كتاب القضاء والقدر

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

كتاب القضاء والقدر

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: محمّد بن عبدالله آل عامر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة العبيكان
الطبعة: ١
ISBN: 9960-20-621-1
الصفحات: ٤٤٥

ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس قال : خدمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين ، فما أرسلني في حاجة قط فلم تتهيأ إلّا قال : «لو قضي كان ولو قدّر كان».

قال أبو عبد الله : قال أبو علي : لم يحدّث به عن أبي بكر بن أبي شيبة غير أبي يعلى تفرد به.

٢١٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر الفامي قالا : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدّثنا العباس بن محمد الدوريّ ، حدّثنا عفان ، حدّثنا حمّاد بن زيد ، عن أيوب قال : أدركت / الناس وما كلامهم إلّا إن قضي وإن قدّر.

٢٠١

باب

ذكر البيان أنّ ما كتب على

ابن آدم وجرى به القلم أدركه لا محالة

قال الله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) (١) وقال : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٢) وقال : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٣) وقال في الرزق : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) (٤) وقال في العمر : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٥) وقال : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) (٦).

٢١٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن هشام بن أبي الدميك ، حدّثنا خالد بن خداش ، حدّثنا عبد الله بن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قلت يا رسول الله : إنّي غلام شاب أو إنّي رجل شاب ، وإنّي أكره العزوبة ، فائذن لي أن أختصي؟ قال : فأعرض عني مرارا ثمّ قال : «يا أبا هريرة إنّ القلم قد جفّ بما أنت لاق ، فاختصر على ذلك أو ذر. وقال غيره : «فاختصر على ذلك أو ذر».

أخرجه البخاريّ في «الصحيح» فقال : وقال أصبغ : أخبرني ابن وهب (٧).

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية رقم (٣٧).

(٢) سورة الأنبياء ، الآية رقم (٩٥).

(٣) سورة هود ، الآية رقم (٣٦).

(٤) سورة الزخرف ، الآية رقم (٣٢).

(٥) سورة الأعراف ، الآية رقم (٣٤).

(٦) سورة المنافقون ، الآية رقم (١١).

(٧) كتاب النكاح (٥٠٧٦) باب : ما يكره من التبتل والخصا.

٢٠٢

٢١٥ ـ أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ، أخبرني هارون بن يوسف ، حدّثنا ابن أبي عمر ، حدثنا عبد الرّزاق ، أخبرنا معمر عن [ابن] (١) طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللّمم ممّا قال أبو هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله ـ عزوجل ـ كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العينين النّظر ، وزنا اللّسان المنطق ، والنّفس تمنّى وتشتهي ، والفرج يصدّق ذلك ويكذّبه».

رواه البخاري في «الصحيح» عن محمود بن غيلان (٢). ورواه مسلم / عن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد كلهم عن عبد الرزاق (٣).

قال البخاري : وقال شبابة عن ورقاء فذكره.

٢١٦ ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا : حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب إملاء ، حدّثنا العبّاس بن محمد الدوري. حدّثنا شبابة بن سوار ، حدّثنا ورقاء بن عمر ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كتب الله على ابن آدم حظّه من الزّنا لا محالة ، فالعين تزني بالنّظر ، واليد بالبطش ، والرجل بالمشي ، والقلب يهمّ ويتمنى ، ويصدّق ذلك كله أو يكذبه الفرج».

٢١٧ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدّثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن أبي الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح ، فإنّما لها ما قدّر لها».

__________________

(١) في الأصل [أبى] وما أثبت من «صحيح البخاري» (٦٦١٢) كتاب القدر باب : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ).

(٢) كتاب القدر (٦٦١٢) باب : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ).

(٣) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٦).

٢٠٣

رواه البخاري في «الصحيح» عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك (١).

٢١٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثني بكير بن أحمد بن سهل الحداد الصوفي ـ بمكة ، حدّثنا بشر بن موسى الأسدي ، حدّثنا أبو نعيم ، حدّثنا سفيان ، عن منصور ، عن عبد الله بن مرة ، عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن النذر وقال : «إنّه لا يردّ شيئا ، إنّما يستخرج به من الشحيح».

