كتاب القضاء والقدر

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

كتاب القضاء والقدر

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: محمّد بن عبدالله آل عامر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة العبيكان
الطبعة: ١
ISBN: 9960-20-621-1
الصفحات: ٤٤٥

عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، ألم تروا إلى البهيمة تنتج البهيمة فما ترون فيها من جدعاء».

رواه البخاري في «الصحيح» عن آدم ، عن ابن أبي ذئب (١).

٥٩٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن أبي نصر الداربردي ـ بمرو ـ نا أبو الموجّه ، نا عبد الله بن عثمان ، أنا عبد الله عن يونس ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّ أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء؟! ثمّ يقول اقرءوا : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٢).

رواه البخاري في «الصحيح» (٣) عن عبد الله بن عثمان (٤).

وأخرجه مسلم من حديث ابن وهب ، عن يونس بن يزيد (٥).

٥٩٣ ـ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري وأبو الحسن محمد بن الحسن بن داود العلوي ، أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمدآباذي ، نا محمد بن إسحاق الصغاني ، نا حاجب بن الوليد ، نا محمد بن حرب قال : حدثني الزبيدي ، عن الزهري ، عن سعيد ـ هو ابن المسيب ـ عن أبي هريرة أنّه كان يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء؟! ثمّ يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : (فِطْرَتَ / اللهِ) (٦) الآية إلى (يَعْلَمُونَ).

__________________

(١) كتاب الجنائز (١٣٨٥) باب : ما قيل في أولاد المشركين.

(٢) سورة الروم ، الآية رقم (٣٠).

(٣) تكررت [في الصحيح] في الأصل مرتين.

(٤) كتاب التفسير (٤٧٧٥) تفسير سورة الروم.

(٥) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٧).

(٦) سورة الروم ، الآية رقم (٣٠).

٣٤١

رواه مسلم في «الصحيح» عن حاجب بن الوليد (١).

٥٩٤ ـ أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد الفقيه ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطّان ، نا أحمد بن يوسف ، نا عبد الرزاق ، وأنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يولد يولد على هذه الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه كما ينتجون البهيمة فهل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها». قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

رواه البخاري في «الصحيح» عن إسحاق (٢).

ورواه مسلم عن محمد بن رافع (٣) كلاهما عن عبد الرزاق ، ورواه الأعرج ، عن أبي هريرة وقال : «على الفطرة» وذكر الزيادة في آخره.

٥٩٥ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا أحمد بن عبد الجبار ، نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس من مولود يولد إلّا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه أو يمجسانه» قال : فقالوا : يا رسول الله ، فكيف بمن كان قبل ذلك ـ يعني مات ـ قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

رواه مسلم في «الصحيح» عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب ، عن أبي معاوية (٤) ، وبمعناه رواه ـ أيضا ـ عبد الله بن نمير ، عن الأعمش.

٥٩٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه في قوله : «على هذه الملة» : لفظة فيها نظر لأنّ أصحاب

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٧).

(٢) كتاب القدر (٦٥٩٨) باب الله أعلم بما كانوا عاملين.

(٣) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٨).

(٤) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٨).

٣٤٢

الأعمش اختلفوا فقال : شعبة وجرير ، عن الأعمش «كل مولود يولد على الفطرة» وقال حفص بن غياث وأبو بكر بن عياش ، عن الأعمش : «كل مولود يولد على الإسلام». وقال وكيع وأبو معاوية ، عن الأعمش : «كل مولود يولد على الملة» فدل أنّ الأعمش كان يروي الحديث على المعنى عنده لا على اللفظ المروي.

٥٩٧ ـ أخبرنا / أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله بن يعقوب ، نا محمد بن شاذان نا قتيبة بن سعيد ، نا عبد العزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كل إنسان تلده أمه على الفطرة ، أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فإن كانا مسلمين فمسلم ، كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلّا مريم وابنها».

رواه مسلم في «الصحيح» عن قتيبة (١).

٥٩٨ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو [الحسن] (٢) علي بن محمد المصري ، نا أحمد بن عبيد بن ناصح ، نا عبد الوهاب ـ يعني ابن عطاء الحفاف ـ نا يونس بن عبيد ح.

٥٩٩ ـ وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفّار ، نا عبيد بن شريك. نا أبو صالح الفرّاء ، نا أبو إسحاق الفزاري ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في غزاة فلقينا المشركين ، فأسرعوا في القتل حتى قتلوا الذرية ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية ، ألا لا تقتلوا الذرية» فقيل : يا رسول الله ، أو ليس أبناؤهم أولاد المشركين؟! قال : «أو ليس خياركم أولاد المشركين ، كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها [لسانها فأبواها] (٣) يهودانها أو ينصرانها».

