تفسير البغوي - ج ٢

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) ، يا محمد ، (فَقُلْ لِي عَمَلِي) ، وجزاؤه ، (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) ، وجزاؤه ، (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ، هذا كقوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [القصص : ٥٥] ، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)) [الكافرون : ٦]. قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية الجهاد ، ثم أخبر أن التوفيق للإيمان به لا بغيره.

فقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ، بأسماعهم الظاهرة فلا ينفعهم ، (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) ، يريد صمم القلب ، (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ).

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ، بأبصارهم الظاهرة ، (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) ، يريد عمي القلوب (١) ، (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ، وهذا تسلية من الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : إنّك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفّق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) ، لأنه في جميع أفعاله متفضّل وعادل ، (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، بالكفر والمعصية. [قرأ حمزة والكسائي : «ولكن الناس» بتخفيف نون (وَلكِنَ) ورفع (النَّاسَ) ، وقرأ الباقون (وَلكِنَّ النَّاسَ) ، بتشديد نون (وَلكِنَ) ونصب (النَّاسَ)](٢).

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) ، قرأ حفص بالياء والآخرون بالنون ، (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) ، قال الضحاك : كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار. وقال ابن عباس : كأن لم يلبثوا في قبورهم إلّا قدر ساعة من النهار ، (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) ، يعرف بعضهم بعضا حين يبعثوا من قبورهم (٣) كمعرفتهم في الدنيا ، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة. وفي بعض الآثار : إن الإنسان يعرف يوم القيامة من بجنبه (٤) ولا يكلّمه هيبة وخشية. (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) ، والمراد من الخسران : خسران النفس ، ولا شيء أعظم منه.

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠))

قوله تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) ، يا محمد في حياتك (٥) من العذاب ، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) ، قبل تعذيبهم ، (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) في الآخرة ، (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) ، فيجزيهم به ، (ثُمَ) بمعنى الواو ، تقديره : والله شهيد. وقال مجاهد : فكان البعض الذي أراه [له صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٦) قتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم.

قوله عزوجل : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) ، خلت ، (رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) ، وكذّبوه ، (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ، أي : عذّبوا في الدنيا وأهلكوا بالعذاب ، يعني : قبل مجيء الرسل (٧) ، لا ثواب ولا عقاب.

__________________

(١) في المطبوع «القلب» والمثبت عن المخطوط.

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من ط ومن المخطوط.

(٣) في المطبوع «بعثوا من القبور» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «يحبه».

(٥) زيد في المخطوط «وبعض الذي نعدهم».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) في المطبوع «الرسول».

٤٢١

وقال مجاهد ومقاتل : فإذا جاء رسولهم الذي أرسل إليهم يوم القيامة قضي بينه وبينهم بالقسط ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، لا يعذّبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجّة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيّئاتهم.

(وَيَقُولُونَ) ، أي : المشركون ، (مَتى هذَا الْوَعْدُ) ، الذي تعدنا يا محمد من العذاب. وقيل : قيام الساعة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنت يا محمد وأتباعك.

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي) ، لا أقدر لها على شيء ، (ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ، أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، أن أملكه ، (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) ، مدّة مضروبة ، (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) ، وقت فناء أعمارهم ، (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، أي : لا يتأخّرون ولا يتقدّمون.

قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) ، ليلا ، (أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) ، أي : ما ذا يستعجل من الله المشركون. وقيل : ما ذا يستعجل من العذاب المجرمون ، وقد وقعوا فيه. وحقيقة المعنى : أنهم كانوا يستعجلون العذاب ، فيقولون : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، فيقول الله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ) ، يعني : [أي شيء](١) يعلم المجرمون ما ذا يستعجلون ويطلبون ، كالرجل يقول لغيره وقد فعل قبيحا ما ذا جنيت على نفسك.

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦))

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) ، قيل : معناه أهنالك ، وحينئذ ، وليس بحرف عطف ، (إِذا ما وَقَعَ) نزل العذاب ، (آمَنْتُمْ بِهِ) ، أي بالله في وقت اليأس. وقيل : آمنتم به أي صدّقتم بالعذاب وقت نزوله ، (آلْآنَ) ، فيه إضمار ، أي : يقال لكم : الآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ، تكذيبا واستهزاء ، [قرأ ورش عن نافع «الآن» بحذف الهمزة التي بعد اللام السكنة وإلقاء حركتها على اللام ، وبمدّ الهمزة الأولى على وزن عالان ، وكذلك الحرف الآخر ، وروى زمعة بن صالح الان على مثل علان بغير مدّ ولا همزة بعد اللام ، وقرأ الباقون (آلْآنَ) بهمزة ممدودة في الأول وإثبات همزة بعد اللام ، وكذلك قالون وإسماعيل عن نافع](٢).

(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ، أشركوا ، (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، في الدنيا.

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) ، أي : يستخبرونك يا محمد ، (أَحَقٌّ هُوَ) ، أي : ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، (قُلْ إِي وَرَبِّي) ، أي : نعم وربّي ، (إِنَّهُ لَحَقٌ) لا شك فيه ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) ، أي : بفائتين من العذاب ، لأن من عجز عن شيء فقد فاته.

(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) ، أي : أشركت ، (ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) ، يوم القيامة ، والافتداء

__________________

(١) زيادة عن المخطوط وفي ط «أيش» بدل «أي شيء».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من ط ومن المخطوط.

٤٢٢

هاهنا بذل ما ينجو به من العذاب. (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) ، قال أبو عبيدة : معناه أظهروا الندامة لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع. وقيل : معناه أخفوا أي أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء خوفا من ملامتهم وتعييرهم ، (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ، فرغ من عذابهم ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥)).

(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)).

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ) ، تذكرة ، (مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) ، أي : دواء لما في الصدور من داء الجهل ، وقيل : (لِما فِي الصُّدُورِ) ، أي : شفاء لعمى القلوب ، [والصدر موضع القلب وهو أعزّ موضع في الإنسان لجوار القلب](١) ، (وَهُدىً) ، من الضلالة ، (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، والرحمة هي النعمة على المحتاج ، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا [فإنه](٢) لا يقال قد رحمه ، وإن كان ذلك نعمة فإنه لم يضعها في محتاج.

قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) ، قال مجاهد وقتادة : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن. وقال أبو سعيد الخدري : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله. وقال ابن عمر : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : تزيينه في القلب. وقال خالد بن معدان : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : السّنن. وقيل : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : الجنّة. (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) ، أي : ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله ، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، أي : [خير](٣) مما يجمعه الكفار من الأموال. وقيل : كلاهما خبر عن الكفار. [وقيل : عن المؤمنين](٤) وقرأ أبو جعفر وابن عامر : (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء و (تجمعون) بالتاء ، وقرأ يعقوب كلاهما بالتاء ، [ووجه هذه القراءة أن المراد : فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما يجمعونه من الأموال](٥) ، مختلف عنه خطابا للمؤمنين.

(قُلْ) يا محمد لكفار مكة ، (أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) ، عبّر عن الخلق بالإنزال لأن ما في الأرض من خير ، فما أنزل الله من رزق من زرع وضرع ، (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) ، هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. قال الضحاك : هو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الأنعام : ١٣٦]. (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) ، في هذا التحريم والتحليل ، (أَمْ) ، بل (عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، وهو قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].

(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أيحسبون أنّ الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه ، (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٥) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

٤٢٣

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣))

قوله عزوجل : (وَما تَكُونُ) ، يا محمد ، (فِي شَأْنٍ) ، عمل من الأعمال ، وجمعه شئون ، (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) ، من الله ، (مِنْ قُرْآنٍ) ، نازل ، وقيل : منه أي من الشأن من قرآن ، نزل فيه ثم خاطبه وأمّته فقال : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) ، أي : تدخلون وتخوضون فيه ، والهاء عائدة إلى العمل ، والإفاضة : الدخول في العمل. وقال ابن الأنباري : تندفعون فيه. وقيل : تكثرون [فيه](١) ، والإفاضة : الدفع بكثرة ، (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) ، يغيب عن ربّك ، وقرأ الكسائي (يَعْزُبُ) بكسر الزاي ، وكلك في سورة سبأ [٣] ، وقرأ الآخرون بضمّها وهما لغتان. (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) ، أي : مثقال ذرة ، و (مِنْ) صلة والذرة هي النملة الحمراء الصغيرة. (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) ، أي : من الذرة ، (وَلا أَكْبَرَ) ، قرأ حمزة [والكسائي](٢) ويعقوب برفع الراء فيهما عطفا على موضع المثقال قبل دخول (مِنْ) ، وقرأ الآخرون بنصبهما ، إرادة (٣) للكسر عطفا على الذرة في الكسرة ، (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، وهو اللّوح المحفوظ.

قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)) ، واختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم. قال بعضهم : هم الذين ذكرهم الله ، فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣)) ، وقال قوم : هم المتحابّون في الله.

[١١٥٠] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا

__________________

[١١٥٠] ـ حسن. إسناده ضعيف. لم يسمعه شهر بن حوشب من أبي مالك كما سيأتي ، فإن بينهما عبد الرحمن بن غنم. لكن للحديث شواهد وطرق.

وهو في «شرح السنة» ٣٣٥٨ بهذا الإسناد ، وفي «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٣٢٤ عن معمر به.

وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٩٠٠١ من طريق أبي الحسين بن بشران به.

وأخرجه أحمد (٥ / ٣٤١) من طريق عبد الرزاق لكنه زاد «عبد الرحمن بن غنم» بين شهر وأبي مالك.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٣٤٣٣ من طريق عبد الرزاق به.

وأخرجه أبو يعلى ٦٨٤٢ من طريق عوف عن أبي المنهال عن شهر بن حوشب قال : كان منا رجل. معشر الأشعريين. قد صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهد معه مشاهده الحسنة الجميلة. مالك أو ابن مالك شك عوف ... فذكره.

قال الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٢٧٧) (١٧٩٩٨) : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير شهر بن حوشب ، وقد وثقه غير واحد اه.

قلت : الصواب أن شهرا سمعه من عبد الرحمن بن غنم ، وشهر مدلس ، وهو كثير الإرسال.

وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٧١٤ وأحمد (٥ / ٣٤٣) (٢٢٣٩٩) من طريق عبد الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري وإسناده غير قوي ابن بهرام وشهر متكلم فيهما.

وللحديث شواهد منها :

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «أراد» والمثبت عن المخطوط.

٤٢٤

إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن [ابن] أبي حسين عن شهر بن حوشب عن أبي مالك الأشعري قال :

كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيّون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة» ، قال : وفي ناحية القوم (١) أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال : فرأيت في وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم البشر ، فقال : «هم عباد من عباد الله من بلدان شتّى لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها ولا دنيا يتباذلون بها يتحابّون بروح الله يجعل الله وجوههم نورا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن ، يفزع الناس ولا يفزعون ، ويخاف الناس ولا يخافون».

ورواه عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا شهر بن حوشب قال : حدثني عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) :

[١١٥١] [وفي بعض الأخبار المرفوعة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢) سئل : من أولياء الله؟ قال : «الذين إذا رأوا ذكر الله».

[١١٥٢] ويروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الله تعالى : «إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم».

__________________

حديث عمر أخرجه أبو داود ٣٥٢٧ والطبري ١٧٧٢٩ والبيهقي في «الشعب» ٨٩٩٨ وأبو نعيم في «الحلية» (١ / ٥) وإسناده منقطع. قال البيهقي : والمحفوظ عن أبي زرعة عن عمر بن الخطاب ، وأبو زرعة عن عمر مرسل. اه.

وحديث ابن عمر أخرجه الحاكم (٤ / ١٧٠ ، ١٧١) وصححه ووافقه الذهبي.

وحديث أبي هريرة أخرجه الطبري ١٧٧٢٨ وأبو يعلى ٦١١٠ والبيهقي في «الشعب» ٨٩٩٧ وصححه ابن حبان برقم ٥٧٣ وقال البيهقي : كذا قال عن أبي هريرة وهو وهم والمحفوظ عن أبي زرعة عن عمر ، وأبو زرعة عن عمر مرسل اه.

الخلاصة : هو حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده.

(١) انظر ما تقدم.

[١١٥١] ـ ضعيف. أخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٢٣٥ وابن المبارك في «الزهد» ٢١٨ والطبراني ١٢٣٢٥ من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا ، وإسناده ضعيف لضعف جعفر بن المغيرة في روايته عن سعيد بن جبير ، وقد خالفه غير واحد فرووه مرسلا وقال الهيثمي في «المجمع» (٧ / ٣٦) : رواه الطبراني عن شيخه الفضل بن أبي روح ، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات اه.

وأخرجه ابن المبارك ٢١٧ والطبري ١٧٧١٩ و ١٧٧٢٣ و ١٧٧٢٦ ومن طرق عن سعيد بن جبير مرسلا ، وهو أصح ، وورد عن ابن عباس موقوفا.

