كتاب القضاء والقدر

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

كتاب القضاء والقدر

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: محمّد بن عبدالله آل عامر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة العبيكان
الطبعة: ١
ISBN: 9960-20-621-1
الصفحات: ٤٤٥

حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا سعيد منصور ، حدّثنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من قوم يخاصمون من القدرية وما ذاك إلّا أنّهم لا يعلمون ، أحسبه قال : قدرة الله ، قال الله ـ عزوجل ـ : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١).

وبإسناده عن عطاء بن السائب ، عمّن حدثه ، عن ابن عباس وذكر القدرية ، فقال : قاتلهم الله أليس الله يقول : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (٢).

٣٦٣ ـ أخبرنا أبو ذر بن الحسين بن أبي القاسم المذكّر وأبو الحسن علي بن محمد المقري قالا : أخبرنا الحسن بن محمّد بن إسحاق نا محمد بن أحمد بن البر أخبرنا عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه قال : وسأل موسى ـ عليه‌السلام ـ ربه ـ عزوجل ـ عن القدر فقال : اللهم ربّ ، إنّك عظيم لو شئت أن تطاع لأطعت ، لو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحب أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى فكيف هذا أيّ ربّ؟! فأوحى الله ـ عزوجل ـ إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية رقم (٢٣).

(٢) سورة الأعراف ، الآية رقم (٢٩ ، ٣٠).

٢٦١

باب

ذكر البيان أن الله عزوجل

هو المعطي بمنّه وفضله من

يشاء من عبيده الإيمان

وهو محببه إليه ومزينه في قلبه وشارح صدره له وهاديه إلى الصراط المستقيم ومثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

قال الله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) (١) وقال : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٢) وقال : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٣) وقال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٤) وسأل الكليم ربه فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (٥) وقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٦) وقال : (وَوَهَبْنا / لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا) (٧) وقال : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٨) وقال : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (٩) وقال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) (١٠) إلى قوله : (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (١١) وقال : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ

__________________

(١) سورة الروم ، الآية رقم (٥٦).

(٢) سورة يونس ، الآية رقم (١٠٠).

(٣) سورة الحجرات ، الآية رقم (٧).

(٤) سورة الزمر ، الآية رقم (٢٢).

(٥) سورة طه ، الآية رقم (٢٥).

(٦) سورة الضحى ، الآية رقم (٦ ، ٧).

(٧) سورة الأنعام ، الآية رقم (٨٤).

(٨) سورة الحجرات ، الآية رقم (١٧).

(٩) سورة الشورى ، الآية رقم (٥٢).

(١٠) سورة الزمر ، الآية رقم (٥٢).

(١١) سورة الزمر ، الآية رقم (٥٤).

٢٦٢

مُسْتَقِيمٍ) (١) وقال : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٢) وقال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٣) وقال : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٤) وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٥) الآية.

وآيات القرآن في هذا المعنى كثيرة ، وأنبياء الله تعالى كانوا يتعوذون بالله ـ عزوجل ـ من الكفر ، ويسألونه التثبيت على الإيمان والتوفيق للطاعة ، علما منهم بأن العبد لا يستطيع شيئا من ذلك إلا بالله ـ عزوجل ـ قال الله ـ عزوجل ـ خبرا عن الخليل ـ عليه‌السلام ـ حيث قال : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٦) وقال : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٧) وقال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (٨) وقال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٩) وقال عن شعيب عليه‌السلام حيث قال : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) (١٠) وقال عن الكليم ـ عليه‌السلام ـ حيث قال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (١١) وقال عن يوسف ـ عليه‌السلام ـ : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٢) وعلّم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين أن يقولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٣) (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (١٤) (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (١٥).

٣٦٤ ـ أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن يوسف ، / أخبرنا أبو

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية رقم (٢١٣).

(٢) سورة التوبة ، الآية رقم (١١٨).

(٣) سورة الإسراء ، الآية رقم (٧٤).

(٤) سورة إبراهيم ، الآية رقم (٢٧).

(٥) سورة الأنعام ، الآية رقم (١٢٥).

(٦) سورة البقرة ، الآية رقم (١٢٨).

(٧) سورة الشعراء ، الآية رقم (٨٤).

(٨) سورة إبراهيم ، الآية رقم (٤٠).

(٩) سورة إبراهيم ، الآية رقم (٣٥).

(١٠) سورة هود ، الآية رقم (٨٨).

