تفسير البغوي - ج ٢

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله الجدلي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :

«لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح».

[٩٦٢] ثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ ثنا عمار بن محمد البغدادي ثنا أحمد بن سعيد الحافظ ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمر بن إبراهيم يعني الكوفي ثنا يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام (١) محاسن الأفعال».

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١))

قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) ، أي : يصيبك ويعتريك ويعرض لك من الشيطان

__________________

شعبة به.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح اه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (٨ / ٥١٤) وأحمد (٦ / ٢٣٦) وابن حبان ٦٤٤٣ من طرق عن يزيد بن هارون عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق به.

وانظر الحديث المتقدم برقم : ٩٤٦ و ٩٤٧.

[٩٦٢] ـ إسناده ضعيف ، عمر بن إبراهيم ، وشيخه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعيفان ، لكن لصدره شواهد ، والوهن فقط في عجزه. «وتمام ...» وهو في «شرح السنة» ٣٥١٦ بهذا الإسناد.

وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٩٧٩ والطبراني في «الأوسط» ٦٨٩١ من طريق عمر بن إبراهيم به.

وقال الهيثمي في «المجمع» ١٣٦٨٤ : وفيه عمر بن إبراهيم القرشي ، وهو ضعيف.

وأخرجه المصنف في «شرح السنة» ٣٥١٧ من طريق محمد بن إبراهيم عن يوسف به.

ويشهد لصدره أبو هريرة أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢٧٣ وابن سعد في «الطبقات» (١ / ١٩٢) وأحمد (٢ / ٣٨١) والبزار ٢٤٧٠ والحاكم (٢ / ٦١٣) والقضاعي في «مسند الشهاب» ١١٦٥ والخرائطي في «مكارم الأخلاق» ١ وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» ١٣ والطحاوي في «المشكل» ٤٤٣٢ والبيهقي (١٠ / ١٩١ ، ١٩٢) من طرق عن عبد العزيز الدراوردي عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عنه.

وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في «المجمع» ١٣٦٨٣ : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح اه.

وحديث معاذ بن جبل عند البزار ١٩٧٣ والطبراني (٢٠ / ١٢٠) والبيهقي في «الشعب» ٧٩٨٠ وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» ١٤ وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ٢٣) : رواه الطبراني والبزار ، وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني ، وهو ضعيف اه.

ورواه مالك في «الموطأ» (٢ / ٩٠٤) بلاغا ومن طريق مالك أخرجه ابن سعد (١ / ٥٢) وقال ابن عبد البر : هو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره اه.

الخلاصة : لصدره شواهد تقويه ، وعجزه ضعيف.

__________________

(١) في المخطوط «ولتمام» وفي المطبوع «إتمام» والمثبت عن ط ، و «شرح السنة».

٢٦١

نزغ نخسة. والنزغ من الشيطان الوسوسة. وقال الزجاج : النزغ أدنى حركة تكون من الآدمي ، ومن الشيطان أدنى وسوسة.

[٩٦٣] وقال عبد الرحمن بن زيد : لما نزلت هذه الآية : (خُذِ الْعَفْوَ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف يا رب والغضب» ، فنزل : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، أي : استجر بالله (إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، يعني المؤمنين ، (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة والكسائي : طيف ، وقرأ الآخرون طائفة بالمد والهمز وهما لغتان كالميت والمائت ، ومعناهما : الشيء يلمّ بك. وفرّق قوم بينهما ، فقال أبو عمرو : الطائف ما يطوف حول الشيء ، والطيف : اللمّة والوسوسة. وقيل : الطائف ما يطوف بك (١) من وسوسة الشيطان ، والطيف : اللمم والمسّ. (تَذَكَّرُوا) عرفوا ، قال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ. وقال مجاهد : الرجل يهمّ بالذنب فيذكر الله فيدعه. (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) ، أي : يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكّر والتفكّر. قال السدي : إذا زلّوا تابوا. وقال مقاتل : إن المتقي إذا أصابه (٢) نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية ، فأبصر فنزغ عن مخالفة الله.

(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤))

قوله : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ) ، يعني : إخوان الشياطين من المشركين يمدونهم ، أي : يمدّهم الشيطان. قال الكلبي : لكل كافر أخ من الشياطين. (فِي الغَيِ) ، أي : يطلبون لهم الإغواء حتى يستمروا عليه. وقيل : يزيدونهم في الضلالة. وقرأ أهل المدينة : (يَمُدُّونَهُمْ) بضم الياء وكسر الميم من الإمداد ، والآخرون بفتح الياء وضم الميم وهما لغتان بمعنى واحد. (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) ، أي : لا يكفّون. قال الضحاك ومقاتل : يعني المشركين لا يقصرون عن الضلالة ولا يبصرونها ، بخلاف ما قال في المؤمنين : (تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ). قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السيّئات ولا الشياطين يمسكون عنهم ، فعلى هذا قوله : (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) من فعل المشركين والشياطين جميعا.

(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) ، يعني : إذا لم تأت المشركين بآية ، (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) ، هلّا افتعلتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك؟ تقول العرب : اجتبيت الكلام إذا اختلقته. قال الكلبي : كان أهل مكة يسألون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآيات تعنّتا فإذا تأخرت [اتهموه](٣) قالوا : (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها)؟ أي : هلّا أحدثتها وأنشأتها من عندك؟ (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) ، ثم قال : (هذا) ، يعني :

__________________

[٩٦٣] ـ ضعيف جدا. أخرجه الطبري ١٥٥٦٤ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهذا معضل ، ومع ذلك ابن زيد ضعيف ليس بشيء إن وصل الحديث فكيف إذا أرسله؟!.

__________________

(١) في المطبوع وط «طاف به».

(٢) في المخطوط «مسه».

(٣) زيادة عن المخطوط وط.

٢٦٢

القرآن (بَصائِرُ) ، حجج وبيان وبرهان؟ (مِنْ رَبِّكُمْ) ، واحدتها بصيرة ، وأصلها ظهور الشيء واستحكامه حتى يبصره الإنسان ، فيهتدي به يقول : هذا دلائل تقودكم إلى الحق. (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

قوله عزوجل : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)) ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة.

روي عن أبي هريرة أنّهم كانوا يتكلّمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن.