أخرجه الطبري ٧٧١٨ ، وورد عن ابن مسعود قوله ، أخرجه برقم ١٧٧٢٤ ، وهو أصح من المرفوع.

الخلاصة : المرفوع ضعيف ، والصحيح موقوف.

[١١٥٢] ـ ضعيف. هو بعض حديث أخرجه أحمد (٣ / ٤٣٠) من حديث عمرو بن الجموح وصدره : «لا يحقّ العبد صريح الإيمان» وهذا السياق له شواهد ، وأما سياق المصنف ، فهو ضعيف.

وقال الهيثمي في «المجمع» (١ / ٨٩) : رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد ، وهو منقطع ضعيف اه.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (١ / ٨٩) (٣٠٤) من حديث عمرو بن الحمق وقال الهيثمي : وفيه رشدين ، وهو ضعيف.

__________________

(١) في المخطوط «المسجد» والمثبت عن ط و «شرح السنة».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٤٢٥

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥))

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، اختلفوا في هذه البشرى.

[١١٥٣] روي عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، قال : «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له».

[١١٥٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لم يبق من النبوّة إلّا المبشرات» ، قالوا : وما المبشّرات؟ قال : «الرؤيا الصالحة». وقيل : البشرى في الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة [الجنّة](١).

[١١٥٥] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرزاق بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي حدثنا علي بن الجعد أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال :

سمعت عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر : يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس؟ قال : «تلك عاجل بشرى المؤمن».

وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن أبي عمران ، وقال (٢) : ويحمده الناس عليه.

__________________

[١١٥٣] ـ حسن غريب. أخرجه الترمذي ٢٢٧٥ وابن ماجه ٣٨٩٨ والطبري ١٧٧٣٣ و ١٧٧٣٤ و ١٧٧٣٥ و ١٧٧٣٦ و ١٧٧٤٠ و ١٧٧٤٥ و ١٧٧٤٦ والحاكم (٢ / ٣٤٠) من طرق عدة كلهم من حديث عبادة بن الصامت ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حديث حسن ، وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام ابن العربي» ١٢٤٥ بتخريجي.

[١١٥٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

أبو اليمان هو الحكم بن نافع ، شعيب هو ابن أبي حمزة ، الزهري هو محمد بن مسلم.

وهو في «شرح السنة» ٣١٦٥ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح البخاري» ٦٩٩٠ عن أبي اليمان به.

وورد من وجه آخر عن زفر بن صعصعة بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة بمعناه.

أخرجه مالك (٢ / ٩٥٦) ومن طريقه أخرجه أبو داود ٥٠١٧ وأحمد (٢ / ٣٢٥) والحاكم (٤ / ٣٩٠ ، ٣٩١) وابن حبان ٦٠٤٨.

وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه مسلم ٤٧٩ وأبو داود ٨٧٦ والنسائي (٢ / ١٨٨ و ١٩٠) والشافعي (١ / ٨٢) وعبد الرزاق ٢٨٣٩ وابن أبي شيبة (١ / ٢٤٨ و ٢٤٩) وأحمد (١ / ٢١٩) والحميدي ٤٨٩ وأبو عوانة (٢ / ١٧٠) وابن الجارود ٢٠٣ وابن حبان ١٨٩٦ و ٦٠٤٥ والبيهقي (٢ / ٨٧ و ٨٨).

[١١٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

أبو عمران هو عبد الملك بن حبيب.

وهو في «شرح السنة» ٤٠٣٤ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٢٦٤٢ وابن ماجه ٤٢٢٥ وأحمد (٥ / ١٥٧ و ١٦٨) وابن حبان ٣٦٦ من طرق عن شعبة به.

وأخرجه مسلم ٢٦٤٢ وأحمد (٥ / ١٥٦) وابن حبان ٣٦٧ من طريق حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني به.

(١) هذه الرواية عند مسلم ٢٦٤٢ وانظر الحديث المتقدم.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

٤٢٦

وقال الزهري وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من [عند](١) الله تعالى عند الموت ، قال الله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت : ٣٠] ، وقال عطاء [بن السائب](٢) عن ابن عباس : البشرى في الدنيا [يريد](٣) عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة ، وفي الآخرة عند خروج نفس المؤمن من يعرج بها إلى الله ويبشّر برضوان الله. وقال الحسن : هي ما بشّر الله المؤمنين [به](٤) في كتابه من جنّته وكريم ثوابه ، كقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٥] ، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٢٣] ، (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) [فصلت : ٣٠]. وقيل : بشّرهم (٥) في الدنيا بالكتاب والرسول أنهم أولياء الله ، ويبشّرهم (٦) في القبور (٧) وفي كتب أعمالهم بالجنّة. (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) ، لا تغيير (٨) ؛ لقوله ولا خلف لوعده. (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) ، يعني : قول المشركين ، [قرأ نافع : (وَلا يَحْزُنْكَ) بضم الياء وكسر الزاي ، وقرأ الآخرون (يَحْزُنْكَ) بفتح الياء وضم الزاي ، وهما لغتان ، يقال : حزنه الشيء يحزنه وأحزنه](٩) ، تمّ الكلام هاهنا ثم ابتدأ ، فقال : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) ، يعني : الغلبة والقدرة لله (جَمِيعاً) ، هو ناصرك وناصر دينك والمنتقم منهم ، قال سعيد بن المسيّب : إنّ العزّة لله جميعا ، يعني : أن الله يعزّ من يشاء ، كما قال في آية أخرى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] ، وعزّة الرسول والمؤمنين بالله فهي كلّها لله ، (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) ، هو إمّا استفهام معناه : وأيّ شيء يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاء؟ وقيل : وما يتبعون حقيقة لأنهم يعبدونها على ظنّ أنهم شركاء فيشفعون لنا وليس على ما يظنون ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ، يظنون أنها تقرّبهم إلى الله ، (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ، يكذبون.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) ، مضيئا يبصر فيه ، كقولهم : ليل نائم وعيشة راضية. قال قطرب : تقول العرب : أظلم الليل وأضاء النهار وأبصر ، أي : صار ذا ظلمة وضياء وبصر ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ، سمع الاعتبار أنه ممّا لا يقدر عليه إلّا عالم قادر.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «بشراهم».

(٦) في المخطوط «بشراهم».

(٧) في المخطوط «القبر».

(٨) في المطبوع «تغيّر» والمثبت عن المخطوط.

