القول في سورة الحاقة
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١٣) [الحاقة : ١٣] هذه نفخة البعث في وقتها الخاص ، بدليل تنزيل الملائكة وظهور عرش الرحمن ـ جل جلاله ـ وإلا فقد سبق أن النفخات ثلاث : نفخة الفزع ، والصعق ، والبعث.
(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٧) [الحاقة : ١٧] هاهنا اسم جنس ، والحملة : يومئذ ثمانية وقبله أربعة كما ورد ، ويستدل به على أن العرش السرير لا الملك لاستغنائه عن حاصل ، ولا تظنن أن الله ـ عزوجل ـ يحتاج إلى من يحمله ، بل الله ـ عزوجل ـ يحمل بقدرته العرض وحملته ، وإنما حملهم للعرض كأنه على جهة التعبد والخدمة والتعظيم ، على أن / [٢٠٨ أ / م] إنما تضمنت حملهم للعرش لا للرب عزوجل ، فيحتاج إلى إثبات أن الرب ـ عزوجل ـ حينئذ فوق العرش بذاته ، حتى يلزم أنه محمول بواسطة حمل العرش ، لكن ذلك محمل نزاع قد سبق غير مرة.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١٩) [الحاقة : ١٩] الآيات فيها إثبات أخذ الكتب باليمين والشمال وهو علامة الفوز ، والهلاك.
وفيها إثبات العرض والحساب على العموم ، وحساب الكفار على الخصوص ، خلافا لأكثر الحنابلة في أنهم لا يحاسبون.
لنا : قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢٥) [الحاقة : ٢٥] إلى : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) (٣٠) [الحاقة : ٣٠] إلى (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣٣) [الحاقة : ٣٣] وهو قاطع في حساب الكفار لقوله : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (٢٦) [الحاقة : ٢٥ ـ ٢٦] وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٣) [الإسراء : ١٣] إلى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) [الإسراء : ١٤] وكذلك : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩)