تفسير البغوي - ج ٢

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

فيما بقيت. وأنزل الله على رسوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ، إلى قوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٩].

[١١٣٥] وروى إسحاق بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد عن كعب ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كلامي وكلام صاحبي فلبثت كذلك حتى طال عليّ الأمر وما من شيء أهم إليّ من أن أموت ولا يصلي عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو يموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة [التي أنا بها](١) ، فلا يكلّمني أحد منهم ولا يصلّي عليّ [أحد](٢) ، وأنزل الله توبتنا على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معينة في أمري ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أمّ سلمة تيب على كعب» ، قالت : أفلا أرسل إليه فأبشّره؟ قال : «إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة» ، حتى إذا صلّى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا.

قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) ، اتّسعت ، (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) ، غمّا وهمّا ، (وَظَنُّوا) ، أي : تيقنوا ، (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) ، لا مفزع من الله ، (إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ، أي : ليستقيموا على التوبة فإن توبتهم قد سبقت ، (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)) ، قال نافع : مع محمد وأصحابه. وقال سعيد بن جبير : مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال ابن جريج : مع المهاجرين ؛ لقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر : ٨]. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : مع الذين صدقت نيّاتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك بإخلاص نيّة. وقيل : مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة. وكان ابن مسعود يقرأ : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، وقال ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجز له ، اقرءوا إن شئتم هذه الآية.

قوله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) ، ظاهره خبر ومعناه نهي ؛ كقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣]. (وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) ، سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ، (أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) ، إذا غزا ، (وَلا يَرْغَبُوا) ، أي : ولا أن يرغبوا ، (بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) ، في مصاحبته ومعاونته والجهاد معه. وقال الحسن : لا يرغبوا بأنفسهم عن أن يصيبهم من

__________________

[١١٣٥] ـ ذكر بعض هذه الرواية عبد الرزاق في «المصنف» ٩٧٤٤ وابن حبان في «صحيحه» ٣٣٧٠ وإسناده قوي.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٤٠١

الشدائد فيختاروا الخفض والدعة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مشقة السفر ومقاساة التعب. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ) ، في سفرهم ، (ظَمَأٌ) ، عطش ، (وَلا نَصَبٌ) ، تعب ، (وَلا مَخْمَصَةٌ) ، مجاعة ، (فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) ، أرضا ، (يَغِيظُ الْكُفَّارَ) ، وطؤهم إياها (١) ، (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) ، أي : لا يصيبون من عدوهم قتلا أو أسرا أو غنيمة أو هزيمة ، (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

[١١٣٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عليّ بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي مريم حدثنا عباية بن رفاعة قال : أدركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة ، فقال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمه (٣) الله على النار».

واختلفوا في حكم هذه الآية ، قال قتادة : هذه خاصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلّف عنه إلّا بعذر ، فأمّا غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلّف عنه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة. وقال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : إنها لأوّل هذه الأمة وآخرها. وقال ابن زيد : هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلّف لمن يشاء [من المسلمين أن يتخلف عنه](٤) ، فقال : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً).

(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١))

قوله تعالى : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً) ، أي : في سبيل الله ، (صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) ، ولو علاقة سوط ، (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) ، لا يجاوزون واديا في مسيرهم مقبلين أو مدبرين ، (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ، يعني : آثارهم وخطاهم ، (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

[١١٣٧] روي عن خزيم بن فاتك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف».

__________________

[١١٣٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

وهو في «شرح السنة» ٢٦١٢ بهذا الإسناد ، وفي «صحيح البخاري» ٩٠٧ عن علي بن عبد الله به.

وأخرجه الترمذي ١٦٣٢ والنسائي (٦ / ١٤) وأحمد (٣ / ٤٧٩) وابن حبان ٤٦٠٥ من طرق عن الوليد بن مسلم به.

وأخرجه البخاري ٢٨١١ والبيهقي (٩ / ١٦٢) من طريق محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة عن يزيد بن أبي مريم به.

وورد من حديث جابر عند الطيالسي ١٧٧٢ وأحمد (٣ / ٣٦٧) وأبو يعلى ٢٠٧٥ وابن حبان ٤٦٠٤ والبيهقي (٩ / ١٦٢).

[١١٣٧] ـ جيد. أخرجه الترمذي ١٦٢٥ والنسائي في «الكبرى» ٤٣٩٥ و ١١٠٢٧ وأحمد (٤ / ٣٤٥) والطبراني ٤١٥٥ والحاكم (٢ / ٨٧) وابن حبان ٤٦٤٧ من طريق زائدة عن الرّكين بن الربيع عن الربيع بن عميلة عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك مرفوعا. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن اه. قلت : إسناده حسن صحيح ،

__________________

(١) في المطبوع «إياه» والمثبت عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «حرمهما» والمثبت عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٠٢

[١١٣٨] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا جرير عن الأعمش عن أبي عمرو الشّيباني عن أبي مسعود الأنصاري قال :

جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة».

[١١٣٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة حدثني بسر بن سعيد حدثني زيد بن خالد :

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا».

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢))

قوله عزوجل : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) ، قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أنزل الله عزوجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا إلى الغزو ويتركون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.

وهذا نفي بمعنى النهي.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) ، أي : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة ، (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ، يعني : فرقة القاعدين يتعلّمون القرآن والسّنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل [الله] بعدهم [على نبيّه من القرآن](١)

__________________

رجاله رجال مسلم غير يسير بن عميلة ، وهو ثقة.

وأخرجه أحمد (٤ / ٣٢٢ و ٣٤٥ و ٣٤٦) والطبراني ٤١٥١ و ٤١٥٢ و ٤١٥٣ و ٤١٥٤ والحاكم (٢ / ٨٧) من طرق عن خريم مرفوعا.

[١١٣٨] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم ، حيث تفرد عن أبي عمرو الشيباني ، وباقي الإسناد على شرطهما.

جرير هو ابن عبد الحميد ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو عمرو هو سعيد بن إياس.

وهو في «شرح السنة» ٤٦١٩ بهذا الإسناد وفي «صحيح مسلم» ١٨٩٢ عن إسحاق بن إبراهيم به.

وأخرجه الحاكم (٢ / ٩٠) وابن حبان ٤٦٤٩ من طريق جرير به.

[١١٣٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

أبو معمر هو عبد الله بن عمرو ، عبد الوارث هو ابن سعيد ، حسين هو المعلم اسم أبيه ذكوان.

