كتاب القضاء والقدر

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

كتاب القضاء والقدر

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: محمّد بن عبدالله آل عامر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة العبيكان
الطبعة: ١
ISBN: 9960-20-621-1
الصفحات: ٤٤٥

باب

ذكر البيان أنّ القلم لمّا جرى بما هو كائن

كان فيما جرى ما يفعله بنو آدم من خير وشر

قال الله ـ عزوجل ـ : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (١) قلت وما جفت به الأقلام وجرت به المقادير على علم الله ـ عزوجل ـ فكل امرئ ميسّر لما خلق له ، لا يجوز وقوع الخلف فيه.

قال الله عزوجل : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٢).

٢٨ ـ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري ، أخبرنا أبو بكر بن داسة ، حدّثنا أبو داود ، حدّثنا يحيى عن عثمان بن غياث قال : حدّثني عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قالا : لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر فذكر الحديث عن عمر بن الخطّاب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال : يا رسول الله فيم نعمل العمل ، في شيء خلا أو مضى ، أو شيء نستأنف الآن ، قال : «في شيء خلا ومضى» فقال الرجل وبعض القوم : ففيم العمل؟ قال : «إنّ أهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة ، وإنّ أهل النار ميسّرون لعمل أهل النّار».

رواه مسلم في «الصحيح» عن محمد بن حاتم ، عن يحيى بن سعيد (٣).

٢٩ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدّثنا

__________________

(١) سورة القمر ، الآية (٥٢ ، ٥٣).

(٢) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٣) كتاب الإيمان (١ / ٣٨).

١٢١

أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدّثنا زهير ، حدّثنا أبو الزبير ، عن جابر قال : جاء سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله بيّن لنا / يعني ديننا ـ كأنّا خلقنا الآن ، فيم العمل اليوم؟ فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير أو شيء نستقبل؟ قال : «لا ، بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير» فقال : فيم العمل؟ ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه فسألت ياسين الزيات عمّا قال فقال : «اعملوا فكل ميسر».

٣٠ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرني أبو الوليد / حدّثنا حفص بن محمد بن الحسين ، حدّثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبو خيثمة ـ وهو زهير بن معاوية ـ فذكره بإسناده ومعناه.

رواه مسلم في «الصحيح» عن يحيى بن يحيى ، وأحمد بن يونس (١).

٣١ ـ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا بشر بن موسى ، حدّثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدّثنا أبو حنيفة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنّ سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال : يا رسول الله ، أخبرنا عن ديننا هذا كأنّا خلقنا له الساعة في أي شيء نعمل ، في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت به الأقلام ، أم في شيء نستقبل فيه العمل؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اعملوا فكل عامل ميسّر لما خلق له» وقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٢) بلا إله إلّا الله ؛ فنيسره لليسرى (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) (٣) بلا إله إلّا الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (٤).

٣٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن أعسر الفقيه ببغداد ؛ إملاء وقراءة ، حدّثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ، حدّثنا عثمان بن عمر ح.

__________________

(١) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٠).

(٢) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ، ٦).

(٣) سورة الليل ، الآية رقم (٨ ، ٩) ،

(٤) سورة الليل ، الآية رقم (١٠).

١٢٢

٣٣ ـ وأخبرنا أبو عبد الله ، أخبرنا محمد بن يعقوب الشيباني ، حدّثنا محمد بن شاذان ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أنا ، [عزرة] (١) بن ثابت ، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الدّؤليّ قال : قال لي عمران بن الحصين : أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه ، أشيء قضي عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلونه ممّا أتاهم به نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وثبتت به الحجة عليهم؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم ، قال فقال : فلا يكون ظلما؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده ، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فقال لي : يرحمك الله إنّي لم أرد بما سألتك إلّا لأجرب عقلك / إنّ رجلين من مزينة أتيا رسول الله فقالا : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون اليوم ، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم نبيهم وثبتت عليهم الحجة؟ فقال : «لا بل شيء قضي عليهم ، ومضى منهم» قال : ففيم العمل إذا؟ قال : «من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين فييسره لها وتصديق ذلك في كتاب الله ـ عزوجل ـ (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٢).