رواه البخاري في «الصحيح» عن أبي نعيم (٢).

ورواه «مسلم» من وجه آخر عن سفيان.

٢١٩ ـ حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه المزكى [ح] (٣).

٢٢٠ ـ وأخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو بكر القطّان ، أخبرنا أحمد بن خرشف السلميّ ، حدّثنا عبد الرزّاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : / «لا يأتي ابن آدم النّذر بشيء لم أكن قد قدّرته ، ولكن يلقيه النذر وقد قدّرته له أستخرج من البخيل».

٢٢١ ـ وأخبرنا أبو عمرو الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ، أخبرني الحسن بن سفيان ، حدّثنا حبان ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثله.

رواه البخاري في «الصحيح» (٤) عن بشر بن محمد ، عن عبد الله بن المبارك.

٢٢٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم ، حدّثنا أحمد بن سلمة ، حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا

__________________

(١) كتاب القدر ، باب : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٦٦٠١).

(٢) كتاب القدر ، باب : «إلقاء النّذر العبد إلى القدر» (٦٦٠٨).

(٣) ليست في الأصل وأثبتها جريّا على عادة المصنف.

(٤) كتاب القدر ، باب : «إلقاء النّذر العبد إلى القدر».

٢٠٤

عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ النّذر لا يقرّب لابن آدم شيئا لم يكن الله قدّره ، ولكن النّذر يوافق القدر ، فيستخرج بذلك من البخيل ما لم يخرجه».

رواه مسلم في «الصحيح» عن قتيبة بن سعيد (١).

٢٢٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق ، حدّثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ، حدّثنا زيد بن حباب ، حدّثنا معاوية. وهو ابن صالح ـ قال : أخبرني علي بن أبي طلحة الهاشمي ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن العزل فقال : «ليس من كل الماء يكون الولد ، وإذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء».

رواه مسلم في «الصحيح» عن أحمد بن المنذر [البصري] (٢) عن زيد بن حباب (٣) ، وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا الحديث «سيأتيها ما قدر لها».

٢٢٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا بحر بن نصر ، حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب أن أبا خزامة حدثه أنّ أباه حدّثه أنّه قال : يا رسول الله ، أرأيت دواء نتداوى به / ورقى نسترقيها وتقى نتقيه هل يرد ذلك من قدر الله من شيء؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّه من قدر الله».

٢٢٥ ـ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ـ ببغداد ـ أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا أبو صالح ، حدّثني الليث قال : حدّثني يونس ، عن ابن شهاب قال : حدّثني أبو خزامة ، حدّثني الحارث بن سعد أن أباه أخبره أنّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا

__________________

(١) كتاب النذر (٣ / ١٢٦٢).

(٢) في الأصل [المصري] والتصحيح من «صحيح مسلم» (٢ / ١٠٦٤).

(٣) كتاب النكاح (٢ / ١٠٦٤).

٢٠٥

رسول الله ، أرأيت رقا نسترقيها ودواء نتداوى به واتقاء نتقيه هل يرد من قدر الله من شيء قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّه من قدر الله».

٢٢٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمر وقالا : حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول سمعت سفيان ـ وحدث بحديث أبي خزامة ـ فقال : عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال أبي ، وقد حدّثنا يحيى بن أبي بكير وحسين بن محمد ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن أبي خزامة ، عن أبيه قال أبي.

والحديث إنّما يروى عن أبي خزامة ، عن أبيه ، رواه يونس والزبيدي وهو أصحها.

٢٢٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل ، حدّثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون ح.

٢٢٨ ـ وأخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح المحاربي بالكوفة ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ، حدّثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا جعفر بن عون ، أخبرنا مسعر ح.

