أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي
المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٣
تنبيه على استغناء النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم والمؤمنين عنهم ..... (١) وعدم احتياجهم إليهم حتى كأنهم يخلفونهم بأنفسهم.
قوله تعالى : (وَكَرِهُوا).
إن جاء هذا ليس بتكرار لأن الفرح بالشيء لا يستلزم كراهة ضده ؛ بل قد يكرهه وقد لا يكرهه ، هذا إن قلنا : إن نقيض المستحيل ليس بمكروه.
قوله تعالى : (فِي سَبِيلِ اللهِ).
إشارة إلى أنهم كفروا بالله ورسوله ، فالكفر بالرسول في قوله [٣٨ / ١٨٨] (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) ، والكفر بالله في قوله (رَسُولِ اللهِ) ولم يقل : مع رسوله فهم كرهوا الجهاد للإيمان بالرسول وبالإيمان بالله.
قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ).
ابن عرفة : رجوعه من غزوة تبوك تحقيق الوقوع ، فهلا عبر عنه بإذا ، وأجيب بوجهين : أحدهما : أن الشرط مركب من جملتين ؛ أحدهما : قوله (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) استئذانهم له غير محقق.
الثاني : أن المحقق إنما هو الرجوع إلى بلده ، وأما رجوعه إلى طائفة منهم فمعنى محقق ؛ لأن المرجوع إليهم هم المنافقون الذين يخلقون لغير عذر إشارة إلى أن الرجوع إليهم يوهم أن الحاجة إليهم داعية ، وأنه مضطر إلى الاستعانة بهم ؛ فعبر بإن إشارة إلى أن لم يرجع إليهم وإنه إنما رجع إلى بلده فالرجوع إليهم غير واقع.
قوله تعالى : (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ).
ولم يقل : فاستأذنوك في الخروج ؛ لأن الكلام يحتمل [.....] بها أن يكون مرغوبا فيه ، أو مرغوبا عنه ، فيحتمل أن يكون مرغوبا فيه أو مرغوبا عنه ، فيحتمل أن يكون قصدهم الإقامة.
ابن عرفة : وعادتهم يقولون لأي شيء أتى بالفعلين الأولين بصيغة الخبر وهما لم يخرجوا ولم يقاتلوا ، وأتى في الثالث بصيغة الأمر ، فهلا قيل : لن يخرجوا وإن يقاتلوا معي عدوا فقعدوا مع الخالفين ، أو يقال : لا تخرجوا معي أبدا ، ولا تقاتلوا معي عدوا فقعدوا مع الخالفين.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.
ابن عرفة : والجواب أنه أتى في الأولين بلفظ الخبر تحقيقا لوقوع متعلقهما ؛ بخلاف ما لو كانا بلفظ النهي.
وأتى في الثالث بلفظ الأمر المقتضي للذم والسخرية والاستهزاء ، كقولك لمن يقصد السخرية به : اقعد مع النساء ؛ فهذا أبلغ في الذم من قولك : أنت تقعد مع النساء.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ).
ولم يقل : إنكم قعدتم ليتناول من خرج منهم راضيا بقعود من قعد منهم.
قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً).
أخذوا منها وجوب الصلاة على المؤمنين من ناحية مفهوم الصفة ، في قوله (مِنْهُمْ ؛) ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والعكس ، قيل لابن عرفة : والآية حجة للقول الذي حكى ابن الحاجب في مختصره : الأصل من أنه صلىاللهعليهوسلم يجوز عليه الخطأ في اجتهاده ، ولكن لا يقر عليه ، فقال ابن عرفة : ليس كذلك ؛ لأنه إن لم يكن صلى عليهم فلا كلام ، وإن كان صلى عليهم فنقول : هذا تجديد حكم في المنافقين وللمنافق أحكام كانت تجدد شيئا بعد شيء.
قوله تعالى : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ).
أخذوا منه جواز زيارة القبور كما أخذوا من الأول وجوب الصلاة على المؤمنين ، وأجيب بأن المقام على القبر يصدق بالحضور وقت الدفن.
قال أبو جعفر ابن الزبير : وإنما قال هنا : (وَلا تُعْجِبْكَ) ، وقال في التي قبلها : (فَلا تُعْجِبْكَ ؛) لأن الآية المتقدمة عليها (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) وهي كلها جملة خبرية منفية ، فكان هذا النهي سببا عنها فناسب عطفها بالفاء ؛ لكن فيه معنى الشرط والجزاء ؛ أي إذا كانت هذه حالهم فلا تفترّ بما لديهم من المال والولد ، وهذه الآية تقدمها جمل طلبية لا قبلها (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) فناسب عطف النهي على النهي بالواو المقتضية للجمع من غير ترتيب ، ولذلك زيدت بها في الآية المتقدمة لما كان فيها معنى الشرط والجزاء المقتضي للتأكيد والإطناب ، ولذلك قال فيها (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) باللام التي هي أصرح في تعجيل ، وإذا أظهرت فيها معنى النواحي جسيما ؛ نص على ذلك سيبويه في الجواب بالفاء من كتابه ، ولذلك قال هناك (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأكد بزيادة لفظ الحياة لتجري الآية على وتيرة واحدة.
قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ).
ابن عرفة : الطبع سبب في رضاهم بالتخلف ، فهلا قدم عليه ، قلت : يجاب بأنه إشارة إلى دوام ذلك والضالة بالخاتمة.
قوله تعالى : (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ).
إن الحرج أخص من السبيل ؛ فلذلك استعمله في الثبوت ، واستعمل السبيل في النهي ؛ لأن الحرج هو نيلهم الألم الحسي والسبيل يعم الألم الحسي والمعنوي ، ومر عليهم ونائلتهم بالكلام فقط.
