

(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠))

(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ) ما نحن (إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُكُمْ) يقول :

٤١٠

خلق مثلكم (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بالنبوة والإسلام (وَما كانَ لَنا) ما ينبغى لنا (أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ) بكتاب وحجة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)) يقول : وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله ، فقالوا للرسل : وتوكلوا أنتم على الله حتى تروا ما يفعل بكم ، فقالت الرسل : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) أكرمنا بالنبوة والإسلام (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) فى أبداننا بطاعة الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)) فليثق الواثقون (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا) من مدينتنا (أَوْ لَتَعُودُنَ) تدخلن (فِي مِلَّتِنا) فى ديننا (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) إلى الرسل (رَبُّهُمْ) أن اصبروا (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)) الكافرين (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ) لننزلنكم (الْأَرْضَ) أرضهم وديارهم (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد هلاكهم (ذلِكَ) التسكين (لِمَنْ خافَ مَقامِي) القيام بين يدى (وَخافَ وَعِيدِ (١٤)) عذابى.

(وَاسْتَفْتَحُوا) استنصر كل قوم على نبيهم (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ) خسر عند الدعاء من النصرة كل متكبر ختال (عَنِيدٍ (١٥)) معرض عن الحق والهدى (مِنْ وَرائِهِ) من قدام هذا الجبار بعد الموت (جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦)) مما يخرج من جلودهم من القيح والدم (يَتَجَرَّعُهُ) يستمسك الصديد فى حلقه (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) يجيزه (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) غم الموت (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من تحت كل شعرة ، ويقال : تأخذه النار من كل مكان من كل ناحية (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) من ذلك العذاب (وَمِنْ وَرائِهِ) من بعد الصديد (عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)) شديد أشد من الصديد (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ) يقول : مثل أعمال الذين كفروا بربهم (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ) ذرت (بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) قاصف شديد من الريح (١)(لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) يقول : لا يجدون ثواب شىء مما عملوا من الخير فى الكفر كما لا يوجد من الرماد شىء إذا ذرته الريح (ذلِكَ) الكفر والعمل لغير الله (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)) الخطأ البعيد عن الحق والهدى (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد ، خاطب بذلك نبيه وأراد به قومه (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ

__________________

(١) انظر : غريب ابن قتيبة (٢٣٨) ، وابن عزيز (ص ١٧٧) ، وتفسير الطبرى (١٤ / ٢٠) ، وزاد المسير (٤ / ٣٩٧).

٤١١

وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ)(١) لبيان الحق والباطل ، ويقال : للزوال والفناء (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يهلككم أو يمتكم يا أهل مكة (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩)) يخلق خلقا آخر خيرا منكم وأطوع لله (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)) بشديد ، يقول : ليس على الله بشديد أن يهلككم ويخلق خلقا آخر.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠))

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ) خرجوا من القبور بأمر الله (جَمِيعاً) القادة والسفلة (فَقالَ الضُّعَفاءُ) السفلة (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان وهم القادة (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) مطيعين فيما أمرتمونا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) حاملون (عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) شيئا من عذاب الله (قالُوا) يعنى القادة (لَوْ هَدانَا اللهُ) لدينه (لَهَدَيْناكُمْ) لدعوناكم إلى دينه (سَواءٌ عَلَيْنا) العذاب (أَجَزِعْنا) أصحنا وتضرعنا (أَمْ صَبَرْنا) سكتنا (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)) من مغيث وملجأ (وَقالَ الشَّيْطانُ) يقول الشيطان وهو إبليس : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ،

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٩١) ، وغريب ابن قتيبة (٢٣٩) ، وغريب ابن عزيز (٣٢٧) ، وتفسير الطبرى (١٤ / ٣١) ، وزاد المسير (٤ / ٤٠٩).