لفظ حديث الفزاري.

__________________

(١) في كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٨).

(٢) في الأصل [أبو إسحاق] والصحيح ما أثبت كما في مصادر ترجمته ، انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٥ / ٣٨١).

(٣) في الأصل [لسانه فأبواه] والتصحيح من «السنن الكبرى» للمصنف (٩ / ٧٧).

٣٤٣

قال أحمد بن عبيد : معنى قوله : «كل نسمة تولد على الفطرة» يعني الفطرة التي فطرهم عليها حين أخرجهم من صلب آدم ، فأقرّوا بتوحيده.

قال الشيخ : وبمعناه رواه المعلى بن زياد ، وأشعث ، ومبارك بن فضالة وغيرهم ، عن الحسن.

٦٠٠ ـ وأخبرنا أبو الحسن بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد ، نا هشام بن علي ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا السري بن يحيى ، عن الحسن عن الأسود بن سريع ، قال : وكان شاعرا. قال : غزوت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع غزوات ، وكان أول / من قص. فأفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ما بال أقوام أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية» فقال رجل يا رسول الله ، أولاد المشركين! قال : «فإنّه ما من مولود من أمة إلّا يولد على فطرة الإسلام ، حتى يعرب به لسانه ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه».

كذا رواه مسلم بن إبراهيم ، وخالفه سهل بن بكار ، عن السري فقال : «إنّها ليست نفس تولد إلّا ولدت على الفطرة».

٦٠١ ـ أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا محمد بن أيوب عن سهل بن بكّار ، عن السري بن يحيى ، عن الحسن قال : حدث الأسود بن سريع ، فذكره.

وهذا أولى أن يكون صحيحا لموافقته رواية غيره عن الحسن ، والحفّاظ لا يثبتون سماع الحسن من الأسود بن سريع.

٦٠٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا علي بن عاصم ، أنا عوف عن أبي رجاء ، عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مولود على الفطرة» فناداه الناس : يا رسول الله ، أولاد المشركين؟! قال : «أولاد المشركين».

٦٠٣ ـ أخبرنا (١) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمد بن

__________________

(١) في الأصل صيغة الأداء مختصرة [أنا].

٣٤٤

يعقوب ، نا محمد بن إسحاق ، نا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق ، عن الأوزاعي قال : «يهودانه وينصرانه» على ما سبق له في العلم.

٦٠٤ ـ وأخبرنا أبو عبد الله السوسي ، نا أبو العبّاس الأصم ، أنا العبّاس بن الوليد بن مزيد قال : أخبرني أبي قال الأوزاعي : لا يخرجانه من علم الله وإلى علم الله يصيرون.

٦٠٥ ـ أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود قال قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد ، أخبرك يوسف بن عمرو ، أنا ابن وهب قال : سمعت مالكا وقيل له : إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث. قال مالك : احتج عليهم بآخره قالوا : أرأيت من يموت وهو صغير قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

٦٠٦ ـ وأخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود ، نا الحسن بن علي ، نا الحجاج بن منهال قال / سمعت حمّاد بن سلمة يفسر حديث «كل مولود يولد على الفطرة» قال : هذا عندنا حيث أخذ الله ـ جل وعز ـ عليهم العهد في أصلاب آبائهم ، حيث قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١).

٦٠٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : قال : إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في حديث عياض بن حمار «خلقت عبادي حنفاء» وحديث أبي هريرة «كل مولود يولد على الفطرة» إنّما هذا على الميثاق الأول (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢).

قال : أبو سليمان الخطابي ـ رحمه‌الله ـ معنى قول حمّاد في هذا حسن ، وكأنّه ذهب إلى أنّه لا عبرة للإيمان الفطري في أحكام الدنيا ،

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٧٢).

(٢) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٧٢).

٣٤٥

وإنّما يعتبر [الإيمان] (١) الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل ، ألا ترى أنّه يقول : «فأبواه يهودانه وينصرانه» فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين (٢).

٦٠٨ ـ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلميّ ، أنا أبو الحسن [الكارزي] (٣) نا علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبيد : سألت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال : كان هذا في أوّل الإسلام قبل أن تنزل الفرائض ، وقبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد.

قال أبو عبيد : كأنّه يذهب إلى أنّه لو كان يولد على الفطرة ، ثمّ مات قبل أن يهوده أبواه أو ينصراه ما ورثهما ولا ورثاه ، لأنّه مسلم وهما كافران فكذلك ما كان يجوز أن يسبى ، يقول : فلمّا نزلت الفرائض وجرت السنن بخلاف ذلك علم أنّه يولد على دينهما. هذا قول محمد بن الحسن (٤).