٢٢٩ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ و... (١) ، أخبرنا أبو عبد الله الشيباني وأبو عمرو الفقيه قالا : حدّثنا عبد الله بن محمد ، حدّثنا أبو كريب ، حدّثنا وكيع ، عن مسعر ، عن علقمة بن مرثد ، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد ، عن عبد الله قال : قالت أم حبيبة اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأبي ـ أبي سفيان ، / وبأخي معاوية فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قد سألت الله لآجال مضروبة وأيّام معدودة وأرزاق مقسومة ، لن يعجّل شيء قبل حله (٢) ولن يؤخر شيء عن حله ، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النّار وعذاب في القبر كان خيرا وأفضل».

هذا لفظ حديث وكيع وفي رواية جعفر فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) كلمة غير واضحة بالأصل.

(٢) تكررت جملة [لن يعجل شيء قبل حله] في الأصل مرتين.

٢٠٦

إنّك دعوت الله لآجال معلومة وأرزاق مقسومة وآثار مبلوغة ، لا يعجل شيء منها قبل حلّها ، ولا يؤخّر شيء منها بعد حلّها فلو دعوت الله أن يعافيك أو سألت الله أن يعيذك أو يعافيك من عذاب في النّار أو عذاب في القبر لكان خيرا أو كان أفضل».

رواه مسلم في «الصحيح» عن أبي كريب (١).

٢٣٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدّثنا محمد بن كثير ، حدّثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري ، عن المعرور بن سويد ، عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أم حبيبة بنت أبي سفيان : اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سألت الله لآجال مضروبة ، وآثار مبلوغة وأرزاق مقسومة ، لا يعجّل شيء منها قبل حله ، ولا يؤخر شيء منها بعد حله ، فلو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النّار ومن عذاب في القبر لكان خيرا لك».

أخرجه مسلم في «الصحيح» من وجهين آخرين عن سفيان الثوري (٢).

٢٣١ ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن أبي [مسرة] (٣) ، حدّثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدّثنا سفيان ، حدّثنا عمرو بن دينار / قال : سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة قال : سمعت أبا سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين ـ أو قال بخمس وأربعين ليلة ـ فيقول : أي ربّ أشقيّ أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٥٠ ، ٢٠٥١).

(٢) كتاب القدر (٤ / ٢٠٥١ ، ٢٠٥٢).

(٣) في الأصل [ميسرة] وما أثبت من مصادر ترجمته. انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٢ / ٦٣٢).

٢٠٧

ويكتبان ، ثمّ يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته ، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص» وربما قال سفيان : إلى يوم القيامة وربما لم يقلها ـ.

رواه مسلم في «الصحيح» عن إبراهيم ، عن سفيان (١). وقد مضى حديث ابن مسعود في معناه.

٢٣٢ ـ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثني أحمد بن صالح ، حدّثنا ابن وهب قال : أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ، عن السائب ابن مهجان من أهل الشام وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ عمر بن الخطاب خطب بالشام خطبة يأثرها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «وأجملوا في طلب الدنيا ، فإنّ الله قد تكفل بأرزاقكم وكلّ ميسر له عمله الذي كان عاملا ، استعينوا بالله على أعمالكم فإنّه (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢).

٢٣٣ ـ حدّثنا أبو محمد عبيد بن محمد بن محمد بن مهدي ، حدثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا سليمان بن بلال قال : حدّثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، عن أبي حميد الساعدي ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أجملوا في طلب الدنيا ، فإنّ كلا ميسر له ما كتب له منها».

٢٣٤ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثني أبي ، حدّثنا محمد بن بكر عن ابن جريج ، / عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه فلا تستبطئوا الرزق ، واتقوا الله أيّها الناس ، فأجملوا في الطلب ، خذوا ما حلّ ، ودعوا ما حرم».

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٣٧).

(٢) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

٢٠٨

ورويناه أيضا من حديث محمد بن المنكدر عن جابر ، ورويناه من حديث ابن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يستبطئن أحد منكم رزقه ، فإنّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، فاتقوا الله أيّها الناس ، وأجملوا في الطلب».

٢٣٥ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ، حدّثنا أبو بكير ، حدّثني الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن سعيد بن أبي أمية الثقفي ، عن يونس بن [بكير] (١) ، عن ابن مسعود. فذكره مرفوعا.

