تفسير البغوي - ج ٢

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠))

قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، شكّ ونفاق ، (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) ، يعني : غرّ المؤمنين دينهم ، هؤلاء قوم كانوا مستضعفين بمكة قد أسلموا وحبسهم أقرباؤهم من الهجرة ، فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرها ، فلما نظروا إلى قلّة المسلمين ارتابوا وارتدّوا ، وقالوا : غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا جميعا منهم قيس بن [الوليد بن](١) المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، وعلي بن أمية بن خلف الجمحي ، والعاص بن منبه بن الحجاج. قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، أي : ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به ، (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) ، قوي يفعل بأعدائه ما يشاء ، (حَكِيمٌ) [لا يسوّي بين وليّه وعدوّه](٢).

(وَلَوْ تَرى) يا محمد ، (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ) ، أي : يقبضون (٣) أرواحهم. اختلفوا فيه ، قيل : هذا (٤) عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار [وأدبارهم](٥) بسياط النار. وقيل : أراد الذين قتلوا من المشركين ببدر كانت الملائكة يضربون ، (وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : يريد أستاههم ولكن الله حييّ يكنى. قال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف ، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم. وقال ابن جريج : يريد ما أقبل منهم وما أدبر ، أي : يضربون أجسادهم كلها ، والمراد بالتّوفي القتل. (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ، أي : وتقول لهم الملائكة ذوقوا عذاب الحريق. وقيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار ، فتلتهب النار في جراحاتهم ، فذلك قوله تعالى : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ). [وقال الحسن : هذا يوم القيامة تقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق](٦). وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يقولون لهم ذلك بعد الموت.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))

(ذلِكَ) ، أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، أي : بما كسبت أيديكم ، (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، كفعل آل فرعون وصنيعهم وعادتهم ، معناه : أن عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون. قال ابن عباس : هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذّبوه ، كذلك هؤلاء

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) في المطبوع «يفيضون».

(٤) في المخطوط «هو».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيد في المطبوع وط.

٣٠١

جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصدق فكذّبوه ، فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون ، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ، [أراد أن الله تعالى لا يغيّر ما أنعم على قوم حتى يغيّروا هم](١) ما بهم بالكفران وترك الشكر ، فإذا فعلوا ذلك غيّر الله ما بهم ، فسلبهم النعمة. وقال السدي : نعمة الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنعم الله به على قريش وأهل مكة ، فكذّبوه وكفروا به فنقله الله إلى الأنصار ، (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، كصنيع آل فرعون ، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من كفار الأمم ، (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ، أهلكنا بعضهم بالرجفة ، وبعضهم بالخسف ، وبعضهم بالمسخ ، وبعضهم بالريح ، وبعضهم بالغرق ، فكذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف لمّا كذّبوا بآيات ربهم ، (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) ، يعني : الأوّلين والآخرين.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨))

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥)) ، قال الكلبي ومقاتل : يعني يهود بني قريظة منهم كعب بن الأشرف وأصحابه.

(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) ، يعني : عاهدتهم ، [وقيل](٢) : عاهدت بعضهم (٣). وقيل : أدخل من لأن معناه أخذت منهم العهد ، (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) ، وهم بنو قريظة نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأعانوا المشركين بالسلاح على قتال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا فعاهدهم الثانية (٤) ، فنقضوا العهد ومالئوا الكفار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق ، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) ، لا يخافون الله تعالى في نقض العهد.

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) ، تجدنّهم ، (فِي الْحَرْبِ) ، قال مقاتل : إن أدركتهم بالحرب وأسرتهم ، (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) ، قال ابن عباس : فنكّل بهم من ورائهم. وقال سعيد بن جبير : أنذر بهم من خلفهم. وأصل التشريد : التفريق والتبديد ، معناه : فرّق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجاءوا لحربك فعلا من القتل والتنكيل ، يفرق منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن ، (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، يتذكّرون ويتّعظون ويعتبرون فلا ينقضون العهد.

(وَإِمَّا تَخافَنَ) ، أي : تعلمن يا محمد ، (مِنْ قَوْمٍ) ، معاهدين ، (خِيانَةً) ، نقض عهد بما يظهر لكم من آثار الغدر كما ظهر من قريظة والنضير ، (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) ، فاطرح لهم عهدهم ، (عَلى سَواءٍ) ، يقول : أعلمهم قبل حربك إيّاهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء ، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب معهم ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

__________________

(١) زيد في المطبوع وط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع وط «معهم».

(٤) في المخطوط «ثانيا».

٣٠٢

[١٠١٢] أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أنا أبو سهل محمد بن عمرو بن طرفة السجزي أنا أبو سليمان (١) الخطابي أنا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة التمار ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ثنا حفص بن عمر النمري (٢) ثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر رجل من حمير قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ، حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس وهو يقول : الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا فنظر فإذا هو عمرو بن عبسة (٣) ، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء» ، فرجع معاوية رضي الله عنه.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠))

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وحفص (يَحْسَبَنَ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، (سَبَقُوا) ، أي : فاتوا ، نزلت في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين ، فمن قرأ بالياء يقول : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب. قرأ ابن عامر : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) ، بفتح الألف ، أي : لأنهم لا يعجزون ، ولا يفوتونني. وقرأ الآخرون بكسر الألف على الابتداء.

قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ، الإعداد : اتّخاذ الشيء لوقت الحاجة. (مِنْ قُوَّةٍ) ، أي : من الآلات التي تكون لكم قوة عليهم من الخيل والسلاح.

[١٠١٣] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا

__________________

[١٠١٢] ـ إسناده صحيح ، رجاله ثقات معروفون ، وللحديث شواهد.

أبو الفيض هو موسى بن أيوب.

وهو في «سنن أبي داود» ٢٧٥٩ عن حفص النمري بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ١٥٨٠ والنسائي في «الكبرى» ٨٧٣٢ والطيالسي ١١٥٥ وأحمد (٤ / ١١١ و ١١٣ و ٣٨٥ و ٣٨٦) وابن حبان ٤٨٧١ وأبو عبيد في «الأموال» ٤٤٨ والبيهقي (٩ / ٢٣١) من طرق عن شعبة به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(١) وقع في الأصل «سليم» والتصويب من «ط».

(٢) في الأصل «النمر» والتصويب من «سنن أبي داود».

(٣) في الأصل «عنبسة» وهو تصحيف.

[١٠١٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ابن وهب هو عبد الله.

وهو في «صحيح مسلم» ١٩١٧ عن هارون بن معروف بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو يعلى ١٧٤٣ عن هارون به.

