كتاب القضاء والقدر

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

كتاب القضاء والقدر

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: محمّد بن عبدالله آل عامر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة العبيكان
الطبعة: ١
ISBN: 9960-20-621-1
الصفحات: ٤٤٥

فاعلها باختياره ومشيئته ، وذلك كله مخلوق لله فهي فعل العبد ، وهي مفعول للرب» (١).

ثم إن «من المستقر في فطر الناس ، أن من فعل العدل فهو عادل ، ومن فعل الظلم فهو ظالم ، ومن فعل الكذب فهو كاذب ، فإذا لم يكن العبد فاعلا لكذبه وظلمه وعدله ، بل الله فاعل ذلك لزم أن يكون هو المتصف بالكذب والظلم» (٢).

وأيضا فإن «الشرع والعقل متفقان على أن العبد يحمد ويذم على فعله ، ويكون حسنه له أو سيئه ، فلو لم يكن إلّا فعل غيره لكان ذلك الغير هو المحمود المذموم عليها» (٣).

والقرآن والسنّة مملوءان بذكر إضافة أفعال العباد إليهم ، ومن ذلك قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤) وقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٥) وقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) (٦) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٧) وغيرها كثير جدا (٨).

المسألة الثانية :

أن الأشاعرة جعلوا قدرة العبد واستطاعته كلّها مقارنة للفعل ، لا يجوز أن تتقدمه ، ولا أن تتأخر عنه ، القول الذي أوقعهم في الحيرة والاضطراب ولم يجدوا معه توجيها سليما للاستطاعة والقدرة ، التي هي شرط للعمل ، والتي بمعنى الصحة وسلامة الآلات.

بينما قال أهل الحق والهدى ، أهل السنّة والجماعة ، إن لفظ القدرة والاستطاعة يتناول نوعين :

__________________

(١) «مجموع الفتاوى» (٢ / ١١٩ ـ ١٢٩) وانظر : «منهاج السنّة» (١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٦).

(٢) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١١٩).

(٣) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٠).

(٤) سورة السجدة ، الآية رقم (١٧).

(٥) سورة فصلت ، الآية رقم (٤٠).

(٦) سورة التوبة ، الآية رقم (١٠٥).

(٧) سورة البقرة ، الآية رقم (٢٧٧).

(٨) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٠).

٨١

أحدهما : القدرة والاستطاعة التي بمعنى الصحة والوسع ، والتمكن وسلامة الآلات ، وهي القدرة الشرعية المصححة للفعل والتي هي مناط الأمر والنهي.

وهذه لا يجب أن تقارن الفعل ، بل تكون قبله متقدمة عليه ، وهي صالحة للضدين ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) فإن هذه الاستطاعة لو كانت هي المقارنة للفعل لم يجب حج البيت إلّا على من حج ، فلا يكون من لم يحجّه عاصيا بترك الحج ، سواء كان له زاد وراحلة وهو قادر على الحج أو لم يكن. وكذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمران بن حصين» (٢) : صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» وكذا قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» لو أراد استطاعة لا تكون إلّا مع الفعل لكان قد قال فافعلوا منه ما تفعلون ، فلا يكون من لم يفعل شيئا عاصيا له ، وهذه الاستطاعة المذكورة في كتب الفقهاء ، وهي الغالبة في عرف الناس (٤).

والثاني : القدرة والاستطاعة الموجبة للفعل معها ، وهي المقارنة للفعل ، الموجبة له ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٥) وقوله : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (٦).

و «المراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم ، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية رقم (٩٧).

(٢) أخرجه البخاري ، في كتاب تقصير الصلاة ، باب : إذا لم يطق قاعدا ... رقم (١١١٧).

(٣) سورة التغابن ، الآية رقم (١٦).

(٤) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٩ ـ ١٣٠) وانظر (٨ / ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٦ ، ٤٤١) و «منهاج السنّة» (١ / ٧ ـ ٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٣).

(٥) سورة هود ، الآية رقم (٢٠).

(٦) سورة الكهف ، الآية رقم (١٠١).

٨٢

أرادوه ، وهذه حال من صدّه هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها وقد أخبر أنّه لا يستطيع ذلك ، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة له» (١) وهي الاستطاعة الكونية ومناط القضاء والقدر.

