القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

وروى امامهم الحافظ الثقة أبو يعلى الموصلي في الذي يعرف شطر من محامده ومحاسنه من الرجوع إلى كتاب الثقات لابن حبان ، وتاريخ الحاكم ، وأنساب السمعاني وتذكرة الذهبي ، و «مفتاح كنز الدراية» وغيرها في مسنده بسنده المتصل عن أبي برزة قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع صوت غناء فقال : انظروا ما هذا؟ فنظرت فاذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنّيان ، فجئت فأخبرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اللهم اركسهم في الفتنة ركساً اللهم دعهما النار دعّاً (١).

وروى هذا الحديث امام مذهبهم أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده الذي ستسمع شطراً مما أثنوا عليه ، وقالوا في صحته والاعتماد عليه وأنه الأصل في معرفة الصحيح من السقيم.

ورواه أيضاً امامهم العلامة بقية الحفاظ أبو القاسم الطبراني في معجم الكبير بسنده المتصل عن ابن عباس قال : سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌صوت الرجلين يتغنّيان وهما يقولان :

ولا يزال حواري يلوح حطامه

ذوى الحرب عنه ان يجن فيقبرا

فسأل عنهما فقيل له معاوية وعمرو بن العاص ، فقال : اللهم اركسهما في الفتنة ركساً ودعهما إلى النار دعّاً (٢).

وقبائح عمرو بن العاص لا تخفى على من له أدنى تتبع في الكتب ، ولا تفي هذه الرسالة باحصائها.

__________________

(١) ٣. مسند أحمد ٤ : ٤٢١ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ١٣٢.

(٢). مسند أحمد ٤ : ٤٢١ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ١٣٢.

٢٢١

والعجب ان القوم رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه صلّى عليه ، ففي الرياض النضرة لمحب الدين الطبري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اللهم صلّ على أبي بكر فانه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صلّ على عمر فانه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صلّ على عثمان فانه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صلّ على أبي عبيدة ابن الجراح فانه يحبك ويحب رسولك اللهم صلّ على عمرو بن العاص فانه يحبك ويحب رسولك أخرجه الخلعي (١).

فلينظر العاقل إلى هؤلاء الضالين المعاندين كيف لا يصلون على أمير المؤمنين وآله الطاهرين مع اعترافهم بقضاء الأدلة على جوازها ، ورجحانها ، وكيف تركوا ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذا الرواية؟! وان لم يتركوه إلّا تعصباً ونصباً ، لكن نعم ما فعلوا ، حيث لم يقرنوا اسمه الشريف بهذه الأسامي الميشومة الملعونة ، وكيف يروون في حقّ مثل هذا الشقي الملحد ان النبي صلّى عليه؟

وشنع بعض متأخريهم غاية التشنيع ، على ما رواه الكشي ، وأورده القاضي في «مجالس المؤمنين» : من أنه ذكر محمد بن أبي بكر عند الإمام الصادق صلوات الله عليه فقال عليه‌السلام : رحمه‌الله وصلّى عليه.

ومن الطريف ان المخاطب الظريف لما سمع رواية الصلوات على محمد بن أبي بكر الذي كان ذا سداد ، ورشاد ، وصاحب نسك وعبادة ، واجتهاد ، ولد في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأثنى عليه الوصي ، وحزنت بجليل رزئه أم المؤمنين ، ودعت على قاتله اللعين ، حاد عنها وشغب عليها ، فورم أنفه وشخب وجهه والتاع قلبه

__________________

(١). الرياض النضرة ١ : ٣٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٦٥.

٢٢٢

وتحارزت عيونه ، وانتفخت أوداجه ، ونظر شزار ، واستشاط غيظاً ، وضاق ذرعاً ولم يعلم أن أئمته وشيوخه يردون الصلاة على من دعى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذكر عماد الدين أبو الفداء اسماعيل في كتابه المسمى بالمختصر من أخبار البشر : انه لما بلغ عائشة قتل أخيها محمد جزعت عليه وقنتت في دبر كلّ صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص (١).

