تفسير البغوي - ج ٢

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤))

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) ، أي : ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل وعذاب من كذبهم ، لأنه لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم ، أي : لم يكن يهلكهم بظلم ، أي : بشرك من أشرك ، (وَأَهْلُها غافِلُونَ) ، لم ينذروا حتى يبعث إليهم رسلا ينذرونهم (١) ، وقال الكلبي : لم يهلكهم بذنوبهم من قبل أن تأتيهم الرسل. وقيل : معناه ما لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل فيكون قد ظلمهم ، وذلك أن الله تعالى أجرى السنة أن لا يأخذ أحدا إلّا بعد وجود الذنب ، وإنما يكون مذنبا إذا أمر فلم يأتمر أو نهي فلم ينته ، وذلك يكون بعد إنذار الرسل.

(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) ، يعني : في الثواب والعقاب على قدر أعمالهم في الدنيا ، فمنهم من هو أشدّ عذابا ومنهم من هو أجزل ثوابا ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ، قرأ ابن عامر (تعملون) بالتاء والباقون بالياء.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) ، عن خلقه ، (ذُو الرَّحْمَةِ) ، قال ابن عباس : بأوليائه وأهل طاعته ، وقال الكلبي : بخلقه ذو التجاوز ، (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ، يهلككم ، وعيد لأهل مكة ، (وَيَسْتَخْلِفْ) ، ويخلف وينشئ ، (مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) ، خلقا غيركم أمثل وأطوع ، (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) ، أي : من نسل آبائهم الماضين قرنا بعد قرن.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) ، أي : ما توعدون من مجيء الساعة والحشر ، (لَآتٍ) ، كائن ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) ، أي : بفائتين ، يعني : يدرككم الموت حيث ما كنتم.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))

(قُلْ) يا محمد (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) ، قرأ أبو بكر عن عاصم ، (مَكانَتِكُمْ) ، بالجمع حيث كان ، أي : على تمكنكم ، قال عطاء : على حالاتكم التي أنتم عليها. قال الزجاج : اعملوا على ما أنتم عليه. يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : على مكانتك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه ، وهذا أمر وعيد عن المبالغة يقول الله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل لهم اعملوا ما أنتم عاملون ، (إِنِّي عامِلٌ) ، ما أمرني به ربي عزوجل ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) ، أي : الجنّة ، قرأ حمزة والكسائي : «يكون» بالياء هاهنا وفي القصص ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث العاقبة ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، قال ابن

__________________

(١) في المخطوط «رسولا ينذرهم».

١٦١

عباس : معناه لا يسعد من كفر بي وأشرك. قال الضحاك : لا يفوز.

قوله عزوجل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) الآية ، كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا ، وللأوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين ، وما جعلوه للأصنام [أنفقوا على الأصنام](١) وخدمها ، فإن سقط شيء مما جعلوه لله تعالى في نصيب الأوثان تركوه وقالوا : إنّ الله غني عن هذا ، وإن سقط شيء من نصيب الأصنام فيما جعلوه لله ردّوه إلى الأوثان ، وقالوا : إنها محتاجة ، وكان إذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوه لله لم يبالوا به ، وإذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوا للأصنام جبروه بما جعلوه لله ، فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) خلق (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) ، وفيه اختصار مجازه : وجعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا ، (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) ، قرأ الكسائي (بِزَعْمِهِمْ) بضم الزاي ، والباقون بفتحها ، وهما لغتان ، وهو القول من غير حقيقة ، (وَهذا لِشُرَكائِنا) ، يعني : الأوثان ، (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) ، ومعناه : ما قلنا أنهم كانوا يتمون ما جعلوا للأوثان ممّا جعلوه لله ، ولا يتمّون ما جعلوه لله مما جعلوه للأوثان. وقال قتادة : كانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جزّءوا لله وأكلوا منه فوفّروا ما جزّءوا لشركائهم ولم يأكلوا منه ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، أي : بئس ما يقضون (٢).

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، أي : وكما زيّن لهم تحريم الحرث والأنعام كذلك زيّن لكثير من المشركين ، (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) ، قال مجاهد : شركاؤهم ، أي : شياطينهم زيّنوا وحسّنوا لهم وأد البنات خيفة العيلة ، سمّيت الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله وأضيف الشركاء إليهم لأنهم اتخذوها.

وقال الكلبي : شركاؤهم سدنة آلهتهم [هم](٣) الذين كانوا يزيّنون للكفار قتل الأولاد ، وكان الرجل منهم يحلف لئن ولد له كذا غلاما لينحرنّ أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله ، وقرأ ابن عامر : زين بضم الزاي وكسر الياء ، قتل رفع أولادهم نصب ، شركائهم بالخفض على التقديم ، كأنه قال : زيّن لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم ، فصل بين الفعل وفاعله بالمفعول به وهو الأولاد ، كما قال الشاعر :

فزججته متمكّنا [بمزجة](١)

زجّ القلوص أبي مزاده (٢)

أي : زجّ أبي مزاده القلوص ، فأضيف الفعل وهو القتل إلى الشركاء ، وإن لم يتولوا ذلك لأنهم هم الذين زيّنوا ذلك ودعوا إليه ، فكأنّهم فعلوه. قوله عزوجل : (لِيُرْدُوهُمْ) ، ليهلكوهم ، (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ) ، ليخلطوا عليهم ، (دِينَهُمْ) ، قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشكّ في دينهم ، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشياطين. (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) ، أي : لو شاء الله لعصمهم حتى

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح شواهد الكشاف» (٢ / ٧٠)

(٢) الزج : الطعن ، المزجة : الرمح القصير لأنه آلة للمزج ، القلوص : الناقة الشابة.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المخطوط «يقسمون».

(٣) زيادة عن المخطوطتين.

١٦٢

ما فعلوا [ذلك](١) من تحريم الحرث والأنعام وقتل الأولاد ، (فَذَرْهُمْ) ، يا محمد ، (وَما يَفْتَرُونَ) ، يختلقون من الكذب ، فإن الله تعالى لهم بالمرصاد.

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

(وَقالُوا) ، يعني : المشركين ، (هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) ، أي : حرام ، يعني : ما جعلوا لله ولآلهتهم من الحرث والأنعام على ما مضى ذكره. وقال مجاهد : يعني بالأنعام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) ، يعنون الرجال دون النساء (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) ، يعني : الحوامي كانوا لا يركبونها ، (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) ، أي : يذبحونها باسم الأصنام لا باسم الله ، وقال أبو وائل : معناه لا يحجّون عليها ولا يركبونها لفعل الخير ، لأنه لمّا جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير عبّر بذكر الله تعالى عن فعل الخير. (افْتِراءً عَلَيْهِ) ، يعني : أنهم يفعلون ذلك ويزعمون أن الله أمرهم به افتراء (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ).

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) ، أي : نسائنا. قال ابن عباس وقتادة والشعبي : أراد أجنّة البحائر والسوائب فما ولد منها حيّا فهو خالص للرجال دون النساء ، وما ولد ميّتا أكله الرجال والنساء جميعا. وأدخل الهاء في الخالصة للتأكيد كالخاصة (٢) والعامة ، كقولهم : نسّابة وعلّامة ، وقال الفراء رحمه‌الله : أدخلت الهاء [لتأنيث الأنعام لأن ما في بطونها مثلها فأنّثت](٣) لتأنيثها. وقال الكسائي : خالص وخالصة واحد ، مثل وعظ وموعظة. (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر : تكن بالتاء ميتة رفع ، ذكر الفعل بعلامة التأنيث ، لأن الميتة في اللفظ مؤنثة.