قوله تعالى : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً).
ابن عرفة : العين لها جمعان : قلة ، وكثرة ، وذكر المفسرون أن هؤلاء [...] ستة كعيونهم اثنا عشر فهو يجمع جمع كثرة لا قلة ، قال تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [سورة القمر : ١٢] فلم جمعهم جمع قلة ، وأجاب بأن المراد ذواتهم لا تقر عيونهم ؛ لأن الحزن إنما ألحق ذواتهم.
قوله تعالى : (أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ).
ابن عرفة : هلا قيل : ألا يجدوا عندك ما تحملهم عليه ليكون آخر الآية مطابقا ، وأجاب بأن ما يقصدهم إلا التفقه ، فكانوا أولا طائعين فيها من [.....].
قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ).
ابن عطية : (إِنَّمَا) هنا ليست للحصر ، وقال السفاقسي : بل هي للحصر ولم يبين ذلك ، ابن عرفة : وجهه معرف بالألف واللام العهدية فهو السبيل المخصوص المتقدم الذكر وهو لا يك عليهم سبيل آخر.
قوله تعالى : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ).
عبر هنا بأن إدخال قبلها ، فإن رجعك الله أن طائفة منهم ، فعبر بأن ، والجواب أن الفاعل في الأول هو الأول ، والرجوع مستند إلى الطائفة ، فقد يقال : إن الله تعالى رده إلى الطائفة اضطرارا لتستمد بهم وتستعين على أغراضه ، وهذا مشكوك في وقوعه بل هو غير واقع البتة ، فلذلك عبر بأن والرجوع هنا فاعله ضمير المؤمنين ، ولا شك أن رجوعهم في الظاهر هو إليهم ، أي إلى وطنهم ومحلهم ، وهذا أمر واقع.
قوله تعالى : (قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ).
أتى بالاعتذار منهيا منه بالإيمان مخبرا عنه لا منهيا ؛ إشارة إلى تحقق وقوع عدم الإيمان بهم.
قوله تعالى : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
الرؤية إما بمعنى العلم أو على أنها بابها فإن كانت بمعنى العلم فإما أن تكون السين للتحقيق لا الاستقبال ، وإما أن يقال : مراد التعلق التحيزي لا الصلاحي ؛ لأنه قديم والتحيزي حادث ؛ فتكون الرؤية بمعنى الظهور ، أي سيظهر لكم ما علمه الله من أعمالكم ، وإن كانت الرؤية على بابها بصرية فتكون الآية حجة لأهل السنة ، فإن الوجود مصحح للرؤية ؛ لأن العمل معنى من المعاني فيه تعلقت الرؤية بالمعنى.
قوله تعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ).
ثم قال (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) ابن عرفة : يحتمل أن يريد تكرير الحلف منهم ؛ فيحلفون أولا طلبا للإعراض ، وثانيا طلبا للرضى ، ويحتمل أن يكون الحلف الأول لا من اتباعهم ؛ لأنهم في منزلة من يخاف العقوبة فيحلفون قصدا للإعراض وطلبا للمسالمة فقط ، والثاني من رؤسائهم ؛ لأنهم في منزلة من لا يخاف العقوبة فيحلف قصدا لرضاء المؤمنين عنه.
قوله (لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بفتح الضاد مع أنه مضارع ، وقال (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) بضم الضاد مع أنه ماض ، فهلا كان العكس ؛ فالجواب أن رضوا من رضي فأصله رضيوا ؛ فاستقلت الضمة على الياء ، فإن قلت : ونقلت إلى الضاد وحذفت الياء لالتقاء الساكنين.
وأما قوله : (فَإِنْ تَرْضَوْا) فأصله فإن ترضوا عنهم ؛ لأنه من رضى يرضى فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وهي ما قبلها مفتوح دليلا عليها.
قوله تعالى : (مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً).
يحتمل أن يريد من يتخذ مأخذه منكم فينفقه مغرما ؛ لأن المؤمنين كانوا يعطونهم المال طلبا لاستيلائهم ، ويحتمل أن يريد ما تجد ما يعطيه لا الجهاد والغزو مغرما ، وهو الظاهر.
قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
ابن عرفة : إيمانه باليوم الآخر دليل على إيمانه بالرسول من باب أحرى ؛ لأن الدار الآخرة إنما علمت من الرسول.
قوله تعالى : (قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ).
ثم قال (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) فجمعها أولا اعتبارا بحالات الإعطاء ، وأفردها لأنها اعتبار بما عند الله تعالى ؛ لأنها صدقة واحدة من شخص واحد.
قوله تعالى : (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ).
وإن أريد بالرحمة الجنة فالسين على بابها ، وإن أريد نفس الرحمة فالسين للتحقيق ، وهو إشارة إلى أنه لا يجب على الله شيء ، وأن التعميم والثواب اللاحق لهم بالصدقة ، إنما هو محض لفضل من الله تعالى.
قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ).
ابن عطية : قرأها عمر برفع الأنصار ، فرد عليه زيد وقال : إنما هي بالخفض ، فأرسل عمر إلى أبي فوافق زيدا ، فقال عمر : ما كنا نظن إلا أنا رفعنا رفعة لم يبلغها [٣٨ / ١٨٩] أحد ؛ إشارة إلى التقية لم يختص في الخفض بهم بل شاركهم فيها الأنصار ، كان المراد الأولون من الجميع.
