قرب الإسناد

أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري

قرب الإسناد

المؤلف:

أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٩

المقال فاطلق فرسه. فانطلق فوفى وما انثنى بعد ذلك (١).

ومن ذلك : ان عامربن الطفيل وأربد بن قيس اتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عامر لاربد : إذا أتيناه فأنا اُشاغله عند فاعله بالسيف ، فلما دخلا عليه قال عامر : يا محمد حال (٢). قال : لا ، حتى تقول اشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله. وهو ينظر إلى أربد وأربد لا يحير شيئاً.

فلما طال ذلك نهض وخرج وقال لأربد : ما كان أحد على وجه الأرض أخوف على نفسي فتكاً منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم ، فقال له أربد : لا تعجل ، فإني ما هممت بما أمرتني به إلّا ودخلت الرجال بيني وبينك ، حتى ما ابصر غيرك ، فأضر بك (٣)؟!

ومن ذلك : أن اربد بن قيس والنضر بن الحارث اجتمعا على أن يسألاه عن الغيوب فدخلا عليه ، فأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على اربد فقال : يا اربد ، اتذكر ما جئت له يوم كذا ومعك عامر بن الطفيل؟ فاخبره بما كان فيهما ، فقال اربد : والله ماحضرني وعامرا أحد ، وما أخبرك بهذا إلّا ملك من السماء ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله (٤).

ومن ذلك : أن نفراً من اليهود اتوه ، فقالوا لأبي الحسن جدي : استأذن لنا على ابن عمك نسأله ، فدخل علي عليه‌السلام فأعلمه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومايريدون مني؟ فإني عبد من عبيد الله ، لا أعلم إلّا ما علمني ربي ، ثم

__________________

(١) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ٢٣| ١ ، وابن شهرآشوب في المناقب ١ : ٧١ ، والطبرسي في اعلام الورى : ٥٠ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٧٧| ١.

(٢) كذا ، وفي هامش « م » ، « هـ » : حائر.

(٣) نقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٢٨| ١.

(٤) نقله المجلسي في بحاره ٧ ١ : ٢٢٨| ١.

٣٢١

قال : ائذن لهم فدخلوا عليه فقال : أتسالوني عما جئتم له أم اُنبئكم؟ قالوا : نبئنا ، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، قال : كان غلاماً من أهل الروم ثم ملك ، وأتى مطلع الشمس ومغربها ، ثم بنى السد فيها. قالوا : نشهد أن هذا كذا (١).

ومن ذلك : أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال : لا أدع من البر والإثم شيئاً إلا سألته عنه ، فلما أتاه قال له بعض اصحابه : إليك يا وابصة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادنه يا وابصة ، فدنوت.

فقال : أتسال عما جئت له أو اُخبرك؟ قال : اخبرني.

قال : جئت تسأل عن البر والإثم. قال : نعم. فضرب بيده على صدره ، ثم قال : يا وابصة البر ما أطمأن به الصدر والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك (٢).

ومن ذلك : أنه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه ، فلما أدركوا حاجتهم عنده قال : ائتوني بتمر اهلكم مما معكم ، فأتاه كل رجل منهم بنوع منه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا يسمى كذا ، وهذا يسمى كذا ، فقالوا : أنت أعلم بتمر أرضنا ، فوصف لهم أرضهم ، فقالوا : أدخلتها؟ قال : لا ، ولكن فصح لي فنظرت إليها.

فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ، هذا خالي وبه خبل ، فاخذ بردائه ثم قال : اخرج عدو الله ـ ثلاثاً ـ ثم أرسله ، فبرأ. وأتوه بشاة هرمة ، فأخذ احد اذنيها بين اصابعه ، فصار ميسماً ، ثم قال : خذوها فان هذا السمة في آذان ما تلد إلى يوم

__________________

(١) نقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٢٨| ١.

(٢) اورد احمد في مسنده ٤ : ٢٢٨ ، والبيهقي في دلائل النبوة ٦ : ٢٩٢ نحوه ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٦| ١٧٤ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٢٩| ١.

٣٢٢

القيامة. فهي توالد وتلد في آذانها معروفة غير مجهولة (١).

ومن ذلك : انه كان في سفر ، فمر على بعير قد أعيى ، وقام منزلاً على أصحابه ، فدعا بماء فتمضمض منه في إناء وتوضأ وقال : افتح فاه فصب في فيه. فمرذْلك الماء على رأسه وحاركه (٢) ، ثم قال : اللهم احمل خلاداً وعامراً ورفيقيهما ـ وهما صاحبا الجمل ـ فركبوه وإنه ليهتز بهم لم أمام الخيل (٣).