وقرأ أبو بكر عن عاصم تكن بالتاء (مَيْتَةً) نصب ، أي : وإن تكن الأجنة ميتة ، وقرأ ابن كثير وإن يكن بالياء ميتة رفع ، لأنّ المراد بالميتة الميت ، أي : وإن يقع ما في البطون ميّتا ، وقرأ الآخرون : (وَإِنْ يَكُنْ) بالياء (مَيْتَةً) نصب ، ردّه إلى (ما) ، أي : وإن يكن ما في البطون ميتة ، يدلّ عليه أنه قال : (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ، ولم يقل فيها ، وأراد أن الرجال والنساء فيه شركاء. (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) ، أي : بوصفهم ، أو (٤) على وصفهم الكذب على الله ، (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) في المطبوع «كالخالصة».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في ب «أي» بدل «أو».

١٦٣

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) ، قرأ ابن عامر وابن كثير قتلوا بتشديد التاء على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، (سَفَهاً) ، جهلا ، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، نزلت في ربيعة ومضر وبعض من العرب من غيرهم ، كانوا يدفنون البنات أحياء مخافة السبي والفقر ، وكان بنو كنانة لا يفعلون ذلك. (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) ، يعني : البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، (افْتِراءً عَلَى اللهِ) ، حيث قالوا : إن الله أمرهم بها ، (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) ، بساتين ، (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ، أي : مسموكات مرفوعات وغير مرفوعات. وقال ابن عباس : معروشات ما انبسط على وجه الأرض ، فانتشر مما يعرش مثل الكرم والقرع والبطيخ وغيرها ، وغير معروشات ما قام على ساق ونسق ، مثل النخل والزرع وسائر الأشجار. وقال الضحاك : كلاهما من الكرم خاصة ، منها ما عرش ، ومنها ما لم يعرش. (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) ، أي : وأنشأ النخل والزرع ، (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ، ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والرديء ، (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) ، في المنظر (١) ، (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ، في المطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف ، (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، قرأ أهل البصرة وابن عامر وعاصم (حَصادِهِ) بفتح الحاء ، وقرأ الآخرون بكسرها معناهما واحد ، كالصّرام والصّرام والجذاذ والجذاذ ، واختلفوا في هذا الحق فقال ابن عباس وطاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب : إنها الزكاة المفروضة من العشر ونصف العشر ، وقال عليّ بن الحسين وعطاء ومجاهد وحماد والحكم : [هو](٢) حق في المال سوى الزكاة ، أمر بإتيانه لأن الآية مكية وفرضت الزكاة بالمدينة. قال إبراهيم : هو الضغث. وقال الربيع : لقاط السنبل. وقال مجاهد : كانوا يعلقون العذق عند الصرام فيأكل منه من مرّ. وقال يزيد بن الأصم : كان أهل المدينة إذا أصرموا يجيئون بالعذق فيعلّقونه في جانب المسجد ، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فيأخذه. وقال سعيد بن جبير : كان هذا حقا [يؤمر](٣) بإتيانه في ابتداء الإسلام منسوخا بإيجاب العشر. قال مقسم عن ابن عباس : نسخت الزكاة كلّ نفقة في القرآن. (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، وقيل : أراد بالإسراف إعطاء الكل. قال ابن عباس في رواية الكلبي : عمد ثابت بن قيس بن شماس فصرم خمسمائة نخلة فقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، قال السدي : (وَلا تُسْرِفُوا) ، أي : لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج : على هذا إذا أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف.

[٨٩٤] لأنه جاء في الخبر : «ابدأ بمن تعول». وقال سعيد بن المسيب : معناه لا تمنعوا الصدقة. فتأويل الآية على هذا : لا تجاوزوا (٤) الحدّ في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة. وقال مقاتل : لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام. وقال الزهري : لا تنفقوا في المعصية. وقال مجاهد : الإسراف ما قصّرت به عن حق الله عزوجل ، وقال : لو كان أبو قبيس ذهبا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما أو مدا في معصية الله كان مسرفا. وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف.

وروى ابن وهب عن ابن زيد ، قال : الخطاب للسلاطين : يقول لا تأخذوا فوق حقكم.

__________________

[٨٩٤] ـ صحيح ، تقدم برقم ٢٣٠ بأتم منه.

__________________

(١) في المطبوع «النظر».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «تتجاوز».

١٦٤

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣))

قوله عزوجل : (وَمِنَ الْأَنْعامِ) ، أي : وأنشأ من الأنعام ، (حَمُولَةً) ، وهي كل ما يحمل عليها من الإبل ، (وَفَرْشاً) ، وهي الصغار من الإبل التي لا تحمل. (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ، لا تسلكوا طريقة آثاره في تحريم الحرث والأنعام ، (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، ثم بين الحمولة والفرش فقال :

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ، نصبها على البدل من الحمولة والفرش ، أي : وأنشأ من الأنعام ثمانية أزواج أصناف ، (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) ، أي : الذكر والأنثى ، فالذكر زوج والأنثى زوج ، والعرب تسمّي الواحد زوجا إذا كان لا ينفكّ عن الآخر ، والضأن النعاج ، وهي ذوات الصوف من الغنم ، والواحد ضأن والأنثى ضائنة ، والجمع ضوائن ، (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وأهل البصرة (وَمِنَ الْمَعْزِ) بفتح العين والباقون بسكونها ، والمعز والمعزى جمع لا واحد له من لفظه ، وهي ذوات الشعر من الغنم ، وجمع الماعز معيز (١) ، وجمع الماعزة مواعز ، (قُلْ) يا محمد (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) ، الله عليكم ، يعني ذكر الضأن والمعز ، (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) ، يعني : أنثى الضأن والمعز ، (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) ، منهما فإنها لا تشتمل إلا على ذكر وأنثى ، (نَبِّئُونِي) ، أخبروني ، (بِعِلْمٍ) ، قال الزجاج : فسّروا ما حرّمتم بعلم ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أن الله تعالى حرّم هذا.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤) قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ).

[٨٩٥] وذلك أنهم كانوا يقولون : هذه أنعام وحرث حجر ، وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا محرم على أزواجنا ، وحرّموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، كانوا يحرمون بعضها على الرجال والنساء وبعضها على النساء دون الرجال ، فلمّا قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان خطيبهم

__________________

[٨٩٥] ـ لم أقف له على إسناد بعد بحث ، وهو غريب ، ولو صح لذكره الطبري أو السيوطي في «الدر» أو باقي أئمة التفسير وكل ذلك لم يكن ، والظاهر أنه لا أصل له ، والله أعلم.

__________________

(١) في المطبوع «معزى» وفي ب «ماعزه» والمثبت عن أ ، وط و «لسان العرب».

١٦٥

مالك بن عوف أبو الأحوص الجشمي ، فقال (١) : يا محمد بلغنا أنك تحرم أشياء ممّا كان آباؤنا يفعلونه ، فقال له (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنكم قد حرّمتم أصنافا من الغنم على غير أصل ، إنّما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التحريم؟ من قبل الذكر أم من قبل الأنثى»؟ فسكت مالك بن عوف وتحيّر فلم يتكلّم. فلو قال جاء هذا التحريم بسبب الذكور وجب أن يحرّم جميع الذكور ، وإن كان بسبب الأنوثة وجب أن يحرّم جميع الإناث ، وإن كان باشتمال الرحم عليه فينبغي أن يحرم الكل ، لأنّ الرحم لا يشتمل إلا على ذكر وأنثى ، فأما تخصيص التحريم بالولد الخامس والسابع أو بالبعض دون البعض فمن أين؟

ويروى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لمالك : «يا مالك لا تتكلم»؟ قال له مالك : بل تكلّم وأسمع منك (١).