وبهذا يزول الاشتباه الذي أشكل على الأشاعرة وغيرهم في هذه المسألة ، علما أن كثيرا من فقهاء الأشاعرة أنفسهم يتناقضون ؛ «فإذا خاضوا مع من يقول من المتكلمين ـ المثبتين للقدر إن الاستطاعة لا تكون إلّا مع الفعل وافقوهم على ذلك ، وإذا خاضوا في الفقه أثبتوا الاستطاعة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي» (٢).

وأمّا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة فيقولون :

«إنّ العباد فاعلون حقيقة. والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣) (٤).

وهذا الكلام وإن كان في غاية الوضوح إلّا أنني أرغب في إثبات بعض النكت النافعة التي ذكرها شيخ الإسلام ـ ابن تيمية ـ رحمه‌الله تعالى ـ فيما يتعلق بالمسألة.

الأولى :

إذ كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، وهي فعل لهم حقيقة ، فكيف نجمع بين الأمرين؟

يقول شيخ الإسلام ـ ابن تيميّة :

__________________

(١) «درء تعارض العقل والنقل» (١ / ٦١). وانظر «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٩ ـ ١٣١ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٦ ، ٣٤١) و «منهاج السنّة» (١ / ٧ ـ ٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٣) و «مجموع الفتاوى» (١٠ / ٣٢) وشرح حديث أني حرمت الظلم ... مجموع الفتاوى (١٨ / ١٧٢ ـ ١٧٣).

(٢) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٣٠).

(٣) سورة التكوير ، الآية رقم (٢٨ ، ٢٩).

(٤) «العقيدة الواسطية» (ص ١٧٥).

٨٣

«قول القائل : هذا فعل هذا : لفظ فيه إجمال ، فإنه تارة يراد بالفعل نفس الفعل ، وتارة يراد به مسمى المصدر ، فيقول : فعلت هذا أفعله فعلا ، وعملت هذا أعمله عملا ، فإذا أريد بالعمل نفس العمل الذي هو مسمى المصدر كصلاة الإنسان وصيامه ونحو ذلك ، فالعمل هنا هو المعمول ، وقد اتحد هنا مسمى المصدر والفعل ، وإذا أريد بذلك ما يحصل بعمله كنساجة الثوب وبناء الدار ونحو ذلك ، فالعمل هنا غير المعمول ، قال تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (١) فجعل هذه المصنوعات معمولة للجن ، ومن هذا الباب قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها ... والمقصود أن لفظ «الفعل» و «العمل» و «الصنع» أنواع وذلك كلفظ البناء والخياطة والتجارة تقع على نفس مسمى المصدر ، وعلى المفعول وكذلك لفظ «التلاوة» و «القراءة» و «الكلام» و «القول» يقع على نفس مسمى المصدر ، وعلى ما يحصل بذلك من نفس القرآن المقروء المتلو ، كما يراد بها مسمى المصدر.

والمقصود أن القائل إذا قائل : هذه التصرفات فعل الله أو فعل العبد ، فإن أراد بذلك أنها فعل الله بمعنى المصدر فهذا باطل باتفاق المسلمين ، وبصريح العقل ، ولكن من قال هي فعل الله وأراد به أنها مفعولة مخلوقة لله كسائر المخلوقات فهذا حق» ، ثم وضح المسألة فقال : «وأما من قال : خلق الرب تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته ، قال : إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات ، ومفعولة للرب كسائر المفعولات ، ولم يقل : إنها نفس فعل الرب وخلقه ، بل قال : إنها نفس فعل العبد ، وعلى هذا تزول الشبهة ، فإنه يقال : الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلا له ، كما يفعلها العبد ، وتقوم به ، ولا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية رقم (١٣).

(٢) سورة الصافات ، الآية رقم (٩٦).

٨٤

والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك ، فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به ، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعما مرا أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح ، لم يكن هو متصفا بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة والمكروهة والأفعال القبيحة ، ومعنى قبحها كونها ضارة لفاعلها ، وسببا لذمه وعقابه ، وجالبة لألمه وعذابه ، وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به لا على الخالق الذي خلقها فعلا لغيره» (١).

المسألة الثانية : مسألة قدرة العبد ، وهل لها تأثير؟

فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «التأثير اسم مشترك ، قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع ، فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا لله ، لم يقله سنيّ ، وإنّما هو المعزو إلى أهل الضلال ، وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إنما في صفة من صفات الفعل ، أو في وجه من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات فهو أيضا باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل ، إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله ـ سبحانه ـ في ذرة أو فيل ، وهل هو إلا شرك دون شرك ، وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلّا نحو الحق. وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة ، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الفعل بهذه القدرة ، كما خلق النبات بالماء ، وكما خلق الغيث بالسحاب ، وكما خلق جميع المسببات ، والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق ، وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات ، وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا ، وإلّا فيكون إثبات جميع الأسباب شركا ، وقد قال الحكيم الخبير : (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) وقال تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ).

