تفسير ابن عرفة - ج ٢

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٥٣

قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ).

فإن قلت : ما أفاد قوله تعالى : (بِالْقِسْطِ). قلنا : فائدته لو لم يذكر للزم عليه أن لا يخرج من العهدة إلا بالزيادة الكثيرة على الواجب ، فلما قال (بِالْقِسْطِ) أفاد أن أول جزء زائد يخرجه عن عهدة الوفاء بالعدد الواجب ؛ لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب ؛ كأخذ جزء من الرأس في غسل الوجه ، والزيادة على المرفقين في غسل الذراعين ، وصوم جزءا من الليل في رمضان ؛ فإن قلت : عبر في الكيل بالمصدر دون لفظ الآلة التي يقع بها الكيل ، وعبر في الوزن باسم الآلة دون المصدر ، هلا قيل : فأوفوا المكيال والميزان ، أو يقال : أوفوا الكيل والوزن بالقسط ؛ فما السر في ذلك؟ فعادتهم يجيبون بوجهين :

الأول : أنه من حذف التقابل ، أي وأوفوا الكيل والميزان بالقسط.

والثاني : أن الخبث يقع في [٣٢ / ١٥٩] الكيل باعتبار الوجود الخارجي أكثر من الخبث في الوزن ، والخبث في الميزان باعتبار الوجود الخارجي أكثر من المكيال ؛ فالخبث أكثر وجودا يقع في الكيل لا في المكيال وفي الميزان لا في الوزن.

قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة : ٢٨٦] ظاهره تكليف ما لا يطاق غير واقع ، وهذه تدل على عدم جوازه أم لا ؛ الظاهر أنها دالة على اعتقاد جوازه إذ لو لم يكن جائزا لما احتيج إلى نفيه ، وهل هو راجع للجزء الثاني أو للجميع ، الظاهر رجوعه للجميع بأن الأحسنية في قرب مال اليتيم مقولة بالتشكيك ولها درجة ، ثم أحسن من شيء في أول درجة الحسن ، وأن التكليف إنما وقع في الدرجة الأولى في الأحسنية.

قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا).

هذا في حفظ الأعراض وهو واجب ، فهو راجع إلى عدم القرب بالقول.

قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا). هذا في حفظ الأعراض وهو واجب ، فهو راجع إلى عدم القرب بالقول.

قوله تعالى : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا).

إما أن المراد الوفاء بالأيمان وعدم الحنث فيها أو العهد هو الحكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ).

ابن عرفة : فيه قراءات :

٢٠١

فمن فتح الهمزة وشدد النون فمعناه : ولأن هذا صراطي مستقيما ؛ أي اتبعوه لكونه مستقيما ، هذا عطف جملة على جملة.

قال بعضهم : ويحتمل أن يكون هناك مقدر ؛ أي : لأن هذا صراطي مستقيما يتبع فاتبعوه ، فلو أن الفاء عاطفة ما بعدها على فعل مقدر وهو أولى من الأول ؛ لأنه علة لما بعده فلا يتقدم على الفاء ، ابن عطية : وصف الله تعالى طريقا واحدة هو صراطا مستقيما طريق محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وشرعه ونهايته الجنة ، وتتشعب منه طرق في سلك المارة فحال من خرج إلى تلك الطرق ابعث به إلى النار.

ابن عرفة : هذا كما تقدم في أول السورة ، في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فقيل له : كيف تعمل في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [سورة العنكبوت : ٦٩] طريق الحق متعددة ، فقال : نعم ولكنها مآلها إلى شي واحد وهو التوحيد بالله والتصديق بأنبيائه ، وطرق الباطل كل واحد منها مستقل بنفسه لا يؤول إلى شيء واحد ؛ لأن قوما يعبدون النجوم ، وآخرون يعبدون الأصنام ، وآخرون يعبدون الربوبية.

قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).

دليل على أن المعاد مستفاد من السمع ؛ لأن الإيمان هو التصديق ، والتصديق على أنه مصدق به وهو الدليل السمعي الخبري لا العقلي.

قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ).

قال ابن عرفة : لما تضمن الكلام السابق تفضيل بني إسرائيل بإرسال موسى إليهم ، وتفضيل موسى بالكتاب المنزل عليه ؛ عقبه ببيان تفضيل هذه الأمة بإرسال محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم وأنزل القرآن عليه ، وظاهر كلام المفسرين أن الإشارة إلى جميع القرآن وليست الآية من آخر ما أنزل ، فيكون كقول سيبويه : هذا باب كذا فهو إشارة إلى المستقبل المقدر الوجود ، كقول الموثقين : هذا ما أصدق فلان.

قوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا).

يحتمل أن يرجع اتبعوه إلى امتثال أوامره ، (وَاتَّقُوا) إلى اجتناب مناهيه ، ويحتمل أن يكون الأمر بالاتباع عاما في امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، واتقوا راجعة إلى التحرز من عقاب الله عند عدم امتثال أمره ونهيه.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا).

٢٠٢

أي : أنزلنا القرآن عليكم لئلا تقولوا : أنزلنا الكتاب على موسى ولم ينزل علينا ولا قرأه علينا أحد من الطائفة المنزل عليهم بحيث نسمعه ، والكتاب هنا واحد بالنوع فيتناول هنا اليهود والنصارى.

قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ).

القرآن بينة لكونه بإعجازه شاهدا على صدق الرسول فالرسول مدع له على دعواه ، بينة وهدى ؛ لأنه مرشد إلى الطريق الحق ، ورحمة إشارة إلى أن بعثه الرسل وإنزال الكتاب محض تفضل من الله تعالى أن لا يجب عليه شيء.