ابن عرفة : وكان تقدم لنا الرد عليه بأنه ليس المراد الأولين من هؤلاء ؛ بل المراد الأولون من مجموع المهاجرين والأنصار ، وإذا قيل : من هم الأولون من المجموع؟ قيل : المهاجرون فقط ، كقولك : أكرم الصلحاء من بني فلان وبني فلان.
قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً).
ابن عرفة : لفظ الأموال مخصوص ؛ لأنه يخرج منه ما لا زكاة فيه [...] والرباع ؛ قاله ابن عطية.
ابن عرفة : بل هو محتمل فلا يحتاج إلى تخصيصه لدخول من عليه التي هو للتبعيض ، فالأخذ من بعض الأموال لا من كلها ، قيل لابن عرفة : بل هو عام ؛ لأنه جمع مضاف إلى مضمر ، والمضمر كله لا كل ؛ أي خذ من أموال كل واحد منهم ، فيأخذ بعض مال كل واحد منهم حسبما نص عليه الأصوليون في هذه الآية ، وقالوا : يحتمل أنها تكون عامة أو مجملة ، فقال ابن عرفة : الظاهر فيها الإجمال ، وأن الأموال جمعت على التوزيع ؛ فالمأخوذ بعض مال هذا وبعض مال هذا ؛ لأن المأخوذ بعض أموال كل واحد.
قوله تعالى : (تُطَهِّرُهُمْ) أي من الذنوب.
قوله تعالى : (وَتُزَكِّيهِمْ).
أي تحصل لهم الأوصاف الجميلة.
قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ).
فيه جواز الصلاة على غير الأنبياء ، وقد يقال : لا يلزم من إباحة ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم إباحته لغيره.
قوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أي سميع لأقوالكم عالم بسرائركم ، فيعلم المنافق والمؤمن.
قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وصف الرحمة إشارة إلى أنه لا ينتفع بالصدقة بوجه ، وإن أخذه لها ليس حقيقة ؛ بل هو على سبيل الرحمة بعباده في رجوع منفعتها إليهم.
قوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً).
ابن عرفة : التأكيد بقوله (أَبَداً) يؤخذ منه أن النهي لا يقتضي التكرار.
ابن عرفة : وكان بعضهم هذا جار على ما قرره أهل العلم المعقول من أن الموجبة الجزئية تناقضها السالبة الكلية ؛ لأنهم على ما قال المفسرون طلبوا منه صلىاللهعليهوسلم أن يأتي لمسجدهم فيصلي لهم صلاة واحدة ، فنهاه الله تعالى أن يصلي فيه دائما ، وعليها في سورة الأنعام (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) [سورة الأنعام : ٩١] فقد أتوا بالسالبة الكلية ، وأجيبوا برفعها بالموجبة الجزئية.
قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ).
جزء من اليوم فهي زمان ، لذلك أضمروا مضافا لذلك ، تقديره : من تأسيس أول يوم.
قوله تعالى : (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ).
ابن عرفة : أخذوا منها أن صلاة النافلة في مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم أولى منها في البيوت ، خلافا لمالك فإنه كرهها إلا للغرباء ؛ فإنه استحقها للغرباء وهذا خشية الوقوع في الرياء ، والمراد بالمؤسس على التقوى مسجده صلىاللهعليهوسلم على أحد التفسيرين ، ووجه الدليل من الآية أن الفاصلة بين مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم ومسجد الضرار لا يصح ؛ إذ ليس فيه حق بوجه بل هو باطل ؛ فلم يبق أن يراد إلا أن الصلاة في مسجده أحق من الصلاة عنده ، فتتناول النفل في البيوت.
قوله تعالى : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا).
ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إنما قال (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) ولم يقل : فيه رجال يتطهرون ؛ لأن محبة التصديق تصديق وإن لم يحصل التطهر لعذر منه مانع ؛ إذ يحب بعضهم التطهر ويمنعه منه عذر فالآية فيها تخفيف الرحمة من الله تعالى في الثناء على من هذه حالا.
قوله تعالى : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
قال ابن عرفة : رؤية الله لعملهم مجازا ، ورؤية الرسول والمؤمنون له حقيقة ، قال : وقرره بوجهين :
أحدهما : أن رؤية الله تعالى ليس المراد نفسها ؛ وإنما المراد الجزاء على العمل بالثواب الجزيل والعقاب الشديد ؛ بخلاف رؤية الرسول فإنه لا يجازيهم بل يرى أعمالهم فقط ، ومنهم من قرره بأن رؤية الله تعالى سابقة متقدمة إذا فالاستقبال فيها غير حقيقي ؛ بل السين للتحقيق لا للاستقبال ؛ بخلاف رؤية الرسول فإنها حادثة فالاستقبال فيها حقيقة ؛ واحتج بها الفخر على أن الوجود مصحح للرؤية لأن العمل معنوي.
قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ).
ابن عرفة : هذه القضية ليست مانعة لخلو المنع الإصلاحي وإنما هي مانعة الجمع ، وأما الخلو من الأمرين فلا.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ).
قدم هنا الأنفس على الأموال ، وقال فيها : يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فقدم الأموال ، قال : وأجيب بوجهين :
الأول : أن الجهاد بالمال أخف على النفوس من الجهاد بالنفس ، فسلك في الآية المتقدمة مسلك الترقي فيها ، وأما هنا فلما ذكر اسم الجلالة قوبل بأشرف الأمور وأعزها وهي النفوس.
الثاني : أن كل أحد عنده نفس يجاهد فيها ، وليس كل أحد عنده المال بل الأغلب كان في حقهم عدم الوجدان فبدأ بما هو الأغلب.