رواه مسلم في «الصحيح» عن إسحاق بن إبراهيم (٣).

٣٤ ـ وحدّثنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن فورك رحمه‌الله أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد الأصبهاني ، حدّثنا يونس بن حبيب ، حدّثنا أبو داود الطيالسي ، حدّثنا عزرة بن ثابت الأنصاري ، حدّثنا يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الدّؤليّ قال : حدثني عمران بن حصين أنّ رجلا من جهينة أو مزينة سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ، أشيء قضي عليهم وقدر من قدر قد سبق ، أو شيء جئتهم تتخذ عليهم به الحجة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في الأصل [عروة] وهو خطأ ، وما أثبت من صحيح مسلم (٤ / ٢٠٤١).

(٢) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

(٣) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤١).

١٢٣

«بل ما قضي عليهم وقدر عليهم ، من قدر قد سبق» قال : يا رسول الله فلم يعملون؟ قال : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، وتلا هذه الآية (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (١).

٣٥ ـ وأخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ـ رحمه‌الله ـ أخبرنا أبو داود أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز ، حدّثنا محمّد بن بريد السلميّ ، حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طلق بن حبيب ، عن بشير بن كعب العدوي ، عن عمران بن حصين قال : قام شابان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقالا : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه فيكدحون فيه في / أمر قد جرت به المقادير وجفت به الأقلام ، أم أمر يستأنفونه؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «في أمر جرت به المقادير ، وجفت به الأقلام» فقالا : يا رسول الله ، ففيم العمل؟ فقال : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» فقالا : الآن نجدّ العمل.

٣٦ ـ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان ـ ببغداد ـ أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا درستويه ، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا أبو اليمان ، حدّثنا عطّاف بن خالد ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وهو يقول عن أبيه قال : سمعت أبي يذكر أنّه سمع أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وهو يقول قلت : يا رسول الله ، أنعمل على ما قد فرغ منه أم على أمر مؤتنف؟ قال : «بل على أمر قد فرغ منه» قلت : ففيم العمل يا رسول الله؟ قال : «كل ميسّر لما خلق له».

٣٧ ـ وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الدّبيليّ ـ بمكة ـ حدّثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا عطّاف بن خالد قال : أخبرني محمد بن عجلان قال : حدّثني طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : سمعت أبي يقول : سمعت عبد الرحمن بن أبي بكر يقول :

__________________

(١) سورة الشمس ، الآية رقم (٧ ، ٨).

١٢٤

سمعت أبا بكر يقول : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعمل على أمر قد فرغ منه أو على أمر مؤتنف؟ فذكره نحوه.

٣٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا الحسين بن إسحاق بن أيوب ، حدّثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ، حدثنا أبو جابر ، حدّثنا شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن سالم (١) ، عن ابن عمر (٢) أنّ عمر قال : يا رسول الله أرأيت ما نعمل في أمر مبتدع أم في أمر فرغ منه؟ قال : «فيما قد فرغ منه» قال : ففيم نعمل إذا؟ قال : «اعمل ابن الخطاب ، فإن كلا ما يسر له ، أمّا من كان من أهل السعادة فإنّه يعمل للسعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنّه يعمل للشقاء».

٣٩ ـ أخبرنا / أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو النصر الفقيه حدّثنا عثمان بن سعيد الدارميّ ، حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّ قال : حدّثني سليمان بن عتبة ، قال : سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس يحدث ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سئل فقيل : يا رسول الله ، أرأيت ما نعمل ، أشيء قد فرغ منه ، أو شيء نستأنفه؟ قال : «كل امرئ مهيّأ لما خلق له» ثم أقبل يونس بن ميسرة على سعيد بن عبد العزيز فقال له : إنّ تصديق هذا في كتاب الله ـ عزوجل ـ فقال : وأين يا أبا حلبس قال : أما تسمع الله يقول في كتابه : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) (٣).

