تفسير ابن عرفة - ج ٢

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٥٣

سورة الأنعام

قال ابن عطية : السورة مكية إلا آيات ستة.

قال ابن عرفة : كان ابن عبد السّلام ينكر ما يفعله العوام من أنهم يقرأونها في مرة واحدة بناء على أنها منزلة دفعة واحدة ، قال : لأن الذي في كتب التفسير وفي الحديث الصحيح أنها أنزلت في مكة إلا ست منها.

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).

أفرد الأرض إما لأنها واحدة ، أو لأن المشاهد لنا منها أرض واحدة بخلاف السموات.

قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ).

جعل بمعنى صير ، والظلمات إما أمر وجودي أو أمر عدمي بناء على أن العدم الإضافي جعلي فيصح أن يكون أثر القدرة أولا ، وجمع الظلمات وأفرد النور إما لتشعب طرق الشرك وطريق الحق واحدة.

قال بعضهم : ويؤخذ منها أن في التوحيد والاعتقاد النور.

قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا).

العطف بثم ؛ لأن من ظهرت له الدلائل السمعية الظاهرة يبعد كفره مع وجودها.

قوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ).

قال ابن عرفة : الظاهر عندي أنه الأجل هو الأول هو الأجل المعتاد كقولهم في المفقود : أنه يعمر سبعين سنة ، وقيل : ثمانين أو تسعين أو مائة وعشرين فهذا أجل مقتضى معتاد ، والأجل المسمى عنده هو أجله الحقيقي الذي قدر له في اللوح المحفوظ ، وكذلك أصحاب الصنائع كلها.

قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ).

قال الزمخشري : فإن قلت : الكلام السائر أن يقال : عندي ثوب جديد ولي بعد كيس ، قال : أوجب التقديم ، قلت : أوجبه أن المعنى : وأي أجل مسمى عنده تعظيما لشأن الساعة فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.

١٤١

ابن عرفة : فإن قلت : الذي نص سيبويه وغيره على أن الأصل تقديم المبتدأ المسند إليه على المسند ، قلنا : إما باعتبار حقيقة ذلك فهو الأصل ، وإما باعتبار الكلام فالأكثر في كلامهم تقديم المسند فيقال : عندي ثوب جديد.

قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ).

ابن عرفة : احتج بها من يقول بالتجسيم ، واحتج آخرون على منعه باستحالة حلول الجوهر الواحد والجسم الواحد في مكانين في زمن واحد ، قيل لابن عرفة : لعله غير متناه فيحل في السموات وفي الأرض ، يقال : جعل بعضه في هذه وبعضه في هذه ، أو الآية اقتضت .... (١) كله في الأرض ..... (٢) وأنها لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) أي بعلمه وإحاطته.

قوله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ).

هذه دليل على أن متعلق الحواس الخمس من قبيل المعلومات بعد تقرير أن صفة السمع مغايرة لصفة البصر.

وقوله تعالى : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه : ٧].

قيل : هو كلام النفس ، وقال بعضهم : هو الكلام قبل كونه سرا.

قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ).

قال الزمخشري : من الثانية للتبعيض.

ابن عرفة : ويحتمل أن يكون لبيان الجنس تعظيما للآية وتنزيلا لها منزلة كل الآيات إشارة إلى أن كل آية في نفسها عظيمة تقوم مقام الآيات الكثيرة.

قوله تعالى : (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).

من شرط قيام الصفة بالموصوف عدم اتصافه بضدها وهم لما أتتهم الآية الثالثة على صدق الرسول المشروطة بالنظر أعرضوا عنها ، ولم ينظروا فلو نظروا لآمنوا فشرط الإيمان النظر في الآية فاتصفوا بضد شرطها وهو الإعراض.

قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) [٢٩ / ١٤٥] إشارة إلى غوايتهم وشدة تعنتهم في مبادرتهم بالتكذيب بنفس المجيء من غير تأن ولا تأمل.

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

(٢) طمس في المخطوطة.

١٤٢

قوله تعالى : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ).

التمكين فيها هو جوزها جوزا يستلزم التصرف فيها بما شاء من أنواع التصرفات.

قال الزمخشري : مكن لعاد وثمود وغيرهم في البسطة في الأجسام والسعة في الأموال واستظهار بأسباب الدنيا.

قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ).

قال ابن عطية : يشبه أن يكون سبب نزول هذه اقتراح عبد الله بن أبي أمية وتعنته إذ قال للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : لا آمن بك حتى تصعد إلى السماء وتنزل بكتاب من عند الله إلى عبد الله بن أمية يأمرني بتصديقك.

قال ابن عرفة : سبب في ما لا يصح أن يقرر به مناسبتها لما قبلها بوجه ، قال : وإنما سبب نزولها عندي أحد أمرين ، إما لأنه لما تقدمها التنبيه على وعظهم وتخوفهم بأنه أرضيته وهو وجود أعم قبلهم تعنتوا وخالفوا فأهلكوا ، ومع ذلك فلم يتعظوا بهم ولم ينفع ذلك فيهم عقبه ببيان أنهم لو نزل عليهم آية سماوية لما آمنوا ، وإما لأن الأول إخبار لهم عن قوم مضوا كانوا كفروا عقبه ببيان أنهم كما لم ينفع فيهم الإخبار عمن هلكوا بعد أن كفروا كذلك لا ينفع فيهم الأمر الغريب المشاهد الذي لمسوه بأيديهم.

قال ابن عرفة : والآية تدل على أن العلوم تتفاوت فالعلم المحسوس هو أقرب وهذا نظير ما قرروه من أن النظر يعرض له الغلط والاختلاف خلاف اللمس.