وروى الحاكم في المستدرك حديثاً صحيحاً يتضمن لعن عائشة على عمرو بن العاص!

فاخرج بسنده عن مسروق أنه ذكر عند عائشة أن علياً قتل ذا الثدية فقالت لي : اذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناساً ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد فلما قدمت وجدت الناس أشياعاً.

فكتبت لها من كلّ شيع عشرة ممن شهد ذلك ، قال : فأتيتها بشهادتهم ، فقالت : لعن الله عمرو بن العاص فانه زعم لي انه قتله بمصر ، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (٢).

وفي كثير من الكتب أنه يؤلّب على عثمان ويفسد الأمر عليه ، ذكر صاحب الاستيعاب في ترجمة عبد الله بن أبي سرح انه لما ولّاه ايّاه يعني مصراً عثمان وعزل عنها عمرو بن العاص يطعن على عثمان ويؤلّب عليه ويسعى في فساد أمره ، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال : اني اذا نكأت قرحة أدميتها أو نحو ذلك.

__________________

(١). تاريخ أبي الفداء ١ : ٢٤٩.

(٢). المستدرك ٤ : ١٤ رقم ٢٣٤٢ ـ ٦٧٤٤.

٢٢٣

وذكر ترجمة محمد بن أبي حذيفة ، أنه كان محمد بن أبي حذيفة أشدّ الناس تأليباً على عثمان وكذلك كان عمرو بن العاص منذ عزله عن مصر يعمل حيلته بالتاليب والطعن على عثمان.

وذكر في ترجمته أيضاً نحو ذلك ، وأورد نحوه السيوطي في «حسن المحاضرة» وابن ظهير في «الفضائل الباهرة».

ومسألة خبث ولادته معروفة في كثير من الكتب ، منها : «انسان العيون في سيرة الامين والمأمون» ، ومنها : كتاب «المستطرف» ، ومنها : «تذكرة سبط ابن الجوزي» ومحصلها أن أمه كانت بغيّاً عند عبد الله ابن صدعان فوطئها في طهر واحد أبو لهب وأمية بن سلف وأبو سفيان بن حرب والعاص بن الوائل وادعي كلّهم عمرو ، فالحقته أمه بالعاص وقيل لها : لم اخترت العاص؟ فقالت : لانه كان ينفق على بناتي.

ويعجبني ما أورده عالمهم المحدث ابن الشحنة الجلبي في كتاب روض المناظر قال في سنة ستين مات معاوية ، وكان عمره خمساً وسبعين سنة ، وكان يغلب حلمه على ظلمه ، وكان داهية ، يحسن سياسة الملك.

دخلت عليه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب فقال لها : مرحباً بك يا خالة كيف حالك؟ فقالت : بخير يا ابن أختي لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك ، وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء ، حتى قبض الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشكوراً سعيه ، مرفوعاً منزلته ، فوثبت علينا بعده تميم وعدي وأمية ، فابتزونا حقّنا ، وليتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة بني اسرائيل في آل فرعون ، وكان

٢٢٤

علي بن أبي طالب بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى.

فقال لها عمرو بن العاص : كفي أيتها العجوز الضالة ، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك ، فقالت : وأنت يا ابن النابغة (١) ، تتكلّم وأمك كانت أشهر بغي بمكة ، وأرخصهن أجرة ، فادعاك خمسة من قريش ، كلٌّ يقول هو لي ، فسُئلتْ أمك عن ذلك ، فقالت : كلّهم أتاني فانظروا أيهم أقرب شبهاً به وكان أقربهم شبهاً بك العاص بن وائل فألحقوك به.

فقال لها معاوية عفى الله عمّا سلف ، هاتي حاجتك ، فقالت : أريد ألفي دينار اشتري بها فوارة في أرض خوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب ، وألفي دينار أخرى أزوّج بها فقراء بني الحارث ، وألفي دينار أخرى ، أستعين بها على شدّة الزمان ، فأعطاه ستة آلاف دينار وانصرفت (٢) ، وذكر هذه الحكاية أيضاً بعينها أبو الفداء اسماعيل في المختصر (٣).

