تفسير ابن عرفة - ج ٢

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٥٣

أورد الزمخشري هنا أن الجزاء متأخر عن الشرط مع أن التولي متقدم في الآية على التبليغ ، وأجاب بأن المراد : فإن تولوا فلا حرج لأني قد أبلغتكم ، قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بوجهين :

الأول : أن ذلك إنما هو في الأمر البسيط والتبليغ مركب فأول متقدم على التولي أو بعده ؛ فإن قلتم : إنه ينفي قبله فلا فائدة لنفيه بعده ، وإن قلتم : إنه مثبت قبل التولي خالفتم الإجماع إذ هو منفي عنه بالإجماع فلا يزال السؤال واردا.

قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

قال ابن عرفة : دخلت كل على جبار ، ولم يقل : اتبعوا كل أمر جبار عنيد ، هذا هو الصواب ؛ لأن المراد أنهم اتبعوه فيما فيه مخالفة للشرع فلم يتبعوا كل أمره.

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).

ثم قال (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) عطف استغفروه بالفاء ، والتوبة بثم ؛ لأن الاستغفار طلب ودعاء ، والطلب لما يحتاج فيه الإنسان إلى تردد لا إلى تأمل ، والتوبة فعل ، والفعل لا يقدم عليه الإنسان إلا بعد تأمل وتدبر.

قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ).

ابن عرفة : إن قلت كان الأصل أن يقول : أرأيتم إن كنت على بينة من ربي فيستحيل رجوعي عنها لأن من فهم المقدمتين والنتيجة حصل له علم ضروري بمعلوم يستحيل زواله عقلا ، فالجواب أن الدليل البرهاني لا يجادل به العوام ؛ فأتاهم بما يفهمونه وهو الدليل الخطابي.

قوله تعالى : (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا).

أخذوا منها أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال : لأنه قال لهم : اعبدوا الله ، فأجابوه بأنه نهاهم عن عبادة غيره إنكارا عليه ، وأجيب بأن النهي راجع لقوله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي).

هذا الخطاب على سبيل التلطف ؛ لأنه لو قال لهم : إنك على بينة من ربي لعائد وإن لم يرجعوا لقوله ، وخاطبهم بأالمقتضية للشك ؛ لأنهم خاطبوه أيضا مخاطبة الشاك من ثلاثة أوجه :

٣٦١

أحدها : خطابهم له بلفظ الرجاء ، والثاني : قد المقتضية للتوقع مع الماضي دون التحقيق ، فقالوا : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) ، والثالث : قولهم (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) ابن عرفة : الريب أخص من الشك فلذلك وصف به ، قلت : وانظر ما تقدم في براءة في قوله تعالى : (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) [سورة التوبة : ٤٥].

قوله تعالى : (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ).

إما أن المراد غير خسارة تنالكم وعدم إيمانكم بلحوق العذاب بكم ، والإهلاك وصل في بالغم اللاحق لي بسبب كفركم ، أو يراد الجميع ؛ أي خسارة لي ولكم.

قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ).

قال ابن عرفة : قالوا سلاما ملائكة بليغ من جهة بالمصدر ، وسلام إبراهيم بليغ من جهة إتيانه معبرا عنه بالاسم دون الفعل ، والاسم يقتضي الثبوت واللزوم ، ولذلك قال الشاعر :

لا يألف الدرهم المضروب خرقتنا

لكن يمر عليه وهو منطلق

وكان بعضهم يقول : إنما إلى سلام الملائكة بالفعل ، وسلام إبراهيم بالاسم من ناحية أن سلام الأشرف بعيد على المشروف فما يتوهم عدم وقوعه بالفعل المقتضي للوقوع والتجرد ، وسلام المشروف على الأشرف لا يستغرق وقوعه ، وإنما يتوهم فيه عدم الدوام بحصوله ثابت في الذهن ؛ وإنما المتوهم انقطاعه وعدم دوامه فعبر عنه بالاسم المقتضي للثبوت واللزوم دائما ، وقيل لابن عرفة : هذا على القول بأن الملائكة أشرف من الأنبياء ، فقال : وإذ قلنا أن الأنبياء أشرف ؛ فسلام الملائكة مما يستغرب ؛ لأنه من سلام الجنس على غير جنسه ، أما الرد فلا يستغرب ، وانظر ما تقدم في أول سورة الفاتحة ، وفي سورة الأنعام قوله (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [سورة الأنعام : ٥٤].

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).

قال ابن عرفة : جرت عادة المفسرين في القرآن إما تسلية للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أو لتخويف الكفار وزجرهم لما جرى لمن قبلهم.

قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

إشارة إلى كمال افتقارهم ؛ لأن الإله هو المفتقر إليه ، وقولكم له (لَكُمْ) إشارة إلى عدم استقلالهم ، وكمال احتياجهم إليه.

قوله تعالى : (أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ).

٣٦٢

قال الزمخشري : أنشأ آباءكم.

وقال الفخر : أنشأنا من المني ، والمني من الدم ، والدم من الأغذية ، والأغذية من النبات ، والنبات من الأرض [٤٠ / ١٩٨] قال ابن عرفة : وهذا أحسن ولا يحتاج فيه إلى إضمار.

قوله تعالى : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ).

إما بمعنى أنه أعمركم ، وإما من العمر أي أبقاكم فيها ، أو جعلكم معمرين غيركم أي عمور الجنة ، ورده بأنه ليس في هذا نعمة ، والآية خرجت مخرج الامتنان.

قوله تعالى : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

عطف استغفروه بالفاء للسبب ؛ أي استغفروه بسبب هذه النعم ، وعطف توبوا بثم لأن الاستغفار دعاء وطلب والتوبة فعل ، والإنسان ما يحتاج في المطلب إلى ترو ، وأما الفعل ولا سيما التوبة فإنه لا يقدم عليها حتى يتروى ويفكر.

قوله تعالى : (مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا).