وقال قوم : نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام. روى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصلاة. وقال الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنّة والنار. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع ناسا يقرءون مع الإمام فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله؟ وهذا قول الحسن والزهري والنخعي : أن الآية في القراءة في الصلاة. وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد : إن الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة. وقال سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام. وقال عمر بن عبد العزيز : الإنصات لقول كلّ واعظ. والأول أولاها ، وهو أنها في القراءة في الصلاة لأنّ الآية مكيّة والجمعة وجبت بالمدينة. واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام.

[٩٦٤] أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع ثنا الشافعي ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت».

واختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام في الصلاة فذهب جماعة إلى إيجابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسرّ. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس ومعاذ ، وهو قول الأوزاعي والشافعي. وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسرّ الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ إذا جهر. يروى ذلك عن ابن عمرو وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد ، وبه قال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر ، يروى ذلك عن جابر ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، وتمسّك (١)

__________________

[٩٦٤] ـ إسناده صحيح ، الشافعي ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجاله رجال البخاري ومسلم.

أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.

وهو في «شرح السنة» ١٠٧٥ بهذا الإسناد ، وهو في «الموطأ» (١ / ١٠٣) عن أبي الزناد به.

ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (١ / ١٣٧) وأحمد (٢ / ٤٨٥) والدارمي (١ / ٣٦٤).

وأخرجه مسلم ٨٥١ وأحمد (٢ / ٢٤٤) والشافعي (١ / ١٣٧) وابن خزيمة ١٨٠٦ من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد به.

وأخرجه البخاري ٩٣٤ ومسلم ٨٥١ والترمذي ٥١٢ والنسائي (٣ / ١٠٣ و ١٠٤) وأحمد (٢ / ٢٧٢ و ٣٩٣ و ٣٩٦ و ٥١٨) وابن خزيمة ١٨٠٥ والدارمي (١ / ٣٦٤) وابن حبان ٢٧٩٣ من طرق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به.

__________________

(١) في المطبوع «يتمسك».

٢٦٣

من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال الآية في غير الفاتحة وإذا قرأ الفاتحة يتبع سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة ، والدليل عليه ما :

[٩٦٥] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبّي (١) ثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا هناد ثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال :

صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : «إني أراكم تقرءون وراء إمامكم»؟ قال : قلنا : يا رسول الله إي والله ، قال : «لا تفعلوا إلّا بأمّ القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها».

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥))

قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، قال ابن عباس : يعني بالذكر : القراءة في الصلاة ، يريد يقرأ سرّا في نفسه ، (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) ، خوفا ، أي : تتضرّع إلي وتخاف مني هذا في صلاة السرّ. وقوله : (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ، أراد في صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا بل في خفض وسكون ، تسمع من خلفك. وقال مجاهد وابن جريج : أمر (١) أن يذكروه في الصدور بالتضرّع إليه في الدعاء والاستكانة ، دون رفع الصوت والصياح بالدعاء. (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) ، أي : بالبكرات (٢) والعشيات ، واحد الآصال (٣) : أصيل ، مثل يمين وأيمان ، وهو ما بين العصر والمغرب.

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))

. (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) ، يعني الملائكة المقرّبين بالفضل والكرامة ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ) ، لا يتكبّرون ،

__________________

[٩٦٥] ـ حديث صحيح. إسناده حسن ، رجاله ثقات ، ابن إسحاق صرح بالتحديث عند ابن حبان ١٧٨٥ وفي بعض الروايات ، وقد توبع ، وللحديث طرق وشواهد.

وهو في «شرح السنة» ٦٠٧ بهذا الإسناد ، وهو في «سنن الترمذي» ٣١١ عن هناد به.

وأخرجه أبو داود ٨٢٣ والدار قطني (١ / ٣١٨) والحاكم (١ / ٢٣٨) وابن حبان ١٧٨٥ والبيهقي في «جزء القراءة خلف الإمام» ص ٣٧ من طرق عن محمد بن إسحاق به.

وأخرجه أبو داود ٨٢٤ والدار قطني (١ / ٣١٩ و ٣٢٠) والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» ص ٣٦ و ٣٧ وفي «السنن» (٢ / ١٦٤) من طريق زيد بن واقد عن مكحول به.

وأخرجه أحمد (٥ / ٣١٦) والدارقطني (١ / ٣١٩) والطحاوي في «المعاني» (١ / ٣١٥) وابن حبان ١٧٩٢ والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» ص ٣٦ من طريق يزيد بن هارون عن ابن إسحاق به.

وأخرجه ابن خزيمة ١٥٨١ وابن حبان ١٨٤٨ من طريق عبد الأعلى عن ابن إسحاق به.

وورد بنحوه من وجه آخر من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن محمود بن الربيع به.

أخرجه مسلم ٣٩٤ ح ٣٧ وأحمد (٥ / ٣٢٢) وأبو عوانة (٢ / ١٢٤) وابن حبان ١٧٨٦ والبيهقي (٢ / ٣٧٤) والبغوي في «شرح السنة» ٥٧٧ وهو في «المصنف» برقم : ٢٦٢٣.

وفي الباب من حديث أبي هريرة عند الطحاوي (١ / ٢١٦) وأحمد (٢ / ٤٧٨) وأبي عوانة (٢ / ١٢٧) وابن حبان ١٧٨٩ و ١٧٩٤.

(١) وقع في الأصل «المضبي» وهو تصحيف.

__________________

(١) في المخطوط «أمروا».

(٢) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع وط «بالبكر».

(٣) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع وط «آصال».

٢٦٤

(عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ) ، وينزّهونه ويذكرونه ، فيقولون : سبحان الله ، (وَلَهُ يَسْجُدُونَ).

[٩٦٦] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنبأنا أحمد بن الحسن الحيري أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن منيب ثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ، فيقول : يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنّة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار».

[٩٦٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ثنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان (١) ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرّيّاني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن يوسف ثنا الأوزاعي عن الوليد بن هشام عن معدان قال : سألت ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت : حدثني حديثا ينفعني الله به ، قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما من عبد يسجد لله سجدة إلّا رفعه الله بها درجة وحطّ عنه بها سيئة».

[والله سبحانه أعلم بالصواب](١).

__________________

[٩٦٦] ـ حديث صحيح.

عبد الرحمن بن منيب مجهول وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو صالح هو عبد الله بن ذكوان.

وهو في «شرح السنة» ٦٥٤ بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (٢ / ٤٤٣) من طريق يعلى بن عبيد به.