٤١٢

فيقول لأهل النار فى النار : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) أن الجنة والنار ، والبعث والحساب ، والميزان والصراط حق (وَوَعَدْتُكُمْ) أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب ولا ميزان ولا صراط (فَأَخْلَفْتُكُمْ) كذبت لكم (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من حجة وعذر ومقدرة (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) إلى طاعتى (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) طاعتى (فَلا تَلُومُونِي) فى دعوتى لكم (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) بإجابتكم إياى (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) بمغيثكم ومنجيكم من النار (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) بمغيثى ومنجى من النار (١)(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) بالذى أشركتمونى به (مِنْ قَبْلُ) من قبل أن أشركتمونى به ، ويقال : إنى كفرت اليوم بما أشركتمونى ، ويقول : هذا من قبل فى الدنيا (إِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)) وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم.

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فيها (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمر ربهم (تَحِيَّتُهُمْ) كرامتهم (فِيها) فى الجنة (سَلامٌ (٢٣)) يسلم بعضهم على بعض إذا تلاقوا (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد (كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) يقول : كيف بين الله كلمة طيبة وهى لا إله إلا الله (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) وهى المؤمن (أَصْلُها ثابِتٌ) يقول قلب المؤمن المخلص ثابت بلا إله إلا الله (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤)) يقول : بها يقبل عمل المؤمن المخلص (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يقول : يعمل المؤمن المخلص كل حين طاعة لله وخيرا (بِإِذْنِ رَبِّها) يقول : بأمر ربها ، ويقال : صفة كلمة طيبة فى النفع والمدحة كشجرة طيبة وهى النخلة ، شجرة طيبة ثمرها كذلك المؤمن أصلها ثابت ، يقول : أصل الشجرة ثابت فى الأرض بعروقها ، فكذلك المؤمن ثابت بالحجة والبرهان ، وفرعها فى السماء ، ويقول : أغصان النخلة ترفع نحو السماء ، وكذلك المؤمن المخلص يعمل كل حين طاعة وخير بأمر ربه (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) هكذا يبين الله صفة توحيده (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)) لكى يتعظوا ويرغبوا فى توحيده فى قول الله جل ذكره.

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) وهو الشرك بالله (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) وهو المشرك ، يقول :

__________________

(١) انظر : معانى القراءات (ص ٢٤٣) ، إتحاف فضلاء البشر (ص ٢٧٦).

٤١٣

الشرك مذموم ليس له مدحة كما أن المشرك مذموم ليس له مدحة ، ويقال : كشجرة خبيثة وهى الحنظلة ليس لها منفعة ولا حلاوة فكذلك الشرك ليس فيه منفعة ولا مدحة (اجْتُثَّتْ) اقتلعت (مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)) من ثبات على وجه الأرض كذلك المشرك ليس له حجة يأخذ بها ، كما أن ليس لشجرة الحنظل أصل تثبت عليه ، ولا يقبل مع الشرك عمل (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن ، ويقال : آمنوا يوم الميثاق بطيبة الأنفس وهم أهل السعادة (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) شهادة أن لا إله إلا الله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لكى لا يرجعوا عنها (وَفِي الْآخِرَةِ) يعنى فى القبر إذا سئل عنى (وَيُضِلُّ اللهُ) يصرف الله (الظَّالِمِينَ) المشركين عن قول لا إله إلا الله فى الدنيا لكى لا يقولوا بطيبة النفس ولا فى القبر ولا إذا أخرجوا من القبر وهم أهل الشقاوة (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) من الإضلال والتثبيت ، ويقال : من صرف منكر ونكير.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد (إِلَى الَّذِينَ) عن الذين (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) غيروا منة الله بالكتاب والرسل (كُفْراً) بالكفر أى كفروا بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن وهم : بنو أمية ، وبنو المغيرة ، والمطعمون يوم بدر (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) أنزلوا أهل مكة (دارَ الْبَوارِ (٢٨)) دار الهلاك يعنى دار بدر ، ويقال : جهنم ، ثم قال : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) يدخلونها يوم القيامة (وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩)) المنزل والمصير جهنم (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) قالوا : ووصفوا لله (أَنْداداً) أعدالا من الأوثان فعبدوها (لِيُضِلُّوا) بذلك (عَنْ سَبِيلِهِ) عن دينه وطاعته (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (تَمَتَّعُوا) عيشوا فى كفركم (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)) يوم القيامة.