قلت لابن عرفة : إن كان المراد به الزمن القريب من الحال فلا فائدة ، فيدفع قوله (قَدْ كُنْتَ) ، وإن أراد البعيد فذلك مناقض لمعنى قد ، فقال : أتى به ليفيد أنه في الحال غير مرجو.

قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ).

قال ابن عرفة : وذلك أن الإنسان إذا حصلت له [.....] يستحيل له العام الضروري الذي يستحيل زواله عقلا ؛ بخلاف غير هذا ، فإن الإنسان قد يكون يشرب الخمر ثم يتركه ، ويكون يزني ثم يتوب ، وصالح عليه‌السلام قال (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) قول يقال : كان الأصل أن يقول : إن كنت على بينة من ربي فيستحيل رجوعي عن ذلك ؛ لأنه من الأمر الضروري الذي يستحيل زواله ، فأجاب ابن عرفة : بأن الدليل البرهاني لا يخاطب به العوام ، فأتى بالدليل الخطابي ، لأنه هو الذي يفهمونه.

قوله تعالى : (لَكُمْ آيَةً).

قال : آية حال ، والحال من شرطها عند ابن عصفور الانتقال ، وهذه ليست إلا آية ، فأجاب بوجهين :

٣٦٣

الأول : أن ابن هشام في شرح الإ ........ (١) نص على عدم اشتراط الانتقال فيها.

والثاني : أنها مثل خلق الله زبدا أزرق ؛ لأن الناقة من حيث هي يمكن أن تكون آية ، وإن لا.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ).

راجع لقوله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ).

قوله تعالى : (الْعَزِيزُ).

راجع لقوله (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) لأن الخزي يستلزم الإذلال والإهانة وذلك ضد العز ، وعبر بالديار هنا لأن الصيحة صوت عام ليخص كل واحد ففي خزيه على حدته والرجفة حركة يقال بجميعهم ، ولا يتخلف بل هي في حقهم واحدة.

قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها).

شبه حالهم بعد الهلاك بحالهم قبل وجودهم ، والوصف الجامع بينهم هو قوله تعالى : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) قال أبو طالب في القوت : إن البعد من الله أشد من العقوبة بعذابه ، واستدل بأن قصة صالح وقصة هود محتجا بهما ، فقيل : ألا بعدا لعاد قوم هود ألا بعدا لثمود.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا).

قيل : الظاهر أن اللام جواب قسم ، وظاهر كلام الفخر أنها لام الابتداء ، وهو غير صحيح ؛ لأنها مع قد.

قوله تعالى : (رُسُلُنا).

قال الفخر : الصحيح أنهم ثلاثة لأنه المتبين ، قال ابن عرفة : بل الصحيح أنهم اثنان ؛ لأن أصل الجمع على أحد القولين ؛ اثنان فهو يفيد الاثنين على كل مأول.

قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً).

قال السكاكي وغيره من البيانيين : سلام إبراهيم أبلغ لأنه بالاسم والآخر بالفعل ، فرده ابن عرفة بأن سلام الملائكة مؤكد بالمصدر فهو أبلغ ؛ فصار كقوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [سورة النساء : ١٦٤] ، وأجيب بأن المصدر إنما يؤكد

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣٦٤

الفعل المتقدم ، والفعل يقتضي التجدد فأكده وبقي على ما هو عليه من اقتضائه التجدد ، ورده ابن عرفة بأن قام زيد قياما أبلغ من زيد قائم ، قلت : وهنا ذكر أبو المطرف ابن عمير كلام السكاكي وهو أن الفعل يقتضي التجدد ، والإخبار بالاسم يقتضي الثبوت ، قال : هذا الرأي غريب ولا مستند له بعلمه إلا أن يكون قد سمع أن في مقولة أن يفعل وأن لا يفعل ، هذا المعنى من التجدد بحسب هذا الفعل القسيم للأسماء فذهب في غير طريق ، ثم قال بعد كلام طويل : إن الثبوت صفة لا بد لها من محل ومحلها السّلام إذ هو الثابت ، فهذا السّلام إن كان المراد به المنطوق به المسموع بالصوت والحروف فقد تساوت السلامات في الحدوث ؛ بل سلام الملائكة أسبق ، وإن أراد به الكلام النفسي فقد تساوى أيضا في الشعور بدونها أن الإعراب هنالك ، وإنما الإعراب للألفاظ المسموعة والمكتوبة ، قال ابن عرفة : وهذا كلام في غاية الضعف ، وعليه كان الفقيه أبو الطيب الفزاري : قال لي : لو مكني جمع نسخ ابن عميرة كلها لأحرقتها ، وتعقبه عليه في قوله : أن الإخبار بالاسم يقتضي الثبوت غير صحيح.

قال الزمخشري : ذكره في قوله هذه السورة (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) ، فانظر تجده فيه مستوفى ، وذكر أيضا الزمخشري نحوه في أول سورة إبراهيم في قوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سورة إبراهيم : ٢] ، وذكره أيضا الزمخشري في سورة الفاتحة في قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الفاتحة : ٢].

قوله تعالى : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ).

قلت له : لا يصح أن يكون ما موصولة بمعنى الذي ؛ لأنكم قلتم : إن المراد هنا إبراهيم فلا يصح أن يقع إلا بها ما لا يعقل ، فإن قلتم : المراد بها العجل فأين العائد ، فإن قلتم : العائد الذي في لبث ، قلت : اللبث من صفة إبراهيم لا من صفة العجل.

قوله تعالى : (لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ).

قرأ بالرفع والنصب ، قال أبو عبد الله : ولو قرئ : ولا يلتفت برفع الفعل لصح رفع امرأتك ولكنه نهي ؛ فلو استثنيت منه المرأة للزم إباحة الالتفات إليها فيفسد معنى الآية ، قال ابن عطية : هذا مردود فإنه مستثنى من أحد رفعت التاء أو جزمت ، وأجاب ابن عرفة بأنه على قراءة الجزم يكون نهيا عن الالتفات ؛ فيدل على إباحة ضده ؛ بخلاف الرفع فإنه نفي ونفي الشيء لا يدل على ثبوت ما عداه بوجه.