(١١) سورة طه ، الآية رقم (٢٥ ، ٢٦).

(١٢) سورة يوسف ، الآية رقم (١٠١).

(١٣) سورة الفاتحة ، الآية رقم (٥ ، ٦).

(١٤) سورة الأعراف ، الآية رقم (٢٦).

(١٥) سورة آل عمران ، الآية رقم (٨).

٢٦٣

سعيد بن الأعرابي ، أنا سعدان بن نصر ، أنا سفيان ، عن الزهري ، سمع عروة يحدث عن كرز بن علقمة الخزاعي قال : سأل رجل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل للإسلام منتهى؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيّما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام» فقال : ثم ما ذا؟ قال : «ثمّ تقع الفتن كأنّها الظلل».

٣٦٥ ـ أخبرنا أبو الحسين بن [بشران] (١) ـ ببغداد ـ أنا إسماعيل بن محمد الصفّار ، نا جنيد بن حكيم ، نا أحمد بن جناب ح.

٣٦٦ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا دعلج بن أحمد السجزي ـ ببغداد ـ نا موسى بن هارون ، وصالح بن مقاتل ح.

قال أبو عبد الله : وحدّثنا علي بن حمشاذ ، نا أبو المثنى العنبري ، وأحمد بن علي الأبار ح.

٣٦٧ ـ قال أبو عبد الله : وحدّثنا أحمد بن سهل بن حمدويه الفقيه ـ ببخارى ـ أنا صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ ، قالوا : أنا أحمد بن جناب المصيصي ، أنا عيسى بن يونس ، عن سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلّا من يحب».

زاد جنيد بن حكيم في روايته : «فمن ضنّ بالمال أن ينفقه ، وخاف العدو أن يجاهده ، وهاب الليل أن يكابده ، فليكثر من قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر».

قال أبو عبد الله : هذا حديث صحيح الإسناد ، تفرد به أحمد بن جناب ، وهو ثقة. وقد روي عن سفيان بن عقبة أخي قبيصة ، عن الثوري.

قال الشيخ : وقد روي من وجه آخر ، عن عبد الرحمن بن زيد ،

__________________

(١) في الأصل [شرار] وهو خطأ وما أثبت من مصادر ترجمته ، وانظر : «سير أعلام النبلاء» (١٧ / ٣١١).

٢٦٤

عن أبيه مرفوعا ، وروى من وجه آخر ، عن مرّة ، عن عبد الله مرفوعا ، ورواه المسعودي ، عن أبيه موقوفا

٣٦٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله بن الحسن الحافظ ، وأبو بكر القاضي قالا : نا / أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا أبو عتبة ، نا بقية ، نا عبد الرحمن بن عبد الله ـ وهو المسعودي ـ عن زبيد الأيامي ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه كان يقول : إن الله ـ عزوجل ـ قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم معايشكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلّا من يحب ، فإذا أحب الله عبد أعطاه الإيمان ، فمن ضمن منكم بالمال أن ينفقه ، واشتد عليه الليل أن يكابده ، أو جبن عن العدو أن يجاهده ، فليكثر من قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر.

وروي عن علي

٣٦٩ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن السرّاج ، نا مطين ، نا طاهر بن أبي أحمد ، نا أبو بكر بن عياش ، عن ثوير ، عن أبيه ، عن علي ، قال : كان لي لسان سئول ، وقلب عقول ، وما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت وبما نزلت وعلى من نزلت ، وإنّ الدنيا يعطيها الله من أحب ومن أبغض ، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلّا من أحبّ.

٣٧٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الحسين بن يعقوب الحافظ نا محمد بن إسحاق الثقفي ، نا أبو هاشم زياد بن أيوب ، نا مروان بن معاوية الفزاري ، نا عبد الواحد بن أيمن المكيّ ، عن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي ، عن أبيه قال : لمّا كان يوم أحد انكفأ المشركون ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استووا حتى أثني على ربي» فصاروا خلفه صفوفا : قال : «اللهم لك الحمد كله ، اللهمّ لا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا مقرّب لما باعدت ، ولا مباعد لما قرّبت ، اللهم ابسط علينا من بركاتك

٢٦٥

ورحمتك وفضلك ورزقك ، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف ، اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا / اللهم حبب إلينا الإيمان ، وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهمّ توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ولا مفتونين ، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق آمين».