قال الشيخ : قد حمله محمد بن الحسن على أحكام الدنيا ولم يتعرض لأمر الآخرة ، وإلى قريب من هذا ذهب الشافعي في معناه ، إلا أنه حمله على وجه لا يحتاج معه إلى دعوى النسخ فقال ـ في رواية أبي عبد الرحمن الشافعي عنه ـ / : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كل مولود يولد على الفطرة» وهي الفطرة التي فطر الله عليها الخلق ، فجعلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لم يفصحوا بالقول فيختاروا أحد القولين الإيمان أو الكفر لا حكم لهم في أنفسهم ، إنّما الحكم لهم بآبائهم فما كان آباؤهم يوم يولدون فهو بحاله. إما مؤمن فعلى إيمانه ، أو كافر فعلى كفره. فبهذا قلنا من وجب له حكم الإسلام بأي وجه ما كان ، وجبت له المواريث والأحكام ولا يزول ذلك عنه إلّا بردّة ، والردّة لا تكون إلّا فعلا من راجع من حال إلى حال.

__________________

(١) ساقطة من الأصل وهي عند الخطابي في «معالم السنن» (٧ / ٨٣).

(٢) «معالم السنن» (٧ / ٨٣).

(٣) في الأصل [الكازروني] والتصحيح من مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٧ / ٢٥٠).

(٤) «غريب الحديث» له (٢ / ٢١ ، ٢٢).

٣٤٦

فذهب الشافعيّ في هذا إلى أن الله تعالى خلقه لا حكم له في نفسه ، وإنما هو تبع لأبويه في الدين في حكم الدنيا حتى يعرب عن نفسه بعد البلوغ ، والذي روينا في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الزيادة يؤيد هذا المعنى وهو قوله : «فإن كانا مسلمين فمسلم» ، فأمّا في الآخرة فقد بين حكمه فيها في آخر الخبر فقال حين سئل عمن مات منهم وهو صغير : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

وإلى مثل معنى ما حكينا عن الشافعيّ ذهب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في حكمهم في الدنيا ، وكأنّه عن كتاب الشافعي أخذه ثمّ زاد فيه.

٦٠٩ ـ أخبرنيه أبو عبد الرحمن السلميّ ، إجازة أن أبا الحسن بن صبيح أخبرهم قال : نا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال : قال إسحاق : معنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما فسره أبو هريرة حين قرأ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (١) يقول : تلك الخلقة التي خلقهم لها إما جنّة وإمّا نار حيث أخرج من صلب آدم كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة فقال : «هؤلاء للجنّة وهؤلاء للنّار» فيقول : كل مولود يولد على تلك الفطرة ، ألا ترى أن غلام الخضر الذي / قتله الخضر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طبعه الله يوم طبعه كافرا» وهو بين أبوين مؤمنين فعلم الله الخضر خلقته التي خلقه لها ولم يعلم موسى ذلك فأراه الله تلك الآية ليرفعه الله بها ويزداد علما إلى علمه ، وقوله : «أبواه يهودانه أو ينصرانه» يقول : بالأبوين بين لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها ، يقول : إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الأبوين في الصلاة والأحكام والمواريث ، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما حكم الكفر ؛ أي في المواريث والصلاة وخلقته التي خلقته لها لا علم لكم بذلك. ألا ترى أنّ ابن عباس حين كتب إليه نجدة الحروريّ في قتل صبيان المشركين فكتب إليه : إن علمت من صبيانهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فاقتلهم. أي

__________________

(١) سورة الروم ، الآية رقم (٣٠).

٣٤٧

أن أحدا لا يعلم علم الخضر في ذلك ، لما خصّه الله به كما خصّه بأمر السفينة والجدار ، وكان منكرا في الظاهر فعلّمه الله علم الباطن ، فحكم بإرادة الله في ذلك.

قال أبو عبيد في الإسناد الذي مضى : وأما عبد الله بن المبارك فإنّه بلغني أنّه سئل عن تأويل هذا الحديث فقال : تأويله الحديث الآخر أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن أطفال المشركين فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

قال أبو عبيد : يذهب إلى أنهم إنّما يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر ، فمن كان في علم الله أن يصير مسلما فإنّه يولد على الفطرة ، ومن كان علمه فيه أن يموت كافرا ولد على ذلك (١).

قال الشيخ وهذا هو معنى قول الأوزاعي وإلى مثله أشار مالك بن أنس فيما رويناه عنهما أولا.

٦١٠ ـ أخبرنا أبو بكر بن فورك ـ رحمه‌الله ـ أخبرنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا ابن أبي ذئب ، عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أطفال / المشركين فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

رواه البخاري في «الصحيح» عن آدم عن ابن أبي ذئب (٢).

وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن أبي ذئب ، ورواه الأعرج عن أبي هريرة (٣).

٦١١ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، نا إسماعيل بن قتيبة ، نا يحيى بن يحيى ، أنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أطفال المشركين قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم».

__________________

(١) «غريب الحديث» له (٢ / ٢٢).

(٢) كتاب الجنائز ١٣٨٤ باب : ما قيل في أولاد المشركين.

(٣) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٩).

٣٤٨

رواه مسلم في «الصحيح» عن يحيى بن يحيى (١).

وأخرجه البخاري من حديث شعبة ، عن أبي بشر (٢).

٦١٢ ـ أخبرنا (٣) أبو بكر بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود [ح] (٤).

٦١٣ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا أبو مسلم ، نا حجّاج قالا : نا حمّاد بن سلمة ، حدّثنا عمار بن أبي عمار قال : سمعت ابن عباس يقول : أتى عليّ زمان وأنا أقول أطفال المسلمين مع المسلمين وأطفال المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان ، ولقيت الذي حدثني عنه فحدثني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

لفظ حديث أبي داود ، زاد حجاج «فأمسكت» وقد قيل فيه عن حمّاد ، عن عمّار ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثله.

قال الشيخ : وهذا الأثر عن ابن عباس يؤكد تأويل ابن المبارك ويدل على أن لا وجه لقطع من قطع بكونهم مسلمين أو كافرين في حكم الآخرة ، وأن أصح الأقوال فيهم أن أمرهم موكول إلى الله ، فمن كان في علم الله تعالى أنّه لو بقي حيا عمل عمل السعداء فهو ممن كتب في اللوح المحفوظ سعيدا وخلق يوم خلق للجنّة ، ومن كان في علم الله تعالى أنه لو بقي حيا عمل عمل الأشقياء فهو ممن كتب في اللوح المحفوظ شقيا وخلق يوم خلق للنّار.

٦١٤ ـ فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنا إسماعيل بن قتيبة ، نا يحيى بن يحيى ، أنا سفيان / عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٩).

(٢) كتاب الجنائز باب : ما قيل في أولاد المشركين ، وفي كتاب القدر (٦٥٩٧) باب : الله أعلم بما كانوا عاملين.

(٣) صيغة الأداء مختصرة في الأصل [أنا].

(٤) ليست في الأصل وأثبتها جريّا على عادة المصنف ، وغيره من أهل الحديث.

٣٤٩

الصّعب بن جثّامة قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيب من نسائهم وذراريهم فقال : «هم منهم».

رواه مسلم في «الصحيح» عن يحيى بن يحيى (١).

ورواه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان (٢).

فهذا يدل على أنهم لم يولدوا على الإسلام قطعا ، وأن حكمهم في البيات حكم آبائهم ، فأما في الآخرة فيرجع أمرهم إلى قوله : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

٦١٥ ـ وأما الحديث الذي أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود ، نا عبد الوهاب بن نجدة ، نا بقية. قال أبو داود ، ونا موسى بن مروان الرقي وكثير بن عبيد قالا : نا محمد بن حرب المعنى ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي قيس ، عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله ، ذراري المؤمنين فقال : «من آبائهم» فقلت : يا رسول الله ، بلا عمل؟! قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت : يا رسول [الله] (٣) فذراري المشركين؟ قال : «من آبائهم» قلت : بلا عمل؟! قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

فهذا ـ أيضا ـ يدل على أن أولاد المشركين لم يولدوا على الإسلام قطعا ، وأنه جعل حكمهم حكم آبائهم ، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا.

٦١٦ ـ وقد أخبرنا (٤) أبو بكر بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود الطيالسي ، نا أبو عقيل ، عن بهية ، عن عائشة ، قالت : سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أطفال المشركين قال : «هم في

__________________

(١) كتاب الجهاد (٣ / ١٣٦٤).

(٢) كتاب الجهاد (٣١٠٢) باب : أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري.

(٣) لفظ الجلالة ليس في الأصل وهو مثبت من سنن أبي داود (٥ / ٣١٦ برقم ٤٧١٢) كتاب السنة ، باب : في ذراري المشركين.

(٤) في الأصل صيغة الأداء مختصرة [أنا].

٣٥٠

النّار يا عائشة» قالت : يا رسول الله فما تقول في أطفال المسلمين؟ قال : «هم في الجنة يا عائشة». قلت : وكيف ولم يدركوا ولم تجر عليهم الأقلام قال : «ربك أعلم بما كانوا عاملين».

