القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

لي أقدم ، قدمت ساعة ثمّ وقفت ، وهكذا حتى وصلت إليه فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال : صحيح ، فقلت : أرويه عنك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : أروه عني ، ثمّ حكى النخلي إجازة عبد المعطي للخطاب ، وكذا كل واحد لمن بعده حتى وصل إلى نفسه.

وأورد صاحب رسالة الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين هذه الحكاية ، ثمّ قال : ووجدت هذا الحديث بخط الشيخ عبد الحق الدهلوي بإسناده له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه وفيه : فلمّا فرغ من الزيارة وما يتعلق بها سئل أن يروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ فسمع الإجازة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر صحيح مسلم أيضاً.

أقول : هذا كلّه مضافاً إلى ما ذكروا في ترجمة البخاري ومسلم ، وأثبتوا لهما من المحاسن الجليلة ، والمآثر الأصيلة ، والمفاخر الأثيلة ، والمدائح العظيمة ، والمحامد الجسيمة ، والمكارم الفخيمة ، وسنتلو عليك شطراً منها فيما بعد ان شاء الله تعالى.

٢١
٢٢

الفصل الأوّل :

الإلزامات

٢٣
٢٤

المعاند وروايات المناقب

ذكروا أن البخاري ألّف صحيحه في بيت الحرام (١) ، والتزم عند كتابة كل حديث أن يغتسل غسلاً ويصلّي ركعتين ثمّ يكتب (٢) ، وقد سمع صحيحه منه تسعون ألفاً ، ورووا عنه ، وأنت إذا سمعت هذا كلّه ، وأمعنت النظر فيها ، وتأملت في مطاويها وحوافيها ، فمن الآن فاستمع ما يتلى عليك ونحن نبدأ أولاً بذكر جملة من التعصّبات فنقول :

قد أنكر كثير من أعيان علمائهم كثيراً من الأخبار الواضحة المتضافرة بل المتواترة بطرقهم المروية ، وجملة منها في صحاحهم لما رأوا فيها من الدلالة على الحق الواضح القويم ، ويحسبونه هيّناً ، وهو عند الله عظيم ، وهي على ما يظهر بالتّتبع كثيرة ، نذكر شطراً يسيراً.

منها : بعضها مذكور في الصحاح ، وبعضها مشهور مأثور في كثير من كتبهم المعتبرة المعوّل عليها.

أما الكبرى : فادلتها مبسوطة مشروحة في كتب الفريقين ، ولنكتف من الأخبار المذكورة في كتب القوم مما يتعلق بالمقام بنبذ يسير ، فالجرعة تدل على

__________________

(١). وقد قيل أنه بعد ما خرج إلى خراسان صنّف كتابه الصحيح ، ولذلك قال ابن حجر : «... وخرج إِلى خراسان ووضع كتابه «الصحيح» فعظم شأنه وعلا ذكره» ، تهذيب التهذيب ٩ : ٤٧ ، ويؤيد ذلك قوله : صنّفت كتابي الصحاح لستّ عشرة سنة ، واقامته في الحجاز ومجاورته البيت أقل من ذلك ، فراجع.

(٢). تاريخ بغداد ٢ : ٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٢ : ٧٢.

٢٥

القدير ، فنقول : يدل عليها بعد قوله تعالى ، في مواضع عديدة ، فمن القرآن : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (١)

وما تواتر في كتب الفريقين ، من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك.

وما رواه ابن حجر المتعصب في الصواعق ، قال :

الحديث الرابع والثلاثون : أخرج الدارقطني ، في الإِفراد عن ابن عباس أن النبي قال : علي باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً (٢).

وفي مفتاح النجاة للبدخشاني ، الذي هو من عظماء أهل السنة : أخرج الديلمي عن ابن عمر : علي باب حطّة ، الحديث (٣).

وأورد السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير الذي قال في وصفه : هذا الكتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفاً ، ومن الحكم المصطفوية صنوفاً ، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة ، ولخصت فيه من معادن الأثر ابريزه وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب ، وصنته عمّا تفرد به وضاع أو كذاب ، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب (٤)

__________________

(١). الشورى : ٢٣.