قوله تعالى : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا).
قال الزمخشري : وعد ثابتة ، قد أثبته في التوراة والإنجيل ، كما أثبته في القرآن.
ابن عرفة : إن إرادته وعد صدق لا يصح الخلاف فيه فما قاله حق ؛ فإن أراد به أصل التفضيل ، فهو بقوله : إنه واجب على قاعدته عقلا ، ونحن نقول : إنه واجب
بإيجاب الله تعالى على جهة التفضل والإحسان لا في مقابلة العمل إذ لا يجب على الله شيء.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ).
هذا مثل : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) [سورة النساء : ٨٧] فيقتضي نفي الأفضل ونفي المساوي.
قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ).
ابن عرفة : يؤخذ منه فائدتان أصوليتان ؛ أحدهما : العمل بالقياس ؛ لأنها اقتضت نفي ما يتوهم من القياس.
الثاني : إذ هداهم بطلان القياس لقيام الفارق.
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) أي ما كان الله ليحكم بإضلال قوم ضلوا بعد الهداية حتى يبين لهم ما يتقون ؛ فإن ضلوا قبل البيان فإنه لا يحكم بإضلالهم شرعا ، والزمخشري يقول : عقلا ، فإن قلت : ما أفاد قوله (بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) وهل مفهومه مفهوم مخالفة أو موافقة ، لكن قد يقال : أن الهداية هي بعثة الرسل ؛ قال تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء : ١٥] ، فإن فهمت الهداية على ظاهر لم يكن مفهوم مخالفة ؛ لأن من ضل بعد الهداية قد بينت له الطرق والدلائل.
قوله تعالى : إن الله سميع عليم.
احتراس خشية أن يتوهم أن تأخر البيان لكون العلم لم يكن حاصلا فأخر حتى حصل العلم به.
قوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ).
المراد : إما خلق الله في قلبه التوبة ، أو قبل منه التوبة ، وجعل ابن عطية قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) تأكيدا ، والصواب أنه تأسيس ، والأول راجع لخلق التوبة في قلوبهم ، والثاني راجع لقبولها منهم.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ).
ابن عرفة : عادتهم [...] الغاية من شرطها مخالفة ما بعدها لما قبلها ، وقد فسروا التخلف بوجهين : إما التخلف عن العذر ، أو إما عن قبول عذرهم ، وإن حملنا
التخلف على عدم قبول العذر فحالة التخلف هي حالة ضيق الأرض عليهم بما رحبت ، فما الفائدة في كونه معناها.
قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
ابن عرفة : وقع هنا في كلام ابن عطية لقطتان متقدمتان ؛ إحداهما : أنه قال : هذا اللفظ يقتضي التأنيث ، ومنع الاستغفار للمشركين مع ألا ييأس من إيمانهم ابن عرفة ، وهذا فيه أدب على الأنبياء.
والثانية : أنه نقل عن الجمهور نزولها في أبي طالب ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" (١) ، ثم قال : والآية على هذا ناسخة لفعل النبي صلىاللهعليهوسلم.
ابن عرفة : وهذا عند الأصوليين ليس ينسخ ؛ لأن الحكم الشرعي إذا كان منفيا بغاية ومعلقا على أمر فغير فإنه لا يسمى نسخا.
ابن عرفة : وكان ......
[٣٩ / ١٩٠]
تقدمنا في معناها غير هذا ، وهو أن هذا كله بناء على أن الاستغفار فيما مضى فيكون لوما للنبي صلىاللهعليهوسلم وعتبا لمن سواه من المؤمنين على ما فعلوه من الاستغفار لآبائهم ، ويحتمل أن يراد به الدوام على ذلك في المستقبل ، وأقروا على الماضي كما كانت الأحكام تتجدد شيئا بعد شيء ، وفرق بين العلم بكونهم أصحاب الجحيم وبين غير العلم بذلك ؛ لأنهم أولا علموا ذلك بأنفسهم ، والآن تبين العلم بذلك ؛ لأنهم أولا علموا ذلك بأنفسهم ، والآن تبين لهم ذلك فحققوه وتيقنوه ، واتضح عندهم صحة ما عملوه من موافاتهم على الكفر.
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٤٣٣٤ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٣٥ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٩٩٤ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين حديث رقم : ٣٢٢٣ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٨٦ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٠٧٢٧ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٣٠٤٧ ، وأبو عوانة الإسفرائيني في مسنده حديث رقم : ١٨ ، والطبراني في مسنده حديث رقم : ٢٩٧٥ ، والنسائي في سننه حديث رقم : ٢٠١٨ ، والبيهقي في دلائل النبوة حديث رقم : ٦٥٣.
قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ).
ابن عرفة : يؤخذ منها صحة العمل بالقياس أنه حكم شرعي ، ويؤخذ منه إبطال القياس بوجود الفارق.
أما الأول : فلأن الآية الثانية ذكرت جوابا عن سؤال مقدر ؛ وهو أن المؤمنين يقولون : نستغفر لآبائنا قياسا على استغفار إبراهيم لأبيه ؛ فرد عليهم ذلك بذكر الفارق ، فلو لا أن القياس معمول به ما صح ذكره ، وإبداء الفارق ، قال : وعداه بعن دون اللام المقتضية للعلة ؛ لأن العلة في الاستغفار ليست هي الموعدة ؛ بل هي دخول الموعدة والجنة ، والموعدة سبب لا علة ، فكذلك عداه بعن المقتضية للتجاوز عن الموعدة والتخلص منه.
قوله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ).