٣٦٥

قوله تعالى : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا).

ابن عرفة : في الآية دليل على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ؛ لأن الصادر من شعيب عليه‌السلام هو الأمر بعبادة الله سبحانه ، فأجابوه بقولهم (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) فلو لم يكن الأمر بالشيء نهيا عن ضده لكان قولهم غير مطابق.

قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا).

قال ابن عرفة : إن قيل لأي شيء جاءت هذه الآية بالفاء في قصة هود عليه‌السلام؟ قالوا : قيل : لما سبقت هذه الآية عقب ذكر الوعد ، ناب الإتيان بالفاء المقتضية للتعقيب والإيجاز بخلاف الأخرى ، وقال بعضهم : لما كان الوعد سببا في الإتيان بالموعود ناسب الإتيان بالفاء المقتضية للتسبب ، وأما الآية الأخرى وهي آية هود عليه‌السلام فليس فيها ذكر الوعيد فجاءت على الأصل ، والله أعلم.

قوله تعالى : (إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ).

قال ابن عرفة غير منقوص تأسيس لا تأكيد ؛ لأن قولك : أوفيت زيدا حقه محتمل أن يكون أوفيته إياه منقوصا أو غير منقوص.

قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ).

الكاف إما للتعليل أو للسببية على أن ما موصولة والعائد محذوف ؛ أي كما أمرت به ، كقول الشاعر :

نصلي للذي صلت قريش

ونعبده وإن جحد القوم

أي صلت قريش له ، وعلى الأول تكون مصدرية ، انتهى ما تقدم لابن عرفة فيها ، وفي هذه الختمة قلت : وقدمت عنه في الختمة الأخرى أن ما مصدرية.

قوله تعالى : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ).

أضاف الرب إليهم ، ثم قال (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) فأضافه إلى نفسه ؛ لأن الأول طلب فناسب إضافته إلى وصف الربوبية المقتضي لرأفة المطلوب وضآلته على الطالب ، ولا يقتضي حصول المطلوب ، والثانية خبرية تقتضي حصول المخبر به ؛ لأنها سبقته وحصول الرحمة من الله خاصة لشعيب ، ولم يحصل منه لقومه ؛ فلذلك أضاف الرب إليه فقط.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).

٣٦٦

قلت لابن عرفة : هلا قال إن مولاي بما تعملون محيط ؛ لأنه لفظ يدل على القهر؟ فقال : من نصرك على عدوك فقد رحمك برحمته لشعيب.

قوله تعالى : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).

قالوا : المراد جميع بنات آدم ، وقيل : المراد بنات لوط عليه‌السلام ؛ فأورد على هذا أنه لم يكن له غير ابنتين فقط ، وقد قال : وجاءه قومه يهرعون إليه فكيف يعطي ابنتيه للجميع؟ فأجاب ابن عرفة بأن كلام لوط مع الأشراف الحاكمين على قومه ، ولم خاطب بقوله (هؤُلاءِ بَناتِي).

قوله تعالى : (فَأَسْرِ).

[٤٠ / ١٩٩] قرىء فأسر من إسراء ، أو فأسر من سراء ، فقيل : ما الحكمة في قوله : (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) دون في والسري لا يكون إلا بالليل؟ ، فقال : ظاهر لفظ السري أنه في أول أزمنة الليل ، فقال : يقطع من الليل ليفيد التوسعة ، فإنه لو سرى قبل انقضاء آخر أزمنة الليل لعد متمهلا.

قوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ).

قرئ بالرفع بدل من أحد ، قال ابن عطية : بل يلزم على القراءتين معا.

قال ابن عرفة : وهذا عندي غير صحيح ؛ لأنه على قراءة الجزم يكون نهيا عن الالتفات والنهي عن الشيء يقتضي الإذن في ضده ، بخلاف ما لو قرئ بالرفع فإنه يكون خبرا منفيا ، ونفي الشيء لا يقتضي ما عداه ، قال : إنه مثل قولهم : لا لنهي لوط أي لا تدع أحد منهم يلتفت ، وحينئذ يصح الاستثناء ولا سؤال.

قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

قال : لم أضاف الرب إليهم أولا ثم إليه ثانيا؟ ، فالجواب : أن الجملة طلبية فهو طلب منهم الاستغفار فناسب وصف الربوبية المقتضية للحنان والرأفة على طلب ذلك ، والطلب لا يقتضي حصول الجملة ، والجملة الثانية خبرية تقتضي حصول المخبر به لأنها مثبتة ..... (١) لهم من الله رأفة ولا حنان فناسب إضافة الرب إليه في الخبر ، وإضافته إليهم في الطلب ...... (٢) لا يقتضي حصول المطلوب ؛ لأن الإنسان لا يطلب إلا ما لم يكن له حالا وقد يطلب ولا يحصل له شيء.

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) بياض في المخطوطة.

٣٦٧

قوله تعالى : (أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ).

قلت : ..... (١) على تفضيلهم رهطه عليه وهو بعيد ..... (٢) العزة مطلقا ، كقولهم (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) فهلا وبخهم على سلبهم عنه مطلق ...... (٣) لا على سلب الأفضلية في العزة مطلقا.

قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى).

أي من أنباء أهل القرى ، قيل : إنه من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، والبناء أخص من الجر ، والجر الذي فيه غرابة ، فقال المشاهد : هي القرى لأن أهلها دبروا وانعدموا.

قوله تعالى : (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ).

قال أبو البقاء : ومنها حصيد ، قال ابن عرفة : لم احتاج إلى تقدير ومنها ؛ فجعله من عطف الجمل ، وهلا عطفه على قائم لكون المعنى أن منها قائم وحصيد فيبقى البعض الآخر غير مخبر عنه بشيء ، قوله تعالى : (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) ولم يقل : من أنباء أهل القرى ؛ لانعدامهم والشاهد إنما هي محالهم.