(٢). فردوس الاخبار ٣ : ٩٠ رقم ٣٩٩٨.

(٣). المصدر السابق.

(٤). قال المناوي : والظاهر أن مراده بالفائق كتاب الفائق في اللفظ الرائق : تأليف ابن غنام جمع فيه أحاديث من الرقاق على هذا النحو ، وأما ما يتبادر إلى بعض الأذهان من إرادة فائق الزمخشري

٢٦

وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب (١).

وما تواتر أيضاً عند الفريقين من قوله : «إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (٢).

وما رواه الحاكم في المستدرك ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٣).

وروى أيضاً بسند آخر عن أبي ذر : من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني (٤).

__________________

فلا يستقيم اذ المشار إليه بهذا النوع هو ايراد متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مرتبة على الحروف ، وفائق الزمخشري ليس إلّا في شرح الألفاظ اللغوية والكلمات العربية الواقعة في الحديث ولسان الصدر الأول من الصحب والتابعين الموثوق بعربيتهم المحتج باستعمالهم وبينه وبين هذا الكتاب بون. فيض القدير للمناوي ١ : ٢٢.

(١). متن فيض القدير ١ : ٢٠.

(٢). مسند أحمد ٣ : ١٧ و ٤ : ٣٦٦ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ رقم ٣٧٨٦ ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٦٢٩ رقم ١٥٥١ ، و ٦٣٠ رقم ١٥٥٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٠ رقم ٢٣١٩ ، المعجم الكبير ٣ : ٦٣ رقم ٢٦٧٩ ، المعرفة والتاريخ ١ : ٥٣٦ بعدة طرق ، مشكل الآثار ٢ : ٣٠٧ و ٤ : ٣٦٨ ، مصابيح السنة ٢ : ٢٠٦ ، مشكاة المصابيح ٢ : ٢٥٨ ، حلية الأولياء ١ : ٣٥٥ و ٩ : ٦٤ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٤٢ ، السنن الكبرى ٢ : ١٤٨ و ٧ : ٣٠ و ١٠ : ١١٤ ، مجمع الزوائد ٥ : ١٩٥ و ٩ : ١٦٣ و ١٠ : ٣٦٣ ، المطالب العالية ٤ : ٦٥ رقم ١٨٧٣ ، تهذيب الكمال ١٠ : ٥١ ، تحفة الاشراف ٢ : ٢٧٨ رقم ٢٦١٥ ، أسد الغابة ٣ : ٩٢ وفي طبعة ٣ : ١٣٩ ، المحرر الوجيز لابن عطيّة ١ : ٣٤ ، البحر المحيط لأبي حيّان ١ : ١٢ ، سمط النجوم العوالي للعصامي ٢ : ٥٠٢ رقم ١٣٦.

(٣). المستدرك ٣ : ١٢١ و ١٢٨.

(٤). المستدرك ٣ : ١٢٤.

٢٧

وروى أيضاً ، عن عمرو بن شاس حديثاً في آخره قال : يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت : أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : بلى من آذى علياً فقد آذاني ، وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (١).

قد عقد البدخشاني في مفتاح النجاة باباً : في ان الحق مع علي يدور كيف ما دار. وأورد فيه أحاديث كثيرة مما أخرجه الترمذي عن أبي يعلى والضياء عن أبي سعيد وابن مردويه عن عائشة أيضاً ، وعن أبي موسى الاشعري وعن أم سلمة وعن شهر بن حوشب عن أم سلمة والطبراني في الاوسط والصغير عن أم سلمة والديلمي عن عمار بن ياسر ، وأبي أيوب ، والحاكم ، وغيرهم ، وذكر بعض هذه الاخبار أيضاً الشيخ عبد الحق الدهلوي في رجال المشكاة في ترجمة الامير عليه‌السلام.

ورواه الحاكم في المستدرك بسند متّصل ، إلى ان قال : حدّثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين (٢).

ورواه أيضاً البدخشاني في مفتاح النجاة عن ابن مسعود ، وفي كنز العمال أيضاً عن ابن مسعود وفيه أيضاً عن زيد بن علي عن أبيه عن جدّه علي عليه‌السلام أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، ورواه أيضاً محمد بن طلحة الشافعي في كتاب مطالب السئول وغيرهم في غيرها والناكثون أصحاب وقعة الجمل ، والمارقون أصحاب النهروان ، والقاسطون أصحاب صفين (٣).