ابن عرفة : المجرور متعلق بمحذوف ؛ أي ما صح لأهل المدينة ، والتخلف إن لم يصدق إلا على القادر فليست مخصوصة ، وإن صدق على القادر وغيره فهي مخصوصة بقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [سورة النور : ٦١] [سورة الفتح : ١٧] الآية.
قوله تعالى : (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ).
تأسيس لأن الأولى اقتضت حضورهم أعم من أن يقاتلوا أولا ، وهذه اقتضت المقاتلة.
قوله تعالى : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ).
هذه عكس ما يقول الأصوليون من أن الكلام على ترك الفعل يستلزم وجوبه ، والمدح عليه لا يقتضي وجوبه ، فلو قيل ههنا : ولا ينالون من عدو نيلا ، إلا كتب لهم النجاة من النار ، والتخلص من العذاب لاقتضى وجوب هذه الأمور ، وأجيب بالفرق بين كون الثناء والمدح يقتضي الوجوب ، وبين كونه لا ينافي الوجوب.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
دليل على أن فاعل هذا أبلغ درجة المحسنين.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) [سورة الأحقاف : ١٦] قال ابن عرفة : عادتهم يستشكلونها لاقتضائها أن الجزاء على الأحسن لا على
الحسن ، فإن قلت : إن المباح يصدق عليه أنه حسن فيزول السؤال ؛ لأن الجزاء إنما هو على المندوب أو الواجب ، أو يقال : إن الله يجزيهم بما فعلوا جزاء أحسن أفعالهم إكراما لهم وإحسانا لذميم لذمهم.
قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ).
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : يحتمل أن يكون هذا تقسيما أو تعميما ؛ فإن كان تقسيما فيكون إما باعتبار أحوالهم وأنهم في حالة أخرى عند نزول سورة أخرى ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وإن كان تعميما فهو إشارة إلى أنهم في كل سورة لينذر منهم هذا فبعضهم يقول : أيكم زادته هذه إيمانا ، وبعضهم ينظر إلى بعض ، إما من الخجل فيطلب الانسلاخ خوف الفضيحة بالذنب الذي عمل ، وأنه يسخر فينظر لصاحبه على سبيل السخرية والاستهزاء كما يفعل مردة الطلبة عند تكلم بعضهم بالخطأ في العلم فيسخر به أو يتغامز عليه.
قوله تعالى : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
ابن عطية : أسند الطبري هنا حديثا عن ابن عباس ، أنه قال : " لا تقولوا انصرفنا من الصلاة ، فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم ، ولكن قولوا قضينا الصلاة".
ابن عرفة : يؤخذ من هذا أن للأسماء اللغوية أثرا في التسمية في المعنى يجب باعتباره ، ولذلك نقلوا في كتاب السلم عن عمر أنه كره تسمية ، سلما قال : ويسمى تلفا ؛ لأن السلم مشتق من الإسلام.
قوله تعالى : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
ابن عرفة : تقدم فيها سؤال ، وهو أن السبب مخالف لمسببه ، و (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) معناه عن الاهتداء بعدم الفقه ، فكأنه يقول : صرفوا عن الاهتداء لعدم أهليتهم ، وأجيب بوجهين : إما أن المراد بالفقه التدبر ؛ أي صرفوا عن العلم بعدم تدبرهم وتفقههم ويطوهم ونظرهم ، وإما أن المراد أنهم غير قابلين للعلم ، أي صرفوا عن الاهتداء لعدم قبولهم له ، فإن قلت : سوءاتهما إنما هو عن رؤية المسلمين لجميعهم ، فهلا قالوا : هل يرانا من أحد؟ فالجواب أنهم قالوا لأصحابهم إن ظهر لك منا الضحك والاستهزاء ، فكذلك يكون ظهر للمؤمنين ؛ لأنهم يرونا لرؤيتكم ؛ بخلاف ما لو قال : هل يرانا من أحد.
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).
الخطاب لبني آدم أو لسائر العالم ؛ فإن كان لسائر العالم دخل فيه الجن والإنس والملائكة ، وكان بعضهم يقول : قراءة (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) تدل على الخطاب لبني آدم فيخرج الجن والملائكة.
قوله تعالى : (رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
لأنه مأمور بجهاد الكفار وقتالهم فهو رؤوف بالمؤمنين رحيم ، والرحمة أخص ؛ لأن الرأفة هي مجرد رقة القلب أعم من أن يكون معها رحمة ، وإلا فقد يرأف على الشخص ولا يرحمه إنسي ؛ بخلاف إيصال الرحمة إليه فإنها تستلزم الرأفة ؛ فلذلك بدأ بالرأفة قبل الرحمة.
سورة يونس عليهالسلام
قوله تعالى : (الر) قال الزمخشري : تقرير للحروف عن طريق التحدي بسببها.
ابن عرفة : أراد أن دليل النبوة التعجيز بالآيات وتركيب حروفها ؛ كالصانع النجار فإنه ليس من شرطه حسن الخشب بل حسن هيئتها في الصنع وشكلها ، وكذلك الصلّال ليس من شرط صنعته طينة الطفل بل حسن العمل ، وكذلك هنا إشارة إلى أن هذه الآيات أنزلت بحروف معهودة لكم تتكلمون بها إلا أن صيغة تركيبها يعجز كون التحدي بصفة التركيب لا بالمادة.
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ).
قال ابن عطية : قيل : المحكم ، وقال الزجاج : هو محكم ، وهو صفة موصوف بصفة الله تعالى فهو محكم.
ابن عطية : فرجعت إلى قول واحد.