قوله تعالى : (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا). هذا من وضع الظاهر موضع المضمر ، أي : لقالوا.

قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً).

قال ابن عرفة : هذا من القياس المقسم أي لو جعلناه ملكا لما آمنوا ؛ لأنه إما أن يجعل ملكا على صورة الملائكة ، أو ملكا على صورة رجل ، فإن جعل على صورة الملائكة فلا يستطيعون النظر إليه وإن نظروا إليه هلكوا ، وإن جعل ملكا في صورة رجل فإنهم يتشككون فيه ويدعون أنه غير رسول.

قال ابن عرفة : وعادتهم يوردون أن هذا من ترتيب الشيء على نقيضه إذ لا يقال : لو كان البحر متحركا لكان ساكنا ؛ لأن اجتماعهما محال ، قال : وأجيب بوجهين :

١٤٣

إما أنه من الترتيب على المحال والمحال قد يستلزم محالات ، وإما أن ذلك في الأمر العقلي وهذا أمر جعلي شرعي فيصح كون النتيجة مناقضة للمقدم.

قوله تعالى : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).

قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : انظر هل هذا مثل : ضربته ضربا ، أو مثل : ضربته ضرب الأمير ، قال : والجواب أنا إذا بنينا على مذهب المعتزلة في أن العبد يخلق أفعاله فهو مثل : ضربت ضرب الأمير ، وكذلك إن بنينا على مذهب أهل السنة في أثمان الكسب ، وإما إن بنينا على مذهبه من نفاء الكسب وقال : لا فاعل إلا الله فهو مثل : ضربته ضربا.

قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا).

قلت : معناه إباحة السير للتجارة وغيرها في الأرض ، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ، وعطف بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح.

وقوله تعالى : فانظروا.

جعل النظر مسببا عن السير لم يسيروا لأجل النظر فجعل السير عن النظر فيكون السير سببا ومسببا ، وهذا تناقض ، وأجاب ابن عرفة بأنه سبب بوجهين واعتبارين فالنظر سبب في السير بأن يكون هو العلة الغائبة فهو سبب ذهني ، والسير سبب وجودي موصول إلى النظر.

قوله تعالى : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

الصواب أن يرجع إلى ما تقدم أي فهم لا يؤمنون بالمعاد وبجميع ما سبق فلذلك كانوا خاسرين.

قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

إما أن يراد نفس السكون وهو أكثر من نفس الحركة ، إذ لا حركة إلا وقبلها سكون ، ولأن الحركة نفسها دالة على الحدوث وأن لها خالقا بخلاف السكون.

قوله تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

لف ونشر.

قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا).

هذا ما يفهمه إلا من قرأ أصول الدين وعلم أن الغيرين يطلقان على المثلين.

١٤٤

قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

وفيه دليل على أن عظم المظروف يستلزم عظم الظرف ، أبو حيان : هذه جملة شرطية فلا موضع لها كالاعتراض بالقسم.

وقيل : هي في موضع نصب على الحال ، أي قل : إني أخاف عاصيا ربي ، وأبطله ابن عرفة من جهة المعنى ، قال : والصواب أن يقول : قل إني أخاف مفروضا عصياني [٣٠ / ١٤٦] (رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

قال ابن عرفة : والآية دالة على صحة المقدمة الكبرى.

وقول الفخر في المعالم : تارك المأمور به عاص ، وكل عاص يستحق العذاب ، فأفاد ترتيب العذاب العظيم على مطلق العصيان ، وفيه رد على من يقول إن العصيان على تارك المندوب ، لقوله تعالى : (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، وفيه دليل على أن عظم المظروف يستلزم عظم الظرف ، ولو لا ذلك لما وصف اليوم بقوله (عَظِيمٍ) ، وفي لفظ الرب إشارة إلى شدة خوفه ؛ لأنه إذا خاف من الله حالة استحضار رأفته ورحمته فأحرى أن يخاف منه حالة استحضار عزته وقهره.

قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ).

أبو حيان : مفعول يصرف محذوف اختصارا تقديره : أي شيء يصرف الله العذاب عنه.

وجعل أبو علي المفعول المحذوف متميزا عائدا على العذاب ، قال : وليس حذف الضمير بالسهل.

قال ابن عرفة : لا صعوبة فيه ؛ لأنه إن رد الصعوبة بحذف المفعول فلا صعوبة فيه ، وإن ردها بحذف الضمير العائد على من فليس بمحذوف بل هو المجرور بعن ومن يصرف عنه العذاب عنه.

قوله تعالى : (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ).

إن قلت : لم حصر كشف الضر في الله تعالى ولم يخص ...... (١) بالصرفية ، قال : والجواب بما تقرر في علم أصول الدين أن المقصود بالشيء قادر على الاتصاف بنقيضه ، فلما حصر كشف الصرفية دل على أن غيره لا يكشف الضر إذا لم يقدر على

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

١٤٥

كشف الضر لم يقدر على نقيضه ، وهو إيقاع الضر ؛ لأن القادر على الشيء قادر على نقيضه ، قيل له : أنا قادر على إدخال إصبعي في الخاتم ، ولا يقدر على إخراجه ، وقال : لم يقدر قط على إدخاله.

قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ).

ابن عرفة : الفوقية إما إشارة إلى قهره واستيلائه على العباد ، أو بمعنى أنه فوق ما يظن من القهر والغلبة.

قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ).

قال ابن عطية : قيل : الضمير عائد على التوحيد ، وهو استشهاد في ذلك على مشركي كفار قريش بأهل الكتاب وهو منقطع عن الأول ؛ لأنه يصح أن يستشهد بأهل الكتاب ويأتون في آية أخرى.