__________________

(١). المصدر السابق.

(٢). المستدرك ٣ : ١٣٩.

(٣). مطالب السئول : ١١٧.

٢٨

منها : حديث المنزلة ، أعني قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى».

حيث أنه مروي في صحاحهم وغيرها من الكتب التي يعسر تعدادها (١) ، وسنفرد لذكرها باباً على حدة ، وذكره البخاري في موضعين من صحيحه بطرق ثلاثة (٢) ، وأورده مسلم (٣) ، والترمذي (٤) في صحيحهما ، وابن ماجة في سننه وهو أحد الصحاح الستّ ، على ما ذكره جماعة منهم : ابن خلكان ، وأورده الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٥) ، والنسائي في خصائصه (٦) ، هؤلاء أرباب الصحاح الستّ ، وأورده غيرهم ممن لا يحصى ، وكتب القاضي علي بن المحسن التنوخي وهو من أعيان علمائهم كما يعرف من كتاب الأنساب

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب رقم ٣٧٠٦ وكتاب المغازي باب غزوة تبوك رقم ٤٤١٦ وأورد أيضاً في المغازي تعليقاً ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ رقم ٢٤٠٤ ، مسند أحمد ١ : ١٧٥ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٨ رقم ٣٧٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ١١٥ ، خصائص النسائي : ٧٠ ، مسند أبي داود ١ : ٢٨ رقم ٢٠٩ ، مشكل الآثار ٢ : ٣٠٩ ، المعجم الكبير ١٢ : ٩٩ ، والمعجم الصغير ٢ : ٢٢ ، الطبقات الكبرى ٣ : ٢٤ ، شرح السنة ٨ : ٨٥ رقم ٣٩٠٦ ، صفة الصفوة ١ : ٣١٢ ، تاريخ بغداد ١١ : ٤٣٢ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٦٢ ، السنن الكبرى ٩ : ٤٠ ، دلائل النبوة للبيهقي ٥ : ٢٢٠ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٦ ، العقد الفريد ٥ : ٦١ ، المناقب للخوارزمي : ٨٣ ، كفاية الطالب : ٢٨٣ وقال فيه : اتفق الجميع على صحته حتى صار ذلك اجماعاً منهم.

(٢). صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب رقم ٣٧٠٦ وكتاب المغازي باب غزوة تبوك رقم ٤٤١٦ وأورد أيضاً في المغازي تعليقاً.

(٣). صحيح مسلم ٢ : ١٩ و ٧ : ١١٩.

(٤). سنن الترمذي ٥ : ٦٤٠ رقم ٣٧٢٨.

(٥). مسند أحمد ٣ : ٥٦ ـ ٩٤.

(٦). خصائص النسائي : ١٥ ـ ١٧.

٢٩

للسمعاني ، وتاريخ ابن خلكان ، كتاباً مستقلاً في ذكر طرق هذا الحديث ، ورواه عن أزيد من عشرين صحابياً ، واعترف بكثرة طرقه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (١) وابن حجر المكي في الصواعق (٢) ، وقد صرح في الصواعق بتواتر حديث تعدّدت طرقه لكن بأقل من طرق هذا الحديث بكثير ، واعترف جماعة منهم بتواتر هذا الحديث منهم العلامة السيوطي ، وأورده في رسالة «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (٣) ، وذكره ابن تيمية في المنهاج (٤) ، مع ولعه بالمماراة واللّجاج ، [وقال :] ان هذا الحديث صحيح بلا ريب.

ثمّ ان غاية الاستغراب ونهاية الاستعجاب أن جماعة من أساطينهم منعوا صحة هذا الحديث مع ما عرفت أن اخراج أحد الشيخين له كاف في الحكم بصحته ، وبكونه مقطوع الصدور ، منهم : محققهم المدقق رئيس الحذاق المتكلّمين الآمدي ، ومنهم : المحقق النحرير العضدي ، قال : والجواب منع صحة الحديث ، ومنهم : شمس الدين الأصبهاني في شرح الطوالع ، وفي شرح التجريد ، قال : لا يصح الاستدلال به من جهة السند ، ولئن سلم صحة السند الخ.