وبالجملة فمطاعن هذا الشقي كثيرة لا يمكن استيفاؤها ويكفيه ما وقع منه في مقاتلته لنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وما تواتر منه من معاداته أولياء الله وموالاته أعداء الله ، وكونه من القاسطين ومن الفئة الباغية بنصّ النبوي المتواتر بين الفريقين في حق عمّار وغير ذلك.

ومما يقضي منه العجب أن جماعة من أساطينهم وأعيانهم رووا في حقّ هذا الملحد الكافر الملعون أحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما تدلّ على صلاحه

__________________

(١). الباغية.

(٢). روض المناظر : ١٢٠ ـ ١٢١.

(٣). تاريخ أبي الفداء ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

٢٢٥

وفضله : كأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وابن عساكر ، والطبراني ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، والحاكم وابن سعد ، وغيرهم ، مضافاً إلى ما مرَّ من صلاة النبي عليه كما يعلم من المراجعة إلى «جمع الجوامع» ، و «كنز العمال» روى في الأخير : عمرو بن العاص من صالحي قريش (١).

والترمذي عن طلحة : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص (٢).

وفي مسند أحمد والترمذي عن عقبة بن عامر الاكمال : نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله ابن عمرو بن العاص (٣).

وابن عساكر عن عمرو بن دينار عن جابر ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على عمرو بن العاص فقال : أن عمرو بن العاص لرشيد الأمر (٤) وعن طلحة بن عبيد الله ان عمرو بن العاص لمن صالحي قريش ونعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله : أحمد بن حنبل وابن عدي عن جابر يا عمرو انك لذي رأي رشيد في الاسلام.

أبو هريرة الدوسي

الذي ملئوا كتبهم وطواميرهم من رواياته وقد سبق نقلاً عن ابن أبي الحديد المعتزلي أن معاوية بذل له مالاً ليفتري على أمير المؤمنين صلوات الله عليه حديثاً يدل على ذمّه ففعل.

__________________

(١). مسند أحمد ١ : ١٦١ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٥٦.

(٢). مسند أحمد ٤ : ١٥٥ ، سنن الترمذي رقم ٣٨٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٦٤.

(٣). مسند أحمد ١ : ١٦١ ، سنن الترمذي رقم ٣٨٤٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٥٦.

(٤). سير أعلام النبلاء ٣ : ٦٤.

٢٢٦

ويعلم من كثير من كتب القوم أنه كان معروفاً بالتساهل في الرواية والوضع والاختلاق ، روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة : من المتفق عليه أي مما اتفق البخاري ومسلم على روايته ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتل الكلاب الّا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية ، فقيل لابن عمر : أن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع ، فقال ابن عمر : ان لأبي هريرة زرعاً (١).

وروى في الحديث السادس والستين بعد المائة ، في مسند أبي هريرة : من المتفق عليه أيضاً عن أبي رزين قال : خرج الينا أبو هريرة فضرب يده على جبهته وقال : ألا انكم تحدّثون عليَ (٢) أنّي أكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهتدوا وأضلّ ، الحديث. (٣)

وروى في الحديث الستين بعد المائة : من المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.

فقال ابن عمر : قد أكثر علينا أبو هريرة (٤).

وقال علي القاري من أجلاء علمائهم ونحارير محققيهم وفضلائهم في المرقاة شرح المشكاة : وعنه أي عن أبي هريرة قال : إنَّكم ـ أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين ـ تقولون أكثر أبو هريرة أي الرواية عن

__________________

(١). الجمع بين الصحيحين للحميدي ٢ : ٢٣٧.

(٢). ليست في النسخة المطبوعة لفظة «عليَّ».

(٣). المصدر السابق رقم ٢٣٣٣.

(٤). المصدر السابق ، برقم ٢٣٢٧ ، صحيح البخاري ٣ : ١٩٢ رقم ١٣٢٣ ـ ١٣٢٤ ، ومسلم ٢ : ٦٥٣.