قوله تعالى : (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ).

يؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر في جميع أحواله وحي الله.

قوله (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) من تأكيد الذم بما يشبه المدح ، قيل :

هو الكلب إلا أن فيه ملالة

وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ).

شبه إهلاكه كل القرى الظالمة بإهلاكه هذه القرى ، فهو شبيه الكلي بالجزئي لا يشبه الشيء نفسه.

قوله (زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزمخشري : الزفير إخراج النفس ، والشهيق رده ، قال الشاعر يصف حمارا :

بعيدا مدى التطريب أوّل صوته

زفير ويتلوه شهيق محشرج

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) سقط في المخطوطة.

(٣) بياض في المخطوطة.

٣٦٨

ابن عرفة : لأن الحمار في أول نهاقه ينتج ألقاب القديم تصح عند رفع النفس.

قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ).

قيل : متصل ، وقيل : منفصل ، وقيل : ليس باستثناء ، والقائلون بالاتصال اختلفوا ، فقيل : أنه مستثنى من الأزمنة ، والمراد أن أهل الشقاوة خالدون في جهنم أبدا إلا في بعض الأزمنة التي شاء وهذا يتناول الكافر بالعاصي ، خرج الكافر بالإجماع ؛ لأن العاصي هذا على مذهب أهل السنة في أن العاصي غير مخلد في النار ، وقيل المراد به التي صح وهو ما بين الوجودين ، وقيل : المراد زمن الحشر ، وهذا لا يصح ؛ لأن زمن الحشر لا يدخل في المستثنى منه ؛ لأن المستثنى منه إنما يتناول زمن الخلود في النار فما بعده ، وقال الزمخشري : المراد به الانتقال من العذاب بالنار إلى العذاب بالزمهرير ورد الزمخشري على أهل السنة بقوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وقال في مقابله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فمعناه أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العقاب كما يعطي لأهل الجنة عطاء الذي لا انقطاع له ، وأجاب ابن عرفة : بأنه جعل المراد الاستثناء الأول زمان الزمهرير فقد بان انقطاع العذاب بالنار عنهم ، وأن الخلود فيها غير محمول على ظاهره.

قال الزمخشري : فما ظنك بقوم عبدوا كتاب الله لما روي لهم بعض الثواب عن عمرو بن العاص" ليأتي على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد" ، ابن عرفة ، عن الجوهري : الثواب هم [.....] من الذين يغزون ويغزون ، قال : والحديث حملته أهل السنة على الطبقة العليا من جهنم ؛ وهي طبقة عصاة المسلمين ، ونقل الطيبي ، عن ابن الجوزي : أن هذا الحديث موضوع.

ابن عرفة : وهذا عبد الله بن عمرو هو الذي جرت المداولة بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصوم ؛ لأنه كان صواما قواما ، وكان مخلفا على غزوة حنين ، يقول : والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت فيها برمح ، وقول الزمخشري : ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقالته بهما علي بن أبي طالب ما شغله عن سوق هذا الحديث ، يحتمل أنه يريد بسيفيه لسانه وسيفه ، أو رمحه وسيفه ، والأول أظهر لمصاحبة [...] الزمخشري هنا على من تقدم وتأخر وأساء الأدب وعبد الله بن عمرو من الصحابة لا ينفي أن يكلم فيه ..... (١) بخير.

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً).

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٦٩

أي لو شاء أن يجعلهم لجعلهم ، فالأول راجع للإرادة والثاني لإظهار متعلقها ، ولما تقدمها (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) وهو تخطيط لا يقال : غالب إلا على .... (١) التفجع على المقول له ، عقبه بهذا إشارة إلى أن الفعل الخير والشر فلو لا أردنا ذلك منهم لوقع.

قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ).

قال ابن عرفة : لا يقال إنها دالة على عدم وقوع الإجماع لأنا نقول : الاختلاف الذي اقتضت أنه لا يزال هو في الاعتقاد فمع بعض الأنبياء الشخص الواحد فقط ، والإجماع هو اتفاق بعض العصر على الحكم به.

قوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) يدل على وقوع الإجماع ؛ لأن المستثنى هم المتقون على كلمة التوحيد.

قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ).

قال ابن عطية : اللام للصيرورة أي خلقهم ليصير أمرهم إلى ذلك وإن لم يقصد بهم الاختلاف ، ابن عرفة : هذا اعتزال ؛ ولهذا كان ابن عبد السّلام يحذر منه ويقول إنه يضعفه في أصول الدين ، فنقل أمورا عن الرماني وهو معتزلي فيعتزل من حيث لا يشعر ، والحق أن الله تعالى أراد الخير والشر.

قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ).

ابن عرفة : يرد هنا على ابن التلمساني في تعقبة قول الفخر باللفظ ، إما أن يعتبر بالنسبة إلى تمام مسماه وهو المطابقة بأن التمام يشعر بالتركيب لاستحالة التركيب في كلمة الله ، فما معناه إلا الفراغ والاقتضاء ، لحديث : " هو العلم وفرع ديننا فيما كان وفيما يكون".

قوله تعالى : (نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ).

أي قلبك ، واختلفوا في العقل هل محله الدماغ أو محله القلب؟ قلت : قال ابن رشد في المقدمات في آخر كتاب الجراحات : ذهب مالك إلى أن محله القلب وهو مذهب المتكلمين من أهل السنة ، وذهب ابن الماجشون إلى أن محله الرأس وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الاعتزال.

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٧٠

ابن عرفة : وثمرة الخلاف لو أوضح رجل موضحة ذهب بها عقله فعلى القول أن محلها الدماغ تكون فيه دية موضحة خاصة ، وعلى القول بأن محله القلب يكون عليه ديتان ؛ لأن مالكا قال : في العقل الدية.