وابن حجر المكي مع أنه ممن ادعى الإجماع على أن الصحيحين أصح الكتب بعد كلام الله (٥) ، واعترف بما تقدم آنفاً ذكر كلام الآمدي في مقام الجواب والرّد على الشيعة ، قال : وجوابها أن هذا الحديث ان كان غير صحيح كما يقول الآمدي فظاهر ... الخ (٦).

__________________

(١). فتح الباري ٧ : ٦٠.

(٢). الصواعق المحرقة : ٧٢.

(٣). الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة : ٣٨ رقم ١٠١.

(٤). منهاج السنة ٤ : ٨٧.

(٥). الصواعق المحرقة : ١٨.

(٦). الصواعق المحرقة : ٧٥.

٣٠

ومنها : حديث الغدير ، الذي لا يبلغ خبر من الأخبار درجته في كثرة الطرق ، واجتمعت فيه أضعاف أضعاف شروط التواتر ، واعترف ابن حجر المكي بصحة أكثر طرقه (١).

ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٢) ، والترمذي (٣) في صحيحه ، وغيرهم ممن يتعذر استيفاء جميعهم ، وقد صنّف بعضهم فيه كتاباً مفرداً ، بل عن أبي المعالي الجويني ، انه يتعجّب ويقول : «رأيت ببغداد في يد صحاف مكتوب عليه : هذه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون» (٤) ، وقد صرح العلامة السيوطي بتواتر هذا الحديث أيضاً في الأزهار ، ومع هذا فقد كذّب هذا الخبر كثير من أعيانهم وحكموا بأنه موضوع ، بل أقام جماعة كثيرة منهم أدلة عقلية ونقلية على بطلان هذا الخبر ووضعه.

منها : حديث «إنّ علياً مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي»

رواه الترمذي (٥) ، والنسائي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وأبو عبد الله الحاكم (٦) ، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن حنبل ، وابن عبد البر ، وابن الأثير

__________________

(١). المصدر السابق : ٦٤.

(٢). مسند أحمد : ١ : ٨٤ ، ٨٨ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ و....

(٣). سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦.

(٤). ينابيع المودّة : ٣٦.

(٥). سنن الترمذي : ٥ / ٦٣٥ رقم ٣٧١٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ، مسند أبي داود ٣ : ١١١ ، المستدرك ٣ : ١١٠ ، حلية الأولياء ٦ : ٢٩٤ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ١٩٩ فقال الذهبي : أخرجه الترمذي وحسنه النسائي كنز العمال ٦ : ٣٩٩.

(٦). المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٤ باب ١٨ رقم ٥٨ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١١.

٣١

الجزري (١) ، ومحب الدين الطبري ، وابن حجر المكي (٢) ، وعلي المتقي (٣) ، ونور الدين السمهودي ، وغيرهم ، وحكم ابن تيمية وصاحب الصواقع ، بكذبه وبطلانه.

ومنها : الحديث المروي في شأن نزول قوله تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ...» الآية (٤) وإنه في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، رواه جمع كثير وجمّ غفير من أعيان علمائهم ومفسريهم ومحدِّثيهم ، منهم النسائي ، وابن المغازلي ، وابن الجوزي ، والثعلبي ، والواحدي ، ومحب الدين الطبري ، والعلامة السيوطي ، وعلي المتقي ، وأبو الشيخ ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، والخطيب ، وعبد بن حميد ، وابن عساكر ، والطبراني ، والحافظ أبو نعيم ، وغيرهم (٥) ، ومع هذا كلّه حكم بوضعه وبطلانه جماعة ، منهم : ابن تيمية وغيره.

ومنها : حديث الطير ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اللهم جئني بأحب خلقك إليك فجاء علي عليه‌السلام» (٦).

__________________

(١). جامع الأصول ٩ : ٤٧٠ ، وأسد الغابة ٤ : ٢٧.

(٢). الصواعق المحرقة : ١٢٢.

(٣). كنز العمال ٦ : ٤٠٠.