قيل لابن عرفة : أو يريد البينة دليل التوحيد ، وبالهدى الأحكام ، وبالرحمة المواعظ والمذكرات على الثلاثة.

قوله تعالى : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ).

قال ابن عرفة : تقدمنا فيها سؤال أن التكذيب بالآية أعم من الصدف عنها ؛ لأن المكذب بالآية قد يصدف وقد لا يصدف ، والمصدف هنا مكذب بها لا محالة ، وترتيب الجزاء على الأعم يستلزم ترتيبه على الأخص من باب أحرا ، فهلا قيل :

سنجزي الذين [٣٣ / ١٦٠] يكذبون بآياتنا سوء العذاب؟ ، قال : وعادتهم يجيبون بأن الصدق أعم وبيانه بامتثال إذا سألت عن القراءة على زيد ، فتقول : إنه لا يدري شيئا بوجه ، فهذا التكذيب يستلزم الصدق بلا شك ، وتارة تقول للسائل بالإجابة لك بالقراءة عليه : اترك ذلك واشتغل بما هو أهم عليك فأنت صدقته ولم تكذب بعلمه ، ويحتمل أن يكون معتقدا علمه وكرهت قراءته عليه ، ويحتمل أن يكون معتقدا أنه جاهل فظهر أن الصدق أعم من التكذيب.

قيل لابن عرفة : بأن ذلك لو رتب على الأخص مطلق الجزاء فلا يرد السؤال إلا لو قيل : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا) ، وهنا إنما رتب على الأخص من العذاب ، فقال : بل الأخص هو أخذ سوء العذاب لا العذاب.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها).

قرئ لا تنفع.

قال ابن عطية : وأنث الفعل ؛ لأن فاعله مضاف إلى ضمير النفس وهي مؤنثة ، ورده أبو حيان بأن ذلك إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه ، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه ، قال : وإنما وجهه عندي أنه على تقدير لا تنفع نفسا ثبوت إيمانها

٢٠٣

ومنفعة إيمانها ، وأجاب ابن القصار بأنه لما أضيف الفاعل إلى الضمير حصلت بينهما ملابسة بالإضافة فأنث الفعل لأجل ذلك ، ونظير قول الشاعر وقول الآخر :

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

وقوله :

إذا بعض اليسير بعدمها

فيصح تأنيث الفعل إذا كان فاعله المذكر مضافا إلى مؤنث بشرطين :

أحدهما : أن يكون المضاف بعض المضاف إليه أو كبعضه.

والثاني : أن يصح إطلاق الثاني والمراد الأول.

قوله تعالى : (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).

قال الزمخشري : (أَوْ كَسَبَتْ) عطف على (آمَنَتْ) والمعنى أن اشتراط الساعة إذا جاءت وهي آية ملجئة ذهب أوان التكليف عندنا فلم ينفع الإيمان غير متقدمة إيمانها غير كاسبة خيرا ولا بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان.

قال الطيبي عن صاحب الإنصاف : أراد الزمخشري الاستدلال على أن الكافر والعاصي في الخلق سواء حيث سوا بينهما في الآية في عدم الانتفاع إنما يستدرك أنه بعد ظهور الآية ولا يتم ذلك ، فإن هذا في البلاغة يلقب في اللف والنشر وأصله : يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة من قبل إيمانها بعد ولا نفس لم تكسب في إيمانها خيرا ، قيل : ما تكسب من الخير بعد ، ويظهر بذلك أنها لا تخالف مذهب أهل الحق فلا ينفع بعد ظهور الآية اكتساب الخير وإن نفع الإيمان المتقدم ، انتهى.

قال ابن القصار : وما قاله تفسير بالمعنى وهو حق ، وأما ما يقتضيه الإعراب على هذا التغيير فإنه والله أعلم حذف حرف العطف والمعطوف لدلالة ما بعده عليه ، والتقدير لا ينفع نفسا إيمانها أو كسبتها في إيمانها خيرا ما لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، فيكون كما قال : من باب اللف والنشر ، فعطف كسبتها على إيمانها الفاعل في ينفع ، ثم حذف لدلالة قوله : (أَوْ كَسَبَتْ) وحذف حرف العطف والمعطوف جائز إذا فهم المعنى ، قال : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أي : والبرد ، ومنه قول العبيدي :

فما أدري إذا لم أجد

وجها أريد الخير فيهم يليني

٢٠٤

والخير الذي أنا أبتغيه

الشر الذي هو يبتغيني

أي أريد الخير أو الشر.

قال الطيبي ، وقال ابن الحاجب : في الأمالي قيل : معنى الآية الإيمان نافع وإن لم يكن معه عمل صالح ، ومعنى الآية لا تنفع نفسا إيمانها ولا كسبها وهو العمل الصالح ، (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) الآية.

قال ابن القصار : هذا ما يقتضي أن قوله : (أَوْ كَسَبَتْ) معطوف على إيمانها فهو فاعل مثله وهذا مذهب كوفي.

ذهبت طائفة من الكوفيين منهم : هشام ، ومحمد بن يحيى إلى أن الجملة تكون فاعلا ، فأجازوا يعجبني بقوم زيد ويسرني يا عمرو ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، واحتجوا بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [سورة يوسف : ٣٥].