ابن عطية : يصح ذلك لوجهين واعتبارين ، والحسن ما شهدت به الأعداء ، والمعرفة.

قال الفخر : إنها راجعة إلى التصويرات ، والعلم للتصديق ، وأورد أن قولك :

عرفت زيدا تصديق لا تصور ؛ لأنه حكم واجب بأن المراد المتعلق متعلق العلم محكوم به ومحكوم عليه ؛ لكونه يتعدى إلى مفعولين ، ومتعلق المعرفة محكوم عليه فقط ، ورد بأن المراد تصور المحكوم به والمحكوم عليه وتصور النسبة التي بينهما.

قوله تعالى : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ).

ولم يقل : أولادهم ؛ لأن محبة الإنسان ابنه أكثر من محبة ابنته ، وموالاته لابنه أقوى من موالاته لابنته ، فمعرفته بذكور بنيه أقوى من معرفته بإناثهم.

قال ابن عرفة : ودلت الآية على أن الصفة تنزل منزلة العين فأخذوا منها مطلبين :

الأول : أنها حجة للقول بجواز الغائب على الصفة إذا كانت تحيط به من جميع الوجوه.

الثاني : جواز الاكتفاء في الشهادة بالصفة عن التعريف ، قال : وأجيب بأن الصفة إنما تتنزل منزلة الموصوف إذا كانت صفة خاصة ، وهي التي تجب بها قرينة تخصها ، والقرينة هنا هي المعجزة التي أوتيها الرسول دليلا على صدقه.

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).

١٤٦

قال ابن عرفة : هذه الآية رد على الجاحظ القائل بأن الكذب لا يطلق إلا على من تعمد الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به ؛ لأنه إذا كان الكذب لا يطلق إلا على من تعمد ذلك فما هو افتراء الكذب ، وإذا جعل الكذب عاما في الأمرين ، فنقول : افتراء الكذب هو التعمد على الشيء بخلافه ، والكذب المطلق هو أن يجريه ناسيا فهذا كذب من غير افتراء.

قال ابن عرفة : أجابوا عن الجاحظ بأن الكذب على قسمين كذب في أمر ظاهر لا نشك فيه فهذا افتراء وكذب في أمر يمكن أن يكون حقا أو باطلا فهذا كذب من غير افتراء ، قال : وهذا اللفظ تأسيس ؛ لأن الكذب على الله بمنزلة من تجرأ على متاع السلطان فتصرف فيه ويكون كلامه بمنزلة من لم يصدق بما أتى من السلطان من الخبر فالأول أقوى جرأة.

قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

دليل على شدة شر الظالم وعلى شؤم عدم الفلاح ؛ لأنه ختم على هؤلاء به وعلل عذابهم بذلك ، [٣٠ / ١٤٦] أو بمعنى بل أو بمعنى الواو ، قيل لابن عرفة : إن جعلنا أو بمعنى الواو يبقى من اتصف بأحد الأمرين فقط غير دليل في الآية ، قال : وإن لم يجعلها بمعنى الواو ولم يعن الآية ؛ لأن المتصف بالأمرين هذا أظلم ممن اتصف بأحدهما بلا شك فيبقى من اتصف بأحدهما بلا شك أظلم من جميع الناس بل أظلم من بعضهم فقط.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا).

ابن عرفة : اختلف في العامل في يوم ، فقيل : قوله (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وعبر بالشركاء إما لأن المراد ظلمهم.

قوله تعالى : (شُرَكاؤُكُمُ).

سؤال توبيخ وتبكيت.

ابن عرفة : وتقدم لنا في الآية سؤال وهو أن جوابها مخالف للسؤال لوقوع السؤال بالفعل مثبتا وهو (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، والجواب بالاسم منفيا وهو (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، ولم يقل : ما أشركنا مع أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم فلا يلزم منه نفي مطلق الإشراك عنهم ، قال : وتقدم الجواب بأن المراد نفي الإشراك الأخص الموجب للخلود في النار ، وهو الإشراك المتصل بالنار ، وأما نفي مطلق الإشراك فلا لأن من أشرك وتاب من شركه لا يعذب.

١٤٧

قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).

قال ابن عرفة : تقدمنا فيها سؤال ، وهو أنهم كذبوا لأنفسهم لا عليها لكونهم قصدوا به منفعة أنفسهم لا مضرتها ، قال : والجواب أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به فهم أخبروا عن أنفسهم بغير ما اتصفوا به فهم كاذبون عليها ، فإن قلت : هلا قيل : كذبوا وضل عنهم ، وما أفاد زيادة قوله (أَنْفُسِهِمْ) ، قلنا : فائدة التشنيع عليهم في أنفسهم ؛ لأنهم كذبوا عمدا عدوانا ؛ لأن الكذب على الأجنبي يوهم فيه النسيان والخطأ ، وهؤلاء كذبوا على من هم عاملون حقيقة.

ابن عطية : وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هو حكاية عن يوم القيامة ، فوضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا لوقوع الفعل ، وإن كان في الدنيا فظاهر.

ابن عطية : وأضاف الشرك إليهم ؛ لأنه لا شركة في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء.

قال ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : إذا بنينا على الخلاف المذكور في الأصول في التقييد ، بالحكم المشتمل على وصف مناسب إما أن يراعى فيه ذات الشيء ، أو الوصف المناسب فإن روعي هنا ذات الشيء فهو سؤال عن الشركاء حقيقة وهم موجودون ، وإن روعي هنا الوصف فليس ثم شركه ولا شركاء بوجه.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ).