وهو في «شرح السنة» ٢٦١٨ بهذا الإسناد وفي «صحيح البخاري» ٢٨٤٣ عن أبي معمر به.

وأخرجه مسلم ١٨٩٥ وأبو داود ٢٥٠٩ والترمذي ١٦٢٨ والنسائي (٦ / ٤٦) والطيالسي ٩٥٦ وأحمد (٤ / ١١٥ و ١١٦ و ١١٧) و (٥ / ١٩٣) وابن الجارود ١٠٣٧ وابن حبان ٤٦٣١ و ٤٦٣٢ والطبراني ٥٢٢٥ و ٥٢٢٦ و ٥٢٢٧ و ٥٢٢٨ و ٥٢٣٤ والبيهقي (٩ / ٢٨ و ٤٧ و ١٧٢) من طرق عن بسر بن سعيد به.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

٤٠٣

فتمكث السرايا يتعلّمون ما نزل بعدهم وتبث سرايا أخر ، فذلك قوله : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) ، وليعلموهم بالقرآن ويخوّفوهم به ، (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ، أن يجهلوا فلا يعملون بخلافه.

وقال الحسن : هذا التفقه والإنذار راجع إلى الفرقة النافرة ، ومعناه : هلّا نفر فرقة ليتفقهوا ، أي : ليتبصّروا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبروهم بنصر الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين لعلّهم يحذرون أن يعادوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار.

وقال الكلبي : لها وجه آخر وهو أن أحياء من بني أسد وخزيمة أصابتهم سنة شديدة فأقبلوا بالذراري حتى نزلوا المدينة فأفسدوا طرقها بالعذرات وأغلوا أسعارها ، فنزل قوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) ، أي : لم يكن لهم أن ينفروا كافة ولكن من كل قبيلة طائفة ليتفقهوا في الدين.

وقال مجاهد : نزلت في ناس خرجوا في البوادي ابتغاء الخير من أهلها فأصابوا منهم معروفا ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلّا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا ، فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا ، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله هذه الآية.

أي : هلّا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين وليستمعوا ما أنزل [الله](١) بعدهم ولينذروا قومهم ، يعني : الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ويدعوهم إلى الله ، لعلّهم يحذرون بأس الله ونقمته ، وقعدت طائفة يبتغون الخير.

[١١٤٠] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري حدثنا أحمد بن علي الكشمهيني حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين».

[١١٤١] أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال حدثنا أبو العباس الأصم

__________________

[١١٤٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وللحديث شواهد وطرق.

وهو في «شرح السنة» ١٣٢ بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي ٢٦٤٥ من طريق علي بن حجر به.

وأخرجه أحمد (١ / ٣٠٦) (٢٧٨٦) والدارمي (١ / ٢٩٧) من طريقين عن إسماعيل بن جعفر به. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

وورد من حديث معاوية بن أبي سفيان أخرجه البخاري ٧١ و ٣١١٦ و ٧٣١٢ ومسلم ١٠٣٧ ح ٩٨ وابن ماجه ٢٢١ ومالك (٢ / ٩٠٠ و ٩٠١) وأحمد (٤ / ٧٣ و ٧٤ و ٩٢ و ٩٣ و ٩٥ و ٩٦ و ٩٧ و ٩٨ و ٩٩ و ١٠٤) والدارمي (١ / ٧٣ و ٧٤) وابن حبان ٨٩ والطحاوي في «المشكل» ١٦٨٣ والطبراني ٧٢٩ و ٧٨٢ و ٧٨٧ و ٨١٥ و ٩١١ و ٩٢٩ والقضاعي ٣٤٦ و ٩٥٤ وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ١٨ و ١٩).

[١١٤١] ـ صحيح ، الشافعي ثقة إمام ومن دونه ثقات ، وقد توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سفيان هو ابن عيينة ، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.

وهو في «شرح السنة» ١٣٣ بهذا الإسناد ، وفي «مسند الشافعي» (١ / ١٦) عن سفيان به.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

٤٠٤

أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».

والفقه : هو معرفة أحكام الدين وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل علم الطهارة والصلاة والصوم فعلى كل مكلّف معرفته.

[١١٤٢] قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة».

وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد يجب عليه معرفتها ومعرفة علمها مثل علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحجّ إن وجب عليه. وأما فرض الكفاية هو أن يتعلّم حتى يبلغ درجة (١) الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلّمه عصوا جميعا وإذا قام من كل بلد واحد بتعلّمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث.

[١١٤٣] روى أبو أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم».

__________________

وأخرجه البخاري ٣٤٩٥ ، ٣٤٩٦ و ٣٥٨٧ ، ٣٥٨٨ من طريق أبي الزناد بهذا الإسناد مختصرا.

أخرجه البخاري ٣٤٩٣ و ٣٤٩٤ ومسلم ٢٥٢٦ وص ٢٠١١ من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعا.

وأخرجه مسلم ٢٥٢٦ وأحمد (٢ / ٥٢٤ ، ٥٢٥) وابن حبان ٥٧٥٧ من طريق يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به.

[١١٤٢] ـ حسن دون لفظ «مسلمة». أخرجه ابن ماجه ٢٢٤ وابن عدي (٦ / ٧١) وأبو يعلى ٢٨٣٧ وابن الجوزي في «الواهيات» ٦٠ و ٦١ و ٧٤ من طرق عن أنس مرفوعا ، وإسناده ضعيف بكل طرقه.

وأخرجه ابن عدي (٥ / ٢٤٢) وابن الجوزي في «الواهيات» ٥٠ من حديث علي.

وأخرجه ابن الجوزي ٥٣ و ٥٤ من حديث ابن عمر ، و ٥٨ من حديث ابن عباس و ٥٧ من حديث ابن مسعود ، و ٥٩ من حديث جابر ، ثم ختم كلامه بقوله : هذه الأحاديث كلها لا تثبت ثم تكلم على أسانيده واحدا واحدا ، وأعلها بالضعف ، ثم ختم كلامه بقوله : قال الإمام أحمد : لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء.