قال الشاعر :

وما راعني إلا سرار نعاته

ومنع من ذلك البصريون ، وتأولوا الآية إذا الفاعل بدا مضمر تقديره : بدا لهم بدا ، وليسجننه تفسيرا لذلك البداء المضمر وما قوله : وما راعني الأيسر بشرطه ، فالتقدير عندهم الأيسر بشرطه فإن [٣٣ / ١٦٠] مع الفعل بتأويل المصدر فاعل راع ، ابن عرفة : ثم حذفت أن فارتفع الفعل والدليل على حذف أن المصدرية وقعا مع الفعل قول الشاعر :

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغا

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

التقدير : إن أحضر بدليل عطف المنصوب عليه ويمكن تأويل الآية على هذا التقدير : لا ينفع نفسا وإن اكتسبت في إيمانها خيرا فحذف إن ، كما حذف في قوله : أحضر الوغا ، ولا تحذف من الماضي كما حذفت في المستقبل حسبما أنشد عليه ابن عصفور في شرح الإيضاح :

قالت أمامة لما جئت زائرها

هلّا رميت ببعض الأسهم السود

لا درّ درّك إني قد رميتهم

لو لا حددت ولا عذر لمحدود

قال ابن عصفور : لو لا جددت فحذف إن والمعنى يدل عليها أي لو لا مدى أنشده في لو لا أنها لا تقع بعدها عند البصريين إلا المبتدأ ، انتهى.

٢٠٥

وقال أبو حيان : قوله تعالى : (أَوْ كَسَبَتْ) عطف على قوله (آمَنَتْ) والظاهر من الآية أن نفي سبق الإيمان فقط ، وإما نفيه مع نفي كسبت الخبر ، ومفهومه أنه يقع الإيمان السابق وحده أو سبق ومعه الخبر ، انتهى.

قال ابن القصار : معناه أنه إذا انتفى الإيمان السابق قبل ظهور الآية كان معناه الخبر أو لم يكن ينفي أيضا الإيمان الذي معه الخبر لا ينفعها ما أحدثت منهما بعد ظهور الآية ؛ أي من الإيمان المقارن للخير أو غير المقارن ، أو من الإيمان المقارن للخير ، وانظر كيف يفهم هذا من الآية فإن هذا التفسير بعيد من الإعراب جدا والذي يلتمس له ، والله أعلم أنه لما جعل (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها) معطوفا على (آمَنَتْ) الذي هو خبر ، لقوله : (لَمْ تَكُنْ) فهو منفي مثله صار تقديره : أو لم تكن كسبت في إيمانها خيرا وهو من باب.

على لاحب لا يهتدي بمناره

أي لا يتأوله ولا يقع الهداية ، ومنه : هذا يوم لا ينادي وليده ؛ أي لا يحضر وليد فيناديه ، فيكون التقدير : لم يكن لها إيمان فيقع بسببه كسب الخير ، قال ابن القصار : والآية يجب تأويلها وإخراجها عن ظاهرها ، لقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة (١) " أما ما ورد من أحاديث الشفاعة التي كادت أن تبلغ مبلغ التواتر والعموم.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء : ٤٨].

قال الطيبي : قال الإمام ابن الخطيب يعني أن أشراط الساعة إذا ظهرت ذهب أوان التكليف عندها لا ينفع الإيمان نفسا ما آمنت من قبل وما كسبت في إيمانها خيرا من قبل ذلك ، قال ابن القصار : مراده لا ينفع الإيمان نفسا لم تجمع بين أمرين لا ينفعها إيمان بعد ذلك ، ولو أراد توزيع الصنفين على شخصين للزمه مذهب المعتزلة.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً).

قال ابن عرفة : أفاد قوله أنهم تنوعوا طوائف طوائف وهو أشنع ممن لو كان كل واحد منهم يتبع دينا ؛ لأنهم في هذه الحالة اجتمعوا جماعة الضلال.

قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ).

__________________

(١) أخرجه الترمذي في جامعه حديث رقم : ٨٩٨.

٢٠٦

قال ابن عرفة : هذا على سبيل الفرض والتقدير لئلا يلزم عليه التسلسل.

قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ).

لئلا يتوهم أن جزاء السيئة عشرة أمثالها.

قوله تعالى : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

أما بالنسبة إلى السيئة فظاهر ، وأما بالنسبة إلى الحسنة فجعل كأن الجزاء عليها بعشرة أمثالها واجب أوجبه الله تعالى على نفسه تفضلا ، وكأنه واجب بالأصالة فالنقص منه ظلم فلذلك وهم لا يظلمون.

قوله تعالى : (دِيناً قِيَماً).

يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه قائم دائم إلى قيام الساعة لا ينسخه شيء من الأديان.

الثاني : أن برهانه دائم والأدلة الدالة على حقيقته قائمة يوصف هو بوصف دليله ويجعل قائما.

قوله تعالى : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ).

أي المتمسك به إبراهيم ، ولذلك قال الأثيري في كشف الحقائق لما تكلم في التوحيد : قال المليون المتمسكون بشريعة ما بالإطلاق.

قوله تعالى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

إن قيل : يلزم عليه المفهوم ، فهلا قيل : وما كان مشركا ، فيجاب بأنه كما قيل (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [سورة فصلت : ٤٦] والجواب كالجواب أي لو تصور في حقه إشراك لما كان إلا هكذا ؛ لأن قليل الذنب من العظيم عظيم.

قوله تعالى : (وَمَحْيايَ).

فيه التقاء الساكنين على قراءة قالون ، ومن وافقه في التقاء الساكنين وهو كثير في حروف [٣٣ / ١٦١] المد واللين ، وأما في غيرها فورد في إدغام أبي عمرو.

وقال الشاطبي في قراءة البزي وفي التوبة (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ) [سورة التوبة : ٥٢] القراء هل تربصون عنه ، وجمع الساكنين هذا بخلاف كذلك ذكروا في (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ) [سورة لقمان : ٢٨] على أحد الروايتين عن أبي عمرو.

وقوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ).

٢٠٧

ابن عرفة : هذا من المذهب وهو الإتيان بالحكم مقرونا بدليله ؛ لأنه إذا كان رب العالمين والصلاة والنسك له لا لغيره.

قوله تعالى : (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ).