ابن عرفة : لم يفهم عنه مراده وإنما أراد ما قال الزمخشري من أنه من باب إسناد الشيء إلى غير فاعله ، كقولهم : ليل قائم ونهار صائم ، يوصف القرآن بصفة من هو كلامه كما وصف الليل والنهار بصفة يعتد فيها.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).
حكى ابن سينا في تأليفه الخلاف هل الأرضين سبع أو لا؟ والاختيار هو أنها سبع ، وقال المازري في المعلم : سألت عنها شيخنا عبد الحميد ، فقال : إنها سبع لحديث : " من اغتصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين" ، ولقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [سورة الطلاق : ١٢] وتأول ابن رشد هذه الآية في البيان والتحصيل في مسألة سعيد بن المسيب من كتاب الصرف بأنه لا يلزم من لفظ المثل أن يكون قدرها ، وبدليل حديث : " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن (١) " ، ومع أنه لا يحاكيه في الحيعلة والحوقلة ؛ بل يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٥٨٠ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٥٧٨ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ١٩٢ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ٤٣٧ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٦٢٦ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٧٥٥ ، ـ والبيهقي في معرفة السنن والآثار حديث رقم : ٦٤٤ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ١١٢٩١.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ).
ابن عرفة : يؤخذ منها ؛ أي الاستدلال على وجوده بالإمكان وهو المناسب في الآية ؛ لأنه أظهر والإمكان أغمض ، قال : فإن قلت : الفائدة أن الخبر أعم من المبتدأ ، كقولك : الإنسان حيوان ، وجاء هذا على العكس ؛ فيلزم أن يكون كقولك : الحيوان إنسان وهذا لا يصح ، قال : والجواب أن الرب كما لا يؤخذ منه إلا واحدا كالإله ، ومن يعرف المنطق لم يفهم هذا ، فيصح الإخبار عنه بالجزي وهو الله.
قوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ).
قال : قد يتمسك به من يقول بوجود شكر المنعم عليه ؛ لأن الفاء تقتضي التثبت.
قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً).
يحتمل أن يريد بالرجوع ما ذكروه في الروح من أنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء حتى توقف بين يدي الجبار ، جل وعلا ثم ترجع روح المؤمن إلى الموضع الذي فيه جسده ، وترجع روح الكافر [٣٩ / ١٩١] إلى سجين ، ويحتمل ما ذكره المفسرون.
قوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا).
معناه لأنه صدق ولا يلزم عليه مذهب المعتزلة في أن الله تعالى لم يخلق الشر ولا أراده.
قوله تعالى : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ).
قرأ أنه بالفتح ، فقيل : هو فاعل حقا ، كقوله (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) [سورة فصلت : ٢٥] ، وقيل : مفعول فعله رباعي ؛ أي أحق أنه يبدأ الخلق.
وقال ابن عطية : أنه بدل من وعد ، ابن عرفة : أي بدل اشتمال ، ابن عرفة : فيرد عليه أن الوعد إنما يكون بأمر مستقبل ، وبدأ الخلق ماض فلا يتعلق به الوعد ، قال : وعادتهم يجيبون بوجهين :
الأول : أن المراد بالوعد الكلام القديم الأزلي والبداء والإعادة مستقلان عنه.
الثاني : أن المراد بالوعد مجموع البداء والإعادة ؛ لأن في كل واحد منهما نظر ، والمجموع مستقل ، كما قالوا في حد القياس : أنه حمل معلوم في إثبات حكم السماء وتقف عنهما ، فأورد عليه أنه يلزم منه أن يكون حكم الأصل ثابتا بالقياس ، وأجابوا بأن المراد ثبوت المجموع لا ثبوت كل واحد.
وقال ابن عرفة مرة أخرى على هذا يكون الوعد تعلق بأمرين الإبداء والإعادة فمتعلقة بالإعادة ظاهر ، وأما تعلقه بالإبداء ففيه نظر ؛ لأن الوعد إنما يتعلق بالمستقبل ، والجواب إما بأن الوعد قد حصل في الأولى فهو متقدم على الإبداء ، وإما بأنه باعتبار المجموع فيكون تعلق بالمجموع من حيث كونه مجموعا.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ).
ابن عرفة : يحتمل أن يكون من باب حذف الفاعل فذكر في الثاني ما يقع به الجزاء ، وحذف كيفه كدلالة الأول ما يقع به الجزاء لدلالة الثاني عليه ، وذكر كيفه ، والتقدير ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط الثواب الجزيل ، والذين كفروا بالقسط يجزيهم ولهم شراب من حميم وعذاب أليم.
وقوله : (بِالْقِسْطِ) يحتمل أن يرجع إلى عملهم أو إلى أجزاء عملهم.
وقوله : (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) من باب عطف العام على الخاص ، وكان بعضهم يقول : إنما التي به كذلك ؛ لأن الشراب أمر وجودي محسوس والعذاب أمر معنوي ، والوجودي لا يدخل تحت المعنوي فهما مختلفان.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً).
قال ابن عطية : النور أضعف من الضياء فكيف صح إسناده إلى الله تعالى في قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور : ٣٥] وفي الحديث" نور أنّى أراه" لما سئل هل رأى ربه أم لا؟ وأجاب بأن الضياء عام يتعلق بكل شيء ، والنور خاص ببعض دون بعض ، ولذلك وجدنا نور السراج يشرق على موضع دون موضع ، فلو نسب القتال إلى الله تعالى لكان الإيمان اضطراريا ، فلأن يكون كل واحد مؤمنا إيمانا ضروريا لظهور الأشياء تأكيد بعضه بهيئة ، فلذلك أسند النور إليه تنبيها على أنه تارة يظهر دلائل على وجوده ووحدانيته ، وصفات كماله لقوم ، وتارة يخفي عن آخرين.