فبين أنّه المعذّب ، وأن أيدينا أسباب وآلات وأوساط وأدوات في

__________________

(١) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢١ ـ ١٢٣).

٨٥

وصول العذاب إليهم» وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني حتى أصلي عليه ، فإن الله جاعل بصلاتي عليه بركة ورحمة».

فالله سبحانه هو الذي يجعل الرحمة ، وذلك إنّما يجعله بصلاة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال في موضع آخر : «الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنّة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر ، المخالفون للمعتزلة : إثبات الأسباب ، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها ، والله تعالى ـ خلق الأسباب والمسببات والأسباب ليست مستقلة بالمسببات ، بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها ، ولها مع ذلك أضداد تمانعها ، والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه ، ويدفع عنه أضداده المعارضة له وهو ـ سبحانه ـ يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته ، كما يخلق سائر المخلوقات ، فقدرة العبد سبب من الأسباب ، وفعل العبد لا يكون بها وحدها ، بل لا بد من الإرادة الجازمة مع القدرة ، وإذا أريد بالقدرة القوة القائمة بالأسباب ، فلا بد من إزالة الموانع كإزالة القيد والحبس ونحو ذلك ، والصد عن السبيل كالعدو وغيره» (٢).

المسألة الثالثة :

ما المراد بالكسب عند أهل السنّة والجماعة؟

__________________

(١) «مجموع الفتاوى» (٨ / ٣٨٩ ، ٣٩٠).

(٢) «مجموع الفتاوى» (ص ٤٨٧ ، ٤٨٨). وانظر في مسألة : خلق أفعال العباد. «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه‌الله ـ ٨٠ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢٤ ، ١٣٤ ، ٣٨٧ ، ٤٠٣ ، ٤٠٧ ، ٤٦٧ ، ٤٦٨ ، ٤٨٧) و «منهاج السنّة» (١ / ٣٢٣) و «درء تعارض العقل والنقل» (١ / ٨٢ ـ ٨٤) (٤ / ٦٥) (٦ / ٤٩) (٧ / ٢٤٧ ، ٢٤٨) (٩ / ١٦٧) و (١٠ / ١١٤ ، ١١٥) و «أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل» ضمن مجموع الفتاوى (٨ / ١٢٨ ، ١٣٦ ، ١٣٧) و «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» للعلامة ابن قيم الجوزية. وما كتبه الأستاذ : عبد الرحمن بن صالح المحمود ـ وفقه الله ـ في كتابيه «القضاء والقدر» و «منهج شيخ الإسلام في الرد على الأشاعرة» ومنهما استفدنا.

٨٦

كثيرا ما نجد علماء أهل السنّة يذكرون أن أفعال العباد كسب لهم ؛ الأمر الذي قد يوقع في الالتباس أو الإيهام في ظل استخدام الأشاعرة نفس اللفظ للتعبير عن مذهبهم ، فما مراد أهل السنّة بالكسب؟

يقول شيخ الإسلام ـ ابن تيميّة ـ رحمه‌الله ـ :

«الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر ، كما قال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فبين سبحانه أن كسب النفس لها أو عليها ، والناس يقولون : فلان كسب مالا أو حمدا أو شرفا كما أنه ينتفع بذلك ، ولما كان العباد يكملون بأفعالهم ويصلحون بها ، إذ كانوا في أول الخلق خلقوا ناقصين صح إثبات السبب ، إذ كمالهم وصلاحهم عن أفعالهم ، والله سبحانه وتعالى فعله وصنعه عن كماله وجلاله ، فأفعاله عن أسمائه وصفاته ومشتقة منها ، كما قال سبحانه وتعالى : «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي» والعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله فيحدث له اسم العالم والكامل بعد حدوث العلم والكمال فيه» (١).

__________________

(١) «مجموع الفتاوى» (٨ / ٣٨٧).

٨٧

المبحث الثاني

اسم الكتاب :

جاء اسمه على الورقة الأولى من مخطوطة هذا الكتاب هكذا «القضاء والقدر» وقد نشرت صورتها في أوّل الأوراق المصورة بعد هذه المقدمة.

