تفسير ابن عرفة - ج ٢

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٥٣

وفرق بين قولك : هذا افتراء على فلان ، أو هذا افتراء من غير فلان ، فمعنى الآية أنه افتراء على الله ، أي ليس المعنى أنه افتراء غير الله ؛ فإذا كان المعنى ما كان لأن يفتريه غير الله فمفهومه أن غير الله نقوله من غير افتراء ، وهذا ممكن ، وإنما المعنى ما كان لأن يفتري من غير أمر الله فمفهومه أنه يكون مفترى بأمر الله ، وهذا المفهوم غير موجود لاستلزامه التناقض ؛ لأنه من حيث كونه مفترى فهو لذنب على الله فكيف يكون بأمر الله ؛ فيكون كما قالوا في قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [سورة النور : ٣٣].

قوله تعالى : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ).

ابن عرفة : التفضيل إما راجع للكتب السابقة ؛ فيرجع التصديق إلى ما أخبر به من الأمور المستقبلة كأشراط الساعة وغيرها ، وإما أن يراد بالتفضيل أنه معجزة تتضمن الأحكام الاعتقادية فتوافق الكتب السالفة في أحكامها الاعتقادية لا الشرعية ؛ لأن الشرائع مختلفة وأحكام الاعتقاد متحدة.

قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ).

أي عند من أنصف ونظر النظر السديد فأدرك أنه لا ريب فيه.

قال أبو حيان : والاستدراك هنا في لكن على أصلها ؛ لأنها بين متناقضين.

ابن عرفة : فإن قلت : بل هي بين متماثلين ؛ لأنه إذا لم يكن مفترى فهو مصدق لما بين يديه ، فالجواب : أن الثناء باعتبار نفس الفعلين لا بين الجملتين ، كقولك : ما تحرك زيد لكن سكن.

قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).

وفي البقرة (مِنْ مِثْلِهِ) [سورة البقرة : ٢٣] فالمثلية هنا راجعة للقرآن ، وهناك للشخص الآتي.

قال ابن عطية : السورة مأخوذة من سورة النبأ وهي في القرآن القطعة التي لها مبتدأ وبها ختم ابن عرفة ، وكذلك الكلمة ؛ والصواب : أنها القطعة التي لا يصدق اسمها إلا على جملتها ، ابن عرفة : والإعجاز في الكتب السالفة وقع بجملة كل كتاب منها ، والإعجاز في القرآن وقع بكل آية منه.

ابن عرفة : وذكر ابن عطية هنا أن الإعجاز وقع بالكلام القديم الأزلي وهو باطل ؛ لأن المعجزة من شروطها الحدوث ؛ فكيف يقول : وقع الإعجاز بالمعاني من الغيب

٣٤١

لما مضى ، ولما يستقبل ؛ لأنه معلوم أنهم لا يقدرون على ذلك ، وكذلك قال الشاطبي في قوله تعالى : (مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ومن يقل بعلوم الغيب ، قلت : وأثبته [.....] لأنه فرق بين تكليف ما لا يطاق وبين الإعجاز بتكليف ما لا يطاق ؛ فلم يعجزوا أصلا بالإتيان بمثل الكلام القديم الأزلي ؛ لأنه ليس في قدرتهم ذلك بوجه ؛ ولأن المعجزة من شرط الحدوث ، فلو علله بكون المعجزة من شرطها الحدوث لصح له ذلك.

فكلام الشاطبي مثل كلام ابن عطية هنا ؛ لأن الشاطبي فهم أن المراد فأتوا بكلام قديم أزلي من عند الله ، كما أتى القرآن من عنده فأبطله الشاطبي بأنه من تكليف ما لا يطاق.

قال ابن عرفة : وهو ضعيف ؛ [٣٩ / ١٩٣] لأن تكليف ما لا يطاق عادة عندنا جائز ، فكيف يبطله؟! فإنه من تكليف ما لا يطاق ، وفرق بين التكليف بالحال وبين إلزام الحال.

قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).

الزمخشري : بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن ، وفاجؤوه في بداهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا تأكيد أمره ، وذلك لفرط نفورهم مما يخالف دينهم وخروجهم عن دين آبائهم كالناشىء على التقلد من الحشوية.

قيل لابن عرفة : الحشوية هم الحنابلة ، والزمخشري حنفي.

ابن عرفة : الحشوية عندهم المخالفون لمذهبه ، وعندنا هم المجسمة القائلون بالجثة والمكان ، قلت : وفي تلبيس إبليس للجوزي الحشوية طائفة من المرجئة كوجوب النافلة كالفريضة ، وانظر ما قيدت في سورة النمل في قوله تعالى : (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) [سورة النمل : ٨٤] ابن عرفة : وتكذيب الإنسان بما لم يعلم أشد ؛ فنجا من تكذيبه بما علم ، قدمهم أولا على التكذيب بما علموا ثم اضرب عنه بكونهم كذبوا به قبل العلم به ، قال : وكان بعضهم يأخذ من الآية مطلبين أحدهما : أنه لا يجوز لأحد أن ينكر علما من العلوم فلا يكذب به من يعلمه.

الثاني : إذا بحث ذاك فلا يرد عليه حتى يكرر كلامه ليعلم منه أنه فهمه ، وحينئذ يقبل منه الجواب عنه ؛ لأن الرد عليه تكذيب له وإبطال.

قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي لم يعلموه من حيث ليكمله لرجل لم يقرأ علم الفلسفة ولكن يعلم خاصيته ؛ وهو أن من خصائصه نسبة التأثير لغير الله عزوجل

٣٤٢

فيكذب به من أجل هذا ، وقيل إن معناه : ولم يطلعوا على عاقبه ، ومثاله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ابن عرفة : إن قلت : ما السر في جمع ضمير المستمعين وإفراد ضمير الناظر؟

فالجواب : أن الاستماع يقع من الجهات الأربع ، والنظر إنما يكون من جهة الأمام فقط ، فخلقت العجائب مع كلامه ، فيها كل من دار به لا ينظر إلى أفعاله إلا من هو قبالته ، فالسامعون لكلامه أكثر من الناظرين فنقله فكذلك جمعهم.

فإن قلت : لم أفرد السمع وجمع الأبصار مع أن متعلق السمع أكثر؟ فقال : لأن السمع مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه فلا يجمع ، والبصر اسم الخارجة التي يبصر بها فصح جمعه.

قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ).

قال ابن عرفة : هذا استفهام على سبيل الإنكار فهو في معنى النهي ، كقولك (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [سورة الروم : ٥] قال : ولو إنما تدخل على ما تستبعد وقوعه ، أو تستقرب ؛ كقولك : اكرم السائل ولو أتاك على فرس ؛ لأن إكرامه إذا أتى على فرس مستبعد ، ونفي إسماع غير العقلاء أظهروا بين مما نفي سماع الصم العقلاء ، فكيف أدخل عليه لو ؛ فإنما كان يقال : أفأنت تسمع من يعقل ولو كان أصم فيكون ظاهرا؟ وأجيب بوجهين :

الأول : أنه تنبيه على حرص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إسماعهم وإيمانهم.

الثاني : أن لو إنما دخلت في الكلام المثبت غير المنفي ، ودخل الاستفهام بعد ذلك على الجملة فهو نفي أخص لا نفي أعم ، فأصله أنت تسمع ولو كانوا لا يعقلون ، فدخل الاستفهام عليه فنفى الجملة ، كقولك : ما ضربت زيدا ضربا ، فنفيت الفعل المولد ؛ لأنك أكدت الفعل المنفي ، كقولك : أفأنت تقوم ولو كنت مقعدا ، أنكرت قيامه في هذه الحالة كما نفيت الضرب المولد ، وكذلك تقول : أفأنت تكرم زيدا وإن أساء إليك ، أنكرت إكرامه في هذه الحالة فأنكر هنا إسماع الصم في حالة عدم العقل.

قوله تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ).

انظر ما الفرق بين هذه ، وبين قوله في سورة القتال (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [سورة محمد : ٤] عطف الثاني هناك بإما وعطفه هنا بأو ، قال : وأجيب بأن إما للتفضيل ؛ فتدخل بين المتغايرين وإن لم يكونا متناقضين ، وأو لأخذ الشيئين أو الأشياء فتدخل بين النقيضين ، ولا شك أن المن والفداء يجتمعان

٣٤٣

فيمن على أشخاص ويفدي أشخاصا ، فدخلت إما لتفضيل حال هؤلاء من حال هؤلاء ورؤيته بعض الذي وعد لا يجتمع مع وفاته بل تناقضها فحسنت فيه أوقف له ثم الله شهيد على ما يفعلون ، وإما أن يريد في الآخرة فتكون حكاية حال ماضيه ، أو يريد شهيد في الدنيا على ما يفعلون فيها ؛ لأن الآخرة ليس فيها فعل بوجه يوجد إذ ليست دار تكليف.

وجعل أبو حيان جواب الشرط الأول مقدرا ؛ أي : وإما نرينك بعض الذي نعدهم ، فذلك يعارض ابن عرفة ؛ لأن قوله (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) إنما يجيء جوابا عن الثاني.

ابن عرفة : وهذا لا يلزم ، ونظيره قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) [سورة الحشر : ٣] لأن عذاب النار ثابت لهم مطلقا سواء كتب عليهم الجلاء ، أو لم يكتب.

قوله تعالى : (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

إن أريد لا يظلمون في القضاء فيكون تأكيد ، وإن أريد لا يظلمون مطلقا فيكون تأسيسا.

قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ).

وقال في الأعراف (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [سورة الأعراف : ١٨٨] ابن عرفة : لما تقدم ذلك (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) [سورة الأعراف : ١٨٧] ناسب تعقيبها بقوله (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) [سورة الأعراف : ١٨٨] ولما تقدم هذه (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بقوله (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) قلت : ولهذا أجاب ابن الزبير عن تقدم النفع هناك على الضرر ، وتأخيره هنا ، فقال : لما تقدم آية الأعراف سؤالهم عن الساعة ، وتكرر في قوله (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) [سورة الأعراف : ١٨٧] أي عالم بها ، وظاهر سياق الآية أنهم كانوا يظنون عليه بها ، والعلم بالشيء يقع لصاحبه ؛ قدم فيها نفي النفع ، ولما تقدم لهذه طلبهم تعجيل العذاب ، بقولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) استهزاء وتكذيب قدم فيها نفي الضر.

قوله تعالى : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ).

ابن عرفة : يؤخذ منه جواز حلف الشاهد على شهادته ، قاله بعضهم وهو يفيد قوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) قال : وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدمها (وَلَوْ أَنَ

٣٤٤

لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) فقد يتوهم أنه تعالى مفتقر إلى أخذ الفداء ؛ فنفى ذلك بقوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) الآية.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ).