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا

٤١٤

لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠))

(قُلْ) يا محمد (لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بى وبالكتب والرسل (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها ، وما يجب فيها فى مواقيتها (وَيُنْفِقُوا) يتصدقوا (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) ما أعطيناهم من الأموال (سِرًّا) خفيا (وَعَلانِيَةً) جهرا وهم أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) وهو يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ) لا فداء فيه (وَلا خِلالٌ (٣١)) لا مخالة للكافر والصالح تنفعه خلته ، ثم وحد نفسه ، فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَخْرَجَ بِهِ) فأنبت بالمطر (مِنَ الثَّمَراتِ) من ألوان الثمرات (رِزْقاً لَكُمْ) طعاما لكم ولسائر الخلق (وَسَخَّرَ) ذلل (لَكُمُ الْفُلْكَ) يعنى السفن (لِتَجْرِيَ) الفلك (فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) بإذنه وإرادته (وَسَخَّرَ) ذلل (لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢)) تجرى حيث تشاءون (وَسَخَّرَ لَكُمُ) ذلل لكم (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) دائمين إلى يوم القيامة (وَسَخَّرَ) ذلل (لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣)) يجىء ويذهب (وَآتاكُمْ) أعطاكم (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) وما لم تحسنوا أن تسألوا (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ) منة الله (لا تُحْصُوها) لا تحفظوها ولا تشكروها (إِنَّ الْإِنْسانَ) يعنى الكافر (لَظَلُومٌ) مشرك (كَفَّارٌ (٣٤)) كافر بالله وبنعمته (وَإِذْ قالَ) وقد قال : (إِبْراهِيمُ) بعد ما بنى البيت (رَبِ) يا رب (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) مكة (آمِناً) من أن يحاج فيه ويأمن فيه الخائف (وَاجْنُبْنِي) احفظنى (وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥)) من عبادة الأصنام والنيران ، ويقال : اعصمنى.

(رَبِ) يا رب (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أى ضل بهن كثير من الناس ، ويقال : أضل بهن كثير من الناس (فَمَنْ تَبِعَنِي) تبع دينى وأطاعنى (فَإِنَّهُ مِنِّي) على دينى (وَمَنْ عَصانِي) فخالف دينى (فَإِنَّكَ غَفُورٌ) متجاوز لمن تاب منهم أى يتوب عليهم (رَحِيمٌ (٣٦)) لمن مات على التوبة (رَبَّنا) يا ربنا (إِنِّي أَسْكَنْتُ) أنزلت (مِنْ ذُرِّيَّتِي) إسماعيل وأمه هاجر (بِوادٍ) فى واد (غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) ليس به زرع ولا نبات (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) يعنى مكة (رَبَّنا) يا ربنا (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ)

٤١٥

لكى يتموا الصلاة نحو الكعبة (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) قلوب بعض الناس (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) تشتاق وتنزع إليهم كل سنة (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) من ألوان الثمرات (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)) لكى يشكروا نعمتك (رَبَّنا) يا ربنا (إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) من حب إسماعيل (وَما نُعْلِنُ) من حب إسحاق ، ويقال : ما نخفى من وجد إسماعيل وما نعلن من الجفاء له (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ) من عمل خير أو شر (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله (الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) بعد الكبر (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وكان ابن مائة سنة ، وامراته بنت تسع وتسعين سنة ، حيث ولدهما (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩)) مجيب الدعاء (رَبِ) يا رب (اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) متم الصلاة (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أيضا يقول أكرمنى وأكرم ذريتى بإتمام الصلاة (رَبَّنا) يا ربنا (وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠)) عبادتى.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢))

(رَبَّنَا) يا ربنا (اغْفِرْ لِي) ذنوبى (وَلِوالِدَيَ) لآبائي المؤمنين (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولسائر المؤمنين والمؤمنات (١)(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)) يوم يكون الحساب ، وتقوم الحسنة والسيئة ، فمن زادت له الحسنة وجبت له الجنة ، ومن زادت له السيئة

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٤ / ٥١) ، ومختصره (١ / ٣٥٥) ، وغريب ابن قتيبة (٢٤٠) ، وزاد المسير (٤ / ٤٢٣).