٢٢٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله الموعد ، أي موعدنا فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لأن الاسرار تنكشف هنالك.

وقال الطيبي : أي لقاء الله الموعد ، أي موعدنا ، يعنى به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد أو أنقص لا سيّما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ما ذكر.

وفي المفاتيح للخلخالي ، شرح المصابيح أيضاً ما يقرب مما ذكر.

وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الردّ على من قال بتناقض الحديث : ما يدل على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعمر وعثمان وعائشة كانوا يكذبون أبا هريرة واعتذر عنه بما لا يجدي ، قال : فأما طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة ، فإن أبا هريرة صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحواً من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه ، وعمر بعده نحواً من خمسين سنة ، وكانت وفاته تسع وخمسين ، وفيها توفيت أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتوفيت عائشة قبلها بسنة ، فلما أتى من الرواية عنه ، بما لم يأت بمثله من صحبه من أجلة أصحابه والسابقين الأولين إليه اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه ، حتى تطاولت الأيّام بها وبه وكان عمر شديداً على من أكثر الرواية.

وروى الطبراني في المعجم الاوسط ان أبا هريرة روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من لم يوتر فلا صلاة له ، فقالت : ومن سمع هذا من أبي القاسم ما بعد العهد وما نسينا ، إنّما قال أبو القاسم : من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة ، حافظاً على وضوئها ومواقيتها ، وركوعها ، وسجودها ، لم ينتقص منه شيئاً كان

٢٢٨

له عهد أن لا يعذبه ، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئاً فليس له عهد عند الله ان شاء رحمه وان شاء عذّبه.

وروى شمس الأئمة في كتاب الاصول : أنه لما سمعت ـ أي عائشة ـ أبا هريرة يروى أن ولد الزنا شرّ الثلاثة ، قالت : كيف يصح هذا!؟ وقد قال الله تعالى : «(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) رحمهما‌الله (١).

وفي كنز العمال عن ميمون بن مهران أنه شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا ، فقيل له : أن أبا هريرة لم يصل عليه ، وقال : هو شرّ الثلاثة ، فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة.

وروى أيضاً بعد الرواية السابقة ، أن عائشة قالت : لابن أختها ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل أي أبي هريرة؟ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدّث بأحاديث لو عدّها عادّ لأحصاها.

وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي أن أبا هريرة روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً» (٢).

وروى الحافظ أبو زرعة العراقي في كتاب شرح الاحكام عن ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ان عائشة كانت تمشي في خفّ واحد وتقول لاخيفنّ أبا هريرة قال واسناده صحيح.

__________________

(١). الاسراء : ١٥.

(٢). الجمع بين الصحيحين ٣ : ١٢٣ رقم ٢٣٣٣.

٢٢٩

وروى أيضاً في كتاب المذكور أنه روى ابن عبد البر في «التمهيد» عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت أبا هريرة يحدّث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال الشوم في الثلاث : الفرس ، والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض ، ثمّ قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم من حدث عنه بهذا؟ ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثمّ قرأت عائشة : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ» (١). (٢)

وذكر ابن الاثير في النهاية : ومنه حديث عائشة : «فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض» هو مبالغة في الغضب والغيظ (٣). وأورد هذا الحديث بعينه وبتمامه عبد الله بن قتيبة في كتاب الردّ على من قال بتناقض الحديث أيضاً.

ورواه أيضاً أحمد بن حنبل وابن خزيمة والحاكم قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان ، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : أن أبا هريرة قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الطيرة في الفرس ، والمرأة ، والدار ، فغضبت غضباً شديداً وقالت : ما قاله؟ وانما قال : ان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك (٤).

__________________

(١). الحديد : ٢٢.

(٢). التمهيد لما في الموطأ من المعاني ٩ : ٢٨٩.