وأخرجه ابن ماجه ٢٨١٣ وأحمد (٤ / ١٥٦ ، ١٥٧) وابن حبان ٤٧٠٩ والطبراني (١٧ / ٩١١) والبيهقي (١٠ / ١٣) من طرق عن ابن وهب به.

٣٠٣

إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني عمرو [بن الحارث عن أبي علي ثمامة](١) بن شفي أنه سمع عقبة بن عامر يقول :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو على المنبر : «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ألا إنّ القوّة الرمي ، ألا إنّ القوّة الرمي ، ألا إنّ القوّة الرمي».

[١٠١٤] وبهذا الإسناد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله عزوجل فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه».

[١٠١٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم ثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا : «إذا أكثبوكم (١) فعليكم بالنبل».

[١٠١٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر

__________________

وأخرجه الطبراني ١٦٢٢٥ من طريق أبي علي به.

وأخرجه الدارمي (٢ / ٢٠٤) والحاكم (٢ / ٣٢٨) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر به.

وأخرجه الترمذي ٣٠٨٣ والطبري ١٦٢٤١ و ١٦٢٤٢ من طريق أسامة بن زيد عن صالح بن كيسان عن رجل عن عقبة بن عامر به.

وأخرجه الطبري ١٦٢٤٣ من طريق صالح عن عقبة به و ١٦٢٤٤ عن عبد الله بن عبيدة عن عقبة به.

[١٠١٤] ـ إسناده على شرط مسلم كسابقه.

وهو في «صحيح مسلم» ١٩١٨ عن هارون بن معروف بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٥٧) وأبو يعلى ١٧٤٢ من طريق هارون بن معروف به.

وأخرجه البيهقي (١٠ / ١٣) من طريق عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب به.

وأخرجه مسلم ١٩١٨ عن طريق بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث به.

وأخرجه الترمذي ٣٠٨٣ من طريق أسامة بن زيد عن صالح بن كيسان عن رجل عن عقبة بن عامر.

[١٠١٥] ـ إسناده على شرط البخاري.

أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، عبد الرحمن هو ابن سليمان بن عبد الله بن حنظلة المعروف بابن الغسيل.

وهو في «شرح السنة» ٢٦٩٨ بهذا الإسناد ، وهو في «صحيح البخاري» ٢٩٠٠ عن أبي نعيم به.

وأخرجه أبو داود ٢٦٦٣ وأحمد (٣ / ٤٩٨) والبيهقي في «الدلائل» (٣ / ٧٠) من طرق عن أبي أحمد الزبيري محمد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن الغسيل به.

وأخرجه أبو داود ٢٦٦٤ عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده به.

وأخرجه البخاري ٣٩٨٤ و ٣٩٨٥ عن أبو أحمد الزبيري عن عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد عن أبي أسيد به.

(١) قال المصنف في «شرح السنة» (٥ / ٥٨٣) : أكثبوكم : قاربوكم. والكثب : القرب. يقول : ارموهم إذا دنوا منكم.

[١٠١٦] ـ صحيح. حميد بن زنجويه ، ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال مسلم ، وللحديث شواهد.

هشام هو ابن عبد الله ، أبو نجيح هو عمرو بن عبسة.

وهو في «شرح السنة» ٢٦٣٦ بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو داود ٣٩٦٥ والترمذي ١٦٣٨ والنسائي (٦ / ٢٦) وابن حبان ٤٦١٥ والحاكم (٢ / ٩٥ و ١٢١) من طرق عن.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٣٠٤

محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا هشام الدستواني عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السّلمي قال :

حاصرنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطائف فسمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنّة» ، قال : فبلغت يومئذ ستة عشر سهما. وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر».

[١٠١٧] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران أنا إسماعيل بن محمد (١) الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني :

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله يدخل بالسهم الواحد الجنّة ثلاثة صانعه والممدّ به والرامي به في سبيل الله».

[١٠١٨] وروي عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [قال] : «إنّ الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة : صانعه يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، ومنبله فارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب

__________________

هشام الدستوائي به.

وأخرجه البيهقي (٩ / ١٦١) من طريق شيبان عن قتادة به.

وأخرجه النسائي (٦ / ٢٦ و ٢٧) وأحمد (٤ / ٣٨٦) والبيهقي (١٠ / ٢٧٢) من طرق عن شرحبيل بن السمط عن أبي نجيح به.

وأخرجه ابن ماجه ٢٨١٢ والحاكم (٢ / ٩٦) والبيهقي (٩ / ١٦٢) من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أبي نجيح السلمي عن عمرو بن عبسة به.

وأخرجه أحمد (٤ / ٣٨٦) عن الفرج عن لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة به.

[١٠١٧] ـ حديث حسن. إسناده حسن في الشواهد ، أحمد بن منصور ثقة ، ومن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال مسلم سوى عبد الله بن زيد فإنه مقبول ، وقد توبع.

عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد.

وهو في «شرح السنة» ٢٦٣٥ بهذا الإسناد ، وفي «مصنف عبد الرزاق» ١٩٥٢٢ عن معمر به وأتم منه.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٥٤ و ١٤٨) من طريق عبد الرزاق به.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٤٨) والبيهقي في «الشعب» ٤٣٠١ من طريق عبد الرزاق بأتم منه.

وأخرجه الترمذي بإثر ١٦٣٧ وابن ماجه ٢٨١١ من هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير به.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٤٤) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن يحيى بن أبي كثير به.

وانظر الحديث الآتي و «أحكام القرآن» ١٠٤٤ بتخريجي.

[١٠١٨] ـ حسن. أخرجه أبو داود ٢٥١٣ والترمذي بإثر ١٦٣٧ والنسائي في «الكبرى» ٤٤٢٠ والحاكم (٢ / ٩٥) وأحمد (٤ / ١٤٨) من طرق عن خالد بن زيد به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وفيه خالد بن زيد مقبول ، وقد توبع في خبر مرسل.

وأخرجه الترمذي ١٦٣٧ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين مرسلا.

وهو يتأيد بما قبله ، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى ، ولم يصب من ضعفه من المتأخرين ، وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» ١٠٤٤ بتخريجي.

__________________

(١) في المطبوع «أحمد» وهو خطأ.

٣٠٥

إليّ من أن تركبوا ، كل شيء يلهو به الرجل باطل إلّا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهنّ من الحق.

ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنّه نعمة تركها ، أو قال كفرها».

قوله : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) ، يعني : ربطها واقتناؤها للغزو. وقال عكرمة : القوة الحصون ومن رباط الخيل الإناث. [وروي عن خالد بن الوليد أنه كان لا يركب في القتال إلّا الإناث](١) ، لقلّة صهيلها. وعن أبي محيريز قال : كان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف وإناث الخيل عند البيات (٢) والغارات.