ورويناه عن عبد الله بن مسعود من قوله : لا يسبق بطيء حظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له ، فمن أعطي خيرا فالله أعطاه ، ومن وقي شرا فالله وقاه.

٢٣٦ ـ أخبرنا أبو محمد السكري ، أخبرنا إسماعيل الصفّار ، حدّثنا عبّاس [الترقفي] (٢) ، حدّثنا أبو عبد الرحمن المقري ، حدّثنا سعيد ـ هو ابن أبي أيوب ـ عن عبد الله بن الوليد ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن أبيه قال : كان عبد الله بن مسعود يقول ، فذكره.

٢٣٧ ـ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، حدّثني أحمد بن عيسى ، حدّثنا ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عيّاش بن عبّاس ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن ابن مسعود ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه مهموما فقال : «لا تكثر همك ، ما يقدّر يكن ، وما ترزق يأتك».

٢٣٨ ـ وحدّثنا أبو محمّد / عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدّثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، حدّثنا

__________________

(١) في الأصل [كبير] وما أثبت هو الصواب ، وانظر : «المستدرك» للحاكم (٢ / ٤) ، و «سير أعلام النبلاء» (٩ / ٢٤٥ ـ ٢٤٨).

(٢) في الأصل [البوققي] والصحيح ما أثبت كما في مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (١٣ / ١٢).

٢٠٩

عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفيّ ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، قال : سمعت مجاهدا يحدّث عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعجلن إلى شيء تظن أنّك إن استعجلت إليه أنّك تدركه ، وإن كان الله لم يقدّره لك ، ولا تستأخرن عن شيء تظن أنّك إن استأخرت أنّه مدفوع عنك ، وإن كان الله قد قدّره عليك».

[عبد الوهاب] (١) بن مجاهد ليس بالقوي ، وفيما قبله كفاية.

٢٣٩ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، حدّثنا أبو عمرو بن نجيد ، حدّثنا أبو بكر الإسماعيلي ـ يعني النّيسابوري ـ حدّثنا هشام بن خالد الأزرق الدمشقيّ ، حدّثنا وليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله».

٢٤٠ ـ أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي ، وأبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن النجار المقرئ ، بالكوفة قالا : حدّثنا محمد بن علي ـ هو ابن دحيم ـ حدّثنا القاضي إبراهيم بن إسحاق ، حدّثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبي قيس الأودي ، عن هذيل بن شرحبيل قال : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سائل فسأله وفي البيت تمرة عائرة فقال : «ها ؛ لو لم تأتها أتتك».

هذا مرسل ، وروي موصولا.

٢٤١ ـ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدّثنا معاذ بن المثنى ، حدّثنا شيبان ، حدّثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن هارون ، عن هذيل بن شرحبيل ، عن عبد الله بن عمرو قال : جاء سائل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا تمرة عائرة فقال : «لو لم تأتها لأتتك».

__________________

(١) في الأصل [عبد الله] وهو خطأ ، والتصويب من الإسناد نفسه ، ومن مصادر ترجمته وانظر : «طبقات ابن سعد» (٥ / ٤٩٦) ، و «تاريخ البخاري الكبير» (٦ / الترجمة ١٨٢٥).

٢١٠

٢٤٢ ـ أخبرنا أبو الحسين / ابن بشران ببغداد أخبرنا ابن شرويه ، حدّثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي ـ وكان ثقة ـ حدّثنا جويبر قال : حدّثني رجل ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إنّ أوّل ما خلق الله ـ عزوجل ـ القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين ، ثمّ خلق النون ـ وهو الحوت ـ وخلق الألواح فكتب فيها الدنيا ، وما يكون فيها إلى يوم القيامة من خلق مخلوق ، وعمل معمول ، برّ أو فجور أو رزق مقسوم ، حرام وحلال ، ثمّ يلزم كلّ شيء من ذلك شأنه متى ملقاه فيها ومتى خروجه منها ، قال ثمّ قال : وذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١) فقال رجل : يا أبا عباس ، ما كنّا نرى هذا إلّا الملائكة تكتب أعمالنا التي نعملها. فقال ابن عباس : ألستم قوم عرب! هل تكون النسخة إلا من كتاب.