٦١٧ ـ وأخبرنا (١) أبو سعد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، أنا الساجي ، نا أبو الربيع الزهراني ، نا أبو عقيل يحيى بن المتوكل قال : حدثتني بهية مولاة القاسم قالت : سمعت عائشة تقول ، وذكر الحديث بمعناه زاد «والذي نفسي بيده لو شئت لأسمعتك تضاغيهم في النّار».

فهذا يصرح بحكمهم في الآخرة /.

٦١٨ ـ وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي ، أنا علي بن عبد العزيز ، نا أبو نعيم الفضل بن دكين ، نا عمر ـ هو ابن ذر ـ قال : حدثني يزيد بن أمية القرشي أن عازب الأنصاري أرسل مولى له إلى عائشة فقال : أقرئها مني السلام ، وسلها هل حفظت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولا في الأطفال ، فانطلق إليها فبلّغها عنه السلام وقال : إنّ ابنك عازبا يسألك هل حفظت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولا في الأطفال؟ فقالت : نعم ، سألته عن أطفال المشركين ، قلت : أين أطفال المشركين؟ قال : «مع آبائهم» قلت يا رسول الله ، بلا عمل؟! قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت : يا رسول الله ، فأين أطفال المؤمنين؟ قال : «مع آبائهم» قلت : بلا عمل! قال : «قد علم الله ما كانوا عاملين».

٦١٩ ـ وكذلك ما أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود ، نا إبراهيم بن موسى ، أنا ابن أبي زائدة قال : حدثني أبي ، عن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الوائدة والموؤدة في النّار» قال يحيى : قال أبي : فحدثني أبو إسحاق ، أن عامرا حدّثه بذلك عن علقمة ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

كذا قال ، وخالفه داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي في

__________________

(١) في الأصل صيغة الأداء مختصرة [أنا].

٣٥١

إسناده. ويحتمل أن يكون سمعه علقمة من عبد الله ومن غيره.

٦٢٠ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ، نا أحمد بن عبد الجبار ، نا حفص بن غياث ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة بن قيس قال : حدثني أبناء مليكة الجعفيان قالا : أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله أخبرنا عن أم لنا ماتت في الجاهلية ، كانت تصل الرحم ، وتصدق وتفعل وتفعل ، هل ينفعها ذلك شيئا؟ قال : «لا» [قالا] (١) فإنها وأدت أختا لنا في الجاهلية ، فهل / ينفع ذلك أختنا؟ قال : «لا ، الوائدة والموؤدة في النّار ، إلّا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم» فلمّا رأى ما دخل عليهما قال : «وأمي مع أمكما».

وهذا ـ أيضا ـ يصرح بحكمها في الآخرة ، وأنها لم تولد على الإسلام.

٦٢١ ـ ورواه المعتمر بن سليمان قال : سمعت داود بن أبي هند يحدث ، عن الشعبي ، عن علقمة بن قيس ، عن سلمة بن يزيد ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الوائدة والموؤدة في النّار».

٦٢٢ ـ أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا أبو مسلم ، نا حجاج بن منهال ، نا المعتمر بن سليمان فذكره. وسلمة بن يزيد هو أحد ابني مليكة ، وله شاهد آخر عن يزيد بن مرّة ، عن سلمة بن يزيد الجعفي.

٦٢٣ ـ أخبرنا (٢) أبو بكر بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب نا أبو داود ، نا سليمان بن معاذ ، عن عمران بن مسلم ، عن يزيد بن مرة ، عن سلمة بن يزيد الجعفيّ قال : سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلت : «إن أمي ماتت ، وكانت تقري الضيف ، وتطعم الجار واليتيم ، وكانت وأدت وأدا في الجاهلية ، ولي سعة من مال أفينفعها إن

__________________

(١) في الأصل [قال] والصحيح ما أثبت.

(٢) صيغة الأداء في الأصل مختصرة [أنا].

٣٥٢

تصدّقت عنها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ينفع الإسلام إلّا من أدركه ، إنّها وما وأدت في النّار» قال : ورأى ذلك قد شقّ علي فقال : «وأم محمد معهما فما فيهما خير».

وروي ذلك من وجه آخر عن عبد الله بن مسعود.

٦٢٤ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا حامد بن محمد الرفاء ، أنا علي بن عبد العزيز ، نا يحيى بن عبد الحميد ، نا محمد بن أبان ، عن عاصم ، عن زرّ عن عبد الله قال : جاء رجلان إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالا : إن أمنا كانت تقري الضيف ، وإنها وأدت موؤدة في الجاهلية فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الوائدة والموؤدة في النّار».