(٤). المائدة : ٦١.

(٥). تفسير الطبري ٦ : ١٦٥ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٧١ ، أسباب النزول للواحدي : ٢٠٢ باب ١٩٠ رقم ٣٩٧ ، تفسير الرازي ٣ : ٤٣١ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٧ ، الدر المنثور ٢ : ٢٩٥ ، تذكرة الخواص : ٩ ، مناقب الخوارزمي : ١٧٨ ، الرياض النضرة ٢ : ٢٢٧ ، الفصول المهمة : ١٢٣ ، كنز العمّال ٦ : ٣٩١ ، منتخب كنز العمال ٥ : ٣٨ ، فتح القدير للشوكاني ٢ : ٥٠ ، جامع الأصول ٩ : ٤٧٨ رقم ٦٥٠٣ ، كفاية الطالب : ٢٥٠ ، مطالب السئول : ١٤٤ ، نور الأبصار : ٧٧.

(٦). سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ رقم ٣٧٢١ ، التاريخ الكبير ١ : ٣٥٧ رقم ١١٣٢ ، المستدرك ٣ : ١٣٠ ،

٣٢

رواه ابن الأثير في جامع الأصول : الستة ورزين في تجريد الصحاح الست ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، والبلاذري في التاريخ ، والسمعاني في الأنساب ، وابن البيع في صحيحه ، وأبو يعلى في مسنده ، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ، والنطنزي (١) في الخصائص ، والنسائي في الخصائص ، وابن عساكر ، وابن النجار ، والبغوي في المصابيح ، وابن حجر في المنح المكية ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى ، والعلامة السيوطي في جمع الجوامع ، والعلامة المتقي في كنز العمال ، وابن المغازلي في المناقب ، بأسانيد كثيرة ، وألّف ابن عقدة في طرق هذا الحديث كتاباً مستقلاً ، وأفرد ابن مردويه أيضاً فيه كتاباً (٢) ، ومع ذلك ردّه ابن تيمية في المنهاج ، وحكم ببطلانه ، وفي صواقع الكابلي : الخبر ـ يعني خبر الطير ـ موضوع.

قال الشيخ العلامة امام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن

__________________

المعجم الكبير ١ : ٢٥٣ رقم ٧٣٠ ، تاريخ بغداد ٣ : ١٧١ ، و ٩ : ٣٦٩ ، تاريخ اصبهان ١ : ٢٣٢ ، أسد الغابة ٤ : ٣٠ ، حلية الأولياء ٦ : ٣٣٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢٦ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١١.

(١). هو ، أبو الفتح محمد بن علي بن ابراهيم النطنزي ، قال السمعاني في الانساب : أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والادب والقيام بصنعة الشعر قدم علينا مرو سنة احدى وعشرين وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الادب ، واستفدت منه واغترفت من بحره ، ثمّ لقيته بهمدان ثمّ قدم علينا بغداد غير مرّة في مدّة مقامي بها وما لقيته الّا وكتبت عنه واقتبست منه ، الانساب.

(٢). وقد أجاب ابن حجر العسقلاني أجوبة على رسالة أبو حفص القزويني في ردّه على بعض أحاديث كتاب «مصابيح السنة» للبغوي ، وفيه : الحديث السادس عشر : كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير ، فقال : «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه» ثمّ قال : وقال الحاكم : رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفساً ، ثمّ ذكر له شواهد عن جماعة من الصحابة ، وفي الطبراني منها عن سفينة ، وعن ابن عباس ، وسند كلّ منهما متقارب. الأجوبة ابن حجر المطبوع في أواخر المجلد الأول من كتاب «مرقاة المفاتيح» لملا علي القاري : ٥٤٧ رقم ٦٠٩٤.

٣٣

أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه : لقد كنت زمناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يحسن للحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلمّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه ، وممن صرّح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري (١).

ومنها : حديث : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٢).

رواه كثير من الأعلام المحدثين وصرّح جماعة منهم بصحته ، وجماعة بحسنه ، ورواه الترمذي في صحيحه (٣) ، ومع ذلك ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ، وعن البخاري أنه قال : ليس له وجه صحيح ، وقال النووي أنه موضوع.