٢٤٣ ـ أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ، حدّثنا ابن قتيبة ، حدّثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ، حدّثنا شعيب بن إسحاق ، عن أبي سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا سأل الله أحدكم الرزق فليسأل الحلال ، فإنّ الله يرزق الحلال والحرام».

تفرد به أبو سفيان طريف بن شهاب السعدي ، وليس بالقوي.

٢٤٤ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدّثنا يوسف بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن أبي بكر ، حدّثنا حسّان بن إبراهيم [الكرماني] (٢) ، حدّثنا سعيد بن مسروق ، عن يوسف بن أبي بردة ، عن أبي بردة بن أبي موسى قال : أتيت عائشة فقلت (٣) : يا أماه حدثيني شيئا سمعته من

__________________

(١) سورة الجاثية ، الآية رقم (٢٩).

(٢) في الأصل [الكرامي] والصحيح ما أثبت كما في مصادر ترجمته انظر : «سير أعلام النبلاء» (٩ / ٤٠).

(٣) أدرج في الأصل [فقلت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] ويبدو أنّه سبق قلم من الناسخ.

٢١١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الطير تجري بقدر ، وكان يعجبه الفأل / الحسن».

٢٤٥ ـ أخبرنا أبو علي الروذباري ، وأبو الحسين بن بشران ، قالا : حدّثنا إسماعيل بن محمد الصفّار ، حدّثنا سعدان بن نصر ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر ، عن عبيد بن رفاعة قال : قالت أسماء : يا رسول الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين قال : استرقي لهم ، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين.

رواه أيوب ، عن عمرو ، عن عروة ، عن عبيد ، عن أسماء ، بنت عميس.

٢٤٦ ـ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ببغداد ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفّار ، حدّثنا عباس بن محمد ، حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، حدّثنا زكريا بن منظور الأنصاري ، عن عطاف السامي ، من بني سامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ينفع حذر من قدر ، والدعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل ، وإنّ الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة».

٢٤٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن عبد الحكم القصري ، حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدّثنا ابن أبي فديك ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن مكحول ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لن ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء».

قال الشيخ : ولعبد الرحمن المليكي فيه إسناد آخر عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء».

٢٤٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العبّاس ، حدّثنا العبّاس بن محمد / الدوري ، حدّثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة فذكره. والمليكي وعطاف بن خالد غير قويين ، وأمثل إسناد فيه ما :

٢١٢

٢٤٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر القاضي ، وأبو سعيد الصيرفي قالوا : حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدّثنا معاوية ـ يعني : ابن هشام ـ عن سفيان ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يرد القدر إلّا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلّا البر ، وإنّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».

وكذلك رواه قبيصة وأبو حذيفة ، عن سفيان. وروي عن أبي مودود ، واسمه : فضة ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان مرفوعا في الدعاء. وقد ثبت من أوجه أخر معناه في العمر والرزق.

٢٥٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان [ح] (١) قال :

٢٥١ ـ وأخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي قالا : حدّثنا يحيى بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن عقيل عن [ابن] (٢) شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ؛ فليصل رحمه».

رواه البخاري في «الصحيح» عن يحيى بن بكير (٣). وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الليث (٤) وأخرجه البخاري ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

٢٥٢ ـ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدّثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، حدّثنا علي ـ

__________________

(١) ليست في الأصل وأثبتها جريّا على عادة المصنف وغيره.

(٢) في الأصل [أبي] والصحيح ما أثبت.

(٣) كتاب الآداب (٥٩٨٥) باب : من بسط له في الرزق بصلة الرحم.

(٤) كتاب البر والصلة (٤ / ١٩٨٢).

(٥) كتاب الآداب (٥٩٨٥) باب : من بسط له في الرزق بصلة الرحم.