أرأيت يا أبا سعيد لو أنّ هؤلاء أهملوا كما يقول الأخابث أين كانوا يذهبون ، حيث حبب إليهم وزيّن لهم أو حيث كرّه إليهم وبغّض إليهم.

٤٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن

__________________

(١) في الأصل [مسلم] وهو خطأ ظاهر.

(٢) في الأصل [أبي عمر] وهو خطأ.

(٣) سورة الحجرات ، الآية رقم (٧ ، ٨).

١٢٥

القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم ، حدّثنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن مقسم ، عن ابن عباس : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) (١) قال : الحفظة من أمّ الكتاب ، ما يعمل بنو آدم فإنّما يعمل الإنسان على ما استنسخ الملك من أم الكتاب.

__________________

(١) سورة الجاثية ، الآية رقم (٢٩).

١٢٦

باب

ذكر البيان أن ليس أحد من بني آدم إلّا وقد كتب

سعادته وشقاوته ، وكتب مكانه من الجنّة أو النّار ،

وأن أهل كل واحد منهما ميسّرون لأعمالها

قال الله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١).

وقال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ / بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (٢).

٤١ ـ أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي ـ بالكوفة ـ أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ح.

٤٢ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله العبسيّ ، حدّثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن [أبي] (٣) عبد الرحمن السلميّ ، عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : كنّا جلوسا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنكث في الأرض ، ثمّ رفع رأسه فقال : «ما منكم من أحد إلّا كتب مقعده من الجنّة ومقعده من النّار».

زاد أبو عبد الله في روايته يعني فقال رجل من القوم : ألا نتّكل يا رسول الله قال : «لا اعملوا فكلّ ميسّر» ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٤) الآية.

__________________

(١) سورة الحج ، الآية رقم (٧٠).

(٢) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ـ ١٠).

(٣) ساقطة من الأصل.

(٤) سورة الليل ، الآية رقم (٥).

١٢٧

رواه البخاري في «الصحيح» عن يحيى (١).

ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره كلهم عن وكيع (٢).

٤٣ ـ وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا زياد بن الخليل ، حدّثنا مسدّد [ح] (٣).

٤٤ ـ وأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن غالب الخوارزميّ ـ ببغداد ـ حدّثنا أبو العبّاس محمد بن أحمد ـ هو ابن حمدان ـ حدّثنا محمد بن أيوب ، أخبرنا مسدّد ، حدّثنا عبد الواحد بن زياد ، حدّثنا الأعمش ـ وفي رواية ابن عبدان ـ عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن عليّ قال : كنّا قعودا حول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ينكث في الأرض ثم رفع رأسه فقال : «ما منكم من أحد إلّا وقد علم مقعده من الجنّة أو مقعده من النّار» قالوا : يا رسول الله أفلا نتّكل؟ قال : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ثمّ تلا هذه الآية : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٤) إلى آخر الآية.

رواه البخاري في «الصحيح» عن مسدد (٥).

٤٥ ـ أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ـ رحمه‌الله ـ ببغداد ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعيّ ، حدّثنا إسحاق بن الحسن ، حدّثنا أبو نعيم / حدّثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال : «ما منكم من أحد إلّا قد كتب مقعدة من النّار ومقعده من الجنّة» قالوا : يا رسول الله أفلا نتّكل؟ قال : اعملوا فكلّ ميسّر ثم

__________________

(١) كتاب التفسير ، باب : (وأمّا من بخل واستغنى) (٤٩٤٧).

(٢) ليست في الأصل وإنّما أثبتها جريا على عادة المصنّف وغيره من أهل الحديث.

(٣) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٠).

(٤) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ، ٦).

(٥) كتاب التفسير ، باب : (وصدق بالحسنى) (٤٩٤٥).