وأخرجه مسلم ٨١ وابن ماجه ١٠٥٢ وأحمد (٢ / ٤٤٣) وابن خزيمة ٥٤٩ وابن حبان ٢٧٥٩ من طرق عن الأعمش به.

وانظر ما تقدم في سورة البقرة آية : ٣٤.

[٩٦٧] ـ إسناده صحيح ، حميد بن زنجويه ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال مسلم.

معدان هو ابن طلحة ، الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو.

وهو في «شرح السنة» ٦٥٥ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٤٨٨ والترمذي ٣٨٨ و ٣٨٩ والنسائي (٢ / ٢٢٨) وابن ماجه ١٤٢٣ وأحمد (٥ / ٢٧٦ و ٢٨٠) وابن خزيمة ٣١٦ وابن حبان ١٧٣٥ من طرق عن الأوزاعي به.

وأخرجه الطيالسي ٩٨٦ وأحمد (٥ / ٢٨٣) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان. ورجاله ثقات مشاهير لكن سالم كثير الإرسال.

وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» ٤٨٤٦ عن طريق الأوزاعي به لكن فيه «عن رجل» بدل «عن معدان».

(١) زيد في الأصل «ثنا أبو جعفر محمد بن سمعان» بين «سمعان» و «أبو جعفر».

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

٢٦٥

سورة الأنفال

مدنية وهي خمس وسبعون آية. قيل : إلّا سبع آيات من قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [٣٠ ـ ٣٧] ، إلى آخر سبع آيات ، فإنها نزلت بمكة. والأصح أنها نزلت بالمدينة ، وإن كانت الواقعة بمكة.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١))

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية.

[٩٦٨] قال أهل التفسير : سبب نزول هذه الآية هو أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : «من أتى مكان كذا فله من النفل كذا ومن قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا» ، فلما التقوا تسارع إليه الشبان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات ، فلما فتح الله على المسلمين جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال الأشياخ : كنّا درءا لكم ولو انهزمتهم لانحرفتم إلينا ، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا ، وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال : يا رسول الله إنّك وعدت أنّ من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا وإنّا قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين ، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : والله يا رسول الله ما منعنا أن نطلب ما يطلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فيعطف عليك خيل من المشركين فيصيبوك ، فأعرض عنهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال سعد : يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك ، فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى [لك ولا](١) لأصحابك كثير شيء ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).

[٩٦٩] وقال ابن إسحاق : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه ، فقال من

__________________

[٩٦٨] ـ عزاه المصنف لأهل التفسير ، ولم أره مسندا بهذا اللفظ. وورد بنحوه من حديث ابن عباس عند أبي داود ٢٧٣٧ و ٢٧٣٨ و ٢٧٣٩ والنسائي في «التفسير» ٢١٧ وابن أبي شيبة (١٤ / ٣٥٦) والحاكم (٢ / ١٣١ ، ١٣٢ و ٣٢٦ و ٣٢٧) وابن حبان ٥٠٩٣ والطبري ١٥٦٦٢ و ١٥٦٦٣ و ١٥٦٦٤ والبيهقي (٦ / ٢٩١ ، ٢٩٢ و ٣١٥ و ٣١٦) وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حديث حسن.

وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» ٩٤٨٣ من وجه آخر عن ابن عباس بنحوه لكن إسناده ساقط فيه محمد بن السائب الكلبي متروك متهم.

[٩٦٩] ـ عزاه المصنف رحمه‌الله لابن إسحاق ، وهذا معضل ، ولم يذكره ابن هشام في «تهذيب السيرة» (٢ / ٢٣٣) باب : نزول

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

٢٦٦

جمعه : هو لنا قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفل كلّ امرئ ما أصاب ، [وقال الذين يقاتلون العدو : لو لا نحن ما أصبتموه](١) ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد رأينا أن نقتل العدو وأن نأخذ المتاع ولكنّا خفنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرة العدو ، فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منّا.

[٩٧٠] وروى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيننا عن بواء ـ يقول على السّواء ـ وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.

[٩٧١] وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أمية ، وأخذت سيفه وكان يسمّى ذا الكثيفة (١) ، فأعجبني فجئت به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف ، فقال : «ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض» ، فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلاحي ، وقلت : عسى أن يعطي هذا السيف من لم يبل ببلائي ، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أنزل الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية. فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء فلما انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك».

[٩٧٢] وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت المغانم (٢) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء ، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول.

قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) ، أي : عن حكم الأنفال وعلمها ، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب. وقيل : هو سؤال طلب ، قاله الضحاك وعكرمة. وقوله : (عَنِ الْأَنْفالِ) ، أي : من الأنفال ، عن بمعنى من. وقيل : عن صلة ، أي (٣) : يسألونك الأنفال ، وهكذا قراءة ابن مسعود بحذف عن.

__________________

سورة الأنفال وإنما ذكر ما بعده ، والله أعلم.

[٩٧٠] ـ حسن. أخرجه عبد الرزاق ٩٣٣٤ وأحمد (٥ / ٣١٩ و ٣٢٢ و ٣٢٣) والدارمي (٢ / ٢٢٩ و ٢٣٠) والحاكم (٢ / ١٣٦ و ٣٢٦) والطبري ١٥٦٦٧ والبيهقي (٦ / ٢٩٢) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول به. وإسناده حسن لأجل سليمان بن موسى ، وفيه كلام لا يضر وهو من رجال مسلم ، وللحديث شواهد.

[٩٧١] ـ صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (١٢ / ٣٧٠) وسعيد بن منصور ٢٦٨٩ وأحمد (١ / ١٨٠) والطبري ١٥٦٧١ والواحدي ٤٦٨ من طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص به ، ورجاله ثقات.

وورد من وجه آخر بنحوه من حديث سعد عند مسلم ١٧٤٨ وأبي داود ٢٧٤٠ والترمذي ٣٠٧٩ والنسائي في «التفسير» ٢١٦.

(١) كذا في الأصل وفي ط أما في «أسباب النزول» فقد وقع «ذا الكيفة» وفي «الدر المنثور» (٣ / ٢٨٩) «ذا الكتيعة» وفي «مسند أحمد» (١ / ١٨٠) «ذا الكتيفة».