وجاء في «المقاصد الحسنة» ٦٦٠ ما ملخصه : روي عن نحو عشرين تابعيا عن أنس به ، وفي كل منها مقال ، ولذا قال ابن عبد البر : طرقه كلها معلولة لا حجة في شيء منها من جهة الإسناد ، وقال البزار : روي عن أنس بأسانيد واهية. وقال البيهقي : متنه مشهور وإسناده ضعيف ، وروي من طرق كلها ضعيفة. وكذا قال أحمد قبله ، ومثله إسحاق بن راهويه وقال أبو علي الحافظ : لم يصح فيه إسناد. لكن العراقي قال في «تخريجه الكبير للإحياء» : قد صحح بعض الأئمة طرقه.

وقال المزي : إن طرقه تبلغ به رتبة الحسن اه باختصار.

وقد حسنه شعيب الأرناءوط وعبد القادر الأرناءوط في تعليقهما على كتاب «مختصر منهاج القاصدين» عند بحث : طلب العلم فريضة ، وانظر «مختصر منهاج القاصدين» ص ١٩ بتخريجي والله تعالى أعلم.

تنبيه : اشتهر على الألسنة زيادة «ومسلمة» وهذه الزيادة لم ترد في شيء من طرقه وإنما هي في مضمون الحديث.

فائدة : وأما حديث «اطلبوا العلم ، ولو بالصين» فهو ضعيف جدا بل أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» (١ / ٢٥١) فأصاب. والله الموفق. وانظر «منهاج القاصدين» رقم ١٠.

[١١٤٣] ـ أخرجه الترمذي ٢٦٨٥ من طريق الوليد بن جميل حدثنا القاسم أبو عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعا.

قال الترمذي : هذا حديث غريب اه.

وأخرجه الدارمي (١ / ٨٨) عن الوليد بن جميل الكتاني حدثنا مكحول ، فذكره مرسلا. مع اختلاف يسير فيه.

__________________

(١) في المخطوط «رتبة».

٤٠٥

[١١٤٤] وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد».

قال الشافعي : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥))

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) الآية ، أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : مثل بني قريظة والنضير وخيبر ونحوها. وقيل : أراد بهم الروم لأنهم كانوا سكان الشام وكان الشام أقرب إلى (١) المدينة من (٢) العراق ، (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) ، شدّة وحمية. قال الحسن : صبرا على جهادهم ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، بالعون والنصرة.

قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) ، يقينا. كان المنافقون يقولون هذا استهزاء ، قال الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) يقينا وتصديقا ، (وَهُمْ يَ

__________________

قلت : إسناده غير قوي فحديث الترمذي فيه القاسم أبو عبد الرحمن صدوق يرسل كثيرا كما في «التقريب» والوليد بن جميل صدوق يخطئ ، وحديث الدارمي مرسل.

لكن للحديث شواهد منها حديث أبي الدرداء أخرجه أبو داود ٣٦٤١ والترمذي ٢٦٨٢ وابن ماجه ٢٢٣ والدارمي (١ / ٩٨) وأحمد (٥ / ١٩٦) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» ص ٣٩ ، ٤٠ والطحاوي في «المشكل» ٩٨٢ وابن حبان ٨٨ والبغوي في «شرح السنة» ١٢٩ وصدره : «من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ...» وفيه : «.... وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ...».

[١١٤٤] ـ ضعيف جدا. أخرجه ابن الجوزي في «العلل» ١٩٢ من حديث ابن عباس ، وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمتهم برفعه روح بن جناح اه.

وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني (٣ / ٧٩) والطبراني في «الأوسط» ٦١٦٢ والآجري في «أخلاق العلماء» ص ٢٣ والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (١ / ٢٥ ، ٢٦) والقضاعي ٢٠٦ من طريق يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة به وصدره : «ما عبد الله بشيء أفضل من فقه ...».

وفيه يزيد بن عياض كذبه مالك وغيره ، فهذا الشاهد ليس بشيء.

وأخرجه الخطيب في «تاريخه» (٢ / ٤٠٢) وابن الجوزي في «العلل» ١٩٤ من طريق خلف بن يحيى عن إبراهيم بن محمد عن صفوان بالإسناد المذكور.

قال ابن الجوزي : لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه خلف بن يحيى. قال أبو حاتم : لا يشتغل بحديثه ، وإبراهيم بن محمد متروك.

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (١ / ٢٥) وابن الجوزي في «العلل» ١٩٥ من طريق ابن عدي عن محمد بن سعيد بن مهران عن شيبان عن أبي الربيع السمان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.

ونقل ابن الجوزي عن ابن عدي قوله : لا أعلم رواه عن أبي الزناد غير أبي الربيع. قال هشيم : كان أبو الربيع يكذب ، وقال يحيى : ليس بثقة ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال ابن حبان : يروي عن الأئمة الموضوعات اه.

__________________

(١) في المخطوط «من».

(٢) في المخطوط «إلى».

٤٠٦

سْتَبْشِرُونَ)، يفرحون بنزول القرآن.

(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، شكّ ونفاق ، (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) ، أي : [كفرا إلى](١) كفرهم فعند نزول كل سورة ينكرونها يزداد كفرهم بها. قال مجاهد : هذه الآية إشارة إلى أن الإيمان يزيد وينقص ، وكان عمر يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول : تعالوا حتى نزداد إيمانا.

وقال عليّ بن أبي طالب : إن الإيمان يبدو لمظة (٢) بيضاء في القلب ، فكلّما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كلّه ، وإن النفاق يبدو لمظة (٣) سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق ازداد السواد حتى يسودّ القلب كله ، وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ).

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))

قوله : (أَوَلا يَرَوْنَ) ، قرأ حمزة ويعقوب : «ترون» بالتاء على خطاب النبيّ والمؤمنين ، وقرأ الآخرون بالياء خبر عن المنافقين المذكورين. (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) يبتلون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) ، بالأمراض والشدائد. وقال مجاهد : بالقحط والشدّة. وقال قتادة : بالغزو والجهاد. وقال مقاتل بن حيان : يفضحون بإظهار نفاقهم. وقال عكرمة : ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون. وقال يمان [بن رباب](٤) : ينقضون عهدهم في السنة مرّة أو مرتين. (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) ، من نقض العهد ولا يرجعون إلى الله من النفاق ، (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، أي : ولا يتّعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) ، فيها عيب المنافقين وتوبيخهم ، (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) ، يريدون الهرب يقول بعضهم لبعض إشارة ، (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) ، أي : أحد من المؤمنين ، إن قمتم فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد وإن علموا أن أحدا يراهم أقاموا وثبتوا ، (ثُمَّ انْصَرَفُوا) ، عن الإيمان بها. وقيل : انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها ، (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، عن الإيمان. قال أبو إسحاق الزجاج : أضلّهم الله مجازاة على فعلهم ذلك ، (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ، عن الله دينه. قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تقولوا إذا صليتم : انصرفنا من الصلاة فإنّ قوما انصرفوا فصرف (٥) الله قلوبهم ، ولكن قولوا قد قضينا الصّلاة.

قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، تعرفون نسبه وحسبه ، قال السدي : من

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «لمعة» والمثبت عن المخطوط وفي «غريب الحديث» : اللّمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض. وفي «القاموس» النكتة السوداء في القلب.

(٣) في المطبوع «لمعة».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «صرف».

٤٠٧

العرب من بني إسماعيل. قال ابن عباس : ليس من العرب قبيلة إلّا وقد ولدت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله فيهم نسب. وقال جعفر بن محمد الصادق : لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية من زمان آدم عليه‌السلام.

[١١٤٥] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا محمد بن أحمد بن إبراهيم (١) الثعلبي أنا عبد الله بن حامد حدثنا حامد بن محمد أنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن أبي نعيم حدثنا هشيم حدثني المدني (٢) يعني أبا معشر عن أبي الحويرث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام».

وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن «من أنفسكم» بفتح الفاء ، أي : من أشرفكم وأفضلكم. (عَزِيزٌ عَلَيْهِ) ، شديد عليه ، (ما عَنِتُّمْ) ، قيل : (ما) صلة ، أي : عنتكم ، وهو دخول المشقّة والمضرّة عليكم. وقال القتيبي : ما أعنتكم وضرّكم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما ضللتم. وقال الضحاك والكلبي : ما أتممتم. (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ، أي : على إيمانكم وصلاحكم. وقال قتادة : حريص عليكم أي على ضالّكم أن يهديه الله ، (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، قيل : رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا) ، إن أعرضوا عن الإيمان وناصبوك ، (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

روي عن أبي بن كعب قال : آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) إلى آخر السورة ، وقال : هما أحدث الآيات بالله عهدا.

__________________

الخلاصة : هو حديث ضعيف جدا ، والصحيح موقوف ، ومعناه صحيح.

[١١٤٥] ـ إسناده ضعيف ، لضعف أبي معشر وأبي الحويرث. لكن للحديث شواهد بمعناه ، وستأتي.

أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي ، أبو الحويرث هو عبد الرحمن بن معاوية.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٠٨١٢ عن علي بن عبد العزيز بهذا الإسناد.

وأخرجه البيهقي (٧ / ١٩٠) من طريق محمد بن أبي نعيم الواسطي به.

وورد من وجه آخر من حديث ابن عباس بمعناه ولفظه «خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح».

أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (١ / ٥١) وفي إسناده الواقدي وأبو بكر بن أبي سبرة وكلاهما متروك. فهذا الطريق ليس بشيء.

وله شاهد من حديث علي أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٤٧٢٥ والرامهرمزي في «المحدث الفاضل» ٥٦٢ والجرجاني السهمي في «تاريخ جرجان» ص ٣١٨ ، ٣١٩ وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١ / ٢٦٧).

وقال الهيثمي في «المجمع» (٨ / ٢١٤) (١٣٨٢٠) : وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي صحح له الحاكم في «المستدرك» وقد تكلم فيه ، وبقية رجاله ثقات اه.

وله شاهد آخر من حديث عائشة أخرجه ابن سعد (١ / ٥١).

له شاهد من مرسل جعفر بن محمد أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ١١٤٧ و ١١٤٨ والطبري ١٧٥١٨ و ١٧٥١٩.

__________________

(١) في المطبوع «أحمد بن محمد بن إبراهيم أنا الثعلبي».

(٢) في المخطوط «المزني».

٤٠٨

سورة يونس

سورة يونس عليه الصّلاة والسّلام مكيّة إلا ثلاث آيات من قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [٩٤ ـ ٩٦] ، إلى آخرها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١))

(الر) و (المر) [الرعد : ١] ، قرأ أهل الحجاز والشام وحفص بفتح الراء وقرأ الآخرون بالإمالة ، قال ابن عباس والضحاك : (الر) أنا الله أرى ، و (المر) أنا الله أعلم وأرى. وقال سعيد بن جبير (الر) و (حم (١)) و (ن) حروف اسم الرحمن ، وقد سبق الكلام في حرف التهجي. (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ، أي : هذا وأراد بالكتاب الحكيم القرآن. وقيل : أراد بها الآيات التي أنزلها من قبل ذلك (١) ، ولذلك قال : (تِلْكَ) ، وتلك إشارة إلى غائب مؤنّث والحكيم المحكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، فعيل بمعنى مفعل بدليل قوله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] ، وقيل : هو بمعنى الحاكم ، فعيل بمعنى فاعل دليله قوله عزوجل : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) [البقرة : ٢١٣] ، وقيل : هو بمعنى المحكوم ، فعيل بمعنى المفعول. قال الحسن : حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وبالنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنّة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه.

(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))

قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) ، العجب (٢) حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة. وسبب نزول الآية أن الله عزوجل لما بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا ، قال المشركون : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا. فقال تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ) ، يعني : أهل مكة ، والألف فيه للتوبيخ (عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ، أي : أعلمهم مع التخويف ، (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، واختلفوا فيه ، قال ابن عباس : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم. قال الضحاك : ثواب صدق. وقال الحسن : عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه. وروى علي بن أبي طلحة

__________________

(١) في المخطوط «من قبلك».

(٢) في المخطوط «التعجب».

٤٠٩

عن ابن عباس أنّه قال : هو السعادة في الذكر الأوّل. وقال زيد بن أسلم : هو شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال عطاء : مقام صدق لا زوال ولا بؤس فيه. وقيل : منزلة رفيعة. وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته ، كقولهم : مسجد الجامع ، وحب الحصيد ، وقال أبو عبيدة : كل سابق في خير أو شرّ فهو عند العرب قدم يقال لفلان قدم في الإسلام ، وله عندي قدم صدق وقدم سوء ، وهو يؤنّث فيقال : قدم صالحة. (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) ، قرأ نافع وأهل البصرة والشام : «لسحر» بغير ألف يعنون القرآن ، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة : «لساحر» بالألف ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله عزوجل : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، يقضيه وحده ، (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) ، معناه أن الشفعاء لا يشفعون إلا بإذنه ، وهذا ردّ على النضر بن الحارث فإنه كان يقول : إذا كان يوم القيامة تشفع عني (١) اللات والعزّى. قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) ، يعني : الذي فعل هذه الأشياء ربكم لا ربّ لكم سواه ، (فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ، تتّعظون.