فيه أن النهي عن الشيء غير الأمر بضده ، بقوله (لا شَرِيكَ لَهُ) فهو منهي عن الإشراك فسمي النهي عن الإشراك أمر بتركه ، قيل له : هذا إذا كان مأمورا بهذا اللفظ ، وهو أن يقول : (لا شَرِيكَ لَهُ).

قال ابن عرفة : وفيها أن المندوب غير مأمور به ؛ لأن ظاهر الآية وجوب التبري من الشرك ، ولو كان المندوب مأمورا به لما اقتضت الآية وجوب التبري من الشرك واللازم باطل ، والملزوم مثله.

قوله تعالى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

الأولية إما حقيقة ، وإما باعتبار الشرف ، قيل له : إبراهيم هو الأول ، فقال :

الإسلام راجع للأحكام التكليفية وشريعة نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم مخالفة لشريعة إبراهيم صلّى الله على نبينا محمد وعليه وعلى آلهما وسلم.

قيل له : قد قال (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) [سورة النحل : ١٢٠] فقال : إسلامه غير إسلام نبينا ، وشرعه مخالف لشرعه.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ).

أي يخلف بعضكم بعضا.

قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا).

قال ابن عرفة : الغيران أعم من المخالفين ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص.

قوله تعالى : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ).

يؤخذ من ظاهر الآية مرجوحية إطلاق لفظ أبغي على الله تعالى ، ومرجوحية إطلاق لفظ الرب على غير الله تعالى ، ولا يقال : رب الجنان ولا رب الدار ؛ وقيل الأولى ملك الجنان ومالك الدار.

قيل له : قد قال تعالى (قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) [سورة يوسف : ٥٠] ، وقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " تعس رب الدرهم والدينار" وهذا دليل على الجواز ، فقال : إنما قلنا الأولى عدمه.

٢٠٨

قوله تعالى : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ).

لا تدخل فيه ذات الله ولا صفاته لئلا يلزم حدوثها.

قوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها).

أخذ منه ابن العربي أن بيع الفضولي لا يصح وإن أجازه ربه.

ابن عرفة : والمفعول محذوف أي ولا تكسب كل نفس سيئة إلا عليها.

قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).

فيكون الفاعل ضميرا عائدا على النفس وهو أحرى ؛ لأن النفس الوازرة معلوم أنها لا تحمل ؛ لأنها مثقلة ، والنفس المثقلة لا تحمل شيئا شرعا ؛ لأن من أتى بضامن أو حميل إنما يقبل من حميل له ذمة خالية من الدين ولا يقبل منه حميل مديان بوجه ، وأما هنا فلأن النفس المثقلة بالحمل لا يستطيع أن يزاد عليها غيره.

قيل لابن عرفة : ينكر عليك هذا ، فيقال : قد التزمت الوازرة الحمل فهي قادرة على الزيادة وعلى الحمل ، أو يقول : ولا تزر وازرة أو قابلة الوزر ، قلت : الجواب بحديث" من سن في الإسلام سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا" فلو لم توازه لتوهم أن النفس لا تحمل وزر غيرها هي التي لم تتسبب في فعل معصيته ولا حديث ظلما ، فلما قال : (وازِرَةٌ). أفاد أن النفس التي أحدثت المعصية فاتصفت بسببها بالوزر لا لحمله.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ).

يخلف بعضكم بعضا.

قوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ).

ابن عرفة : (بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) في العلم ودونه في الدين ، والآخر فوقه من الدين ودونه من المال إذا لم يكن أخذ في شيء.

قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).

ابن عطية : أي ليختبر الله تعالى الخلق فيرى المحسن من المسيء.

ابن عرفة : هذا خطأ والصواب أن يقال كما عادة الزمخشري يقول في كل موضع يفعل بكم فعل المختبر.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢٠٩

أكد المغفرة باللام ولم يؤكد بها سريع العقاب ، لحديث : " سبقت رحمتي غضبي (١) ".

قلت : قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الأسماء الحسنى في الاسم الثالث والأربعين ، وفي كتابه المسمى بقانون التأويل : كنا يوما بمجلس الكوفي في الثغر فتذاكرنا ، فسئل الشيخ أبو بكر بن الفهري والطرطوسي عن الفرق بين قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) بغير لام ، [٣٣ / ١٦١] ، وفي الأعراف (لَسَرِيعُ الْعِقابِ) [سورة الأعراف : ١٦٧] باللام؟ ، فقال الطرطوسي : حكم اللام التأكيد ، وآية الأنعام دخلت أمة محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فيها في الخطاب وهي أمة مرحومة معصومة في الدنيا لا تعاقب إلا في الآخرة فسقطت اللام ، وآية الأعراف خوطب بها بنو إسرائيل وقد عجلت عقوبتهم في الدنيا بالمسخ والخسف فدخلت اللام المؤكدة للخبر.

وأجاب أبو جعفر أحمد بن الزبير بأن آية الأنعام تقدمها (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) وهو خطاب له صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولأمته في الخبر بغير لام التأكيد لكونهم ليسوا بحملتهم ممن استحق عقابا ، ومن عوقب من أهل القبلة فعقابه منقطع بفضل الله عزوجل ، وآية الأعراف قبلها (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [سورة الأعراف : ١٦٧] فهي لبني إسرائيل مفضحة بكفرهم وعنادهم ؛ فجاءت اللام مؤكدة للجنس المبين بعقابهم كلهم دائما وسوء ما لهم.

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٧٠٢٤ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٤٩٤٤ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٨٧٥٩ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ١٠٧٦ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٦٢٤٧ ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه حديث رقم : ٢٨١٤.

٢١٠

سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما.

قوله تعالى : (المص).