ولكنّ بعض الباحثين الفضلاء قدحوا في صحة هذه التسمية ، ورجحوا أنّ الصحيح في اسمه هو «القدر» مستأنسين في ذلك بما ذكره المصنف في أوّل الكتاب من قوله : «كتاب إثبات القدر والبيان من كتاب الله».

وبما سماه به من ذكره من أهل العلم وعزا إليه ، وذهبوا إلى احتمال زيادة لفظ «القضاء» في النسخة من قبل الناسخ!

وأقول : ليس ما ادّعوه من احتمال الزيادة أولى من احتمال الاختصار الوارد على ما استأنسوا به ، خاصة وأن لفظي «القضاء» و «لقدر» من الألفاظ التي ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنّهما بمعنى واحد ، وأيضا فإنّ من المعروف أن كثيرا من العلماء يتعمد ذكر أسماء بعض الكتب بلفظ مختصر ودال على المضمون ، ولو أخذنا ما استأنسوا به ذريعة إلى تغيير اسم المخطوط لبدلت أسماء كثير من المخطوطات والكتب!

ثم إنّ هذه النسخة للكتاب نقلت إلينا بإسناد متصل صحيح كما هو مبين في توثيق نسبة الكتاب إلى مصنفه ـ مما يبعث على الثقة في صحة التسمية الواردة على طرّة المخطوط ، ويدرأ الوهم الذي ذكر.

٨٨

المبحث الثالث

توثيق نسبته للمؤلف :

ليس من شك في صحة نسبة هذا الكتاب لمؤلفه أحمد بن الحسين البيهقيّ فذلك أمر مقطوع به لشهرة هذا الكتاب ، وللأدلة المتوافرة على ذلك ، ويأتي من تلك الأدلة ما يلي :

أولا : ما جاء على طرّة الكتاب من نسبته إلى مصنفه.

ثانيا : اتصال سند النسخة إلى المصنف. فجاء على طرّة النسخة إسناد صحيح متصل إلى المصنف من طريقين.

الأول : عن أبي الحسن المرادي ، عن عبد الجبار بن محمد البيهقيّ ، عن المصنف به.

والثاني : عن أبي الحسن المرادي ـ نفسه ـ عن عبد الله بن أحمد البيهقيّ ، عن المصنف به.

وأبو الحسن المرادي هو : علي بن سليمان بن أحمد المراديّ ، القرطبيّ ، الشّقوريّ ، الشافعيّ ، ولد قبل الخمسمائة ، ومات سنة أربع وأربعين وخمسمائة وصفه الذهبي ب «العلامة ، الفقيه ، المحدث» ارتحل وطاف البلدان ، وأشادت كتب التراجم والسير برحلته إلى خراسان وتحصيله لكتب «البيهقي» عن تلاميذه ، حتى عوّل عليه فيها محدّث الشام ورفيقه في الطلب ابن عساكر الدمشقي (١).

وأمّا الراوي عن المصنّف في الطريق الأول فهو : أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد ، الخواريّ ، البيهقي ولد سنة خمس

__________________

(١) انظر : «الأنساب» (٧ / ٦٧) و «السير» (٢٠ / ١٨٧) و «طبقات السبكيّ» (٧ / ٢٢٤).

٨٩

وأربعين وأربعمائة ، وتوفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة وقيل غير ذلك. وصفه الذهبي ب «الشيخ ، الإمام ، المفتي ، المعمّر ، الثقة ، إمام جامع نيسابور المينعيّ».

أشادت به المصادر والمراجع التي تناولته بالترجمة وذكرت أنّه كان أحد المكثرين عن البيهقيّ ، والمشهورين بالأخذ عنه (١).

أمّا الراوي عن المصنّف في الطريق الثاني فهو : أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن حسين بن فطيمة الخسروجرديّ الشافعيّ قاضي «بيهق». ولد سنة بضع وأربعين وأربعمائة ، وصفه الذهبي ب «الشيخ ، الإمام ، الفقيه ، المسند القاضي» وهو ـ أيضا ممن أشادت به المصادر التي تناولته بالترجمة ، وبكثرة مسموعاته وحسن سيرته ، وكان ممن احتاج إليه الناس في وصل روايتهم لمصنفات «البيهقي» (٢).