٢١٣

يعني : ابن عبد الله / المديني ـ حدّثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سره أن يمد الله في عمره ، ويوسّع له رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ؛ فليتق الله ، وليصل رحمه».

قال الشيخ : وتفسير ذلك وما قبله في قول ابن عباس.

٢٥٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر القاضي قالا : حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن المنادي ، حدّثنا شجاع بن الوليد ، حدّثنا أبو سلمة عمرو بن الجون الدالاني ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : إنّ الحذر لا يغني من القدر ، وإنّ الدعاء يدفع القدر ، وهو إذا دفع القدر فهو من القدر.

٢٥٤ ـ وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو عبد الله بن محمد بن يعقوب الحافظ ، حدثنا حامد بن محمود ، حدّثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، حدّثنا حنظلة ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : لا ينفع الحذر من القدر ولكنّ الله ـ عزوجل ـ يمحو بالدعاء ما شاء من القدر.

٢٥٥ ـ وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدّثنا روح بن عبادة ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن سليمان التيميّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله ـ عزوجل ـ : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) قال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من أحد الكتابين ، هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما (وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ). أي : جملة الكتاب.

قال الشيخ : والمعنى في هذا أنّ الله ـ جل ثناؤه ـ قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك ، وأنّه إن دعا الله ـ تعالى ـ أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها ؛ لم يصبه ذلك البلاء ، ورزقه كثيرا ، وعمّره طويلا ، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن /

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

٢١٤

من الأمرين ، فالمحو والإثبات يرجع إلى أحد الكتابين كما أشار إليه ابن عباس ، والله أعلم.

٢٥٦ ـ وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل العوفي ، حدّثنا أبي ، حدّثنا عمي قال : حدّثني أبي ، عن أبيه عطية ، عن ابن عباس ، في قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) قال : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثمّ يعود لمعصية الله ؛ فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ؛ فهو الذي يثبت.

قال الشيخ : وقد دل بعض ما مضى من السنن أنّ الواحد منّا قد يعمل زمانا بمعصية الله ثمّ يختم له بعمل أهل الجنّة ، ويعمل الآخر زمانا بطاعة الله ، ثم يختم له بعمل أهل النار ، فيرجع كل واحد منهما إلى ما سبق من علم الله فيهما ، فيحتمل أن يكون المحو والإثبات راجعين إلى عملهما ، والله أعلم.

٢٥٧ ـ وأمّا ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني محمد بن إسماعيل السكري ، حدّثنا أبو قريش ، حدّثنا أبو محمد نصر بن خلف النيسابوري ، حدّثنا يعلى بن عبيد ، حدّثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال : ما دعا عبد بهذه الدعوات ، إلّا وسّع الله عليه في معيشته : يا ذا المن ، ولا يمنّ عليك ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، ومأمن الخائفين ، إن كنت كتبتني في أم الكتاب عندك شقيا فامح عني اسم الشقاء ، واثبتني عندك سعيدا ، وإن كنت كتبتني في أم الكتاب محروما مقترا عليّ رزقي ، فامح عني حرماني وتقتير رزقي ، واثبتنى عندك سعيدا موفقا للخير ، فإنّك تقول في كتابك (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢) قال : فهذا / موقوف. وروي عن أبي حكيمة ،

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

(٢) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

٢١٥

عن أبي عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب ـ وهو يطوف بالكعبة ـ يقول : اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فاثبتني فيها ، وإن كنت كتبت عليّ الشقاوة والذنب .... (١) فامحني واثبتني في السعادة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢).

هكذا رواه حمّاد بن سلمة ، عن أبي حكيمة وسمعناه. ورواه هشام الدستوائي ، عن أبي حكيمة مختصرا وقال : «فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب». وأبو حكيمة اسمه : عصمة ، بصري تفرد به ، فإن صح شيء من هذا فمعناه يرجع إلى ما ذكرنا من محو العمل والحال ، وتقدير قوله : «اللهم إن كنت كتبتني أعمل عمل الأشقياء ؛ وحالي حال الفقراء برهة من دهري فامح ذلك عني بإثبات عمل السعداء ، وحال الأغنياء ، واجعل خاتمة أمري سعيدا موفقا للخير فإنّك قلت في كتابك : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) أي : من عمل الأشقياء ، (وَيُثْبِتُ) أي : من عمل السعداء ، ويبدل ما يشاء من حال الفقر (ويثبت ما يشاء) من حال الغنى ، ثم المحو والإثبات جميعا مسطوران في أم الكتاب.