نقل ابن عرفة هنا كلام الزمخشري وابن عطية ، ثم قال : ويحتمل عندي أن يكون المراد بالموعظة المعجزة ، وبالشفاء الإيمان ، وبالهدى فروعه ، وكانت هدى ؛ لأنها موصلة للسعادة ، وبالرحمة حفظ الأموال والنفوس ، وهي عامة بجميع المؤمنين ، ووقع العطف على الترتيب والتأخير كما هو في الوجود الخارجي.

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً).

يحتمل أن يكون من باب إطلاق السبب على المسبب ؛ فيكون الرزق حقيقة في الطعام وأطلق عليه اسم الإنزال ، ويحتمل العكس فيكون الرزق مجازا في الماء ، والإنزال حقيقة ، ولا دليل في الآية على أن الأشياء على الحظر والإباحة.

وقوله (مِنْ رِزْقٍ) قال أبو حيان : للتبعيض أو لابتداء الغاية ، قلت : بل لبيان الجنس ، ولا يصح التبعيض ؛ لأن رزقا مطلق إذ هو في سياق الثبوت فيصدق بصورة وبعض رزق واحد لا يعينه ليس برزق ، فإن قلت : إنه رزق ، قلت : أقول لفظ البعض يتناوله ، فإذا بعضته لم يكن جزاء رزقا.

قوله تعالى : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ).

قال أبو حيان : العامل في يوم ظن ، قلت : هو المفعول الأول ، والثاني : محذوفا.

قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ).

وقال : في سبأ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سورة سبأ : ١٣] فينفي الشكر الخاص عن القليل ، وهل الكثير هو الأكثر أم لا؟ قال ابن عرفة الكثير هو الأكثر.

قلت : بل هو لقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) [سورة المزمل : ٢ ، ٣] فسمى النصف قليلا ؛ فإذا كان قليلا فليس هو كثير [٣٩ / ١٩٤] فالكثير أنه إنما يصدق على ما فوق النصف ، وكذلك الأكثر.

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً).

٣٤٥

ابن عرفة : يؤخذ منها بأن الأصل في الأشياء الإباحة ؛ لأن الذم إنما ترتب على نفس التقسيم من غير اعتبار شيئين من الأقسام.

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ).

إشارة إلى ذم الاتصاف بأدنى الظلمة.

قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ).

الزمخشري : ما الفائدة في إسرارها؟ وأجاب بأنهم لشدة ما نالهم من الهول لا يقدرون على إظهار الندامة ، وزد بأن مذهبه أن القادر على شيء قادر على ضده ، وأجاب ابن عرفة : بأن ذلك عقلا ، وهذا أمر عادي فقط.

قوله تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

القضاء بالقسط كان تأكيدا ، وإن أريد لا يظلمون مطلقا كان تأسيسا.

قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

هذا احتراس ؛ لأنه لما تقدمها (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) أوهم أن المفتدى منه ينتفع بذلك الفداء فنص هنا على أن الفداء به كله ملكة فلا حاجة له في شيء من ذلك.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).

قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : الموعظة هي المعجزة ، والشفاء لما في الصدور هي دليلها ، والإيمان بها والهدى هو الأحكام والشرائع التي بيانها ، والرحمة حفظ الأموال والنفوس بالإيمان ، كما في الحديث : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (١) ".

__________________

(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٣٢ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ١١١٦٣ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٣٩٢٦ ، والبيهقي في السنن الصغير حديث رقم : ٥٩٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٥٥٣٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٣٩ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ٢٤٣١ ، والحسن بن علي الجوهري في مسنده حديث رقم : ٤١٠ ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه حديث رقم : ١٨١٠٧ ، وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم : ٣١٤٠٥ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء حديث رقم : ٤٣٤٤.

٣٤٦

قوله تعالى : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

إشارة إلى أن كذبهم غير مسند إلى ظن ظنوه أو توهم توهموه بل هو مجرد عند وافتراء ، أو يكون المعنى : أنهم كذبوا على الله وظنوا أنهم لا يؤاخذون بذلك إلى يوم القيامة.

قوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ).

إلى قوله (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) يؤخذ منه أن الله تعالى عالم بالجزئيات كعلمه بالكليات.

قوله تعالى : (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ).

ابن عرفة : هذا كقولك : أتعصي والله يراك ؛ لأنه أزجر له من أن تنهاه عن العصيان ، وإلا فرؤية الله تعالى سابقة قديمة ، وتعليقها محالة العصيان تنفيرا للعاصي عن فعله.

قيل لابن عرفة الرؤية لا تتعلق بالمعدوم على تقدير وجوده.

وقال الفخر : قوله تعالى : (شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) إن قلت : فيه إيهام ، فالجواب أن الشهادة أخص من العلم ، فلا يلزم من نفيها نفيه.

ابن عرفة : فيه نظر لبقاء السؤال في القدر الزائد ، فإن قلت : الشهادة بمعنى البصر تتعلق بالمعدوم على أنه موجود ، والعدم يتعلق به لا على أنه موجود.

قال بعضهم : قد يجاب بأن الفرق بين العلم والشهادة إنما هو في التسمية فقط ، فقيل : الوجود يسمى علما وبعده شهادة واستبعده ابن عرفة.

قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).

فيها دليل لمن يقول بنفي الجوهر الفرد عند مثبته ، فقوله تعالى : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) يقتضي القيامة.