١٢٨

قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١).

رواه البخاري عن أبي نعيم (٢).

٤٦ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله التميمي ، حدّثنا قبيصة ، حدّثنا سفيان ، عن منصور والأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما منكم من أحد إلّا وقد كتب مقعده» فذكره بمثله.

٤٧ ـ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري ، حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ، حدّثنا جعفر بن محمد القلانسي ، حدّثنا آدم بن أبي إياس ، حدّثنا شعبة ، عن الأعمش قال : سمعت سعد بن عبيدة يحدث ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض فقال : «ما منكم من رجل إلّا قد كتب مقعده من النّار ومقعده من الجنّة» قالوا : يا رسول الله أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له. أمّا من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة ، وأمّا من كان من أهل الشقاوة فسييسّر لعمل الشقاوة ثمّ قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٣) الآيتين.

رواه البخاري في «الصحيح» عن آدم (٤) ، وأخرجه هو ومسلم من حديث غندر عن شعبة / عن منصور والأعمش (٥).

__________________

(١) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ـ ١٠).

(٢) كتاب التفسير ، باب : (فأمّا من أعطى واتقى) (٤٩٤٥).

(٣) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ، ٦).

(٤) كتاب التفسير ، باب : (فسنيسره للعسرى) (٤٩٤٩).

(٥) من حديث غندر أخرجه البخاري في كتاب التوحيد (٧٥٥٢) ، باب : قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ومسلم في كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٠).

١٢٩

٤٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن المبارك المستملي ، وأحمد بن سلمة قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ح.

٤٩ ـ وأخبرنا أبو عمرو الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي قال : أخبرني الحسن ـ هو ابن سفيان ـ حدّثنا عثمان ـ هو ابن أبي شيبة ـ حدّثنا جرير ح.

٥٠ ـ وأخبرنا الخطيب أبو الحسن عفيف بن محمد بن شهيد البوشنجي ـ بنيسابور ـ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف الحفيد ، حدّثنا أبو علي الحسين بن الفضل البجليّ ، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدّثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : كنّا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة ، فنكس وجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : «ما منكم من أحد ، وما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنّة والنّار ، وإلّا قد كتبت شقية أو سعيدة» قال : فقال رجل : يا رسول الله ، أفلا نمكث على كتاب ربنا وندع العمل؟ وفي رواية عثمان : أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ، فقال : «اعملوا فكلّ ميسّر أمّا أهل السعادة فييسّرون لعمل أهل السعادة ، وأمّا أهل الشقاوة فييسّرون لعمل أهل الشقاوة» ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١).

رواه البخاري ومسلم في «الصحيح» عن [عثمان] (٢) بن أبي شيبة (٣) ، ورواه مسلم ، عن إسحاق بن إبراهيم ، وزهير بن حرب (٤).

__________________

(١) سورة الليل ، الآية رقم (٥ ـ ١٠).

(٢) في الأصل [عمر] وهو خطأ والتصويب من الصحيحين.

(٣) البخاري في كتاب التفسير ، باب : (وكذب بالحسنى) (٤٩٤٨) ، ومسلم في كتاب القدر (٤ / ٢٠٣٩).

(٤) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤٠).

١٣٠

٥١ ـ وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدّثنا الحسن بن / محمد بن الصباح الزعفراني ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنازة فذكر معناه.

رواه مسلم في «الصحيح» عن أبي بكر بن أبي شيبة (١) ، وروي ذلك ـ أيضا ـ عن مسلم البطين ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن علي. قال أبو سليمان الخطابي ـ رحمه‌الله ـ :

«[المخصرة] (٢) عصا خفيفة. والنفس المنفوسة : هي المولودة ، وهذا الحديث إذا تأملته أصبت منه الشفاء فيما يتخالجك من أمر القدر وذلك أنّ السائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقائل له أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ، لم يترك شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة الواقعة في باب التجويز والتعديل إلّا وقد طالب به وسأل عنه ، فأعلمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن القياس في هذا الباب متروك ، والمطالبة عليه ساقطة ، وأنّه أمر لا يشبه الأمور المعلولة (٣) التي عقلت معانيها وجرت معاملات البشر فيما بينهم عليها ، وأخبر أنّه إنّما أمرهم بالعمل ليكون أمارة (٤) في الحال العاجلة

__________________

(١) كتاب القدر ٤ / ٤٠.