قوله تعالى : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ).

ابن عرفة : الذكرى سبب في الموعظة إذ لا يتعظ الإنسان حتى يتذكر ، والأصل تقديم السبب ، فالجواب : أن الوعظ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والذكرى للمؤمنين فاختلف بالمتعلق.

قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ).

إن قلت كيف يخاطب من لا يؤمن في المستقبل وهو لا يعلم ذاته ؛ لأن قلنا : يخاطبه باعتبار وصفه ، فيقول لهم : من يكثر منكم فليعمل على مكانته من النار ، وقدم العمل إذ هو سبب في الانتظار ؛ لأنه يعمل وينتظر عاقبة أمره في عمله من خير أو شر.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

أمر فيها ردا على المنجمين ؛ لأن الغيب هو ما لم ينصب عليه دليل وهم يسندون فيها أحكامهم إلى الدليل ، وقال ابن رشد في المقدمات : إن معرفة الكسوفات لا يستثنى منها ، وكذلك معرفة الأهلة وليست من الغيب في شيء ، يؤخذ من الآية أن الولي لا يطلع على الغيب ، وما يخبر به إنما هو ظن كما أخبر أويس القرني ابن عمران ، أو كان نقلا عن مالك كما يخبر كثير ممن رأى الخضر ، ونقل الزمخشري هنا حديثا في فضل سورة هود ، ابن عرفة : وقال الجوزي في الموضوعات : إن هذه الأحاديث التي في فضائل السور موضوعة والصحيح منها ما نقل في البخاري ومسلم ، وكذا قال ابن الصلاح في علوم الحديث ، وقال صاحب المنير والتونسي : أنها منتهية إلى رجل سماه [...] نفسه أنه وصفها ، وكذا قال الحاكم.

٣٧١

سورة يوسف عليه‌السلام

قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ).

الزمخشري : تلك الآيات التي أنزلت عليه في هذه السورة.

الطيبي : سورة يوسف عليه‌السلام

إشارة إلى أن (تِلْكَ) مبتدأ والمشار إليه ما ذهن المخاطب.

قال ابن الحاجب : المشار إليه لا يشترط أن يكون موجودا حاضرا ؛ بل يكفي أن يكون موجود هنا.

(لَمِنَ الْغافِلِينَ).

الزمخشري : من الجاهلين به.

الطيبي : هذه كبيرة منه توهم أن الغافل عن الشيء هو الجاهل به ، ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن يطلق عليه اسم الجاهل ويخاطب به أبدا.

قال القاضي : لمن الغافلين عن هذه القصة لم يخطر ببالك ولم يفزع سمعك قط ؛ وهو تعليل لكونه موحى.

قلت : ويمكن أن يقال : إن الشيء إذا كان بديعا وفيه نوع غرابة إذا وقف عليه ، قيل للمخاطب : كنت عن هذا غافلا ؛ أي كان يجب عليك أن تفتش عنه وأن تستوفي في تحصيله الراغب الغفلة سهو بغيري الإنسان من قلة التحفظ واليقظة ، وأر من غفل الإتيان بها ، وإغفال الكتاب ؛ أي تركه غير معجم ، قوله تعالى (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) [سورة الكهف : ٢٨] أي جعلناه غافلا عن الحقائق وتركناه غير مكتوب فيه الإيمان ، كما قال تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [سورة المجادلة : ٢٢] ، وحديث الكريم ابن الكريم الذي ذكره الزمخشري ، رواه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، عن أبي هريرة.

(أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ).

الطيبي : كان من حق الظاهر تقديم الشمس والقمر على الكوكب بعد إخراجهما من الجنس تقديما للفاضل على المفضول ؛ كقوله تعالى (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [سورة الأعراف : ٥٤] لكن خولف هذا الاعتبار بتأخيرهما قصدا ؛

٣٧٢

أي تغايرهما مطلقا بإخراجهما من الجنس رأسا بحيث لا مناسبة بينهما ؛ فيقدم الفاضل على المفضول.

فإن قلت : ما نحن بصدده ليس من قبيل (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [سورة البقرة : ٩٨] ؛ لأنه من عطف الخاص على العام لأنهما داخلان في الملائكة بخلافه هنا.

قلت : يكفى في الشبه إخراجهما من جنس الكواكب وجعلهما مغايرين لها بالعطف.

فإن قلت : لم لم يقل : إني رأيت الكواكب والشمس والقمر ليوازي تلك الآيات؟ قلت : القصد الأول في تلك الآية ذكر جبريل وميكائيل ، كما دل عليه بسبب النزول ، وذكر الملائكة ، وللتوقية والتمهيد بخلافه هنا ؛ فسلك به مسلكا علم منه المقصود وأدمج التفضيل والاختصاص ، وفيه أمثال ؛ قال : إن الآخرة مع تلك البينة ما سلب عليهم نور الولاية والنبوة.

والزمخشري : ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع.

قال صاحب التقريب : وفيه نظر لاتفاقهم على أن عمرا في : ضربت زيدا وعمرا ليس مفعولا معه.

ويجاب أن المعنى ليس أنه مفعول معه ؛ فإن سؤاله لم أخر الشمس والقمر؟ ومعناه كيف أخرهما وموضعهما التقديم؟ وأجاب بجوابين :

أحدهما : فيه التزام التأخير لإفادة المبالغة في التغاير.

وثانيهما : أن الواو لا توجب الترتيب لأن مقتضاها الجمعية ؛ لأنها بمعنى مع ؛ كأنه قيل : رأيت الشمس والقمر والكواكب دفعة واحدة.

يؤيده قوله في تفسير قوله تعالى (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) [سورة المائدة : ٣٦] وإنما وجد الراجع في به ؛ لأن الواو بمعنى مع فيتوحد المرجوع إليه.

وقوله بعد ذلك (يَخْلُ لَكُمْ).