قال الزمخشري : سبب نزولها أن أبا سفيان والوليد ، والنضر ، وعقبة ، وشيبة ، وأبا جهل استمعوا قراءة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيبة ما يقول محمد؟ قال : والذي جعلها بنية يعني مكة ما أرى ما يقول محمد إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين ، فقال أبو سفيان : إني لا أراه إلا حقا ، فقال أبو جهل : كلا فنزلت الآية ، قال ابن عرفة : قول أبي سفيان إني لا أراه إلا حقا محتمل أن يكون تصديقا كقول النضر ، وهو الظاهر ، أو لقول النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الظاهر لقول أبي جهل كلا ، ابن عرفة : والآية إما حكاية حال ماضية للتصوير مثل (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [سورة الحج : ٦٣] ، أو حال حقيقة ؛ لأن ذلك وقع ولم يزل مشاهدا.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً).

قرره الزمخشري على مذهبه.

١٤٨

قيل لابن عرفة : أكنة جمع قلة ، وقلوبهم جمع كثرة ، فكيف يسر القليل الكثير؟ فقال : استعمل جمع القلة هنا من أدائه الكثرة.

قال ابن عرفة : وتقدمنا سؤال وهو أن السمع متقدم في الوجود على الفهم إذ لا يفهم الإنسان الشيء حتى يسمعه ، فقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود.

قيل لابن عرفة : فقد يفهم من لا يسمع وذلك من الكتب ، فقال : الكتب من السمع إلا يرى أن الدلائل السمعية منها مسموع ومنها مكتوب ، وكلها راجعة للسمع ؛ لأن المكتوب يسمع قبل كتبه وحينئذ يكتب ، وتقدم الجواب بما أجيب به في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [سورة البقرة : ١٧] من أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ولا ينعكس ، والمسموع أعم ؛ لأن منه ما يفهم ، ومنه ما لا يفهم ، فلو قدم أولا لكان نفي الفهم عنه تأكيدا ، فلما قيل (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) انتفى عنهم الفهم ، وبقى السمع بلا فهم ، فبقي ثانيا وكان تأسيسا ، قلت : وأجاب بعضهم بأن المراد الفهم بقصد والسمع وصله [٣٠ / ١٤٧] ، والمقصد أشرف من الوسيلة فقدر للاهتمام.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها).

هذا زيادة في التشنيع عليهم بأنهم لا يؤمنون إلا بالمسموع أو بالمرئي ، وعبر بأن الدلالة على الشك وعدم الوقوع ؛ لأن رؤيتهم لكل الآية لم تقع وإنما الواقع رؤيتهم لبعضها ، قال ابن عرفة : وكل هذه كما ذكر النحويون أنها إن ارتفعت تقتضي العموم ، وإن انتصبت لم تعم ، ذكروه في قوله :

قد أصبحت أم الخيار تدعي

علي ذنبا كله لم أصنع

وقال السكاكي : من البيانين أنها إن دخلت على كلام منفي اقتضت العموم ، وإن دخل المنفي عليها لم تقتضي العموم.

قال ابن عرفة : والصحيح أيضا إن دخلت على أعم كانت كلية فلم تقتضي نحو كل حيوان ، وإن دخلت على شخص كانت تقتضي العموم نحو : كل الرغيف أكلته.

قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا). قال الزمخشري : إما أنه من تمام الأول ، ولو ردوا لقالوا : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [سورة الجاثية : ٢٤] ، وإما أنه قولهم في الآخرة ، فيرجع لقوله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).

ابن عرفة : أو استئناف كلام أي واساهم هذا ، فيرجع إلى قولهم في الدنيا.

١٤٩

قال ابن عرفة : والناس على ثلاثة أقسام :

قوله : يقول هذا بلسان مقاله والآخر يقول بلسان حاله

وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ، وآخر لا يقول شيئا ، وحال الناس على ثلاثة أقسام : فالظالم المنهمك في ظلمه بأخذ أموال الناس ويفعل المحرمات شرعا مع علمه بتحريمها حاله كحال ، من قال : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا.).

والزاهد في الدنيا المقبل على عبادة ربه والوقوف عند أمره ونهيه حاله كحال من قال : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).

والمتوسط الحال كمن لم ينطق.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ).

أتى بلفظ الرب مع أن المقام مقام عذاب وانتقام.

قال ابن عرفة : فيجاب بما أجابوا في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [سورة الانفطار : ٦] بأن كرمه ورحمته يوحيان الغرور به فلا سبيل يضل عنه ، فأجابوا ثم إن المراد : ما غرك بربك المنعم عليك بإرسال الرسل ، وبيان الدلائل والمواعظ والزواجر بحيث لا عذر لك في المخالفة وكذلك هنا.

قوله تعالى : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ). إنما قاله لهم مباشرة وهو ظاهر الآية أو على لسان ملك وهو المناسب لحال المواددين.

قوله تعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ).

إلى شدة عذابهم ؛ لأنه لما سمى هذا .... (١) دل على أن ما بعده أشد منه.

قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

قيل لابن عرفة : احتج بها الفخر الخطيب على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، فقال : هذا كفر أخص.

قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً).

قال أبو حيان : الغاية هنا مجاز ؛ لأن ما قبلها لا ينقطع هنا عندها.

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

١٥٠

قال ابن عرفة : بل يقول : ينقطع ويكون من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح كقوله :

هو الكلب إلا أن فيه ملالة

وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب

قوله تعالى : (يا حَسْرَتَنا).

قلت : الحسرة اللائقة بهم فلذلك أضافوها إليهم.

قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).

اللعب : الاشتغال بما لا يفيد بأمر عن أمر ملائم ، ولذلك أكثر ما يطلق اللعب على فعل الأطفال واللهو على الرجال.