قال ابن عرفة : الظاهر أن هذه الحروف اسم للسورة ، واختلف الأصوليون هل يرد في القرآن ما لا يفهم أو لا ، والظاهر عدمه.

قيل لابن عرفة : إن ابن الحاجب قال : هو بعيد ولم يجعله من [...] ، اعتبر الألفاظ ؛ لأن الإنزال حقيقة إنما هو في الألفاظ المعبر بها عن الكلام القديم الأزلي بمطابقة الإعجاز ؛ لأن المعجزة حادثة وعداه هنا بإلى اعتبارا بمنتهى الإنزال ، وعداه في موضع آخر بعلى اعتبارا بمبدأ الإنزال ، وعدّاه بمن لكونه من فوق إلى أسفل وهو على المحل المنزل عليه.

قوله تعالى : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ).

أي ضيق ؛ أي أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم إذا حفظ القرآن ما هو مأمور بتبليغه لأمته فإذا بلغه ولم يؤمنوا مع حرصه على إيمانهم ، وتعلق قلبه بذلك يقع في قلبه لأجل ذلك غمّ ، لأجل أن تبليغه ذلك لهم لم ينفع فيهم.

قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا).

احتج به من قال : إن الفاء لا تفيد الترتيب.

وأجاب ابن عطية أن المراد بقوله تعالى : (أَهْلَكْناها) خذلان أهلها.

ابن عرفة : وهذه عبارة اعتزالية ، والصواب أن يقال : خلقنا في أهل الفسق والمخالفة فجاءها بأسنا.

وأجاب ابن عصفور بأو ، والمعنى أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.

وقال الأستاذ أبو زكريا يحيى بن فرج العربي في تفسيره : وهذا الجواب فيه نظر من المتعلق التنجيزي ؛ فمجيء البأس مقارن للإرادة فليس يعقبها ، وإن أراد التعلق الصلاحي والإرادة القديمة فإن كان مجيء البأس بعقبها لزم عليه قدم العالم ، وإن كان متأخرا عنها بمهلة لزم أن يكون بثم ، وأجيب بأن الإرادة قديمة مستمرة ، وأنه إلى حين مجيء البأس فينقطع مجيء البأس بعقب آخر مدتها.

٢١١

ورده ابن عرفة بأنك إذا قلت : قام زيد فأكرمته ، فالإكرام لا يلزم أن يكون بعد تمام القيام بل قد يكون قبل كماله.

وأجاب أيضا ابن عصفور : بأن المراد أهلكنا هذا لا من غير استقبال فجاءنا بأسنا فهلك هلاك استقبال.

قيل لابن عرفة : في الآية تقديم وتأخير والتقدير أهلكنا بياتا وهم قائلون فجاءنا بأسنا بياتا يكون ؛ والمراد أهلكناها في الدنيا وجاءها في الآخرة العذاب في الدارين ، فقال آخر : الآية تدل على أنه في الدنيا ، لقوله تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).

قوله تعالى : (بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ).

قال ابن عرفة : تقدمنا فيها سؤال وهو هلا قيل : فجاءهم بأسنا بياتا أو قيلولة فجاءها بأسنا بياتا وهم بائتون فما السر في ذلك؟ وما الفرق بين قولك : جاء زيد ضاحكا ، وبين قولك : جاء زيد وهو ضاحك؟ قال : وتقدم لنا الجواب بأن قولك : جاء زيد ضاحكا تقييد ، وبأن قولك : جاء زيد وهو ضاحك حكم إسنادي ، والوصف التقييدي راجع لقسم التصور في ، والحكم الإسنادي راجع لقسم التصديق ، ولا شك أن تأثير مجيء البأس في الليل أشد من تأثير مجيئة في القائلة ، فلما كان مجيئه في الليل أشد عبر عنه بالتقييدي الراجع لبأس التصور ؛ لأنه متصور بالبديهة ، وعبر عن الآخر بالحكم الإسنادي التصديقي لما فيه من احتمال عدم التأثير.

قوله تعالى : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ).

قال ابن عرفة : الجملة إذا وقعت حالا فإن كان في صدرها ضمير اختلف هل يلزم الواو معها أو لا؟ ؛ فنقول : جاء زيد يده على رأسه وإن لم يكن فيها [٣٣ / ١٦٢] ضمير فلا بد من الواو ، ويقال : جاء زيد وعمرو ضاحكا ، وعليه نزل سيبويه في قوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [سورة آل عمران : ١٥٤] أنه حال ، وعليه أورد الزمخشري هنا سؤالا ، قال : لأي شيء [.....].

قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ).

وهذا سؤال توبيخ ، وقوله (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) هذا استعلام.

قوله تعالى : (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ).

٢١٢

هذا سؤال شهادة ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [سورة المائدة : ١٠٩].

قوله تعالى : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ).

احتراس لأن قوله (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ).

إن ذلك سؤال استعلام فنفاه بهذا ، ولذلك أكد الفعل بالنون الشديدة ، وفيه رد على المعتزلة القائلين بأن الله عالم لا يعلم.

قوله تعالى : (وَما كُنَّا غائِبِينَ).

إشارة إلى أنه علم متيقن شاهد.

قوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ).

والوزن يحتمل معنيين :

أحدهما : أن الوزن يومئذ يقع بالعدل والقسط.

الثاني : أن وزن أعمال العباد يومئذ ثابت وأنه لا شك فيه بحال ، وعرف الحق إشارة إلى أنه الحق اليقين الواضح الذي لا مراء فيه.

قال : ونسب الثقل والخفة لكفة الحسنات ، لقوله تعالى : (مَوازِينُهُ) فإضافتها إليه على تقدير اللام ، وكفة السيئات إنما هي موازين عليه ، واختلفوا في ذلك ، فقيل : إنه ميزان واحد ، وقيل : لكل شخص ميزان أخذ بظاهر الآية ، والصحيح الأول ، وعندي أنه جمع في هذه الآية.