٤١٦

وجبت له النار ، ومن استوت له حسنة وسيئة فهو من أصحاب الأعراف (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) يقول : تارك عقوبة ما يعمل المشركون (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) يؤجلهم (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢)) أبصار الكفار وهو يوم القيامة (مُهْطِعِينَ) مسرعين قاصدين ناظرين إلى الداعى (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) مطأطئي رءوسهم ، ويقال : رافعى رءوسهم ، ويقال : مادى أعناقهم (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) لا يرجع إليهم أبصارهم من الهول والفزع (وَأَفْئِدَتُهُمْ) قلوبهم (هَواءٌ (٤٣)) خالية من كل خير ، ويقال : لا عائدة ولا خارجة (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) خوف أهل مكة بالقرآن (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) من يوم يأتيهم العذاب وهو يوم بدر ، ويقال : يوم القيامة (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (رَبَّنا) يا ربنا (أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) مثل أجل الدنيا (نُجِبْ دَعْوَتَكَ) إلى التوحيد (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) نطع الرسل بالإجابة ، فيقول الله لهم : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) حلفتم (مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا فى الدنيا (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)) من الدنيا ولا بعث.

(وَسَكَنْتُمْ) نزلتم (فِي مَساكِنِ) فى منازل (الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالشرك والتكذيب فلم يتعظوا بهلاكهم (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) فى الدنيا (وَضَرَبْنا) بينا (لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥)) فى القرآن من كل وجه من الوعد والوعيد والرحمة والعذاب (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) صنعوا صنيعهم بالتكذيب بالرسل (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) عقوبة صنيعهم (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦)) لكى تخر منه الجبال ، وإن قرأت بخفض اللام الأولى ونصب اللام الأخرى ، ويقال : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال لتخر منه الجبال حيث سمع دوى التابوت والنسور ، إن قرأت بنصب اللام الأولى ورفع اللام الأخرى (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) لرسله بنجاتهم وهلاك أعدائهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) فى ملكه وسلطانه (ذُو انتِقامٍ (٤٧)) ذو نقمة من أعدائه فى الدنيا والآخرة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) أى فى يوم تغير الأرض (غَيْرَ الْأَرْضِ) على حال سوى هذه الحال وتبديلها أن يزاد فيها وينقص منها ويسوى جبالها واوديتها ، ويقال : تبدل الأرض غير هذه الأرض (وَالسَّماواتُ) مطويات بيمينه (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) جميعا خرجوا وظهروا لله (الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)) لخلقه بالموت.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) المشركين (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (مُقَرَّنِينَ) مسلسلين ،

٤١٧

ويقال : مقيدين (فِي الْأَصْفادِ (٤٩)) فى القيود مع الشياطين (سَرابِيلُهُمْ) قمصهم (مِنْ قَطِرانٍ) من نار سوداء كالقطران ويقال : من قطران من صفر حار قد انتهى حره (وَتَغْشى) تعلو (وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ) وهذا مقدم ومؤخر يقول وبرزوا لله الواحد القهار ليجزى الله (كُلَّ نَفْسٍ) برة أو فاجرة (ما كَسَبَتْ) من الخير والشر (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١)) شديد العقاب ، ويقال : إذا حاسب فحسابه سريع (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) أبلغهم عن الله ، ويقال : بيان لهم بالأمر والنهى والوعد ، والوعيد والحلال والحرام (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) لكى يخوفوا بالقرآن (وَلِيَعْلَمُوا) لكى يعلموا ويقروا (أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (وَلِيَذَّكَّرَ) لكى يتعظ بالقرآن (أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)) ذو والعقول من الناس.