(٣). النهاية لابن الاثير ٣ : ١٥١ في «طير» وفيها : ومنه حديث عائشة : أنها سمعت ان الشوم في الدار والمرأة ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض» أي كأنها تفرّقت وتقطَّعت قطعاً ، من شدّة الغضب.

(٤). فتح الباري ٦ : ٤٠١.

٢٣٠

وفي كتاب الاصول للسرخسيّ أنه لما بلغ عمر أن أبا هريرة يروي بعض ما لا يعرف ، قال : لتكفن عن هذا أو لألحقنك بجبال دوس (١).

وفي كنز العمال عن السائب بن يزيد ، قال سمعت عمر بن الخطاب ، يقول لابي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لألحقنّك بأرض دوس وقال لكعب لتتركنّ الحديث أو لألحقنّك بأرض القردة (٢).

وذكر علّامتهم الزمخشري في الفائق : أن أبا هريرة استعمله عمر على البحرين فلما قدّم عليه قال : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله سرقت من مال الله فقال : لست بعدوّ الله ولا عدوّ رسوله ، ولكني عدوّ من عاداهما وما سرقت ، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت المال ثمّ دعاه إلى العمل فابى.

فقال عمر : فان يوسف قد سئل العمل ، فقال : ان يوسف مني بريءٌ وأنا منه برآء وأخاف ثلثا واثنتين ، قال : أفلا تقول خمساً؟ قال : أخاف أن أقول بغير حكم واقضى بغير علم ، وأخاف أن يضرب ظهري ويشتم عرضي ويؤخذ مالي.

البراء : البري المراد بالبراءة بعده عنه في المقايسة لقوة يوسف على الاستقلال باعباء الولاية وضعفه عنه ، وأراد بالثلاث والاثنتين : الخلال المذكورة وانما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالاً عليه في الآخرة والثلاث بلاء أو ضرراً في الدنيا.

ويظهر من رسالة الفخر الرازي في تفضيل الشافعي ، أن الحنفية كانوا

__________________

(١). أصول السرخسي ١ : ٣٤١.

(٢). تاريخ مدينة دمشق ٦٧ : ٣٤٣.

٢٣١

يطعنون في أبي هريرة ، قال : وأما أصحاب الرأي فان أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب ، فتارة يرجحون القياس على الخبر ، وتارة بالعكس.

أما الأول : فهو أن مذهبنا ، أن التصرية سبب مثبت للرَّد ، وعندهم ليس كذلك ، ودليلنا : ما أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تصرّوا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ، فإنه يخيّر النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً ان رضيها أمسكها وان سخطها ردّها ، وردّ معها وصاعاً من تمر (١).

واعلم أن الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلاً البتة بسبب ، أنه مفسر في محل الخلاف ، اضطروا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة ، وقالوا : انه كان متساهلاً في الرواية ، وما كان فقيهاً ، والقياس على خلاف هذا الخبر ، لأنه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلاث ، ويقتضي تقويم اللبن بصاع من تمر من غير زيادة ولا نقصان ، ويقتضي اثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد ، فهذه الاحكام مخالفة للاصول فوجب ردّ ذلك الخبر لأجل القياس.

وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب البيوع : أنه قال الحنابلة : واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة باعذار شتى ، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة ، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجليّ (٢).

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب البيوع ، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل ... رقم ٢١٤٨ و ٢١٥٠.

(٢). فتح الباري ، كتاب البيوع ٤ : ٢٩٠.

٢٣٢

أبو حنيفة يطعن على أبي هريرة

وذكر الزندويستي (١) وهو من أجلّة علماء الحنفية وأعاظم مشايخهم وأثنى عليه الكفوي في «كتائب الاعلام الاخيار» في كتابه المسمى ب «روضة العلماء» روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل ، فقيل له : اذا قلت قولاً وكان كتاب الله يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، فقيل : اذا كان خبر الرسول يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : اذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : اذا كان قول التابعين يخالف قولك؟ قال : اذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل ، ثمّ قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة الّا ثلاثة منهم : أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وسمرة بن جندب.