(٩) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

٤٢٧

(قالُوا) ، يعني : المشركين ، (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، وهو قولهم الملائكة بنات الله ، (سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ) ، عن خلقه ، (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، عبيدا وملكا ، (إِنْ عِنْدَكُمْ) ، [أي](١) : ما عندكم ، (مِنْ سُلْطانٍ) ، حجّة وبرهان ، و (مِنْ) صلة [تقديره : ما عندكم سلطان](٢) ، (بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩)) ، لا ينجون ، وقيل : لا يبقون في الدنيا ، ولكن : (مَتاعٌ) ، قليل يتمتعون به وبلاغ ينتفعون به إلى انقضاء آجالهم ، و (مَتاعٌ) رفع بإضمار ، أي : هو متاع ، (فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣))

قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) ، أي : اقرأ يا محمد على أهل مكة خبر نوح ، (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) ، وهم ولد قابيل ، (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ) ، عظم وثقل عليكم ، (مَقامِي) طول [عمري](٣) ومكثي فيكم (وَتَذْكِيرِي) ، ووعظي إيّاكم (بِآياتِ اللهِ) ، بحججه وبيّناته (٤) فعزمتم على قتلي وطردي (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) ، أي : أحكموا أمركم واعزموا عليه ، (وَشُرَكاءَكُمْ) ، أي : وادعوا شركاءكم أي آلهتكم فاستعينوا بها لتجتمع معكم [على ما أردتموه مني](٥). قال الزجاج : معناه فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، فلما ترك (مع) انتصب. وقرأ يعقوب : شركاؤكم رفع ، أي : فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم. [وقرأ رويس عن يعقوب (فَأَجْمِعُوا) بوصل الألف وفتح الميم ، والوجه من جمع يجمع ، والمراد : فاجمعوا ذوي أمركم ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والمعنى : اجمعوا رؤساءكم](٦) ، (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) ، أي : خفيّا مبهما ، من قولهم : غمّ الهلال على الناس ، أي : أشكل عليهم وخفي ، (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) ، أي : أمضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات وقضى دينه إذا فرغ منه. وقيل : معناه توجّهوا إليّ بالقتل والمكروه. وقيل : فاقضوا ما أنتم قاضون ، وهذا مثل قول السحرة لفرعون : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] ، أي : اعمل ما أنت عامل ، (وَلا تُنْظِرُونِ) ، ولا تؤخّرون وهذا على طريق التعجيز ، أخبر الله عن نوح [صلاة الله وسلامه عليه](٧) أنه كان واثقا بنصر الله تعالى غير خائف من كيد قومه ، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس إليهم نفع ولا ضر ، إلّا أن يشاء الله.

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أعرضتم عن قولي وقبول نصحي ، (فَما سَأَلْتُكُمْ) ، على تبليغ الرسالة والدعوة ، (مِنْ أَجْرٍ) ، من جعل وعوض ، (إِنْ أَجْرِيَ) ، ما أجري وثوابي ، (إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٣) زيد في المطبوع.

(٤) في المخطوط «بيانه».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٧) زيادة عن المخطوط.

٤٢٨

الْمُسْلِمِينَ)، أي : من المؤمنين. وقيل : من المستسلمين لأمر الله.

(فَكَذَّبُوهُ) ، يعني نوحا (فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) ، أي : جعلنا الذين معه في الفلك سكان الأرض خلفاء عن الهالكين. (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) ، أي : أخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا.

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠))

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً) ، أي : من بعد نوح رسلا. (إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، بالدلالات الواضحات ، (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) ، أي : بما كذّب به قوم نوح من قبل ، (كَذلِكَ نَطْبَعُ) ، أي : نختم ، (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ).

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) ، يعني : أشراف قومه ، (بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).

(فَلَمَّا جاءَهُمُ) ، يعني : جاء فرعون وقومه ، (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ).

(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) ، تقدير الكلام : أتقولون للحقّ لما جاءكم سحر ، أسحر هذا ، فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه. (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ).

(قالُوا) ، يعني : فرعون وقومه لموسى ، (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) ، لتصرفنا. وقال قتادة : لتلوينا ، (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) ، الملك والسلطان ، (فِي الْأَرْضِ) ، أرض مصر ، وقرأ أبو بكر : ويكون بالياء ، (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) ، بمصدّقين (١).

(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩)).

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)).

(فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣))

(فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : «السحر» ، [بقطع الألف](٢) بالمدّ على الاستفهام ، [و (ما) في هذه القراءة للاستفهام وليست بموصولة ، وهي مبتدأة و (جِئْتُمْ بِهِ)

__________________

(١) في المخطوط «مصدقين».

(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

٤٢٩

خبرها ، والمعنى : أيّ شيء جئتم به؟ وقوله : «السحر» بدل عنها](١) ، وقرأ الباقون (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ، بوصل الألف من غير مدّ ، [و (ما) في هذه القراءة موصولة بمعنى الذي و (جِئْتُمْ بِهِ) ، صلتها وهي مع الصلة في موضع الرفع بالابتداء ، وقوله : (السِّحْرُ) خبره أي الذي جئتم به السحر](٢) ، وتقوي هذه القراءة قراءة ابن مسعود «ما جئتم به سحر» ، بغير الألف واللام. (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).

(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ، بآياته ، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

(فَما آمَنَ لِمُوسى) ، لم يصدّق موسى مع ما آتاهم به من الآيات ، (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) ، اختلفوا في الهاء التي في (قَوْمِهِ) ، قيل : هي راجعة إلى موسى ، وأراد بهم مؤمني بني إسرائيل الذين كانوا بمصر وخرجوا معه. قال مجاهد : كانوا أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل هلك الآباء وبقي الأبناء. وقال الآخرون : الهاء راجعة إلى فرعون. وروى عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وماشطة ابنته. وعن ابن عباس رواية أخرى : أنهم كانوا سبعين ألف (٣) بيت من القبط من آل فرعون ، وأمهاتهم من بني إسرائيل فجعل الرجل يتبع أمه وأخواله. وقيل : هم قوم نجوا من قتل فرعون ، وذلك أن فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة من بني إسرائيل إذا ولدت ابنا وهبته لقبطية خوفا [عليه](٤) من القتل ، فنشئوا عند القبط ، وأسلموا في اليوم الذي غلبت السحرة [فيه](٥). قال الفراء : سمّوا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل ، كما يقال لأولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن الأبناء ، لأن أمّهاتهم من غير جنس آبائهم ، (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) ، قيل : أراد بفرعون آل فرعون ، أي : على خوف من آل فرعون وملئهم ؛ كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، أي : أهل القرية. وقيل : إنما قال : (وَمَلَائِهِمْ) ، وفرعون واحد لأن الملك إذا ذكر يفهم منه هو وأصحابه ، كما يقال قدم الخليفة يراد هو ومن معه. وقيل : أراد ملأ الذرية ، فإن ملأهم كانوا من قوم فرعون. (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) ، أي : يصرفهم عن دينهم ولم يقل يفتنوهم لأنه أخبر عن فرعون وكان قومه على مثل ما كان عليه فرعون ، (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ) ، لمتكبّر ، (فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ، المجاوزين الحدّ لأنه كان عبدا فادّعى الربوبية.