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، قيل : أراد [به](٣) عمرو بن لحي ومن جاء بعده على طريقته ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ثم بيّن أن التحريم والتحليل يكون بالوحي والتنزيل ، فقال : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، وروي أنهم قالوا : فما المحرم إذا فنزل : (قُلْ) يا محمد (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [أي شيئا محرما](عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ، آكل يأكله ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر (تكون) بالتاء ، ميتة رفع ، أي : إلا أن تقع ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة (تكون) بالتاء ، (مَيْتَةً) نصب على تقدير اسم مؤنث ، أي : إلا أن تكون النفس ، أي : الجثة ميتة.

وقرأ الباقون (أَنْ يَكُونَ) بالياء (مَيْتَةً) نصب ، يعني : إلا أن يكون المطعوم ميتة ، (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ، أي : مهراقا سائلا ، قال ابن عباس : يريد ما خرج من الحيوان ، وهن أحياء وما يخرج من الأوداج عند الذبح ، ولا يدخل فيه الكبد والطحال ، لأنهما جامدان. وقد جاء الشرع بإباحتهما ولا ما اختلط باللحم من الدم ، [لأنه غير سائل ، قال عمران بن حدير (٤) : سألت أبا مجلز عمّا يختلط باللحم من الدم](٥) ، وعن القدر يرى فيها حمرة الدم ، فقال : لا بأس به ، إنما نهي عن الدم المسفوح ، وقال إبراهيم : لا بأس بالدم في عرق أو مخ ، إلا المسفوح الذي يعمد ذلك. وقال عكرمة : لو لا هذه الآية لاتّبع المسلمون من العروق ما يتبع اليهود. (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ، وهو ما ذبح على غير اسم الله تعالى. فذهب بعض أهل العلم إلى أن التحريم مقصور على هذه الأشياء. ويروى ذلك عن عائشة وابن عباس ، قالوا : ويدخل في الميتة المنخنقة والموقوذة ، وما ذكر في أول سورة المائدة ، وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختصّ بهذه الأشياء بل المحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا. وذلك معنى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، وقد حرّمت السنّة أشياء يجب القول بها ، منها ما :

[٨٩٦] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ثنا عبد الغافر بن محمد [أخبرنا محمد](٦) بن عيسى الجلودي ثنا

__________________

(١) هو كسابقه.

[٨٩٦] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

معاذ هو ابن معاذ العنبري ، شعبة هو ابن الحجاج ، الحكم هو ابن عتيبة.

وهو في «شرح السنة» ٢٧٨٩ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح مسلم» ١٩٣٤ عن عبيد الله بن معاذ العنبري بهذا الإسناد.

__________________

(١) في المطبوع «قالوا».

(٢) في المطبوع «لهم».

(٣) زيادة عن المخطوطتين وط.

(٤) تصحف في المطبوع «جرير».

(٥) سقط من المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

١٦٦

إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ، قال : ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري أخبرنا أبي أنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير».

[٨٩٧] أخبرنا أبو الحسن السرخسي ثنا زاهر بن أحمد ثنا أبو إسحاق الهاشمي ثنا أبو مصعب عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أكل كلّ ذي ناب من السباع حرام» ، والأصل عند الشافعي أن ما لم يرد فيه نص تحريم أو تحليل ، فإن كان مما أمر الشرع بقتله كما قال :

[٨٩٨] «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم» ، أو نهى عن قتله.

[٨٩٩] كما روي. أنه نهى عن قتل النحلة والنملة (١).

فهو حرام ، وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب من عادات العرب فما يأكله الأغلب منهم حلال ، وما لا يأكله الأغلب منهم فهو حرام ، لأن الله تعالى خاطبهم بقوله : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة : ٤] ، فثبت أن ما استطابوه فهو حلال ، (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أباح الله أكل هذه المحرمات عند الاضطرار في غير العدوان.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦))

قوله عزوجل : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) ، يعني : اليهود ، (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ، وهو ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير مثل البعير والنعامة والأوز والبط ، قال القتيبي : هو كل ذي

__________________

وأخرجه أحمد (١ / ٣٠٢) والطبراني ١٩٩٤ من طريق الحكم بن عتيبة به.

وأخرجه مسلم ٩٣٤ وأحمد (١ / ٢٤٤ و ٣٠٢ و ٣٢٧) والطيالسي ٢٧٤٥ والدارمي (٢ / ٨٥) وابن حبان ٥٢٨٠ والطبراني ١٢٩٩ والبيهقي (٩ / ٣١٥) من طرق عن ميمون بن مهران به.

وأخرجه أبو داود ٣٨٠٥ والنسائي (٧ / ٢٠٦) وابن ماجه ٣٢٣٤ وأحمد (١ / ٣٩٩) والبيهقي (٩ / ٣١٥) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة ، عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.

[٨٩٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم. عبيدة. بفتح العين.

وهو في «شرح السنة» ٢٧٨٨ بهذا الإسناد ، وفي «الموطأ» (٢ / ٤٩٦) عن إسماعيل بن أبي حكيم به.

وأخرجه مسلم ١٩٣٣ والنسائي (٧ / ٢٠٠) وابن ماجه ٣٢٣٣ والشافعي في «الرسالة» ٥٦٢ وابن حبان ٥٢٧٨ والبيهقي (٩ / ٣١٥) من طرق عن مالك به.

وأخرجه الترمذي ١٤٧٩ من وجه آخر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.

وانظر ما تقدم.

[٨٩٨] ـ تقدم في سورة المائدة آية : ٩٦.

[٨٩٩] ـ صحيح. أخرجه أبو داود ٥٢٦٧ وابن ماجه ٣٢٢٤ وعبد الرزاق ٨٤١٥ وأحمد (١ / ٣٣٢) والدارمي (٢ / ٨٨ ، ٨٩) والبيهقي (٩ / ٣١٧) من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أربعة : الهدهد والصرد والنملة والنحلة» وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

وأخرجه ابن حبان ٥٦٤٦ من طريق ابن جريج وعقيل عن الزهري بالإسناد المذكور. وإسناده صحيح.]

(١) وقع في الأصل «أنه نهى عن قطع النخلة وقتل النملة» والتصويب من «ط» وكتب الحديث.

١٦٧

مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب وحكاه عن بعض المفسّرين ، [و](١) سمّى الحافر ظفرا على الاستعارة ، (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) ، يعني : شحوم الجوف ، وهي الثروب ، وشحم الكليتين ، (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) ، أي : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما ، (أَوِ الْحَوايا) ، وهي المباعر واحدتها حاوية وحوية أي ما حملته الحوايا من الشحم. (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ، يعني : شحم الألية هذا كله داخل في الاستثناء ، والتحريم مختص بالثروب وشحم الكلية.

[٩٠٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله :

أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : «أن الله ورسوله حرّما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» ، قيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح (٢) بها الناس؟ فقال : لا هو حرام ، ثم قال رسول الله عند ذلك : «قاتل الله اليهود إنّ الله عزوجل لمّا حرم شحومها جملوه [ثم](٣) باعوه فأكلوا ثمنه».

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ، أي : ذلك التحريم عقوبة لهم (بِبَغْيِهِمْ) ، أي : بظلمهم من قتلهم الأنبياء وصدّهم عن سبيل الله وأخذهم الرّبا واستحلال أموال الناس بالباطل ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ، في الإخبار عما حرّمنا عليهم وعن بغيهم.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨))

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) ، بتأخير العذاب عنكم ، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) ، عذابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ، إذا جاء وقته.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، لمّا لزمتهم الحجّة وتيقّنوا بطلان ما كانوا عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرّمه الله قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، نحن ، (وَلا آباؤُنا) ، من قبل ، (وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) ، من البحائر والسوائب وغيرهما أرادوا أن يجعلوا قولهم (٤) : لو شاء الله ما أشركنا ، حجة لهم على إقامتهم

__________________

[٩٠٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

قتيبة هو ابن سعيد ، الليث هو ابن سعد.

وهو في «شرح السنة» ٢٠٣٣ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح البخاري» ٢٢٣٦ عن قتيبة به.

وأخرجه البخاري ٤٦٣٣ ومسلم ١٥٨١ وأبو داود ٣٤٨٦ و ٣٤٨٧ والترمذي ١٢٩٧ والنسائي (٧ / ٣٠٩ ، ٣١٠) وابن ماجه ٢١٦٧ وأحمد (٣ / ٣٢٦) وابن الجارود ٥٧٨ وأبو يعلى ١٨٧٣ وابن حبان ٤٩٣٧ والبيهقي (٩ / ٣٥٤ ، ٣٥٥) من طرق عن يزيد بن أبي حبيب به.

وفي الباب من حديث ابن عباس عن عمر عند البخاري ٢٢٢٣ و ٣٤٦٠ ومسلم ١٥٨٢ وابن أبي شيبة (٦ / ٤٤٤) والشافعي (٢ / ٤١) والحميدي ١٣ والبيهقي (٨ / ٢٨٦).

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) في المطبوع وحده «ويستضيء».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع وط «قوله».

١٦٨

على الشرك ، وقالوا : إن الله تعالى قادر على أن يحول بيننا وبين ما نحن عليه [حتى] لا نفعله ، فلو لا أنه رضي بما نحن عليه وأراده منّا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك ، فقال الله تعالى تكذيبا لهم : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من كفار الأمم الخالية ، (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) ، عذابنا ، ويستدل أهل القدر بهذه الآية ، يقولون : إنهم لما قالوا لو شاء الله ما أشركنا كذّبهم الله وردّ عليهم ، فقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، قلنا : التكذيب ليس في قولهم (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، بل ذلك القول صدق ولكن في قولهم : إن الله تعالى أمرنا بها ورضي بما نحن عليه كما أخبر عنهم في سورة الأعراف : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ، فالردّ عليهم في هذا كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨] ، والدليل على أنّ التكذيب ورد فيما قلنا لا في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، قوله : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، بالتشديد ولو كان ذلك خبرا من الله عزوجل عن كذبهم في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، لقال كذلك كذب الذين من قبلهم بالتخفيف فكان نسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب ، وقال الحسن بن الفضل : لو ذكروا هذه المقالة تعظيما وإجلالا لله عزوجل ، ومعرفة منهم به لما عابهم بذلك ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) [الأنعام : ١٠٧] ، وقال : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] ، والمؤمنون يقولون ذلك ، ولكنهم قالوه تكذيبا وتخرصا وجدلا من غير معرفة بالله وبما يقولون ، نظيره قوله عزوجل : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] ، قال الله تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف : ٢٠] ، وقيل في معنى الآية : إنهم كانوا يقولون الحق بهذه الكلمة إلا أنهم كانوا يعدونه عذرا لأنفسهم ويجعلونه حجة لأنفسهم في ترك الإيمان ، وردّ عليهم في هذا لأنّ أمر الله بمعزل عن مشيئته وإرادته ، فإنه مريد لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما يريد ، وعلى العبد أن يتبع أمره وليس له أن يتعلق بمشيئته ، فإن مشيئته لا تكون عذرا لأحد. (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) ، أي : كتاب وحجة من الله ، (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) ، حتى يظهر ما تدعون على الله تعالى من الشرك وتحريم ما حرّمتموه ، (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ، ما تتبعون فيما أنتم عليه ، (إِلَّا الظَّنَ) ، من غير علم ويقين ، (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) ، تكذبون.

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) ، التامّة على خلقه بالكتاب والرسول والبيان ، (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، فهذا يدلّ على أنه [لم يشأ](١) إيمان الكافر ولو شاء لهداه.

(قُلْ هَلُمَ) ، يقال للواحد والاثنين والجمع ، (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) ، أي : ائتوا بشهدائكم الذين يشهدون ، (أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) ، هذا راجع إلى ما تقدم من تحريمهم الأشياء على أنفسهم ودعواهم

__________________

(١) سقط من المطبوع.

١٦٩

أنّ الله أمرهم به ، (فَإِنْ شَهِدُوا) ، وهم كاذبون (١) ، (فَلا تَشْهَدْ) ، أنت ، (مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ، أي : يشركون.

قوله عزوجل : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ، وذلك أن المشركين سألوا وقالوا : أيّ شيء الذي حرّم الله تعالى؟ فقال عزوجل : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) ، أقرأ ما حرّم ربكم عليكم حقا ويقينا لا ظنا (٢) وكذبا كما تزعمون ، فإن قيل : ما معنى قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ، والمحرّم هو الشرك لا ترك الشرك؟ قيل : موضع (أن) رفع معناه هو أن لا تشركوا ، وقيل : محله نصب واختلفوا في وجه انتصابه ، قيل : معناه حرّم عليكم أن تشركوا ، و (لا) صلة ؛ كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، أي : [ما](٣) منعك أن تسجد. وقيل : تمّ الكلام عند قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ، ثم قال : عليكم أن لا تشركوا به شيئا ، على وجه الإغراء. قال الزجاج : يجوز أن يكون هذا محمولا على المعنى ، أي : أتل عليكم تحريم الشرك ، وجائز أن يكون على معنى : أوصيكم ألّا تشركوا ، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) ، فقر ، (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، أي : لا تئدوا بناتكم خشية العيلة فإني رازقكم وإيّاهم ، (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ، ما ظهر يعني العلانية وما بطن يعني السرّ ، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسا في السرّ ، فحرم الله تعالى الزنا في العلانية والسرّ. وقال الضحاك : ما ظهر الخمر وما بطن الزنا ، (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ، حرّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق ، [أي :](٤) إلّا بما أبيح قتله من ردّة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم.

[٩٠١] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ثنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحلّ دم امرئ [مسلم](٥) يشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنّفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة» ، (ذلِكُمْ) الذي ذكرت ، (وَصَّاكُمْ بِهِ) ، أمركم به ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

__________________

[٩٠١] ـ صحيح ؛ محمد بن حماد ثقة ، ومن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، أبو معاوية هو محمد بن خازم ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، مسروق هو ابن الأجدع.

وهو في «شرح السنة» ٢٥١١ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ١٦٧٦ ح ٢٥ وأبو داود ٢٣٥٢ والترمذي ١٤٠٢ وأحمد (١ / ٣٨٢ و ٤٢٨) وابن حبان ٤٤٠٨ والبيهقي (٨ / ٢١٣ و ٢٨٣ و ٢٨٤) من طرق عن أبي معاوية بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٦٨٧٨ ومسلم ١٦٧٦ وابن ماجه ٢٥٣٤ والطيالسي ٢٨٩ وأحمد (١ / ٤٤٤) والدارمي (٢ / ٢١٨) والبيهقي (٨ / ١٩ و ١٩٤ و ٢٠٢ و ٢١٣) من طرق عن الأعمش به.