[١٠١٩] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم ثنا زكريا عن عامر ثنا عروة البارقي :

أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الأجر والمغنم».

[١٠٢٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن حفص ثنا ابن المبارك ثنا طلحة بن أبي سعيد قال : سمعت سعيدا المقبري يحدّث أنه سمع أبا هريرة يقول :

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده ، فإنّ شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة».

[١٠٢١] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي أنبأنا أبو مصعب

__________________

[١٠١٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، زكريا هو ابن أبي زائدة ، عامر هو ابن شراحيل الشعبي.

وهو في «شرح السنة» ٢٦٣٩ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح البخاري» ٢٨٥٢ عن أبي نعيم به.

وأخرجه البخاري ٢٨٥٠ و ٣١١٩ و ٣٦٤٣ ومسلم ١٨٧٣ والترمذي ١٦٩٤ والنسائي (٦ / ٢٢٢) وابن ماجه ٢٣٠٥ وأحمد (٤ / ٣٧٥ و ٣٧٦) والطحاوي في «المشكل» ٢٢٥ و ٢٢٦ و ٢٢٧ والطيالسي ١٠٥٦ و ١٢٤٥ وسعيد بن منصور ٢٤٢٦ و ٢٤٢٧ و ٢٤٣٠ و ٢٤٣١ والدارمي (٢ / ٢١١ ، ٢١٢) والبيهقي (٦ / ٣٢٩) من طرق من حديث عروة بن الجعد البارقي.

وفي الباب من حديث جرير عند مسلم ١٨٧٢ والنسائي (٦ / ٢٢١) وأحمد (٤ / ٣٦١) والطحاوي في «المشكل» ٢٢٣ و ٢٢٤ وابن حبان ٤٦٦٩ والطبراني في «الكبير» ٢٤٠٩ و ٢٤١٠ و ٢٤١١ و ٢٤١٢ و ٢٤١٣ والبيهقي (٦ / ٣٢٩).

ومن حديث ابن عمر عند البخاري ٢٨٤٩ و ٣٦٢٤ ومسلم ١٨٧١ والنسائي (٦ / ٢٢١ ، ٢٢٢) وابن ماجه ٢٧٨٧ ومالك (٢ / ٤٦٧) والطيالسي ١٨٤٤ وأحمد (٢ / ١٣ و ٢٨ و ٤٩ و ٥٧ و ١٠١ و ١١٢) والطحاوي ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ وابن حبان ٤٦٦٨ والبيهقي (٦ / ٣٢٩).

[١٠٢٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ابن المبارك هو عبد الله ، طلحة هو أبو عبد الملك القرشي المدني.

أبو صالح اسمه ذكوان ، سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري.

وهو في «شرح السنة» ٢٦٤٢ بهذا الإسناد.

وفي «صحيح البخاري» ٢٨٥٣ عن علي بن حفص به.

وأخرجه أحمد (٢ / ٣٧٤) وابن حبان ٤٦٧٣ من طريقين عن عبد الله بن المبارك به.

وأخرجه النسائي (٦ / ٢٢٥) والبيهقي (١٠ / ١٦) والحاكم (٢ / ٩٢) من طرق عن ابن وهب عن طلحة بن أبي سعيد به.

[١٠٢١] ـ إسناده صحيح على شرط الشيخين.

__________________

(١) سقط من المخطوط.

(٢) في المطبوع «الشنات».

٣٠٦

عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة :

أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر وعلى رجل وزر ، فأمّا الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج (١) أو روضة فما أصابت في طيلها (٢) ذلك [من المرج أو الروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت (٣)](١) شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات ، فهي لذلك أجر ، ورجل ربطها تغنيا (٤) وتعففا ولم ينس حقّ الله في ظهورها ولا رقابها فهي لذلك ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء (٥) لأهل الإسلام ، فهي على ذلك وزر» (٢). وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحمر فقال : «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨))» [الزلزلة : ٧ ، ٨].

(تُرْهِبُونَ بِهِ) ، تخوّفون به (عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ) ، أي : وترهبون آخرين ، (مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) ، قال مجاهد ومقاتل وقتادة : هم بنو قريظة. وقال السدي : هم أهل فارس. وقال الحسن وابن زيد : هم المنافقون ، لا تعلمونهم لأنهم معكم يقولون لا إله إلّا الله. وقيل : هم كفار الجنّ. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ، يوفّى لكم أجره ، (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ، لا تنقص أجوركم.

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥))

قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) ، أي : مالوا إلى الصلح ، (فَاجْنَحْ لَها) ، أي : مل إليها وصالحهم.

__________________

أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، أبو صالح اسمه ذكوان.

وهو في «شرح السنة» ١٥٦٩ بهذا الإسناد ، وفي «الموطأ» (٢ / ٤٤٤) عن زيد بن أسلم به.

وأخرجه البخاري ٢٣٧١ و ٢٨٦٠ و ٣٦٤٦ و ٤٩٦٢ و ٤٩٦٣ و ٧٣٥٦ والنسائي (٦ / ٢١٦ ، ٢١٧) وابن حبان ٤٦٧٢ والبيهقي (١٠ / ١٥) من طرق عن مالك به.

وأخرجه مسلم ٩٨٧ والبيهقي (٤ / ١١٩) من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به.

(١) المرج : موضع الكلأ.

(٢) الطيل : الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى.

(٣) استن الفرس : عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين ، ولا راكب عليه.

(٤) تغنيا : استغناء بها عن الطلب من الناس.

(٥) نواء : أصله من ناء : إذا نهض ، ويستعمل في المعاداة.

__________________

(١) سقط من المخطوط وحده.

(٢) وقع في المتن اختلاف واضطراب في النسخ والمخطوط والمثبت عن «شرح السنة» و «الموطأ» والمخطوط.

٣٠٧

روي عن قتادة والحسن : أنّ هذه الآية نسخت (١) بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)! ثق بالله ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) ، يغدروا ويمكروا بك. قال مجاهد : يعني : بني قريظة ، (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، كافيك الله ، (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، أي : بالأنصار.