قال الإمام فخر الدين في (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [سورة التحريم : ٤] : جمع القلة لاختلاف حالاته وتقلباته ؛ فكذلك يقال هنا.

قال ابن عرفة : ومفهوم أول الآية مناقض لمفهوم آخره ، لأن مفهوم قوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ). يقتضي أن من تساوت كفات موازينه ليس بخاسر نفسه ، قيل : بهن.

ابن عرفة : كالأنبياء ، ومن لا سيئة لهم بماذا توزن حسناته؟ قال : توضع حسناته في كفة ولا يوضع في الكفة الأخرى شيء ، أو يوضع في الأخرى [...] أو حجارة يوزن بها حسناته ، فقال : الآية إنما تضمنت وزن الحسنات والسيئات ، وقال هنا (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فعبر بجملة اسمية مقرونة بأداة الحصر وهي اسم الإشارة والبنائي المضمر ، وتعريف الخبر دون ذكر علة هذا الحكم.

٢١٣

وقال في الجملة : (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) فغير لفظ الفعل مع ذكر علة هذا الحكم.

قال ابن عرفة : وجوابه أن المراد حصول الكلام الثابت اللازم ؛ والمراد في الآخر حصول مطلق الخسران فيتناول العاصي والكافر وهي في سورة قد أفلح (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) [سورة المؤمنون : ١٠٣] فقال : تلك فيها قرينة أخرجت العاصي من اللفظ ، وهنا نقول إنه داخل ، قال : وإنما علل حصول الخسران لهم بالظلم ولم يعلل حصول الفلاح للأخرين بالطاعة إشارة إلى أن الثواب على الطاعة محض تفضل من الله عزوجل وحساب الآخرين وخسرانهم معلل بظلمهم إشارة إلى أن ذلك عدل من الله تعالى لأجل كسبهم السيئات.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ).

قال ابن عرفة : فائدة التقسيم تكون المخاطبين ظهرت عليهم مخائل الإنكار لأجل تماديهم على المعاصي وعدم تذكرهم واتعاظهم ، وفيها سؤال وهو أن التمكين في الأرض أخص من وجود المعايش بأمة لكل أحد إذ لا يستغني أحد عن القوت ، والتمكين أخص مزيد في الأمراء والسلاطين ، والامتنان الأهم أقوى وأعم فائدة فهلا قدم عليه ، وأيضا فلأن المعايش أمر حاجي والتمكين في الأرض أمر تكميلي ، فالأمر الحاجي أعم على التقوي من الأمر التكميلي ، فالامتنان به أعظم منه ، وأجيب بأنه قدم لأحد أمرين :

أحدهما : أنه يدل على المعايش دلالتين باللزوم والمطابقة ، وقد تقدم نظيره غير ما مرة في عطف الأعم على الأخص بخلاف الخاص على العام والعكس فيهما (فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [سورة الرحمن : ٦٨].

الثاني : التمكين في الأرض لما كان خاصا بالبعض دون الكل وكانت المعايش أئمة صار نسبتها إليه نسبة الجزء إلى الكل والجزء قبل الكل فكذلك بدأ به في الآية.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ).

الخلق راجع للقدرة والتصوير للإرادة وهي الكيفية الخاصة.

(ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).

احتجوا به على أن إبليس من الملائكة.

٢١٤

وأجاب ابن عرفة : بأنه إذا كان في المجلس أشراف واتباع فأمر الأشراف يأمر كأنه يتناول الاتباع من باب أحرى بدلالة الالتزام لا المطابقة ، وكذلك هذا لما أمر الملائكة [٣٣ / ١٦٢] السجود لآدم على شرفهم فيتناول الأمر إبليس وإن كان إبليس ليس منهم من باب أحرى.

قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ).

هذا سؤال توبيخ لا يستحق جوابا فظن إبليس أنه سؤال حقيقي ؛ فأجاب عنه بمقدمتين حذف أحدهما لدلالة الكلام عليها والتقدير أنا خير ، والفاضل لا يسجد للمفضول فأنا لا أسجد إما أنا خير منه فبينه بكونه خلق من نار وآدم من طين ، وإما أن الفاضل لا يسجد للمفضول ، قيل : وجوابه أن هذا على قاعدة التحسين والتقبيح باطل وإنما يتم على مذهب المعتزلة ، لكن جاء بموضع المقدمة الصغرى وموضع كونه خير من آدم ، وإلا كان يقول الملائكة : نحن خير منه ؛ لأنا خلقنا من نور.

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها).

ابن عرفة : أفاد الجنة فيكون باعتبار الوجود لا باعتبار الحكم ؛ لأنه قد وسوس فيها آدم ، وإن أريد السماء فيكون باعتبار أي ، فما يجوز لك أن تتكبر فيها ؛ لأنه قد امتنع من السجود لآدم.

قوله تعالى : (فَاخْرُجْ).

إما تكرار للتأكيد ، وإما تأسيس والأول هبوط حسي ، وهذا خروج من حكم الاعتناء والمراعاة إلى حكم الصغار والإذلال والاحتقار.

قوله تعالى : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).

إبليس أعلم بالتورية [.....].

قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ).

قال ابن عرفة : إنما لم يقل : ومن فوقهم ومن تحتهم ؛ لأن جهة الفوق منها الرحمة ، وجهة التحتية داخلة في الإتيان من باب أحرى ؛ لأنها محل إبليس.