(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))

(وَقالَ مُوسى) لمؤمني قومه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٣) في المخطوط «سبعون أهل».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٤٣٠

(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) ، اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنّوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا. وقال مجاهد : لا تعذّبنا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق لما عذّبوا ويظنوا أنهم خير منّا فيفتتنوا.

(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)).

قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) هارون ، (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) ، يقال : تبوّأ (١) فلان لنفسه بيتا ومضجعا إذا اتّخذه ، وتبوّأته (٢) أنا إذا اتخذته له ، (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ، قال أكثر المفسّرين : كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم ، وكانت ظاهرة ، فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة [فيها](٣) فأمروا أن يتّخذوا مساجدهم (٤) في بيوتهم ويصلوا فيها خوفا من فرعون ، وهذا قول إبراهيم وعكرمة عن ابن عباس. وقال مجاهد : خاف موسى ومن معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة ، فأمروا [أن يجعلوا](٥) في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة ، يصلّون فيها سرّا [(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)](٦) ، معناه : واجعلوا وجوه بيوتكم إلى القبلة. وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، يا محمد.

قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) ، من متاع الدنيا ، (وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ، اختلفوا في هذه اللام ، قيل : هي لام كي ، معناه : آتيتهم كي تفتنهم فيضلّوا ويضلّوا عن سبيلك ؛ كقوله : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [الجن : ١٦] ، وقيل : هي لام العاقبة يعني : فيضلوا ويكون (٧) عاقبة أمرهم الضلال ؛ كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) ، قال مجاهد : أهلكها ، والطمس : المحو (٨) ، [وقال أكثر المفسّرين : امسخها وغيّرها عن هيئتها](٩). وقال قتادة : صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم كلها حجارة. وقال محمد بن كعب : جعل سكرهم (١٠) حجارة ، وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارا حجرين والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا ، [وكان الرجل كذلك](١١). قال ابن عباس رضي الله عنه : بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا. ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة (١٢) والجوزة مشقوقة وإنها لحجر. قال السدي : مسخ الله أموالهم حجارة والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة ، فكانت إحدى الآيات التسع. (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، أي : أقسها (١٣) واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ، (فَلا يُؤْمِنُوا) ، قيل : هو نصب بجواب الدعاء بالفاء. وقيل : هو عطف على قوله :

__________________

(١) في المطبوع «بوّأ» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «بوّأته» والمثبت عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «مساجد» والمثبت عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) في المطبوع «ليضلوا فيكون» والمثبت عن المخطوط وط.

(٨) في ط «المحق».

(٩) زيادة عن المخطوط.

(١٠) في المطبوع «صورهم» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري».

(١١) زيادة عن المخطوط.

(١٢) في المطبوع «منقوشة» والمثبت عن المخطوط.

(١٣) في المطبوع «اقسمها» والمثبت عن المخطوط وط.

٤٣١

(لِيُضِلُّوا) ، أي : ليضلّوا فلا يؤمنوا. وقال الفراء : هو دعاء محله جزم ، فكأنه قال : اللهمّ فلا يؤمنوا ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، وهو الغرق. قال السدي : معناه أمتهم على الكفر.

(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠))

(قالَ) الله تعالى لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) ، إنما نسب إليهما ، والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن ، والتأمين دعاء (١). وفي بعض القصص : كان بين دعاء موسى وإجابته أربعون سنة. (فَاسْتَقِيما) ، على الرسالة والدعوة وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب ، (وَلا تَتَّبِعانِ) ، نهي بالنون الثقيلة ، ومحله جزم ، يقال في الواحد : لا تتبعنّ بفتح النون لالتقاء الساكنين وبكسر النون في التثنية لهذه العلّة. وقرأ ابن عامر (٢) بتخفيف النون. [وقد اختلفت الروايات عنه فيه ، فبعضهم روى عنه (تَتَّبِعانِ) بتخفيف التاء الثانية وفتح الباء وتشديد النون. وبعضهم روى عنه (تَتَّبِعانِ) بتشديد التاء الثانية وكسر الباء وتخفيف النون ، وبعضهم روى عنه كقراء الجماعة. والوجه في تخفيف النون](٣) إن نون التأكيد تثقل وتخفف. (سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، يعني : ولا تسلكا سبيل الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فإن وعدي لا خلف فيه ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه.

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) ، عبرنا بهم (فَأَتْبَعَهُمْ) لحقهم وأدركهم ، (فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) ، يقال : أتبعه وتبعه إذا أدركه ولحقه ، واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به. وقيل : هما واحد. (بَغْياً وَعَدْواً) ، أي : ظلما واعتداء. وقيل : بغيا في القول وعدوا في الفعل. وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه ، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدّمهم جبريل على فرس وديق وخاض البحر ، فاقتحمت الخيول خلفه ، فلما دخل آخرهم وهمّ أولهم أن يخرج [من البحر](٤) انطبق عليهم الماء.

وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) ، أي : غمره الماء وقرب هلاكه ، (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) ، قرأ حمزة والكسائي «إنه» بكسر الألف ، أي : آمنت وقلت إنه. وقرأ الآخرون أنه بالفتح على وقوع آمنت عليها.

[وإضمار حرف الجر ، أي : آمنت بأنّه ، فحذف الباء ، وأوصل الفعل بنفسه ، فهو في موضع النصب](٥) ، (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، فدسّ جبريل في فيه من حمأة البحر. وقال :

(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))

(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) ).

__________________

(١) زيد في المخطوط «على الرسالة والدعوة».

(٢) في المخطوط «ابن عباس».

(٣) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

٤٣٢

[١١٥٦] روي عن ابن عباس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما أغرق الله فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو إسرائيل [وأنا من المسلمين](١) ، فقال جبريل عليه‌السلام : يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال (٢) البحر فأدسّه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة».

فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه ، قالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا كأنّه ثور ، فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا [بل طرحه خارجه](٣) ، فذلك قوله :

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) ، أي : نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع. وقرأ يعقوب : (نُنَجِّيكَ) بالتخفيف ، (بِبَدَنِكَ) ، بجسدك لا روح فيه. وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصّع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدّقوا موسى ، (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) ، عبرة وعظة ، (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) ، منزل صدق ، يعني : مصر. وقيل : الأردن وفلسطين وهي الأرض المقدّسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذرّيته. قال الضحاك : هي مصر والشام ، (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، الحلالات ، (فَمَا اخْتَلَفُوا) ، يعني اليهود الذين كانوا في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تصديقه وأنه نبي ، (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) ، يعني : القرآن والبيان بأنّه رسول الله صدق ودينه حق. وقيل : حتى جاءهم معلومهم وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنهم كانوا يعلمونه قبل خروجه ، فالعلم بمعنى المعلوم كما يقال للمخلوق : خلق ، قال الله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ) [لقمان : ١١] ، [أي : مخلوقه](٤) ، ويقال : هذا الدرهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، من الدين.

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ

__________________

[١١٥٦] ـ أخرجه الترمذي ٣١٠٨ والنسائي في «التفسير» ٢٥٨ والطيالسي ٢٦١٨ وأحمد (١ / ٢٤٠ و ٣٤٠) والطبري ١٧٨٥٨ و ١٧٨٦٢ والحاكم (١ / ٥٧) و (٢ / ٣٤٠) و (٤ / ٢٤٩) وابن حبان ٦٢١٥ من طريق شعبة عن عطاء بن السائب وعن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

صححه الحاكم وقال : على شرطهما ، إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس ، ووافقه الذهبي.

وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.

وصححه الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» (٢ / ٣٦٨) وأطال الكلام في هذا الشأن ، ورد فيه على الزمخشري.

وورد من وجه آخر أخرجه الترمذي ٣١٠٧ وأحمد (١ / ٢٤٥ و ٣٠٩) والطبراني ١٢٩٣٢ والطيالسي ٢٦٩٣ والطبري ١٧٨٧٥.

وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الطبري ١٧٨٧٤ وابن عدي (٢ / ٧٨٨) وفيه كثير بن زاذان ، وهو مجهول.

وانظر مزيد الكلام عليه في «تخريج الكشاف» (٢ / ٣٦٨).

هو بعض حديث مرفوع ، وتقدم.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «هما».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٣٣

حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))

قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ، يعني : القرآن (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) ، فيخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة. قيل : هذا خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به غيره على عادة العرب فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره ؛ كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] ، خاطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) والمراد به المؤمنون بدليل أنه قال : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء : ٩٤] ، ولم يقل بما تعمل ، وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١] ، وقيل : كان الناس على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين مصدّق ومكذّب وشاك فهذا الخطاب مع أهل الشك معناه : إن كنت أيها الإنسان في شك ، مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] ، فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ، فسيشهدون على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويخبرونك بنبوّته. قال الفراء : علم الله سبحانه وتعالى أن رسوله غير شاكّ ، لكنه ذكره على عادة العرب يقول الواحد منهم لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ويقول لولده : افعل كذا وكذا إن كنت ابني ، ولا يكون بذلك على وجه الشك. (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) ، من الشاكّين.

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ(٩٥)) ، وهذا كله خطاب مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد منه غيره.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) ، وجبت عليهم ، (كَلِمَتُ رَبِّكَ) ، قيل : لعنته. وقال قتادة : سخطه. وقيل : الكلمة هي قوله : «هؤلاء في النار ولا أبالي»! (لا يُؤْمِنُونَ).

(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) ، دلالة ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، قال الأخفش : أنّث (٢) فعل كل لأنه مضاف إلى المؤنث وهي قوله : آية ، ولفظ كل للمذكر والمؤنث سواء.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ) ، [أي](٣) : فهلّا كانت ، (قَرْيَةٌ) ، ومعناها (٤) : فلم تكن قرية لأن في الاستفهام ضربا من الجحد ، أي : أهل قرية ، (آمَنَتْ) ، عند معاينة العذاب ، (فَنَفَعَها إِيمانُها) ، في حال اليأس ، (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، فإنهم نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، (قَوْمَ) نصب على الاستثناء المنقطع ، تقديره : ولكن قوم يونس ، (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) ، وهو وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عيانا أم لا؟ فقال بعضهم : رأوا دليل العذاب؟ والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عيانا [بدليل] قوله : (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) ، والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قرب.

وقصة الآية على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم : أن قوم يونس كانوا بنينوى (٥) من أرض الموصل فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإيمان فدعاهم فأبوا ، فقيل له : أخبرهم

__________________

(١) في المطبوع «للنبي» والمثبت عن المخطوط وط.

(٢) في المطبوع «أنت» والمثبت عن المخطوط وط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «معناه» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «يبنون في» والمثبت عن ط و «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٢)

٤٣٤

أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنّا لم نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم [لا محالة](١) ، فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رءوسهم قدر ميل.

وقال وهب : غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم واسودّت سطوحهم ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا يونس بينهم (٢) فلم يجدوه ، وقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم ، ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة ، وأخلصوا النيّة وفرّقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام فحن بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات (٣) واختلطت أصواتها بأصواتهم ، وعجّوا وتضرّعوا إلى الله عزوجل ، وقالوا : آمنا بما جاء به يونس ، فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلّهم ، وذلك يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج فأقام ينتظر العذاب وهلاك قومه ، فلم ير شيئا [وكان الكذب أفحش شيء عندهم](٤) ، وكان من كذّب ولم يكن له بينة قتل ، فقال يونس : كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم؟ فانطلق عاتبا على ربّه مغاضبا لقومه فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير أجر ، فلما دخلها وتوسّطت بهم ولججت ، وقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم ، قال أهل السفينة : إن لسفينتنا لشأنا ، قال يونس : قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة ، قالوا : ومن هو؟ قال : أنا اقذفوني في البحر ، قالوا : ما كنّا لنطرحك من بيننا حتى نعذر في شأنك ، فاستهموا فاقترعوا ثلاث مرات فأدحض (٥) سهمه ، والحوت عند رجل السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربّه فيه ، فقال يونس : إنكم والله لتهلكنّ جميعا أو لتطرحنني فيه ، فقذفوه فيه وانطلقوا وأخذه الحوت.