(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) ، أي : بين الأوس والخزرج ، كانت بينهم إحن وتارات في الجاهلية فصيّرهم الله إخوانا بعد أن كانوا أعداء ، (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)) ، قال سعيد بن جبير : أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة ، ثم أسلم عمر بن الخطاب فتمّ به الأربعون ، فنزلت هذه الآية. واختلفوا في محل من ، فقال أكثر المفسّرين محلّه خفض ، عطفا على الكاف في قوله : (حَسْبَكَ اللهُ) ، [معناه : حسبك الله](٢) وحسب من اتبعك ، وقال بعضهم : هو رفع عطفا على اسم الله معناه : حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) ، أي : حثّهم على القتال. (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ) ، رجلا (صابِرُونَ) ، محتسبون ، (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، من عدوهم ويقهروهم ، (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ) ، صابرة محتسبة ، (يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، ذلك (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ، أي : لأن (٣) المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب ولا يثبتون إذا صدقتموهم القتال خشية أن يقتلوا ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، وكان هذا يوم بدر فرض الله على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين ، فثقلت على المؤمنين ، فخفّف الله عنهم ، فنزل :

(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧))

(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) ، أي : ضعفا في الواحد عن قتال العشرة وفي المائة عن قتال الألف ، (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، من الكفار ، (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، فردّ من العشرة إلى الاثنين فإن كان المسلمون على الشطر من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفرّوا. وقال سفيان : قال ابن شبرمة : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا. قرأ أهل الكوفة : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ) ، بالياء فيهما ، [وقرأ أبو جعفر : «ضعفاء» بفتح العين والمد على الجمع وقرأ الآخرون بسكون العين](٤) ، وافق أهل البصرة في الأول والباقون بالتاء فيهما ، ثم قرأ عاصم وحمزة : «ضعفاء» بفتح الضاد هاهنا وفي سورة الروم ، والباقون بضمّها.

وقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ، قرأ أبو جعفر وأهل البصرة : تكون بالتاء

__________________

(١) في المطبوع «منسوخة».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «إن».

(٤) ما بين المعقوفتين في المطبوع وط عقب «عن قتال الألف».

٣٠٨

والباقون بالياء ، وقرأ أبو جعفر : «أسارى» ، والآخرون : (أَسْرى).

[١٠٢٢] وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : لمّا كان يوم بدر وجيء بالأسرى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما تقولون في هؤلاء»؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم استأن (١) بهم لعلّ الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية تكون لنا قوّة على الكفار ، وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله كذّبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم ، مكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، ومكّني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمّة الكفر ، وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا ، فقال له العباس : قطعت رحمك ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يجبهم ، ثم دخل : فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة ، ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إنّ الله تعالى ليليّن قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن (٢) ، ويشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم». [ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨))](٣) [المائدة : ١١٨] ، و [إن] مثلك يا عمر مثل نوح قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦] ، ومثلك يا عبد الله بن رواحة مثل موسى قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية [يونس : ٨٨] ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم اليوم عالة فلا يفلتنّ منهم أحد إلّا بفداء أو ضرب عنق» ، قال عبد الله بن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا سهيل بن بيضاء».

[١٠٢٣] قال ابن عباس : قال عمر بن الخطاب : فهوي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة» ـ شجرة قريبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى

__________________

[١٠٢٢] ـ إسناده ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٠٨٤ وأحمد (١ / ٣٨٣) والحاكم (٣ / ٢١) وأبو يعلى ٥١٨٨ والطبراني (١٠ / ١٧٧) والواحدي ٤٨٧.

من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وإسناده ضعيف لانقطاعه بينهما ، ومع ذلك حسنه الترمذي مع قوله : أبو عبيدة لم يسمع من أبيه! وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! والصواب أنه ضعيف ، ولأكثره شواهد. والمنكر فيه لفظ «مثلك يا أبا بكر ....» و «مثلك يا عمر ...» وأما أصل الخبر فصحيح.

انظر «فتح القدير» للشوكاني رقم : ١٠٦٧ بتخريجي.

[١٠٢٣] ـ غريب. أخرجه مسلم ١٧٦٣ وأبو داود ٢٦٩٠ والترمذي ٣٠٨١ وأحمد (١ / ٣٠) وابن أبي شيبة (١٤ / ٣٦٥ ، ٣٦٨) وابن حبان ٤٧٩٣ والبيهقي (٦ / ٣٢١) وفي «الدلائل» (٣ / ٥١ ، ٥٢) من طرق. عن عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر به ، وأتم منه ، وهذا الحديث من أفراد مسلم ، وفيه غرابة ونكارة ، وقد تكلم في عكرمة وسماك ، راجع «أحكام القرآن» ١٠٥٧ بتخريجي.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «استأذن».

(٢) في المطبوع «الزبد».

(٣) زيد في المطبوع وط. وهو في «المسند» لأحمد.

٣٠٩

قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).

فأحل الله الغنيمة لهم بقوله : (أَسْرى) جمع أسير مثل قتلى وقتيل. قوله : (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ، أي : يبالغ [في](١) [قتل](٢) المشركين وأسرهم ، (تُرِيدُونَ) أيها المؤمنون (عَرَضَ الدُّنْيا) بأخذكم الفداء ، (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم دين الله عزوجل ، (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وكان الفداء لكل أسير أربعين أوقية ، والأوقية أربعون درهما.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله في الأسارى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، فجعل الله عزوجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا أعتقوهم وإن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))

قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) ، قال ابن عباس : كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم جعلوه للقربان ، فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم وأخذوا الفداء ، فأنزل الله عزوجل : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) ، يعني : لو لا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحلّ لكم الغنائم. وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير : لو لا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال ابن جريج : لو لا كتاب من الله سبق أنه] لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتّقون الآية ، وأنه لا يؤاخذ (٣) قوما فعلوا أشياء بجهالة (لَمَسَّكُمْ) ، لنالكم وأصابكم ، (فِيما أَخَذْتُمْ) ، من الفداء قبل أن تؤمروا به ، (عَذابٌ عَظِيمٌ).

[١٠٢٤] قال ابن إسحاق : لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلّا أحبّ الغنائم إلّا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الأسرى ، وسعد بن معاذ قال : يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استيفاء الرجال ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو نزل من السماء عذاب ما نجا منهم غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ».

فقال الله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)) ، روي أنه لما نزلت الآية الأولى كفّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء ، فنزل : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) الآية.

__________________

[١٠٢٤] ـ أخرجه الطبري ١٦٣٣٤ عن ابن إسحاق به ، وهذا معضل ، والوهن فقط في ذكر سعد بن معاذ.

وأما ذكر عمر فقد ورد من وجوه أخر ، أخرجه الحاكم (٢ / ٣٢٩ ح ٣٢٧٠) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر ، وفيه : «...... فلقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء».

قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي : على شرط مسلم. وهو كما قال الذهبي رجاله رجال مسلم. لكن إبراهيم متكلم فيه ، ومع ذلك توبع.

وورد من مرسل عبد الرحمن بن زيد عند الطبري ١٦٣٣٣.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «قتال».

(٣) في المطبوع «يأخذ».

٣١٠

[١٠٢٥] وروينا عن جابر رضي الله عنه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي».

[١٠٢٦] أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام (١) ثنا أبو هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا ، [و] ذلك بأنّ الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا».