(٢) في الأصل [المحضو] والتصويب من «معالم السنن» (٤ / ٢٩٣).

(٣) في «معالم السنن» (٤ / ٢٩٣) : (المعقولة).

(٤) هذا قول الأشاعرة المبتدعة المنكرين لتأثير الأسباب في مسبباتها ، والخطّابي أحدهم ، والبيهقي على أثره ، ولذا فلا غرابة!

إذا يزعم الأشاعرة أن الأسباب أعلام وأمارات يكون عندها المسبب لا بها! «قالوا : وهكذا أحكم الطاعات مع الثواب ، والكفر والمعاصي مع العقاب ، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب ، لا أنّها أسباب له ، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار ، والحرق مع الاحتراق ، والإزهاق مع القتل ، ليس شيء من ذلك سببا البتة ، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه ، إلا مجرد الاقتران العادي ، لا التأثير السببي وخالفوا بذلك المسّ والعقل ، والشرع والفطرة ، وسائر طوائف العقلاء ، بل أضحكوا عليهم العقلاء» [الجواب الكافي / لابن قيم الجوزية / ص ١٥]. والذي عليه أهل السنّة «أن المقدور قدّر بأسباب فمتى أتى العبد ـ

١٣١

لما يصيرون إليه في الحال الآجلة ، فمن تيسر له العمل الصالح كان مأمولا له الفوز ، ومن تيسر منه العمل الخبيث ، كان مخوفا عليه الهلاك ، وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر ، وليست بموجبات فإنّ الله ـ عزوجل ـ طوى علم الغيب عن خلقه ، وحجبهم عن دركه ، كما أخفى أمر الساعة فلا يعلم أحد متى أيان قيامها ، ثم أخبر على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببعض أماراتها وأشراطها» (١).

وقال أبو سليمان في موضع آخر : «ويشبه أن يكونوا والله أعلم إنّما عوملوا بهذه المعاملة وتعبدوا بهذا النوع من التعبد ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم ، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم ، والخوف والرجاء مدرجتا العبودية ، فيستكملوا بذلك صفة / الإيمان وبيّن لهم أنّ كلا ميسر لما خلق له وأنّ عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل وبذلك تمثل بقوله ـ جلّ وعزّ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٢) الآية وهذه الأمور إنما هي في حكم الظاهر من أحوال العباد ، ومن وراء ذلك علم الله ـ عزوجل ـ فيهم وهو الحكيم الخبير (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣)

__________________

ـ بالسبب وقع المقدور ، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور ، وهذا كما قدّر الشّبع والريّ بالأكل والشرب ، وقدّر الولد بالوطء ، وقدّر حصول الزرع بالبذر ، وقدّر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك بالبذر ، وقدّر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك قدّر دخول الجنّة بالأعمال ، ودخول النّار بالأعمال».

والقرآن والسنّة مملوءان بأنّه يخلق الأشياء بالأسباب كما قال تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وقوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وقوله : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) قال العلامة ابن قيم الجوزية : «وأمثال هذا في القرآن يزيد على ألف موضع ... والقرآن من أوّله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر أو الأحكام الكونية والأمريّة على الأسباب ، بل في ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال» [الجواب الكافي / ص ١٧] وانظر مبحث عقيدة المصنّف المتقدم ففيه مزيد بيان.

(١) «معالم السنن» (٤ / ٢٩٣).

(٢) سورة الليل ، رقم الآية (٥).