قوله تعالى : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وإن جعلنا الاستثناء متصلا لأنه يوهم أنه يعزب مع أنه معلوم له.

٣٤٧

قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

على فوات محبوبهم ، أو لا يخافون لأن تفوتهم الجنة ، ولا يتعلق عزمهم إلا بطاعة الله لا يطمعون في جنة ، ولا يخافون فواتها ، ولا يحزنون على نقص لذاتهم في الدنيا.

قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

بعصمة دمائهم وأموالهم إلا بحقها ، وفي الآخرة بالنجاة من النار.

قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).

عبر بمن ....... (١) إما تغليبا للعاقل ، أو لأن العاقل أشرف ، فإذا ملكه فأحرى أن يملك غيره ، فهو تنبيه على الأعلى بالأدنى ، أو لأن ملكه لغير العاقل مقدم التنبيه عليه ، بقوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فإن قلت : لم كررت من في هذه الآية ولم يكررها في التي قبلها؟ فالجواب : أنه لما كانت أعم من التي قبلها اغنى ذلك العموم من تكرارها.

قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ).

ابن عرفة : هذه سالبة كلية ، والسالبة الكلية ، قال المنطقيون : إنها تكذب إذا فكيف هم؟ هذا مع أنهم جعلوا لله شريكا ، فكان بعضهم يقول : هؤلاء شركاء في اعتقادهم وليسوا شركاء في نفس الأمر.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً).

من باب حذف التقابل ؛ أي جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه ، والنهار مبصرا لتبصروا فيه.

قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).

عبر بالسمع لأنه أشرف وأعم من البصر ، والعرب يؤرخون بالليالي ...... (٢)

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

(٢) بياض في المخطوطة.

٣٤٨

كذا .......... (١) الأسبق في الأيكة وفي التاريخ ؛ فلذلك قال (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ولم يقل يبصرون ؛ لأن الليل محل السماع فقط.

قوله تعالى : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً).

ابن عرفة : هذا أخف من أن لو قالوا : ولد الله ولدا.

قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ).

ابن عرفة : إما تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكون قوم نوح كفروا به وضايقوا مضايقة شديدة ، وإما تخويفا لقريش أن ينزل بهم ما نزل بقوم نوح.

قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ).

فأحرى أن يطلب السحار.

قوله تعالى : (قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ).

قيل : ما موصولة مبتدأ والسحر خبر ، أو العكس ؛ لأن الموصولات في رتبة فاعل مؤخر بالألف واللام فقد تساويا ؛ لكن الخبر لا يكون إلا متساويا للمبتدأ ، وأعم منه والسحر يصدق على ما جاءوا به وعلى غيره ، فهو أعم لأن ما جاءوا به ليس إلا سحرا إن الله سيبطله.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ).

السين للتحقيق أو للاستقبال ، قيل له : بل لهما معا ، فقال : يلزم عليه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ؛ لأن كونها للتحقيق مجاز ، وكونها للاستقبال حقيقة.

قوله تعالى : (لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).

ولم يقل : يبطل عملهم ، فالجواب : أن ما أتوا به باطل ، والباطل قد ينصلح فأخبر عنه أنه يبطل ولا ينصلح.

قوله تعالى : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ).

أي يظهره.

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣٤٩

قوله تعالى (بِكَلِماتِهِ) يحتمل معنيين : إما أن المراد بوعده أي الحق الثابت في نفس الأمر بوعده وهو يضرهم على الكفار ، وتعجيزه لهم يظهره الآن ، ويحتمل أن يكون بكلمته ؛ أي بقوله (كُنْ فَيَكُونُ) ، وقوله (بِكَلِماتِهِ) يحتمل أن يتعلق بحق أو بالحق ، لكن قال الزمخشري في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [سورة الروم : ٢٥] هل يتعلق (مِنَ الْأَرْضِ) ب (دَعْوَةً) أو ب (دَعاكُمْ؟) قال إذا جاهر الله بطل لهم معقل وكذلك هنا.

قال ابن عرفة : يحتمل أن يقال ذلك ، إنما ذلك إذا اتخذ معنى التعلق فيهما ، وهو هنا مختلف ؛ لأن معناه في الأول : ويظهر الحق بكلمته الحق الثابت في نفس الأمر ، ومعناه الثاني : ويظهر الله الحق المصاحب لكلماته أو نحوه.

قوله تعالى : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

لو بمعنى إن ، وليست مثل : أكرم السائل ولو أتاك على فرس ؛ لأن تلك دخلت على ما يتوهم نفيه ؛ لأنه إذا أتى على فرس لم يكرم ، وكذلك (ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [سورة يوسف : ١٧] وهنا إذا كره المجرمون فإظهار الحق ثابت ولا يتوهم نفيه.

[٤٠ / ١٩٥]

والجواب أن المراد الإخبار بجهلهم وغباوتهم ، وأنهم في مقام يظن الظان بهم لو كرهوا ظهور الحق لم يظهر.

قوله تعالى : (آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

من عطف الخاص على العام.

قوله تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ).

يؤخذ منها جواز الدعاء على الكافر بالموت على الكفر ، وأجيب باحتمال أن يكون أوحى إليه أنهم لا يؤمنون هذا إن كان (فَلا يُؤْمِنُوا) منصوبا بالجواب ، قوله (اطْمِسْ) يحتمل أن يعطف على قوله (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) فلا يكون فيه دليل.