ومنها : حديث المؤاخاة (٤) ، المروي في مسند أحمد بن حنبل وصحيح

__________________

(١). المستدرك ٣ : ١٤١ رقم ٤٦٥٠ ، وفيه : فلمّا علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه ، فإذا حديث الطير بالنسبة اليها سماء ، وقال في ترجمة الحاكم : وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها بمصنّف ، تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٤٢.

(٢). سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ رقم ٣٧٢٣ ، المستدرك ٣ : ٢٢٦ ، تاريخ بغداد ٤ : ٣٤٨ ، و ٧ : ١٧٢ ، و ١١ : ٤٩ ، أسد الغابة ٤ : ٢٢ ، جامع الأصول ٨ : ٦٥٧ ، الجامع الصغير : ١٠٧ ، فيض القدير ٣ : ٤٦ ، شواهد التنزيل ١ : ٨١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٣٢٠ و ٧ : ٤٢٧ ، كنز العمال ١٢ : ٢٠١ ، وفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للغماري ، وهو أحسن كتاب جمع فيه أحاديث الباب.

(٣). سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ ، حلية الأولياء ١ : ٦٤ ، مصابيح السنة ٢ : ٢٧٥ ، وعنه في المشكاة : ٥٦٣ ط لكنهو ، وفي أجوبة ابن حجر على القزويني كما ذكرنا في حديث الطير ، قال : قلت : قد حدّث عنه أبو معاوية بحديث «أنا مدينة العلم» فقال : قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة ، ثمّ ساق الحاكم الحديث من طريق الفيدي المذكور وهو بفتح الفاء بعدها ياء مثناة من تحت ؛ وذكر له شاهداً من حديث جابر. مرقاة المفاتيح ١ : ٥٤٨ رقم ٦٠٩٦.

(٤). وهو الحديث الذي قال حذيفة بن يمان وجميع بن عمير : حين آخا رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، جاء علي عليه‌السلام تدمع عيناه ، فقال : مالي لم تؤاخ بيني وبين أحد من اخواني؟ قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وفي رواية حذيفة : آخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه الأنصار والمهاجر ، فكان يواخي بين الرجل ونظيره ، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٠ رقم ٣٨٠٤ ، المستدرك ٣ : ١٤ ، الرياض النضرة ٢ : ١٦٨ ، الإصابة ٢ : ٢٣٤ ، أسد الغابة ٣ : ٧٢ ، كنز العمال ٦ : ١٥٣ ، المناقب لابن المغازلي : ٣٧ ، كفاية الطالب : باب ٤٧ : ١٩٢.

٣٤

الترمذي والجمع بين الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب المعتمدة والأسفار المعتبرة ، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع ، وأن واضعه جاهل (١). والعجب أنه مع كونه حنبلياً كيف رضي بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث ، مع كثرة اطرائه في مدحه ، واختياره على مثل أبي حنيفة ، والشافعي ، لكنه نشأ من قلّة تتبعه وكثرة وقاحته.

ومنها : حديث «سدّ الأبواب إلّا باب علي» (٢).

المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها : صحيح الترمذي ، وخصائص النسائي ، ومسند الإمام أحمد ، ومسند البزار ، وجمع الجوامع للسيوطي ، وكنز العمال للمتقي ، وتاريخ المدينة للسيد نور الدين السمهودي ، ورواه الطبراني في الكبير ، والأوسط وغيرهم (٣).

__________________

(١). منهاج السنة ٤ : ٩٦.

(٢). ومن أراد التحقيق في الحديث المذكور فعليه بالرسالتين لابن حجر أحدهما «القول المسدد في الذب عن أحمد» والثانية «أجوبة ابن حجر على رسالة القزويني» الاول وقد طبع في كراس مستقلة والثاني طبع في آخر المجلد الاول من كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري ط المحققة ت جميل العطار ، دار الفكر ١٤١٢ ه‍.

(٣). سنن الترمذي ٥ : ٦٤١ رقم ٣٨١١ ، مسند أحمد ١ : ١٧٥ ، ٤ : ٣٧٩ ، الخصائص للنسائي : ١٣ ،

٣٥

ذكر ابن تيمية أنه ممّا وضعه الشيعة على طريق المقابلة.