٦٢٥ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسين القاضي قالا : نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا أبو عتبة / نا بقية ، نا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه وراشد بن سعد قالا : قالت خديجة يا رسول الله ، أولادي منك في الإسلام ، قال : «في الجنّة» قلت : بلا عمل! قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت : يا رسول الله ، فأولادي من غيرك قال : «في النّار» قلت : بلا عمل! قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

هذا إسناده منقطع.

وروي موصولا عن محمد بن عبيد الله ، عن أبي اليقظان ، عن زاذان ، عن علي ، وإسناده ضعيف.

وروي عن علي وعبد الله بن مسعود من قولهما : «الوائدة والموؤدة في النّار».

وهذه أخبار لا تبلغ أسانيدها في الصحة مبلغ حديث أبي هريرة وابن عباس ، ويحتمل إن كانت صحيحة أن تكون خارجة مخرج الأغلب ، وحديث أولاد خديجة ومليكة قضية في عين ، ونحن لا نعلم من ذلك ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمه بالوحي ، فالأولى أن يكون أمرهم موكولا إلى الله تعالى. وقد ذهب بعض أهل [العلم] (١) إلى إلحاقهم

__________________

(١) ليست في الأصل وإثباتها أولى لاستقامة النص.

٣٥٣

بآبائهم في حكم الآخرة ، كما كانوا ملحقين بهم في حكم الدنيا ، واستدل بظاهر هذه الأخبار التي ذكرناها ، وذهب بعضهم إلى أنهم يكونون في الجنّة خدّاما لأهلها إذ لم يعملوا عملا يستحقون به الثواب أو العقاب ، وخدام الملوك وإن تنعموا بنعمة الملوك فليسوا فيها كالملوك ، واحتج من ذهب إلى هذا بما :

٦٢٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أنا أبو النصر الفقيه ، نا محمد بن أيوب ، نا موسى بن إسماعيل ، نا جرير بن حازم ، نا أبو رجاء ، عن سمرة بن جندب قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : «من رأى منكم الليلة رؤيا».

فذكر الحديث بطوله في رؤيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فيه : «انطلق حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان» ثمّ ذكرته في تفسير ما رأى ، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم ، والصبيان حوله فأولاد الناس.

رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل (١) /.

وهذا يحتمل أن يكون في أولاد المسلمين ، إلّا أن عوفا قد رواه عن أبي رجاء ، عن سمرة بن جندب قال فيه : «وأما الرجل الطويل فذلك خليل الله إبراهيم ، وأما الولدان الذين حوله فهم مولودون ولدوا على الفطرة ، فقال رجل ـ عند ذلك ـ : يا رسول الله ، وأولاد المشركين قال : «وأولاد المشركين».

٦٢٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو بكر بن إسحاق ، أنا أبو مسلم ، نا أبو عمرو الضرير نا يوسف بن ميمون ، نا عوف فذكره.

قال الشيخ أبو بكر قوله : «وأولاد المشركين» أي وأولاد المشركين يولدون على الفطرة كما يولد أولاد المسلمين ، أي على الاستواء والصحّة.

__________________

(١) كتاب الجنائز (١٣٨٦) باب : ما قيل في أولاد المشركين.

٣٥٤

قال الشيخ : وفي هذا الإسناد الآخر نظر ، ويحتمل أن يكون المراد به من جرى له القلم بالسعادة منهم.

٦٢٨ ـ أخبرنا أبو بكر بن فورك ـ رحمه‌الله ـ أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، أنا أبو داود ، أنا الربيع ، عن يزيد قال : قلت لأنس : يا أبا حمزة ، ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يكن لهم سيئات فيعاقبوا بها فيكونوا من أهل النّار ، ولم يكن [لهم] (١) حسنات فيجاوزوا بها؟ فيكونوا من ملوك أهل الجنّة ، هم خدم أهل الجنّة».

٦٢٩ ـ وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف المصري ـ بمكة ـ نا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت ـ إملاء نا محمد بن شاهين بن علي ، نا عاصم بن علي ، نا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن محمد بن المنكدر ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت ربي اللاهين من ذرية البشر ألّا يعذّبهم ، فأعطانيهم» يعني الصبيان.

تفرد به يزيد الرقاشي ، ويزيد لا يحتج به.

وروي ـ أيضا ـ عن عثمان بن مقسم ، عن قتادة ، عن أنس. وإسناده ضعيف لا يحتج به.

٦٣٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنا أبو يوسف هو القاضي ، نا الربيع ، نا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أبي مراية العجلي عن سلمان / قال : أطفال المشركين خدم أهل الجنّة.

قال الشيخ أبو بكر : الخبر موقوف ، وأبو مراية فيه نظر.