قال ابن العربي في سراج المريدين في الاسم الثامن والعشرين : حضرت يوما مجلس الإمام أبي منصور الشيرازي وعادته أن يرقى المنبر ويجيب عن كل سؤال ، أو يصعد المنبر ويأخذ القارئ بالقراءة وترمى الرقاع بالأسئلة من كل جانب وتتناولها الأيدي حتى تصل إليه فيجعلها تحت ركبتيه ؛ فإذا سمع القارئ أخذها واحدة واحدة ،

٢١٥

وهذا يسأل عن كذا وجوابه كذا ، فيأتي بأحسن الجواب ، فكتبت له وأنا صغير : ما الحكمة في أن الله تعالى قال مخبرا عن إبليس (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ولم يقل : من فوقهم ولا من تحتهم؟ ، فلما بلغ إليها ، قال : يا حبيبي هكذا قد مكنه الله تعالى من أربع جهات تكون تسعمائة وتسعين إلى النار وواحدة إلى الجنة ، فكيف لو جاء من الجهات كلها ما رأى أحد الجنة أبدا ، ولكن إذا غشي من الجهات الأربعة غشيت الرحمة من فوقنا وثبتتنا السكينة من أقدامنا فنجونا ، فعجبت من قوله : يا حبيبي إذ نادى مناداة الصبيان وهذا يسمونه الكلام على الخواطر.

قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً).

قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إن كانت الذءامة والدحور أخص من الصغار فهو تأسيس ، وإلا فالجواب بأن قوله ب (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) مطلق يقتضي اتصافه بذلك وقياما.

قوله تعالى : (مَذْؤُماً مَدْحُوراً).

فإذا اتصافه بذلك في الحال ، و (مَذْؤُماً) راجع لأمر حسي ، (مَدْحُوراً) لأمر معنوي.

قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).

معارض بقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " إنها تمتلىء حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط ويزوي بعضها إلى بعض".

أخرجه مسلم ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأجيب بأن القاضي عياض ، قال : حكوا فيها تأويلات :

أحدها : أن القدم عبارة عن السابق المتقدم حتى يضع فيها من قدم من أهل العذاب ، قال تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سورة يونس : ٢] ، وقيل : القدم عبارة عن طائفة يخلقهم الله في الآخرة لها يسميهم قدما فلا تملأ إلا بهم ، وقيل : المراد بالجبار السلطان أو أحد الجبابرة المتقدمين ، وعلى رواية رجله يحتمل أن يريد الجماعة ، يقال : رجل من جراد أي مثل جماعة منه ، ويحتمل أن يريد بقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَ) كثرة الداخلين لا ملأها حقيقة.

قوله تعالى : (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما).

٢١٦

قال الفخر : اللام للصيرورة.

ابن عرفة : إن كان الإيراء معنويا فليست للصيرورة ؛ لأنه غير مقصود قصد إبليس شيئا ، ووجد خلافه.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ).

[٣٣ / ١٦٣] فيها النظر إلى حالتي الإقبال والإدبار ، وفيها إشارة إلى أنهما استشعرا حالة الموت إن أريد الخالدين بالإطلاق فيتناول الخلود في الجنة ، فإن قلت : ظاهر الآية أن الملائكة أفضل من بني آدم ، قلنا : باعتبار الوهم والاعتقاد لا في نفس الأمر ، فإن قلت : هلا قيل : إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، أو يقال : إلا أن تكونا من الملائكة أو من الخالدين؟ قلنا : لأجل رؤوس الآي.

قوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ).

الذوق هنا أوائل الإحساس بالشيء.

قوله تعالى : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما).

الظاهر أنها كلية لا كل والمراد : بدت لكل واحد منهما سوأة صاحبه ، ويحتمل أن يريد بدت لكل واحد منهما سوأة نفسه.

قوله تعالى : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ).

إن أريد مطلق الحياة فالمعنى فيها يدومون على الحياة أحياء ، وإن أريد حياة خاصة فيكون الاستقبال على حاله.

قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا).

قد للتحقيق ويبعد كونها للتوقع.

فإن قلت : الآية خرجت مخرج الامتنان عليهم ، واللام للاختصاص أو للملك أو للتعليل أنسب من عطاء ؛ لأن الامتنان عليهم أو لأجلهم أقوى بالمنزل عليهم ، وأجيب بأنه إشارة إلى بعد المحل المنزل منه على المحل المنزل إليه ، قال تعالى (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [سورة سبأ : ٥٢] لاقتضائه العلو والارتفاع التام ، وهذه الآية يعدها ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية مجاز إيقاع السبب برفع المسبب ، وقدره بأن أنزلنا موضوع موضع أعطينا لباسا ؛ لأن إنزال المنازل في إعطاء اللباس فنزل أنزلنا منزلة أعطينا ، وتكون سببا غائبا ؛ لأن اللباس سبب في الماء بمعنى أنه باعث عليه ، كما أن الاستكمان من الحر والبرد سبب في بناء البيت مع أنه متأخر عنه.

٢١٧

قوله تعالى : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ).

إشارة إلى وجوب ستر العورة دون ما سواها من البدن.

قوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ).

إشارة إلى أن من اللباس ما هو محرم كالحرير فخذه واللباس منه مباح ، ومنه ما هو مندوب إليه ، واللباس الحسن في الأعياد والجمع ، فإن أريد اللباس الواجب فخير فعل لأفعل ، وإن أريد المندوب فخير أفعل من الخير ذلك خير من المباح.

قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ).

قال البيانيون : فائدة النداء الاهتمام بالمنادى وتعظيمه.

قوله تعالى : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ).

قال الجوهري : فتن إذا اختبر ، وقال غيره : إذا امتحن ، والفتنة من الشيطان فكيف نهي الإنسان عما ليس من فعله ولا في قدرته؟ ؛ فأجاب ابن عطية : من باب لألزمنك هاهنا ؛ أي لا تكن هنا فأراك أي لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم.