ومن ذلك : أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر كانت فيه فقال صاحبها : لو كان نبياً لعلم امر (٤) الناقة. فبلغ ذلك النبي عليه‌السلام فقال : الغيب لا يعلمه الآ الله ، انطلق يا فلان فإن ناقتك بموضع كذا وكذا ، قد تعلق زمامها بشجرة ، فوجدها كما قال (٥).

ومن ذلك : أنه مر على بعير ساقط فتبصبص له ، فقال : إنه ليشكو شر ولاية اهله له ، يسأله أن يخرج عنهم ، فسأل عن صاحبه فأتاه ، فقال : بعه وأخرجه عنك ، فأناخ البعير يرغو ثم نهض وتبع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يسألني أن أتولى أمره. فباعه من علي عليه‌السلام ، فلم يزل عنده إلى أيام صفين (٦).

ومن ذلك : انه كان في مسجده ، إذ أقبل جمل نادّ حتى وضع راسه في حجره ، ثم خرخر فقال النبي عليه‌السلام يزعم هذا أن صاحبه يريد أن ينحره في وليمة

__________________

(١) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٧| ١٧٥ باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٢٩| ١.

(٢) الحارك : فروع الكتفين. الصحاح ـ حرك ـ ٤ : ١٥٧٩.

(٣) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٧| ١٧٦ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٢٩| ١.

(٤) في هامش « م » : اين.

(٥) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٨| ١٧٨ ، وروى نحوه الطبرسي في اعلام الورى : ٥٤ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٠| ١.

(٦) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٧| ١٧٧ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٠| ١.

٣٢٣

على ابنه فجاء يستغيث. فقال رجل : يا رسول الله ، هذا لفلان وقد أراد به ذلك. فأرسل إليه وسأله ان لا ينحره ، ففعل (١).

ومن ذلك : أنه دعا على مضر فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم كسنين يوسف. فأصابهم سنون ، فأتاه رجل فقال : فوالله ما أتيتك حتى لا يخطر لنا فحل ولا يتردد منا رائح.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمِ دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيتني ، اللهم فاسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً سريعاً طبقاً سجالاً عاجلاً غير ذائب (٢) نافعاً غير ضار فما قام حتى ملأ كل شيء ودام عليهم جمعة ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله انقطعت سبلنا وأسواقنا ، فقال النبي عليه‌السلام : حوالينا ولاعلينا. فانجابت السحابة عن المدينة وصار فيما حولها وامطروا شهرا (٣).

ومن ذلك : أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش ، فلما كان بحيال بحيراء الراهب نزلوا بفناء ديره ، وكان عالماً بالكتب ، وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به ، وعرف أوان ذلك ، فأمر فدعى إلى طعامه ، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها ، فقال : هل بقي في رحالكم أحد؟ فقالوا : غلام يتيم. فقام بحيراء الراهب فاطلع ، فإذا هو برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نائم وقد أظلته سحابة ، فقال للقوم : ادعوا هذا اليتيم ، ففعلوا وبحيراء مشرف عليه ، وهو يسير والسحابة قد أظلته ، فأخبر القوم بشأنه وأنه سيبعث فيهم رسولاً ويكون من حاله وأمره. فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويجلّونه.

__________________

(١) روى نحوه الصفار في بصائر الدرجات : ٣٦٨| ٥ ، وابن شهراشوب في المناقب ١ : ٩٦ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٠| ١.

(٢) كذا ، وفي « م » : راتب.

(٣) روى نحوه ابن شهر آشوب في. المناقب ١ : ٨٢ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٠| ١.

٣٢٤

فلما قدموا أخبروا قريشاً بذلك ، وكان عند خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه ، وهي سيدة نساء قريش ، وقد خطبها كل صنديد ورئيس قد أبتهم ، فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء (١).

ومن ذلك : انه كان بمكة ايام ألَّب عليه قومه وعشائره ، فأمر علياً أن يأمر خديجة ان تتخذ له طعاماً ففعلت ، ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبد المطلب ، فدعا أربعين رجلأ فقال : ] هات [ لهم طعاماً يا علي ، فأتاه بثريدة وطعام يأكله الثلاثة والأربعة فقدمه إليهم ، وقال : كلوا وسموا ، فسمى ولا يسمِّ القوم ، فأكلوا وصدروا شبعى.