وأخرجه النسائي (٨ / ١٣) وأحمد (١ / ٤٦٥) وابن حبان ٥٩٧٧ من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان الأعمش به.

__________________

(١) في المخطوط «كاذبين».

(٢) كذا في المطبوع و ، أ ، وفي ب ، وط «ولا كذبا».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط وط.

١٧٠

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، يعني : بما فيه صلاحه وتثميره. وقال مجاهد : هو التجارة فيه. وقال الضحاك : هو أن يبتغي له فيه ولا يأخذ من ربحه شيئا ، (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ، قال الشعبي ومالك : الأشد : الحلم ، حتى يكتب له الحسنات وتكتب عليه السيّئات. قال أبو العالية : حتى يعقل وتجتمع قوّته.

وقال الكلبي : الأشدّ ما بين الثمانية (١) عشرة سنة إلى ثلاثين سنة. وقيل : إلى أربعين سنة. وقيل : إلى ستين سنة. وقال الضحاك : عشرون سنة. وقال السدي : ثلاثون سنة. وقال مجاهد : الأشدّ ثلاث وثلاثون سنة ، والأشد جمع شدّ ، مثل قد وأقد ، وهو استحكام قوة شبابه وسنّه ، ومنه شدّ النهار وهو ارتفاعه ، وقيل : بلوغ الأشد أن يؤنس رشده بعد البلوغ ، وتقدير الآية : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن على الأبد حتى يبلغ أشدّه ، فادفعوا إليه ماله إن كان رشيدا ، (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) ، بالعدل ، (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، أي : طاقتها في إيفاء الكيل والميزان ، لم يكلف المعطي أكثر مما وجب عليه ولم يكلف صاحب الحق الرضا بأقل من حقه حتى لا تضيق نفسه عنه ، بل أمر كل واحد منهما بما يسعه مما لا حرج عليه فيه ، (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) ، فاصدقوا في الحكم والشهادة ، (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ، ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قرابة ، (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، تتّعظون ، قرأ حمزة والكسائي وحفص تذكرون خفيفة الذال ، كل القرآن ، والآخرون بتشديدها ، قال ابن عباس : هذه الآيات محكمات في جميع الكتب ، لم ينسخهن شيء وهنّ محرمات على بني آدم كلهم ، وهنّ أم الكتاب من عمل بهنّ دخل الجنّة ، ومن تركهنّ دخل النار.

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤))

(وَأَنَّ هذا) ، أي : هذا الذي وصّيتكم (٢) به في هاتين الآيتين ، (صِراطِي) ، طريقي وديني ، (مُسْتَقِيماً) ، مستويا قويما ، (فَاتَّبِعُوهُ) ، قرأ حمزة والكسائي : «وإن» بكسر الألف على الاستئناف وقرأ الآخرون بفتح الألف ، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أنّ هذا صراطي مستقيما ، وقرأ ابن عامر ويعقوب بسكون النون. (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) ، أي : الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق ، مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع ، (فَتَفَرَّقَ) ، فتميل ، (بِكُمْ) ، وتشتّت ، (عَنْ سَبِيلِهِ) ، عن طريقه ودينه الذي ارتضى ، وبه أوصى ، (ذلِكُمْ) ، الذي ذكرت (٣) ، (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

__________________

(١) كذا في المطبوع وط ، وفي ب «ثمانية» وفي أ«ثماني».

(٢) في المطبوع «أوصاكم».

(٣) في المطبوع وحده «ذكرنا».

١٧١

[٩٠٢] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي (١) المعروف بأبي بكر بن [أبي](٢) الهيثم أخبر الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ثنا أبو يزيد (٣) محمد بن يحيى بن خالد ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال :

خطّ لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطّا ثم قال : «هذا سبيل الله ، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ، ثم قرأ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) الآية.

قوله عزوجل : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ، فإن قيل : لم قال : (ثُمَّ آتَيْنا) وحرف ثم للتعقيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن؟ قيل : معناه ثم أخبركم أنّا آتينا موسى الكتاب ، فدخل (ثُمَ) لتأخير الخبر لا لتأخير النزول. (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) ، اختلفوا فيه ، قيل : تماما على المحسنين من قومه ، فيكون (الَّذِي) بمعنى من ، أي : على من أحسن من قومه ، وكان منهم محسن ومسيء ، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود : (على الذين أحسنوا) ، وقال أبو عبيدة : معناه على كل من أحسن ، أي : أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين ، يعني : أظهرنا فضله عليهم (١) ، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون ، وقيل : الذي أحسن هو موسى ، و (الَّذِي) بمعنى ما ، أي : على ما أحسن موسى ، تقديره : آتيناه الكتاب يعني التوراة إتماما للنعمة عليه لإحسانه في الطاعة والعبادة وتبليغ الرسالة وأداء الأمر. وقيل : الإحسان بمعنى العلم ، وأحسن بمعنى علم ، ومعناه تماما على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة ، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك. وقيل : معناه تماما منّي على إحساني إلى موسى. (وَتَفْصِيلاً) ، بيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) ، يحتاج إليه من شرائع الدين ، (وَهُدىً وَرَحْمَةً) ، هذا في صفة التوراة ، (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ، قال ابن عباس : كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ

__________________

[٩٠٢] ـ حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن بهدلة ، وباقي الإسناد على شرط البخاري ومسلم.

أبو وائل هو شقيق بن سلمة.

وهو في «شرح السنة» ٩٦ بهذا الإسناد وكذا في «الأنوار» ١٢٣٠.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١١٧٤ والطيالسي ٢٤٤ وأحمد (١ / ٤٣٥) والدارمي (١ / ٩٧ ، ٦٨) وابن حبان ٦ و ٧ والحاكم (٢ / ٣١٨) والبزار ٢٤١٠ من طرق عن حماد بن زيد بهذا الإسناد ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١١٧٥ والبزار ٢٢١١ و ٢٢١٢ من طرق عن ابن مسعود به.

وله شاهد من حديث جابر أخرجه ابن ماجه ١١ وأحمد (٣ / ٣٩٧).

وإسناده غير قوي لأجل مجالد بن سعيد ، لكن يصلح شاهدا لما قبله.

الخلاصة : هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.

(١) وقع في الأصل «الرائي» والتصويب من ط «وشرح السنة».

(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٣) في الأصل «أبو بكر» والتصويب من ط و «شرح السنة».

__________________

(١) في المطبوع «عليها».

١٧٢

رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))

(وَهذا) ، يعني : القرآن ، (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) إليك (مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) ، فاعملوا بما فيه ، (وَاتَّقُوا) ، وأطيعوا ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

(أَنْ تَقُولُوا) ، يعني : لئلا تقولوا ؛ كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، أي : ئلا تضلّوا ، وقيل : معناه أنزلناه كراهة أن تضلوا (أَنْ تَقُولُوا) ، قال الكسائي : معناه : واتقوا أن تقولوا يا أهل مكة ، (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) ، يعني : اليهود والنصارى ، (وَإِنْ كُنَّا) ، وقد كنّا ، (عَنْ دِراسَتِهِمْ) قراءتهم ، (لَغافِلِينَ) ، لا نعلم ما هي ، معناه : أنزلنا عليكم القرآن لئلا تقولوا إن الكتاب أنزل على من قبلنا بلسانهم ولغتهم فلم نعرف ما فيه وغفلنا عن دراسته ، فتجعلونه عذرا لأنفسكم.