ابن عرفة : وعادتهم يقولون : ليس مثله أن الرؤية مسببة عن الكون هناك والشيطان سبب في الاتباع ، وأجيب بأن المعنى أي لا تتبعوا هوى أنفسكم ، وهوى النفس سبب في الوسوسة ؛ لأنه إذا علم ميل النفس إلى الشهوات حمله ذلك على وسوستها على القدوم فيها ، ويحتمل أن يكون من تكليف ما لا يطاق على القول به ؛ فنهى الإنسان عن فتنة الشيطان إياه.

قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ).

قال أبو حيان : الكاف نعت لمصدر محذوف.

قلت : قال ابن عرفة في الختمة الأخرى التي قبل هذه : ويحتمل أن يكون من حذف التعليل أي فتتبعوه فيفتنكم كما فتن أبويكم ، فاتبعاه ؛ فأخرجهما من الجنة ، ونظيره (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [سورة البقرة : ١٧١].

قوله تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما).

قال أبو حيان : حكاية حال.

قال ابن عرفة : هذا إن قلنا : إن الدوام ليس كالابتداء ، وإن قلنا : إنه كالابتداء فنقول إن النزع دام فليس بحكاية ، قال : بل إخبار عن حالتهم الوقتية الدائمة.

٢١٨

قوله تعالى : (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما).

دل على عدم جواز نظر عورة زوجته ؛ لأن الشيطان إنما يوسوس على فعل ما لا يجوز.

قال تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ).

قرئ بالنصب.

قال أبو حيان : على أنه مفعول معه.

ورده ابن عرفة : بأن ابن السراج فرق بين واو العطف وواو المفعول معه باقتضاء واو العطف الشركة في الفعل دون واو المفعول معه ، وواو المفعول معه لا يقتضيه ، نحو : جلست والسارية.

والثاني : أن الأول في المفعول أو تابع وما بعده متبوع والشيطان متبوع لا تابع ، ولأنه يرانا كما نرى قبيله.

[٣٣ / ١٦٣] قوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا).

قال ابن عرفة : يحتمل أن يكون وجدنا عليها بالشخص ، أو على الفاحشة بالإطلاق ، وإن أريد على شخصها فالضمير عائد لفظا دون معنى من باب عندي درهم ونصف.

قوله تعالى : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ).

فيه سؤالان :

الأول : هلا قيل : قل إن الله ما أمر بالفحشاء فيكون النفي مطابقا للأول لأن الأول معنى ولا يجيء فيه شبهة النسخ ؛ لاحتمال أن يكون الله أمر بها في الماضي لا يعيدها ؛ أي ليس يقابل شرعا لأن يأمر بالفحشاء ، ولا يجوز ذلك شرعا عليه عندنا وعقلا عند المعتزلة.

السؤال الثاني : نفي الأمر لا يفيد نفي الإباحة ، والآية خرجت مخرج ذمهم في فعلهم ما هو محرم ، فهلا قيل : إن الله لا يبيح الفاحشة لأن نفي الأمر لا يستلزم نفي الإباحة؟ وأجيب بأن قوله (بِالْفَحْشاءِ) يفيد نفي الإباحة لأن لفظ الفحشاء إنما يطلق على المحرم.

قيل لابن عرفة : أو يجاب بأن قوله : (يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بمعنى أوجبها علينا ؛ فيرد بنقيضه وهو أنه لم يوجبها عليكم ، وأورد الفخر سؤالا ، قال : (لا يَأْمُرُ

٢١٩

بِالْفَحْشاءِ) ، وهلا قال : لا يأمر بالفاحشة فهو أبلغ في النفي ؛ لأن نفي الواجد يستلزم نفي ما عداه.

وأجاب ابن عرفة بأنه لو قال : إن الله لا يأمر بالفاحشة لأفاد نفي فاحشة مستحقة ، فلما قال : الفحشاء أفاد نفي القدر المشترك بين الفواحش كلها فيعم الجميع.

قوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

قال ابن عرفة : إن قلنا : إن الحاصل للمقلد علم فلا دليل ، وإن قلنا : إنه ليس بعلم فيكون دليلا لمن ينفي التقليد ، فإن المقلد قال على الله ما لا يعلم ، ويدخل فيه من يفتي في مسألة الحدس وإن صادف الحق وهو بحيث لو سئل عن سنده لتوقف.

قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).

معطوف على قوله (بِالْقِسْطِ) ، أي : أن أمر أن تقسطوا وتقيموا وجوهكم فأمر بالمصلحة القاصرة والمتعدية فالمتعدية على القسط ، والقاصرة ما بعدها.

قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ).

الظاهر أن الكاف للتعليل مثل : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) [سورة القصص : ٧٧] أي : لأجل بدايتكم تعودون ؛ فالعود للانتفاع والحساب.

قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ).

قال : في القرآن ثلاثة ألفاظ : منها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، (يا بَنِي آدَمَ) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). أخصها بذكر الحكم في المشتق ، و (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يليها ، و (يا بَنِي آدَمَ) أعمها [...] ببني آدم ؛ لأن الخطاب بها على وفق المراد ؛ لأن النفوس تتشوق للزينة.

قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).

قال ابن العربي : منهم من قال إن الآية عامة في كل مسجد فلا يصح أن يكون سبب نزولها أن قريشا كانت تطوف عراة.

ابن عرفة : خصوص السبب لا يمنع من عموم الحكم وهذا منافيه على أن المراد بالمسجد ذو البناء الخاص مثل شكل مساجد ، ولنا أن نقول : المراد به مواضع السجود فقط فلا يحتاج إلى ما قال.

قال ابن العربي : والصحيح أن ستر العورة مستجد.

٢٢٠