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١))

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) ، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : «من الأسارى» بالألف والباقون : بلا ألف.

[١٠٢٧] نزلت في العباس بن عبد المطلب وكان أسر يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر وكان يوم بدر نوبته ، وكان قد خرج بعشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى ، وقال : «أما شيء خرجت تستعين به على [قتالنا](٢) ، أفلا أتركه لك» ، وكلّف فداء بني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ، فقال العباس : يا محمد تركتني أتكفّف قريشا ما بقيت؟ فقال

__________________

[١٠٢٥] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٣٣٥ و ٤٣٨ و ٣١٢٢ ومسلم ٥٢١ والنسائي (١ / ٢٠٩ ، ٢١١) وابن أبي شيبة (١١ / ٤٣٢) وأحمد (٣ / ٣٠٤) والدارمي (١ / ٣٢٢ و ٣٢٣) وابن حبان ٦٣٩٨ واللالكائي في «أصول الاعتقاد» ١٤٣٩ والبيهقي (١ / ٢١٢) و (٢ / ٣٢٩ و ٤٣٣) و (٦ / ٢٩١) من طرق عن هشيم بن بشير عن سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله مرفوعا وصدره : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ...».

[١٠٢٦] ـ إسناده على شرط مسلم ، حيث تفرد عن أحمد بن يوسف وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد ، همّام هو ابن منبه.

وهو عجز حديث في «شرح السنة» ٢٧١٣ بهذا الإسناد ، وكذا في «مصنف عبد الرزاق» ٩٤٩٢ عن عمر به وصدره : «غزا نبي من الأنبياء ...».

وأخرجه مسلم ١٧٤٧ وأحمد (٢ / ٣١٨) وابن حبان ٤٨٠٨ والبيهقي (٦ / ٣٩٠) من طريق عبد الرزاق به مطوّلا.

وأخرجه البخاري ٣١٢٤ ومسلم ١٧٤٧ من طريق ابن المبارك عن معمر به مطوّلا.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٨٨٧٨ من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بنحوه.

(١) في الأصل «هشام» وهو تصحيف.

[١٠٢٧] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٨٩ عن الكلبي تعليقا والكلبي متروك متهم ، وأكثر هذا المتن أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣ / ١٤٢) عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري وعروة ، وهذه مراسيل.

وبعضه أخرجه (٣ / ١٤٣) عن ابن عباس بسند فيه إرسال. وله شواهد عند الطبري ١٦٣٤١.

وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (٢ / ٢٣٨) : وقوله : «وكان العباس أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، وخرج بالذهب لذلك» لم أجد هذا.

الخلاصة : عامة هذا الخبر له شواهد. انظر الطبري ١٦٣٣٥ و ١٦٣٣٦ و ١٦٣٣٧ و ١٦٣٣٨ و ١٦٣٣٩ و ١٦٣٤٠ و ١٦٣٤١.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط. ولفظ «على قتالنا» في المطبوع «علينا».

٣١١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فأين الذهب الذي دفعته أم الفضل وقت خروجك من مكة فقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله [ولعبيد الله](١) وللفضل وقثم» ، يعني بنيه (٢) ، فقال له العباس : وما يدريك؟ قال : «أخبرني به ربي عزوجل» ، قال العباس : أشهد أنك صادق! وأن (٣) لا إله إلّا الله وإنك عبده ورسوله ، ولم يطلع عليه أحد إلّا الله عزوجل ، فذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) ، الذين أخذتم (٤) منهم الفداء (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) ، أي : إيمانا ، (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) ، من الفداء ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ، ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، قال العباس رضي الله عنه : فأبدلني الله عنها عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير ، وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية ، وأعطاني زمزم ، وما أحبّ أن لي به جميع أموال مكة ، [و](٥) أنا أنتظر المغفرة من ربي عزوجل.

قوله : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) ، يعني الأسارى ، (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) ، ببدر ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، قال ابن جريج : أراد بالخيانة الكفر ، أي : إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل ، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم وأسروهم ، وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى قتال المؤمنين ومعاداتهم.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤))

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا) ، أي : هجروا قومهم وديارهم ، يعني المهاجرين من مكة ، (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمهاجرين معه ، أي : أسكنوهم منازلهم ، (وَنَصَرُوا) ، أي : ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار رضي الله عنهم ، (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، دون أقربائهم من الكفار. قيل : في العون والنصرة. وقال ابن عباس : في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة ، فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام ، وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكّة انقطعت الهجرة وتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا ، وصار ذلك منسوخا بقوله عزوجل : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، يعني : في الميراث ، (حَتَّى يُهاجِرُوا) ، قرأ حمزة : (وَلايَتِهِمْ) بكسر الواو والباقون بالفتح ، وهما واحد كالدّلالة والدّلالة. (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) ، أي : استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا ، (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) ، عهد فلا تنصروهم عليهم ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

__________________

(١) زيد في المطبوع وط.

(٢) في المطبوع «الأربعة» وهو تصحيف. وتصحف في ط «نبيه».

(٣) في المطبوع «وقال».

(٤) في المطبوع «أخذت».

(٥) زيادة عن المخطوط.

٣١٢

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، في العون والنصرة. وقال ابن عباس : في الميراث ، أي : يرث المشركون بعضهم من بعض ، (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) ، قال ابن عباس : ألا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به. وقال ابن جريج : ألا تعاونوا وتناصروا. وقال ابن إسحاق : جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم ، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ، ثم قال : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) ، وهو أن يتولّى المؤمن الكافر دون المؤمنين (١) ، (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) ، فالفتنة في الأرض قوّة الكفر ، والفساد الكبير ضعف الإسلام.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ، لا مرية ولا ريب في إيمانهم. قيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، الجنّة. فإن قيل : فأي معنى في تكرار هذه الآية؟ قيل : المهاجرون كانوا على طبقات ، فكان بعضهم أهل الهجرة الأولى وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ، [وبعضهم أهل الهجرة الثانية وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية](٢) قبل فتح مكّة ، وكان بعضهم ذا هجرتين هجرة الحبشة والهجرة إلى المدينة ، فالمراد من الآية الأولى الهجرة الأولى ، ومن الثانية الهجرة الثانية.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))

قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) ، أي : معكم ، يريد أنتم منهم وهو منكم ، (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ، وهذا نسخ التوارث بالهجرة وردّ الميراث إلى ذوي (٣) الأرحام. قوله : (فِي كِتابِ اللهِ) ، أي : في حكم الله عزوجل. وقيل : أراد بكتاب الله القرآن ، يعني : القسمة التي بيّنها في سورة النساء ، (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

سورة التوبة

[قال مقاتل : هذه السورة مدنية كلها إلا آيتين من آخر السورة](٤). قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : [ما تقول في](٥) سورة التوبة؟ قال : هي الفاضحة ما زالت تنزل فيهم [ومنهم](٦) حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا إلا ذكر فيها ، قال : قلت : [و] سورة الأنفال؟ قال : تلك سورة بدر ، قال : قلت : وسورة الحشر؟ قال : قل سورة بني النضير.