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) ، صدقا لا خلف فيه. نصب على المصدر ، أي : وعدكم وعدا حقا (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، أي : يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم ، قراءة العامة : (إِنَّهُ) بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ أبو جعفر «أنه» بالفتح على معنى بأنه أو لأنه ، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) ، بالعدل ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) ، ماء حارّ انتهى حرّه (٢) ، (وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧))

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ، بالنهار ، (وَالْقَمَرَ نُوراً) ، بالليل. وقيل : جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور ، (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) ، أي : قدّر له يعني هيّأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها ، ولم يقل : قدرهما. قيل : تقدير المنازل ينصرف إليهما غير أنه اكتفى بذكر أحدهما ، كما قال : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢]. وقيل : هو ينصرف إلى القمر خاصة لأن بالقمر يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس ، ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلا وأسماؤها : الشرطين والبطين والثريا والدبران ، والهقعة والهنعة والذراع والنسر (٣) ، والطرف (٤) والجبهة والزبرة والصرفة والعواء ، والسماك والغفر والزباني (٥) والإكليل والقلب ، والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع ، وسعد السعود وسعد الأخبية ، وفرع (٦) الدلو المقدم وفرع (٧) الدلو المؤخر ، وبطن الحوت ، وهذه المنازل مقسومة على

__________________

(١) في المطبوع «تشفعني».

(٢) العبارة في المخطوط «ماء حارّ حرّ شديد».

(٣) في المخطوط «النثرة».

(٤) في المطبوع «الطوف».

(٥) في المخطوط «الزيانان».

(٦) في المطبوع «فرغ» والمثبت عن المخطوط.

(٧) في المطبوع «فرغ».

٤١٠

البروج ، وهي اثنا عشر برجا : الحمل والثور والجوزاء ، والسرطان (١) والأسد والسنبلة ، والميزان والعقرب والقوس ، والجدي والدلو والحوت ، فلكل برج منزلان وثلث منزل ، فينزل القمر كل ليلة منزلا منها ، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وإن كان [الشهر](٢) تسعا وعشرين فليلة واحدة ، فيكون [انقضاء الشهر بنزول](٣) تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يوما وثلث يوم ، فيكون انقضاء السنة من انقضائها. قوله تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) ، أي : قدر المنازل. (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) دخولها وانقضاءها ، (وَالْحِسابَ) ، يعني : حساب الشهور والأيام والساعات. (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) ، ردّه إلى الخلق والتقدير ولو لا ردّه إلى الأعيان المذكورة لقال تلك ، (إِلَّا بِالْحَقِ) ، أي : لم يخلقه باطلا بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته. (يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو و [أبو جعفر](٤) وحفص ويعقوب : (يُفَصِّلُ) بالياء ، لقوله : (ما خَلَقَ) ، وقرأ الباقون : «نفصل» بالنون على التعظيم.

(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)) ، يؤمنون.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ، أي : لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا ، والرجاء يكون بمعنى (٥) الخوف والطمع ، (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ، فاختاروها وعملوا لها (٦) ، (وَاطْمَأَنُّوا بِها) ، وسكنوا إليها.

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) ، أي : عن أدلّتنا لا يعتبرون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عن آياتنا [أي](٧) عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن غافلون معرضون.

(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١))

(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)) ، من الكفر والتكذيب.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) ، فيه إضمار ، أي : يرشدهم ربهم بإيمانهم إلى جنات ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) ، وقال مجاهد : يهديهم على الصراط إلى الجنّة يجعل لهم نورا يمشون به. وقيل : يهديهم معناه يثيبهم ويجزيهم. وقيل : معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه ، أي : بتصديقهم هداهم تجري من تحتهم الأنهار ، أي : بين أيديهم ؛ كقوله عزوجل : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤] ، لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه ، بل أراد بين يديها. وقيل : تجري من تحتهم أي : بأمرهم ، (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

(دَعْواهُمْ) ، أي : قولهم وكلامهم. وقيل : دعاؤهم. (فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) ، وهي كلمة تنزيه ، تنزّه الله من كل سوء.

__________________

(١) في المخطوط «الصرطان».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «مع».

(٦) في المطبوع «وعملوها» والمثبت عن المخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط.

٤١١

وروينا : «أن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح ، كما يلهمون النّفس».

قال أهل التفسير : هذه الكلمة علامة بين أهل الجنّة والخدم في الطعام فإذا أرادوا الطعام قالوا : سبحانك اللهمّ فأتوهم في الوقت بما يشتهون على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، على كل مائدة سبعون ألف صحفة ، وفي كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله ، فذلك قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). قوله تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ، أي : يحيّي بعضهم بعضا بالسلام. وقيل : تحية الملائكة لهم بالسلام. وقيل : تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، يريد يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد.

قوله عزوجل : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) ، قال ابن عباس : هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده : لعنكم الله ولا بارك الله فيكم. قال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب. معناه : لو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر والمكروه (١) استعجالهم بالخير ، أي : كما يحبون استعجالهم بالخير ، (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ، قرأ ابن عامر ويعقوب : (لَقُضِيَ) بفتح القاف والضاد ، (أَجَلُهُمْ) نصب ، أي : لأهلك من دعى عليه وأماته (٢). وقال الآخرون : (لَقُضِيَ) بضم القاف وكسر الضاد (أَجَلُهُمْ) رفع ، أي : لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعا. وقيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث حين قال : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، يدلّ عليه قوله عزوجل : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ، لا يخافون البعث والحساب ، (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).

[١١٤٦] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ إنّي اتخذت عندك عهدا لن تخلفه (٣) إنما أنا بشر (٤) ، فأيّ المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها يوم القيامة».

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ

__________________

[١١٤٦] ـ صحيح ، إسناده صحيح أحمد بن منصور ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد.

وهو في «شرح السنة» ١٢٣٢ بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (٢ / ٣١٦ ، ٣١٧) وابن حبان ٦٥١٦ من طريق عبد الرزاق به.

وورد من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بمعناه أخرجه البخاري ٦٣٦١ ومسلم ٢٦٠١ وابن حبان ٦٥١٦.