ابن عطية : وهو أصلنا ، قيل لابن عرفة : يرد علي أنه إن أريد مطلق الضياء ومطلق النور فهما متساويان ، فكما قلتم : أن النور يتعلق بشيء دون شيء ، فكذلك الضياء وإن كان ذلك مضافا فيقال ضياء كذا ونور كذا ، فهو مجتنب ما يضاف إليه.
ابن عرفة : إنما لا ينافي مطلق الضياء ومطلق النور ، ويقول : إنه في اللغة يعم الضياء ويخص النور.
قوله تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ).
ابن عطية : أعاد الضمير على القمر وحده فهو من إطلاق المفرد على الاثنين.
ابن عرفة : وعادتهم يقولون : إنما خص التقدير بالقمر دون الشمس فإن منازلها تعلم بالفصول علما ضروريا ظاهرا لأن سيره في المنازل ظاهر معلوم يدرك كل أحد يضطره ؛ حتى البهائم ألا ترى أن كل أحد يعلم دخول الصيف والربيع والشتاء حتى أن الغرنوق يذهب [.....] ولا يبقى منه شيئا ، والبلائع يأتينا في أول يوم من الربيع وكل حيوان يدرك ..... (١) فضله ...... (٢) القمر ، فإن سيره في المنازل لا يدركه إلا الخواص فكذلك أعاد الضمير عليه وحده دون .... (٣) ، وقيل لابن عرفة : الخطاب إنما هو للعرب ، والعرب إنما يجيئون يحسبون بالقمري لا بالشمسي ، فقال : قد تقدم ؛ لأن ابن عبد السّلام في شرح ابن الحاجب في كتاب الزكاة فيما إذا أخرج الزكاة بالقمري وخالف الشمسي ، فكان بينهما أيام هل يعتد بها أو لا يعتد بها ، وتقدم لنا في تأليفنا الرد عليه.
قوله تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ).
قدم العدد لأنه هو المتقدم في الوضع بوضع أولا العدد ؛ ثم يقع عليه الحساب بعد ذلك.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا).
ابن عرفة : إن أريد بذلك فعل المعاصي فالرجاء بمعنى الخوف ، وإن أريد به عدم فعل الطاعة ، فالرجاء على بابه ، وفسره الفخر بالطمع وهما بمعنى واحد.
قوله تعالى : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها).
__________________
(١) كلمة غير واضحة في المخطوطة.
(٢) كلمة غير واضحة في المخطوطة.
(٣) كلمة غير واضحة في المخطوطة.
أي رضوا بها حال كونهم مطمئنين إليها ؛ فيكونوا ثلاثة أقسام : منهم من لم يرض ومنهم تراضى بالدنيا واطمأن ، ومنهم من غفل عن الآية فيتناول هذا الوعيد هؤلاء الثلاثة والأولان راجعان لعدم الاهتداء بالدلائل العقلية ، والثالث راجع لعدم الاهتداء بالدليل الشرعي.
قوله تعالى : (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ).
الصواب جعل النار مبتدأ ومأواهم خبر ليفيد حصر النار في مأواهم ؛ فيكون حجة لأهل السنة على المعتزلة وتكون الآية في الكافرين.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ابن عرفة : يؤخذ منها العمل بالقياس لأنه به يحصل التخويف ؛ فيأخذ أيضا منها القياس على أفعال الله فتكون حجة لمالك في حكمه في الرجم في اللواط قياسا على الرجم في الزنا.
قوله تعالى : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
قلنا : يؤخذ منه أن الوجود مصحح للرؤية.
قوله تعالى (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ابن عرفة : لما تضمن الكلام السابق أن الأمم السالفة أهلكوا بسبب عصيانهم عقبه بعبارات مال هؤلاء لذلك عدل فأنت تغيره ؛ لأن القادر عليه قادر على غيره وإن كان من عبد الله فأورده إليه وأبدله بقرآن آخر ، وهذا يدل على أن الدل بمعنى بدل ، وكذلك سورة الكهف (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) [سورة الكهف : ٨١] لقراءة ابن كثير يبدلهما بالتخفيف والباقون بالتشديد.
قوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ).
دليل على نفي القياس والاجتهاد ، وأجاب بأن ذلك من الوحي.
قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
دليل على أن تارك المندوب لا يسمى عاصيا للرب ، العذاب العظيم على العصيان.
خلافا لما حكى المازري في العلم في كتاب النكاح عن بعض البغداديين في حديث : " ومن لم يجب الدعوة فقد عصا أبا القاسم وما .... (١) ".
قوله تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا).
ابن عرفة : إن قلت : لم قال في سورة البقرة (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [سورة البقرة : ٢١٣] بغير أداة حصر ، وقال : هنا وما كان الناس إلا أمة واحدة بأداة الحصر.
فالجواب : أن آية البقرة خرجت مخرج ذكر بعث النبيين فلم يحتج ، وبالحصر كونهم أمة واحدة ، وهذه الآية خرجت لبيان اختلاف الأمم بعد اتفاقهم ، واحتج فيها إلى حصر كونهم أمة واحدة.
ابن عرفة : وتقدمنا فيها آية يؤخذ منها أن الإجماع حجة لا يجوز مخالفته ؛ لأنها اقتضت ذم الاختلاف بعد الاتفاق ، ولا معنى مخالفة الإجماع إلا هذا ، وقوله : قبل هذا (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ، قال بعض الطلبة : لا يبعد أن يؤخذ منها جواز النسخ في القرآن ؛ لأن مفهوم قوله : (مِنْ تِلْقاءِ) يعني أن ذلك جائز من عند الله عزوجل.