__________________

(١) في المطبوع «المؤمن».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٣) في المخطوط «أولي».

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٦) زيادة عن المخطوط.

٣١٣

[١٠٢٨] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد [بن](١) إبراهيم الثعلبي أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسين الجرجاني أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنبأنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا عبيد الله القواريري ثنا يزيد بن زريع ثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي حدثني يزيد الفارسي حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال :

قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه : ما حملكم على أن عمدتم (٢) إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهمابسم الله الرحمن الرحيم [ووضعتموها في السبع الطوال](٣)؟ فقال عثمان : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فإذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : «ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا [وكانت الأنفال مما نزلت](٤) بالمدينة» ، وكانت براءة من آخر ما نزلت ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبيّن لنا أنها منها فمن ثمّ قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطربسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتها في السبع الطّوال.

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢))

قوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، أي : هذه براءة من الله. وهي مصدر كالنّشاءة (٥) والدناءة.

قال المفسّرون : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر الله عزوجل بنقض عهودهم ، وذلك قوله عزوجل : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) الآية. قال الزجاج : براءة أي : قد برىء الله ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء لهم بها إذا نكثوا ، (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، الخطاب مع أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي عاهدهم وعاقدهم ، لأنه [عاهدهم](٦) وأصحابه راضون بذلك ، فكأنهم عاقدوا وعاهدوا.

(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) ، رجع من الخبر إلى الخطاب ، أي : قل لهم سيحوا أي سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحدا من المسلمين ، (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) ، أي : غير فائتين ولا سابقين ، (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) ، أي : مذلّهم بالقتل في الدنيا والعذاب في الآخرة.

__________________

[١٠٢٨] ـ ضعيف. إسناده ضعيف لجهالة يزيد الفارسي.

وأخرجه أبو داود ٧٨٦ و ٧٨٧ والترمذي ٣٠٨٦ والنسائي في «الكبرى» ٨٠٠٧ وأحمد (١ / ٥٧ و ٦٩) وابن حبان ٤٣ والحاكم (٢ / ٢٢١ و ٣٣٠) و

ابن أبي داود في «المصاحف» ص ٣١ ، ٣٢ والبيهقي (٢ / ٤٢) من طرق عن عوف بن أبي جميلة به.

وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! وحسنه الترمذي! ، والصواب أنه ضعيف ، وانظر «أحكام القرآن» ١٠٧٥ بتخريجي.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «تعمدتم».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٥) في «النشأة» والتصويب عن ط.

(٦) سقط من المطبوع.

٣١٤

واختلف العلماء في هذا التأجيل وفي هؤلاء الذين برىء الله ورسوله (١) إليهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال جماعة : هذا تأجيل من الله تعالى للمشركين ، فمن كانت مدة عهده أقلّ من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة أشهر ، ومن كانت مدته أكثر من أربعة أشهر حطّه إلى أربعة أشهر ، ومن كانت مدّة عهده بغير أجل محدود حدّه بأربعة أشهر ، ثم هو حرب بعد ذلك لله ورسوله ، فيقتل حيث يدرك ويؤسر (٢) ، إلا أن يتوب ، وابتداء هذا الأجل يوم الحجّ الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من شهر ربيع الآخر ، فأمّا من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم ، وذلك خمسون يوما. وقال الزهري : الأشهر الأربعة شوال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ، لأن هذه الآية نزلت في شوال ، والأول هو الأصوب وعليه الأكثرون. وقال الكلبي : إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان له عهد دون أربعة أشهر فأتمّ له أربعة أشهر ، فأمّا من كان له عهد أكثر من أربعة أشهر فهذا أمر بإتمام (٣) عهده ، بقوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤]. قال الحسن : أمر الله عزوجل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتال من قاتله من المشركين ، فقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] ، فكان لا يقاتل إلّا من قاتله ثم أمره بقتال المشركين ، والبراءة منهم ، وأجلهم أربعة أشهر ، فلم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر لا من كان له عهد قبل البراءة (٤) ولا من لم يكن له عهد ، فكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر. وأحلّ دماء جميعهم من أهل العهد وغيرهم بعد انقضاء الأجل. وقيل : نزلت هذه قبل تبوك.

[١٠٢٩] قال محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما : نزلت في أهل مكّة وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاهد قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منها وأعانتهم قريش بالسلاح ، فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهدهم خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

لا همّ إنّي ناشد (١) محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا (٢)

فانصر هداك الله نصرا أبدا

وادع عباد الله يأتوك مددا

أبيض مثل الشمس يسموا صعدا

إن سيم خسفا (٥) وجهه تربّدا

هم بيّتونا بالهجير هجّدا

وقتلونا ركّعا وسجّدا

كنت لنا أبا وكنّا ولدا

ثمّ (٦) أسلمنا ولم ننزع يدا

__________________

[١٠٢٩] ـ انظر هذا الخبر في «سيرة ابن هشام» (٤ / ٣٠ ، ٣١ و ١٤٥ و ١٤٦) و «تفسير الطبري» ٧٦ و ١٦٣ و ١٦٣٩١ و «المستدرك» للحاكم (٣ / ٥١) (٤٣٧٤) وتفسيري القرطبي والشوكاني عند هذه الآية.

وورد بنحوه من حديث أبي بكر عند أحمد (١ / ٣) وأبي يعلى ١٠٤.

وانظر الحديث الآتي برقم : ١٠٣١.

(١) ناشد : طالب ومذكر.

(٢) الأتلد : القديم.

__________________

(١) زيد في المخطوط «منهم» بين «رسوله» و «إليهم».

(٢) في المطبوع «ويؤثر» والتصويب عن المخطوط.

(٣) تصحف في المخطوط «بتمام».

(٤) في المطبوع «البرء» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «حسنا».

(٦) في المطبوع «ثمّت».

٣١٥

فيهم رسول الله قد تجرّدا (١)

في فيلق (٢) كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

وزعموا أن لست تنجي أحدا

وهم أذلّ وأقلّ عددا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نصرت إن لم أنصرك» (١) ، و (٢) تجهّز إلى مكة (٣) سنة ثمان من الهجرة ، فلما كان سنة تسع أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحجّ ثم قال : إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة فبعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحجّ ، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، ثم بعث بعده عليا كرّم الله وجهه على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة ، وأمره أن يؤذّن بمكة ومنى وعرفة أن قد برئت ذمّة الله وذمة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كل مشرك ، [ألا] لا يطوف بالبيت عريان ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء؟ قال : «لا ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلّا رجل من أهلي أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك صاحبي على الحوض» (٣)؟ قال : بلى يا رسول الله ، فسار أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الحجّ وعليّ رضي الله عنه ليؤذّن ببراءة ، فلمّا كان قبل يوم التروية بيوم خطب أبو بكر الناس وحدّثهم عن مناسكهم ، وأقام للناس الحج والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحجّ ، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه فأذّن في الناس بالذي أمر به وقرأ عليهم سورة براءة.