فقال أبو جهل : جاد ما سحركم محمد ، يطعم من طعام ثلاث رجال أربعين رجلاً ، هذا والله هو السحر الذي لا بعده.

فقال علي عليه‌السلام : ثم أمرني بعد ايام فاتخذت له مثله ودعوتهم بأعيانهم فطعموا وصدروا (٢).

ومن ذلك : أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم وذرة بدرهم ، فأتيت به فاطمة عليها‌السلام حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت : لو دعوت أبي ، فأتيته وهو مضطجع وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً. فقلت له : يا رسول الله إن عندنا طعاماً ، فقام واتكأ عليَّ ومضينا نحو فاطمة عليها‌السلام ، فلما دخلنا قال : هلم طعامك يا فاطمة ، فقدمت اليه البرمة والقرص ، فغطى القرص وقال : اللهم بارك لنا في طعامنا. ثم قال : اغرفي لعائشة فغرفت ، ثم قال : اغرفي لام سلمة فغرفت ، فما زالت تغرف حتى

__________________

(١) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٣٨| ٢٢٤ ، والطبرسي في اعلام الورى : ٤٢ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣١| ١.

(٢) اورد نحوه الطوسي في أماليه ٢ : ١٩٤ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣١| ١.

٣٢٥

وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقاً. ثم قال : اغرفي لأبيك وبعلك ، ثم قال : اغرفي وكلي واهدي لجاراتك ، ففعلت وبقي عندهم أياماً يأكلون (١).

ومن ذلك : أن امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة ، ومع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأما النبي عليه‌السلام فلاكها ولفظها وقال : إنها لتخبرني انها مسمومة. وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرت ، وقال : ما حَمَلَك على ما فعلت؟ قالت : قتلت زوجي وأشراف قومي ، فقلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبياً فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك (٢).

ومن ذلك : أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص ، ورأيت النبي عليه‌السلام يحفر وبطنه خميص ، فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت : ما عندنا إلا هذه الشاة ومحرز من ذرة.

قال : فاخبزي. وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي ، حتى أذا أدرك أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، اتخذت طعاماً فائتني أنت ومن أحببت ، فشبك اصابعه في يده ثم نادى : ألا إن جابراً يدعوكم إلى طعامه.

فأتى أهله مذعوراً خجلأ فقال لها : هي الفضيحة قد حفل بهم أجمعين. فقالت : أنت دعوتهم أم هو؟ قال : هو. قالت : فهو أعلم بهم.

فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت على الشوارع ، وأمره ان يجمع التواري ـ يعني قصاعاً كانت من خشب ـ والجفان ، ثم قال : ما عندكم من الطعام؟ فاعلمته ،

__________________

(١) رواه الرواندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٨| ١٧٩ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٢| ١.

(٢) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة ٤ : ٢٦٢ ، وابن شهر اشوب في المناقب ١ : ٩١ ، ٩٢ ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٨| ١٨٠ وفيها : بشر بن البراء بن معرور بدل بشر بن البراء بن عازب ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٢| ١.

٣٢٦

فقال : غطوا السدانة والبرمة والتنور واغرفوا وأخرجوا الخبز واللحم وغطوا. فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئاً حتى شبع القوم ، وهم ثلاثة آلاف ، ثم أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أياماً (١).

ومن ذلك : أن سعد بن عبادة الأنصاري اتاه عشية وهو صائم فدعاه إلى طعامه ، ودعا معه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلما أكلوا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نبي ووصي ، يا سعد أكل طعامك الأبرار ، وافطر عندك الصائمون ، وصلت عليكم الملائكة. فحمله سعد على حمار قطوف وألقى عليه قطيفة ، فرجع الحمار وإنه لهملاج ما يساير (٢).

ومن ذلك : أنه أقبل من الحديبية ، وفي الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب والراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه.

فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ، ففاض الماء فشربوا وملؤوا أدواتهم ومياضيهم وتوضؤوا. فقال النبي عليه‌السلام : لئن بقيتم ، او بقي منكم ، ليتسعن بهذا الوادي بسقي ما بين يديه من كثرة مائه ، فوجدوا ذلك كما قال (٣).

ومن ذلك : إخباره عن الغيوب ، وما كان ومايكون ، فوجد ذلك موافقا لما يقول.

ومن ذلك : أنه أخبر صبيحة الليلة التى أُسري به ، بما رأى في سفره ، فانكر ذلك بعض وصدقه بعض ، فأخبرهم بما رأى من المارّة والممتارة وهيآتهم ومنازلهم ومامعهم من الأمتعة ، وأنه رأى عيراً أمامها بعير أورق ، وانه يطلع يوم

__________________

(١) روى نحوه ابن شهراشوب في المناقب ١ : ١٠٣ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٢| ١.

(٢) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٩| ١٨١ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٣| ١.

(٣) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٠٩| ١٨٢ ، ونقله المجلسي في بحاره ٧ ١ : ٢٣٣| ١.

٣٢٧

كذا من العقبة مع طلوع الشمس. فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقّته لمم ، فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم : كذب الساحر ، وابصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا : صدق ، هذه نعم قد أقبلت (١).

ومن ذلك : أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشاً ، وبادر الناس إليه يقولون : الماء الماء ، يارسول الله. فقال لأب هريرة : هل معك من الماء شيء؟

قال : كقدر قدح في ميضاتي ،

قال : هلم ميضاتك فصب ما فيه في قدح ودعا واوعاه وقال : ناد : من أراد الماء فأقبلوا يقولون : الماء يارسول الله. فما زال يسكب وأبو هريرة يسقي حتى روي القوم اجمعون ، وملؤوا ما معهم ، ثم قال لأبي هريرة : اشرب. فقال : بل آخركم شرباً فشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشرب (٢).

ومن ذلك : أن اُخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق ، فقال لها : إلى أين تريدين؟ قالت : إلى عبد الله بهذه التمرات ، فقال : هاتيهن. فنثرت في كفه ، ثم دعا بالأنطاع وفرقها عليها وغطّاها بالاُزر ، وقام وصلى ، ففاض التمر على الأنطاع ، ثم نادى : هلموا وكلوا. فاكلوا وشبعوا وحملوا معهم ودفع ما بقي إليها (٣).

ومن ذلك : أنه كان في سفر فأجهدوا جوعاً ، فقال : من كان معه زاد فليأتنا به. فأتاه نفر منهم بمقدار صاع ، فدعا بالازر والأنطاع ، ثم صفف التمر عليها ، ودعا ربه ، فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة (٤).

__________________

(١) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٤١| ٢٢٨ ، والطبرسي في اعلام الورى : ٧٨ ، ٢٣٣| ١.

(٢) نقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٤| ١.

(٣) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة ٣ : ٤٢٧ ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١١٠| ١٨٣ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٤| ١.

(٤) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١١٠| ١٨٤ ، ونقله المجلسي في البحار ١٧ : ٢٣٣| ١.

٣٢٨

ومن ذلك : أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا : يا رسول الله ، إن لنا بئراً إذا كان القيظ اجتمعنا عليها ، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا ، وقد صار من حولنا عدواً لنا ، فادع الله في بئرنا. فتفل صلى‌الله‌عليه‌وآله في بئرهم ، ففاضت المياه المغيبة فكانوا لايقدرون ان ينظروا الى قعرها ـ بعدُ ـ من كثرة مائها.

فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل ماؤه ، فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه وصار كالجبُوب (١) (٢).

ومن ذلك : أن سراقة بن جعشم حين وجّهه قريش في طلبه ، ناوله نبلاً من كنانته ، وقال له : ستمر برعاتي فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي ، أطعم عندهم واشرب ، فلما انتهى إليهم أتوه بعنز حائل ، فمسح صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرعها فصارت حاملاً ودرت حتى ملؤوا الاناء وارتووا ارتواءاً (٣).

ومن ذلك : أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير ، فأكل هو وأصحابه ، ثم دعا لها بالبركة ، فلم تزل العكة تصب سمناً ايام حياتها (٤).

ومن ذلك : أن ام جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة (تبت ) ومع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر بن أبي قحافة ، فقال : يارسول الله ، هذه أم جميل محفظة ـ أي مغضبة ـ تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به. فقال : إنها لا تراني.فقالت لأبي بكر : أين صاحبك؟ قال : حيث شاء الله. قالت : لقد جئته ، ولو أراه لرميته ، فإنه هجاني ، واللات والعزى إني لشاعرة. فقال أبو بكر : يارسول

__________________

(١) الجبوب : وجه الارض والصحاح ـ جبب ـ ١ : ٩٧.