قال : قال الفقيه أبو جعفر الهندواني : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون الى آخر ما ذكره.

وحكى أيضاً عن عيسى بن أبان أنه قال : أقلّد أقاويل جميع الصحابة الّا ثلاثة منهم : أبو هريرة ، ووابصة بن معبد (٢) ، وأبو سنابل بن بعكك.

والقضية السابقة أعني مطعونية أبي هريرة عند أبي حنفية مذكورة في «كتائب الأعلام الأخيار» أيضاً.

ويظهر من ابن حزم الاندلسي من أعيان محققي القوم الذي ذكروا أنه بلغ

__________________

(١). الحسين بن يحيى البخاري الزَّنْدوِيستيّ له كتاب روضة العلماء ونظم الفقه وترجمته في الجواهر المضية ١ : ٦٢١ باسم «علي بن يحيى» والفوائد البهية : ٢٢٥ وتاج التراجم : ٩٤ رقم ١٠٣ وكشف الظنون ١ : ٩٢٨.

(٢). أسد الغابة ٦ : ١٥٦ رقم ٥٩٧٩.

٢٣٣

رتبة الاجتهاد فكان لا يقلّد أحداً من الأئمة الأربعة ، وذكر محيى الدين في الفتوحات أنه رآه صار متّحداً مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب «المحلى» في مسألة أحقيّة البائع بمتاع المبتاع اذا أفلس : ان محمد بن الحسن الشيباني مقلّد الحنفية وتلميذ إمامهم الأعظم ، والذي نقلوا في حقه من الشافعي : أن اليهود والنصارى لو نظروا في تصانيف محمد بن الحسن لآمنوا من غير اختيار ، كان يطعن في أبي هريرة ، ولا يحتج بروايته.

قال ابن حزم : روينا من طرق أبي عبيدة ، أنه ناظر في هذه المسألة ، محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا من حديث أبي هريرة.

قال علي : نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك : من أفقه أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال : قل أيهما أكذب (١).

وليت شعري أن الحنفية لما ذا يعتمدون على رواية أبي هريرة بعد ما صدر في حقه عن إمامهم الأعظم وتلميذه الأفخم ما صدر؟!

ومن مطاعنه : أنه كان يلعب بالشطرنج ، ذكر الدميري في حياة الحيوان في لغة العقرب ما لفظه : وروى الصعلوكي تجويزه ، أي الشطرنج عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، والحسن البصري ، والقاسم بن محمد ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، وعطاء ، والزهري وربيعة بن عبد الرحمن ، وأبي الزياد ، والمروي ، عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب القوم.

وذكر ابن الاثير في النهاية : وفي حديث بعضهم قال رأيت أبا هريرة

__________________

(١). المحلى ، كتاب البيوع ، باب : أحكام التفليس ٨ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

٢٣٤

يلعب السُّدر ، السُّدر لعبة يقامر بها ، تُكسر سينها وتضُمّ ، وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (١) ، يعني «سه در».

وقال ابن تيمية المتعصب الناصب في منهاجه : ان مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت عن علي بن ابي طالب انه مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال : «ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ»؟ (٢).

وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة ، وتنازعوا في أن أيهما أشدّ تحريماً؟ الشطرنج أو النرد ، فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد.

وهذا منقول عن ابن عمر لأنها تشغل القلب بالفكر ، والذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشدّ (٣).

واعترف بصحة هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ابن روزبهان في كتابه.

وفي كنز العمال : ملعون من لعب الشطرنج ، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير ، رواه عبدان ، وأبو موسى ، وابن حزم ، عن حبة بن مسلم وفيه أيضاً : اذا أمرتم بهذا ، الذين يلعبون بهذه الأزلام ، والشطرنج ، والنرد ، وما كان من هذه فلا تسلّموا عليهم ، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم.

والديلمي عن أبي هريرة : ويكفي في ذمّ اللعب به هذا الحديث الذي

__________________

(١). النهاية لابن الاثير ٢ : ٣٥٤.

(٢). الأنبياء : ٥٢.