ومنها : حديث : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى ابراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (١).

رواه جماعة كثيرة ، منهم باختلاف في بعض الألفاظ ، منهم : البيهقي ، والحاكم ، والديلمي ، وابن شاهين ، وعبد الرزاق ، وابن بطة ، وأبو نعيم ، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر ، وأبو الخير الحاكمي ، والنطنزي ، وابن المغازلي ، ومحب الدين الطبري ، والسيد على الهمداني ، وغيرهم ، ومع هذا حكم جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ومنها : حديث «لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبد ود ، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة» (٣).

رواه كثير منهم : أبو القاسم السهيلي في روض الأنف ، والماوردي في

__________________

المستدرك ٣ : ١٢٥ ، حلية الأولياء ٤ : ١٥٣ السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٦٥ ، مسند البزار كشف الأستار ٣ : ١٩٥ ، جامع الأصول ٩ : ٤٧٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٤١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ القول المسدد في ذب عن أحمد : ١٧. فتح الباري ٧ : ١٢ ، عمدة القاري ٧ : ٥٩٢ ، ارشاد الساري ٦ : ٨١ ، الرياض النضرة ٢ : ١٩٢ ، تذكرة الخواص : ٤١ ، كفاية الطالب : ٢٠٠ ، تاريخ المدينة المنورة ١ : ٣٣٧ ، أخبار القضاة ٣ : ١٤٩.

(١). كنز العمّال ١ : ٢٢٦ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٨ ، ذخائر العقبى : ٩٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٦ ، المناقب للخوارزمي : ٤٩ و ٢٤٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٢١٢ ، كفاية الطالب : ١٢١.

(٢). منهاج السنة ٣ : ١٢٨.

(٣). المستدرك ٣ : ٣٢ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٤٩ ، كنز العمال ٦ : ١٥٨ ، ولفظ الحديث : «لضربة علي خير من عبادة الثقلين» و «قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين» و «لمبارزة علي لعمرو بن ودّ أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة.

٣٦

سيره ، وبرهان الدين الحلبي الشافعي في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ، (يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بل أورده الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ونصّ على صحته واستدرك به على الشيخين أنهما لم يخرجاه مع أنه على شرطهما (١).

وذكر ابن تيمية أنه من الأكاذيب الموضوعة ، ولذا لم يروه أحد من العلماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ، بل ولا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والأنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء ، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو بن عبد ود ، وعمرو هذا لم يكن فيه معاداة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضارّته له وللمؤمنين ، مثل ما كان من صناديد قريش الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحرث ، وأمثالهم الذين نزل فيهم القرآن ، وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن ولا عرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد ولا غير ذلك من مغازي قريش التي غزا فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في سرايا ، ولم يشتهر ذكره إلّا في قصة خندق.

ومع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح ونحوها ، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم مبارزة حمزة ، وعبيدة ، وعلي ، مع عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وكتب التفسير والحديث مملوءة بذكر المشركين الذين كانوا يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحرث ، وغيرهم وبذكر رؤساء الكفار مثل الوليد بن المغيرة وغيره ، ولم يذكر أحد عمرو بن عبد ود ، لا في هؤلاء ولا في هؤلاء ، ولا كان من مقدمي القتال ، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين؟

__________________

(١). المستدرك ٣ : ٣٢.

٣٧

ومن المنقول بالتواتر : أن الجيش لم ينهزم بقتله ، بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله] (١) .....

وبعد ما شاهدت في الكتب المعتبرة ، وسمعت من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر المناقب والفضائل لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وحقّانيته ، ننظر بعين الانصاف ، من دون عصبية ، إلى ما في البخاري من الإشكال ، الموهن لأصحيته بين الكتب ، وذلك في أمور (٢).

__________________

(١). منهاج السنة ٤ : ١٧٢ ، ما بين المعقوفتين كما ذكره المستنسخ قد سقط بقدر الصفحتين ، وألحقناها على ما في المنهاج كما نقل عنه المؤلف رحمه‌الله.