إما مجرور بإضمار أن والواو بمعنى مع ؛ كقوله تعالى (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) [سورة آل عمران : ٧١].

٣٧٣

قال شارح المبادئ : نزل على الجمع المطلق ، ودلالتها على الجمع أقوى من دلالتها على العطف ؛ فإنها قد تعدى من معنى العطف ولا تعدى من معنى الجمع.

فإن واو القسم وواو الحال بمعنى مع لا تقيد العطف وتفيد الجمع لأنها في القسم نائبة عن التاء والباء للإلصاق ، والحال مصاحبة لذي الحال ، والواو في المختلفين بمنزلة التثنية ، والجمع في المتفقين ، وتلخيص الجواب يرجع إلى ما قال في سورة النمل.

فإن قلت : ما الفرق بين هذا ؛ أي بين تلك آيات القرآن وكتاب مبين ، وبين قوله : تلك آيات الكتاب وقرآن مبين؟ قلت : لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقديم والتأخير ؛ وذلك على ضربين : ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح جانب عن جانب ، وضرب فيه يترجح.

والأول نحو قوله تعالى (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) [سورة الأعراف : ١٦١].

والثاني نحو قوله تعالى (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ) [سورة آل عمران : ١٨].

ونقل عن تلميذ ابن الحاجب ، أنه قال : ظاهر كلام الزمخشري لا يشترط في المفعول معه مصاحبة الفاعل ، والحد المذكور في الكافية لا يمنع من مصاحبة المفعول.

ونقل المالكي عن سيبويه ، أنه قال : بعد تمثيله بما صنعت وآباك ، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها ؛ فالفصيل مفعول معه ، والأب كذلك.

وقال المالكي أيضا : ويترجح العطف إن كان بلا تكلف ولا مانع ولا موهن ؛ فإن خفت به فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية ، كذلك هنا رجحنا المعية على العطف ؛ لتوخي حصول الأفضلية ؛ ليرجع معنى الآية إلى معنى قوله تعالى (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [سورة النساء : ٦٩].

(ساجِدِينَ).

الزجاج : إذا جعل الله غير المميز كالمميز ؛ كذلك تكون أفعالنا وأنباؤنا.

وأما ساجدين فحقيقته فعل كل من يعقل ؛ فإذا وصف به غيرهم فقد دخل في المميزين وجاز الإخبار عنه كالإخبار عنهم.

٣٧٤

(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ).

يحتمل كون الكاف للتعليل ؛ أي ولأجل رؤياك ذلك يجتبك ربك.

وقال ابن العريف : إن الكاف إنما ترد لتعليل مع ما.

(وَيُعَلِّمُكَ).

قول ابن بزيزة : هو داخل في التشبيه ؛ يرد بأنه : إما أن يشبه بالاحتمال ، وبالرؤية ؛ والأول باطل لأن العطف يقتضي المغايرة ؛ فلا يصح أن يكون التقدير :

وكاجتبائك يجتبيك بتعلم تأويل الأحاديث ، والثاني باطل لأنه إنما يشبه الأخفى بالأجلى والرؤية هنا أخفى وأدون رتبة من النبوة ؛ فهو العكس سواء ، فالظاهر أنه استئناف كلام.

(مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ).

من ليست لبيان الجنس لأن مفسرها ما بعدها ، والتي لبيان الجنس إنما يكون مفسرها قبلها ؛ كقوله (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [سورة الحج : ٣٠] والمراد بالتأويل التفسير ؛ وهي عبارة المتقدمين ، وأما المتأخرين فيريدون بالتأويل حمل اللفظ على غير ظاهره.

الطيبي : التأويل من الأول ؛ وهو الرجوع إلى الأصل ، ومنه الموصل للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا ؛ ففي العلم ، قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [سورة آل عمران : ٧].

وفي الفعل قول الشاعر :

وللقوي قبل يوم البين تأويل

وقوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [سورة الأعراف : ٥٣] أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه.

الزمخشري : الأحاديث جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة.

الطيبي : وقال في موضع آخر : الأحاديث تكون جمعا للحديث ، ومنه أحاديث الرسول ، ويكون جمع للأحدوثة التي هي مثل الأضحوكة ، والأعجوبة ، وهي ما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا ، وقد يظن أنه تناقض لأنه في المفصل ، وقد يجيء الجمع مبينا على غير واحده المستعمل ، وذلك نحو : أراهط ، وأباطيل ، وأحاديث.

قال الفراء : يرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ؛ ثم جعلوه جمعا للحديث.

٣٧٥

وقال علم الدين السخاوي في شرح المفصل : كأنهم جمعوا حديثا على أحدوثة ، ثم جمعوا الجمع على أحاديث ؛ كقطيع ، وأقطعة ، وأقاطيع ؛ فعلى هذا يصح أن يقال :

هو مبني على واحدة المستعمل ، ورؤياه تدل على تشتت أمره أولا ، ثم يجمع الله من شتاته بعد دهر طويل ، وذلك أن سجود إخوته مع بعضهم إياه وحسدهم أمر بعيد ، وسجود أبويه له أبعد وذلك لا يحصل إلا بعد ضربات الدهر ، وشتات الأمر ، وتقلبات الأحوال.

(عَلى أَبَوَيْكَ).

قال اللخمي : اختلف في قوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) [سورة النساء : ٢٢] هل تدخل زوجة الجد وأبيه بالنص فهو حقيقة مشتركة أو بالقياس ، أو بالإجماع.

(عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

الفخر : (عَلِيمٌ) إشارة لقوله عليم [سورة الأنعام : ١٢٤] انتهى ؛ فيكون معنى (حَكِيمٌ) أنه عليم بالوقت الذي يرسل فيه الرسول باعتبار الزمان ، وباعتبار عمره ، ولمن يرسله.

(لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

الزمخشري : أي في ذهاب عن طريق الصواب في ذلك.