٣٧١ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا : نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا الحسن بن علي بن عفان ، نا عمرو العنقزي ، عن سفيان ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن طليق بن قيس ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعوا ، ثمّ يقول : «رب أعني ولا تعن عليّ ، وامكر لي ولا تمكر عليّ ، وانصرني ولا تنصر عليّ ، واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شاكرا ، لك ذاكرا ، لك راهبا ، لك مطواعا ، لك مخبتا ، لك أواها منيبا ، رب تقبل توبتي ، وأجب دعوتي واغسل حوبتي ، وثبت حجتي ، اهد قلبي ، وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي».

٣٧٢ ـ حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ـ رحمه‌الله ـ إملاء أخبرنا أبو عمرو بن مطر العدل ، نا إبراهيم بن علي الذهلي ، نا يحيى بن يحيى ، أنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهم إني أسألك الهدى ، والتقى ، والعفة ، والغنى».

وكذلك رواه سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، عن أبي إسحاق.

٣٧٣ ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب نا جعفر بن محمد بن شاكر ، نا محمد بن سابق ، نا مالك بن مغول قال : سمعت محمد بن سوقة يذكر ، عن نافع ، عن

٢٦٦

ابن عمر ، قال : إنا كنّا لنعدّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مجلس يقول : «رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم» مائة مرة.

٣٧٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق نا أحمد بن / بشر بن سعد ، نا سعيد بن سليمان ، نا شريك ح.

٣٧٥ ـ وأخبرنا أبو علي الروذباري ، نا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود ، نا تميم بن المنتصر ، أنا إسحاق ـ يعني بن يوسف ـ عن شريك ، نا جامع ـ هو ابن أبي راشد عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التشهد قال : وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد : اللهمّ ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبيل [السلام] (١) ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمك مثبتين بها قابليها وأتمها علينا.

لفظ حديث الروذباري.

٣٧٦ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو علي الحسين بن علي الحافظ ، نا محمد بن جرير الفقيه الطبري ، نا عثمان بن يحيى القرقساني ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد ، نا ابن جريج ، عن جامع بن أبي راشد ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمنا. فذكر بنحوه.

٣٧٧ ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، نا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود الطيالسي ، نا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق يحفر معنا حتى رأيت التراب قد وارى بياض بطنه ـ أو قال شعره ـ وهو يقول :

«والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

__________________

(١) في الأصل [الإسلام] وما أثبت هو ما جاء في سنن أبي داود (٣ / ٢٥٣).

٢٦٧

فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا»

قال شعبة في حديثه : حفظي : إن الألى قد بغوا علينا ، وفي الصحيفة : إنّ الملأ قد بغوا علينا إن أرادوا فتنة أبينا ، قال : فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبينا أبينا» يرفع صوته /.

أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة (١).

٣٧٨ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أحمد بن سلمان النّجاد ، نا إسماعيل بن إسحاق ، نا [عارم] (٢) بن الفضل ، نا جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق ينقل معه التراب وهو يقول :

والله لو لا الله ما اهتدينا

يوما ولا صمنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا

رواه البخاري في «الصحيح» عن [عارم] (٣) بن الفضل (٤).

٣٧٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفّار ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، قالا : نا بشر بن موسى ، نا أبو عبد الرحمن المقري ، نا حياة بن شريح ، أنا أبو هانئ حميد بن هاني الخولاني ، أنّ أبا علي الجنبي أخبره أنّه سمع فضالة [بن] (٥) عبيد يخبر أنه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «طوبى لمن هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا وقنع».

__________________

(١) البخاري ، كتاب المغازي (٤٠٩٨) باب : غزوة الخندق كتاب التعبد (٧٢٣٦) باب : قول الرجل : لو لا الله ما اهتدينا ومسلم كتاب الجهاد (٣ / ١٤٣٠).

(٢) في الأصل [عازم] والتصحيح من الصحيح.

(٣) في الأصل [عازم] وما أثبت من الصحيح.

(٤) كتاب القدر (٦٦٢٠) باب : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

(٥) في الأصل [عن] وهو خطأ ، كما تبين من مصادر ترجمته انظر : «سنن» الترمذي (٩ / ٢١١).