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).
ابن عرفة : يحتمل أن يريد الإحسان الأعم وهو مطلق الطاعة مع الإيمان ، والأخص وهو ما في الحديث : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (٢) ".
وسياق الآية يدل [٣٩ / ١٩٢] على أنه الأخص.
قوله تعالى : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٤٤٣١ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٩ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ١٦١ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٥٣ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ٤٠٧٨ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٩٢٨٨ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٣٥٩ ، وإسحاق بن راهويه في مسنده حديث رقم : ١٣٥ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ٣٤٣٤ ، والنسائي في سننه حديث رقم : ٤٩٣٢ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء حديث رقم : ١٣١٥٠ ، والبيهقي في دلائل النبوة حديث رقم : ٣٠٠٦.
يؤخذ منه أن الصحابة لا تستلزم الرؤية ؛ لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال ، وهم حينئذ لم يروه وإنما يرونها في المستقبل.
قوله تعالى : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ).
مناقض لقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) ، وأجاب ابن عرفة : بأن المراد : ما كنتم إيانا تعبدون عبادة مرضية لنا.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ).
يحتمل أن يكون خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو خطابا للجميع فأمر كل واحد بأن يقول ذلك ، قال : ولما تقدمها إنذار المشركين بما لحقهم من العذاب عقوبة على فعلهم القبيح ، عقبه ببيان البرهان الدال على إبطال لحربهم.
قال : وهذا يحتمل أن يكون كلا أو كلية ؛ فيتناول ثلاثة أمور :
الرزق الخاص بالسماء ، والرزق الخاص بالأرض ، والرزق المشترك بينهما وهو النبات فإنه من المطر بعد تغذيه بالتراب.
قوله تعالى : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ).
بدأ أولا بالأمر الجلي الواضح لكل أحد ؛ لأن كل أحد يحتاج إلى الغذاء ، ولا يستطيع الصبر على الجوع بوجه فيظهر له الافتقار إليه بالبديهية في كل زمان بخلاف السمع والأبصار ، فإن دوامها غالب ، وطرق الامراض عليها قليلة ليس في كل زمان ولا لكل الناس بل لبعضهم فقط ؛ فالافتقار إلى الغوث ، ثم إن إخراج الحي من الميت أخفى فلا يدركه كل أحد ، ثم تدبير الأمور وإرادتها أخفى من الجميع ، ولذلك خالف فيها المعتزلة والقدرية.
ابن عرفة : وأفرد السمع وجمع الأبصار لوجهين : لفظي ، ومعنوي ؛ أما اللفظي ؛ فلأن السمع مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه ، والبصر اسم غير مصدري.
وأما المعنوي ؛ فلأن السمع يدرك به الإنسان الصوت من الجهات الست ، والبصر لا يدرك به إلا ما يقابله فقط ، ولذلك قدم ؛ لأنه أشرف ، وهذا دليل على أن العرض لا يبقى زمنين ، وأنه في كل زمن يقدم البصر ويمده بأبصار جديدة كإعدام لون الثوب فسيقولون الله ؛ لأنه لم يخالف في ذلك أحد ، كما قال (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ).
ابن عرفة : عدا الأول بإلى ، والثاني باللام ؛ لأن إلى للغاية تقتضي أنها ما قبلها عندها ومخالفته لما بعد ، واللام للملك فالله تعالى يملك الحق ويمنحه ويعطفه ويخلقه في قلوبهم ، فهدى له كله ، والشركاء لا يملكون شيئا ، فعلى تقدير أن تكون لهم الهداية إنما يعدون الطريقة ولمبادئه ومقدماته فقط ، قيل لابن عرفة : يبطل هذا بقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) فقال : هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى ؛ لأن الشركاء لا يهدون لحقّ بوجه ، فمعناه إذا كان الذي يهدي لمقدمات الحق وأوائله أحق بالاتباع ممن لا يستطيع شيئا بوجه ، فأحرى أن لا يكون الذي منح الحق كله ، ويعطفه ويخلقه في قلوبكم أحق بالاتباع.
قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً).
مصدر مولد للفعل المنفي فهو نفي أخص ولا نفي أخص.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).
ولم يقل : بما يعملون ؛ والعمل أبلغ ألا ترى أنهم قالوا في حديث الأعمال بالنيات يستثنى منه النية ، وهي القصد إلى النظر ، والنظر قبلوا النية عملا.
وأجيب بأنه إشارة إلى تعنتهم وأن حقهم إظهار الحق وفعله.
قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
ابن عطية : هي دليل لمن يقول بالصرفة.
ابن عرفة : ومعنى الصرفة أن تقول دليل كرامتي أني أقوم من هناك إلى هنا وتعجزون أنتم عن ذلك ، فحاصله أن تعجزهم عن شيء هو من مقدورهم.
وعين الصرفة مثل أن يقول : دليل كرامتي استطاعتي ؛ أثبتها المعتزلة ، ونفاها أهل السنة.
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
الزمخشري : أي بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن وفاجؤوه في بديهة السماع قبل أن يفقهوه.
قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ).
معناه أنه غير قابل لأن يكون مفترى ، وإن يفترى مقدر بالمصدر ؛ أي كان ذا افتراء ، وما كان افتراء بمعنى مفترى ، مثل : قتلته صبرا أي مصبورا ، مثل : قال ابن عرفة : وتقدمنا فيها سؤال وهو أن ظاهر الآية أنه لم يكن مفترى على غير الله تعالى ،