ثالثا : أن المصنف ذكر هذا الكتاب وأحال عليه في مواطن كثيرة من كتبه الأخرى مثل :

كتاب «الأسماء والصفات» وكتاب «الاعتقاد» وكتاب «دلائل النبوة» وكتاب «شعب الإيمان» وغيرها.

رابعا : أن المصنف ذكر في كتابه هذا بعض كتبه الأخرى وأحال عليها.

خامسا : ذكر طائفة من العلماء الأعلام لهذا الكتاب وبعضهم نقل منه أو عزا إليه ، ومنهم :

١ ـ الإمام أبو سعد السمعاني.

فقد ذكر في كتابه «الأنساب» (٢ / ٣١٨) أنّه تلقاه ـ أي كتاب القدر ـ سماعا من أحد تلاميذ البيهقي.

__________________

(١) انظر : «الأنساب» (٥ / ١٩٦) و «التعبير» (١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥) و «السير» (٢٠ / ٧١) و «طبقات السبكيّ» (٧ / ١٤٤).

(٢) انظر : «التحبير» (١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥) و «السير» (٢٠ / ٦٠) و «طبقات السبكيّ» (٧ / ٧٣).

٩٠

٢ ـ النووي :

فقال في شرحه على «صحيح مسلم» (١ / ١٥٥) ـ بعد أن نقل الإجماع على إثبات القدر ـ : «وقد أكثر العلماء من التصنيف فيه ، ومن أحسن المصنفات فيه وأكثرها فوائد كتاب الحافظ الفقيه أبي بكر البيهقيّ».

٣ ـ ابن رجب الحنبليّ.

فذكره في معرض إيراده لروايات حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ «إنّ أحدكم يجمع خلقه ...» في كتابه «جامع العلوم والحكم» (١ / ١٦٢) وعزا إحدى الروايات إلى البيهقيّ في كتابه هذا «القدر» وهي بعينها موجودة في هذا الكتاب.

وغيرهم من أهل العلم ممن ذكره ، أو نقل منه ، أو عزا إليه.

سادسا : رواية طائفة لكتاب «القدر» بسندهم إلى مصنفه ، ومنهم :

١ ـ الإمام أبو سعد السمعاني.

فقد ذكر في كتابه «الأنساب» (٢ / ٣١٨) أنّه رواه عن أحد تلاميذ البيهقيّ.

٢ ـ ابن حجر العسقلاني :

فذكره في كتابه «المعجم المفهرس» (ص ٥٧) وقال : أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن أبي المجد شفاها ، وأبو هريرة ابن الذهبي إجازة ، قالا : أنبأنا أبو محمد القاسم بن المظفّر إجازة ، إن لم يكن سماعا ، عن محمد بن غسان ، أنبأنا الحافظ أبو القاسم بن عساكر ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ به.

٣ ـ الروداني محمد بن سليمان.

وذلك في كتابه «صلة الخلف بموصول السلف» ؛ فرواه من طرق ذكرها أول الكتاب المذكور آنفا عن الحافظ ابن حجر العسقلاني ، عن

٩١

أبي هريرة بن محمد الذهبي ... به كما تقدم (١).

سابعا : بدء أسانيد هذا الكتاب بشيوخ المصنف المشهورين وانظر شيوخ المصنف.

ثامنا : السماعان اللذان جاء أحدهما على طرّة النسخة والآخر في آخر النسخة. وقد تضمنا أسماء عدد من أساطين الرواية في زمانهم ، وكان منهم محدث الشام ومصنّف «تاريخ دمشق» ابن عساكر الدمشقي (ت ٥٧١) (٢).

أمّا عن السماع الأول فكان في العام السادس والخمسين بعد الستمائة للهجرة النبوية ، ولسقط أصاب الطرف الأيسر والسطر الأخير من الورقة الأولى وذلك حين تصويرها من أصلها ؛ فقد جاء السماع ناقصا ، إلّا أنني آثرت نقل ما تيسر منه مع الإشارة في مكان السقط إلى ما سقط ، أو ما لم أتمكن من قراءته.