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) ، وقد كان جماعة من الكفار قالوا ذلك لو أنّا أنزل علينا ما أنزل على اليهود والنصارى لكنا خيرا منهم ، قال الله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، حجة واضحة بلغة تعرفونها ، (وَهُدىً) بيان (وَرَحْمَةٌ) ونعمة لمن (١) اتّبعه ، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ) ، أعرض ، (عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) ، أي : شدّة العذاب ، (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) ، يعرضون.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨))

قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ) ، أي : هل ينتظرون بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن ، (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، لتقبض أرواحهم ، وقيل : بالعذاب ، قرأ حمزة والكسائي (يأتيهم) بالياء هنا وفي النحل ، والباقون بالتاء ، (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) ، بلا كيف لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة.

[٩٠٣](أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، «يعني : طلوع الشمس من مغربها» ، عليه أكثر المفسرين ، ورواه أبو سعيد الخدري مرفوعا. (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) ، أي : لا ينفعهم الإيمان عند ظهور الآية التي تضطرهم إلى الإيمان ، (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ، يريد : لا يقبل إيمان كافر ولا توبة فاسق ، (قُلِ انْتَظِرُوا) ، يا أهل مكة ، (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ، بكم العذاب.

[٩٠٤] أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو

__________________

[٩٠٣] ـ حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي ٣٠٧١ وأحمد (٣ / ٣١) وأبو يعلى ١٣٥٣ ، وإسناده ضعيف ، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو سيّئ الحفظ وعطية العوفي ضعيف ، وحسنه الترمذي ، وذكر أن بعضهم رواه موقوفا ا ه ومع ذلك ، فمثله لا يقال بالرأي ، ويشهد له ما بعده.

[٩٠٤] ـ إسناده صحيح ، على شرط مسلم لتفرده عن أحمد بن يوسف ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، معمر هو ابن راشد.

وهو في «شرح السنة» ٤١٣٩ بهذا الإسناد مطوّلا.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «لم» وفي ب «لن».

١٧٣

بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا جميعا ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا».

[٩٠٥] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن [أبي](١) عبيدة عن أبي موسى الأشعري [قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يد الله بسطان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها»](١).

[٩٠٦] أخبرنا عبد الواحد المليحي ثنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الريّاني (٢) أنا حميد بن زنجويه أنا النضر بن شميل أنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه».

[٩٠٧] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرّيّاني (٢) أنا حميد بن زنجويه

__________________

وأخرجه البخاري ٤٦٣٦ ومسلم بإثر ١٥٧ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٦٣٥ و ٦٥٠٦ و ٧١٢١ ومسلم ١٥٧ وأبو داود ٤٣١٢ والنسائي في «الكبرى» ١١١٧٧ وابن ماجه ٤٠٦٨ وأحمد (٢ / ٢٣١ و ٣١٣ و ٣٥٠ و ٣٩٨ و ٥٣٠) وأبو يعلى ٦٠٨٥ وابن حبان ٦٨٣٨ والطبري ١٤٢٠٨ و ١٤٢١٤ و ١٤٢١٥ من طرق عن أبي هريرة مرفوعا.

[٩٠٥] ـ صحيح ، محمد بن حماد ثقة ، ومن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، أبو معاوية هو محمد بن خازم ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود.

وأخرجه مسلم ٢٧٥٩ بسياق آخر والطيالسي ٤٩٠ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٦٩٩ من طرق عن شعبة عن عمرو بن مرة به.

(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(٢) وقع في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.

[٩٠٦] ـ إسناده صحيح ، حميد ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، هشام هو ابن حسان ، وابن سيرين هو ابن محمد.

وهو في «شرح السنة» ١٢٩٢ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٢٧٠٣ وأحمد (٢ / ٤٢٧ و ٤٩٥ و ٥٠٦ و ٥٠٧) وابن حبان ٦٢٩ من طرق عن هشام بن حسان به.

وأخرجه أحمد (٢ / ٢٧٥) والطبري ١٤٢٢٥ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة به.

وفي الباب من حديث صفوان بن عسال وهو الحديث الآتي ، وانظر ما تقدم.

[٩٠٧] ـ إسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النّجود ، أبو النجود اسمه بهدلة.

وهو في «شرح السنة» ١٢٩٨ بهذا الإسناد ، وهو في «مسند أحمد» (٤ / ٢٤١) عن حسن بن موسى بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ٣٥٣٦ والطيالسي ١١٦٨ من طريق حماد بن زيد به وقرن الطيالسي مع حماد «شعبة وحماد بن سلمة».

__________________

(١) كذا في المخطوطتين وط و «شرح السنة» وفي المطبوع وصحيح مسلم هو سياقه مختلف.

١٧٤

أنا أحمد بن عبد الله [ثنا حسن بن موسى](١) أنا حماد بن زيد أنا عاصم بن أبي النجود عن زرّ بن حبيش قال :

أتيت صفوان بن عسال المرادي فذكر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن الله عزوجل جعل بالمغرب بابا مسيرة عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله» ، وذلك قول الله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).

[٩٠٨] وروى أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : الدجال ، والدابّة ، وطلوع الشمس من مغربها».

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))

قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) ، قرأ حمزة والكسائي : فارقوا ، بالألف هنا وفي سورة الروم ، أي : خرجوا من دينهم وتركوه ، وقرأ الآخرون : فرقوا مشدّدا ، أي : جعلوا دين الله وهو واحد دين إبراهيم عليه‌السلام الحنيفية أديانا مختلفة فتهود قوم وتنصّر قوم ، يدلّ عليه قوله عزوجل : (وَكانُوا شِيَعاً) ، أي : صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي ، وقيل : هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة.

[٩٠٩] وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة : «يا عائشة إنّ الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع ، [وأصحاب الأهواء](١) من هذه الأمّة».

[٩١٠] حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد زياد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد

__________________

وأخرجه ابن ماجه ٤٠٧٠ وابن حبان ١٣٢١ والطبري ١٤٢١٢ و ١٤٢١٣ و ١٤٢٢١ و ١٤٢٢٢ من طرق عن عاصم بن أبي النجود به.

(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من «مسند أحمد».

[٩٠٨] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٥٨ والترمذي ٣٠٧٤ وأحمد (١ / ١٠٧) وأبو يعلى ٦١٨٠ و ٦١٧٢ من طرق عن أبي حازم به.

وانظر «صحيح مسلم» ٢٩٤٧ في (الفتن. باب في بقية من أحاديث الدجال) و ٢٩٠١.

[٩٠٩] ـ ضعيف. أخرجه الطبراني في «الصغير» ٥٦٠ وأبو نعيم (٤ / ١٣٨) والبيهقي في «الشعب» ٧٢٣٩ ، ٧٢٤٠ وابن الجوزي في «الواهيات» ٢٠٩ من حديث عمر.

قال ابن الجوزي رحمه‌الله : لا يثبت ، وبقية بن الوليد مدلس ، والظاهر أنه سمعه من ضعيف فأسقطه ا ه.

وأعله الهيثمي في «المجمع» ٨٩٦ بضعف بقية ومجالد ا ه.

وكرره الهيثمي ١١٠٠٨ من هذا الوجه عن عمر وقال : إسناده جيد.

ولعل ذلك إما من النساخ أو هو سبق قلم ، فإنه من الطريق الذي أعلّه أولا.

والحديث ضعفه ابن كثير في «التفسير» (٢ / ٢٤٩) بقوله : غريب ، ولا يصح رفعه ا ه.

وانظر «تفسير الشوكاني» ٩٥٧.

[٩١٠] ـ حديث حسن ، إسناده لين لأجل عبد الرحمن بن عمرو فإنه مقبول ، لكن تابعه حجر بن حجر ، وتابعهما ابن أبي بلال ، وفي رواية : أبو بلال كما سيأتي. وبكل حال الحديث حسن بطرقه ، ولأكثره شواهد.