[١٠٣٠] وقال زيد بن تبيع : سألنا عليا : بأي شيء بعثت في تلك الحجّة؟ قال : بعثت بأربع : لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلا نفس مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا. ثم حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة عشر حجّة الوداع.

فإن قال قائل : كيف بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي الله عنه ثم عزله وبعث عليا رضي الله عنه؟ قلنا : ذكر العلماء أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعزل أبا بكر رضي الله عنه ، وكان هو الأمير (٤) وإنما بعث عليا رضي الله عنه لينادي بهذه الآيات ، وكان السبب فيه أن العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها أن لا يتولّى ذلك إلا سيدهم أو رجل من رهطه ، فبعث عليا رضي الله عنه إزاحة للعلّة لئلا يقولوا : هذا (٥) خلاف ما نعرفه فينا في نقض العهد (٦) ، والدليل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الأمير ما :

__________________

(١) تجرد : شمّر وتهيأ للحرب.

(٢) الفيلق : العسكر الكثير.

(٣) هذا اللفظ ورد بنحوه من حديث ابن عباس عند ابن عدي في «الكامل» (٣ / ٢٥٦).

وانظر الحديث الآتي برقم : ١٠٧١.

[١٠٣٠] ـ جيد. أخرجه الترمذي ٣٠٩٢ والحاكم (٣ / ٥٢) والطبري ١٦٣٨٧ وإسناده لا بأس به بل هو حسن في الشواهد ، وله شواهد انظر تفصيل ذلك في «أحكام القرآن» ١٠٨٣ وتفسير الشوكاني ١٠٨١ بتخريجي.

__________________

(١) في المخطوط «أنصرك».

(٢) في المخطوط «ثم» بدل «و».

(٣) زيد في المخطوط «ففتح مكة».

(٤) العبارة في المطبوع «وكان أميرا» والمثبت من المخطوط.

(٥) زيد في المخطوط «على» قبل «خلاف».

(٦) في المخطوط «العهود».

٣١٦

[١٠٣١] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمّه أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجّة في مؤذنين يوم النحر نؤذّن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان. وقال حميد بن عبد الرحمن : ثم أردف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا فأمره أن يؤذّن ببراءة ، قال أبو هريرة : فأذّن معنا عليّ في (١) أهل منى يوم النحر ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان.

(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣))

(وَأَذانٌ) عطف على قوله : (بَراءَةٌ) ، أي : إعلام. ومنه : الأذان بالصلاة ، يقال : آذنته فأذن أي أعلمته [فعلم](٢) ، وأصله من الأذان أي أوقعته في أذنه ، (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، واختلفوا في يوم الحج الأكبر ، روى عكرمة عن ابن عباس : أنه يوم عرفة. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (٣) وابن الزبير. وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب. وقال جماعة : هو يوم النحر. روي عن يحيى بن الجزار قال : خرج عليّ رضي الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة فجاءه رجل فأخذ بلجام دابّته وسأله عن يوم الحج الأكبر ، فقال : يومك هذا ، خلّ (٤) سبيلها.

ويروى ذلك عن عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والسدي. وروى ابن جريج عن مجاهد : يوم الحجّ الأكبر حين (٥) الحجّ أيام منى كلها. وكان سفيان الثوري يقول : يوم الحجّ الأكبر أيام منى كلها ، مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين والزمان ، لأن هذه الحروب دامت أياما كثيرة. وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل : يوم الحجّ الأكبر الذي حجّ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو قول ابن سيرين ؛ لأنه اجتمع فيه حجّ المسلمين وعيد اليهود والنصارى والمشركين ، ولم يجتمع قبله ولا بعده ، واختلفوا في الحجّ الأكبر ، فقال مجاهد : الحجّ الأكبر القران ، والحج الأصغر إفراد الحجّ. وقال الزهري والشعبي وعطاء : الحجّ الأكبر الحج ، والحج الأصغر العمرة. قيل لها الأصغر لنقصان أعمالها. قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، أي : ورسوله أيضا بريء من المشركين. وقرأ يعقوب [ورسوله](٦) بنصب اللام ، أي : إنّ الله ورسوله بريء ، (فَإِنْ تُبْتُمْ) ، رجعتم من كفركم وأخلصتم التوحيد ، (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أعرضتم عن الإيمان ، (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ

__________________

[١٠٣١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

إسحاق هو ابن راهويه ، ابن أخي ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبد الله.

وهو في «صحيح البخاري» ٣٦٩ عن إسحاق بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٣١٧٧ و ٤٦٥٥ و ٤٦٥٧ ومسلم ١٣٤٧ وأبو داود ١٩٤٦ والنسائي (٥ / ٢٣٤) وأبو يعلى ٧٦ من طرق عن الزهري به.

__________________

(١) العبارة في المطبوع «على أهل» والمثبت من المخطوط ومصادر التخريج.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «ابن عمر».

(٤) في الأصل «حل» والتصويب عن «ط».

(٥) في المخطوط «يعني».

(٦) زيادة عن المخطوط.

٣١٧

مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

(إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، هذا استثناء من قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١))(١) ، إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين ، وهم بنو ضمرة حيّ من كنانة ، أمر الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإتمام عهدهم إلى مدّتهم ، وكان قد بقي من مدّتهم تسعة أشهر ، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا العهد ، وهذا معنى قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) ، من عهدهم الذي عاهدتموهم عليه ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا) ، لم يعاونوا (عَلَيْكُمْ أَحَداً) من عدوّكم. وقرأ عطاء بن يسار : لم ينقضوكم ، بالضاد المعجمة من نقض العهد ، (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) ، فأوفوا لهم بعهدهم ، (إِلى مُدَّتِهِمْ) ، إلى أجلهم الذي عاهدتموهم عليه ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ) ، انقضى ومضى (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) ، قيل : هي الأشهر [الحرم](٢) الأربعة : رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم. وقال مجاهد وابن إسحاق : هي شهور العهد فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوما. وقيل لها حرم لأن الله تعالى حرّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرّض لهم. فإن قيل : هذا القدر بعض الأشهر الحرم ، والله تعالى يقول : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ)؟ قيل : لمّا كان هذا القدر متّصلا بما مضى أطلق عليه اسم الجمع ، ومعناه : مضت المدّة المضروبة التي يكون معها انسلاخ. [مدة](٣) الأشهر الحرم. قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، في الحلّ والحرم ، (وَخُذُوهُمْ) ، وأسروهم ، (وَاحْصُرُوهُمْ) ، أي : احبسوهم. قال ابن عباس رضي الله عنه : يريد إن تحصّنوا فاحصروهم ، أي : امنعوهم من الخروج. وقيل : امنعوهم من دخول مكّة والتصرّف في بلاد الإسلام. (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) ، أي : على كل طريق ، والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقّبته ، يريد كونوا لهم رصدا لتأخذوهم من أيّ وجه توجّهوا. وقيل : اقعدوا لهم بطريق مكّة حتى لا يدخلوها ، (فَإِنْ تابُوا) من الشرك ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ، يقول : دعوهم فليتصرّفوا في أمصارهم ويدخلوا مكّة ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) ، لمن تاب ، (رَحِيمٌ) به. وقال الحسين بن الفضل : هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء.