نص السماع الأول :

سمع جميع هذا الكتاب وهو كتاب «القضاء والقدر» على شيخنا الإمام الحافظ العالم العلامة سيد الفقهاء والعلماء .. وبقية السلف الصالح (٣) مفتى الفرق عماد الدين أبي الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدين أبي القاسم عبد الله بن محمد الأنصاري ، بقراءة الفقيه شرف الدين أحمد بن ... الفراوي أخوه بهاء الدين عبد الرحمن بن ... أبي الفداء إسماعيل ، وعماد أبناء ابني المسمع القاضي محيي الدين أبي عبد الله ، والقاضي جمال الدين أبي القاسم ، والقاسم أحمد ومحيي أبناء يحيى ، ومحمد وأحمد الفراويان. وصح وثبت

__________________

(١) «صلة الخلف بموصول السلف» نشر ضمن مجلة معهد المخطوطات العربية ، مجلد : (٢٩ / ١٢ / ٥١).

(٢) انظر في ترجمته : «وفيات الأعيان» (٣ / ٣٠٩ ـ ٣١١) و «السير» (٢٠ / ٥٥٤) و «طبقات السبكيّ» (٧ / ٢١٥ ـ ٢٢٣) ، و «شذرات الذهب» (٤ / ٢٣٩ ، ٢٤٠).

(٣) تكررت [بقية السلف الصالح] في السماع مرتين.

٩٢

سماعهم يوم الثلاثاء السادس .. من سنة ست وخمسين وستمائة .. دمشق مقصوره ... (١).

نص السماع الثاني :

سمع جميع هذا على سيدنا الشيخ الأجل الفقيه الإمام العالم الثقة تقي الدين صدر الحفاظ ناصر السنة محدث الشام أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، أبقاه الله ـ جاوره أبو طاهر محمد بن القاسم بن علي ، وبنو أخيه القضاة : أبو الفضل أحمد ، وأبو البركات الحسن ، وأبو منصور بن عبد الرحمن ، وأبو محاسن نصر الله بن القاضي ، وأبي عبد الله بن الحسن ، بقراءة القاضي أبي المواهب الحسن أخوه أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعد الدين الحنفي ، والشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن عقيل بن علي التغلبي ، وأبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عقيل ، وعبد الرحمن بن علي ... الأنصاري ، وبنو أخيه عبد الخالق ومحمد ـ وهم بنو غسان. والشيخ أبو بكر محمد بن بركة بن خلف بن كثير ، والقاضي أبو المعالي محمد بن القاضي بن أبي الدز أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي ، وأبو عبد الله الحسين بن عبد الرحمن بن الحسين بن عبدان أبو منصور بن طاهر أبي القاسم الصفّارين ، وعبد الواحد بن بركات بن أبي الحسين الصفّارين ، وعبد الرحمن بن جعبر بن حازم الأومي ، وأبو القاسم محمد بن محمد بن معاذ الخرقاني ، وأبو العزيز عبد الرحمن بن أحمد ، ويونس بن الملك بن قفشود ، وعلي بن الخضر بن يحيى المؤدّب ، وخضر بن سلطان بن كرم ، وإبراهيم بن عطاء بن إبراهيم ، والحسن بن إسماعيل بن حسن الإسكندراني ، وأبو الفضل بن أبي غالب بن حسن الجرائحي ، وأبو نصر محمد هبة الله بن محمد ، وعبد الله بن محمد بن هبة الله السيرابان ، وعبد الله الواحد بن عبد بن

__________________

(١) هذا ما تيسر قراءة من السماع لما سبق ، والساقط قرابة سطر لا يزيد.

٩٣

سنان المصري ، وإبراهيم بن مهدي بن علي الشاغوري ، ويوسف بن الحسين بن محمد ، وأحمد بن أبي بكر بن الحسن المصري ، وأبو الفضل بن محمد بن منصور الخزاعي ، ومحمد بن عبد الواحد البغدادي. وصح في يوم الخميس ثامن عشر شعبان سنة خمس وستين وخمسمائة وصح مقابلته مع الأصل.

فرحم الله حفاظ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلولا ما فضّلهم الله به من العلم والإيمان ، وما أودع في أرواحهم من شوامخ الهمم لضاع علم كثير ، ولكان كتاب «القدر» للبيهقيّ اسما يذكر لكتاب يفتقد.

٩٤

المبحث الرابع

وصف النسخة المعتمدة في الإخراج :

هي نسخة وحيدة فريدة ـ فيما أعلم ـ محفوظة في مكتبة الشهيد علي باشا ضمن المكتبة السليمانية ب «استنبول» تحت رقم : (١٤٨٨) وعنها صورة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وتقع في (١١٠) ورقة ، في كل ورقة وجهان ، في كل وجه من (١٨) إلى (٢٠) سطرا.