٢٥٨ ـ وقد أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو منصور النصروي ، حدّثنا أحمد بن نجدة ، حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا جرير ، عن منصور قال : قلت لمجاهد : ما تقول في هذا الدعاء : اللهم إن كان اسمي في السعداء فاثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم واجعله في السعداء؟

فقال حسن. ثمّ مكثت حولا فسألته عن ذلك فقال : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٣) قال : يفرق في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، فأمّا كتاب الشقاوة والسعادة فإنّه ثابت لا يغيّر.

__________________

(١) كلمة لم أستطع قراءتها.

(٢) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

(٣) سورة الدخان ، الآية رقم (١ ـ ٤).

٢١٦

٢٥٩ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد ، حدّثنا أحمد بن عبيد الله ـ يعني / النرسي ـ حدّثنا عبيد الله بن موسى ، حدّثنا ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، [عن] (١) سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله ـ عزوجل ـ : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢) قال : يريد أمر السماء يعني : في شهر رمضان ، فيمحو ما يشاء غير الشقاء والسعادة والموت والحياة.

٢٦٠ ـ وأخبرنا أبو زكريا ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) يقول : يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه (ويثبت) يقول : يثبت ما يشاء ولا يبدّله (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) يقول : جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ ، وما يبدّل وما يثبت كل ذلك في كتاب.

هذا أصح ما قيل في تأويل هذه الآية ، وأجراه على الأصول. وعلى مثل ذلك حملها الشافعي ـ رحمه‌الله ـ. ومن أهل العلم من زعم أنّ المراد بالزيادة في العمر نفي الآفات عنه ، والزيادة في عقله وفهمه وبصيرته. وأمّا قول الله ـ عزوجل ـ : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) (٣).

٢٦١ ـ فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، أخبرنا أحمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي سعد بن محمد قال : حدّثني عمّي الحسين بن الحسن بن عطية قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) (٤) يقول : ليس أحد قضيت له طول الحياة والعمر إلّا هو بالغ ما قدرت له من العمر ، قد قضيت ذلك فإنّما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له لا يزاد عليه ، وليس أحد قضيت له أنّه قصير العمر ببالغ العمر ولكن

__________________

(١) في الأصل [ابن] وهو خطأ ظاهر.

(٢) سورة الرعد ، الآية رقم (٣٩).

(٣) سورة فاطر ، الآية رقم (١١).

(٤) سورة فاطر ، الآية رقم (١١).

٢١٧

ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له فذلك قوله : (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) (١) يقول : كل ذلك في كتاب عنده.

٢٦٢ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا / أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا إسحاق الحربي ، حدّثنا عفان ، حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) (٢) إلّا كتب عمره كم هو من سنة ، كم هو من شهر ، كم هو من يوم ، كم هو من ساعة ، ثمّ يكتب عدد عمره نقص كذا ، حتى يوافق النقصان العمر.

٢٦٣ ـ أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق ، أخبرنا عبد الخالق بن الحسن ، حدّثنا عبد الله بن ثابت ، أخبرني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، في هذه الآية ـ يعني : من قل عمره أو كثر فهو ينتهي إلى أجله الذي كتب له ، ثمّ قال : ولا ينقص من عمره كل يوم حتى ينتهي إلى أجله إلّا في كتاب يعني : في اللوح المحفوظ مكتوب من قبل أن يخلقه.

٢٦٤ ـ وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (٣) يعني : أجل الموت ، والأجل المسمّى أجل الساعة ، والوقوف عند الله.