(٢). الظاهر أنه رحمه‌الله قد فرغ من الاستشهاد بروايات الفضائل ، وأورد عليهم في الجرح والتعديل وألزمهم بما لا يمكن التخلّص منه ، ولذلك ابتدأ بذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

٣٨

الأمر الأول : البخاري وعدم روايته عن الصادق عليه‌السلام

[ويعدّ من أشدّ تعصباتهم في الجرح والتعديل قولهم في الصادق عليه‌السلام]!

قال الذهبي في الكاشف : جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي المدني الصادق ، أحد الأعلام ، وأمه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولهذا كان يقول : ولّدني أبو بكر مرتين ، روى عن أبيه وجدّه لأمه القاسم ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وعروة ، وعطاء ، ونافع ، ومحمد بن المنكدر ، وعنه خلائق لا يحصى منهم : ابنه موسى ، وشعبة ، والسفيانان ، مالك ، ووهب ، وحاتم بن اسماعيل ، وعبد الوهاب الثقفي ، وأبو عاصم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو أكبر منه ، ويحيى بن سعيد قال : ابن المديني سئل يحيى عن جعفر بن محمد؟ فقال : في نفسي منه شيء (١).

وأقول : عدم اخراج البخاري لحديثه عليه‌السلام وعدم الاحتجاج به ، واعتقاد عدم قابليته العياذ بالله ، للايداع في صحيحه السقيم ، مع اخراجه مرويات كثير من الخوارج والنواصب والكذابين ، والوضاعين ، والاحتجاج بهم وايداع أحاديثهم في كتابه ، وان كان كافياً في الدلالة على نصبه وضلالته وشقاءه ، كالدلالة على ترجيح روايات هؤلاء الملاحدة الملاعين والعياذ بالله على رواياته عليه‌السلام (٢).

__________________

(١). الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ١ : ١٨٦ رقم ٨٤ ـ ٨٧.

(٢). فمن أراد أن يطلع على تفضيل ذلك فعليه بكتابنا : «الامام البخارى وصحيحه الجامع».

٣٩

لكن صرّح محقّقهم المدقّق الذي يفتخرون بإفاداته أعني ابن تيمية بهذا المطلب ، لكمال تورطه في النصب والعداوة وتوغّله في الوقاحة والشقاء ، قال في المنهاج ، مظهر المزيد اللجاج والاعوجاج ما هذا نصّه : وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر قواعد الفقه ، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد فيه كلام فلم يخرّج له (١).

ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري ، وهذه العبارة تنادى على البخاري ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد ، الذي هو أقدمهم وأعلمهم بالنصب والانحراف عن أهل البيت (٢).

__________________

(١). منهاج السنة ٤ : ١٤٣.

(٢). ومن المؤسف في ذلك الأمر بالتَّدوين في الحديث النبوي على رأس المائة الأولى ونشر الحديث والآثار من دون مشاركة لأحد من أهل البيت الذين هم أعرف بالسنن من غيرهم لا سيّما الصادقين عليهما الاسلام ، حيث كانا من أحفظ الناس وأعلمهم ، كما في سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧ ، فكيف لا يؤخذ عنهما الحديث والآثار؟

فالبخاري لا يروي عن الصّادق عليه‌السلام ؛ ويروي عن «مروان بن الحكم» الّذي هو قاتل طلحة ، وقال فيه ابن حبّان وغيره معاذ الله أن نحتج بخبر رواه مروان بن الحكم. الجرح والتعديل ٨ : ٢٧١ ، سير أعلام النبلاء ١ : ٣٦ و ٣ : ٤٧٦ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٩١.

ولتلك المصيبة روى النسائي في سننه : عن ابن عباس قال : اللهم العنهم ، قد تركوا السُّنَّة من بغض علي. سنن النسائي ٥ : ٢٥٣ ، السنن الكبرى ٥ : ١١٣.

وقال النيسابوري في ذلك في الجهر بالبسملة في الصلاة : ان علياً عليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما كان زمن بني امية بالغوا في المنع عن الجهر سعياً في ابطال آثار علي. تفسير النيسابوري المطبوعة بهامش جامع البيان للطبري ١ : ٧٩.

٤٠