وأخرجه مسلم ٦٣٦١ وأحمد (٢ / ٤٤٩ و ٤٩٣ و ٤٩٦) من طرق عن أبي هريرة بنحوه.

__________________

(١) في المطبوع «الكروه» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «فلأماته».

(٣) في المطبوع «تخلفينه» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) زيد في المطبوع «فيصدر مني ما يصدر من البشر».

٤١٢

كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤))

قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) ، الجهد والشدّة ، (دَعانا لِجَنْبِهِ) ، أي : على جنبه مضطجعا ، (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) ، يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات. (فَلَمَّا كَشَفْنا) ، رفعنا (عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) ، أي : استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضرّ ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا [إلى ضرّ مسّه ، أي](١) : لم يطلب منا كشف ضرّ مسّه (٢) ، (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) ، المجاوزين الحدّ في الكفر والمعصية ، (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، من العصيان. قال ابن جريج : كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون من الدعاء عند البلاء وترك الشكر عند الرخاء. وقيل : معناه كما زيّن لكم أعمالكم كذلك زيّن للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) أشركوا ، (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ) ، أي : كما أهلكناهم بكفرهم ، (نَجْزِي) ، نعاقب ونهلك ، (الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) ، الكافرين بتكذيبهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يخوّف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية المكذبة.

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ) ، أي : خلفاء ، (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، وهو أعلم بهم.

[١١٤٧] وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «ألا إنّ هذه الدنيا حلوة خضرة وإنّ الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون».

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))

قوله عزوجل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ، قال قتادة : يعني مشركي مكّة. وقال مقاتل : هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن وائل (٣) بن هشام. (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) ، [هم السابقون

__________________

[١١٤٧] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٤٢ وأحمد (٣ / ٣٥ و ٦٤) من رواية أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري به وصدره : «إن الدنيا حلوة خضرة ...».

وأخرجه الترمذي ٢١٩٢ وابن ماجه ٢٨٧٣ و ٤٠٠٠ و ٤٠٠٧ وأحمد (٣ / ١٩ و ٧٠) وأبو يعلى ١١٠١ من رواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مطوّلا.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٢) في المخطوط «كشف ضرّه».

(٣) في المطبوع «عامر» بدل «وائل».

٤١٣

ذكرهم](١) قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كنت تريد أن نؤمن بك (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) ، ليس فيه ترك عبادة اللّات والعزّى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزلها الله فقل أنت من عند نفسك ، (أَوْ بَدِّلْهُ) ، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حراما حلالا أو مكان حلالا حراما ، (قُلْ) لهم يا محمد : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ، من قبل نفسي (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ، [أي : ما أتبع إلّا ما يوحى إليّ](٢) فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) ، يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليّ ، (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) ، أي : ولا أعلمكم الله. وقرأ البزي عن ابن كثير : «ولأدراكم به» ، بالقصر به على الإيجاب (٣) ، يريد ولا علّمكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس : «ولا أنذرتكم به» ، من الإنذار. (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) ، حينا وهو أربعون سنة ، (مِنْ قَبْلِهِ) ، من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، أنه ليس من قبلي ، ولبث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، وروى أنس : أنه أقام بمكة بعد الوحي عشر سنين وبالمدينة عشر سنين ، وتوفي وهو ابن ستّين سنة ، والأول أشهر وأظهر.

قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، فزعم أن له شريكا أو ولدا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) ، بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالقرآن ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ، لا ينجو المشركون.

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) ، إن عصوه وتركوا عبادته ، (وَلا يَنْفَعُهُمْ) ، إن عبدوهم (٤) ، يعني : الأصنام ، (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) ، أتخبرون الله ، (بِما لا يَعْلَمُ) ، الله صحته ، ومعنى الآية : أتخبرون الله أن له شريكا وعنده شفيعا بغير إذنه ولا يعلم الله لنفسه شريكا ، (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي : تشركون بالتاء هاهنا وفي سورة النحل [١ ـ ٣] موضعين ، وفي سورة الروم [٣٣] ، وقرأ الآخرون كلها بالياء.

قوله تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) ، أي : على الإسلام [فاختلفوا](٥). وقد ذكرنا الاختلاف في سورة البقرة. (فَاخْتَلَفُوا) ، وتفرّقوا إلى مؤمن كافر ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ، بأن جعل لكل أمّة أجلا. وقال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في

__________________

(١) زيد في المطبوع وط.

(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وط.

(٣) في المطبوع «الإنجاب» والمثبت عن المطبوع وط.

(٤) في المطبوع «عبدوه» والمثبت عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٤١٤

الدنيا ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، بنزول العذاب وتعجيل العقوبة للمكذّبين ، وكان ذلك فصلا بينهم ، (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، وقال الحسن : ولو لا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه ، أنه يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون [يوم](١) القيامة ، لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنّة والكافر النار ، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.

(وَيَقُولُونَ) ، يعني : أهل مكّة ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) ، أي : على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، على ما نقترحه ، (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ، يعني : قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله ، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلّا هو. وقيل : الغيب نزول (٢) الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره ، (فَانْتَظِرُوا) نزولها ، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ، وقيل : فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل.

قوله عزوجل : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) ، يعني : الكفار ، (رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) ، أي : راحة ورخاء من بعد شدّة وبلاء. وقيل : القطر بعد القحط ، (مَسَّتْهُمْ) ، أي : أصابتهم ، (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) ، قال مجاهد : تكذيب واستهزاء ، وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون هذا من رزق الله إنما يقولون سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)) [الواقعة : ٨٢]. (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) ، [أي :] أعجل عقوبة وأشدّ أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في رفع (٣) الحق ، (إِنَّ رُسُلَنا) ، حفظتنا ، (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) ، وقرأ [روح عن](٤) يعقوب : يمكرون بالياء.

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) ، يجريكم ويحملكم ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر : «ينشركم» بالنون والشين من النشر وهو البسط (٥) والبث ، (فِي الْبَرِّ) ، على ظهور الدواب ، (وَ في (وَالْبَحْرِ) ، على الفلك ، (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) ، أي : في السفن ، تكون واحدا وجمعا (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ، يعني : جرت السفن بالناس ، رجع من الخطاب إلى الخبر (٦) ، (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ليّنة ، (وَفَرِحُوا بِها) ، أي : بالريح ، (جاءَتْها رِيحٌ) ، أي : جاءت الفلك ريح ، (عاصِفٌ) ، شديدة الهبوب ، ولم يقل ريح عاصفة (٧) ، لاختصاص الريح بالعصوف. وقيل : الريح يذكّر ويؤنث. (وَجاءَهُمُ) ، يعني : ركبان السفينة ، (الْمَوْجُ) ، وهو حركة الماء واختلاطه ، (مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا) ، أيقنوا (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) ، دنوا من الهلكة ، أي : أحاط (٨) بهم الهلاك (٩) ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «بنزول».