(٣). منهاج السنة ٢ : ٩٨.

٢٣٥

حدّث به أبو هريرة نفسه ، وروى في كنز العمال روايات أُخر كثيرة دالة على حرمته وذم فاعله ، و «أنه من أهل النار» ، و «انه من شرار خلق الله» ، و «لا ينظر الله إليه يوم القيامة» ، نقلاً عن الديلمي وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وهؤلاء كلهم من أساطين دينهم ومذهبهم ، وسوّدوا في اثبات فضائلهم ومحامدهم أوراقاً طويلة. ومن قبائح أبي هريرة وشنائعه الفظيعة ، انه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، مولياً لعدوه ، معاد لوليّه.

ولما نبهه على ذلك الأصبغ بن نباتة استرجع ولم يحر جواباً.

قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة : قال اصبغ : فقلت يا معاوية لا تقتل بقتلة عثمان ، فإنك لا تطلب إلّا الملك والسلطنة ، ولو أردت نصرته لفعلته ، ولكنك تربصت به وتقاعدت لتجعل ذلك سبباً إلى الدنيا ؛ فغضب ، فأردت أن أزيده ، فقلت يا أبا هريرة أنت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقسم عليك بالله الذي لا إله إلّا هو ، وبحقّ رسوله هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»؟

فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك.

فقلت : إذن أنت يا أبا هريرة واليت عدوّه وعاديت وليّه ، فتنفس أبو هريرة وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فتغير وجه معاوية ، وقال : يا هذا كفّ عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان ، فإنه قتل مظلوماً.

٢٣٦

سبط ابن الجوزي

ومن المناسب جدّاً ان نتعرّض هنا اجمالاً لحال سبط بن الجوزي ، وشطر من محامده واثبات انه من أعاظم علماء القوم ، وان تذكرته من الكتب المعتمدة ، فإنّا ننقل كثيراً عن تذكرته فربما يجرّ أحد المتعصبين الجاهلين على ازرائه والقدح في جلالته أو في كتابه ، أو عدم صحة انتساب الكتاب إليه.

فنقول : هو من أعيان علمائهم المحققين وأجلاء محدّثيهم المنقّدين ولا يزال سلف علمائهم وخلفهم يستندون إلى إفاداته ويحتجون بكلماته كإمامهم الذهبي ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي والصفدي ، وابن خلكان ، وتقي الدين الفاسي ، ونور الدين السمهودي ، وصاحب الصواعق ، وغيرهم.

وقد اعتمد على كتابه المذكور جماعة ، منهم : السمهودي وغيره ، حتى أن علّامتهم المتعصب نقل عن كتابه هذا ـ أعني تذكرة خواص الأُمة ـ في الصواعق.

واعتمد على كلامه جماعة ، منهم : الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي ، من أوائل مسند أبي حنيفة ، عند دفع الإشكالات عن أبي حنيفة.

قال : وأما قوله : أن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة : القتل بالقتل ، ولو رماه بأبي قبيس ، فالجواب عنه بوجوه ثلاثة : الأول : أنه ذكر الإمام الحافظ سبط بن الجوزي انه افتراء على أبي حنيفة.

وجعله الكابلي في الصواعق من قرناء الطبري ، والبخاري ، واحتج بكتاب تاريخه عند الجواب عن طعن درء الحد عن المغيرة.

٢٣٧

والذهبي أثنى عليه في العبر في أخبار من غبر (١) لكن عابه وازدرى عليه في كتاب الميزان (٢) ، وعابه في كتاب تاريخه ، فقال : انه ألّف مرآة الزمان فتراه يأتي بمناكير الحكايات ، وما أظنه بثقة بل يحيف ويجازف ثمّ انه يترفض.

وقال في موضع آخر كان حنبلياً وتحوّل حنفياً للدنيا ، وتعقّبه العلامة الكفوي في كتائب الاعلام الاخيار وقال : واعلم ان صاحب «مرآة الزمان» قد كان ناقلاً عمن تقدمه في التاريخ ووظيفته الرواية والعهدة على الراوي فنسبته إلى المجازفة جور عليه فان غالب التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا غبار عليها ، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من «مرآة الزمان» شيئاً كثيراً فان لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات.