قوله تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ).

المراد عقل النجاة والفوز لا عقل التكليف وفعل المجانين من غير قصد ، وفعل العقلاء عن قصد وكسب وأعذار ، كان الكسب الرأي وهو العلم بما في العمل من مصلحة أو مفسدة ، فالفعل إن كانت فيه مصلحة لا يشهد الشرع باعتبارها فهو لعب ولهو ، فمن يأكل ليتقوى على الطاعة فهو مندوب إليه وله فيها الثواب ، ومن يأكل لإقامة بدنه خاصة فهذا لمصلحة خاصة فهو سبب النهي ، ومن يأكل لمجرد الالتذاذ فهذا يشبه ، ووقع في القرآن اللعب مقدما على اللهو مرة ، ومؤخرا عنه أخرى فهو دليل على التسوية بينهما في المفسدة.

قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ).

احتجوا لهذا القائل بأن الكذب إنما يطلق على من تعمد الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به.

وأجاب ابن عرفة : بأن هذا تكذيب لا كذب ، والتكذيب قد يكون فيما قد طابق وفيما وافق.

قوله تعالى : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ).

قال ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها عندي أن الإنسان إذا استحضر مقام التوحيد علم أن الأشياء كلها [٣٠ / ١٤٧] خلق الله تعالى وفعله واختراعه ، قيل لابن عرفة : قد يحتج بها من يمنع النسخ في القرآن ، فقال : النسخ بحقيقة ؛ لأن المنسوخ لم يزل ثابتا في الذهن فلم ينسخ من جميع الوجوه ، قيل له : فاليهود بدلوا وغيروا في التوراة ، يقال : بدلوا ألفاظها ، وأما معناها وهو الكلام القديم الأزلي فلم يقع فيه تبديل بوجه.

١٥١

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى).

المراد الهداية بالفعل واعتزل الهدوي هنا ، فقال : لاضطرّهم إلى الهداية فاهتدوا.

قيل لابن عرفة : قال بعضهم : لو شاء الله لنصب لهم الدلائل المتوسطة ليظهر الحكمة في ذلك فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم فيقع الثواب والعقاب بسبب.

قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ).

وقال لنوح : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [سورة هود : ٤٦] فأورد المفسرون سؤالا من ناحية أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والمراد أمته ، وإما أن نوحا خوطب بهذا السند وسببه ، وإما لأن القريب المحبوب ليشدد عليه النهي أكثر ممن ليس كذلك كراهة أن يقع المحظور ، قلت : ونحوه نقل القاضي عياض في مداركه عن بعضهم لمن عرف بالسهروردي المالكي فقيه بغداد ، وأنشدوا :

إذ لا نصيب الصديق قارعة التأ

نيب إلا من الصديق الرغيب

وأخبر ابن عطية بأن الأمر الذي نهى عنه نبينا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أكبر وأعظم من الذي نهى عنه نوح عليه‌السلام ، فكان النهي في .... (١) يحاسب بتعلقه ، ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بوجهين :

أحدهما أن نوحا خوطب بهذا حيث لم يكن هنالك كفار بوجه ؛ لأنه خوطب به بعد أن غرق الكفار ولم يبق سوى هو وقومه ، والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم خوطب بذلك في محل الكفار ......... (٢) بهم فشدد عليه في النهي لينزجر الكفار ويتعظوا.

الثاني : أن هذا ينتج العكس سواء ، فيعجل نهيه مقرونا بالتخويف ، لقوله (إِنِّي أَعِظُكَ) هو أكثر من نهي النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، قلت : وكذا قال القاضي عياض في مداركه لما ذكر ما نقلنا عنه ، ثم قال : والصحيح أن الآيتين بمعنى وانظر كتاب الشفاء لعياض.

قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى).

قال ابن عرفة : هذا يحتمل وجهين :

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) بياض في المخطوطة.

١٥٢

أحدهما : أن المراد الذين يسمعون السماع النافع.

والثاني : أن يريد نفي السماع عنهم من أصل إشارة إلى أنهم لما لم ينفعهم السماع صاروا كأنهم لا يسمعون شيئا.

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).

قال ابن عرفة : فيه سؤالان :

الأول : أنهم طلبوا تنزيل آية فما جوابهم إلا أن يقال : إن الله يفعل ما يشاء ؛ لأنهم لا ينكرون أن الله قادر على تنزيل آية ، وإنما طلبوا أن ينزل الله على نبيه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم آية فهذا راجع للإرادة لا للقدرة ، فكيف أجيبوا بالقدرة ، قال : والجواب أن القدرة تستلزم الإرادة له لا قدرة إلا بإرادة ، وإن أريد التعلق الصلاحي فليست مستلزمة لها.

السؤال الثاني : أن الاسم إذا كرر فإنما يكون معرفا ، كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [سورة المزمل : ١٥ ـ ١٦] والجواب أنه قصد هنا عدم المبالاة بكلامهم ، فالمراد أن الله قادر على أن ينزل آية ، فالإطلاق أعم من الآية التي طلبوا إنزالها أو غيرها ، فإن قلت : النكرة في سياق الثبوت ، فهلا قيل : إن الله قادر على تنزيل الآية ، فالجواب أنهم طلبوا آية خاصة عظيمة.

قوله تعالى : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ).

في الافتقار والخلق.

قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).

قال أبو البقاء : في موضع المصدر أي تفريطا ، فيبطل القول بأن الكتاب يحتوي على شيء مثل : لا يضركم كيدهم شيئا أي ضرا.

واعترضه أبو حيان بأن النفي إذا تسلط على المصدر انتفى.