وفي الوجه الثاني من الورقة الأولى جاء عنوان الكتاب وإسناده إلى مصنفه ، وسماع واحد كما جاء في الوجه الأول من الورقة ما قبل الأخيرة ما يلي : «والفراغ من إتمامه وافق ضحوة يوم الثلاثاء الرابع عشر من صفر سنة ست وستين وخمسمائة ، على يد الفقير إلى رحمة الله تعالى وغفرانه مسعود بن أبي سعيد الدبيلي ، وهو حامد الله تعالى ، ومصلي على محمد وآله أجمعين» وفي الصفحة المقابلة لهذا الإثبات جاء ما يلي : «نظر فيه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى أحمد بن إسحاق بن إبراهيم اللبيب في خامس يوم من شهر صفر سنة أربع وثمانين وستمائة غفر الله له ولوالديه ولصاحب الكتاب ولجميع المسلمين».

ثم جاءت الخاتمة على الوجه الأول من الورقة الأخيرة بسماع على المحدّث ابن عساكر الدمشقيّ ، وهو المحدث المشهور باعتنائه بمصنفات الحافظ البيهقيّ. حتى ذكرت المصادر أنّه ارتحل إلى نيسابور وسمع مصنفات البيهقي من تلاميذه مباشرة قبل أن ينقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.

وهذه النسخة وإن كانت نسخة وحيدة إلّا أنّها قد امتازت بمزايا

٩٥

عديدة ، إذ كتبت بخط نسخي غاية في الإتقان ـ يرتفع إلى آخر القرن السادس الهجري ـ راعى ناسخها فيها قواعد المحدثين في الضبط والتقييد ، ومشى على هذا المنوال في الكتاب كلّه ، فمثلا نجده يضبط الحروف المهملة بأن يضع تحتها حروفا مهملة صغيرة مثلها ، أو يضع فوق الحرف المهمل كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها هكذا (٧) كما نجده يضبط الكلمات التي تشكل بالشكل والإعراب ، ونجده ـ أيضا ـ يستخدم ما تعارف عليه أصحاب الضبط والتقييد للنّسخ من وضع «صح» على ما قد يتطرق إليه الشك ، ويكون صحيحا من حيث الرواية والمعنى ، وعلامة «ص» للتمريض فيما يصح ورودا ورواية ولكنه فاسد من حيث اللفظ أو المعنى ، وغيرها مما يدل على الدقة المتناهية والعناية التامة التي حظيت بها النسخة من قبل ناسخها.

وليس في هوامش الأصل شيء بغير خط كاتبها ، بل فيها لحق بخطه استدراكا لما سها عنه خلال كتابته في مواضع يسيرة.

ورغم كل هذه الدقة والإتقان لم تخل النسخة من أخطاء يسيرة نبهت عليها في مواضعها ، إلّا أنّه ومما يجدر الإشارة إليه هنا أن النسخة المخطوطة حصل بها اضطراب وخلط شديد بين أورقها ، والذي يبدو أن النسخة كانت قد تعرضت لإهمال أدى إلى تبعثر أورقها واختلاطها ثم أعيد تجميعها دون دقّة فحصل التقديم والتأخير الذي جعل إعادة ترتيبها عسيرا شاقا.

فمثلا يبتدئ الكتاب من الورقة الأولى بوجهها الأول ، وما نلبث إلّا يسيرا حتى تفجعنا نهاية الوجه الأول من الورقة العاشرة بما يلي : «أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ـ رحمه‌الله ببغداد ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعيّ ، حدّثنا إسحاق بن الحسن ، حدّثنا أبو نعيم /».

بهذا القدر انقضى الوجه الأول من الورقة العاشرة ، ولكننا ما إن ننقل البصر إلى أعلى الوجه الثاني من الورقة نفسها ، كيما نستكمل قراءة إسناد الحديث حتى نفجع بما يلي : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» فأين

٩٦

أبو نعيم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! وهو الأمر الذي ألجأني إلى بحث وتمحيص ومراجعة لروايات الحديث وطرقه في المصادر الأخرى ـ من مصنفات المؤلف وغيره ـ لنصل ـ بعون الله ـ إلى أنّ بقية الإسناد تأتي في الوجه الثاني من الورقة السبعين ثم ما نكاد نسير حتى ينقطع النص كرة أخرى وفي الورقة التي تليها (الحادية والسبعين / الوجه الأول) لنجد تتمته مع رأس الوجه الثاني من الورقة الثامنة والسبعين وما هو إلّا وجه وآخر حتى ينقطع النص ...! لنجد تتمته في الوجه الثاني من الورقة الحادية والسبعين ، وفي الوجه الأول من الورقة التي تليها ينقطع النص لنجد تتمته في الوجه الثاني من الورقة التاسعة والسبعين ، وما أن نبلغ الثمانين بوجهها الأول حتى نردّ إلى الوجه الثاني من العشرين ...