٢٦٨

٣٨٠ ـ أخبرنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ـ رحمه‌الله ، إملاء أنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد ، نا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المديني ، نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، نا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرويه عن ربه ـ عزوجل ـ قال : «إنّي حرمت الظلم يا عبادي على نفسي ألا فلا تظالموا ، كل ابن آدم يخطئ بالليل والنهار ثم يستغفرني ، فأغفر له ولا أبالي ، يا عبادي كلكم كان ضالا إلا من هديته ، وكلكم كان عاريا إلا من كسوته ، وكلكم كان جائعا إلّا من أطعمته ، وكلكم كان ظمآنا إلّا من سقيته ، فاستهدوني أهدكم ، واستكسوني أكسكم ، واستطعموني أطعمكم ، واستسقوني أسقكم / يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وجنكم وإنسكم وذكركم وأنثاكم ، وصغيركم وكبيركم ، وحيكم وميتكم ، على قلب أتقاكم رجلا واحد ، لم يزيدوا في ملكي شيئا ، ولو أن أولكم وآخركم ، وجنكم وإنسكم ، وذكركم وأنثاكم ، وصغيركم وكبيركم ، على قلب أكفركم رجلا لم ينقص في ملكي شيئا ، إلّا ما ينقص رأس المخيط من البحر.

٣٨١ ـ أخبرنا (١) أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا إبراهيم بن مرزوق ، نا وهب بن جرير ، نا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلّا لله ، ومن كان أن يلقى في النّار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه».

أخرجاه في «الصحيح» من حديث شعبة (٢).

٣٨٢ ـ أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي ، أخبرنا حاجب بن

__________________

(١) في الأصل جاءت صيغة الأداء مختصرة [أنا].

(٢) كتاب الأيمان (٢١) باب : من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقي في النار من الأيمان ومسلم (١ / ٦٦) كتاب الأيمان.

٢٦٩

أحمد ، أنا محمد بن حماد ، أنا [أبو] (١) معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا؟ قال : «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما».

٣٨٣ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمد بن يعقوب ، نا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ، نا حسن بن الربيع ، نا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، ويزيد الرقاشي عن أنس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يكثر أن يقول : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».

٣٨٤ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ـ ببغداد ـ أنا أبو سهل بن زياد القطّان ، أنا أحمد بن عبد الجبار نا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك قال : قال / رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة يقلبها الريح».

وروي أيضا عن غنيم بن قيس ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعا.

٣٨٥ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا عبد الصمد بن علي بن مكرم ـ ببغداد ـ نا محمد بن إسماعيل السلميّ ، نا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن المقداد بن الأسود ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لقلب ابن آدم أشد تقلبا من القدر إذا اجتمع غليا».

٣٨٦ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ـ ببغداد ـ أنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ، نا مقدام بن داود ، نا ذؤيب بن عمامة ، نا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه عن سهل بن سعد ، قال : تلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢)

__________________

(١) في الأصل [ابن] والصحيح ما أثبت كما في مصادر ترجمته «سير أعلام النبلاء» (٩ / ٧٣) وانظر : «سنن الترمذي» (٤ / ٣٩٠ رقم ٢١٤٠) أبواب القدر باب : ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن.

(٢) سورة محمد ، الآية رقم (٢٤).

٢٧٠

وغلام جالس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : بلى والله يا رسول الله إن عليها لأقفالها ، ولا يفتحها إلّا الذي أقفلها ، فلما ولي عمر طلبه ليستعمله ، وقال : إنّه لم يقل ذلك إلّا من عقل.

٣٨٧ ـ أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود ، نا موسى بن مروان الرقي ، نا شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جنازة فقال : «اللهمّ اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، وشاهدنا وغائبنا ، اللهمّ من أحييته منّا فأحيه على الإيمان ، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام ، اللهمّ لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده».

٣٨٨ ـ أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي ـ بها ـ أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن العباس ، نا عباس بن محمد الدوريّ نا عبيد الله بن موسى ، أنا إسرائيل عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيد ، عن عبد الله / أنّه كان في المسجد يدعو فدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يدعو ، فقال : «سل تعطه» وهو يقول : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ، ونعيما لا ينفد ، ومرافقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أعلى غرف جنّة الخلد.

٣٨٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن المقرئ من كتاب عتيق ـ نا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان ، قال : حدثني أبي محمد بن يزيد ، حدثني أبي يزيد بن سنان ، حدّثنا زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرّة الجملي ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : تلا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (١) فقلنا : يا رسول الله كيف انشراح صدره ، قال : «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح» فقلنا : فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال : «الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزول الموت».

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية رقم (٢٢).

٢٧١

وروي ، عن مرة ، عن رجل من بني هاشم رفعه مختصرا.