[٩٧٢] ـ ضعيف. أخرجه البيهقي (٦ / ٢٩٣) والطبري ١٥٦٧٩ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به. وإسناده منقطع ابن أبي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس.

__________________

(١) زيد في المطبوع وط.

(٢) كذا في المطبوع والطبري ، وفي المخطوط «الغنائم».

(٣) أي زائدة.

٢٦٧

والأنفال : الغنائم ، واحدها نفل ، وأصله الزيادة ، يقال نفلتك وأنفلتك أي زدتك. وسمّيت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من الله لهذه الأمة على الخصوص. وأكثر المفسّرين على أن الآية في غنائم بدر.

وقال عطاء : هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع فهو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنع به ما شاء. (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ، يقسمانها كما شاءا واختلفوا فيه ، فقال مجاهد وعكرمة والسدي : هذه الآية منسوخة بقوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [الأنفال : ٤١]. كانت الغنائم يومئذ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنسخها الله عزوجل بالخمس. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى ، أي : الحكم فيها لله ولرسوله ، وقد بيّن الله مصارفها في قوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] الآية. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ، أي : اتّقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة ، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) ، يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم ، (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) ، خافت وفرقت (١) قلوبهم. وقيل : إذا خوّفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) ، تصديقا ويقينا. وقال عمير بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل : فما زيادته؟ قال : إذا ذكرنا الله عزوجل وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان. (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، أي : يفوّضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه.

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)).

(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ، يعني يقينا. قال ابن عباس : برءوا من الكفر. وقال مقاتل : حقا لا شكّ في إيمانهم. وفيه دليل على أنه ليس لكل أحد أن يصف نفسه بكونه مؤمنا حقا لأن الله تعالى إنما وصف بذلك قوما مخصوصين على أوصاف مخصوصة ، وكل أحد لا يتحقّق وجود تلك الأوصاف فيه. وقال ابن أبي نجيح : سأل رجل الحسن فقال : أمؤمن أنت؟ فقال : إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنّة والبعث والحساب ، فأنا بها مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الآية ، فلا أدري أمنهم أنا أم لا؟

وقال علقمة : كنّا في سفر فلقينا قوما فقلنا : من القوم؟ قالوا : نحن المؤمنون حقا ، فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود فأخبرناه بما قالوا ، قال : فما رددتم عليهم؟ قلنا : لم نردّ عليهم شيئا ، قال : أفلا قلتم أمن أهل الجنّة أنتم؟ إن المؤمنين أهل الجنّة.

__________________

(١) في المخطوط «مزقت».

٢٦٨

وقال سفيان الثوري : من زعم أنه مؤمن حقا عند الله ، ثم لم يشهد أنه في الجنّة فقد آمن بنصف الآية دون النصف. (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، قال عطاء : يعني درجات الجنّة يرتقونها بأعمالهم. وقال الربيع بن أنس : سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس المضمّر سبعين خريفا. (وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، حسن يعني ما أعد [الله](١) لهم في الجنّة.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧))

قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) ، اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) ، قال المبرد : تقديره الأنفال لله والرسول وإن كرهوا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل : تقديره : امض لأمر الله في الأنفال (٢) وإن كرهوا كما أمضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون. وقال عكرمة : معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم كما أن إخراج محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بيته بالحق خير لكم ، وإن كرهه فريق منكم. وقال مجاهد : معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم ، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه. وقيل : هو راجع إلى قوله : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، تقديره : وعد الدرجات لهم حقّ حتى ينجزه الله عزوجل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، فأنجز الوعد بالنصر والظفر. وقيل : الكاف بمعنى على ، تقديره : امض على الذي أخرجك ربّك. وقال أبو عبيدة : هي بمعنى القسم مجازا والذي أخرجك ، لأن ما في موضع الذي ، وجوابه (يُجادِلُونَكَ) ، وعليه يقع القسم ، تقديره : يجادلونك والله الذي أخرجك ربّك من بيتك بالحق. وقيل : الكاف بمعنى إذ تقديره : واذكر إذ أخرجك ربّك. وقيل : المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة. والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر ، أي : كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق ، قيل : بالوحي لطلب المشركين ، (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، منهم ، (لَكارِهُونَ).

(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) ، أي : في القتال ، (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) ، وذلك أن المؤمنين لمّا أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك ، وقالوا : لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعدّ لقتالهم ، وإنّما خرجنا للعير ، فذلك جدالهم بعد ما تبيّن لهم أنك ما تصنع (٣) إلّا ما أمرك [الله](٤) ، وتبيّن صدقك في الوعد ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) لشدّة كراهيتهم القتال ، (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وإنّ فريقا من المؤمنين لكارهون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعد ما تبيّن. قال ابن زيد : هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إيّاه وهم ينظرون.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ).

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «الأموال».

(٣) في المطبوع «تضع».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٦٩

[٩٧٣] قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي : أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكبا من كبار قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة وهي اللّطيمة حتى إذا كانوا قريبا من بدر ، فبلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلّة العدد ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم (١) فاخرجوا إليها لعلّ الله تعالى أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخفّ بعضهم وثقل بعض (٢) ، وذلك أنهم لم يظنّوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقى حربا ، فلما سمع أبو سفيان بمسير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة.

وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة ، فاكتم عليّ ما أحدثك ، قال لها : وما رأيت؟ قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل [به](٣) بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته : ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت [وتطايرت](٤) فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة ، فقال العباس : والله إنّ هذه الرؤيا رأيت! فاكتميها ولا تذكريها لأحد ، ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إيّاها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدّثت به قريش.

قال العباس : فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت [من طوافي](٥) أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم؟ قلت : وما ذاك؟ قال : الرؤيا التي رأت [أختك](٦) عاتكة؟ قلت : وما رأت؟ قال : يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقا فسيكون ، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيئا نكتب عليكم كتابا إنكم أكذب أهل بيت في العرب ، فقال العباس : والله ما كان مني إليه كبير

__________________

[٩٧٣] ـ أخرجه الطبري ١٥٧٣٢ من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن عبد الله بن عباس كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا : لما سمع ... فذكره بنحوه.

وأخرجه الطبري ١٥٧٣٣ عن السدي مرسلا بنحوه.

وانظر «دلائل النبوة» (٣ / ١٠١ ، ١٢٠) للبيهقي.