(٣) في المطبوع «دفع» والمثبت عن المخطوط.

(٤) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.

(٥) في المطبوع «البسيط» والمثبت عن المخطوط وط.

(٦) في المطبوع «الغيبة» والمثبت عن المخطوط وط.

(٧) في المخطوط «شديد ولم يقل عاصفات».

(٨) في المخطوط «أحاطت».

(٩) في المخطوط «الهلكات».

٤١٥

يدعوا أحدا سوى الله ، وقالوا : (لَئِنْ أَنْجانا) ، يا ربنا ، (مِنْ هذِهِ) ، الريح العاصف ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، لك بالإيمان والطاعة.

(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) ، يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عزوجل في الأرض ، (بِغَيْرِ الْحَقِ) ، [بالفساد](١) أي : بالقتال ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، أي : هذا متاع الحياة الدنيا ، خبر ابتداء (٢) مضمر ؛ كقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) [الأحقاف : ٣٥] ، هذا بلاغ. وقيل : هو كلام متصل ، والبغي ابتداء ومتاع خبره ، ومعناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله. وقرأ حفص متاع بالنصب ، أي : تتمتعون متاع الحياة الدنيا ، (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))

قوله عزوجل : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، في فنائها وزوالها ، (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) ، أي : بالمطر ، (نَباتُ الْأَرْضِ) ، قال ابن عباس : نبت بالماء من كل لون ، (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) ، من الحبوب والثمار ، (وَالْأَنْعامُ) ، من الحشيش ، (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) ، حسنها وبهجتها وظهر الزهر أخضر [وأحمر وأصفر وأبيض](٣) ، (وَازَّيَّنَتْ) ، أي : تزيّنت ، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود : تزيّنت.

(وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) ، على جذاذها ، وقطافها وحصادها ، ردّ الكناية إلى الأرض. والمراد : النبات إذ كان مفهوما ، وقيل : ردّها إلى الغلّة. وقيل : إلى الزينة. (أَتاها أَمْرُنا) ، قضاؤنا بإهلاكها ، (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً) ، أي : محصودة مقطوعة ، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) ، كأن لم تكن بالأمس ، وأصله من غني بالمكان إذا أقام به. وقال قتادة : معناه إن المتشبّث بالدنيا يأتيه أمر الله وعذابه أغفل ما يكون ، (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ، قال قتادة : السلام هو الله وداره الجنّة. وقيل : السلام بمعنى السلامة ، سمّيت الجنّة دار السلام لأنّ من دخلها سلم من الآفات. وقيل : المراد بالسلام التحيّة سمّيت الجنّة دار السلام ، لأنّ أهلها يحيّي بعضهم بعضا بالسلام والملائكة تسلّم عليهم. قال الله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤].

[١١٤٨] وروينا عن جابر قال : جاءت ملائكة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو نائم فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم إنّ العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : مثله كمثل

__________________

[١١٤٨] ـ تقدم في سورة آل عمران آية : ٣٢.

__________________

(١) زيادة عن ط والمخطوط.

(٢) في المخطوط «المبتدأ».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٤١٦

رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة (١) ، فقالوا : أوّلوها له يفقهها ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنّة والداعي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس.

(وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، فالصراط المستقيم هو الإسلام عمّ بالدعوة لإظهار الحجّة ، وخصّ بالهداية استغناء عن الخلق.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨))

قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ، أي : للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنّة وزيادة وهي النظر إلى وجه الله الكريم ، وهذا قول جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وحذيفة وأبو موسى وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم ، وهو قول الحسن وعكرمة وعطاء ومقاتل والضحاك والسدي.

[١١٤٩] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن [محمد بن](٢) العباس الحميدي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن [عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم إملاء حدثنا أبو بكر محمد بن](٣) إسحاق الصنعاني حدثنا الأسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت يعني البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه قال :

قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ، قال : «إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار نادى مناد : يا أهل الجنة إنّ لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ما هذا الموعد؟ ألم يثقّل موازيننا ويبيّض وجوهنا ويدخلنا الجنّة ويجرنا من النّار؟ قال : فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عزوجل ، قال : فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إليه».

وروي عن ابن عباس : أنّ الحسنى هي : أنّ الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشرة أمثالها إلى

__________________

[١١٤٩] ـ صحيح. إسناده صحيح الأسود فمن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى حماد بن سلمة فإنه من رجال مسلم.

ثابت هو ابن أسلم.

وهو في «شرح السنة» ٤٢٨٩ بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ١٨١ والترمذي ٢٥٥٢ و ٣١٠٥ وابن ماجه ١٨٧ وأحمد (٤ / ٣٣٢ و ٣٣٣) والطيالسي ١٣١٥ وأبو عوانة (١ / ١٥٦) وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٧٢ والآجري في «التصديق بالنظر» ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ وابن حبان ٧٤٤١ وابن مندة ٧٨٢ و ٧٨٤ و ٨٧٥ و ٧٨٦ واللالكائي «أصول الاعتقاد» ٧٧٨ و ٨٣٣ والبيهقي في «البعث والنشور» ٤٤٦ وفي «الاعتقاد» ص ١٢٤ من طرق عن حماد بن سلمة به.

__________________

(١) في المخطوط «المائدة».

(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.