وأجاب ابن عرفة بأنه رآها أن النفي دخل على الفعل المؤكد بالمصدر فنفاه ، ونحن نقول : دخل على الذي قبل التأكيد ثم أكد بعد ذلك ، وهو نفي أعم لا نفي أخص.

قوله تعالى : (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ).

قال ابن عرفة : الصمم ظاهر والبكم إما لا كلام لهم في الظاهر ، وإن أريد النطق القولي فليس مبين ، وإن أريد النطق القلبي فبين.

١٥٣

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ).

قال ابن عرفة : إن قلت : لم أعاد الفعل والأصل في المعطوفات [٣٠ / ١٤٨] المتفقة الألفاظ الاكتفاء بالأول ، فيقال : أرأيتم إن أتاكم عذاب الله أن الساعة ، فأجاب بأنه إذا كان صدور الفعل الأول من فاعله أقوى بالمعنى من صدور الثاني عن فاعله أو العكس فيعاد لفظ الفعل الأول ، وإن لم يكن بينهما تفاوت ولا اختلاف في إحداث الفعل فيكتفى بالأول ، ولا شك أن إتيان عذاب الله مغاير لإتيان الساعة ، قوله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). جوابه محذوف أي فبينوا ذلك أو قدموه على تكذيبكم أو كفركم.

قوله تعالى : (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ).

قال : الساعة إما يوم القيامة أو موت كل إنسان ، قال : وكان يجيء لنا فيها سؤال بياني ، وهو أنه إذا عطفت جملة فعلية على جملة فعلية موافقة لها في اللفظ وفي المعنى فإنه يحذف الفعل الثاني اكتفاء بالأول ، فتقول : قام زيد وعمرو فلم أعيد الفعل هنا في الجملة الثانية ، قال : وتقدم الجواب بوجهين :

أما إذا كان اللفظان متفاوتين في المعنى فيعاد الثاني إشعارا بالتفاوت ، ولا شك أن إتيان العذاب أشد من إتيان الساعة ، وإما إشعار لما بينهما من البعد فإنه إن أريد بالساعة القيامة ، وبعذاب الله المحق والرزايا في الدنيا فيعقبها بعد كثير ومهلة تامة ، وإن أريد بالساعة الموت فالمحن الدنيوية كثير منها متقدم ومنها متأخر إلى الموت فالبعد ظاهر.

قيل لابن عرفة : وكيف يحسن أن يعقب ذلك ، بقوله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) سواء فسرنا الساعة بالقيامة أو الموت إذ لا يكون الدعاء إلا في الدنيا ، قال : قد قالوا (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) [سورة المؤمنون : ١٠٧] (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [سورة الزخرف : ٧٧] قيل : هذا دعاء لا يفيد ، فقد قال : فيكشف ما تدعون إليه ، قلت : ويمكن الجواب بأن يهلك بعضهم فيتعظ به من يبقى منهم ويدعوا.

قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

جوابه فدوموا على كفركم وإلا فتبينوا إلى ذلك.

قوله تعالى : (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ).

١٥٤

قال ابن عرفة : قلت : علق هنا بالمشيئة ، وقال في البقرة (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [سورة البقرة : ١٨٦] ولم يقل : إن شئت ، قال : وتقدم الجواب بوجهين :

الأول : أن تلك في المؤمنين وهذه في الكفار.

الثاني : إن ذاك السؤال تضرع وتذلل في الدنيا لتعجيل الإجابة المحققة التي لا يرد فيها وهذا ليس كذلك ، فناسب أن يكون معلقا على المشيئة.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ).

هذا تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ).

ابن عطية : أي فكذبوا فأخذناهم.

ابن عرفة : ويحتمل أن لا حذف فيها ؛ لأن الكل عبيده يفعل فيهم ما شاء ، هذا مذهب أهل السنة ، قال تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [سورة آل عمران : ١٨٦] قيل له : قد قال : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء : ١٥] فقال : هذا بلاء.

قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).

أي أخذناهم أخذا متراخيا معه الناظر لحالهم تضرعهم.

قوله تعالى : (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ).

إما راجع إلى نفس التضرع فهو ترك فيكون دليلا على أن الترك فعلا ، لقوله تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ). ابن عرفة : وقال قبلها : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) ووجهه أنه لما كانت الأولى مبدأ الخطاب بولغ في الخطاب فيها ، والثانية : اكتفى فيها بالخطاب الأول فلم يحتج إلى المبالغة ، والثانية : وقع الفصل بينها وبين الأول وفيه شبه طوله ؛ فأعيدت الكاف فيها للخطاب ، وقدم السمع إشارة إلى أنه أشرف لتعلقه بالغائب والبصير لا يرى إلا الحاضر.

ابن عرفة : وعادتهم يقولون في هذه الآية دليل لمن يقول : إن العرض ينفى زمانين ؛ لأن السمع والبصر صفتان ليس منهما الحدقة بل الصفة المتعلقة بهما عرضان ، فالذي تعلق به الآخر إما موجود أو معدوم ، فالمعدوم لا يتعلق به أحد وإنما

١٥٥

يتعلق الآخر بالموجود ، وهذا هو عين القول بأن العرض يبقى زمانين ، قيل : معنى عدم الأخذ عدم الإيراد بعرض آخر ، فقال : ليس هذا هو حقيقة الأخذ فيلزمك المجاز ، والأصل حمل اللفظ على حقيقته.

قوله تعالى : [٣٠ / ١٤٨] (وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ).

فيه سؤال وهو هلا قيل : أخذ الله سمعكم وأبصاركم وعقولكم ، أو كمال قال في البقرة (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) [سورة البقرة : ٧]؟ وأجيب بوجهين :

الأول : أن العقل شرط في التكليف فلو أخذ العقل لسقط التكليف.