وانظر «السيرة النبوية» (٢ / ١٨٨ ، ١٩٦) ولبعضه شواهد في الصحيح.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «أموالكم».

(٢) في المطبوع «بعضهم».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

٢٧٠

إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ، ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء [بالوقيعة](١) وأنت تسمع ، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت؟ قال : قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كبير (٢) ، وأيم الله لأتعرضنّ له فإن عاد لأكفينّكه ، قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ، قال : فدخلت المسجد فرأيته فو الله إني لأمشي نحوه أتعرّضه ليعود لبعض ما قال فأقع (٣) به ، وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ ، قال : قلت في نفسي : ما له لعنه الله أكلّ هذا فرق مني أن أشاتمه ، قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره [وقد](٤) ، جدع أنف بعيره وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللّطيمة اللّطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه ، ولا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث ، قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء به من الأمر ، فتجهّز الناس سراعا فلم يتخلّف من أشراف قريش أحد إلّا أن أبا لهب قد تخلّف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة ، فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت ما [كان](٥) بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث ، فقالوا : نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم.

فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني كنانة ، وقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصحابه في ليال مضت من شهر رمضان حتى إذا بلغ واديا يقال له ذفران (٦) ، فأتاه الخبر عن مسير (٧) قريش ليمنعوا عيرهم فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم.

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى عبد الله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل جبريل وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إمّا العير وإما قريشا ، وكانت العير أحبّ إليهم.

فاستشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ، فو الله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ يعني مدينة الحبشة ـ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا ودعا له بخير ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أشيروا عليّ أيها الناس» ، وإنّما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتخوّف أن لا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوّه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوّ من بلادهم.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) العبارة في المخطوط «قلت والله ما كان إليه مني من كبير والله لأتعرضنّ».

(٣) في المطبوع وحده «فأدفع».

(٤) زيادة عن المخطوط و «السيرة» (٢ / ١٨٩)

(٥) زيادة عن المخطوط و «السيرة».

(٦) تصحف في المطبوع «ذا قرد».

(٧) في المطبوع «مسيرة».

٢٧١

فلمّا قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله؟ قال : أجل ، قال : فإنّا قد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا إنّا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ، ولعلّ الله تعالى يريك منّا ما تقرّ به عينك (١) ، [فسر بنا على بركة الله](١) ، فسرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقول سعد ونشّطه ذلك ، [ثم](٢) قال : «سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم».

قال ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان» ، قال : ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا ، قال : فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) ، أي : الفريقين إحداهما أبو سفيان مع العير والأخرى أبو جهل مع النفير ، (وَتَوَدُّونَ) ، أي : تريدون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ، يعني العير التي ليس فيها قتال. والشوكة : الشدّة والقوة. ويقال : السلاح. (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) ، أي : يظهره ويعليه ، (بِكَلِماتِهِ) ، بأمره إياكم بالقتال. وقيل : بعداته التي سبقت من إظهاره الدين وإعزازه ، (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) ، أي : يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، يعني : كفّار العرب.

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩))

(لِيُحِقَّ الْحَقَ) ، ليثبت الإسلام ، (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) ، أي : يفني الكفر (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ، المشركون. وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان.

قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) ، تستجيرون به من عدوّكم وتطلبون منه الغوث والنصر.

[٩٧٤] وروي عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لمّا كان يوم بدر نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين ، وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فدخل العريش هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، واستقبل القبلة ومدّ يده فجعل يهتف بربّه عزوجل : «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني ، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» ، فما زال يهتف بربّه عزوجل مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربّك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عزوجل : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي

__________________

(١) انظر الحديث المتقدم برقم : ٧٧٧ (سورة المائدة آية : ٢٤)

[٩٧٤] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٧٦٣ وابن حبان ٤٧٩٣ والبيهقي (٦ / ٣٢١) وفي «الدلائل» (٣ / ٥١ ، ٥٢) من طرق عن زهير بن حرب أبي خيثمة عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس به مطوّلا.

وأخرجه الترمذي ٣٠٨١ من طريق محمد بن بشار عن عمر بن يونس بالإسناد المذكور. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه الطبري ١٥٧٤٧ من طريق ابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس به.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط و «السيرة».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٧٢

مُمِدُّكُمْ) ، مرسل إليكم مددا وردءا لكم ، (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).

قرأ أهل المدينة ويعقوب : (مُرْدِفِينَ) بفتح الدال ، أي : أردف الله المسلمين وجاء بهم مددا. وقرأ الآخرون بكسر الدال أي متتابعين بعضهم في إثر بعض ، يقال : أردفته وردفته بمعنى تبعته.

يروى أنه نزل جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة في صورة الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعلى رءوسهم عمائم بيض ، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم.

[٩٧٥] وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا ناشد ربّه عزوجل وقال أبو بكر : إنّ الله منجز لك ما وعدك فخفق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه ، فقال : «يا أبا بكر أتاك نصر الله ، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه (١) يقوده على ثناياه (٢) النقع».

[٩٧٦] أخبر عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن موسى ثنا عبد الوهّاب ثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس :

أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : «هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب».

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر ، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام ، وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا.

وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة [وكان](٣) قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره : لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشّعب الذي خرجت منه الملائكة (١).

(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢))

قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ) ، يعني : الإمداد بالملائكة ، (إِلَّا بُشْرى) ، أي : بشارة ،(وَلِتَطْمَئِنَّ

__________________

[٩٧٥] ـ أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣ / ٨٠ ، ٨١) من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : حدثني الزهري ، ومحمد بن يحيى وعاصم بن عمر ، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا فذكر الحديث في يوم بدر ، إلى أن قال : «فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العريش ...» فذكره.

ويشهد لأصله ما بعده.

[٩٧٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد ، خالد هو ابن مهران ، عكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس.

وهو في «شرح السنة» ٣٦٧٠ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح البخاري» ٣٩٩٥ و ٤٠٤١ عن إبراهيم بن موسى به.

وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣ / ٥٤) من طريق إبراهيم بن موسى به.

(١) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣ / ٥٣)

__________________

(١) في المطبوع وط «فرس».