(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨))

__________________

(١) زيد في المخطوط «إلى الناس» قبل «إلا».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٣١٨

قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) ، [أي : وإن استجارك أحد من المشركين](١) الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، (اسْتَجارَكَ)(٢) ، أي : استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله ، (فَأَجِرْهُ) ، فأعذه وآمنه ، (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ، فيما له وعليه من الثواب والعقاب ، (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ، أي : إن لم يسلم أبلغه مأمنه ، أي : الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه ، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) ، أي : لا يعلمون دين الله وتوحيده (٣) فهم محتاجون إلى سماع كلام الله. قال الحسن : هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.

قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) ، هذا على وجه التعجّب ، ومعناه جحد ، أي : لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله وهم يغدرون وينقضون العهد ، ثم استثنى فقال جلّ وعلا : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، قال ابن عباس : هم قريش. وقال قتادة : هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية. قال الله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) ، أي : على العهد ، (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ، فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم إمّا أن يسلموا وإمّا أن يلحقوا بأي بلاد [الله](٤) شاءوا ، فأسلموا قبل الأربعة الأشهر. قال السدي والكلبي وابن إسحاق : هم [من] قبائل بكر : بنو خزيمة (٥) وبنو (٦) مدلج وبنو ضمرة وبنو الديل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية فلم يكن نقض العهد إلا قريش وبنو الديل من بني بكر ، فأمر (٧) بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة. وهذا القول أقرب إلى الصواب لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكّة ، فكيف يقول لشيء قد مضى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ، وإنما هم الذين قال عزوجل : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) كما نقصكم قريش ، ولم يظاهروا عليكم أحدا كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة وحلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ، هذا مردود على الآية الأولى تقديره : كيف يكون لهم عهد عند الله وإن يظهروا عليكم ، (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ، قال الأخفش : كيف لا تقتلونهم (٨) وهم إن يظهروا عليكم ، أي : يظفروا بكم ، لا يرقبوا : لا يحفظوا. وقال الضحاك : لا ينتظروا. وقال قطرب : لا يراعوا فيكم إلّا. قال ابن عباس والضحاك : قرابة. وقال يمان : رحما. وقال قتادة : الإلّ : الحلف. وقال السدي : هو العهد. وكذلك الذمّة إلّا أنه كرر لاختلاف اللفظين. وقال أبو مجلز ومجاهد : الإل هو الله عزوجل. وكان (٩) عبيد بن عمير يقرأ : «جبر إلّ» (١٠) بالتشديد ، يعني : عبد الله وفي الخبر أن ناسا قدموا على أبي بكر من قوم مسيلمة الكذاب ، فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرءوا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن هذا الكلام لم يخرج من إلّ ، أي : من الله عزوجل. والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة : «لا يرقبون في المؤمن إيلا» بالياء ، يعني : الله عزوجل. مثل جبرائيل وميكائيل. (وَلا

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «ودينك».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «خزاعة».

(٦) زيد في المخطوط «هم» قبل «بنو».

(٧) في المخطوط «فأمرنا».

(٨) في المخطوط «تقتلوهم».

(٩) في الأصل «قال» والتصويب عن «ط».

(١٠) في الأصل «جبير» والتصويب عن «ط» وتفسير الطبري.

٣١٩

ذِمَّةً) ، أي : عهدا. (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) ، أي : يطيعونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم ، (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) ، الإيمان ، (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) ، فإن قيل : هذا في المشركين وكلهم فاسقون ، فكيف قال : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ)؟ قيل : أراد بالفسق نقض العهد هاهنا ، وكان في المشركين من وفى بعهده [وأكثرهم نقضوا](١) ، فلهذا قال : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ).

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١))

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، وذلك أنهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأكلة أطعمهم إيّاها أبو سفيان. [و] قال مجاهد : أطعم أبو سفيان حلفاءه ، (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) ، فمنعوا الناس من الدخول في دين الله. وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن أهل الطائف أمدّوهم بالأموال ليقوّوهم على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِنَّهُمْ ساءَ) بئس (ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ، يقول : لا تبقوا (٢) عليهم أيها المؤمنون كما لا يبقون (٣) عليكم لو ظهروا ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) ، بنقض العهد.

(فَإِنْ تابُوا) من الشرك ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ) ، فهم إخوانكم ، (فِي الدِّينِ) ، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم ، (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) نبيّن الآيات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة. قال ابن مسعود : أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له.

[١٠٣٢] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال :

لمّا توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده ، وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أقاتل

__________________

[١٠٣٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

الزهري هو محمد بن مسلم.

وهو في «صحيح البخاري» ١٣٩٩ ، ١٤٠٠ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ١٤٥٦ وابن مندة في «الإيمان» ٢١٥ والبيهقي (٤ / ١٠٤) من طريق أبي اليمان به.

وأخرجه النسائي (٦ / ٥) و (٧ / ٧٨) وابن حبان ٢١٦ من طريق شعيب بن أبي حمزة به.

وأخرجه البخاري ٧٢٨٤ و ٧٢٨٥ ومسلم ٢٠ وأبو داود ١٥٥٦ والترمذي ٢٦٠٧ والنسائي (٥ / ١٤) و (٧ / ٧٧) وعبد الرزاق ١٨٧١٨ وأحمد (٢ / ٢٥٨) وابن مندة ٢٤ و ٢١٦ وابن حبان ٢١٧ والبيهقي (٧ / ٤) و (٤ / ١٠٤ و ١١٤) من طرق عن الزهري به.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

(٢) تصحف في المخطوط إلى «تنفقوا».

(٣) تصحف في المخطوط إلى «ينفقوا».

٣٢٠