الطيبي : يعني أن نسبة الضلال إلى أبيهم إن كان مطلق يوهم سوء أدب ؛ فهو مفيد بقريبة الأحوال ؛ كقوله تعالى (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة ، الأنعام ، يونس : ١٦ ، ١٤٠ ، ٤٥] أي في التجارة ، وقوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) [سورة النساء : ٦] أي رشدا في طريق التجارة.

(وَجْهُ أَبِيكُمْ).

أضاف الأب إلى المخاطبين ، وقال أمور : أولا (أَحَبُّ إِلى أَبِينا).

فأضافه إلى المتكلمين جميعهم ، والجواب : أنهم أولا أخبروا أنه أبو جميعهم ، فأضافوا الأب إلى المتكلم ومعه غيره ، فعبروا بأبانا عنهم وعن يوسف وأخيه ، ثم لما قالوا (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) ، أضافوه إلى المخاطب ؛ لأنهم إذا أذهبوا يوسف صار يعقوب أبا لهم فقط ، وهو خطاب للحاضرين.

(قَوْماً صالِحِينَ).

٣٧٦

إذا وذكر قوم أنهم إذا تابوا يكونون كقومهم في ابتداء أمرهم صالحون ، لم تصدر منهم معصية ؛ لأن التوبة تجب ما قبلها.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ).

لم يقل : قال بعضهم إشارة إلى أنه لم يقل إلا واحد منهم ، ولفظ بعض يصدق على الواحد وعلى أكثر منه.

الزمخشري : (الْجُبِ) البئر ، لم يطو لأن الأرض تجب جبا.

الطيبي : يعني أنما سمي البئر غير المطوي جبا إذ ليس فيه غير جب الأرض ؛ فإنه لم يطو بعد الأساس طوي البناء باللبن ، والبئر بالحجارة ، وهو الطوي ، والإطواء.

(ما لَكَ لا تَأْمَنَّا).

لك خبر ما ، ولا تأمنا حال ، كقولك ما لك ضاحكا ، ما لك باكيا.

الطيبي : قال صاحب التفسير كلهم ، قرأ مالك (لا تَأْمَنَّا) بإدغام النون الأولى في الثانية ، وإشمامها بالضم ، وحقيقة الإشمام في ذلك أن يشار بالحركة إلى النون لا بالعضو إليها ، فيكون ذلك أخفاء لا إدغاما صحيحا ؛ لأن الحركة لا تسكن رأسا بل يضعف الصوت ، فيفصل بين المدغم والمدغم فيه ، لذلك هذا قول عامة ، وهو الصواب لتأكيد دلالته وصحته في القياس.

وقال الجعبري : شارح القصيدة في قوله : وتأمننا للكل يخفي مفصلا ، وقوله : وإدغام من إشمامها لبعض عنهم يريد بقوله إخفاء الحركة اختلاسها ، ومعنى مفصلا ؛ فصل إحدى النونين عن الأخرى وهي حقيقة الإظهار ، وهذا معنى قول أبي علي الفارسي : ويجوز أن يبين ولا يدغم ، ويخفي الحركة ، وهو أن يختلسها ، ومفهوم إطلاق السبب إلى أن كلا من النقلة رووه عن السبعة ، وليس كذلك لإطباق العراقيين على خلافه ، وقوله : التشديد من غير حركة النون ، وبهذا قطع ابن مجاهد في قوله : وكلهم قرأ تأمنا بفتح الميم ، وضم النون وإدغام النون الأولى في الثانية ، والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم ونبه بقوله : وضم النون على أن الفعل مرفوع ليفهم علة الأسماء.

(وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ).

تمويه وتورية ، أي وإنا لأجله لناصحون أنفسنا ، وهذا لأنهم أنبياء يستحيل عليهم الكذب.

٣٧٧

(لَيَحْزُنُنِي).

قيل : متعلق الحزن ماض ، والخوف مستقبل ، فكيف يفهم هنا ، أجيب بوجهين :

الأول : أن يحزنني مستقبل ، وذهابهم به كذلك ، فمعناه إن قدرت وجود ذهابكم به فالحزن مبني موجود بلا شك ، لوقوع موجبه ، (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) إن قدرت ذهابكم به ولا يحزن عليه ، لأني لا أدري لعله يسلم لام الابتداء الداخلة على خبريّ تخلصه للحال ، قيل في ذلك قولان والصحيح أنها للاستقبال ، وإن كان ابن مالك في التسهيل جعلها من المخلصات للحال فقد صح غيره أنها للاستقبال الثاني ؛ أن الحزن واقع منه ، لأنه لما آتوه عصبة واجتمعوا وتظافروا على طلبه الذهاب به علم يعقوب أنه لا بد له من إسعافهم بمطلوبهم ، فكان موجب الحزن ، وهو الذهاب واقعا في الوجود ، فوقع الحزن لأجل ذلك بخلاف سبب الخوف ، وهو أكل الذئب إياه.

(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

الزمخشري : متعلق ب (أَوْحَيْنا) ، لا غير.

الطيبي : أي قراءة النون يعني أوحينا إلى يوسف هذا التهديد والوعيد في حقهم ، والحال أنهم لا يشعرون بهذا الوحي ، لأن إنباء الله إياهم لا يجتمع مع عدم شعورهم به بخلاف إنباء يوسف ، لأنه حصل مع عدم شعورهم ، وفيه نظر بجواز أن يتعلق بقوله (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ) وأن يريد بأنباء الله أيضا جزاء فعلهم لهم وهم لا يشعرون بذلك ، والظاهر أن هذا الإنباء هو قوله (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ).

(عِشاءً).

الزمخشري : رواه ابن جني [...] العين والقصر.

الطيبي : قال ابن جني : رواه عيسى بن ميمون ، فيكون عشوا من البكاء ، وطريق ذلك أنه جمع عاش وكان قياسه عشاة كعاش ومشاة ؛ إلا أنه حذف الهاء تخفيفا ، وهو يريدها ، وفيه ضعف ؛ لأنه قدر ما يكون هي ذلك اليوم لا يعشو منه الإنسان ، ويجوز أن يكون جمع عشوة أي ظلاما ، وجمعه لتفرق أجزائه.