(٢) في المخطوط «ثنايا».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٧٣

بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو : يغشيكم بفتح الياء ، (النُّعاسَ) رفع على أن الفعل له ؛ كقوله تعالى : (أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٥٤]. قرأ أهل المدينة : (يُغَشِّيكُمُ) بضم الياء وكسر الشين خفيف ، (النُّعاسَ) نصب ؛ لقوله تعالى : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ) [يونس : ٢٧] ، وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الشين مشدّد ، (النُّعاسَ) نصب على أن الفعل لله عزوجل ؛ لقوله تعالى : (فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)) [النجم : ٥٤] ، والنعاس : النوم الخفيف. (أَمَنَةً) أمنا (مِنْهُ) ، مصدر أمنت أمنا وأمنة وأمانا. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان. (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) ، وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب أعفر تسوخ فيه أقدامهم (١) وحوافر دوابهم (٢) ، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين ، وأصابهم الظمأ ووسوس إليهم الشيطان ، وقال : تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبيّ الله [وأنكم على الحق](٣) ، وأنكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين ، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم؟ فأرسل الله عزوجل عليهم مطرا سال منه الوادي فشرب المسلمون واغتسلوا وتوضّئوا وسقوا الركاب ، وملئوا الأسقية وأطفأ الغبار ولبّد الأرض ، حتى ثبتت عليها الأقدام وزالت عنهم وسوسة الشيطان ، وطابت أنفسهم ، فذلك قوله تعالى (١) : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من الأحداث والجنابة ، (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) ، ووسوسته ، (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ، باليقين والصبر ، (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) ، حتى لا تسوخ في الرمل بتلبيد الأرض. وقيل : يثبت به الأقدام بالصبر وقوّة القلب [للقتال](٤).

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) ، الذين أمدّ بهم المؤمنين ، (أَنِّي مَعَكُمْ) ، بالعون والنصرة ، (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي : قوّوا قلوبهم ، قيل : [إن](٥) ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم ، أي : ثبّتوهم بقتالكم معهم المشركين. وقال مقاتل : أي : بشّروهم بالنصر ، وكان الملك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول : أبشروا فإن الله ناصركم. (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) ، قال عطاء : يريد الخوف من أوليائي ، (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) ، قيل : هذا خطاب مع المؤمنين. وقيل : هذا خطاب مع الملائكة ، وهو متصل بقوله : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ، وقوله : (فَوْقَ الْأَعْناقِ) ، قال عكرمة : يعني الرءوس لأنها فوق الأعناق. وقال الضحاك : معناه فاضربوا الأعناق ، وفوق صلة (٦) ؛ كما قال تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ، وقيل : معناه فاضربوا على الأعناق. فوق بمعنى : على. (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) ، قال عطية : يعني كل مفصل. وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك : يعني الأطراف والبنان جمع بنانة ، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين. قال ابن الأنباري : كانت الملائكة

__________________

(٣) أخرجه الطبري ١٥٧٨٣ عن ابن عباس ، وفيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس وكرره ١٥٧٨٤ وفيه عطية العوفي ضعيف وعنه مجاهيل. وكرره ١٥٧٨٦ عن ابن جريج عن ابن عباس وهذا منقطع ، وله شاهد من مرسل السدي ١٥٧٨٥ ، ومع ذلك المشهور في كتب السير أن المسلمين هم الذين غلبوا على الماء من ابتداء الأمر ، والله أعلم.

__________________

(١) في المطبوع وط «الأقدام».

(٢) في المطبوع وط «الدواب».

(٣) زيد في المطبوع وط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) أي زائدة.

٢٧٤

[لا] تعلم كيف تقتل الآدميين (١) فعلّمهم الله عزوجل.

[٩٧٧] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر (١) الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عمر (٢) بن يونس الحنفي ثنا عكرمة بن عمار ثنا أبو زميل هو سماك الحنفي ثني عبد الله بن عباس قال :

بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشقّ وجهه لضربة السوط فاخضرّ ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدّث [ذاك](٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة». فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين.

وروي عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا قال : إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري (٣).

وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف (٤).

وقال عكرمة : قال أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كنت غلاما للعباس بن عبد المطّلب رضي الله عنه ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت وأسلمت أمّ الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم ، وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه ، وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلّف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزّا وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم ، فو الله إني لجالس أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرّ رجليه حتى جلس على طنب (٥) الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب قد قدم ، فقال أبو لهب : إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، قال : يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال : لا شيء والله إن كان إلّا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا ، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين

__________________

[٩٧٧] ـ إسناده حسن ، رجاله رجال مسلم. لكن عكرمة وشيخه يخط حديثهما عن درجة الصحيح.

وهو في «شرح السنة» برقم ٣٦٧١.

في «صحيح مسلم» ١٧٦٣ عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن حبان ٤٧٩٣ والبيهقي (٦ / ٣٢١) وفي «الدلائل» (٣ / ٥١ ، ٥٢) من طريق أبي يعلى عن أبي خيثمة زهير بن حرب به مطوّلا.

(١) وقع في الأصل «عبد القادر» وهو تصحيف.

(٢) وقع في الأصل «عمرو» وهو تصحيف.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر» (٣ / ٣١٣) ونسبه لعبد بن حميد وابن مردويه.

(٤) ذكره السيوطي في «الدر» (١ / ٣١٢) ونسبه لأبي الشيخ وابن مردويه.

(٥) الطنب : حبل الخباء.

__________________

(١) في المطبوع وط «يقتل الآدميون».

(٢) زيادة عن شرح السنة والمخطوط ، لكن المخطوط «ذلك».

٢٧٥

السماء والأرض ، لا والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء ، قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة ، قال : فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة ، فثاورته (١) فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك عليّ يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد (٢) الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجّة منكرة ، وقالت : تستضعفه إن غاب عنه سيّده؟ فقام مولّيا ذليلا ، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته (١).

[٩٧٨] وروى مقسم عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو (٢) بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا وكان العباس رجلا جسيما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي اليسر : كيف أسرت العباس؟ قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيئته كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد أعانك عليه ملك كريم».

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦))

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) ، خالفوا الله ، (وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(ذلِكُمْ) ، أي : هذا العذاب [والضرب](٥) الذي عجلته لكم أيها الكفار ببدر ، (فَذُوقُوهُ) ، عاجلا ، (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) ، أي : واعلموا وأيقنوا أن للكافرين أجلا في المعاد ، (عَذابَ النَّارِ).