(٣) سورة الأنبياء ، رقم الآية (٢٣).

١٣٢

وإذا طلبت لهذا الشأن نظيرا يجمع لك هذين المعنيين فاطلبه في باب أمر الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب وأمر الأجل المصروف في العمر مع الصالح بالطلب ، فإنك تجد المغيب منها علّة موجبة والظاهر البادي سببا مخيلا ، وقد اصطلح الناس خواصهم وعوامهم على أنّ الظاهر منها لا يترك للباطن» (١).

قال الشيخ : «وسمعت الشريف أبا الفتح ناصر بن الحسين العمري يقول : سمعت الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان ـ رحمه‌الله ـ يقول : وأظنني سمعته منه : «أعمالنا أعلام الثواب والعقاب» (٢).

٥٢ ـ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري ، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري في آخرين قالوا : أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفّار ، حدّثنا الحسن بن عرفة ، حدّثنا إسماعيل بن علية ، عن يزيد ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير (٣) ، عن عمران بن حصين قال : قال رجل يا رسول الله : أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال : «نعم» قال : ففيم يعمل العاملون؟ قال : «اعملوا فكلّ ميسر» ـ أو كما قال ـ.

رواه مسلم في «الصحيح» عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن إسماعيل بن عليّة (٤).

٥٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم ، حدّثنا شعبة ، حدّثنا يزيد الرّشك قال : سمعت مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، يحدث عن عمران بن حصين قال : قال رجل يا رسول الله / أيعرف أهل الجنّة من أهل النّار؟ قال : «نعم» قال : فلم يعمل العاملون؟ قال : «كلّ يعمل لما خلق له ، أو لما يسّر له».

__________________

(١) «معالم السنن» (٧ / ٦٢ ، ٦٣).

(٢) «معالم السنن» (٤ / ٢٩٣).

(٣) في الأصل [شخير] والصواب ما أثبت.

(٤) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤١).

١٣٣

رواه البخاري في «الصحيح» عن آدم بن أبي إياس (١) ، وأخرجه مسلم من حديث غندر ، عن شعبة (٢).

٥٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو عبد الله بن بطة ، حدّثنا أحمد بن رستة الأصبهاني ، حدّثنا محمّد بن المغيرة الأصبهاني ، حدثنا الحكم بن أيوب الأصبهاني قال : حدّثنا زفر بن الهذيل ، عن أبي حنيفة ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من نفس إلّا وقد كتب الله مدخلها ومخرجها وما هي لاقية» فقال رجل من الأنصار : ففيم العمل يا رسول الله؟ قال : «اعملوا فكلّ ميسر ، من كان من أهل الجنّة ييسره لعمل أهلها ، ومن كان من أهل النّار ييسره لعمل أهلها» قال : فقال الأنصاري : الآن حق العمل.

٥٥ ـ وبإسناده عن أبي حنيفة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن سراقة بن مالك قال : يا رسول الله ، أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : «لا ، بل للأبد» قال : حدّثنا عن ديننا كأنا ولدنا له أنعمل لشيء قد جرت به المقادير وجفت به الأقلام أم لشيء مستقبل؟ قال : «لما قد جرت به المقادير» قال الشيخ : حديث أبي الزبير عن جابر حديث ثابت قد مضى بإسناده ، وإنّما أوردته مع حديث سعد ليستدل به مع غيره على حسن اعتقاد أبي حنيفة ـ رحمه‌الله ـ في الأصول ، وأنّه كان يعتقد في إثبات القدر مذهب غيره من أئمة المسلمين وأعلامهم.

٥٦ ـ أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفّار ، حدّثنا العباس الأسفاطي ، ومحمد بن محمد بن حبان التمار قالا : حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا الليث بن سعد ، حدّثنا أبو قبيل المعافري ح.