* * *

٤١٨

سورة الحجر

ومن السورة التى يذكر فيها الحجر ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (الر) يقول : أنا الله أرى ، ويقال : قسم أقسم به بالألف واللام والراء (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) إن هذه السورة آيات الكتاب (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١)) يقول : وأقسم بالقرآن المبين بالحلال والحرام والأمر والنهى (رُبَما يَوَدُّ)(١) يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢)) فى الدنيا ، يقول : ربما يأتى على الكافر يوم يتمنى أنه كان مسلما ، ولهذا كان القسم ، وذلك إذا أخرج الله من النار من كان مؤمنا مخلصا بإيمانه وأدخله الجنة ، فعند ذلك يتمنى الكافر أنه كان مسلما فى الدنيا (ذَرْهُمْ) أتركهم يا محمد (يَأْكُلُوا) بلا حجة ولا همة ما فى الغد (وَيَتَمَتَّعُوا) يعيشوا فى الكفر والحرام (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ويشغلهم الأمل الطويل عن طاعة الله (فَسَوْفَ) وهذا وعيد لهم (يَعْلَمُونَ (٣)) عند الموت وفى القبر ويوم القيامة ما ذا يفعل بهم (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤)) فيه أجل معلوم مؤقت لهلاكهم.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٤ / ٥٥) ، ومختصره (١ / ٣٥٧) ، وغريب ابن عزيز (١٩٦) ، ومراح لبيد فى معنى قرآن مجيد (١ / ٤٣٧) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٩٦) ، وزاد المسير (٤ / ٤٣٠) ، وتفسير القرطبى (١٠ / ٧١) ، وغريب ابن قتيبة (٢٤١) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ / ٣٨٤).

٤١٩

(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) يقول : لا تموت ولا تهلك أمة قبل أجلها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥)) ولا تأخر أمة عن أجلها (وَقالُوا) عبد الله بن أمية المخزومى وأصحابه لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) جبريل بالقرآن بزعمك (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)) تختلق (لَوْ ما تَأْتِينا) هلا تأتينا (بِالْمَلائِكَةِ) من السماء فيشهدوا لك إنك رسول الله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)) فى مقالتك ، قال الله (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) من السماء (إِلَّا بِالْحَقِ) بالهلاك وقبض أرواحهم (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨)) مؤجلين إذا نزلت عليهم الملائكة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) جبريل بالقرآن (وَإِنَّا لَهُ) للقرآن (لَحافِظُونَ (٩)) من الشياطين حتى لا يزيدوا فيه ولا ينقصوا منه ولا يغيروا حكمه ، ويقال : إن له لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لحافظون من الكفار والشياطين (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد الرسل (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠)) فى فرق الأولين.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١))

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) مرسل إليهم (إِلَّا كانُوا بِهِ) بالرسول (يَسْتَهْزِؤُنَ (١١)) يستسخرون (كَذلِكَ) وهكذا (نَسْلُكُهُ) نترك التكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢)) المشركين (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) لكى لا يؤمنوا بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، والقرآن ونزول العذاب عليهم (وَقَدْ خَلَتْ) مضت (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣)) سيرة الأولين بتكذيب الرسل كما كذبك قومك ، ومضت سيرة الله فيهم بالعذاب والهلاك من الله لهم عند التكذيب (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) على أهل مكة (باباً مِنَ السَّماءِ) يدخلون فيه (فَظَلُّوا فِيهِ) فصاروا فيه (يَعْرُجُونَ (١٤)) يصعدون وينزلون ، يعنى الملائكة (لَقالُوا) كفار مكة (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أخذت أعيننا (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)) مغلوبو العقل قد سحرنا (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) قصورا ،

٤٢٠