[٩٧٩] روى عكرمة عن ابن عباس قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء ، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه : لا يصلح لك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لمه»؟ قال : لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك.

__________________

(١) هذا الخبر ذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ٨٩) ونسبه للطبراني والبزار وقال : وفي إسناده حسن بن عبد الله ، وثقه أبو حاتم وغيره ، وضعّفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات اه.

[٩٧٨] ـ ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٤ / ٨) من رواية مقسم عن ابن عباس به وفيه راو لم يسمّ.

وأخرجه أحمد (١ / ٣٥٣) (٣٣٠٠) من رواية عكرمة عن ابن عباس وفيه أيضا راو لم يسم وانظر «طبقات ابن سعد» (٤ / ٨).

(٢) وقع في الأصل «أخا» والتصويب من «طبقات ابن سعد».

[٩٧٩] ـ ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٠٨٠ وأحمد (١ / ٣٢٩ و ٣١٤ و ٣٢٦) وأبو يعلى ٢٣٧٣ من طريق إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس به.

وإسناده ضعيف لأن رواية سماك عن عكرمة مضطربة.

وقال ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٨٣) بعد أن أورده من طريق أحمد : وإسناده جيد!! قلت : رجاله رجال مسلم ، لكن سماك وهو ابن حرب اختلط بأخرة ، وهو ضعيف الرواية عن عكرمة ، وخبره هذا منكر ، إذ كيف يعلم العباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض ما أوحي إليه؟!.

__________________

(١) في المطبوع «فساورته».

(٢) في المطبوع «عمود».

(٣) زيد في المطبوع.

٢٧٦

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) ، أي : مجتمعين متزاحفين بعضكم إلى بعض ، والتزاحف : التداني في القتال : والزحف مصدر ولذلك لم يجمع ؛ كقولهم : قوم عدل ورضا. قال الليث : الزحف جماعة يزحفون إلى عدوّ لهم بمرّة ، فهم [الزحف و](١) الجمع الزحوف. (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) ، يقول : فلا تولوهم ظهوركم ، أي : لا تنهزموا فإن المنهزم يولي دبره.

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) ، ظهره ، (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) ، أي : منعطفا (٢) يري من نفسه الانهزام ، وقصده طلب الغرّة وهو يريد الكرة ، (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) ، أي : منضما صائرا إلى جماعة من المؤمنين يريد العود إلى القتال. ومعنى الآية النهي عن الانهزام من الكفار والتولّي عنهم ، إلّا على نية التحرّف للقتال والانضمام إلى جماعة من المسلمين ليستعين بهم ويعود إلى القتال ، فمن ولّى ظهره لا على هذه النية لحقه الوعيد ؛ كما قال تعالى : (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال أبو سعيد الخدري : هذا في أهل بدر خاصة ، ما كان يجوز لهم الانهزام لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان معهم ، ولم يكن لهم فئة يتحيّزون إليها دون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو انحازوا لانحازوا إلى المشركين ، فأمّا بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض ، فيكون الفار متحيّزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة ، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك. وقال يزيد بن أبي حبيب : أوجب الله النار لمن فرّ يوم بدر ، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١٥٥] ، ثم كان يوم حنين بعده فقال : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥] ، (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) [التوبة : ٢٧].

[٩٨٠] وقال عبد الله [بن عمر] : كنّا في جيش بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحاص الناس حيصة فانهزمنا ، فقلنا : يا رسول الله نحن الفرّارون ، قال : «بل أنتم الكرّارون ، إنا فئة المسلمين».

وقال محمد بن سيرين : لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال : لو انحاز إليّ كنت له فئة فإنّا فئة كل مسلم. وقال بعضهم : حكم الآية عام في حقّ كل من ولّى منهزما.

[٩٨١] جاء في الحديث : «من الكبائر الفرار من الزحف».

وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله عزوجل : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) [الأنفال : ٦٦] ، فليس لقوم أن يفرّوا من مثليهم (٣) فنسخت تلك إلّا في هذه العدة ، وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفرّوا ويولّوا ظهورهم إلّا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة ، وإن كانوا أقلّ من ذلك جاز لهم أن يولّوا ظهورهم وينحازوا عنهم. قال ابن عباس : من

__________________

[٩٨٠] ـ ضعيف. أخرجه أبو داود ٢٦٤٧ والترمذي ١٧١٦ والبخاري في «الأدب المفرد» ٩٧٢ والشافعي (٢ / ٣٨٨) وأحمد (٢ / ٧٠ و ٨٦ و ١٠٠ و ١١١) والحميدي ٦٨٧ وابن الجارود ١٠٥٠ وأبو نعيم (٩ / ٥٧) والبيهقي (٩ / ٧٦) من حديث ابن عمر ، وإسناده ضعيف مداره على يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف كبر فتغير ، فصار يتلقن كما في «التقريب».

[٩٨١] ـ صحيح. يشير المصنف لحديث «اجتنبوا السبع الموبقات ...» منها : «..... والتولي من الزحف ...».

أخرجه البخاري ٢٧٦٦ و ٦٨٥٧ ومسلم ٨٩ وأبو داود ٢٨٧٤ والنسائي (٦ / ٢٥٧) وأبو عوانة (١ / ٥٤ و ٥٥) وابن حبان ٥٥٦١ والبيهقي (٨ / ٢٤٩) من حديث أبي هريرة. وتقدم.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «متعطفا».

(٣) في المخطوط «مثلهم».

٢٧٧

فرّ من ثلاثة فلم يفر ، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ.

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧))

قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) ، قال مجاهد : سبب نزول هذه الآية أنهم لمّا انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول : أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله ، فنزلت [هذه](١) الآية. ومعناه : فلم تقتلوهم أنتم بقوّتكم ولكنّ الله قتلهم بنصرته إيّاكم وتقويته لكم. وقيل : ولكن الله قتلهم بإمداد الملائكة. (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

[٩٨٢] قال أهل التفسير والمغازي (٢) : ندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ، ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم أسلم غلام أسود لبني الحجاج وأبو يسار غلام لبني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهما : «أين قريش»؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب : العقنقل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كم القوم»؟ قالا : كثير ، قال : «ما عدّتهم»؟ قالا : لا ندري ، قال : «كم ينحرون كلّ يوم»؟ قالا : يوما عشرة ويوما تسعة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «القوم ما بين التسع مائة إلى الألف» ، ثم قال لهما : «فمن فيهم من أشراف قريش»؟ قالا : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري ابن هشام وحكيم بن حزام والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وأبو جهل بن هشام وأميّة بن خلف ، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» ، فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [تصوب](٣) من العقنقل وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي قال لهم : «هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني» ، فأتاه جبريل عليه‌السلام وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلمّا التقى الجمعان تناول كفّا من حصى عليه تراب فرمى به في وجوه القوم ، وقال : «شاهت الوجوه» ، فلم يبق منهم مشرك إلّا ودخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شيء ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم.