(٢) روى نحوه ابن شهر آشوب في المناقب ١ : ١١٧ ، ١١٨ ، والطبرسي في اعلام الورى : ٥٣ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٤| ١.

(٣) نقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٤| ١

(٤) روى نحوه ابن شهرآشوب في المناقب ١ : ١٠٣ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٤| ١.

٣٢٩

الله ، لم ترك؟ قال : لا ، ضرب الله بيني وبينها حجاباً (١).

ومن ذلك : كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين ، مع ما اُعطي من الخلال التي إن ذكرناها لطالت.

فقالت اليهود : وكيف لنا أن نعلم أنّ هذا كما وصفت؟

فقال لهم موسى عليه‌السلام : وكيف لنا أن نعلم أنّ ما تذكرون من آيات موسى على ماتصفون؟

قالوا : علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين.

قال لهم : فاعلموا صدق ما أنبأتكم به ، بخبر طفل لقّنه الله من غير تلقين ، ولامعرفة عن الناقلين.

فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأنكم الأئمة القادة والحجج من عند الله على خلقه.

فوثب أبو عبد الله عليه‌السلام فقبل بين عيني ، ثم قال : أنت القائم من بعدي ، فلهذا قالت الواقفة ، إنه حي وإنه القائم ، ثم كساهم أبو عبد الله عليه‌السلام ووهب لهم وانصرفوا مسلمين » (٢).

١٢٢٩ ـ أحمد بن محمد ، عن أبي قتادة ، عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى عليه‌السلام زبالة (٣) ومعه جماعة من أصحاب المهدي ، بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، وأمرني بشراء حوائج له ، ونظر إلي وأنا مغموم فقال :

« يابا خالد ، مالي أراك مغموماً »؟ قلت : جعلت فداك ، هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ، ولا آمنه عليك.

فقال : « يابا خالد ، ليس عليّ منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا وشهر

__________________

(١) روى نحوه الطبرسي في اعلام الورى : ٥٧ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٥| ١.

(٢) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١١١| ١٨٦ ونقله المجلسي في بحاره ١٧ : ٢٣٥| ١.

(٣) زبالة : موضع في طريق الكوفة الى مكة ، وهي قرية عامرة. معجم البلدان ٣ : ١٢٩.

٣٣٠

كذا وكذا فانتظرني في أول الميل ، فإني أُوافيك إن شاء الله ».

قال : فما كانت لي همة إلّا إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل انتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحداً ، فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الميل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته فوافاني أبو الحسن عليه‌السلام أمام القطار على بغلة له ، فقال : « إيه يابا خالد » قلت : لبيك جعلت فداك قال : « لا تشكن ، ودّ والله الشيطان أنك شككت قلت : قد كان والله ذلك جعلت فداك قال : فسررت بتخليصه وقلت : الحمد لله الذي خلّصك من الطاغية.

فقال : « ياباخالد ، إن لهم إلي عودة لا أتخلص منهم » (١).

١٢٣٠ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن اُمه قالت : كنت أغمز قدم أبي الحسن عليه‌السلام وهو نائم مستقبلاً في السطح ، فقام مبادراً يجر إزاره مسرعاً فتبعته فإذا غلامان له يكلمان جاريتين له وبينهما حائط لايصلان إليهما ، فتسمّع عليهما ثم التفت إلي فقال : « متى جئت هاهنا »؟

فقلت : حيث قمت من نومك مسرعاً فزعت فتبعتك.

قال : « ألم تسمعي الكلام »؟

قلت : بلى. فلما أصبح بعث الغلامين إلى بلد ، وبعث بالجاريتين إلى بلد آخر ، فباعهم (٢).

١٢٣١ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشا قال : حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، فكتب

__________________

(١) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ٣١٥| ٨ باختلاف يسير ، والطبرسي في اعلام الورى : ٣٤٦ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٢٨| ٣٢.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ١١٩| ٣٨.

٣٣١

خالي : إن لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قلّ رجالنا ، وقد خلفتُ امرأتي وهي حامل ، فادع الله أن يجعله غلاماً ، وسمّه.

فوقّع في الكتاب : « قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك ، وسمّه محمداً »

فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخول الكوفه بستة أيام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمد : فهو والله اليوم رجل له أولاد (١).

١٢٣٢ ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية انه كان اشترى طيلساناً طرازياً أزرق بمائة درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول عليه‌السلام ولم يعلم به أحد ، وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمن بن الحجاج ، وكان هو إذ ذاك قيّماً لأبي الحسن الأول عليه‌السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب : « اطلبوا لي ساجاً (٢) طرازياً (٣) أزرق » فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد ، فقلت له : هو ذا هو معي ، وماجئت به إلّا له. فبعثوا به إليه وقالوا له : أصبناه مع علي بن جعفر.