٣٩٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، فيما ساق إليه كلامه في كتاب القدر «الإيمان نور وهدى ، وحياة وغنى ، وشرف وعز ، وبيان وحجة ، وعدل وصدق ، وحق وصواب ، له أسام ظاهرة وصفات زاكية ، ونعوت زاهرة ، تبين بها من جميع الأشياء لعلوها وشرفها وارتفاعها على كل شيء ، وهو خير الأشياء حجة في الدنيا والآخرة وأرجحها وأزكاها وأنماها ، فلمّا رأينا هذه صفات الإيمان ونعوته علمنا أن الله ـ عزوجل ـ هو المعطي عباده ، لأن الإيمان لو لم يكن عطية الرب لزال عن الرب فضل المدح وأعلاه ، ولكان العباد قد كسبوا أشياء هو أفضل من كل شيء أعطاهم الرب ، ولكان الرب لا يعطي شيئا إلا والعبد يكسب أفضل منه وقد قال (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١) وهو / لا يخلف الوعد. قال : «فلما بطل في العقل أن عبدا يعطي نفسه أفضل من عطية الرب صح وثبت أن الإيمان عطية الرب».

٣٩١ ـ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكى ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، نا عثمان بن سعيد ، نا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) (٢) قال : قد دعا الله ـ عزوجل ـ إلى توبته ، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٣) فبدأ التوبة من الله ـ عزوجل ـ.

٣٩٢ ـ أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور النصروي ، نا أحمد بن نجدة ، نا سعيد بن منصور ، نا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي السفر ، قال : قال حذيفة : إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن ، وإنّكم أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية رقم (١٦٠).

(٢) سورة المائدة ، الآية رقم (٧٤).

(٣) سورة التوبة ، الآية رقم (١١٨).

٢٧٢

باب

ذكر البيان

أنّ المعصوم من معاصي الله من عصم الله

قال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١) وقال : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) (٢) وقال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ).

٣٩٣ ـ أخبرنا أبو الحسن بن داود الرزاز ـ ببغداد ـ أنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الشافعيّ ، نا محمّد بن إسماعيل ، نا أيوب بن سليمان ، نا أبو بكر ، عن سليمان قال : قال يحيى بن سعيد : أخبرني ابن شهاب ح.

٣٩٤ ـ وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكى ، أنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي ح.

٣٩٥ ـ وأخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن ، أنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن حبيب قالا نا محمّد بن إسماعيل السلميّ ، نا أيوب بن سليمان ، نا أبو بكر بن أبي [أويس] (٣) عن سليمان بن بلال ، عن محمّد بن أبي عتيق ، وموسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري /.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية رقم (٧٤).

(٢) سورة النور ، الآية رقم (٢١).

(٣) في الأصل [أوس] والصحيح ما أثبت كما تبين من مصادر ترجمته وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو بكر بن أبي أويس المدني الأعشى وانظر : «تهذيب الكمال» (١٦ / ٤٤٤).

٢٧٣

قال النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفي رواية القاضي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه ، والمعصوم من عصم الله».

أخرجه البخاري في «الصحيح» فقال : وقال سليمان بن بلال فذكره بالإسنادين جميعا (١).

٣٩٦ ـ أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الفقيه ، من أصله أنا أبو عمرو بن مطر ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأنماطي ، نا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، نا حجاج بن محمّد ، عن ابن جريج قال : أخبرني موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن الفضل ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن ابن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال : «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلّا أنت ، اهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف سيئها إلّا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والمهدي من هديت ، أنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك وذكره في الحديث.

٣٩٧ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو جعفر محمّد بن عبيد الله العلوي بالكوفة نا الحسين بن الحكم الحصري نا أبو غسان ، نا عبد العزيز بن أبي سلمة ، نا الماجشوني ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن [أبي] (٢) رافع ، عن علي بن أبي طالب أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا افتتح الصلاة كبر ثمّ قال / فذكر بنحوه ،

__________________

(١) كتاب الأحكام (٧١٩٨) باب : بطانة الإمام وأهل مشورته.

(٢) في الأصل [أم] وما أثبت من «صحيح مسلم» (١ / ٥٣٤).

٢٧٤

إلّا أنّه لم يقل : «مسلّما» ولم يقل : «سبحانك وبحمدك» ولم يقل : «والمهدي من هديت» وقال : «والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك».