وروي : أن الله تعالى أوحى إلى حوت عظيم حتى قصد السفينة ، فلما رآه أهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغر فاه ينظر إلى من في السفينة كأنه يطلب شيئا خافوا منه ، ولما رآه يونس زجّ نفسه في الماء.

وعن ابن عباس : أنه خرج مغاضبا لقومه فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة (٦) ، فركبها فلما لججت السفينة ، تكفّأت (٧) حتى كادوا أن يغرقوا ، فقال الملاحون : هاهنا رجل عاص أو عبد آبق [من سيده] وهكذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري ، ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ، ولأن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة بما فيها ، فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة في كلها على يونس. فقال يونس : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق ، فألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت ، ثم جاء حوت آخر أكبر منه وابتلع هذا الحوت ، وأوحى الله إلى الحوت [أن](٨) لا تؤذي منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعاما لك.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نودي [الحوت](٩) إنّا لم نجعل يونس لك قوتا ، وإنما جعلنا بطنك له حرزا ومسجدا.

وروي : أنه قام قبل القرعة فقال : أنا العبد العاصي والآبق ، قالوا : من أنت؟ قال : أنا يونس بن

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «نبيهم» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «أصواتهم».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «فأحض» والمثبت عن المخطوط وط.

(٦) في المخطوط «مسحوبة».

(٧) في المخطوط «تشكلت».

(٨) زيادة عن المخطوط.

(٩) زيادة عن المخطوط.

٤٣٥

متى ، فعرفوه فقالوا : لا نلقيك يا رسول الله ولكن نساهم [فلعل السهم يخرج على غيرك فاقترعوا](١) ، فخرجت القرعة عليه فألقى نفسه في الماء.

قال ابن مسعود رضي الله عنه : ابتلعه الحوت فأهوى به إلى قرار الأرض السابعة ، وكان في بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى ، فنادى في الظلمات : أن لا إله إلّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فأجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر وهو كالفرخ المتمعط (٢) ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهو الدباء ، فجعل يستظل تحتها ووكل به وعلة يشرب من لبنها فيبست الشجرة ، فبكى عليها فأوحى الله إليه تبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن أهلكهم ، فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى ، فقال : من أنت يا غلام؟ قال : من قوم يونس ، فقال [له](٣) : إذا رجعت إليهم فأخبرهم أني لقيت يونس ، فقال الغلام : قد تعلم أنه إن لم تكن لي بينة [كذّبوني و](٤) قتلت ، قال يونس عليه‌السلام : تشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة ، فقال له الغلام : فمرهما ، فقال يونس : إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له ، قالتا : نعم ، فرجع الغلام ، فقال للملك : إني لقيت يونس فأمر الملك بقتله ، فقال : إنّ لي بيّنة فأرسلوا معي فأتى البقعة والشجرة ، فقال : أنشدكما هل أشهدكما يونس؟ قالتا : نعم ، فرجع القوم مذعورين ، وقالوا للملك : شهد له الشجرة والأرض ، فأخذ الملك بيد الغلام وأجلسه في مجلسه ، وقال : أنت أحق بهذا المكان مني ، فأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١))

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) ، يا محمد ، (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، هذه تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك أنه كان حريصا على أن يؤمن جميع الناس ، فأخبره الله جلّ ذكره : أنه لا يؤمن إلّا من سبق له السعادة ، ولا يضلّ إلّا من سبق له من الله الشقاوة.

(وَما كانَ لِنَفْسٍ) ، وما ينبغي لنفس. وقيل : وما كانت نفس ، (أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، قال ابن عباس : بأمر الله. وقال عطاء : بمشيئة الله. وقيل : بعلم الله. (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) ، قرأ أبو بكر : ونجعل بالنون ، والباقون بالياء ، أي : ويجعل الله الرجس ، أي : العذاب وهو الرجز ، (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ، عن الله أمره ونهيه.

(قُلِ انْظُرُوا) ، أي : قل للمشركين الذين يسألونك الآيات (٥) انظروا ، (ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها ، وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها ، (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ) ، الرسل ، (عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ، وهذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون.

(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «الممعط».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «الإيمان».

٤٣٦

وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦))

(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) ، يعني : مشركي مكّة ، (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) ، مضوا ، (مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من مكذّبي الأمم ، قال قتادة : يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود. والعرب تسمّي العذاب أياما والنعم أياما ؛ كقوله : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [إبراهيم : ٥] ، وكل ما مضى عليك من خير وشر فهو أيام ، (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) ، قرأ يعقوب (نُنَجِّي) خفيف مختلف عنه ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، معهم عند نزول العذاب معناه : نجينا مستقبل بمعنى الماضي ، (كَذلِكَ) ، كما نجيناهم ، (حَقًّا) واجبا ، (عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) ، قرأ الكسائي وحفص ويعقوب (نُنَجِّي) بالتخفيف والآخرون بالتشديد ، ونجا وأنجى بمعنى واحد.

قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) ، الذي أدعوكم إليه ، فإن قيل : كيف قال إن كنتم في شك وهم كانوا (١) يعتقدون بطلان ما جاء به؟ قيل : كان فيهم شاكّون فهم المراد بالآية ، أو أنهم لما رأوا الآيات اضطربوا وشكّوا في أمرهم وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قوله عزوجل : (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، من الأوثان ، (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ، يميتكم ويقبض أرواحكم ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

قوله : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) ، قال ابن عباس : عملك. وقيل : استقم على الدين حنيفا. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(وَلا تَدْعُ) ، ولا تعبد ، (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) ، إن أطعته ، (وَلا يَضُرُّكَ) ، إن عصيته ، (فَإِنْ فَعَلْتَ) ، فعبدت غير الله ، (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) ، الضارّين لأنفسهم الواضعين العبادة في غير موضعها.

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) ، أي : يصبك بشدة وبلاء ، (فَلا كاشِفَ لَهُ) ، فلا دافع له ، (إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) ، رخاء ونعمة وسعة ، (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) ، فلا مانع لرزقه (٢) ، (يُصِيبُ بِهِ) ، بكل واحد من الضرّ والخير ، (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) ، يعني : القرآن والإسلام ، (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي

__________________

(١) في المخطوط «كافرون».

(٢) العبارة في المخطوط «لا دافع له أي لا دافع لرزقه».

٤٣٧

لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ، أي : على نفسه ووباله عليه ، (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) ، بكفيل أحفظ أعمالكم. قال ابن عباس : نسختها آية القتال.