الثاني : أن العقول بها تنافي العقوبة على السمع والبصر ، ألا ترى أن في المدونة في جلد من يجن أحيانا ويفيق أحيانا أنه إنما يجلد حالة إفاقته من سكره ، فإذا أخذ السمع والبصر بقي العقل يتألم بما فيه ، ويذوق العقوبة ويعلم قدرها ، وأما المجنون أخذ له لذلك عنده بوجه.

قوله تعالى : (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ).

إشارة إلى أنكم كما تعلمون أن الله خالق كل شيء فاعلموا أن من تمام ذلك توحيده ونفي الشريك عنه.

قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ).

إن أريد الصفة التي وقعت بها الشركة فالتصرف بمعنى التفريع ، وإن أريد أشخاص الآيات فالتصرف بمعنى التنكير والتكوين.

قوله تعالى : (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ).

العطف بثم إشارة إلى أنهم بعد تأملهم وتأنيهم يبعدون عن الآيات.

قوله تعالى : (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ).

وقال في الحديث : " أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث (١) " ، فالجواب أن ذلك إهلاك بموت ، وفي الآية إهلاك عقوبة.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).

__________________

(١) أخرجه الطبراني في مسنده حديث رقم : ٣٠٦٠.

١٥٦

قال ابن عرفة : تقدم لنا فيها سؤال وهو أنهم كفار فعبر عن عذابهم بالمس وهو أوائل العذاب ، فهلا قيل : محيط بهم العذاب؟ قال : وتقدم لنا الجواب بأنه يناله مقدمات العذاب بأعم وصف ، وإن شئت أن تقول وصفهم بأخص وصف وهو التكذيب ، والكفر اعتبارا بأعمه وهو الفسق ، ومجرد الخروج عن طاعة الله ، ورتب على ذكر الأعم مقدمات العذاب وعلله بالوصف الأعم وهو الفسق فيتناول ما فوقه من باب أحرى.

وقال الزمخشري : جعل العذاب ماسا كأنه يفهم بهم ما يرى من الألم ، ومنه قوله : ليست الأوامر إلا بعد مسّ.

قال ابن عرفة : هذا خلاف ما قاله ابن رشد في المقدمات في الفرق بين الملامسة والمماسة ، فقال : الملامسة لا تكون إلا عن قصد بخلاف المماسة ، فيقال : تماس الحجران ، ولا يقال : تلامس الحجران ، ابن عرفة : إلا أن يجاب بأن العذاب يعقل فيه الفاعلية ، والحجر لا يعقل فيه الفاعلية فلا يلامس الحجر الحجر ، ويقال : تماس الحجران.

قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ). ابن عطية : سببها أن الكفار ، قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) [سورة الفرقان : ٧ ـ ٨] ، (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ) [سورة الإسراء : ٩٠ ـ ٩١].

قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : هذا بسبب ماض ، فهلا قال : ما قلت لكم خزائن الله؟ ، قال : وتقدم الجواب بأنه لو قال كذلك لما تناول النهي إلا القول اللفظي الماضي فقط ، وقد ينفي الإنسان الشيء فيما مضى ويفهم من حاله أنه سيقوله في المستقبل ، إذ دل الحال على أنه يقول ذلك لهم فيه فقد نفى ، بقوله الصدق : لا أقول لكم عندي كذا ، فإن قلت : هلا قال لهم : ليست عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب فهو أقوى وأبلغ من نفي القول ، أو لعلهم يتوهمون أن ذلك عنده وإنما دليل حالهم أنهم نسبوا إليه أنه ادعى أن ذلك في قدرته.

قوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ).

وقد يحتج بها من ينفي القياس ، فيجاب بأن القياس من الوحي ، لقوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [سورة الحشر : ٢] وقد يحتج بها من ينفي كونه

١٥٧

مجتهدا فيه ، فيجاب بأن الاجتهاد من الوحي ، لقوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً)(١) [سورة النساء : ١٠٥].

قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ).

[٣٠ / ١٤٩] ابن عرفة : الإنذار عام للجميع وتخصيصه فهؤلاء إما لأنه إنذار خاص وهو الإنذار المؤثر النافع ، أو لأن مفهومه عدم إنذار غيرهم فيعارض منطوق الآية الأخرى المتطابق لإنذار الجميع ، أو بين المفهوم والإنذار لغير الخائنين من باب أحرى.

ابن عرفة : وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [سورة البقرة : ٤٦] إما أنه راجع لملازمين فهم في كل زمان لا يطمعون في الحياة إلى الوقت الذي بعده ، وكذلك حري ههنا ، قال : وعبر بلفظ الرب تنبيها على أنهم إذا خافوا مولاهم مع استحضارهم ما عنده من الحنان والشفقة فأحرى أن يخافوا مع استحضارهم أنه عزيز ذو انتقام.

قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ).

الولي هو الناصر مقيد بكونه قريبا ، أو يكون بينه وبين وليه لحمة بوجه ، والشفيع هو الناصر مطلقا قريبا كان أو أجنبيا وهو من عطف الأعم على الأخص.

قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ).

لما ذكر ابن عرفة اختلاف طريق المفسرين في سبب نزول الآية ، وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحكم أحيانا باجتهاده من غير وحي عملا بتقديم أرجح المصلحتين ودرء المفسدتين ؛ لأنه لا يرى إبعاد أولئك يوجب كفرهم لقوة إيمانهم ، ويوجب إيمان كثير من صناديد قريش.