أخرجه مسلم في «الصحيح» من وجهين آخرين عن عبد العزيز (١).

٣٩٨ ـ أخبرنا علي بن أحمد المقرئ ابن الحمامي ، أنا أحمد بن سلمان الفقيه ، أنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، نا أبو صالح الحراني ، نا موسى بن أعين ، عن ليث ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّي لسيد الناس يوم القيامة ، يدعوني تبارك وتعالى. فأقول : لبيك وسعديك ، والخير بيديك تباركت وتعاليت ، والمهدي من هديت ، عبدك بين يديك لا ملجأ إلّا إليك ، تباركت رب البيت».

٣٩٩ ـ وأخبرنا أبو بكر بن فورك ـ رحمه‌الله ـ أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت صلة بن زفر يحدث عن حذيفة قال : يجمع النّاس في صعيد واحد فلا تكلم نفس فيكون أول مدعو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول : «لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، أنا بك وإليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت ، فذلك قوله عزوجل : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٢).

هذا موقوف ، وهو المعروف.

وقوله : «الشر ليس إليك» معناه : فيما أخبرت عن أبي سليمان الخطابي ـ رحمه‌الله ـ الإرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله ـ عزوجل ـ والمدح له بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها ،

__________________

(١) كتاب صلاة المسافرين وقصرها (١ / ٥٣٦).

(٢) سورة الإسراء ، الآية رقم (٧٩).

٢٧٥

ولم يقع القصد به إلى إثبات شيء وإدخاله تحت قدرته ونفي ضده عنها ، فإنّ الخير والشر صادران عن خلقه وقدرته لا موجد لشيء من خلقه غيره ، وقد يضاف محاسن الأمور ومحامد الأفعال إلى الله ـ عزوجل ـ عند الثناء عليه دون مساويها ومذامها كقوله : (وَإِذا مَرِضْتُ / فَهُوَ يَشْفِينِ) (١) وكقوله : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (٢) ولم يضف سبب وقوعه في السجن إليه ، وكما يضاف معاظم الخليقة إليه عند الثناء والدعاء فيقال : ربّ السموات والأرضين ، كما يقال : يا ربّ الأنبياء والمرسلين ، ولا يحسن أن يقال : يا ربّ الكلاب ويا ربّ القردة والخنازير ونحوها من سفل الحيوان وحشرات الأرض ، وإن كانت إضافة جميع المكونات إليه من جهة خلقه لها والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها ، وروينا عن أبي إبراهيم المزني ـ رحمه‌الله ـ في معناه قريبا من هذا ، فقال : هو موضع تعظيم كما لا يقال : يا خالق العذرة.

٤٠٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، قال : سمعت العبّاس بن محمّد الدوريّ ، يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : قال النضر بن شميل : والشر ليس إليك تفسيره والشر لا يتقرب به إليك.

وذكر أبو عبد الله الحليميّ ـ رحمه‌الله ـ أنّ معناه أنّ الإحسان منك وإليك أي أنّ ما يصيبنا من خير وحسنى فأنت موليه والمنعم به ، وما يكون منّا من طاعة وفعل حسن فأنت المقصود وعبادتك هي مرادة منه ، فأمّا ما يصيبنا من شر وسوء فإنّه وإن كان منك ـ أيضا ـ فإنّ شرور أنفسنا وهي ما يقع في أعمالنا من سيئ وقبيح ، فلست المقصود به ، أي ليس غرض المسيء منّا في إساءته خلافك وعصيانك ، كما أنّ غرض المحسن منّا في إحسانه طاعتك وعبادتك ، وإنّما هو غفلة تعرض فيتبع المسيء فيها شهوته من غير أن يكون العصيان قصده وإرادته ، ولو قصد ذلك لضاهى إبليس وكان من المتكبرين ، فإنّما هذا

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية رقم (٨٠).

(٢) سورة يوسف ، الآية رقم (١٠٠).

٢٧٦

الكلام تبرّؤ من الشقاق والعناد ، لا أنّه نفي للشر أصلا وإنكارا أن يقدر شرا.