(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) ، بنصرك وقهر عدوّك وإظهار دينه ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ، فحكم بقتال المشركين وبالجزية على أهل الكتاب يعطونها عن يد وهم صاغرون. [والله أعلم بالصواب وإليه المآب](١).

سورة هود

مكية إلا قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) [١١٤] ، وهي مائة وثلاث وعشرون آية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١))

(الر كِتابٌ) ، أي : هذا كتاب ، (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) ، قال ابن عباس : لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع به ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) ، بيّنت بالأحكام والحلال والحرام. وقال الحسن : أحكمت بالأمر والنهي ، ثم فصّلت بالوعد والوعيد. قال قتادة : أحكمت أحكمها الله فليس فيها اختلاف ولا تناقض. وقال مجاهد : فصلت أي : فسرت. وقيل : فصلت أي : أنزلت شيئا فشيئا ، (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).

(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))

(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ، أي : وفي ذلك الكتاب أن لا تعبدوا إلّا الله ، ويكون محل (أن) رفعا. وقيل : محله خفض تقديره : بأن لا تعبدوا إلّا الله ، (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ) ، أي : من الله (نَذِيرٌ) ، للعاصين ، (وَبَشِيرٌ) ، للمطيعين.

(وَأَنِ) ، عطف على الأول ، (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ، أي : ارجعوا إليه بالطاعة. قال الفراء : (ثُمَ) هنا بمعنى الواو ، أي : وتوبوا إليه ، لأن الاستغفار هو التوبة والتوبة هي الاستغفار. وقيل : وأن استغفروا [ربكم في الماضي ثم توبوا](٢) إليه في المستأنف (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) ، يعيشكم عيشا حسنا في حفظ (٣) ودعة وأمن وسعة. قال بعضهم : العيش الحسن هو الرضى بالميسور والصبر على المقدور. (إِلى

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط والعبارة في ط «أن استغفروا ربكم من المعاصي ...».

(٣) في المطبوع «خفض».

٤٣٨

أَجَلٍ مُسَمًّى) ، إلى حين الموت ، (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ، أي : ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة. وقال أبو العالية : من كثرت طاعاته في الدنيا زادت درجاته في الآخرة في الجنّة ، لأن الدرجات تكون بالأعمال.

وقال ابن عباس : من زادت حسناته على سيّئاته دخل الجنّة ، ومن زادت سيّئاته على حسناته دخل النار ، ومن استوت حسناته وسيّئاته كان من [أهل](١) الأعراف ، ثم يدخل الجنّة بعد. وقيل : ويؤت كل ذي فضل فضله ، يعني : من عمل لله عزوجل وفّقه الله فيما يستقبل على طاعته. (وَإِنْ تَوَلَّوْا) ، أعرضوا ، (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) ، وهو يوم القيامة.

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)).

قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ، قال ابن عباس : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره (١).

وقوله : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) ، أي : يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة.

وقال عبد الله بن شداد : نزلت هذه الآية في بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثنى صدره وحتى ظهره وطأطأ رأسه وغطّى وجهه كيلا يراه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وقال قتادة : كانوا يحنون صدورهم كيلا يسمعوا كتاب الله تعالى ولا ذكره. وقيل : كان الرجل من الكفار (٢) يدخل بيته ويرخي ستره ويحني ظهره ويتغشّى بثوبه. ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي.

وقال السدي : يثنون أي : يعرضون بقلوبهم ، من قولهم : ثنيت عناني. وقيل : يعطفون ، ومنه ثنى الثوب. وقرأ ابن عباس : يثنوني على وزن «يحلولي» جعل الفعل للصدور ومعناه المبالغة في الثني. (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) ، أي : من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال مجاهد : ليستخفوا من الله إن استطاعوا ، (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) ، يغطون رءوسهم بثيابهم ، (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، قال الأزهري (٣) : معنى الآية من أولها إلى آخرها : إن الذين أضمروا عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يخفى علينا حالهم.

[١١٥٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحسن بن محمد بن صباح ثنا حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ : «ألا إنّهم يثنوني صدورهم» ، فقال : سألته عنها فقال : كان

__________________

(١) انظر «أسباب النزول» للواحدي ٥٣٧.

(٢) أخرجه الطبري ١٧٩٥٢ و ١٧٩٥٣ و ١٧٩٥٤ عن عبد الله بن شداد.

وهذا مرسل فهو ضعيف.

[١١٥٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.

وهو في «صحيح البخاري» ٤٦٨١ عن الحسن بن محمد بن صبّاح بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٦٨٢ والطبري ١٧٩٦٦ من طريق حجاج به.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «المنافقين».

(٣) في المخطوط «الزهري».

٤٣٩

أناس يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ، فنزل ذلك فيهم.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))

قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) ، أي : ليس دابة [في الأرض] ، (مِنْ) صلة ، والدابة : كل حيوان يدبّ على وجه الأرض. وقوله : (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) ، [أي : هو المتكفّل برزقها](١) ، أي : هو المتكفّل بذلك فضلا وهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق. وقيل : على بمعنى من ، أي : من الله رزقها. قال مجاهد : ما جاءها من رزق فمن الله عزوجل ، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا. (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) ، [قال ابن مقسم : ويروى ذلك عن ابن عباس مستقرها](٢) المكان الذي تأوي إليه وتستقر فيه ليلا ونهارا ، ومستودعها : الموضع الذي تدفن فيه إذا ماتت.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : [المستقر أرحام الأمهات والمستودع المكان الذي تموت فيه. وقال عطاء](٣) : المستقر أرحام الأمّهات والمستودع أصلاب الآباء. ورواه سعيد بن جبير وعلي بن [أبي](٤) طلحة وعكرمة عن ابن عباس. وقيل : المستقر الجنّة أو النار والمستودع القبر ؛ لقوله تعالى في صفة الجنّة والنار : (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الفرقان : ٧٦]. (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، أي : كلّ مثبت في اللّوح المحفوظ قبل أن خلقها.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) ، قبل أن يخلق السموات والأرض وكان ذلك الماء على متن الريح.

قال كعب : خلق الله عزوجل ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح ، فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء. قال ضمرة : إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض ، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجّده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه. (لِيَبْلُوَكُمْ) ، ليختبركم وهو أعلم ، (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، عمل بطاعة الله وأورع عن محارم الله تعالى. (وَلَئِنْ قُلْتَ) ، يا محمد ، (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، يعنون : القرآن. وقرأ حمزة والكسائي : ساحر ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) زيد في المطبوع.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٤٠