ولما كان من قابل اشتريت طيلساناً مثله وحملته معي ولم يعلم به أحد ، فلما قدمنا المدينة أرسل إليهم : « اطلبوا لي طيلساناً مثله مع ذلك الرجل » فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه (٤).

١٢٣٣ ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية ، عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال : استقرضت من غالب ـ مولى الربيع ـ ستة آلاف درهم ، تمت بها بضاعتي ، ودفع إلي شيئاً أدفعه إلى أبي الحسن الأول وقال : إذا قضيت من الستة الاف درهم حاجتك فادفعها أيضاً إلى أبي الحسن.

فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي ، والذي من قبل غالب ، فأرسل

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٣| ٢١.

(٢) الساج : الطيلسان الأخضر « الصحاح ـ سوج ـ ١ : ٣٢٣ ».

(٣) الطراز : الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجياد « النهاية ـ طرز ـ ٣ : ١١٩ ».

(٤) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٣| ٢٢.

٣٣٢

إلي : « فأين الستة الاف درهم؟ »

فقلت : استقرضتها منه وأمرني أن ادفعها إليك ، فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك.

فأرسل إلي : « عجّلها لنا فإنّا نحتاج إليها » فبعثت بها إليه (١).

١٢٣٤ ـ محمد بن الحسين قال : حدثني علي بن حسان الواسطي ، عن موسى بن بكر قال : دفع إلي أبو الحسن الأول عليه‌السلام رقعة فيها حوائج وقال لي : « اعمل بما فيها ».

فوضعتها تحت المصلى وتوانيت عنها ، فمررت فإذا الرقعة في يده ، فسألني عن الرقعة ، فقلت : في البيت. فقال : « ياموسى ، إذا أمرتك بالشيء فاعمله ، وإلّا غضبت عليك » فعلمت أن الذي دفعها إليه بعض صبيان الجن (٢).

١٢٣٥ ـ محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن علي بن سويد السائي. قال : كتب إلي أبو الحسن الاول عليه‌السلام في كتاب :

« إن أول ما أنعى إليك نفسي في لياليَّ هذه ، غير جازع ولانادم ، ولاشاك فيما هو كائن مما قضى الله وحتم ، فاستمسك بعروة الدين (٣) آل محمد صلوات الله عليه وعليهم ، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي ، والمسالمة والرضى بما قالوا » (٤).

١٢٣٦ ـ محمد بن ـ عيسى ، عن الحسن بن محمد بن يسار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع (٥) من العامة ، ممن كان يقبل منه قال : قال لي : قد

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٤| ٢٣.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٤| ٢٤.

(٣) في نسخة « م » : البيت.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٢٩| ٣٤.

(٥) قطيعة الربيع : محلة من محلات بغداد ، وهي منسوبة الى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه « معجم البلدان ٤ : ٣٧٧ ».

٣٣٣

رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله.

قال : قلت : وكيف رأيته؟

قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك من الوجوه ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فقال لنا السندي : ياهؤلاء انظروا إلى هذا الرجل ، هل حدث فيه حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيّق ، ولم يرد به أمير المؤمنين شراً ، وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين ، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.

فقال ـ ونحن ليس لنا هَمّ إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته ـ قال : فقال : « أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ماذكر ، غير أني اُخبركم ـ أيها النفر ـ أني قد سقيت السم في سبع تمرات ، وأني أخضر غداً وبعد غد أموت ».

فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة.

قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صدق (١) مقبول القول ، ثقة ثقة جداً عند الناس (٢).

١٢٣٧ ـ محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى شلقان قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا اُريد أن أسأله عن أبي الخطاب ، فقال لي مبتدئاً قبل أن أجلس :

« ياعيسى ، مامنعك ان تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟ »

قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام وهو قاعد في الكُتّاب

__________________

(١) فى هامش « م » : صدوق.

(٢) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٩٦| ٢ وفي الامالي : ١٢٨| ٢٠. وفيهما : تسع تمرات بدل سبع تمرات ، ونقله المجلسي في بحاره ٤٨ : ٢١٣| ١١.

٣٣٤

وعلى شفتيه اثر المادد ، فقال مبتدئاً.