٥٧ ـ قال : وأخبرنا أحمد ، حدّثنا عبيد بن / شريك ، حدّثنا عبد الغفار ، حدّثنا الليث ، حدّثني أبو قبيل ، عن شفي الأصبحي ، عن

__________________

(١) كتاب القدر.

(٢) كتاب القدر (٤ / ٢٠٤١).

١٣٤

عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي يده كتابان فقال : «أتدرون ما هذان الكتابان» قال : فقلنا لا إلّا أن تخبرنا يا رسول الله ، قال للذي في يمينه : «هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثمّ أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ، وقال للكتاب الذي في شماله هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل النّار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثمّ أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم» قالوا : فلأي شيء نعمل يا رسول الله إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ قال : «سدّدوا وقاربوا ، فإنّ صاحب الجنّة يختم له بعمل أهل الجنّة وإن عمل أيّ عمل ، وإنّ صاحب النّار يختم له بعمل أهل النّار وإن عمل أيّ عمل» ثم قال بيده فقبضها ، ثم قال : «فرغ ربكم من العباد (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)» (١).

٥٨ ـ وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكى ، وأبو عبد الرحمن السلميّ ، من أصله نقلا حدّثنا أبو العباس الأصم ، إملاء حدّثنا سعيد بن عثمان أبو عثمان التنوخي الحمصيّ ، حدّثنا بشر بن زكريا ، حدّثنا سعيد بن سنان ، عن أبي الزاهرية ـ حدير بن كريب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفضّل عبد الله على أبيه. قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان فقال : «هذا كتاب من ربّ العالمين» فذكر الحديث بمعناه يزيد وينقص وممّا زاد قال : «قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب.

وقبل أن يصيروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون ، فليس زائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة» وقال في آخره : «عدل من الله ـ عزوجل ـ».

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية رقم (٧).

١٣٥

باب

ذكر البيان / أنّ الله ـ عزوجل ـ خلق

خلقه في ظلمة ثمّ ألقى عليهم من نوره

فمن علم الله إيمانه وأمر القلم فجرى به وكتب من السعداء ، أصابه من ذلك النور فاهتدى ، ومن علم الله كفره وأمر القلم فجرى به وكتب من الأشقياء أخطأه ذلك النور فضلّ قال الله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (١) وقال الله ـ عزوجل ـ : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٢) ، وقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (٣).

٥٩ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الله إسحاق بن محمد السوسي قالا : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال : أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي قال : حدّثني ربيعة بن يزيد ، ويحيى بن أبي عمر الشيباني قالا : سمعنا عبد الله بن فيروز الديلمي قال : دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له بالطائف فذكر حديثا طويلا. قال : وسمعت رسول (٤) الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ خلق خلقه في ظلمة ، ثمّ ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ ، فلذلك أقول : جفّ القلم على علم الله».

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية رقم (١٢٢).

(٢) سورة البقرة ، الآية رقم (٢٥٧).

(٣) سورة الجاثية ، الآية رقم (٢٣).

(٤) في الأصل كررت [رسول] مرتين.

١٣٦

باب

ذكر البيان أنّ الله تعالى مسح ظهر آدم عليه

‌السلام فاستخرج منه ذرية فقال : «خلقت هؤلاء

للجنّة ، وبعمل أهل الجنة يعملون»

وهم كل من كان في علم الله تعالى أن يكون من أهل الجنّة وأمر القلم فجرى بسعادته وأصابه النور الذي ألقاه عليهم ثمّ استخرج منه ذرية فقال : «خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون» وهم كل من كان في علم الله تعالى أنّه يكون من أهل النار / وأمر القلم فجرى بشقاوته وأخطأه النور الذي ألقاه عليهم.

قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١) وقال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٢) الآية.

٦٠ ـ أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الطابراني بها ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن منصور الطوسيّ ، حدّثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدّثنا روح ، حدّثنا مالك بن أنس [ح] (٣).