وهو في «شرح السنة» ١٠٢ وفي «الأنوار» ١٢٣٢ بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ٢٦٧٦ وابن ماجه ٤٤ والطحاوي في «المشكل» ١١٨٦ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٤ والدارمي

__________________

(١) في المطبوع وط «الشبهات».

١٧٥

الأنصاري أنا أبو عبد الله (١) محمد بن عقيل الأزهري البلخي أنا الرمادي (٢) أحمد بن منصور أنا الضحاك بن مخلد أنا ثور بن يزيد [نا خالد](٣) بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو (٤) السلمي عن العرباض بن سارية قال :

صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله كأنّها موعظة مودّع فأوصنا ، فقال : «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطّاعة وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ، فإنّ كل بدعة ضلالة».

[٩١١] وروي عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ بني إسرائيل تفرّقت على اثنتين

__________________

(١ / ٤٤) والآجري ص ٤٧ وأحمد (٤ / ١٢٦) من طرق عن ثور بن يزيد به ، وإسناده حسن في المتابعات لأجل عبد الرحمن بن عمرو فإنه مقبول.

وأخرجه أبو داود ٤٦٠٧ وأحمد (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧) وابن حبان ٥ والآجري في «الشريعة» ص ٤٦ وابن أبي عاصم ٣٢ و ٥٧ من طرق عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد به ، إلا أنهم قرنوا حجر بن حجر الكلاعي مع عبد الرحمن بن عمرو.

وأخرجه الترمذي ٢٦٧٦ وابن أبي عاصم ٢٧ والبيهقي (٦ / ٥٤١) من طريق بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو به.

وأخرجه ابن ماجه ٤٣ والآجري ص ٤٧ من طريق معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو به.

وأخرجه أحمد (٤ / ١٢٧) من طريق بحير بن سعد عن خالد عن ابن أبي بلال عن العرباض به وكرره من وجه آخر عن خالد عن أبي بلال عن العرباض به ، وله شواهد تعضده.

(١) وقع في الأصل «عبيد الله» والتصويب من «الأنوار» و «شرح السنة».

(٢) وقع في الأصل «الزبادي أنا» والتصويب من «الأنوار» و «شرح السنة».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «الأنوار» ومصادر التخريج.

(٤) وقع في الأصل «عمر» وهو تصحيف.

[٩١١] ـ حديث صحيح. أخرجه الترمذي ٢٦٤١ والحاكم في «المستدرك» (١ / ١٢٩) والآجري في «الشريعة» ٢١ و ٢٢ من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليأتين على أمتي .....».

ومداره على عبد الرحمن بن زياد ، وهو واه ، لكن للحديث شواهد.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه ا ه وضعفه الحاكم فقال : إسناده لا تقوم به حجة.

لكن للحديث شواهد منها :

حديث أنس عند ابن ماجه ٣٩٩٣ من طريق أبي عمرو عن قتادة عنه وإسناده صحيح كما قال البوصيري في «الزوائد».

وعند الآجري في «الشريعة» ٢٥ من طريق مبارك بن سحيم عن عبد العزيز بن صهيب عنه ، وإسناده ضعيف.

وأخرجه أبو يعلى ٣٦٦٨ والآجري ٢٣ من وجه آخر عن أنس مطوّلا وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي.

ومن حديث عمرو بن عوف المزني عند الحاكم (١ / ١٢٩) ح ٤٤٥ في إسناده كثير بن عبد الله المزني ، وهو ضعيف وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر ٢٩٩٢ بنحوه لفظ الحاكم وإسناده لين.

ومن حديث معاوية بن أبي سفيان أخرجه أبو داود ٤٥٩٧ والحاكم (١ / ١٢٨) ح ٤٤٣ وقوّاه الحاكم لشواهده.

وورد من حديث أبي هريرة بلفظ : «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» هذا لفظ أبي داود والآجري أخرجه أبو داود ٤٥٩٦

١٧٦

وسبعين ملّة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة ، كلهم في النار إلّا ملة واحدة» ، قالوا : من هي يا رسول الله؟ قال : «ما أنا عليه وأصحابي».

[٩١٢] قال عبد الله بن مسعود : «إن أحسن الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها». ورواه جابر مرفوعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله عزوجل : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ، قيل : لست من قتالهم في شيء ، نسختها آية القتال ، وهذا على قول من قال : المراد من الآية (١) اليهود والنصارى ، ومن قال : أراد بالآية أهل الأهواء قال : المراد من قوله : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ، أي : أنت منهم بريء وهم منك برآء ، وتقول العرب : إن فعلت كذا فلست مني ولست منك ، أي : كل واحد منا بريء من صاحبه ، (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) ، يعني : في الجزاء والمكافاة ، (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) ، إذا وردوا (٢) للقيامة.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣))

قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ، أي : له عشر حسنات أمثالها ، وقرأ يعقوب (عشر) منون ، (أَمْثالِها) بالرفع. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

[٩١٣] أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين (١) القطان ثنا (٢) أحمد (٣) بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال :

__________________

والترمذي ٢٦٤٠ وابن ماجه ٣٩٩١ وأحمد (٢ / ٣٣٢) والآجري في «الشريعة» ١٩ و ٢٠ وصححه ابن حبان ٦٢٤٧ ، وهو أصح طرق هذا المتن. وإسناده حسن صحيح.

وانظر «الشريعة» للآجري ١٨ و ١٩ و ٢٠ و ٢١ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ بترقيمي.

[٩١٢] ـ الموقوف على ابن مسعود أخرجه البخاري ٧٢٧٧ ، وانظر ما قاله ابن حجر في «الفتح» (١٣ / ٢٥١).

وحديث جابر المرفوع أخرجه مسلم ٨٦٧ والنسائي (٣ / ١٨٨) وابن ماجه ٤٥ وأحمد (٣ / ٣١٠ و ٣٣٨ و ٣٧١) وابن حبان ١٠ والبيهقي (٣ / ٢٠٦) والبغوي في «شرح السنة» ٤١٨٩.

(١) في الأصل «والحسن» وهو تصحيف.

(٢) زيد في الأصل «محمد بن يوسف القطان ثنا» بين «ثنا» و «أحمد» وصوّب هذا السند من «شرح السنة» ٤٠٤٣ و «الأنوار» ١٢٢٦ و ١٢٥٠.

(٣) في الأصل «محمد» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنوار» وكتب التراجم.

[٩١٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم حيث تفرد عن السلمي.

عبد الرزاق هو ابن همّام ، معمر ابن راشد.

وهو في «شرح السنة» ٤٠٤٣ بهذا الإسناد مطوّلا وصدره «قال الله عزوجل : إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة .....».

وأخرجه ابن مندة في «الإيمان» ٣٧٣ من طريق محمد بن حماد الطهراني ، وأحمد بن يوسف السلمي به.

وأخرجه البخاري ٤٢ و ١٢٩ وأحمد (٢ / ٣١٧) وابن حبان ٢٢٨ من طرق عن عبد الرزاق بهذا الإسناد.

__________________

(١) في المطبوع «منه» بدل «من الآية».

(٢) في المطبوع «ردّوا».

١٧٧

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكلّ سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عزوجل».

[٩١٤] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ثنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ، ومن جاء بالسيّئة فجزاء سيئة بمثلها أو أغفر ، ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة».

قال ابن عمر : الآية في غير الصدقات من الحسنات ، فأما الصدقات تضاعف سبعمائة ضعف.