٦٣١ ـ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفّار ، نا تمتام ، نا هوذة ، نا عوف ، عن حسناء بنت [معاوية] (٢)

__________________

(١) ليست في الأصل ، وهي عند الطيالسي في «مسنده» (ص ٢٨٢).

(٢) في الأصل [عوية] والصحيح ما أثبت كما في سنن أبي داود السجستاني ، كتاب الجهاد (٤ / ٢٢ برقم ٢٥٢١) باب : في فضل الشهادة.

٣٥٥

قالت : حدثتني عمتي ـ وقال غيره في هذا الإسناد قالت : حدثني عمي ـ قال يا رسول الله من في الجنّة؟ قال : «النبيّ في الجنّة ، والشهيد في الجنّة ، والمولود في الجنة والموؤدة».

يعني في الجنة.

وروي بإسناد آخر ضعيف.

٦٣٢ ـ أخبرناه هلال بن محمد بن جعفر ببغداد ، أنا الحسين بن يحيى بن عياش نا عباس بن عبد الله الترقفي ، نا أبو جابر المكي ، نا أبو بكر الهذلي ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع قال : قيل يا رسول الله من في الجنّة قال : «النبيّ والشهيد والمولود في الجنّة ، والموؤدة في الجنة».

وهذا يحتمل إن صح أن يكون المراد به موؤدة فساق المسلمين ، أو من كتب في اللوح المحفوظ سعيدا ، وأمّا ذراري المسلمين فمن ألحق ذراري المشركين بآبائهم في أحكام الدنيا والآخرة ، ألحق ذراري المسلمين ـ أيضا ـ بآبائهم في أحكام الدنيا والآخرة ، ومن زعم أن أولاد المشركين خدّام أهل الجنّة حكم في أولاد المسلمين بكونهم في الجنة واحتج بما :

٦٣٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر الداربردي ـ بمرو ، نا أبو المثنى العنبري ، نا مسدد نا يحيى ، عن التيمي ، عن أبي السليل ، عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة توفي لي ابنان فهل سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صغارهم دعاميص الجنّة ، يلقى أحدهم أباه أو أبويه فيأخذ بصنفة ثوبه كما أخذت بصنفة ثوبك ، فلا يفارقك حتى يدخله الله وأباه الجنّة».

رواه مسلم في «الصحيح» عن عبيد الله بن سعيد ، عن يحيى بن سعيد (١) والأخبار في هذا المعنى كثيرة.

٦٣٤ ـ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، نا أبو

__________________

(١) كتاب البر والصلة والأدب (٤ / ٢٠٢٩).

٣٥٦

الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة / نا محمد بن عبد الله بن سليمان ، نا وكيع ، عن سفيان عن ابن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أولاد المسلمين في جبل في الجنّة يكفلهم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وسارة فإذا كان يوم القيامة دفعوا إلى آبائهم».

وروي ـ أيضا ـ من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا.

٦٣٥ ـ حدثنا (١) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو [عمرو] (٢) ابن السماك ، أنا عبد الرحمن بن محمد الحارثي ، نا علي بن قادم ، نا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن زاذان ، عن علي في قول الله ـ عزوجل ـ : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٣) قال : هم أطفال المسلمين.

٦٣٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا محمد بن علي الصغاني بمكة نا إسحاق بن إبراهيم بن عبّاد ، أنا عبد الرزاق أنا الثوري ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ـ عزوجل ـ : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٤) قال : إن الله ـ عزوجل ـ يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنّة ، وإن كانوا دونه في العمل ، ثمّ قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ) (٥) يقول : وما نقصناهم.

٦٣٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن القاضي ومحمد بن موسى قالوا : نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا إبراهيم بن سليمان ، نا أحمد بن إشكيب الصفّار ، نا محمد بن بشر ،

__________________

(١) في الأصل صيغة الأداء مختصرة [أنا].

(٢) في الأصل [عمر] والتصحيح من مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٥ / ٤٤٤).

(٣) سورة المدثر ، الآية رقم (٣٩).

(٤) سورة الطور ، الآية رقم (٢١).

(٥) سورة الطور ، الآية رقم (٢١).

٣٥٧

عن سفيان الثوري ، عن سماعة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كانوا لم يبلغوها في العمل ليقرّ به عينه ، ثمّ قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) (١)» الآية.

٦٣٨ ـ وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال : أنا أبو الحسن الطرائفي ، نا عثمان بن سعيد ، نا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٢) فأنزل الله سبحانه بعد هذا (أَلْحَقْنا / بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٣) بإيمان فأدخل الله ـ عزوجل ـ الأبناء الجنّة لصلاح الآباء.