قوله تعالى : (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ).

يؤخذ منه جواز التقليد في العقائد ؛ لقوله (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) قيل : يدل على أنه لو قال هذه الكلمة قبل ذلك لا ينفع بها.

قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ).

٣٥٠

ابن عرفة : كان بعضهم يقول : معناه فإن كنت في شك من كيفية مما أنزلنا إليك من اختلافهم ؛ لأنه أنزل إليه الآية التي قبلها ، وهي (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي فإن وقع عندك شك في كيفية اختلاف الأمم السالفة ، فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بكيفية اختلافهم ، ابن عرفة : ويؤخذ من الآية أحد أمرين : إما أن خبر التوراة يفيد العلم ، ولنا جواز العمل بخبر الواحد ؛ لأن المسؤلين إما بالغون عدد التواتر أولا.

قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ).

ابن عرفة : الافتراء أخص من الشك ؛ لأن الشك هو التردد في أمر دليل قابل للظهور والخفاء ، والافتراء هو التردد في أمر دليله ظاهر قوي لا يخفى على أحد ، ويؤيد ذلك قوله (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).

قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ).

إما أن يراد فهل يقصدون في الانتظار بكم إلا مثل ما حل بالأمم السالفة ، أو يراد فهل حالهم في الانتظار لما يحل بهم إلا حال الأمم السالفة فهذا انتظار عن غير قصد.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ).

ابن عرفة : عادتهم يقولون : لم عبر في الأول بالمس وفي الثاني بالإرادة؟ فعادتهم يجيبون بأن المس أبلغ من إرادة المس ، فقصد في الأول تعليق الشرط بأقوى الأمور ؛ لأنه لا يفتقر إلى الشفيع والمكاشف إلا ضد عظائم الأمور ، وسرائرها وأما الخبر فقصد فيه التنبيه على أنه إذا وقع بك قليله فلا راد لفضله واسع كثير يأتي بأكثر منه ولا رد.

قوله تعالى : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ).

يؤخذ منها منع الوصية بالحج مع أن مالكا أجازها ومنع الاستئجار على الحج في الحياة.

قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ).

يؤخذ منه أنه ليس بمجتهد ، قلت : وتقدم لابن عرفة فيها في الختمة الأخرى بما نصه قوله (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) أي يظهره ، قوله (بِكَلِماتِهِ) يحتمل معنيين : إما بوعده بالنصر عليهم فيظهرهم الآن ، وإما بقوله (كُنْ فَيَكُونُ) قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما

٣٥١

أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) إما أن الرزق حقيقة في الطعام وأطلق عليه الإنزال من مجاز إطلاق اسم السبب على سببه أو العكس ؛ فالإنزال حقيقة في الماء وإطلاق الرزق على الماء مجاز ، قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) نفى عن الكثير مطلق الشكر ، وقال في سورة سبأ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سورة سبأ : ١٣] فأثبت للقليل أخص الشكر ؛ فدل بالمفهوم على نفيه عن الكثير وإثبات مطلق الشكر له ، فهل الكثير هو الأكثر أم لا؟ فيه نظر.

٣٥٢

سورة هود عليه‌السلام

قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ).

أشار الزمخشري إلى أن في الآية الطباق واللف والنشر ؛ أما الطباق فبين أحكام الآية وتفصيلها ، فإن قلت : ليس أحدهما ضد الآخر ، قلنا : أحدهما ليس نسب مع ضد الآخر ، وأما اللف والنشر ففي (حَكِيمٍ خَبِيرٍ).

قوله تعالى : (نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ).

قدم النذارة بوجهين ؛ أحدهما : إن وقع المؤلم آكد من طلب الملائم.

الثاني : أن النذارة لمن خالف ، والبشارة لمن امتثل ، وحالهم ابتداء إنما هي الكفر والمخالفة.

قوله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

إذا قلت : ما أفاد عطف التوبة على الاستغفار ، قلت : الاستغفار الندم على فعل المعاصي وطلب سترها فقط ، والتوبة كذلك مع زيادة العزم على ألا يعود ، فإن قلت :

كيف يفهم يمتنع المؤمن امتناعا حسنا مع ما ورد أن" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وراحته" (١) ، فالجواب : إما بأن ما ناله كل فريق منهما في الدنيا بالنسبة إلى ما يناله في الآخرة ليس بشيء.

الثاني : أن يمتنع المؤمن موصوف بكونه حسنا بخلاف الكافر.

قوله تعالى : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ).

ابن عرفة : الصواب في معناه أنتم تقولون إنه مفترى فاعلموا أن الله أنزله عالما [.....].

__________________

(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٥٢٥٨ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٦٩٣ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين حديث رقم : ٦٥٩٧ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٢٢٥٨ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٤١١١ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ١٠٠٨١ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ٢٢١٤ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٦٤٩١ ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية حديث رقم : ٣٢٣٠ ، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة حديث رقم : ٧١٧٣ ، والشهاب القضاعي في الشهاب في الحكم والآداب حديث رقم : ١٣٨ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء حديث رقم : ٩١٥٠.

٣٥٣

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) قيل : أي منقادون ، وقيل : أي مخلصون.

ابن عرفة : وهو أصوب لأنهم كانوا منقادين غير أن عبادتهم لله شركوا فيها غيره معه ، فطلب منهم إخلاصه لله عزوجل.

قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها).