قال الشيخ : وفي نفس الخبر دلالة على صحة ما ذكروا من تأويله ، لأنّه قال : «والمهدي من هديت» وفيه دلالة / على أنه يهدي قوما ولا يهدي آخرين حتى يكون المهدي من هداه ، والمعصوم من عصمه ، والذي لم يهده ولم يعصمه ولم يصرف عنه السوء لم يرد به خيرا ، قال الله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (١) وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما علّم ابن ابنته من الدعاء «اللهمّ اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت» وفيه دلالة على أنّ من النّاس من هداه الله ، ومنهم من لم يهده ،

كما أنّ من الناس من عافاه الله ومنهم من لم يعافه ، وأنّه سأل أن يجعله فيمن هداه وعافاه ، جعلنا الله برحمته فيمن هداه وعافاه.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية رقم (٤١).

٢٧٧

باب

ذكر البيان أنّ من دخل الجنّة

من المؤمنين دخلها بفضل

الله ـ عزوجل ـ ورحمته

لأنّه خلقه لها ووفقه لأعمال أهلها وغفر له ما قصر فيه منها قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١) وقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) وقال : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٣) وقال في آية تحبيب الإيمان وتكريه الكفر : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) (٤).

٤٠١ ـ أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ ، أنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلميّ ، أنا أبو عبد الله محمّد بن أيوب بن يحيى البجلي ، أنا محمّد بن سنان العوفيّ ، نا فليح ابن سليمان ، نا هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟! قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة ، ولكن قاربوا وسددوا وأبشروا».

رواه البخاري في «الصحيح» عن محمّد بن سنان (٥).

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية رقم (١٠١).

(٢) سورة يونس ، الآية رقم (٢٥).

(٣) سورة الحجرات ، الآية رقم (١٧).

(٤) سورة الحجرات ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٥) لم أجد هذه الرواية ـ من طريق محمد بن سنان ـ في الصحيح ورجعت إلى ـ

٢٧٨

٤٠٢ ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران / العدل ـ ببغداد ـ أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن أحمد المصري ، نا مالك بن يحيى ، نا عبد الوهاب بن عطاء ، نا ابن عون ، عن محمّد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس منكم من أحد ينجيه عمله» قيل : ولا أنت يا رسول الله!؟ فقال : «ولا أنا إلّا أن يتغمدني ربي منه بمغفرة ورحمة. ووضع يده على رأسه».

أخرجه مسلم في «الصحيح» من حديث ابن عون (١) ، وأخرجاه من وجه آخر عن أبي هريرة (٢).

٤٠٣ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو بكر بن إسحاق ؛ إملاء أنا محمد بن أيوب ، أنا علي بن المديني ، نا محمّد بن الزبرقان ، نا موسى بن عقبة ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «سددوا وقاربوا وأبشروا فإنّه لا يدخل أحدا عمله الجنّة» قالوا : «ولا أنت يا رسول الله!؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة».

رواه البخاري في «الصحيح» عن علي بن المديني (٣).

قال البخاري : وقال عفان : نا وهيب ، عن موسى بن عقبة قال : سمعت أبا سلمة ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٤٠٤ ـ أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن جعفر ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، نا عفان ، نا وهيب ، نا موسى بن عقبة ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، يحدث عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّها كانت تقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سددوا وقاربوا وأبشروا فإنّه لا يدخل الجنّة أحدا عمله» قالوا : ولا

__________________

ـ «تحفة الأشراف» ولم أجدها ـ أيضا ـ. وهو عنده من طريق غيره ، وانظر (٥٦٧٣) و (٦٤٦٣).

(١) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢١٧٠).

(٢) البخاري ، كتاب المرضي (٥٦٧٣) باب : تمنى المريض بالموت.

(٣) كتاب الرقاق (٦٤٦٣) باب : القصد والمداومة على العمل.

٢٧٩

أنت يا رسول الله ، قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله منه برحمته ، واعلموا أنّ أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قل».

أخرجه مسلم في «الصحيح» من وجه آخر عن وهيب. وأخرجه من وجهين آخرين عن موسى بن عقبة (١).

٤٠٥ ـ أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ ، أنا أبو جعفر محمّد بن صالح بن هاني ، نا إبراهيم / الصيدلاني ، نا سلمة بن شبيب ، نا الحسن ابن أعين ، نا معقل ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا يدخل أحدا منكم عمله الجنّة ، ولا يجيره من النّار ولا أنا إلّا برحمة الله».

رواه مسلم في «الصحيح» عن سلمة بن شبيب ، وأخرجه ـ أيضا ـ من حديث أبي سفيان عن جابر (٢).

__________________

(١) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢١٧١).

(٢) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٤ / ٢١٧١) (٤ / ١١٥١).

٢٨٠