وهكذا سار بي بقية الكتاب حتى استوى على سوقه ـ والحمد لله ـ واستطعت بفضل الله ومنته إعادة ترتيب أوراق الكتاب إلى ما كان عليه ، مثبتا أرقام صفحات الأصل على هامش المطبوع ليكون أبلغ في توضيح ذلك ، ولتسهيل المراجعة لمن رام ذلك.

لكنّ ما أحزنني بحق هو رداءة تصوير المخطوطة بما لا يكشف كل ما كتب فيها ، وكنت أظنّ أن العيب بالمصورة ، وأنّه لو قدر لي مراجعة أصله المصور على «الميكروفيلم» لاتّضح لي ما صعب عليّ ؛ فلمّا فعلت علمت أن ذلك لا يبلغ في الدقة ما يبلغه الاطلاع على أصل المخطوط الذي وقع أسيرا في المكتبة السليمانية ببلاد الروم الترك!

٩٧

المبحث الخامس

منهجي في الإخراج :

كان هدفي حين عزمت على إخراج هذا الكتاب إخراج النص بصورة صحيحة كما وضعه مصنفه ؛ لذا فقد رسمت لنفسي في سبيل تحقيق ذلك منهجا أسير عليه فيه وهو كالتالي :

أولا : النسخ :

قمت بنسخ الكتاب ثمّ قارنت ما نسخته مع صورة الأصل المخطوط.

ثانيا : ترتيب أوراق الكتاب :

سبق في وصف النسخة المعتمدة في الإخراج أن النسخة المعتمد عليها في إخراج هذا الكتاب تعرضت إلى إهمال أدى إلى حدوث خلل واضطراب في ترتيب أورقها مما سبب لي إشكالا عند نسخي له ، إلّا أنّه وبفضل الله ومنته ، ثم بعد بحث وجهد وتتبع تمكنت من إعادة ترتيب الكتاب إلى صورته الأولى.

ثالثا : الترقيم :

رقمت الأحاديث والآثار التي جاءت في الكتاب بترقيم تسلسلي ، كما أشرت لبدء أوراق المخطوط في الهامش ليسهل الرجوع إليها ووضعتها بين قوسين.

رابعا : الآيات القرآنية :

وضعت الآيات القرآنية بين قوسين ، وعزوتها إلى أماكن من المصحف العثماني ، وذلك بذكر اسم السورة ، ورقم الآية.

٩٨

خامسا : الأحاديث النبوية :

عزوت بالجزء والصفحة ما خرجه المصنف من الأحاديث والآثار إلى أمهات كتب الحديث.

سادسا : التعليق :

لمّا كان المؤلّف أشعري المعتقد فقد استدعى ذلك التنبيه في المواطن التي ذكر فيها مذهبهم في غير موضوع القدر.

أمّا موضوع الكتاب فقد اكتفيت بما جاء في المقدمة من توضيح وبيان ، ومناقشة لما ذكره في ثنايا الكتاب من قضايا تخالف ما عليه أهل السنة في هذا الباب المهم من أبواب الاعتقاد.

سابعا : الاستدراك والتصويب :

مع ما امتازت به النسخة ، فإنّها لم تخل من تصحيفات يسيرة ، أحيانا وسقط أحيانا أخرى ، فقمت باستدراكها من أمهات الكتب الحديثية ، وإثبات الصواب بين قوسين [] في الأصل مع الإشارة إلى ذلك في أسفل الصفحة.

ثامنا : الفهارس :

رأيت أن أذيّل الكتاب ببعض الفهارس التي يمكن أن تخدم الكتاب وتعين على الوصول إلى مباحثه وموضوعاته فكانت الفهارس كما يلي :

١ ـ فهرس الآيات القرآنية.

٢ ـ فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على حروف المعجم.

٣ ـ فهرس الأحاديث مرتبة على المسانيد.

٤ ـ فهرس الأماكن والبقاع.

٥ ـ فهرس الأبيات الشعرية.

٦ ـ فهرس عام.

٩٩
١٠٠