٦٣٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ونا أبو بكر القاضي قالا : نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا محمد بن إسحاق ، أنا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق ، عن زائدة عن ميسرة الأشجعي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن كعب قال : «جنّة المأوى فيها طير خضر ترتعي فيها أرواح الشهداء تسرح في الجنّة ، وأرواح آل فرعون ـ أراه قال : في طير سود تغدو على النّار وتروح ، وإن أطفال المسلمين في عصافير في الجنّة».

وذكر الشافعي في «كتاب المناسك» ما دل على صحة هذه الطريقة وهو فيما :

٦٤٠ ـ أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة ، عن أبي العبّاس ، عن الربيع عن الشافعيّ قال : «إن الله ـ عزوجل ـ بفضل نعمته أثاب الناس على الأعمال أضعافها ومنّ على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٤) فلمّا منّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل ، كان أن منّ عليهم بأن يكتب لهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى

__________________

(١) سورة الطور ، الآية رقم (٢١).

(٢) سورة النجم ، الآية رقم (٤).

(٣) سورة الطور ، الآية رقم (٢١).

(٤) سورة الطور ، الآية رقم (٢١).

٣٥٨

وقد جاءت الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنّة.

قال الشيخ : ومن ذهب إلى هذا زعم أن الأحاديث التي وردت في التوقف كانت قبل نزول الآية ، والله أعلم.

قال الشيخ : ومن ذهب في أولاد المشركين إلى التوقف ، وزعم أن أمرهم إلى ما علم الله ـ عزوجل ـ منهم فكذلك ذهب في أولاد المسلمين إلى التوقف ، وزعم أن أمرهم موكول إلى ما علم الله ـ عزوجل ـ منهم ، وحمل ما مضى من الأخبار على من علم الله سعادته ، وجرى القلم بكونه من أهل الجنّة ، وذهب إلى أن ابن عباس رجع عن قوله في القطع بذلك بدليل ما مضى في رواية عمّار بن أبي عمّار عنه واحتج بما.

٦٤١ ـ أخبرنا أبو ذر محمد بن الحسين بن أبي القاسم المذكر ، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفّار الزاهد نا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤدب / ، نا أبو محمد الحسين بن حفص ، عن سفيان ، عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين أنّها قالت : أتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصبي من الأنصار ليصلي عليه قالت : فقلت يا رسول الله ، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنّة لم يعمل سوءا ولم يدره فقال : «أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق الجنّة وخلق لها أهلا ، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النّار وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم».

رواه مسلم في «الصحيح» عن سليمان بن معبد عن الحسين بن حفص (١).

٦٤٢ ـ أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود السجستاني ، نا القعنبي ، نا المعتمر ، عن أبيه ، عن رقبة بن مصقلة عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا».

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٥٠).

٣٥٩

رواه مسلم في «الصحيح» عن القعنبي (١).

٦٤٣ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا علي بن حمشاذ العدل ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا أبو الوليد ، نا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال : سئل ابن عباس عن الولدان في الجنّة هم؟ قال : حسبك ما اختصم فيه موسى والخضر.

وفي هذين الحديثين الثابتين دلالة على صحة قول من زعم أن أمرهم موكول إلى ما علم الله منهم ، وفيها الدلالة على أن قوله : «كل مولود يولد على الفطرة» معناه على ما حكينا عن حمّاد بن سلمة وإسحاق بن إبراهيم ، أو على ما حكينا عن عبد الله بن المبارك ، وعلى مثل قوله دل قول الأوزاعي ومالك ، أو على ما حكينا عن الشافعي من أن المراد بالفطرة الخلقة.

والمقصود من الخبر البيان أن لا حكم للطفل في نفسه ، إنّما حكمه بأبويه ، وأراد حكم الدنيا ، لا حكم الآخرة ، ثمّ يكون حكم الآخرة على ما دل عليه آخر الخبر وذهب إليه من قبله من الأئمة.

وفيه وجه آخر / ذكره أبو سليمان الخطابي ـ رحمه‌الله ـ وهو أن يكون معناه ، أن كل مولود من البشر في أول مبدأ الخلقة وأصل الجبلّة على الفطرة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها وخلي سبيله لاستمر على لزومها ، ولم ينتقل عنها إلى غيرها ، وذلك أن هذا الدين موجود حسنه في العقول ويسره في النفوس ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره ، ويؤثره عليه لأنه من آفات النفوس النشوء والتقليد ، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ولم يختر عليه ما سواه ، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم ، فينزلون بذلك عن الفطرة السليمة ، وعن المحجة المستقيمة ، وحاصل المعنى من هذا الحديث إنما هو الثناء على هذا الدين والإخبار عن محلّه من العقول ، وحسن موقعه من النفوس ، وليس من

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٥٠).

٣٦٠