يا عيسى ، إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها أبداً ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية ، فلم يتحولوا عنها أبداً ، وأعار قوماً الإيمان زماناً ثم سلبهم إياه ، وإن أبا الخطاب ممن اُعير الإيمان ثم سلبه الله ».

فضممته إلي وقبلت بين عينيه ، ثم قلت : بأبي أنت وأمي ، ( ذُرِّيةً بَعضُها مِن بَعضٍ والله سَمِيعٌ عَليمٌ ) (١).

ثم رجعت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : « ما صنعت ياعيسى؟ ».

فقلت له : بأبي أنت وأمي أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله ، عن جميع ما أردت أن أسأله عنه. فعلمت والله عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر.

فقال : « ياعيسى ، إن ابني هذا الذي رأيت ، لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم ».

ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب ، فعلمت ذلك اليوم أنه صاحب هذا الأمر (٢).

١٢٣٨ ـ محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبش ، وقد اشتروهم له ، فكلم غلاماً منهم ـ وكان من الحبش جميلاً ـ فكلمه بكلامه ساعة ، حتى أتى على جميع ما يريد وأعطاه درهماً فقال : « اعط أصحابك هؤلاء ، كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهماً ».

ثم خرجوا فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ،

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٣٤.

(٢) روى صدره ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ٢٩٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٢٤| ٤٠.

٣٣٥

فماذا أمرته؟

قال : « أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم ، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق ».

ثم قال : « لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لاتعجب فما خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر ، وما هذا من الإمام في علمه إلّا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاً؟ قال : فإن الإمام بمنزلة البحر لاينفد ماعنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطيرحين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً ، كذلك العالم لاينقصه علمه شيئاً ، ولاتنفد عجائبه » (١).

١٢٣٩ ـ أحمد بن محمد ، عن أحمد بن أبي محمود الخراساني ، عن عثمان ابن عيسى قال : رأيت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام في حوض من حياض ما بين مكة والمدينة ، عليه إزار وهو في الماء ، فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه وهو يصفر.

فقلت : هذا خير من خلق الله في زمانه ، ويفعل هذا!

ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي « أين نزلت؟ ».

فقلت له : نزلت أنا ورفيق لي في دار فلان.

فقال : « بادروا وحولوا ثيابكم واخرجوا منها الساعة ».

قال : فبادرت وأخذت ثيابنا وخرجنا ، فلما صرنا خارجاً من (٢) الدار انهارت الدار (٣).

__________________

(١) روى مثله الراوندي في الخرائج ١ : ٣١٢| ٥. ونقله المجلسي في البحار ٤٨ : ١٠٠| ٣.

(٢) في هامش « م » : عن.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٤| ٢٥ و ٧٩ : ٢٦٥| ٣.

٣٣٦

١٢٤٠ ـ موسى بن جعفر البغدادي ، عن الوشا ، عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : « لا والله ، لايرى أبو جعفر (١) بيت الله أبداً ».

فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا ، فلم يلبث أن خرج ، فلما بلغ الكوفة قال لي اصحابنا في ذلك فقلت : لا والله ، لايرى بيت الله أبداً. فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضاً إليّ فقالوا : بقي بعد هذا شيء؟! قلت : لا والله لايرى بيت الله أبداً. فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليه‌السلام فوجدته في المحراب ، قد سجد فأطال السجود ، ثم رفع رأسه إليّ فقال : « اخرج فانظر مايقول الناس ».

فخرجت فسمعت الواعية على ابي جعفر ، فرجعت فأخبرته فقال : « الله أكبر ، ماكان ليرى بيت الله أبداً » (٢).

١٢٤١ ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم ابن عبد الحميد قال : كتب إليّ أبو الحسن ـ قال عثمان بن عيسى : وكنت حاضرا بالمدينة ـ : « تحول عن منزلك ».

فاغتم بذلك ، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسوق ، فلم يتحول.

فعاد اليه الرسول : تحول عن منزلك ، فبقي.

ثم عاد إليه الثالثة : تحول عن منزلك ، فذهب وطلب منزلاً ، وكنت في المسجد ولم يجىء إلى المسجد إلا عتمة ، فقلت له : ماخلفك؟

فقال : ماتدري ما أصابني اليوم؟

قلت : لا.

__________________

(١) هو أبو جعفر الدوانيقي.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٥| ٢٧.