(بِدَمٍ).

قال المفسرون : أن يعقوب لوث وجهه بذلك الدم.

فإن قلت : كيف فعل هذا والدم نجس؟ قلت : ملاقاة النجس أنما هي مكروهة ، وهذا محل حزن وذهول.

٣٧٨

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ).

لما ذكر ابن عصفور ما يلزم فيه حذف المبتدأ وما يلزم فيه حذف الخبر ، قال : وقسم يجوز فيه الأمران ، وهو ما عدا ذلك ، ومثله هذه الآية.

وقال ابن هشام في شرح" الإيضاح" ، وابن مالك : لا خلاف أن المصدر المنصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ، إذا ارتفع على الابتداء ، يجب حذف خبره ، وإذا ارتفع على الخبر يجب حذف مبتدئه كقوله :

شكى إلي جملي طول السّرى

صبرا جميلا فكلنا مبتلى

على رواية من رواه صبر جميل بالرفع ، وهذا خلاف ورجح بعضهم الأول ؛ لأنه على الثاني يكون مجرد دعوى ، وكان الشيخ ابن عبد السّلام يرجح الأول أيضا ؛ لأن الثاني يخالف قوله بعد هذا (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) ، فليس صبره صبرا جميلا.

(وَاللهُ الْمُسْتَعانُ).

على سبب وصفكم وهو الصبر.

(بِضاعَةً).

الزمخشري : نصب على الحالة ، أي أخفوه متاعا للتجارة.

الطيبي : كذا عن أبي البقاء ، قال صاحب" الفرائد" : ويمكن أن يضمن (وَأَسَرُّوهُ) معنى جعلوه ، أي جعلوه ميسرين ، فهو مفعول ثان.

قال ابن الحاجب : يحتمل أن يكون مفعولا من أجله ، أي كتموه لأجل تحصيل المال فيه ، لأنه كان على حال تقتضي التجارة ، وكتمانه خوفا من أن تمتد الأطماع من غيرهم ، ولا يجوز أن يكون تمييز الماوردي إليه من أن الإسرار كان للبضاعة لا له ، وهو خلاف المعنى ، وليس هو من باب عشرين درهما ، ولا من باب حسن زيد وجها الراغب البضاعة قطعة وافرة من المال ؛ يعني للتجارة ، يقال : بضع بضاعة وابتضعها ، والبضع بالكسر المقتطع من العشرة.

(وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ).

الطيبي : قال صاحب" الفرائد" : يمكن أن نقول تقديره ، وكانوا من الزاهدين فيه ، (مِنَ الزَّاهِدِينَ) ، من قبيل الإضمار على شريطة التفسير ، وقلت : الظاهر أنه ليس منه ؛ لأنه ليس بمشتغل عنه بل لضمير ، وإن الأصل كانوا من الزاهدين فيه على أن فيه ليس صلته ؛ بل متعلق بجملة محذوفة على السؤال ، كقوله تعالى (هَيْتَ

٣٧٩

لَكَ) ، كأنه لما قيل : كانوا من الزاهدين لم يعلم في أي شيء اتجه لسائل أن يقول في أي شيء زهدوا ، فقيل : زهدوا فيه ، وهو من قول الزجاج فيه ليس بصلة الزاهدين ؛ المعنى وكانوا من الزاهدين ؛ ثم بين في أي شيء زهدوا ؛ فإنه قال : زهدوا فيه وهذا في الظروف جائز ، وإما في المعقولات ؛ فلا يجز فيها ؛ لا يجوز كنت زيدا من الضاربين ؛ لأن زيدا من صلة الضاربين ، فلا يتقدم الوصول صلته.

وذهب ابن الحاجب إلى الجواز قائلا في قوله تعالى : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [سورة الأعراف : ٢١] ، الظاهر أن لكما في مثل هذا ونحوه ، متعلق بالناصحين ؛ لأن المعنى عليه ، فإن الملام إنما جيء بها لتخصيص معنى النصح بالمخاطبين ، وإنما قرأ الأكثرون من هذا لأن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول ، والفرق عندنا أن الألف واللام لما كانت صورتها صورة الحرف المنزل جزاء من الكلمة صارت كغيرها من الأجزاء التي لا يمنع التقدم ، ولذا لم يوصل بجملة اسمية لتعذر ذلك فيها ، وهذا واضح فلا حاجة إلى التعسف.

(أَكْرِمِي مَثْواهُ).

الفخر : هذا تعظيم ؛ لأن المشارقة عادتهم يقولون : السّلام على المقام العلي ، تنزيها بالاسم المكتوب إليه أن يذكر ، وتعظيما له ، وكذلك هذا لأن مثواه موضع إقامته.

(أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً).

إن قلت : اتخاذهم إياه ولدا محقق ، فكيف فيه معنى الترجي ، قلت : إنما يتخذونه ولدا إذا ظهرت لهم نجابته ومنفعته.

(وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ).

الطيبي : الضمير إما لله عزوجل ، فالجملة تذييل ، أي لا أحد فوقه فيفعل ما شاء لا أراد لما أراده ، وهذا صريح في مذهب أهل السنة ، ولكن أهل الاعتزال لا يعلمون ، وأما ليوسف فيكون تتميما لما دبره الله فيه ، أن العاقبة له ومعنى مغلوبية الأمر على التمثيل فإن المغلوب تذلل للغالب فيتصرف فيه من غير مانع.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ).

اختلفوا في حد بلوغ الأشد ، فقيل : ثلاثون ، وفيه ستة وثلاثون ، وقيل : عشرون ، ويدل على أنه ستة وثلاثون ، قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) [سورة الأحقاف : ١٥] ، لأن العطف يقتضي المغايرة ، واتفق الأطباء على أن بدن

٣٨٠