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً) ، قرأ أهل الكوفة والشام (قيما) بكسر القاف وفتح الياء خفيفة ، وقرأ الآخرون بفتح القاف وكسر الياء مشددا ومعناهما واحد وهو القويم المستقيم ، وانتصابه على معنى هداني دينا قيما ، (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) ، قيل : أراد بالنسك الذبيحة في (١) الحجّ والعمرة ، وقال مقاتل : نسكي : حجي ، وقيل : ديني ، (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) ، أي : حياتي ووفاتي ، (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، أي : هو يحييني ويميتني ، وقيل : محياي بالعمل الصالح ومماتي إذا مت على الإيمان لله رب العالمين ، وقيل : طاعتي في حياتي لله وجزائي بعد مماتي من الله ربّ العالمين. قرأ أهل المدينة : «محياي» بسكون الياء و «مماتي» بفتحها ، وقراءة العامة (وَمَحْيايَ) بفتح الياء لئلا يجتمع ساكنان.

قوله تعالى : (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ، قال قتادة : وأنا أوّل المسلمين من هذه الأمة.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ

__________________

[٩١٤] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

وكيع هو ابن الجراح ، الأعمش هو سليمان بن مهران.

وهو في «صحيح مسلم» ٢٦٨٧ عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٥٠ من طريق أبي بكر بن أبي شيبة به.

وأخرجه مسلم ٢٦٨٧ وابن المبارك في «الزهد» ١٠٣٥ من طريق أبي معاوية عن الأعمش به.

وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٥٩ من طريق ابن نمير عن الأعمش به.

ولصدره شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري ٧٥٠١ ومسلم ١٢٨ وأحمد (٢ / ٢٤٢) وابن حبان ٣٨٠ و ٣٨١ و ٣٨٢ وابن مندة في «الإيمان» ٣٧٥ وانظر الحديث المتقدم.

ولعجزه «ومن تقرب مني ....» شاهد من حديث أنس عند البخاري ٧٥٣٦ وعبد الرزاق ٢٠٥٧٥ والطيالسي ٢٠١٢ وأحمد (٣ / ١٢٢ و ١٢٧ و ٢٧٢ و ٢٨٣) وأبو يعلى ٣١٨٠.

ويشهد لعجزه أيضا حديث أبي هريرة عند البخاري ٧٤٠٥ ومسلم ٢٦٧٥ وابن حبان ٣٧٦ وأحمد (٢ / ٤٣٥ و ٥٠٩).

__________________

(١) كذا في المطبوع وط ، والمخطوط أ ، وفي المخطوط ب «و» بدل «في».

١٧٨

لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : سيدا وإلها (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) ، وذلك أن الكفار كانوا يقولون للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ارجع إلى ديننا. قال ابن عباس : كان الوليد بن المغيرة يقول : اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم ، فقال الله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) ، لا تجني (١) كل نفس إلا ما كان إثمه على الجاني ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، أي لا تحمل [نفس حاملة](٢) حمل أخرى ، أي : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) ، يعني : أهلك (٣) القرون الماضية وأورثكم الأرض يا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بعدهم ، فجعلكم خلائف منهم فيها تخلفونهم فيها وتعمرونها بعدهم ، والخلائف جمع خليفة كالوصائف جمع وصيفة ، وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة ، لأنه يخلفه. (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) ، أي : خالف بين أحوالكم فجعل بعضكم فوق بعض في الخلق والرزق والمعاش والقوة والفضل ، (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) ، ليختبركم فيما رزقكم ، يعني : يبتلي الغني والفقير والشريف والوضيع والحرّ والعبد ، ليظهر منكم ما يكون عليه من الثواب والعقاب ، (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) ، لأن ما هو آت فهو سريع قريب ، قيل : هو [والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المئاب](٤) الهلاك في الدنيا ، (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، قال عطاء سريع العقاب لأعدائه غفور لأوليائه رحيم بهم.

سورة الأعراف

مكيّة كلها إلا خمس آيات أولها : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ) [١٦٣ ـ ١٦٧].

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦))

(كِتابٌ) ، أي : هذا كتاب ، (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ، وهو القرآن ، (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) ، قال

__________________

(١) في المطبوع وحده «تجيء».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «أهل».

(٤) زيادة عن المخطوط أ.

١٧٩

مجاهد : شكّ ، فالخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به الأمّة. وقال أبو العالية : حرج أي ضيق ، معناه : لا يضيق ما أرسلت به ، (لِتُنْذِرَ بِهِ) ، أي : كتاب أنزلناه (١) إليك لتنذر به ، (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) ، أي : على الكتاب.

(اتَّبِعُوا) ، أي : وقل لهم اتّبعوا (ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) ، أي : لا تتخذوا غيره أولياء تطيعونهم في معصية الله تعالى ، (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ، تتّعظون ، وقرأ ابن عامر : يتذكرون ، بالياء والتاء.

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ، بالعذاب ، و (وَكَمْ) للتكثير و «ربّ» للتقليل (فَجاءَها بَأْسُنا) ، عذابنا ، (بَياتاً) ، ليلا (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ، من القيلولة ، تقديره : فجاءها بأسنا ليلا وهم نائمون أو نهارا وهم قائلون أو نائمون ظهيرة ، والقيلولة : استراحة نصف النهار ، وإن لم يكن معها نوم. ومعنى الآية : أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقّعين إمّا ليلا أو نهارا. قال الزجاج : و (أَوْ) لتصريف العذاب ، أي : مرّة ليلا ومرة نهارا. وقيل : معناه من أهل القرى من أهلكناهم ليلا ، ومنهم من أهلكناهم نهارا ، فإن قيل : ما معنى أهلكناها فجاءها بأسنا؟ فكيف يكون مجيء البأس بعد الهلاك؟ قيل : معنى أهلكنا حكمنا بهلاكها فجاءها بأسنا. وقيل : فجاءها بأسنا وهو بيان قوله : (أَهْلَكْناها) ، مثل قول القائل : أعطيتني فأحسنت إليّ لا فرق بينه وبين قوله : أحسنت إليّ فأعطيتني ، فيكون أحدهما بدلا من الآخر.

(فَما كانَ دَعْواهُمْ) ، أي : قولهم ودعاؤهم وتضرّعهم ، والدعوى تكون بمعنى الادّعاء بمعنى الدعاء ، قال سيبويه : تقول العرب : اللهمّ أشركنا في صالح دعوى المسلمين ، أي في دعائهم ، (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) ، عذابنا ، (إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ، معناه : لم يقدروا على ردّ العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالجناية حين (٢) لا ينفع الاعتراف.

(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) ، يعني : الأمم عن إجابتهم الرسل ، وهذا سؤال توبيخ لا سؤال استعلام ، يعني : نسألهم عمّا بلغتهم الرسل ، (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) ، عن الإبلاغ.

(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))

(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) ، أي : نخبرنهم عن علم. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ينطق عليهم كتاب أعمالهم ؛ كقوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩]. (وَما كُنَّا غائِبِينَ) ، عن الرسل فيما بلغوا ، وعن الأمم فيما أجابوا.

قوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) ، يعني : يوم السؤال. قال مجاهد : معناه والقضاء يومئذ العدل. وقال الأكثرون : أراد به وزن الأعمال بالميزان ، وذاك أن الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان كل كفة بقدر ما بين المشرق والمغرب ، واختلفوا في كيفية الوزن ، فقال بعضهم : توزن صحائف الأعمال.

__________________

(١) في المطبوع «أنزل».

(٢) في المطبوع «حتى».

١٨٠