وقال ابن خلكان في تاريخه بعد ذكر عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي وكان سبطه شمس الدين (٣) .... أبو المظفر يوسف بن قزأُغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه مقبول عند الملوك وغيرهم ، وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطه في أربعين مجلداً سمّاه

__________________

(١). العبر ٣ : ٢٧٤ سنة ٦٥٤ ه‍ ، وفيه : وابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأُغلي التركي ثمّ البغدادي العوني الهبيري الحنفي ، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي ، سمّعه جده منه ، ومن ابن كليب وجماعة ، قدم دمشق سنة سبع وست مائة ، فوعظ بها ؛ وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه ، وله تفسير في «تسعة وعشرين» مجلداً و «شرح الجامع الكبير» وجمع مجلداً في «مناقب أبي حنيفة» ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبلياً ، توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة وكان وافر الحرمة عند الملوك.

(٢). ميزان الاعتدال ٤ : ٤٧١ رقم ٩٨٨٠.

(٣). والنسخة التي كانت بايدينا من الكتاب تختم بهذه الكلمة والأسف أنها سقيمة.

٢٣٨

«مرآة الزمان» وتوفي ليلة الثلاثاء ، حادي عشرين ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك ، ومولده سنة احدى وثمانين وخمسمائة ببغداد ، رحمه‌الله تعالى ، وكان يقول : أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين (١).

وذكره الذهبي في كتبه وأثنى عليه ، قال في سيره : الشيخ العالم المتفنّن الواعظ البليغ المؤرخ الاخباري ، واعظ الشام شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأُغلي بن عبد الله التركي العوني الهبيري البغدادي الحنفي سبط الامام أبي الفرج ابن الجوزي ، انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ ، وكان حلو الايراد ، لطيف الشمائل ، مليح الهيئة ، وافر الحرمة ، له قبول زائد ، وسوق نافق بدمشق ، أقبل عليه أولاد الملك العادل ، وأحبّوه ، وصنّف «تاريخ مرآة الزمان» وأشياء ، ورأيت له مصنّفاً يدلّ على تشيّعه ، وكان العامة يبالغون في التغالي في مجلسه ، سكن دمشق من الشبيبة ، وأفتى ودرّس.

توفي بمنزله بسفح قاسيون ، وشيّعه السلطان والقضاة وكان كيّساً ظريفاً متواضعاً ، كثير المحفوظ ، طيّب النغمة ، عديم المثل ، له تفسير كبير في تسعة وعشرين مجلداً ، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة (٢).

__________________

(١). وفيات الاعيان ٣ : ١٤٢.

(٢). سير أعلام النبلاء ٢٣ : ٢٩٦ رقم ٢٠٣ ، وترجمته في ذيل مرآة الزمان ١ : ٣٩ ـ ٤٣ ، تاريخ الاسلام للذهبي وفيات ٦٥٠ ـ ٦٦٠ ، العبر ٤ : ٢٢٠ ، ميزان الاعتدال ٤ : ٤٧١ ، فوات الوفيات ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ رقم ٥٩٢ ، مرآة الجنان ٤ : ١٣٦ ، الجواهر المضيئة ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣٢ رقم ٧١٩ ، البداية والنهاية ١٣ : ١٩٤ ، العسجد المسبوك : ٦٢٣ ، لسان الميزان ٦ : ٣٢٨ رقم ١٩٦٨ ، النجوم الزاهرة ٧ : ٣٩ ، شذرات الذهب ٥ : ٢٦٦ ، الفوائد البهية : ١٨٣.

٢٣٩

قد تمّت الرسالة المسماة بالقول الصراح فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا بالشكر دائماً ولأداء الحق والتمسك بحبل الله المتين قائماً على (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ)

والحمد لله ربّ العالمين

* * *

٢٤٠