٣٣٧

قال : ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضأ ، فخرج الدلو مملوءاً خرءاً ، وقد عجنّا وخبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى المنزل الذي اكتريته ، فليس بالمنزل إلا الجارية ، الساعة أنصرف وآخذ بيدها.

فقلت : بارك الله لك ، ثم افترقنا ، فلما كان سحر تلك الليلة خرجنا إلى المسجد فجاء فقال : ماترون ماحدث في هذه الليلة؟

قلت : لا.

قال : سقط والله منزلي السفلي والعلوي (١).

١٢٤٢ ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام لإبراهيم بن عبد الحميد ـ ولقيه سحراً ، وإبراهيم ذاهب إلى قبا ، وأبو الحسن عليه‌السلام داخل إلى المدينة ـ فقال : « يا إبراهيم ».

فقلت : لبيك.

فقال : « إلى أين؟ ».

قلت : إلى قبا.

فقال : « في أي شيء؟ ».

فقلت : إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر ، فأردت أن اتي رجلاً من الأنصار فأشتري منه من الثمار.

فقال : « وقد أمنتم الجراد ».

ثم دخل ومضيت أنا ، فأخبرت أبا العز فقال : لا والله لا أشتري العام نخلة ، فما مرت بنا خامسة حتى بعث الله جراداً فأكل عامة مافي النخل (٢).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٥| ٢٩.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٦| ٣٠.

٣٣٨

١٢٤٣ ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى قال : وهب رجل جارية لابنه فولدت منه أولاداً ، فقالت الجارية بعد ذلك : قد كان أبوك وطأني قبل أن يهبني لك ، فسأل أبو الحسن عليه‌السلام عنها فقال : « لاتصدق ، إنما نفرت من سوء خلقه ».

فقيل ذلك للجارية فقالت : صدق والله ، ما هربت إلا من سوء خلقه (١)

١٢٤٤ ـ محمد بن خالد الطيالسي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : دخلت عليه فقلت له : جعلت فداك ، بم يعرف الإمام؟

فقال « بخصال ، اما اولاهن فشيء لّقدم من أبيه فيه وعرفه الناس ونصبه لهم علماً ، حتى يكون حجة عليهم ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصب علياً عليه‌السلام علماً وعرفه الناس ، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس وينصبونهم لهم حتى يعرفوه. ويُسئل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلم الناس بكل لسان ».

وقال لي : « يابا محمد ، الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها ».

فوالله مالبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان ، فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية ، فقال له الخراساني : أصلحك الله ، ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن.

فقال : « سبحان الله ، إذا كنت لا اُحسن اُجيبك ، فما فضلي عليك؟! ثم قال : يا بامحمد ، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح ، بهذا يعرف الإمام فإن لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو

__________________

(١) روى الكليني في الكافي ٥ : ٥٦٦| ٤٤ ، نحوه ، ونقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٦| ٣٢.

٣٣٩

بإمام » (١).

١٢٤٥ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر قال :

قال لي أبو الحسن الأول عليه‌السلام : « من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله ، فإن غُلب فليستدن على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إن الله تبارك وتعالى يقول : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ الى قوله تعالى ] والغارمين ) (٢) فهو فقير مسكين مغرم » (٣).

١٢٤٦ ـ أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن سليمان بن اذينة قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل ، فأخر الغسل حتى طلع الفجر.

فكتب إليّ بخطه ـ أعرفه ـ مع مصادف : « يغتسل من جنابته ، ويتم صومه ، ولاشيء عليه » (٤).

١٢٤٧ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سهل بن اليسع الأشري ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام

__________________

(١) روى الكليني في الكافي ١ : ٢٢٥| ٧ ، والراوندي في الخرائج ١ : ٣٣٣| ٢٤ ، وابن شهراشوب في المناقب ٤ : ٢٩٩ ، نحوه ، والمفيد في الارشاد : ٢٩٣ ، والطبري في دلائل الامامة : ١٦٩ باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في البحار ٤٨ : ٤٧| ٣٣.

(٢) التوبة ٩ : ٦.

(٣) رواه الكليني في الكافي ٥ : ٩٣| ٣ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ١٨٤| ٣٨١ ، ونقله المجلسي في بحاره ١٠٣ : ٣| ٦.

(٤) رواه الشيخ في التهذيب ٤ : ٢١٠| ٦٠٩ وفي الاستبصار ٢ : ٨٥| ٢٦٥ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٦ : ٢٨٧| ٤.

٣٤٠