ابن عطية : عن قتادة ، والضحاك هي خاصة بالكفار ، وعن مجاهد هي عامة فيهم ، وفي أهل الرياء من المسلمين ، قال : فعلى الأول معناه يتعمدها ويقصدها ولا يقصد به ، وعلى الثاني معناه يجمعها ويفصلها ويؤثرها على الآخرة.

قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ).

هو في الأول على ظاهره ، وفي الثاني عام باق على عمومه ويكون ليس لهم في الآخرة إلا النار مجاز فيتعارض فيه المجاز والتخصيص ، وكان بعضهم يقول : معنى قوله (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) أي ليس لأعمالهم جزاء بوجه ؛ لأنها أعمال خالطها الرياء فليس لها ثواب بوجه ، كقولك : ليس لفلان عندي إلا السيف ، وأنه لا تعاقبه ، وإنما تقصد عندك أنك لا تعظم شيء بوجه.

قوله تعالى : (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

قال ابن عرفة : هذا تأسيس وليس بتأكيد ، فقوله (وَحَبِطَ) إشارة إلى ما هو صحيح باعتبار أصله ، وعرض له ما أوجب فساده.

وقوله (وَباطِلٌ) إشارة إلى ما هو فاسد من أصله ، فكذلك أتى بلفظ الاسم ، والأول بالفعل هذا كعمل الكافر وعمل المسلم المرائي ؛ فمن قوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) والشرعي هو ما دل عليه كتاب موسى.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ).

إن قلت : ما أفاد قوله (مِنَ الْأَحْزابِ؟) فالجواب أن فيه تنكيتا على صناديد الكفار كأبي جهل ونحوه ، واختار ابن عرفة في (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أنها عامة في جميع المؤمنين من الأمم كلهم ، فقيل : فكيف يفعل في قوم نوح مع قوله (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) فقال : يتلوه شاهد منه هو النبي عليه‌السلام ، ومن قبله عائد على الشاهد لا على من كان على بينة.

قوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ).

٣٥٤

ابن عرفة : يؤخذ منها بأن الشك ليس هو أول الواجبات بل أولها النظر ؛ لأنه في الآية منهي عنه ، فلو كان واجبا لما صح النهي عنه يقول : الواجب غير منهي عنه فليس بواجب ، وأجيب بأن ذلك في الشك المطلق ، وهو في الآية مقيد بشيء خاص.

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى).

مع قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) [سورة البقرة : ١١٤] متناقض والجمع بينهما بوجهين : إما بتساويهما ، وإما بأن أحدهما عام مخصوص.

قوله تعالى : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ).

ولما نقل على الله مع أنه المناسب في الآية ، فالجواب أن عصيان المحسن إليك أشد وأشنع من عصيان العادل فيك ، فالغرض على من أسأت إليه ، وهو يحسن إليك أشد بأسا من العرض على من أسأت إليه وهو يعدل فيك.

قوله تعالى : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً).

فسر ابن عرفة بوجهين : إما ويبغون العوج فيها ، أو ويبغون العوج لغيرهم ؛ وهو إبعاده عنها ، وقال ابن عطية [٤٠ / ١٩٦] (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون الوصول إليها بطريق وهو قولهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [سورة الزمر : ٣].

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ).

أي خسروا نجاة أنفسهم وهذا مثل ما قالوا في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [سورة المؤمنون : ١٢] إلى قوله (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [سورة المؤمنون : ١٤] فيه الإنباء بما يأتي ، أو التهكم بما يأتي ؛ لأنه يأتي بلفظ يستدل به على ما يأتي بعده ؛ فلذلك قال عبد الله بن سعد بن أبي سرح (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤] قيل له : كذا تركت فارتد عن الإسلام ثم أسلم وحسن وحسن إسلامه.

قوله تعالى : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).

تأسيس والمراد أن الإنسان في الدنيا إذا نالته مشقة فإنه تأتيه أصحابه وأقاربه فيسألونه ويصبرونه ويأخذون بقلبه ، وهؤلاء في الآخرة يذهب عنهم جميع من كانوا يعتقدون أنه ينفعهم.

قوله تعالى : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ).

٣٥٥

هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى ؛ لأنهم إذا تضرعوا إليه مع استحضارهم رحمته ورأفته عليهم فأحرى مع استحضارهم قهره وعذابه ، قيل لابن عرفة : ذكر في فريق الكافرين لازم الجزاء ، وذكر هنا نفس الجزاء ، فقال في الأول (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة الرعد : ٥] [سورة الكهف : ١٠٥] ولم يقل (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ولم يقل في الثاني (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأجيب بوجهين :

الأول : أن في الآية حذف المقابل ؛ أي وهم أصحاب النار ، وفي الثاني (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وهم المفلحون.

الثاني : أن مقام التخويف يكتفى فيه.

قوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ).

احتج هنا المقترح لأهل السنة في أن الله تعالى يخلق الخير والشر ويريدهما ، وأجيب بما قال ابن الأثير من أن ملازمة الشيء للشيء لا تدل على وقوعه ولا على إمكان وقوعه حسبما تقدم في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [سورة البقرة : ١٠٦] ، وتقدم الرد عليه بأن سياق الآية يدل على ذلك لأنها سيقت للمدح ؛ وذلك دليل على الوقوع ولذلك هذه سيقت للذم فتدل على الوقوع ، وأجاب بعض الطلبة بأن الشرط الثاني جواب للشرط الأول ، والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ، ونصحه وعدم نصحه واقع فوقوع الجواب يدل على وقوع الشرط ، ورد ابن عرفة بأن الشرط ملزوم وجوابه لازم ، ولا يلزم من وقوع اللازم وقوع ملزومه بوجه بل يقع وقد لا يقع.

قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا).

جمع الأعين ، وقال في طه (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [سورة طه : ٣٩] فأفرد الجواب أن الفلك هنا حفظ لنوح ولقومه ، فلذلك جمع الأعين والحفظ في طه لموسى فقط.

قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها).

الضمير عائد على نوح أو على الله وما قبله يدل على أنه لله تعالى ، لقوله (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) ويكون التفاتا بالخروج من التكلم إلى الغيبة ، وما بعده يدل على أنه لنوح لقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فإن قلت : المناسب هنا وصف القهر والغلبة ، قلنا : وصف الرحمة أنسب لأنه نسب نوحا إلى عمل السفينة لينجو فيها هو وقومه.

قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ).

٣٥٦

ولم يقل : مع المغرقين إشارة إلى أن من له عقل وهمه ينبغي أن يكون تحفظه على صون نفسه ؛ لأن حفظ الأديان له من حفظ النفوس ، وذكر هنا الزمخشري وابن عطية أن هذا الولد لم يكن ابن رشد ، وإنما كان ابن زنا ، قال ابن عرفة : وعادتهم ينكرون هذا فإن الأنبياء معصومون من أن ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم ، قال : والدليل على ذلك قوله في سورة التحريم (فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) [سورة التحريم : ١٠] فدل على أنه طلب نجاة زوجته من العذاب فلم يسعف بمطلبه فهو بريء من ذلك ، ولو كان له في ذلك من ذلك ذنب لما كان في نسبة أن يطلب نجاتها من العذاب.

قوله تعالى : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ).

قال ابن عرفة : هذا على أسلوب المنطق من أن المرجئة الجزئية ترتفع بالسالبة الكلية ، قال : ويعصمني إنما هو بمعنى يحفظني وإن جعلنا بمعنى فيرد فيه إشكال وهو أن المتبادر للفهم إن كان يقال بمنع الماضي ؛ لأنه هو الذي يتضرر بالماء وينسب فيما يمنع الماضي أن يضره.

قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ).

استثناء إما منفصل أو متصل ؛ فإن كان المراد لا معصوم ؛ أي لأن العصمة [.....].

قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ).

أي ذو لبن وذو تمر ، وإما أن المراد إلا الراحم ، والراحم هو الله تعالى لا غيره ، وجعله ابن عطية مستثنى من المفهوم فهو ، كما يقول الزمخشري : مستثنى من أعم الأعم ؛ لأن نفي العاصم يستلزم نفي المعصوم باستثناء المرحوم من رحم لازم لا بها ، وقيل : إنه استثناء منقطع ، قال : وعادة الطلبة يقولون : جاء الحكم في زيادة لفظ اليوم مع أن العاصم من أمر الله منفي مطلقا ، قال : فمفهومه أنه موجود في غير ذلك اليوم ، قال : وأجيب بأنه مفهوم موافقة ؛ لأن الإنسان ما يطلب على العاصم والمنجي إلا عند نزول الشدائد به والمصائب ، أما إذا كان بمنجاة منا فلا يطلب عليه بوجه فإذا انتفى العاصم حالة الحرص على طلبه والحاجة إليه فأحرى أن ينتفي حالة عدم الحرص على طلبه والبحث عنه.

قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ).

٣٥٧

والماء فيها الجلال في إيضاح بيانه ، ابن عرفة. : وعادتهم يوردون فيها سؤالا وهو أن العادة المألوفة في الأراضي أن الإنسان يشتغل أولا بدفع الماء الوارد عليها قبل اشتغاله بزوال ما حصل فيها ، وجاءت الآية على العكس ، وأجيب بوجهين :

أحدهما : أن الماء كان يطلع من الأرض مثلما ينزل من السماء فهو أكثر لأن الأرض فيها ما فيها وما في السماء.

الثاني : أن المقصود حصول استقرار السفينة فكان الأهم البداء بالأرض التي تستقر فيها إذا بلغت ماءها ، قال : وكان بعضهم يقول أن في الآية اللف والنشر ، فقوله (وَغِيضَ الْماءُ) راجع لقوله (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي).

قوله تعالى : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).

ابن عرفة : هذا السؤال بعد وقوع ما وقع إنما هو ليبين له فهم ما وقع عنده فيه وهم وإشكال ، وأورد الزمخشري هنا سؤالا ، قال : كيف عطف هذا بالفاء مع أن الجملة الثانية في معنى الأولى ؛ فالمناسب فيها الوصل لا الفصل؟ وأجاب بأن المعنى أراد النداء (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) فهو من عطف المسبب على السببية ولو أراد النداء نفسه ؛ لجاز بغير عطف كقوله (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [سورة مريم : ٣ : ٤] ابن عرفة : وكان بعضهم يقول في هذا بإن كان النفع بالنداء راجعا للمنادي فإنه لا يؤتى فيه بحرف العطف ولا بلفظ قال ، كقوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً) [سورة آل عمران : ٣٩] ، وإن كان النفع راجعا للمنادي ؛ فإن لم يكن فيه بعد وغرابة فإنه يؤتى فيه بقال دون حرف العطف ، كقوله (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) إذ لا غرابة في تضرع المخلوق للخالق ، وإن كان فيه بعد وغرابة فإنه يؤتى فيه بقال مع حرف العطف ، فهذه الآية إشعار بأن هناك مقدر ؛ أي ناداه وخشع له وأظهر الذلة والافتقار (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).

قوله تعالى : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).

لي معنى مقدمتين ، أي وكل أهلي ناج بوعدك الحق الصدق فإنني ناج ، قال : وكان بعضهم يقول : في الآية حجة للمعتزلة القائلين بأن الأمر يستلزم الإرادة ؛ لأن قبلها (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) ففهم نوح عليه‌السلام من أمره له بحمل أهله وعده له بسلامة من يحمله معه ، فدل ذلك على أن الأمر يستلزم الإرادة إذ لو لم يستلزمها لما قال نوح (وَعْدَكَ الْحَقُ) وأجيب بأنه إنما فهمه من القرائن

٣٥٨

الحالية لا من لفظ الأمر ، وأخطأ ابن عطية هنا في أمرين ؛ أحدهما أنه قال : وقرأ بعضهم (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وهي [٤٠ / ١٩٧] قراءة الكسائي : وردت هذه القراءة أم سلمة وعائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وضعفها الطبري وطعن في الحديث ؛ لأنه من طريق شهر بن حوشب ، قال ابن عرفة : فتح الميم غير متواترة وهذا خطأ ، الثاني : قوله في ولد نوح إذ ليس يؤكده ، وأن امرأته خائنة فيه ، وأخطأ أبو حيان وقال : قرأ حمزة والكسائي (فَلا تَسْئَلْنِ) بالنون والياء وليس ...... (١) إنما قرأ بالنون غيرنا.

قوله تعالى : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).

وقال في سورة الأنعام (لَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) [سورة الأنعام : ٣٥] وتكلم عليها ابن عطية هناك ، وتقدم لنا نحن الكلام عليها بما فيه كفاية.

قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ).

ابن عرفة : كان بعضهم يقول : معناه أن أسألك ما ليس لي به علم بإباحة السؤال عنه ، ولا يسأل الإنسان إلا عن ما ليس له به علم ، وقال (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) بلفظ المستقبل ، وكذلك في سورة قد أفلح (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) [سورة المؤمنون : ٩٧] ، وقال في سورة الدخان (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) [سورة الدخان : ٢٠] بلفظ الماضي ، فكان بعضهم يقول : حكمة ذلك أنه إن كان المستعيذ تقدمت منه حالة منافية لحالة الاستعاذة ؛ فيؤتى بفعل الاستبعاد مستقبلا ، ونوح عليه‌السلام تقدم عنه السؤال ، وموسى عليه‌السلام ينتهي عنه سؤال.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ).

قال أكثر النحويين على أن حتى حرف غاية ، وأن الغاية لازمة لها مطلقا ، وقال ابن خروف في شرح سيبويه ، قوله تعالى : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوج يطلق على الذكر وحده وعلى الأنثى وحدها ، لقوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) [سورة الأنعام : ١٤٣] ، ولو كان إنما يطلق على مجموع الزوجين لقال أربعة أزواج ، وقدم الحيوان غير العاقل على الأهل ؛ لأنه أقل لهم قدرة على القيام بأنفسهم بخلاف غير العاقل.

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٥٩

قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ).

نص ابن عصفور على أنه لا يجوز استثناء المجهول ، فلا يقول : قام القوم إلا رجال ، وأجيب بأن من سبق عليه القول مجهول الذات ، معلوم الوصف ، كما نقول : قام القوم إلا الغفلاء.

قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها).

ابن عرفة : على مقتضى تركيب هذه الآية يكون قول القائل : بسم الله عند أكله مريدا به آكل بسم الله أبلغ من قوله : بسم الله يريد به أبدأ بسم الله ؛ لأنه في الأول ناله بركة التسمية في جميع الطعام ، وكذلك اقتضت إلا أنه اسم الله مصاحب لها في [...] من أوله إلى آخره.

قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ).

قال ابن عطية : الاستغفار طلب المغفرة وبكونها المشار فيها [...] القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود الحجة الواضحة ، وهذه أحواله يمكن أن تقع من الكافرين فكأنه قال لهم : اطلبوا غفران الله بالإنابة ، وطلب الدليل في ثبوتي ثم توبوا بالإيمان من أمركم ، ثم تكلم ابن عطية بكلام كثير ، ورده ابن عرفة : بأن التوبة من الكفر لا يحتاج فيها إلى الندم على الكفر بوجه مغفور له كلما سلف فيه ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله ؛ بخلاف التوبة من المعاصي فإنها مظنونة فلا بد فيها من الندم على ما فات.

قوله تعالى : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً).

قال ابن عرفة : كان بعضهم يأخذ منه أنه أعم بالمعجزة ؛ لأنه أمرهم بأن يكيدوه فلم يقدروا مع أن الجماعة إذا اجتمعوا على الواحد يغلبونه من غير كيد فأحرى مع الكيد.

قوله تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها).

قال ابن عرفة : هذا من العام الباقي على عمومه ، قيل له : إن الناموس والنحلة وغيرهما لا ناصية لها ، فقال : ناصية كل شيء بجنسه ، أو ليس المراد حقيقة الناصية بل المراد القدرة على الأشياء والاستيلاء عليها.

قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ).

٣٦٠