[٩٨٣] وقال قتادة [و] ابن (١) زيد : ذكر لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم ، وقال : «شاهت الوجوه» ، فانهزموا ، فذلك قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصا إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلّا ويصيبها منه شيء. وقيل : معنى [الآية] وما بلّغت إذ رميت ولكنّ الله بلّغ. وقيل : وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء (٤) ولكنّ الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا ، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) ، أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة

__________________

[٩٨٢] ـ انظر مسند أحمد (١ / ١١٧) و «الدر المنثور» (٣ / ٣٠٧).

(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من ط.

[٩٨٣] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ١٥٨٣٩ عن ابن زيد مرسلا ، وذكره السيوطي في «الدر» (٣ / ٣١٦ ، ٣١٧) ونسبه لابن أبي حاتم وابن زيد واه ، وهذا معضل ، والصحيح أنه عليه‌السلام ألقى الحصى من غير تعيين عدد أو مكان كل واحدة.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «والمعاني».

(٣) زيد في المطبوع وط.

(٤) في المخطوط «بالحصى».

٢٧٨

بالنصر والغنيمة ، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم ، (عَلِيمٌ) بنيّاتكم.

(ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩))

(ذلِكُمْ) الذي ذكرت من القتل والرمي والبلاء الحسن ، (وَأَنَّ اللهَ) ، قيل : فيه إضمار ، أي : واعلموا أن الله (مُوهِنُ) ، مضعف ، (كَيْدِ الْكافِرِينَ) ، قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة : «موهّن» بالتشديد والتنوين ، (كَيْدِ) نصب ، وقرأ الآخرون [موهن](١) بالتخفيف والتنوين إلّا حفصا ، فإنه يضيفه ولا ينون ويخفض (كَيْدِ).

قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، وذلك أن أبا جهل ـ لعنه الله ـ قال يوم بدر لمّا التقى الناس : اللهمّ أيّنا (٢) أقطعنا (٣) للرحم وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة ، فكان هو المستفتح على نفسه.

[٩٨٤] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم [ثنا إبراهيم](٤) بن سعد عن أبيه عن جده قال :

قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن [بمكانهما ، إذ قال لي](٥) أحدهما سرا من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال : عاهدت الله عزوجل إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه ، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فما سرّني أني بين رجلين بمكانهما فأشرت لهما إليه فشدّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.

[٩٨٥] وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى ثنا ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن أنس ، قال :

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

[٩٨٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

وهو في «صحيح البخاري» ٣٩٨٨ عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٣١٤١ و ٣٩٦٤ ومسلم ١٧٥٢ وأبو يعلى ٨٦٦ من وجه آخر عن صالح بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف به مطوّلا.

[٩٨٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم ، سليمان هو ابن بلال.

وهو في «صحيح البخاري» ٣٩٦٣ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٠٢٠ ومسلم ١٨٠٠ وأبو يعلى ٤٠٦٣ من طرق عن سليمان التيمي به.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع وحده عقب «أينا» «يعني نفسه ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٣) في المطبوع «قاطعا» والمثبت عن المخطوط والطبري وط.

(٤) العبارة كذا في المخطوط وصحيح البخاري ، وفي المخطوط ، «لمكانهما فقال».

٢٧٩

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : «من ينظر لنا ما فعل (١) أبو جهل» ، قال : فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد (٢) ، فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل؟ قال : وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه.

[٩٨٦] قال محمد بن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح لما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى ، وقال : «اللهمّ لا يعجزنّك» ، قال : فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت (٣) قدمه بنصف ساقه ، قال : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلّقت بجلدة من جنبي وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامّة يومي وإني لأصحبها خلفي ، فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثمّ تمطّيت بها حتى طرحتها ، ثم مرّ بأبي جهل وهو عقير معوذ (٤) بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق ، فمرّ عبد الله بن مسعود ، قال عبد الله بن مسعود : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ، ثم قلت : هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ قال : وبما ذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه ، فأخبرني لمن الدائرة؟ قلت : لله ولرسوله.

[٩٨٧] وروي عن ابن مسعود أنّه قال : قال لي أبو جهل : لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقا صعبا ، ثم احتززت رأسه ثم جئت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله هذا رأس [عدوّ الله](٥) أبي جهل ، فقال : «الله الذي لا إله غيره»؟ قلت : نعم والذي لا إله غيره ، ثم ألقيته بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فحمد الله عزوجل](٦). وقال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ، ففيه نزلت : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.

وقال عكرمة : قال المشركون : والله لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله عزوجل : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، أي : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.

وقال أبيّ بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال الله تعالى للمسلمين : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، أي : إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر.

[٩٨٨] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن [أحمد](٧) الطوسي

__________________

[٩٨٦] ـ هذا مرسل ، وأخرجه البيهقي (٣ / ٨٤ ، ٨٥) من وجه آخر عن ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس به ، وهذا إسناده قوي صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وانظر «السيرة النبوية» (٢ / ٢٦٧).

[٩٨٧] ـ أخرجه البيهقي (٣ / ٨٦) من طريق ابن إسحاق عن رجال من بني مخزوم ، وهذا ضعيف. والصحيح اللفظ المقدم برقم ٩٨٥.

[٩٨٨] ـ حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول ، لكن قد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

قيس هو ابن أبي حازم.

وهو في «شرح السنة» ٣٦٤٥ بهذا الإسناد.

__________________

(١) في المطبوع «صنع».

(٢) تصحف في المطبوع «تردى».

(٣) في المطبوع «طيرت» وكلاهما بمعنى.

(٤) في المطبوع «معاذ».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) ما بين المعقوفتين في المخطوط عقب قول السدي والكلبي.

(٧) زيادة عن المخطوط.

٢٨٠