٢٦٥ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمّد بن موسى قالا : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، أخبرنا العبّاس بن الوليد البيروتي قال : أخبرني ابن شعيب قال : أخبرني أبو عبد الرحمن بن المبارك الخرساني ، عن الربيع بن أنس في قول الله ـ عزوجل : (أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (٤) قال : أجلا : الموت (أجل مسمى) : الساعة (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) يعني : الشك والريبة في أمر الساعة.

__________________

(١) سورة فاطر ، الآية رقم (١١).

(٢) سورة فاطر ، الآية رقم (١١).

(٣) سورة الأنعام ، الآية رقم (٢).

(٤) سورة الأنعام ، الآية رقم (٢).

٢١٨

وسمعناه رواه منصور ، عن مجاهد ومعمر ، عن الحسن وقتادة والسدي عن أصحابه.

٢٦٦ ـ وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو منصور النصروي ، حدّثنا أحمد بن نجدة ، حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا ابن المبارك قال : سمعت ابن جريج يقول : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (١) قال : من الشرك (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال : / بغير عقوبة (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) قال : الموت.

٢٦٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عبدوس ، حدّثنا عثمان بن سعيد الدارميّ ، حدّثنا القعنبي فيما قرأ على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن عبد الله بن عباس أنّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد ـ أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ـ فأخبروه أنّ الوباء وقع بالشام. وساق الحديث في استشارته إياهم واختلافهم عليه ، إلى أن قال : فنادى عمر في الناس إنّي مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح : أفرارا من قدر الله؟ قال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان أحدهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال : إنّ عندي من هذا علما ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» قال : فحمد الله عمر ، ثمّ انصرف.

رواه البخاري في «الصحيح» عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك (٢). وأخرجه مسلم من وجه (٣) آخر.

__________________

(١) سورة نوح ، الآية رقم (٤).

(٢) كتاب الطب (٧٥٢٩) باب : ما ذكر في الطاعون.

(٣) كتاب السلام (٤ / ١٧٤٠ ـ ١٧٤٢).

٢١٩

قال أصحابنا في هذا الخبر : إن أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ استعمل الحذر وثبّت بالقدر معا ، وهو طريق السنّة ونهج السلف الصالح ـ رحمة الله عليهم ـ والذي روينا : «لا ينفع حذر من قدر» معناه فيما كتب من القضاء المحتوم ، كما لا ينفع الدعاء والدواء في رد الموت / إذا جاء الأجل المكتوب المحتوم في أم الكتاب ، ثمّ قد يكون النفع في الحذر والدعاء والدواء إذا كان القلم قد جرى بإلحاق النفع بأحد هؤلاء ، وهو ميسر لما كتب له وعليه عن جميع ذلك لا يستطيع أن يعمل غيره ، وبالله التوفيق.

٢٦٨ ـ أخبرنا أبو الحسين محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفضل القطّان ببغداد ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطّان ، حدّثنا إسحاق ابن الحسن الحشري ، حدّثنا عفان ، حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا أبو بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن ابن عباس قال : كنّا نحدّث عن الهدهد قال : إنّ الهدهد يعرف مسافة الماء في الأرض قال : فقال نافع بن الأزرق : قف ؛ قف أو يقول : إن الهدهد يعرف مسافة الماء في الأرض وهو ينصب له الفخ ويذر عليه من التراب مثل الحريرة ، ثمّ يجيء حتى يأخذ الفخ بعنقه؟! فقال ابن عباس : يا وقاف ، أردت أن تقول قال ابن عباس كذا وكذا وقلت كذا وكذا ، قاتلك الله ، إنّ البصر ينفعك ما لم يأت القدر ، فإذا جاء القدر حال القدر دون البصر.

٢٦٩ ـ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) (١) يقول : أعمالهم.

٢٧٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم ، حدّثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد (يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) (٢) قال : الشقاء والسعادة ، مثل قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (٣).

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية رقم (٣٧).

(٢) سورة الأعراف ، الآية رقم (٣٧).

(٣) سورة هود ، الآية رقم (١٠٥).

٢٢٠