قال أبو نعيم في الحلية : وكان سفيان الثوري يتحلى بهذه الصفة المذكورة في هذه الآية فيفضل في مجلسه الفقراء على الأغنياء ، ابن عرفة : إنما دلت الآية على التسوية بين الأصلح والصالح ، وبين الفقير الصالح والغني.

__________________

(١) وردت في المخطوطة لقوله تعالى فاحكم بينهم ما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما والصحيح ما أثبتناه من نص المصحف.

١٥٨

قال ابن عرفة : وشرفوا هؤلاء بأمرين بالنهي عن طردهم ، وبالثناء عليهم لصلاتهم بالغدو والعشي ، قال ابن الخطيب : وأخذ منها بعضهم ، من قوله (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) حجة القول بإمكان الخطأ عليه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في اجتهاده ووقوعه ، وهو قول حكاه ابن الحاجب ، ورده ابن عرفة بأنه هم بذلك ولم يفعله فعصمه الله من فعله فكيف يأخذ منه وقوع ذلك.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ).

قال ابن عرفة : أكثر المفسرين على أن الكاف للتشبيه أي مثل طلب صناديد الكفار منك أن تطرد ضعفاء المؤمنين فتنا بعضهم ببعض طلبوا منك طرد المؤمنين ، كما نقول : لأجل فتنة زيد لعمرو قتله.

قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا).

قال ابن عطية : اللام للصيرورة.

ابن عرفة : هذا إنما يقوله الفلاسفة الطبائعيون ، ولا يقوله سني ولا معتزلي لاستلزامه نسبة الجهل إلى الله تعالى لمخالفته لقواعد أهل السنة من وجهين : من نسبة الجهل إلى الله تعالى ، ومن تعليل أفعال الله تعالى ومخالفته لغير أهل السنة من نسبة الجهل إلى الله تعالى فقط.

قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).

قالوا : دخل النفي على الأخص فكان نفي أخص ، فدخلت الهمزة عليه فأثبته على ما هو عليه فصار إثباتا لبعض.

قوله تعالى : (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ).

قال ابن عرفة : يحتمل أن يكون أمر بأن يقول لهم ذلك على أنه من عند نفسه تحية لهم ، أو يقوله تبليغا عن الله تعالى ، كما تقول لصاحبك : إذا رأيت فلانا فسلم عليه أي عني فبلغه سلامي ، والظاهر الثاني لوجهين : لأن فيه تشريفا لهم وتعظيما ، وأيضا فإن الأول مخالف للحكم الشرعي بأن الداخل هو المأمور بالسلام على المدخول عليه.

قال ابن عرفة : وتقدمنا في ذلك قوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [سورة الذاريات : ٢٥] إن الرفع أبلغ من النصب لاقتضاء الاسم الثبوت بخلاف الفعل ، قال السكاكي : فسلام إبراهيم صلّى الله على نبينا محمد وعليه وعلى آلهما وسلم أبلغ من سلام الملائكة ، وتقدم الجواب بأن الملائكة لما دخلوا

١٥٩

على إبراهيم وكان جاهلا بهم ففزع منهم حسبما قال (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، فقالوا (سَلاماً) بلفظ المصدر المؤكد بفعل [٣٠ / ١٤٩] مقرر منسوب إليهم ، أي قالوا : سلمنا سلاما فنطقوا بالسلام ونسبوا الفعل إلى أنفسهم مؤكدا بالمصدر لتحصل له الطمأنينة منهم ، فلذلك أكده بالمصدر المقتضي لإزالة الشك عن الحديث من حيث نسبته للمحدث عنه ليزول عنه فزعه ويعتقد سلامته منهم ، بخلاف ما لو قال : سلام لاحتمال أن يكون منسوبا لهم أولا فالنصب أبلغ.

قوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).

قال إمام الحرمين في باب الصفات الصحيح جواز إطلاق النفس على الله تعالى واحتج بهذه الآية ، والواجب قسمان : واجب لذاته ، وواجب لعارض كالمعاد فإنه لذاته جائز وبإخبار الشرع واجب ، وكذلك الرحمة واجبة بإيجاب الله تعالى لها.

قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ).

ابن عرفة : التوبة بذاتها كافية في حصول المغفرة ، فما أفاد قوله (وَأَصْلَحَ؟) ، قال : وتقدم لنا الجواب بأن هذه توبة لغوية ، ومجموع قوله (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) توبة إصلاحية ، قيل له : ألفاظ الشرع إنما تحمل على حقائقها الشرعية ، فقال : ليس بمعنى الاصطلاح اصطلاح الشارع ، وإنما يعني اصطلاح جملة الشريعة.

قوله تعالى : (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

إما تفسير الكتاب نفسه ، أو تفسير لبعض جزئياته.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ).

قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : ما الفرق بين قولك : علي كالأسد ، وقولك : كالأسد علي ، وضربت زيدا في الدار ، وفي الدار ضربت زيدا؟ ، الفرق بينهما إنما هو الاهتمام بالشيء والاعتناء به ، فإن كان المقصود الأهم الاعتبار بالتشبيه العارض للذات ، والذات معلومة للمخاطب لكن مخاطب به قريب المخبر عنه أو صديقه قدم المجرور ، فيقال : كالأسد علي ، وإن كان المقصود الأمران وهو التعريف بالذات بوصفها العارض وهو الشبه قدم المبتدأ ، فيقال : علي كالأسد ، وكذلك قولك : ضربت زيدا في الدار كان الأهم الإخبار بالضرب فقدم ، وإن كان المقصود الإخبار بمحله ، قلت : في الدار ضربت زيدا ، والخطاب هنا للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والآية هي الآية البينة الواضحة معلومة.

قوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).

١٦٠