٦١ ـ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو النّضر الفقيه ، وأبو الحسن العنزي قالا : حدّثنا عثمان بن سعيد الدارميّ ، حدّثنا القعنبي ، ويحيى بن بكير ، عن مالك ، عن زيد بن أبي أنيسة ، أن

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية رقم (١٠١).

(٢) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٧٩).

(٣) ليست في الأصل ، وإنّما أثبتها جريّا على عادة المصنف.

١٣٧

عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره ، عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سئل عن هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١) الآية.

فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : وسئل عنها : «خلق الله ـ عزوجل ـ آدم ثمّ مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون ، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون» فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله ـ عزوجل ـ إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله الجنّة ، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله النّار».

لفظ حديث روح رواه أبو داود في كتاب «السنن» عن القعنبي (٢).

٦٢ ـ أخبرنا أبو علي الروذباري في «كتاب السنن» أخبرنا أبو بكر بن داسة ، حدّثنا أبو داود ، حدّثنا محمد بن المصفى ، / حدثنا بقية قال : حدّثني [عمر بن جعثم] (٣) القرشي قال : حدّثني زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة (٤) ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب بهذا الحديث وحديث مالك أتمّ.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٧٢).

(٢) كتاب «السنّة» من «السنن» (١٢ / ٣٠٧ ـ مع العون).

(٣) في الأصل [محمد بن عمر] وهو خطأ ، والتصحيح من سنن أبي داود (١٢ / ٣٠٧ ـ مع العون).

(٤) في الأصل [نعيم بن أبي ربيعة] وهو خطأ ، والتصحيح من سنن أبي داود (١٢ / ٣٠٧ ـ مع العون) ومن غيره. وانظر : تاريخ البخاري الكبير ٨ / الترجمة ٢٣١٤ و «الجرح والتعديل» (٨ / الترجمة ٢١٠٧) و «تهذيب الكمال» (٢٩ / ٤٨٤).

١٣٨

٦٣ ـ أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصغاني ، حدّثنا محمد بن عبد الله الدبري ، حدّثنا الحكم بن سنان ـ صاحب القرب ـ حدّثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله ـ عزوجل ـ قبض قبضة فقال : للجنّة برحمتي ، وقبض قبضة فقال : للنّار ولا أبالي».

١٣٩

باب

ذكر البيان أنّ الله تعالى حيث أخذ

الميثاق من بني آدم فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)

إنّما قال بلى من سبق في علمه سعادته وكونه من أهل الجنّة ، ثم جرى القلم بذلك دون من سبق في علمه شقاوته وكونه من أهل النّار ، ثمّ جرى القلم بذلك ، وقد قيل : أقر جميعهم بالتوحيد وقالوا : بلى طوعا وكرها ، فمن كان في علمه أنّه يصدّق به أقرّ به طوعا ، ومن كان في علمه أنّه يكذّب به أقرّ به كرها ، والله أعلم

٦٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو يحيى يعني السمرقندي ، حدّثنا محمّد بن نصر ، حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله ـ عزوجل ـ لأهون أهل النّار عذابا : لو كان لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم ؛ أن لا تشرك بي ـ أحسبه قال ولا أدخلك النّار ـ فأبيت إلّا الشرك».

رواه مسلم في «الصحيح» (١) عن عبيد الله بن معاذ. وأخرجاه من حديث غندر عن شعبة (٢) / ومن زعم أنّ جميعهم قالوا : بلى إلّا أنّ من كان في علمه أنّه يكذب به ، إنّما قاله كرها ، يزعم أنّ قوله «فأبيت إلا الشرك» يريد به فأبيت الإقرار بالتوحيد طوعا.

٦٥ ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العباس

__________________

(١). (٤ / ٢١٦٠) كتاب : صفات المنافقين وأحكامهم.

(٢) البخاري ، كتاب الرقاق (٦٥٥٧) باب : صفة الجنة والنار ، ومسلم (٤ / ٢١٦١) كتاب : صفات المنافقين وأحكامهم.

١٤٠