٤١٧

سبعمائة ضعف. وقال مجاهد : الحسنى : حسنة مثل حسنة ، والزيادة المغفرة والرضوان. (وَلا يَرْهَقُ) ، لا يغشى (وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) ، غبار ، جمع قترة. وقال ابن عباس وقتادة : سواد الوجه (١) ، (وَلا ذِلَّةٌ) ، هوان قال قتادة : كآبة. قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم. (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) ، أي : لهم مثلها ، كما قال : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام : ١٦٠]. (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) ، و (مِنَ) صلة ، أي : ما لهم من الله عاصم ، (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ) ، ألبست ، (وُجُوهُهُمْ قِطَعاً) ، جمع قطعة ، (مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) ، نصبه (٢) على الحال دون النعت ، ولذلك لم يقل : مظلمة ، تقديره : قطعا من الليل في حال ظلمته أو قطعا من الليل المظلم. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب : (قِطَعاً) ساكنة الطاء ، أي بعضا ؛ كقوله : (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ٨١]. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) ، أي : الزموا مكانكم ، (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) ، يعني : الأوثان ، معناه : ثم نقول للذين أشركوا الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ولا تبرحوا. (فَزَيَّلْنا) ميّزنا وفرّقنا (بَيْنَهُمْ) ، أي : بين المشركين وشركائهم وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا وذلك حين يتبرّأ كل معبود من دون الله ممن عبده ، (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) ، يعني : الأصنام ، (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) ، بطلبتنا فيقولون : بلى كنّا نعبدكم ، فتقول الأصنام :

(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢))

(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩)) ، أي : ما كنّا عن عبادتكم إيّانا إلا غافلين ، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.

قال الله تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا) ، أي تختبر. وقيل : معناه تعلم وتقف عليه (٣). وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : «تتلو» بتاءين أي تقرأ ، (كُلُّ نَفْسٍ) ، صحيفتها. وقيل : معناه تتبع كل نفس ، (ما أَسْلَفَتْ) ، ما قدّمت من خير أو شر. وقيل : معناه تعاين ، (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) ، إلى حكمه فيتفرّد فيهم بالحكم ، (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) ، الذي يتولّى ويملك أمرهم (٤) ، فإن قيل : أليس قد قال : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)؟ قيل : المولى هناك بمعنى (٥) الناصر ، وهاهنا بمعنى المالك ، (وَضَلَّ عَنْهُمْ) ، زال عنهم وبطل ، (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ، في الدنيا من التكذيب.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، أي : من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات ، (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) ، أي : من إعطائكم السمع والأبصار ، (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) ، يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي ، (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، أي : [من] يقضي الأمر ،

__________________

(١) في المخطوط «الوجوه».

(٢) في المطبوع «ننصبه».

(٣) في المخطوط «يقف عليها».

(٤) العبارة في المخطوط «الذي يتولى أمرهم ويملكه».

(٥) في المطبوع «هو».

٤١٨

(فَسَيَقُولُونَ اللهُ) ، هو الذي يفعل هذه الأشياء ، (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) ، أفلا تخافون عقابه في شرككم.

وقيل : أفلا تتّقون الشرك مع هذا الإقرار.

(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ) ، الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم ، (الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ، أي : فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرّون به.

(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥))

(كَذلِكَ) ، قال الكلبي : هكذا ، (حَقَّتْ) ، وجبت ، (كَلِمَةُ رَبِّكَ) ، حكمه السابق ، (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) ، كفروا ، (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر : كلمات ربّك بالجمع هاهنا موضعين وفي [حم](١) المؤمن [٦] ، والآخرون على التوحيد.

قوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) ، أوثانكم (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ، ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال ، (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، ثم يحييه من [بعد](٢) الموت كهيئته ، فإن أجابوك وإلا ف (قُلْ) أنت ، (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ، أي : تصرفون عن قصد (٣) السبيل.

(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي) ، [أي](٤) : يرشد ، (إِلَى الْحَقِ) ، فإذا قالوا لا ، ولا بدّ لهم من ذلك ، (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) ، أي : إلى الحق ، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) ، قرأ حمزة والكسائي ساكنة الهاء ، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون بتشديد الدال ثم قرأ أبو جعفر وقالون بسكون الهاء ، وأبو عمرو يروم الهاء بين الفتح والسكون ، وقرأ حفص بفتح الياء وكسر الهاء (٥) ، وأبو بكر بكسرهما ، والباقون بفتحهما ، ومعناه : يهدي في جميعها. فمن خفّف (٦) الدال قال : يقال هديته فهدى ، أي : اهتدى ، ومن شدّد الدال أدغم التاء في الدال ، ثم أبو عمرو يروم على مذهبه في إيثار (٧) التخفيف ، ومن سكّن الهاء تركها على حالتها كما فعل في (تعدوا) و (يخصمون) ، ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء (٨) المدغمة (١) إلى الهاء ، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، وقال : الجزم يحرّك إلى الكسر ، ومن كسر الياء مع الهاء أتبع الكسرة إلى الكسرة. قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتّباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى. فإن قيل : كيف قال : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، والصنم لا يتصوّر أن يهتدي ولا أن يهدى؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، بيّن به عجز الأصنام. وجواب آخر وهو : أن ذكر الهداية على وجه المجاز [يحرك إلى الكسر](٩) ، وذلك أن المشركين لمّا اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبّر عنها

__________________

(١) التاء المدغمة في أصل الكلمة «يهتدي».

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «قصف» والمثبت عن المخطوط وط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «التاء» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٦) في المطبوع «خالف» والمثبت عن المخطوط وط.

(٧) في المخطوط «إثبات».

(٨) في المطبوع «الهاء» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٩) زيادة عن المخطوط.

٤١٩

بما يعبّر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل ، (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ، كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا.

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))

قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) ، منهم يقولون : إن الأصنام آلهة وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر جميع من يقول ذلك ، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ، أي : لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا وقيل : [لا](١) يقوم مقام العلم ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).

قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) ، قال الفراء : معناه وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ؛ كقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) [آل عمران : ١٦١] ، وقيل : (أَنْ) بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى من دون الله. قوله : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أي : بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل. وقيل : تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث ، (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) ، تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

(أَمْ يَقُولُونَ) ، وقال أبو عبيدة : (أَمْ) بمعنى الواو ، أي : ويقولون : (افْتَراهُ) ، اختلق محمد القرآن من قبل نفسه ، (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ، شبه القرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ، ممن تعبدون ، (مِنْ دُونِ اللهِ) ليعينوكم على ذلك ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أن محمدا افتراه ، ثم قال :

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) ، يعني : القرآن ، كذّبوا به ولم يحيطوا بعلمه ، (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ، أي : عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يؤول إليه أمرهم من العقوبة ، يريد أنهم لم يعلموا ما يؤول إليه عاقبة أمرهم. (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : كما كذّب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذّب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ، آخر أمر المشركين بالهلاك.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) ، أي : من قومك من يؤمن (٢) بالقرآن ، (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) ، لعلم الله السابق فيهم ، (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) ، الذين لا يؤمنون.

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥))

__________________

(١) زيادة عن المطبوع.

(٢) في المخطوط «سيؤمن».

٤٢٠